باب: قول (لا إله إلا الله)


(خ م) (٣٥) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الإيمانُ (بِضعٌ وسَبعُونَ أوْ) بِضعٌ وسِتُّونَ شُعبَةً، (فَأَفضَلُها قَولُ لا إلَهَ إلا اللهُ، وأَدناها إماطَةُ الأذى عَنِ الطَّرِيقِ)، والحَياءُ شُعبَةٌ مِن الإيمان».
- هذه الكلمة هي التي يدخل بها العبد في دين الله (الإسلام)، وهي الكلمة التي إذا حقَّقَها حقَّقَ الإيمان، وهي الكلمة التي ينجو بها العبد من عذاب الله ويدخل بها الجنة، وفي الدنيا تعصم -أي تمنع- دمه وماله وعرضه، ولابد معها من شهادة أن محمدا رسول الله.
- ومعنى (شهادة أن لا إله إلا الله) إقرار بأنه لا معبود بحق إلا الله، ومعنى (شهادة أن محمدًا رسول الله) إقرار بأن النبي ﷺ هو عبد الله ورسوله، وذلك يقتضي طاعته وتصديقه وقبول سنته وشرعه الذي شرع الله له.
-أن نزع الأذى من الطريق من الأعمال الصالحة التي يرجى بها الغفران من الله تعالى (ابن بطال).
-فيه دليل أن طرح الشوك في الطريق والحجارة والكناسة والمياه المفسدة للطرق, وكل ما يؤذى الناس يخشى العقوبة عليه في الدنيا والآخرة. (ابن بطال).

(خ م) (٢٨) عَنْ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن قالَ: أشهَدُ أن لا إلَهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُولُهُ، وأَنَّ عِيسى عَبدُ اللهِ (وابنُ أمَتِهِ) وكَلِمَتُهُ() ألقاها إلى مَريَمَ ورُوحٌ مِنهُ، وأَنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ، وأَنَّ النّارَ حَقٌّ، أدخَلَهُ اللهُ مِن أيِّ أبوابِ الجَنَّةِ الثَّمانِيَةِ شاءَ». لفظُ (خ): «وأَنَّ عِيسى عَبدُ اللهِ ورَسُولُهُ». وفِي رِوايَةٍ: «أدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ عَلى ما كانَ مِن عَمَلٍ».
-هذا محمول على إدخاله الجنة في الجملة فإن كانت له معاصٍ من الكبائر فهو في المشيئة فإن عذّب ختم له بالجنة. ( النووي )
-فيه إشارةٌ إلى أنَّ عيسى عليه السلام حجَّةُ اللهِ على عبادِه، خلقه مِن غير أبٍ، وأنطَقه في غيرِ أوانِه، وأحيَا الموتى على يدِه، وقيل: لأنَّه قال في صِغَره: إنِّي عبدُ اللهِ.

(خ م) (٢٢) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أُمِرتُ أن أُقاتِلَ النّاسَ حَتّى يَشهَدُوا أن لا إلَهَ إلا اللهُ وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، ويُقِيمُوا الصَّلاةَ، ويُؤتُوا الزَّكاةَ، فَإذا فَعَلُوا عَصَمُوا مِنِّي دِماءَهُم وأَموالَهُم إلا بِحَقِّها وحِسابُهُم عَلى اللهِ». ورَوى (م) عَنْ طارِقِ بْنِ أشْيَمَ؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «مَن قالَ لا إلهَ إلا اللهُ وكَفَرَ بِما يُعبَدُ مِن دُونِ اللهِ حَرُم مالُهُ ودمُهُ، وحِسابُهُ عَلى اللهِ».
ورَوى (خ) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النّاسَ حَتّى يَقُولُوا: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، فَإذا قالُوها، وصَلَّوْا صَلاتَنا، واسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنا وذَبَحُوا ذَبِيحَتَنا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنا دِماؤُهُمْ وأَمْوالُهُمْ إلّا بِحَقِّها وحِسابُهُمْ عَلى اللَّهِ».
(م) (٢٧) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أشهَدُ أن لا إلَهَ إلا اللهُ وأَنِّي رَسُولُ اللهِ لا يَلقى اللهَ بِهِما عَبدٌ غَيرَ شاكٍّ فَيُحجَبَ عَنِ الجَنَّةِ».
-وفيه دليل على أنه يستحب تجديد الشهادة عند تجديد كل نعمة, أو ظهور آية.
-وفيه أن كل من لقي الله غير شاك في الكلمة لم يحجب عن الجنة.

(خ م) (٣٢) وفي حديث أنَسِ بن مالِكٍ ﵁ مرفوعا: «ما مِن عَبدٍ يَشهَدُ أن لا إلَهَ إلا اللهُ وأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُولُهُ إلا حَرَّمَه اللهُ عَلى النّارِ». زادَ (خ): «صِدقًا مِن قَلبِهِ إلّا حَرَّمَهُ اللهُ على النّار».
-عظم كلمة التوحيد, وأنها الأصل الذي تعود إليه جميع الشرائع, وأن أعظم ما يلقى به العبد ربه أن يأتيه موحداً توحيداً لا شائبة فيه.
-حديث أبي ذر من أحاديث الرجاء التي أفضى الاتكال عليها ببعض الجهلة إلى الإقدام على الموبقات وليس هو على ظاهره, فإن القواعد استقرت على أن حقوق الآدميين لا تسقط بمجرد الموت على الإيمان, ولكن لا يلزم من عدم سقوطها أن لا يتكفل الله بها عمن يريد أن يدخله الجنة, ويحتمل أن يكون المراد بقوله "دخل الجنة" أي : صار إليها إما ابتداء من أول الحال, وإما بعد أن يقع ما يقع من العذاب نسأل الله العفو والعافية. ( ابن المنير )

(خ م) (٩٤) وفي حديث أبِي ذَرٍّ ﵁ مرفوعا: «ما مِن عَبدٍ قالَ: لا إلَهَ إلا اللهُ، ثُمَّ ماتَ عَلى ذَلكَ إلا دَخَلَ الجَنَّةَ».
(خ م) (٣٣) وفي حديث مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ؛ عَن عِتبانَ بْنِ مالِكٍ ﵁، مرفوعا: «فَإنَّ اللهَ قَد حَرَّمَ عَلى النّارِ مَن قالَ لا إلَهَ إلا اللهُ يَبتَغِي بِذَلكَ وجهَ اللهِ». وفي رواية (م): «لا يَشهَدُ أحَدٌ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأَنّي رَسُولُ اللهِ فَيَدخُلَ النّارَ أو تَطعَمَهُ».
-أجمع أهل السنة أنه لا بد من دخول الجنة لكل موحد إما معجلا معافى , وإما مؤخرا بعد عقابه, والمراد بتحريم النار تحريم الخلود خلافاً للخوارج والمعتزلة. ( النووي )

(م) (٢٦) وفي حديث عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ ﵁ مرفوعا: «مَن ماتَ وهُوَ يَعلَمُ أنَّهُ لا إلَهَ إلا اللهُ دَخَلَ الجَنَّةَ».
-" لا إله إلا الله " : انتفى انتفاءً عظيما أن يكون معبود بحق غيره سبحانه, فإن هذا العلم هو أعظم الذكرى المنجية من أهوال الساعة, وإنما يكون علما إذا كان نافعا, وإنما يكون نافعا إذا كان مع الإذعان والعمل بما تقتضيه, وإلا فهو جهل صرف. ( البقاعي )
- في قوله (وهو يعلم) إشارة إلى الرد على غلاة المرجئة أن مظهر الشهادتين يدخل الجنة وإن لم يعتقد ذلك بقلبه. ( النووي )
-فيه تذكير من النبي ﷺ على فضل التوحيد لمن مات عليه.

(م) (٣١) وفي حديث أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ مرفوعا: «َمَن لَقِيتَ مِن وراءِ هَذا الحائِطِ يَشهَدُ أن لا إلَهَ إلا اللهُ مُستَيقِنًا بِها قَلبُهُ فَبَشِّرهُ بِالجَنَّةِ».
-معناه أخبره أن من كانت هذه صفته فهو من أهل الجنة، وإلا فأبو هريرة لا يعلم استيقانهم، وفي هذا دلالة ظاهرة لمذهب أهل الحق أنه لا ينفع اعتقاد التوحيد دون النطق، ولا النطق دون الاعتقاد، بل لا بد من الجمع بينهما، وذكر القلب هنا للتأكيد ونفي توهم المجاز، وإلا فالاستيقان لا يكون إلا بالقلب، كقولك: رأيت بعيني. ( النووي)

(خ) (٩٩) وفي حديث أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ مرفوعا: «أسعَدُ النّاسِ بِشَفاعَتِي يَومَ القِيامَةِ مَن قالَ: لا إلَهَ إلا اللهُ خالِصًا مِن قَلبِهِ أو نَفسِهِ».
-أن الشفاعة إنما تكون في أهل التوحيد، وهو موافق لقوله - صلى الله عليه وسلم -: >لكل نبي دعوة، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة - إن شاء الله تعالى- من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا< ( ابن الملقن )
-ثبوت الشفاعة، والأحاديث جارية مجري القطع في ذلك، وهو مذهب أهل السنة.
-الحرص على العلم والخير، فإن الحريص يبلغ بحرصه إلى البحث عن الغوامض، ودقيق المعاني؛ لأن الظواهر يستوي الناس في السؤال عنها؛ لاعتراضها أفكارهم، وما لطف من المعاني لا يسأل عنها إلا الراسخ، فيكون ذلك سببا للفائدة، ويترتب عليه أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة. ( ابن الملقن )
-تفرس العالم في متعلمه وتنبيهه على ذلك؛ ليكون أبعث على اجتهاده. ( ابن الملقن )

باب: في عظمة الباري جل وعلا وسعة رحمته وإحسان الظن به


(م) (١٧٩) عَنْ أبِي مُوسى الأَشْعَرِيِّ ﵁ قالَ: قامَ فِينا رَسُولُ اللهِ ﷺ بِخَمسِ كَلِماتٍ فَقالَ: «إنَّ اللهَ ﷿ لا يَنامُ ولا يَنبَغِي لَهُ أن يَنامَ، يَخفِضُ القِسطَ ويَرفَعُهُ، يُرفَعُ إلَيهِ عَمَلُ اللَّيلِ قَبلَ عَمَلِ النَّهارِ، وعَمَلُ النَّهار قَبلَ عَمَلِ اللَّيلِ، حِجابُهُ النُّورُ، لَو كَشَفَهُ لأَحرَقَت سُبُحاتُ وجهِهِ ما انتَهى إلَيهِ بَصَرُهُ مِن خَلقِهِ».
-الحديث تضمن ثلاثة أمور شاملة عامة للسماوات والأرض:
وهي: ربوبيتهما، وقيوميتهما، ونورهما.
فكونه - سبحانه - رباً لهما، وقيوماً لهما، ونوراً لهما، أوصاف له -تعالى-، وآثار هذه الأمور الثلاثة قائمة بهما.
فأثر الربوبية: الخلق والإيجاد، وأثر القيومية: صلاحهما، وانتظامهما، وأثر نوره -تعالى- استنارة السماوات، وإشراق الأرض بنوره يوم القيامة.
وأما صفة الربوبية والقيومية، والنور، فهي قائمة به - تعالى - كما أن صفة الرحمة، والقدرة، والإرادة، والرضا، والغضب، قائمة به -تعالى- والرحمة الموجودة في العالم، والإحسان، والخير، والنعمة، والعقوبة، آثار تلك الصفات. وهكذا علمه -تعالى- القائم به هو صفته، وأما علوم عباده فمن آثار علمه، وقدرتهم من آثار قدرته. ( الغنيمان )
-بيان لمسارعة الكرام الكتبة إلى رفع الأعمال، وسرعة عروجهم إلى ما فوق السموات، وعرضهم على الله تعالى. ( الطيبي )

(م) (٢٦٢٠) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وأَبِي هُرَيْرَةَ ﵄ قالا: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «العِزُّ إزارُهُ، والكِبرِياءُ رِداؤُهُ، فَمَن يُنازِعُنِي عَذَّبتُهُ».
-منازعة الله تعالى في صفاته التي لا تليق بالمخلوق كفى بها شرا. ( ابن رجب )
-وصف الله تعالى بأن العظمة إزاره، والكبرياء رداؤه، كسائر صفاته، تثبت على ما يليق به، ويجب أن يؤمن بها على ما أفاده النص دون تحريف ولا تعطيل. ( الغنيمان )

(م) (٢٧٨٨) عَن ابْنِ عُمرَ ﵂ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَطوِي اللهُ ﷿ السَّمَواتِ يَومَ القِيامَةِ، ثُمَّ يَأخُذُهنَّ بِيَدِهِ اليُمنى، ثُمَّ يَقُولُ: أنا المَلِكُ؛ أينَ الجَبّارُونَ؟ أينَ المُتَكِبِّرُونَ؟ ثُمَّ يَطوِي الأَرَضِينَ بِشِماله، ثُمَّ يَقُولُ: أنا المَلِكُ؛ أينَ الجَبّارُونَ؟ أينَ المُتَكبِّرُونَ؟» وفي رواية له: حتى نَظَرتُ إلى المِنبَرِ يَتَحَرَّكُ مِن أسفَلِ شَيءٍ مِنهُ، حَتّى إنِّي لأقولُ: أساقِطٌ هو بِرَسولِ اللهِ ﷺ؟
-فيه التحذير من التَّجَبُّر والتَّكبُّر، والحث على التواضع والرحمة والعدل.
-أن بعض المتكبرين والمتجبرين يظنون أن التواضع ذلة ومهانة وانخفاض, فعاقبهم الله من جنس عملهم, بأن أهينوا في النار وكانوا فيها أذلاء صغراء.
-في الحديث إشارة أن من ترفع على الناس وضعه الله إما في الدنيا وإما في الآخرة وإما في الدنيا والآخرة. ( موسى لاشين )

١ 1)ما أفضل شعب الإيمان؟

٣/٠