(خ م) (٢٦١٠) عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ صُرَدٍ قالَ: استَبَّ رَجُلانِ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، فَجَعَلَ أحَدُهُما يَغضَبُ، ويَحمَرُّ وجهُهُ، فَنَظَرَ إلَيهِ النَّبِيُّ ﷺ فَقالَ: «إنِّي لأَعلَمُ كَلِمَةً لَو قالَها لَذَهَبَ ذا عَنهُ؛ أعُوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجِيمِ». فَقامَ إلى الرَّجُلِ رَجُلٌ مِمَّن سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ، فَقالَ: أتَدرِي ما قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ آنِفًا؟ قالَ: «إنِّي لأَعلَمُ كَلِمَةً لَو قالَها لَذَهَبَ ذا عَنهُ؛ أعُوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجِيمِ». فَقالَ لَهُ الرَّجُلُ: أمَجنُونًا تَرانِي؟ وفي رواية زادَ: وتَنتَفِخُ أوْداجُهُ.
وفي رواية (خ): فَقالُوا لَهُ: إنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «تَعَوَّذْ بِاللهِ مِن الشَّيطانِ».
-فيه أن الغضب في غير الله تعالى من نزغ الشيطان وأنه ينبغي لصاحب الغضب أن يستعيذ فيقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" وأنه سبب لزوال الغضب، وأما قول هذا الرجل الذي اشتد غضبه هل ترى بي من جنون فهو كلام من لم يفقه في دين الله تعالى، ولم يتهذب بأنوار الشريعة المكرمة وتوهم أن الاستعاذة مختصة بالمجنون ولم يعلم أن الغضب من نزغات الشيطان؛ ولهذا يخرج به الإنسان عن اعتدال حاله ويتكلم بالباطل ويفعل المذموم، وينوي الحقد والبغض وغير ذلك من القبائح المترتبة على الغضب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي قال له: أوصني، لا تغضب! فردد مرارا قال: لا تغضب، فلم يزده في الوصية على لا تغضب مع تكراره الطلب، وهذا دليل ظاهر في عظم مفسدة الغضب وما ينشأ منه ويحتمل أن هذا القائل هل ترى بي من جنون كان من المنافقين أو من جفاة الاعراب، والله أعلم. (النووي)

(خ م) (١٣٤) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَأتِي الشَّيطانُ أحَدَكُم فَيَقُولُ: مَن خَلَقَ كَذا وكَذا؟ حَتّى يَقُولَ لَهُ: مَن خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإذا بَلَغَ ذَلكَ فَليَستَعِذ بِاللهِ وليَنتَهِ». وفي رواية (م): «فَمَن وجَدَ مِن ذَلكَ شَيئًا فَليَقُل: آمَنتُ بِاللهِ».
-قال الإمام المازري رحمه الله: ظاهر الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يدفعوا الخواطر بالإعراض عنها، وأما الخواطر المستقرة التي أوجبتها الشبهة فإنها لا تدفع إلا بالاستدلال والنظر في إبطالها والله أعلم. (النووي)
-وأما قوله صلى الله عليه وسلم: فليستعذ بالله ولينته! فمعناه إذا عرض له هذا الوسواس فليلجأ إلى الله تعالى في دفع شره عنه وليعرض عن الفكر في ذلك، وليعلم أن هذا الخاطر من وسوسة الشيطان وهو إنما يسعى بالفساد والإغواء فليعرض عن الإصغاء إلى وسوسته، وليبادر إلى قطعها بالاشتغال بغيرها والله أعلم. (النووي)

(خ م) (٢٢٦١) عَنْ أبِي سَلَمَةَ قالَ: إن كُنتُ لأَرى الرُّؤيا تُمرِضُنِي، قالَ: فَلَقِيتُ أبا قَتادَةَ ﵁، فَقالَ: وأَنا كُنتُ لأَرى الرُّؤيا فَتُمرِضُنِي، حَتّى سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «الرُّؤيا الصّالِحَةُ مِن اللهِ، فَإذا رَأى أحَدُكُم ما يُحِبُّ فَلا يُحَدِّث بِها إلا مَن يُحِبُّ، وإن رَأى ما يَكرَهُ فَليَتفُل عَن يَسارِهِ ثَلاثًا، وليَتَعَوَّذ باللهِ مِن شَرِّ الشَّيطانِ وشَرِّها، ولا يُحَدِّث بِها أحَدًا، فَإنَّها لَن تَضُرَّهُ». وفي رواية: «الرُّؤيا مِن اللهِ، والحُلمُ مِن الشَّيطانِ ...».
وفي رواية (م): «والرُّؤيا السُّوءُ مِن الشَّيطانِ ...».
وفي رواية (م): «وليَتَحَوَّل عَن جَنبِهِ الَّذِي كانَ عَلَيهِ».
- ‏‏قوله ﷺ: "فإنها لن تضره"؛ معناه أن الله تعالى جعل هذا سببا لسلامته من مكروه يترتب عليها، كما جعل الصدقة وقاية للمال وسببا لدفع البلاء، فينبغي أن يجمع بين هذه الروايات، ويعمل بها كلها، فإذا رأى ما يكرهه نفث عن يساره ثلاثا قائلا: أعوذ بالله من الشيطان ومن شرها، وليتحول إلى جنبه الآخر، وليصل ركعتين، فيكون قد عمل بجميع الروايات، وإن اقتصر على بعضها أجزأه في دفع ضررها بإذن الله تعالى كما صرحت به الأحاديث. (النووي)
-قال القاضي: وأمر بالنفث ثلاثا طردا للشيطان الذي حضر رؤياه المكروهة تحقيرا له واستقذارا، وخصت به اليسار؛ لأنها محل الأقذار والمكروهات ونحوها، واليمين ضدها. (النووي)

ولهما عن أنس بن مالك ﵁ قال: (بلغ رسول الله ﷺ عن أصحابه شيء) فخطب فقال: «عُرِضَت عَلَيَّ الجَنَّةُ والنّارُ ...» الحديث، وفي رواية: ثم أنشأ عمرُ بن الخطاب فقال: رَضِينا بِاللَّهِ رَبًّا، وبالإسلامِ دِينًا، وبِمحمدٍ رسولًا، عائذًا بِاللَّهِ مِن سُوء الفِتَنِ.
(خ م) (٢٩١٥) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁ قالَ: أخبَرَنِي مَن هُوَ خَيرٌ مِنِّي؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ لِعَمّار حِينَ جَعَلَ يَحفِرُ الخَندَقَ، وجَعَلَ يَمسَحُ رَأسَهُ ويَقُولُ: «بُؤسَ ابْنِ سُمَيَّةَ، تَقتُلُكَ فِئَةٌ باغِيَةٌ». لَفظُ (خ): ويَقُولُ: «ويحَ عَمّارٍ تَقتُلُهُ الفِئَةُ الباغِيَةُ يَدعُوهُم إلى الجَنَّةِ ويَدعُونَهُ إلى النّارِ». قالَ: يَقُولُ عَمّارٌ: أعُوذُ بِاللَّهِ مِن الفِتَنِ.
-فيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أوجه منها أن عمارا يموت قتيلا وأنه يقتله مسلمون وأنهم بغاة وأن الصحابة يقاتلون وأنهم يكونون فرقتين باغية وغيرها، وكل هذا قد وقع مثل فلق الصبح صلى الله وسلم على رسوله الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلاوحي يوحى. (النووي)

تاسعا: ما جاء في الرُّقْيَةِ
(م) (٢١٨٥) عَنْ عائِشَةَ ﵂ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ قالَت: كانَ إذا اشتَكى رَسُولُ اللهِ ﷺ رَقاهُ جِبرِيلُ، قالَ: «بِاسمِ اللهِ يُبرِيكَ، ومِن كُلِّ داءٍ يَشفِيكَ، ومِن شَرِّ حاسِدٍ إذا حَسَدَ وشَرِّ كُلِّ ذِي عَينٍ».
- قوله: (إن جبريل رقى النبي ﷺ) ذكر الأحاديث بعده في الرقى، وفي الحديث الآخر في الذين يدخلون الجنة بغير حساب: "لا يرقون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون"، فقد يظن مخالفا لهذه الأحاديث، ولا مخالفة، بل المدح في ترك الرقى المراد بها الرقى التي هي من كلام الكفار، والرقى المجهولة، والتي بغير العربية، وما لا يعرف معناها، فهذه مذمومة لاحتمال أن معناها كفر، أو قريب منه، أو مكروه، أما الرقى بآيات القرآن، وبالأذكار المعروفة، فلا نهي فيه، بل هو سنة. (النووي)
- مشروعية قبول الرقية ممن عرضها، فقد قبل النبي ﷺ الرقية من جبريل عليه السلام؛ لأن الأمر والفضل لكلام الله وذكره جل وعلاه.
- استحباب ذكر الله عز وجل على كل ما تعجب به النفس والدعاء بالبركة، سواء كان ذلك في الإنسان نفسه، أو أهله، أو من حوله، وهذا من التواصي على الخير.

(م) (٢١٨٦) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁؛ أنَّ جِبرِيلَ أتى النَّبِيَّ ﷺ فَقالَ: يا مُحَمَّدُ؛ اشتَكَيتَ؟ فَقالَ: «نَعَم». فَقالَ: «بِاسمِ اللهِ أرقِيكَ مِن كُلِّ شَيءٍ يُؤذِيكَ، مِن شَرِّ كُلِّ نَفسٍ أو عَينِ حاسِدٍ، اللهُ يَشفِيكَ، بِاسمِ اللهِ أرقِيكَ».
- ذكر بسم الله أرقيك في الأول وتكرارها في الآخر، يعرف في البديع بالاحتباك، وهو عود العجز على الصدر، وجملة "يؤذيك" صفة الشيء، والجار والمجرور من كل شيء من شر نفس يصح أن يتعلق بيشفيك، أو بأرقيك. (موسى لاشين)
- وتكرير بسم الله أرقيك توكيد الرقية وتكريرها، وتكرير الدعاء. (موسى لاشين)

(خ م) (٢١٩٢) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ (إذا مَرِضَ أحَدٌ مِن أهلِهِ) نَفَثَ عَلَيهِ بِالمُعَوذاتِ، فَلَمّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي ماتَ فِيهِ جَعَلتُ أنفُثُ عَلَيهِ، وأَمسَحُهُ بِيَدِ نَفسِهِ، لأَنَّها كانَت أعظَمَ بَرَكَةً مِن يَدِي. وفي رواية (م) هِيَ لَفظُ (خ): كانَ إذا اشتَكى نَفَثَ عَلى نَفسِهِ بِالمُعَوِّذاتِ، ومَسَحَ عَنهُ بِيَدِهِ. وفي رواية: كانَ إذا اشْتَكى يَقْرَأُ عَلى نَفْسِهِ بِالمُعَوِّذاتِ ويَنْفُثُ، فَلَمّا اشتَدَّ وجَعُهُ كُنتُ أقرَأُ عَلَيهِ، وأَمسَحُ عَنْهُ بِيَدِهِ رَجاءَ بَرَكَتِها.
وفي رواية (خ) عَن مَعمَرٍ؛ فَسَأَلتُ الزُّهرِيَّ: كَيفَ يَنْفُثُ؟ قالَ: كانَ يَنْفُثُ عَلى يَدَيهِ، ثُمَّ يَمسَحُ بِهِما وجْهَهُ.
- وفي هذا الحديث استحباب الرقية بالقرآن وبالأذكار، وإنما رقى بالمعوذات لأنهن جامعات للاستعاذة من كل المكروهات جملة وتفصيلا، ففيها الاستعاذة من شر ما خلق، فيدخل فيه كل شيء، ومن شر النفاثات في العقد، ومن شر السواحر، ومن شر الحاسدين، ومن شر الوسواس الخناس. (النووي)
- فيه استحباب النفث في الرقية، وقد أجمعوا على جوازه، واستحبه الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. (النووي)

١ س1) قال ﷺ: "الرؤيا الصالحة من الله، فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا ...".

٣/٠