تابع كتاب الجهاد


1301 - وعن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه: أنَّ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإسْلاَمِ دينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ»، فَعَجِبَ لَهَا أَبُو سَعيدٍ، فَقَالَ: أَعِدْهَا عَلَيَّ يَا رسولَ اللهِ، فَأَعَادَهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَأُخْرَى يَرْفَع اللهُ بِهَا العَبْدَ مِائَةَ دَرَجَةٍ في الجَنَّةِ، مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَينِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ» قَالَ: وَمَا هيَ يَا رسول الله؟ قَالَ: «الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ، الجهَادُ في سَبيلِ اللهِ». رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- من فضل الجهاد في سبيل الله: أن الإنسان إذا قتل شهيداً، فإنه يأتي يوم القيامة وجرحه يدمي، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، يشهده الأولون والآخرون، من هذه الأمة وغيرها، بل ويشهده الملائكة في ذلك اليوم المشهود، وهذا يوجب له الرفعة في الدنيا والآخرة.
قال ابن باز ﵀:
- بيان فضل الجهاد وأن درجته عالية وعظيمة، وأن المجاهد في سبيل الله الصادق المخلص، قد وعده الله الجنة والكرامة، وأنّ الله أعد للمجاهدين في الجنة مائة درجة، وهذا فضل عظيم وتشريف كبير للمجاهدين، خصهم الله بهذه الدرجات في الجنة، مائة درجة تخصهم، ما بين كل درجتين، مثل ما بين السماء والأرض، يعني مسيرة خمسمائة عام، وهذا يدل على شرف الجهاد وعظم فضله.
- فضل هذه الكلمات (رضيت بالله رباً، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولًا) ينبغي للمؤمن أن يكثر منها.

1302 - وعن أَبي بكر بن أَبي موسى الأشعريِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبي - رضي الله عنه - وَهُوَ بَحَضْرَةِ العَدُوِّ، يقول: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أبْوَابَ الجَنَّةِ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ» فَقَامَ رَجُلٌ رَثُّ الهَيْئَةِ، فَقَالَ: يَا أَبَا مُوسَى أَأَنْتَ سَمِعْتَ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقول هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَرَجَعَ إِلَى أصْحَابِهِ، فَقَالَ: أقْرَأُ عَلَيْكُم السَّلاَمَ، ثُمَّ كَسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ فَألْقَاهُ، ثُمَّ مَشَى بِسَيْفِهِ إِلَى العَدُوِّ فَضَربَ بِهِ حَتَّى قُتِلَ. رواه مسلم.
1303 - وعن أَبي عبسٍ عبد الرحمن بن جَبْرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ما اغْبَرَّتْ قَدَمَا عَبْدٍ في سَبيلِ اللهِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ». رواه البخاري.
1304 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيةِ الله حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ في الضَّرْعِ، وَلاَ يَجْتَمِعُ عَلَى عَبْدٍ غُبَارٌ في سَبيلِ اللهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ». رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح».
1305 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقول: «عَيْنَانِ لاَ تَمسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ في سَبيلِ اللهِ». رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن».
قال ابن عثيمين ﵀:
- من فضائل الجهاد أنّ أبواب الجنة، تحت ظلال السيوف، بمعنى أنّ من قاتل فإنّه يكون قتاله سبباً لدخول الجنة من أبوابها.
قال ابن باز ﵀:
- فضل الجهاد، وأنّ أجره عظيم، وأنّ الشهداء المخلصين، موعدون بالجنة، وجهاده في سبيل الله، من أسباب سلامته من النار.
- البكاء من خشية الله، والجهاد في سبيل الله، والحرس في سبيل الله، والرباط في سبيل الله،كله من أسباب دخول الجنة، والنجاة من النار، لكن مع الاستقامة على طاعة الله ورسوله، هذه الأحاديث وأشباهها من أحاديث الفضائل، المراد بها يعني مع الاستقامة، على أداء فرائض، وترك محارم الله، وعدم الانحراف، أما إذا تعاطى شيئاً من الكبائر، فهذا تحت مشيئة الله، فالجهاد والبكاء من خشية الله، وسائر أنواع الخير كلها من أسباب السلامة من النار، وكلها من أسباب دخول الجنة، لكن مع الحذر من الإصرار على كبائر الذنوب، ومع الاجتهاد في أداء فرائض الله.
- النصوص يضم بعضها إلى بعض، فنصوص الرجاء تضم إلى نصوص الوعيد، ونصوص الوعيد تضم إلى نصوص الرجاء، حتى يفسر بعضها ببعض، فلا يغلب الوعيد، ولا يغلب جانب الرجاء، ولكن المؤمن يخاف الله، ويرجو رحمته، فلا يقنط وييأس، ولا يأمن مكر الله جل وعلا، لكنه يرجو رحمته بما فعله من الخير، ويخشى عذابه مما عنده من الشر، ويكون دائما على حذر، وعلى توبة وندم وإقلاع من الذنوب.

1306 - وعن زيد بن خالد - رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ جَهَّزَ غَازيًا فِي سَبيلِ اللهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازيًا في أهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا». متفقٌ عَلَيْهِ.
1307 - وعن أَبي أُمَامَة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أفْضَلُ الصَّدَقَاتِ ظِلُّ فُسْطَاطٍ في سَبِيلِ اللهِ وَمَنيحَةُ خَادِمٍ في سَبِيلِ اللهِ، أَوْ طَرُوقَةُ فَحلٍ في سَبِيلِ اللهِ». رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح».
1308 - وعن أنس - رضي الله عنه: أن فَتَىً مِنْ أسْلَمَ، قَالَ: يَا رسولَ اللهِ، إنِّي أُرِيدُ الغَزْوَ وَلَيْسَ مَعِيَ مَا أَتَجهَّزُ، قَالَ: «ائْتِ فُلانًا فَإنَّهُ قَدْ كَانَ تَجَهَّزَ فَمَرِضَ» فَأتَاهُ، فَقَالَ: إنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ، ويقول: أعْطِني الَّذِي تَجَهَّزْتَ بِهِ. قَالَ: يَا فُلاَنَةُ، أعْطِيهِ الَّذِي تَجَهَّزْتُ بِهِ، وَلاَ تَحْبِسِي عَنْهُ شَيْئًا، فَوَاللهِ لاَ تَحْبِسِي مِنْهُ شَيْئًا فَيُبَارَكَ لَكِ فِيهِ. رواه مسلم.
1309 - وعن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ إِلَى بَنِي لَحْيَانَ، فَقَالَ: «لِيَنْبَعِثْ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ أحَدُهُمَا، وَالأجْرُ بَيْنَهُمَا». رواه مسلم.
وفي روايةٍ لَهُ: «لِيَخْرُجَ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ رَجُلٌ» ثُمَّ قَالَ للقاعد: «أيُّكُمْ خَلَفَ الخَارِجَ في أهْلِهِ وَمَالِهِ بِخيْرٍ كَانَ لَهُ مِثْلُ نِصْفِ أجْرِ الخَارِجِ».
قال ابن عثيمين ﵀:
- الجهاد في سبيل الله، يكون بالمال، ويكون بالنفس، ولكنه بالنفس أفضل، وأعظم أجراً، لأنّ كل هذه الأحاديث، فيمن جاهد بنفسه، ومن جاهد بماله، فهو على خير، وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه من جهز غازياً في سبيل الله، فقد غزا، أي كتب له أجر الغازي، ومن خلفه في أهله في خير، فقد غزا.
- فيه دليلٌ على أن من جهز الغازي، وأعطاه ما يكفي لغزوه، فإنه كالذي يغزو، وأن من خلف الغازي في أهله، فله مثل أجره، ويدل لهذا أيضا قصة بني لحيان حيث أنّ النبي ﷺ أمرهم أن يخرج منهم واحد، ويبقى واحد يخلف الغازي في أهله ويكون له نصف أجره؛ لأنّ النصف الثاني للغازي.
قال ابن باز ﵀:
- الجهاد له شأنٌ عظيم، لما فيه من إظهار الإسلام، وإعزاز أهله، وتوسيع رقعته، والدعوة إليه، وإدخال الناس إليه بالجهاد، وإنجائهم من أسباب غضب الله وعقابه، ففيه خير عظيم، ومصالح جمة للمسلمين ولغيرهم، ولهذا قال ﷺ: (من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا)، من خلفه في أهله بخير، قام مقامه في الإنفاق على أهله، والعناية بأهله يكون غازيا؛ لأنّ الغزاة يشترك المتخلف مع المتقدم، فإذا كانوا اثنين مثلاً، وغزا واحد والآخر تخلف في الأهل، اشتركا في الأجر، فالذي يتخلف لمصلحة الغزاة، والقيام على أهلهم شريك له في الأجر، يعطى مثل أجورهم، فينبغي الجود والإحسان بالنفس والمال، رجاء ما عند الله من المثوبة، وما يحصل من الخير للمسلمين ولغير المسلمين، الجهاد يكون بالمال، ويكون بالنفس، ويكون بهما جميعا، والمعول على صلاح النية وإخلاصها لله، فمن أخلص نيته لله في جهاده بنفسه أو بماله، أو بهما صار مع المجاهدين
.
1310 - وعن البَراءِ - رضي الله عنه - قَالَ: أتَى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ مُقَنَّعٌ بالحَدِيدِ، فَقَالَ: يَا رسولَ اللهِ، أُقَاتِلُ أَوْ أُسْلِمُ؟ قَالَ: «أَسْلِمْ، ثُمَّ قَاتِلْ». فَأسْلَمَ، ثُمَّ قَاتَلَ فَقُتِلَ. فَقَالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم: «عَمِلَ قَلِيلًا وَأُجِرَ كَثِيرًا». متفقٌ عَلَيْهِ. وهذا لفظ البخاري.
قال ابن عثيمين ﵀:
- الجهاد بدون إسلام، لا ينفع صاحبه؛ وهكذا جميع الأعمال الصالحة، يشترط فيها الإسلام، لا يقبل الله من أحد، صدقة ولا حج ولا صيام، ولا أي شيء، وهو غير مسلم، فالإسلام شرط لكل عبادة، لا تقبل أي عبادة، ولا تصح إلا بالإسلام.
قال ابن باز ﵀:
- من فضل الله ﷿ أنّ الإسلام يجب ما قبله، ويهدم ما قبله من الذنوب، ثم جاءت الشهادة خيراً على خير، وفضلاً على فضل.

1311 - وعن أنس - رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَلَهُ مَا عَلَى الأرْضِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ الشَّهِيدُ، يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ؛ لِمَا يَرَى مِنَ الكَرَامَةِ».
وفي رواية: «لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن باز ﵀:
- فضل الشهادة في سبيل الله، وجهاد المشركين لإعلاء كلمة الله، ونصر دينه، لا للرياء والسمعة، ولكن يجاهد لله، فالمؤمن يقاتل مخلصاً لله، يريد وجهه الكريم، يريد إعزاز دينه، وهكذا الداعي إلى الله، والآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر، في جهاد مع الإخلاص لله والصدق، فصاحبه في جهاد عظيم، فالمؤمن يحتسب عند الله أجره في دعوته إلى الله، في تعليمه الجاهل، في نصيحته، في أمره بالمعروف، في نهيه عن المنكر، في جهاده أعداء الله، يحتسب الأجر عند الله ويخلص، وله عند الله الأجر العظيم والخير الكثير
.
1312 - وعن عبدِ الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يُغْفَرُ للشهيد كُلَّ شَيْءٍ إِلاَّ الدَّيْنَ». رواه مسلم.
وفي روايةٍ له: «القَتْلُ في سبيلِ اللهِ يُكَفِّرُ كُلَّ شيءٍ إلاَّ الدَّيْن».
قال ابن عثيمين ﵀:
- الشهادة تكفر كل شيء من الأعمال إلا الدين: يعني إلا دين الآدمي، فإن الشهادة لا تكفره، وذلك لأن دين الآدمي، لابد من إيفائه، إما في الدنيا وإما في الآخرة.
- التحذير من التساهل في الدين، وأنه لا ينبغي للإنسان أن يتساهل في الدين، ولا يتدين إلا عند الضرورة، لا عند الحاجة، إنّما عند الضرورة القصوى؛ لأنّ النبي ﷺ لم يأذن للرجل الذي قال: (زوجني)، التمس ولو خاتماً من حديد، فالتمس فلم يجد، فقال: (زوجتها بما معك من القرآن). ولم يقل استقرض من الناس، مع أنّه زواج حاجة ملحة، لكن لم يأذن له الرسول ﷺ، بل لم يرشده إلى الاستدانة؛ لأن الدين خطير جداً، لا تكفره حتى الشهادة في سبيل الله، لا تكفر الدين.
قال ابن باز ﵀:
- الشهيد تغفر له ذنوبه إذا قتل صابرًا محتسباً، يعني مخلصاً لله يطلب الأجر منه مقبلاً غير مدبر، غفر الله له خطاياه إلا الدين، فهذا يدل على أن الدين يبقى لصاحبه، يعطى يوم القيامة حقه، إلا إذا رحم الله العبد، وقبل عذره، أرضى عنه صاحب الدين إذا كان معذوراً، فالمعذور الله ﷿ يوفي عنه، ويقضي عنه دينه، أما غير المعذور فيعطى صاحب الحق حقه، فالحذر من حقوق الناس.

1313 - وعن أَبي قتادة - رضي الله عنه: أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ فِيهِم فَذَكَرَ أنَّ الجِهَادَ في سَبيلِ اللهِ، وَالإيمَانَ بِاللهِ، أفْضَلُ الأعْمَالِ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رسولَ اللهِ، أرأيْتَ إنْ قُتِلْتُ في سَبيلِ اللهِ، أتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ، إنْ قُتِلْتَ في سَبيلِ الله وَأنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ»، ثُمَّ قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «كيْفَ قُلْتَ؟» قَالَ: أرَأيْتَ إنْ قُتِلْتُ في سَبيلِ اللهِ، أتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ، وَأنْتَ صَابرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيرُ مُدْبِرٍ، إِلاَّ الدَّيْنَ فَإنَّ جِبْريلَ - عليه السلام - قَالَ لِي ذَلِكَ». رواه مسلم.
1314 - وعن جابر - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: أيْنَ أنَا يَا رسول الله إنْ قُتِلْتُ؟ قَالَ: «في الجَنَّةِ» فَألْقَى تَمَرَاتٍ كُنَّ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. رواه مسلم.
1315 - وعن أنس - رضي الله عنه - قَالَ: انْطَلَقَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأصْحَابُهُ حَتَّى سَبَقُوا المُشْرِكِينَ إِلَى بَدْرٍ، وَجَاءَ المُشْرِكُونَ، فَقَالَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَقْدمَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى شَيْءٍ حَتَّى أكُونَ أنَا دُونَهُ». فَدَنَا المُشْرِكُونَ، فَقَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماوَاتُ وَالأرْضُ» قَالَ: يَقُولُ عُمَيْرُ بن الحُمَامِ الأنْصَارِيُّ رضي الله عنه: يَا رسولَ اللهِ، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّماوَاتُ وَالأرْضُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: بَخٍ بَخٍ ؟ فَقَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَولِكَ بَخٍ بَخٍ؟» قَالَ: لاَ وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ إِلاَّ رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أهْلِهَا، قَالَ: «فَإنَّكَ مِنْ أهْلِهَا» فَأخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ، فَجَعَلَ يَأكُلُ مِنْهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ أَنَا حَييتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هذِهِ إنّهَا لَحَياةٌ طَوِيلَةٌ، فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ. رواه مسلم .
«القَرَن» بفتح القاف والراء: هُوَ جُعْبَةُ النشَّابِ.
1316 - وعنه، قَالَ: جَاءَ نَاسٌ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أن ابْعَثْ مَعَنَا رِجَالًا يُعَلِّمُونَا القُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، فَبَعَثَ إلَيْهِمْ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنَ الأنْصَارِ يُقَالُ لَهُمْ: القُرّاءُ، فِيهِم خَالِي حَرَامٌ، يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ، وَيَتَدَارَسُونَ بِاللَّيْلِ يَتَعَلَّمُونَ، وَكَانُوا بِالنَّهَارِ يَجِيئُونَ بِالمَاءِ، فَيَضَعُونَهُ في المَسْجِدِ، وَيَحْتَطِبُونَ فَيَبِيعُونَهُ، وَيَشْتَرُونَ بِهِ الطَّعَامَ لأَهْلِ الصُّفَّةِ، وَلِلفُقَرَاءِ، فَبَعَثَهُمُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَعَرَضُوا لَهُمْ فَقَتَلُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَبْلغُوا المَكَانَ، فَقَالُوا: اللَّهُمَّ بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنَا أنَّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا، وَأتَى رَجُلٌ حَرامًا خَالَ أنَسٍ مِنْ خَلْفِهِ، فَطَعَنَهُ بِرُمْحٍ حَتَّى أنْفَذَه، فَقَالَ حَرَامٌ: فُزْتُ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، فَقَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «إنَّ إخْوَانَكُمْ قَدْ قُتِلُوا وَإنَّهُمْ قَالُوا: اللَّهُمَّ بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنَا أنَّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا». متفقٌ عَلَيْهِ، وهذا لفظ مسلم.
1317 - وعنه، قَالَ: غَابَ عَمِّي أنسُ بنُ النَّضْرِ - رضي الله عنه - عن قِتَالِ بَدْرٍ، فَقَالَ: يَا رسولَ اللهِ، غِبْتُ عَنْ أوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ المُشْرِكِينَ، لَئِنِ اللهُ أشْهَدَنِي قِتَالَ المُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللهُ مَا أصْنَعُ. فَلَمَّا كَانَ يَومُ أُحُدٍ انْكَشَفَ المُسْلِمُونَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي اعْتَذِرُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هؤُلاءُ - يعني: أصْحَابَهُ - وَأبْرَأُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هؤُلاءِ - يَعنِي: المُشْرِكِينَ - ثُمَّ تَقَدَّمَ فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ فَقَالَ: يَا سَعَدَ بنَ مُعَاذٍ، الجَنَّةَ وَرَبِّ النَّضْرِ، إنِّي أجِدُ ريحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ! فَقَالَ سَعْدٌ: فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رسولَ اللهِ مَا صَنَعَ! قَالَ أنسٌ: فَوَجدْنَا بِهِ بِضعًا وَثَمَانِينَ ضَربَةً بِالسَّيْفِ، أَوْ طَعْنَةً برُمح أَوْ رَمْيةً بِسَهْمٍ، وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَمَثَّلَ بِهِ المُشْرِكُونَ، فَمَا عَرَفَهُ أحَدٌ إِلاَّ أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ. قَالَ أنسٌ: كُنَّا نَرَى - أَوْ نَظُنُّ - أنَّ هذِهِ الآية نَزَلتْ فِيهِ وَفي أشْبَاهِهِ: ﴿مِنَ المُؤمِنينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ﴾ [الأحزاب: 23] إِلَى آخرها. متفقٌ عَلَيْهِ ، وَقَدْ سبق في باب المجاهدة.
قال ابن عثيمين ﵀:
- صدق الصحابة ﵃، وصدق إيمانهم، يخبرهم النبي ﷺ بما للشهداء، فيدعون ما بأيديهم من الطعام، ويتركونه ويتقدمون إلى الجهاد في سبيل الله، ثم يقتلون، فيلقون الله ﷿ راضين عنه، وهو راض عنهم، جل وعلا، وهذا لا شك من فضائل الصحابة ﵃ التي لا يلحقهم بعدهم أحد فيها.
- هذه القصص وأمثالها، تدل دلالة واضحة على أن الله اختار لنبيه ﷺ أفضل الخلق، وأنه مصداق قوله ﷺ : (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ).
قال ابن باز ﵀:
- حديث السبعين الذين أرسلهم دعاة إلى بعض القبائل، يدعونهم ويعلمونهم، فاعترضهم بعض القبائل وقتلوهم في الطريق، فطلبوا من ربهم أن يبلغ عنهم، أنهم قد لقوا ربهم، فرضي عنهم ورضوا عنه، فأنزل الله فيهم قرآناً، حتى تطيب النفوس، وتطمئن القلوب، بأنهم فازوا بالجنة والكرامة، ولقوا ربهم ورضي عنهم.
- المجاهد بينه وبين دخول الجنة، أن يستشهد في سبيل الله صادقاً مخلصاً مقبلاً غير مدبر، يريد الله والدار الآخرة، وجبت له الجنة، فالجهاد له شأنه العظيم وفضله الكبير، جدير بالمؤمن أن يحرص على المشاركة في الجهاد، إذا تيسرت أسبابه
.