كتاب الأذْكَار


باب فَضلِ الذِّكْرِ وَالحَثِّ عليه


قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَلذِكْرُ الله أكْبَرُ﴾ [العنكبوت: 45]، وقال تَعَالَى: ﴿فَاذْكُرُونِي أذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: 152]، وقال تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بِالغُدُوِّ والآصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِنَ الغَافِلِينَ﴾ [الأعراف: 205]، وقال تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الجمعة: 10]، وقال تَعَالَى: ﴿إنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ﴾ ... إِلَى قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 35]، وقال تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأصِيلًا﴾ [الأحزاب: 41 - 42] الآية. والآيات في الباب كثيرةٌ معلومةٌ.

1408 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمانِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ العظيمِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- ذكر الله تعالى يكون بالقلب، ويكون باللسان، ويكون بالجوارح، أما ذكر الله تعالى بالقلب، أن يتفكر الإنسان، في أسماء الله وصفاته، وأحكامه وأفعاله وآياته، وأما الذكر باللسان فظاهر، ويشمل كل قول يقرب إلى الله ﷿ من التهليل والتسبيح والتكبير وقراءة القرآن، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وقراءة السنة، وقراءة العلم.
- ذكر الله بالأفعال، هو ذكر الله بالجوارح،كل فعل يقرب إلى الله، كالقيام في الصلاة، والركوع والسجود، والقعود، وغير ذلك، لكن يطلق عرفاً، على ذكر الله تعالى، التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل، نحث أنفسنا وإياكم، على إدامة ذكر الله، وهو لا يكلف باللسان، واللسان لا يعجز ولا يتعب، سهل ولله الحمد وأجره عظيم.
- إذا كان يوم القيامة، ووزنت الأعمال، ووضعت هاتان الكلمتان، في الميزان ثقلتا به، حبيبتان إلى الرحمن، وهذا أعظم الثوابين، أن الله تعالى يحبهما، وإذا أحب الله العمل، أحب العامل به، فهاتان الكلمتان من أسباب محبة الله للعبد.
- معنى (سبحان الله وبحمده) أنك تنزه الله تعالى، عن كل عيب ونقص، وأنه الكامل من كل وجه جل وعلا، مقروناً هذا التسبيح بالحمد الدال على كمال إفضاله، وإحسانه إلى خلقه جل وعلا، وتمام حكمته وعلمه، وغير ذلك من كمالاته.
- (سبحان الله العظيم) ذي العظمة والجلال، فلا شيء أعظم من الله سلطاناً، ولا أعظم قدراً، ولا أعظم حكمة، ولا أعظم علماً، فهو عظيم بذاته، وعظيم بصفاته جل وعلا، فيا عبد الله أدم هاتين الكلمتين، قلهما دائماً؛ لأنهما ثقيلتان في الميزان، وحبيبتان إلى الرحمن، وهما لا يضرانك في شيء، خفيفتان على اللسان، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، فينبغي للإنسان أن يقولهما ويكثر منهما.

1409 - وعنه - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ؛ وَالحَمْدُ للهِ؛ وَلاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أكْبَرُ، أَحَبُّ إلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ». رواه مسلم.
1410 - وعنه: أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَالَ: لا إلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ؛ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، في يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ وكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِي، وَلَمْ يَأتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ رَجُلٌ عَمِلَ أكْثَرَ مِنْهُ».
وقال: «مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ، في يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَإنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- كلمات خفيفة (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) هذه الأعمال العظيمة يتعاجز الإنسان عنها؛ لأن الشيطان يكسله ويخذله، ويثبطه عنها، وإلا فهي كما قال الرسول ﷺ أحب إلى الإنسان مما طلعت عليه الشمس، وهي الباقيات الصالحات، فينبغي لنا أن نغتنم الفرصة بهذه الأعمال الصالحة.
- من قال في يومه، مائة مرة (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) حصلت له هذه الفضائل الخمسة،كان كمن أعتق عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، وحطت عنه مائة خطيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا من عمل أكثر مما عمل.
- خمس فضائل، وهذه سهلة، يمكن وأنت تنتظر صلاة الفجر، بعد أن تأتي للمسجد، تقولها في طريقك، أو بعد طلوع الفجر تقولها، تنتفع بها، وهذا أيضا من الأمور التي ينبغي للإنسان أن يداوم عليها، وينبغي أن يقولها في أول النهار، لتكون حرزاً له من الشيطان.
- (سبحان الله وبحمده) من قالها مائة مرة، حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر، تقولها في آخر النهار، لأجل أن تحط عنك خطايا النهار، فانتهز الفرصة يا أخي، انتهز الفرصة، العمر يمضي ولا يرجع، ما مضى من عمرك فلن يرجع إليك، وهذه الأعمال، أعمال خفيفة مفيدة، ثوابها جزيل، وعملها قليل.
قال ابن باز ﵀:
- ينبغي للمؤمن أن يعمر أوقاته بذكر الله ﷿، في بيته، وفي الطريق، وفي مسجده، وفي غير ذلك، يكون معمور الوقت بالذكر، طليق اللسان به؛ لأن الله جل وعلا شرع ذلك وأمر به، ورسوله ﷺ كذلك أوصى بذلك، وحرض عليه، ولأنه ضد الغفلة، فالغافلون هم أهل النار.
- ينبغي اعتياد هذا، وينبغي أن يحافظ على هذا، مائة مرة كل يوم، وإذا قاله في الصباح كان أحسن، حتى يستوفي اليوم كله، يقوله في الصباح، حتى يحصل له السلامة في هذا اليوم كله، ومن قال: سبحان الله وبحمده، وفي اللفظ الآخر: سبحان الله العظيم، وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر، فيه فضل التسبيح أيضًا، ووعد بتكفير الخطايا، وهذا عند أهل العلم مقيد باجتناب الكبائر، والنصوص المطلقة تحمل على المقيدة، فيجب الحذر من كبائر الذنوب، لأنها تمنع المغفرة إلا لمن تاب منها، ويجتهد في أنواع الخير، وأعمال الخير، لما فيها من الحسنات العظيمة، وإطلاق اللسان بالذكر، والبعد عن مشابهة الغافلين.

1411 - وعن أَبي أيوب الأنصاريِّ - رضي الله عنه - عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَالَ: لا إلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ؛ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مَرَّاتٍ. كَانَ كَمَنْ أعْتَقَ أرْبَعَةَ أنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ». متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- من قال: (لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)، عشر مرات، كان كمن أعتق أربعة أنفس، من ولد إسماعيل، يعني كان الذي أعتق أربع رقاب، من أشرف الناس نسباً، وهم بنو إسماعيل؛ لأنّ أشرف الناس نسباً، هم العرب وهم بنو إسماعيل.
قال ابن باز ﵀:
- هذا فضل عظيم يدل على أن كثرة الذكر يعادل العتق.

1412 - وعن أَبي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «ألاَ أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الكَلاَمِ إِلَى اللهِ؟ إنَّ أَحَبَّ الكَلاَمِ إِلَى اللهِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ». رواه مسلم.

1413 - وعن أَبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ، وَالحَمْدُ للهِ تَمْلأُ المِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ للهِ تَمْلآنِ - أَوْ تَمْلأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ». رواه مسلم.
قال ابن باز ﵀:
- الطهور أي الغسل والوضوء، يتطهر من الأحداث والأخباث، شطر الإيمان، نصف الإيمان، فإن الإيمان نصفان: نصف ظاهر، ونصف يعتمد القلب بالطهارة الإيمانية، طهر الظاهر، الوضوء والغسل، والطهور المتعلق بالعقيدة، هو الإيمان، إخلاص العبادة لله، والإيمان بالله وحده، وأنه المستحق للعبادة، هذا نصف وهذا نصف، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله، والحمد لله تملآن، يعني تملآن الميزان، ففي هذا الحث على التحميد والتسبيح.
- الناس في بيع، لكن من قدم الأعمال الصالحة، واستقام على دين الله، فقد اشترى نفسه وأعتقها، ومن تساهل بركوب السيئات، والتشاغل عن الحسنات، أوبقها وأهلكها، نسأل الله العافية.

1414 - وعن سعد بن أَبي وقاصٍ - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ أعْرَابيٌّ إِلَى رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: عَلِّمْنِي كَلاَمًا أقُولُهُ. قَالَ: «قُلْ: لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، اللهُ أكْبَرُ كَبِيرًا، وَالحَمْدُ للهِ كَثيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَالِمينَ، وَلاَ حَولَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ» قَالَ: فهؤُلاءِ لِرَبِّي، فَمَا لِي؟ قَالَ: «قُلْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي». رواه مسلم.
1415 - وعن ثَوبانَ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاَتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاثًا، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أنْتَ السَّلاَمُ، وَمِنْكَ السَّلاَمُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الجَلاَلِ وَالإكْرَامِ» قِيلَ لِلأوْزَاعِيِّ - وَهُوَ أحَدُ رواة الحديث: كَيْفَ الاسْتِغْفَارُ؟ قَالَ: يقول: أسْتَغْفِرُ الله، أسْتَغْفِرُ الله. رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- الإنسان يستغفر، إذا فرغ من صلاته، من أجل ما يكون فيها من خلل ونقص، ويقول: (اللهم أنت السلام) يعني اللهم إني أتوسل إليك، بهذا الاسم الكريم، من أسمائك، أن تسلم لي صلاتي، حتى تكون تكفرة للسيئات، ورفعة للدرجات.

1416 - وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلاَةِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ». متفقٌ عَلَيْهِ.
1417 - وعن عبدِ الله بن الزُّبَيْرِ رضي الله تَعَالَى عنهما أنَّه كَانَ يَقُولُ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ، حِيْنَ يُسَلِّمُ: «لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ، لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ، وَلاَ نَعْبُدُ إِلاَّ إيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَنُ، لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ».
قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: وَكَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ. رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- هذان الحديثان في بيان الأذكار المقيدة؛ لأن الأذكار تنقسم إلى قسمين: مطلقة ومقيدة، منها مقيد بالوضوء، ومنها ما هو مقيد بالصلاة، فهذان الحديثان مقيدان بالصلاة، حديث المغيرة بن شعبة وحديث عبد الله بن الزبير ﵄.
- (اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت) هذا تفويض إلى الله ﷿، بأنه لا مانع لما أعطى، فما أعطاك الله لا أحد يمنعه، وما منعك لا أحد يعطيك إياه، إذا آمنا بأنه لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، إذاً لا نسأل العطاء إلا من الله ﷿ .
- (الجد) يعني الحظ والغنى، يعني الإنسان المحظوظ الذي له حظ، وعنده مال، وعنده كل ما يشتهي من الدنيا، فإنّ هذا لا ينفعه من الله، ما يمنع من الله ﷿؛ لأنّ الله تعالى له ملك السماوات والأرض، وكم من إنسان تراه مسروراً في أهله، وعنده المال والبنون، وجميع ما يناله من الدنيا، ولا ينفعه شيء من الله، يصاب بمرض، ولا يقدر أن يرفعه عنه إلا الله ﷿، يصاب به غم وهم وقلق لا ينفعه إلا الله ﷿.
- الترتيب بين الأذكار، ليس بواجب، لو قدمت بعضها على بعض، فلا بأس، لكن الأفضل أن تبدأ بالاستغفار ثلاثا، واللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم تذكر الله تعالى بالأذكار الواردة.

1418 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه: أنَّ فُقَراءَ المُهَاجِرِينَ أَتَوْا رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ذَهَبَ أهْلُ الدُّثورِ بِالدَّرَجَاتِ العُلَى، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أمْوَالٍ، يَحُجُّونَ، وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ. فَقَالَ: «ألاَ أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَتَسْبَقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَلاَ يَكُون أَحَدٌ أفْضَل مِنْكُمْ إِلاَّ منْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ؟» قالوا: بَلَى يَا رسول الله، قَالَ: «تُسَبِّحُونَ، وَتَحْمَدُونَ، وَتُكَبِّرُونَ، خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ». قَالَ أَبُو صالح الراوي عن أَبي هريرة، لَمَّا سُئِلَ عَنْ كَيْفِيَّةِ ذِكْرِهِنَّ قَالَ: يقول: سُبْحَان اللهِ، وَالحَمْدُ للهِ واللهُ أكْبَرُ، حَتَّى يَكُونَ مِنهُنَّ كُلُّهُنَّ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ. متفقٌ عَلَيْهِ.
وزاد مسلمٌ في روايته: فَرَجَعَ فُقَراءُ المُهَاجِرينَ إِلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: سَمِعَ إخْوَانُنَا أهْلُ الأمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا فَفَعَلُوا مِثْلَهُ؟ فَقَالَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤتِيهِ مَنْ يَشَاءُ».
«الدُّثُورُ» جمع دَثْر - بفتح الدال وإسكان الثاء المثلثة - وَهُوَ: المال الكثير.
1419 - وعنه، عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ سَبَّحَ الله في دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وحَمِدَ اللهَ ثَلاثًا وَثَلاَثِينَ، وَكَبَّرَ الله ثَلاثًا وَثَلاَثِينَ، وقال تَمَامَ المِائَةِ: لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ». رواه مسلم.
1420 - وعن كعب بن عُجْرَةَ - رضي الله عنه - عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«مُعَقِّباتٌ لاَ يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ - أَوْ فَاعِلُهُنَّ - دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ: ثَلاثٌ وَثَلاثونَ تَسْبِيحَةً، وَثَلاثٌ وثَلاَثونَ تَحْمِيدَةً، وَأرْبَعٌ وَثَلاَثونَ تَكْبِيرَةً». رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- حرص الصحابة  على التسابق إلى الخير وأن كل واحد منهم يحب أن يسبق غيره.
- (ثلاثاً وثلاثين) مشروع خلف الصلوات، وقد ورد في حديث آخر، أنه تكمل المائة بقول: لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وهذه صفة من صفات الذكر بعد الصلاة.
• من صفات الذكر بعد الصلاة: أن تقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، خمساً وعشرين، فيكون الجميع مائة.
• ومن صفاته أيضاً، أن تقول: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر أربع وثلاثين، فهذه مائة.
• ومن صفاته أن تقول: سبحان الله، عشر مرات، والحمد لله، عشر مرات، والله أكبر، عشر مرات، تفعل هذا مرة، وهذا مرة؛ لأن الكل ثبت عن النبي ﷺ.
- سعة صدر النبي ﷺ، على المراجعة والمناقشة؛ لأنه عليه الصلاة والسلام يريد الحق، أينما كان، والحق معه، لكن يطيب قلوب الناس ويبين لهم.
- الله سبحانه وتعالى إذا منَّ على أحد بفضل، فإنما هو فضله يؤتيه من يشاء، ولن يجور بهذا الفضل على أحد، فإذا أغنى هذا، وأفقر هذا، فهو فضله يؤتيه من يشاء، وليس هذا بجور، بل ذلك فضله يؤتيه من يشاء، وكذلك أيضاً من رزقه الله علماً، ولم يرزق الآخر، فهذا من فضله، فالفضل بيد الله ﷿ يؤتيه من يشاء.
- أن الأغنياء من الصحابة كالفقراء، حريصون على فعل الخير، والتسابق فيه، ولهذا صنعوا مثل ما صنع الفقراء، فصاروا يسبحون ويحمدون ويكبرون، خلف كل صلاة ثلاثاً وثلاثين.

1421 - وعن سعد بن أَبي وقاص - رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَتَعَوَّذُ دُبُرَ الصَّلَواتِ بِهؤُلاءِ الكَلِمَاتِ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ وَالبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ». رواه البخاري.
قال ابن عثيمين ﵀:
- البخل: هو الشح بالمال، والجبن: هو الشح بالنفس، والبخل يمنع الإنسان ما يجب عليه بذله، من ماله، من زكاة أو نفقات، أو إكرام ضيف، أو غير ذلك، وأما الجبن، فأن يشح الإنسان بنفسه، لا يقدم في جهاد، يخشى أن يقتل، ولا يتكلم بكلام حق، يخشى أن يسجن، وما أشبه ذلك فهذا جبن.
- (أرذل العمر) أرداه وأنقصه، وذلك على وجهين:
• الوجه الأول: أن يحدث للإنسان حادث، فيختل به عقله، فيهذي، فيرد إلى أرذل العمر، ويصير كالصبي.
• الوجه الثاني: أن يكون ذلك عن كبر؛ لأن الإنسان، كلما كبر، إذا استوى وبلغ أربعين سنة، بدأ يأخذ في النقص، ولكن الناس يختلفون، أحد ينقص كثيراً، وأحد ينقص قليلاً، لكنه لابد أن ينقص، فمن الناس من يرد إلى أرذل العمر، في قواه الحسية، وقواه العقلية، فيضعف بدنه، ويحتاج إلى من يحمله، ويوضئه ويوجهه، وما أشبه ذلك، أو عقلياً، بحيث يهذي ولا يدري ما يقول.
- ما أعظم فتنة الدنيا، وما أكثر المفتونين في الدنيا، لاسيما في عصرنا هذا، وعصرنا هذا هو عصر الفتنة،كما قال النبي ﷺ: (والله ما الفقر أخشى عليكم، وإنما أخشى أن تفتح عليكم الدنيا، فتنافسوها كما تنافسها من قبلكم، فتهلككم كما أهلكتهم). وهذا هو الواقع في الوقت الحاضر، فتحت علينا الدنيا من كل جانب، من كل شيء، من كل وجه، فصار الناس الآن، ليس لهم هم، إلا البطون والفروج، ففتنة الدنيا عظيمة، يجب على الإنسان أن ينتبه لها.
- فتنة القبر، فتنة عظيمة، إذا دفن الميت، وانصرف عنه أصحابه، حتى أنه ليسمع قرع نعالهم، منصرفين عنه، أتاه ملكان يسألانه، عن ربه ودينه ونبيه، إن كان مؤمناً خالصاً أجاب بالصواب، وإن كان مرائيًا أو منافقاً، قال: ها ها، لا أدري، فيضرب بمرزبة من حديد، فيصيح صيحة، يسمعها كل شيء، إلا الثقلين، يعني الإنس والجن، وهذه من رحمة الله، أن الله تعالى لا يسمعنا عذاب القبر؛ لأننا إذا سمعنا الناس يعذبون في قبورهم، ما طاب لنا عيش، ففتنة القبر فتنة عظيمة نسأل الله أن يعيذنا وإياكم منها.

1422 - وعن معاذ - رضي الله عنه: أن رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيده، وقال: «يَا مُعَاذُ، وَاللهِ إنِّي لأُحِبُّكَ» فَقَالَ: «أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لاَ تَدَعَنَّ في دُبُرِ كُلِّ صَلاَة تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ». رواه أَبُو داود بإسناد صحيح.
قال ابن عثيمين ﵀:
- كلمة (دبر) القاعدة فيها: أنه إذا كان المذكور أذكاراً، فإنه يكون بعد السلام، وإذا كان المذكور دعاءً، فإنه يكون قبل السلام؛ لأن ما قبل السلام، وبعد التشهد هو دبر الصلاة، وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: دبر الشيء من الشيء، كما يقال: دبر الحيوان المؤخرة.
- دبر كل صلاة، يعني في آخر الصلاة قبل السلام، هكذا جاء في بعض الروايات، أنه يقولها قبل السلام، وهو حق، وكما ذكرنا أن المقيد بالدبر، أي دبر الصلاة، إن كان دعاء، فهو قبل التسليم، وإن كان ذكراً، فهو بعد التسليم، ويدل لهذه القاعدة، أن رسول الله ﷺ قال في حديث ابن مسعود في التشهد، لما ذكره، قال: (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء، أو ما أحب، أو أعجبه إليه).
- هذه منقبة عظيمة لمعاذ بن جبل ﵁ أن نبينا ﷺ أقسم أنه يحبه، والمحب لا يدخر لحبيبه إلا ما هو خير له، وإنما قال هذا له لأجل أن يكون مستعداً لما يلقى إليه؛ لأنه يلقيه إليه من محب.
- كم من نعمة لله علينا، وكم من نقمة اندفعت عنا، فنشكر الله على ذلك، ونسأل الله أن يعيننا عليه.
- حسن العبادة، يكون بأمرين: بالإخلاص لله ﷿،كل ما قوي الإخلاص، كان أحسن، وبالمتابعة لرسول الله ﷺ.

1423 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه: أنَّ رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ أرْبَعٍ، يقُول: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ». رواه مسلم.
1424 - وعن عليٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ، وَمَا أسْرَرْتُ وَمَا أعْلَنْتُ، وَمَا أسْرَفْتُ، وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أنْتَ الْمُقَدِّمُ، وَأنْتَ المُؤَخِّرُ، لا إلهَ إِلاَّ أنْتَ». رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- هذه أربعة أمور أمر النبي ﷺ، أن نستعيذ بالله منها إذا فرغنا من التشهد، يعني قبل التسليم، أعوذ بالله من عذاب جهنم، فتتعوذ بالله من عذابها، وهذا يشمل ما عملت من سوء، تسأل الله أن يعفو عنك منه، وما لم تعمل من السوء، تسأل الله أن يجنبك إياه، ومن عذاب القبر؛ لأن القبر فيه عذاب، عذاب دائم للكافرين، وعذاب قد ينقطع للعاصين، ومن فتنة المحيا والممات، فتنة المحيا، ما يفتتن به الإنسان في حياته، وتدور على شيئين: إما جهل وشبهة وعدم معرفة بالحق، فيشتبه عليه الحق بالباطل، فيقع في الباطل فيهلك، وإما شهوة أي هوى، بحيث يعلم الإنسان الحق، لكنه لا يريده، وإنما يريد الباطل.
أما فتنة الممات فقيل: إنها فتنة القبر، وهي سؤال الملكين للإنسان إذا دفن عن ربه ودينه ونبيه، وقيل: فتنة الممات: هي ما يكون عند موت الإنسان، وذلك أن أشد ما يكون الشيطان حرصا ًعلى إغواء بني آدم عند موتهم، يأتي للإنسان عند موته، ويوسوس له ويشككه، وربما يأمره بأن يكفر بالله ﷿، فهذه الفتنة من أعظم الفتن.
- المسيح الدجال هو من يبعثه الله ﷿، عند قيام الساعة، رجل خبيث، كاذب، مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤوه المؤمن الكاتب، وغير الكاتب، ويفتن الله تعالى الناس به؛ لأنه يمكن له في الأرض بعض الشيء، يبقي في الأرض، أربعين يوماً، اليوم الأول طوله طول السنة الكاملة، والثاني طول الشهر، والثالث طوله أسبوع، والرابع كسائر الأيام.
- وفتنته عظيمة فإنّ النبي ﷺ، قال: (ما في الدنيا فتنة أعظم من خلق آدم، إلى قيام الساعة، مثل فتنة المسيح الدجال، وما من نبي إلا وأنذر به قومه)؛ ولهذا خصه من بين فتنة المحيا، بأن فتنته عظيمة نسأل الله أن يعيذنا وإياكم منها.
- هذه الأربع يذكرها الإنسان قبل أن يسلم، واختلف العلماء هل هذا واجب أو سنة؟ فأكثر العلماء على أنه سنة، وأن الإنسان لو تركه لم تبطل صلاته، وقال بعض أهل العلم: إنه واجب، يجب على الإنسان أن يستعيذ بالله من هذه الأربع قبل أن يسلم، وأنه لو ترك ذلك فصلاته باطلة، وعليه أن يعيدها، فينبغي للإنسان ألا يدعها أن يحرص عليها لما فيها من الخير الكثير، ولئلا يؤدي بصلاته إلى أنها تكون باطلة، عند بعض أهل العلم.
قال ابن باز ﵀:
- الصلاة عبادة عظيمة، وهي عمود الإسلام، وهي مشتملة على أذكار قولية، وفعلية وعلى دعوات كثيرة، فهي أفضل الأعمال، وأعظم الواجبات بعد الشهادتين، لما اشتملت عليه من الفضائل العظيمة، والعبادات المتنوعة، ولما فيها من الخضوع لله، والذل بين يديه والانكسار.
- أفضل الدعاء في آخر الصلاة، هذا الدعاء، قبل أن يسلم: "اللهم اغفر لي ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا الله".
- المؤمن يتحرى الأدعية في سجوده، وفي آخر الصلاة، والدعاء في السجود من أفضل الدعاء، وهو حري بالإجابة؛ لأنه وقت خضوع وانكسار، فصاحبه حري بأن تجاب دعوته.
- ليس هناك مانع، من دعوات أخرى، يدعو بها الإنسان إذا احتاج إليه، ولو كانت غير منقولة، مثل أن يقول: اللهم أصلح لي ذريتي، اللهم أصلح زوجتي، اللهم اغفر لي وللمسلمين، وما أشبه ذلك، من الدعوات التي يحتاجها،لا حرج، لكن العناية بالمنقول له شأن.