باب في بيان كثرة طرق الخير


قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 215]، وَقالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ الله﴾ [البقرة: 197]، وَقالَ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7]، وَقالَ تَعَالَى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ﴾ [الجاثية: 15] والآيات في الباب كثيرة.
وأما الأحاديث فكثيرة جدًا، وهي غيرُ منحصرةٍ فنذكُرُ طرفًا مِنْهَا:
117 - الأول: عن أبي ذر جُنْدبِ بنِ جُنَادَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ: يَا رسولَ الله، أيُّ الأعمالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الإِيمَانُ باللهِ وَالجِهادُ فِي سَبيلِهِ». قُلْتُ: أيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أنْفَسُهَا عِنْدَ أَهلِهَا وَأَكثَرهَا ثَمَنًا». قُلْتُ: فإنْ لَمْ أفْعَلْ؟ قَالَ: «تُعِينُ صَانِعًا أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ». قُلْتُ: يَا رَسُول الله، أرأيْتَ إنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ العَمَلِ؟ قَالَ: «تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ؛ فإنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ». مُتَّفَقٌ عليه.
«الصَّانِعُ» بالصاد المهملة هَذَا هُوَ المشهور، وروي «ضائعًا» بالمعجمة: أي ذا ضِياع مِنْ فقرٍ أَوْ عيالٍ ونحوَ ذلِكَ، «وَالأَخْرَقُ»: الَّذِي لا يُتقِنُ مَا يُحَاوِل فِعلهُ.
قال ابن عثيمين ﵁:
- الصحابة ﵃ يسألون النبي ﷺ عن أفضل الأعمال من أجل أن يقوموا بها، وليسوا كمن بعدهم، فإن من بعدهم ربما يسألون عن أفضل الأعمال، ولكن لا يعملون. أما الصحابة فإنهم يعملون.
قال ابن باز ﵁:
- كلما كانت الرقبة أنفس عند أهلها لدينها وتقواها وأعمالها، وكلما كان ثمنها أكثر صار عتقها أفضل، وهكذا الهدايا والضحايا في الإبل والبقر والغنم، كلما كانت أفضل عند الله ﷿.
- الذي ما فيه فائدة في نفع الناس يكف شره، الذي ما عنده فائدة يعين الناس ولا ينفعهم، أقل شيء يكف شره عن الناس ولا يؤذيهم لا بأفعال ولا بأقوال، فإنها صدقة أيضًا، ويحاسب نفسه ويجاهدها حتى لا يؤذي أحدًا لا بقول ولا بفعل، يكون حافظا لسانه، حافظا جوارحه عن إيذاء الناس، هذه صدقة على النفس.

118 - الثاني: عن أبي ذر أيضًا - رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يُصْبحُ عَلَى كُلِّ سُلاَمَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقةٌ: فَكُلُّ تَسبيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحمِيدَةٍ صَدَقَة، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكبيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالمَعرُوفِ صَدَقةٌ، ونَهيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقةٌ، وَيُجزِىءُ مِنْ ذلِكَ رَكْعَتَانِ يَركَعُهُما مِنَ الضُّحَى». رواه مسلم.
«السُّلامَى» بضم السين المهملة وتخفيف اللام وفتح الميم: المفصل.
قال ابن عثيمين ﷿:
- كل شيء صدقة، قراءة القرآن صدقة، طلب العلم صدقة، وحينئذ تكثر الصدقات، ويمكن أن يأتي الإنسان بما عليه من الصدقات، وهي ثلاثمائة وستون صدقة. ثم قال: (ويجزئ من ذلك)، يعني: عن ذلك (ركعتان يركعهما من الضحى) يعني أنك صليت من الضحى ركعتين؛ أجزأت عن كل الصدقات التي عليك، وهذا من تيسير الله على العباد.
- دليل على أن الصدقة تطلق على ما ليس بمال.
قال ابن باز ﵁:
- إذا صلى ركعتين أدت عنه هذه الصدقات، ركعتان من الضحى تؤدي عنه ثلائمائة وستين صدقة عن كل مفصل؛ لأن هذا البدن يستعمل في الركعتين كله، كل هذا البدن يستعمل في هذه الصلاة إذا صلى ركعتين من الضحى، أدى هذه الصدقات عن هذه المفاصل، وهذا أيضًا من فضل الله ﷿ أن هذه الأعمال التي يعملها الإنسان تؤدي عنه صدقات يكون له فيها فضل ويكون له فيها أجر.

119 - الثالث: عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم: «عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي،
حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا فَوَجَدْتُ في مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الأذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّريقِ، وَوَجَدْتُ في مَسَاوِىءِ أعمَالِهَا النُّخَاعَةُ تَكُونُ في المَسْجِدِ لاَ تُدْفَنُ»
. رواه مسلم.
قال ابن باز ﵁:
- هكذا ينبغي للمؤمن إذا رأى شيئا في المسجد أزاله، وإن رأى في الطريق شيئا أزاله، وإن رأى معروفا أمر به، وإن رأى منكرًا نهى عنه، ويشغل لسانه بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار، ولا يكون ساكتا، هذا اللسان خفيف الحركة إذا يسر الله له إشغاله بالخير، هذا من نعم الله عليه.
قال ابن عثيمين ﵁:
- إن وضع الأذى في طريق المسلمين من مساوئ الأعمال، فهؤلاء الناس الذين يلقون القشور في الأسواق، في ممرات الناس؛ لا شك أنهم إذا آذوا المسلمين فإنهم مأزورون، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾ [الأحزاب: 58] قال العلماء: لو زلق به حيوان أو إنسان فانكسر، فعلى من وضعه ضمانه، يضمنه بالدية أو بما دون الدية إذا كان لا يحتمل الدية، المهم أن هذا من أذية المسلمين.
- اعلم أن النخامة في المسجد حرام، فمن تنخع في المسجد فقد أثم، لقول النبي ﷺ: (البصاق في المسجد خطيئة) فأثبت النبي ﷺ أنها خطيئة وكفارتها دفنها، يعني إذا فعلها الإنسان وأراد أن يتوب فليدفنها، لكن في عهدنا: فليحكها بمنديل أو نحوه حتى تزول.

120 - الرابع: عَنْهُ: أنَّ ناسًا قالوا: يَا رَسُولَ الله، ذَهَبَ أهلُ الدُّثُور بالأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، قَالَ: «أَوَلَيسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَدَّقُونَ بِهِ: إنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقةً، وَكُلِّ تَكبيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأمْرٌ بالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وفي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ» قالوا: يَا رسولَ اللهِ، أيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: «أَرَأَيتُمْ لَوْ وَضَعَهَا في حَرامٍ أَكَانَ عَلَيهِ وِزرٌ؟ فكذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا في الحَلالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ». رواه مسلم.
«الدُّثُورُ» بالثاء المثلثة: الأموال وَاحِدُهَا: دثْر.
121 - الخامس: عَنْهُ، قَالَ: قَالَ لي النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَحْقِرنَّ مِنَ المَعرُوفِ شَيئًا وَلَوْ أَنْ تَلقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلِيقٍ». رواه مسلم.
122 - السادس: عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَومٍ تَطلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ: تَعْدِلُ بَينَ الاثْنَينِ صَدَقةٌ، وتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ، فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وبكلِّ خَطْوَةٍ تَمشِيهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وتُمِيطُ الأذَى عَنِ الطَّريقِ صَدَقَةٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
ورواه مسلم أيضًا من رواية عائشة رَضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «إنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إنْسانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وثلاثمِائَة مَفْصَل، فَمَنْ كَبَّرَ اللهَ، وحَمِدَ الله، وَهَلَّلَ اللهَ، وَسَبَّحَ الله، وَاسْتَغْفَرَ الله، وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَريقِ النَّاسِ، أَوْ شَوْكَةً، أَوْ عَظمًا عَن طَريقِ النَّاسِ، أَوْ أمَرَ بمَعْرُوف، أَوْ نَهَى عَنْ مُنكَر، عَدَدَ السِّتِّينَ والثَّلاثِمِائَة فَإنَّهُ يُمْسِي يَومَئِذٍ وقَدْ زَحْزَحَ نَفسَهُ عَنِ النَّارِ».
قال ابن عثيمين ﵁:
- هم اشتكوا إلى الرسول ﷺ شكوى غبطة، لا شكوى حسد، ولا اعتراض على الله ﷿ ولكن يطلبون فضلاً يتميزون به عمن أغناهم الله؛ فتصدقوا بفضول أموالهم.
- إن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر من أفضل الصدقات؛ لأن هذا هو الذي فضل الله به هذه الأمة على غيرها، فقال تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﱠ﴾ [آل عمران: 110]، ولكن لابد للأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر من شروط:
• الشرط الأول: أن يكون الآمر والناهي عالماً بحكم الشرع، فإن كان جاهلاً فإنه لا يجوز أن يتكلم؛ لأن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يأمر بما يعتقد الناس أنه شرع الله ـ وليس له أن يتكلم في شرع الله بما لا يعلم؛ لأن الله حرم ذلك بنص القرآن، فقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 33]. فمن منكرات الأمور: أن يتكلم الإنسان عن شيء يقول إنه معروف، وهو لا يدري أنه معروف، أو يقول: إنه منكر، وهو لا يدري أنه منكر.
• الشرط الثاني: أن يكون عالماً بأن المخاطب قد ترك المأمور أو فعل المحظور، فإن كان لا يدري فإنه لا يجوز له أن يفعل؛ لأنه حينئذ يكون قد قفا ما ليس له به علم، وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 36].
• الشرط الثالث: من شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ألا يترتب على النهي عن المنكر ما هو أنكر منه، فإن ترتب على ذلك ما هو أنكر منه فإنه لا يجوز، من باب درء أعلى المفسدتين بأدناهما.
- في حديث أبي ذر ﵁ تنبيه على ما يسميه الفقهاء قياس العكس: وهو إثبات نقص حكم الأصل في ضد الأصل لمفارقة العلة فهنا العلة في كون الإنسان يؤجر إذا أتى أهله، هو أنه وضع شهوته في حلال، نقيض هذه العلة: إذا وضع شهوته في حرام، فإنه يعاقب على ذلك، وهذا هو ما يسمى عند العلماء بقياس العكس، لأن القياس أنواع قياس علة، وقياس دلالة، وقياس شبه، وقياس عكس.
قال ابن باز ﵁:
- الصدقة غير محصورة في المال، هناك صدقات غير صدقات المال يمكن كل مسلم أن يشترك فيها.
- من الصدقات أن تقابل أخاك بوجه طيب منبسط لا مكفهر ومعبس، إلا إذا كان ذاك الرجل يستحق الهجر هذا شي آخر، لكن تلقى إخوانك المسلمين وأهل بيتك بوجه طيب، وبشر وظهار لحسن الكلام وحسن المقابلة، كل هذا من الصدقات.
- المؤمن قد وسع الله له الطرق في وجوه الخير، فينبغي له أن يسلكها وأن يساهم فيها وألا يعجز ولا يكسل.

123 - السابع: عَنْهُ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ غَدَا إِلَى المَسْجِد أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ في الجَنَّةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
«النُّزُلُ»: القوت والرزق وما يُهيأُ للضيف.
124 - الثامن: عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «يَا نِسَاءَ المُسْلِمَاتِ، لاَ تَحْقِرنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
قَالَ الجوهري: الفرسِن منَ البَعيرِ كالحَافِرِ مِنَ الدَّابَةِ قَالَ: وَرُبَّمَا اسْتُعِيرَ في الشَّاةِ.
قال ابن عثيمين ﵁:
- ظاهر الحديث أن من غدا إلى المسجد أو راح، سواء غدا للصلاة، أو لطلب علم، أو لغير ذلك من مقاصد الخير، أن الله يكتب له في الجنة نزلاً، والنزل: ما يقدم للضيف من طعام ونحوه على وجه الإكرام، أي أن الله تعالى يعد لهذا الرجل الذي ذهب إلى المسجد صباحاً أو مساءً، يعد له في الجنة نزلاً إكراماً له.
- الرسول ﷺ في هذا الحديث حث على الهدية للجار ولو شيئاً قليلاً، قال: (ولو فرسن شاة) الفرسن ما يكون في ظلف الشاة، وهو شيء بسيط زهيد كأن النبي ﷺ يقول: لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو قلَّ. وقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك). حتى المرق إذا أعطيته جيرانك هدية، فإنك تثاب على ذلك.
- كل شيء يدخل السرور على أخيك المسلم؛ فإنه خير وأجر، كل شيء تغيظ به الكافر فإنه خير وأجر. قال الله تعالى: ﴿وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [التوبة: 120].
قال ابن باز ﵁:
- هذا من فضل الغدو إلى الصلاة والعناية بها أول النهار وآخره، بالليل والنهار، وفيه فضل عظيم، وأجر كبير للمؤمن في قصده وجه الله ﷿ والدار الآخرة.
- الجيران فيما بينهم ينبغي أن يتهادوا فيما يطيب القلوب، ويجمع القلوب على الخير، ويحصل به الإيناس والتآلف والمحبة، ولو قليل على حسب أحوال الناس، فالهدية بين الفقراء لها شأنها، وبين الكبار لها شأنها.

125 - التاسع: عَنْهُ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الإيمانُ بِضْعٌ وَسَبعُونَ أَوْ بِضعٌ وسِتُونَ شُعْبَةً: فَأفْضَلُهَا قَولُ: لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ، وَأَدْنَاهَا إمَاطَةُ الأذَى عَنِ الطَّريقِ، والحَياءُ شُعبَةٌ مِنَ الإيمان». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
«البِضْعُ» من ثلاثة إِلَى تسعة بكسر الباء وقد تفتح. وَ «الشُّعْبَةُ»: القطعة.
قال ابن عثيمين ﵁:
- هذا الحديث بين فيه الرسول ﷺ أن الإيمان ليس خصلة واحدة، أو شعبة واحدة، ولكنه شعب كثيرة؛ بضع وسبعون، يعني من ثلاث وسبعين إلى تسع وسبعين، أو بضع وستون شعبة، ولكن أفضلها كلمة واحدة: وهي لا إله إلا الله، هذه الكلمة لو وزنت بها السماوات والأرض لرجحت بها، لأنها كلمة الإخلاص، وكلمة التوحيد.
قال ابن باز ﵁:
- الحياء خلق يتعلق بالقلب، خلق باطن كريم يحمل أهله على فعل الخير وترك الشر، على مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، وعلى ترك القبائح، هذا الحياء، أما الحياء الذي يحمل صاحبه على الجبن والخور وعدم السؤال عن العلم، وعدم حضور مجالس العلم، وعدم الشجاعة في الخير، ليس بحياء هذا، هذا ضعف، هذا جبن، هذا خور ليس بحياء.

126 - العاشر: عَنْهُ: أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «بَينَما رَجُلٌ يَمشي بِطَريقٍ اشْتَدَّ عَلَيهِ العَطَشُ، فَوَجَدَ بِئرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشربَ، ثُمَّ خَرَجَ فإذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يأكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الكَلْبُ مِنَ العَطَشِ مِثلُ الَّذِي كَانَ قَدْ بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ البِئْرَ، فَمَلأَ خُفَّهُ مَاءً ثُمَّ أمْسَكَهُ بفيهِ حَتَّى رَقِيَ، فَسَقَى الكَلْبَ، فَشَكَرَ اللهَ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ» قالوا: يَا رَسُول اللهِ، إنَّ لَنَا في البَهَائِمِ أَجْرًا؟ فقَالَ: «في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أجْرٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية للبخاري: «فَشَكَرَ اللهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ، فأدْخَلَهُ الجَنَّةَ» وفي رواية لهما: «بَيْنَما كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ قَدْ كَادَ يقتلُهُ العَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إسْرَائِيل، فَنَزَعَتْ مُوقَها فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ».
«المُوقُ»: الخف. وَ «يُطِيفُ»: يدور حول «رَكِيَّةٍ»: وَهِي البئر.
قال ابن عثيمين ﵁:
- هذا مصداق قول النبي ﷺ: (الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك)، عمل يسير شكر الله به عامل هذا العمل، وغفر له الذنوب، وأدخله الجنة.
- إذن نأخذ من هذه قاعدة، وهي أن الرسول ﷺ إذا قص علينا قصة من بني إسرائيل فذلك من أجل أن نعتبر بها، وأن نأخذ منها عبرة، وهذا كما قال الله ﷿: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [يوسف: 111].
- دل هذا على أن البهائم فيها أجر، كل بهيمة أحسنت لها بسقي، أو إطعام، أو وقاية من حر، أو وقاية من برد، سواء كانت لك أو لغيرك من بني آدم، أو كانت من السوائب، فإن لك في ذلك أجراً عند الله ﷿ هذا وهن بهائم؛ فكيف بالآدميين؟ إذا أحسنت إلى الآدميين كان أشد وأكثر أجراً. ولهذا قال النبي ﷺ: (من سقى مسلماً على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم).
- أوصيك يا أخي ونفسي بأن تحرص دائماً على اغتنام الأعمال بالنية الصالحة حتى تكون لك عند الله ذخراً يوم القيامة، فكم من عمل صغير أصبح بالنية كبيراً! وكم من عمل كبير أصبح بالغفلة صغيراً.
قال ابن باز ﵁:
- هذا يدل على أن رحمة الحيوانات، أمر مطلوب؛ ولهذا قالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجرًا؟، قال: (في كل كبدٍ رطبة أجر)، يعني: كل كبدٍ حية سواء كلب أو حمار أو غير ذلك مما يحتاج إلى الرحمة.
- رحمة الحيوانات والإحسان إليها والرفق بها من أسباب دخول الجنة، وظلمها والعدوان عليها من أسباب دخول النار.

127 - الحادي عشر: عَنْهُ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَقدْ رَأيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ في الجَنَّةِ في شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَرِيقِ كَانَتْ تُؤذِي المُسْلِمِينَ». رواه مسلم.
وفي رواية: «مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهرِ طَرِيقٍ، فَقَالَ: وَاللهِ لأُنْحِيَنَّ هَذَا عَنِ المُسْلِمينَ لا يُؤذِيهِمْ، فَأُدخِلَ الجَنَّةَ».
وفي رواية لهما: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشي بِطَريقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوكٍ عَلَى الطريقِ فأخَّرَه فَشَكَرَ اللهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ».
قال ابن عثيمين ﵁:
- فيه دليل على فضيلة إزالة الأذى عن الطريق، وأنه سبب لدخول الجنة.
- فيه أيضاً دليل على أن الجنة موجودة الآن؛ لأن النبي ﷺ رأى هذا الرجل يتقلب فيها، وهذا أمر دل عليه الكتاب والسنة، وأجمع عليه أهل السنة والجماعة؛ أن الجنة موجودة الآن، ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 133]، أعدت: يعني هيئت. وهذا دليل على أنها موجودة الآن، كما أن النار أيضاً موجودة الآن، ولا تفنيان أبداً. خلقهما الله عز وجل للبقاء، لا فناء لهما، ومن دخلهما لا يفنى أيضاً، فمن كان من أهل الجنة بقي فيها خالداً مخلداً فيها أبد الآبدين. ومن كان من أهل النار من الكفار دخلها خالداً مخلداً فيها أبداً الآبدين.
- إزالة الأذى عن الطريق، والطريق الحسي، طريق الأقدام، والطريق المعنوي، طريق القلوب، والعمل على إزالة الأذى عن هذا الطريق كله مما يقرب إلى الله. وإزالة الأذى عن طريق القلوب، والعمل الصالح أعظم أجراً، وأشد إلحاحاً من إزالة الأذى عن طريق الأقدام.

128 - الثاني عشر: عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الجُمعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْن الجُمُعَةِ وَزِيادَةُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ، وَمَنْ مَسَّ الحَصَا فَقَدْ لَغَا» رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵁:
- دليلٌ على أن الحضور إلى الجمعة بعد أن يحسن الإنسان وضوءه، ثم يستمع إلى الخطيب وهو يخطب، وينصت، فإنه يغفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة، وفضل ثلاثة أيام، وهذا عمل يسير ليس فيه مشقة على الإنسان؛ أن يتوضأ ويحضر إلى الجمعة وينصت لخطبة الإمام حتى يفرغ.
- دليلٌ على فضيلة الاستماع إلى الخطبة، والإنصات، والاستماع: أن يرعاها سمعه، والإنصات: ألا يتكلم، هذا الفرق بينهما. فيستمع الإنسان ويتابع بسمعه كلام الخطيب، ولا يتكلم.
قال ابن باز ﵁:
- يبين أنه لا ينبغي للمؤمن العبث وقت الخطبة، فاذا شرع الخطيب فأمسك عن العبث بالحصى، أو اللحية، أو بالملابس، أو بغير ذلك، حتى تقبل على الخطبة.
- هذه دلالة على أن ذهاب الإنسان للجمعة بعد الوضوء الشرعي، وأكمل من ذلك أن يغتسل زيادة مع الوضوء ثم يأتي بالسكينة والوقار.

129 - الثالث عشر: عَنْهُ: أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأ العَبْدُ المُسْلِمُ، أَو المُؤمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَينيهِ مَعَ المَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فَإِذا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيهِ كُلُّ خَطِيئَة كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ المَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مشتها رِجْلاَهُ مَعَ المَاء أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ». رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵁:
- هذا الوضوء تطهر فيه الأعضاء الأربعة؛ الوجه، واليدان، والرأس، والرجلان، وهذا التطهير يكون تطهيراً حسياً، ويكون تطهيراً معنوياً. أما كونه تطهيراً حسياً فظاهر؛ لأن الإنسان يغسل وجهه، ويديه، ورجليه، ويمسح الرأس، وكان الرأس بصدد أن يغسل كما تغسل بقية الأعضاء، ولكن الله خفف في الرأس؛ ولأن الرأس يكون فيه الشعر، والرأس هو أعلى البدن، فلو غسل الرأس ولا سيما إذا كان فيه الشعر؛ لكان في هذه مشقة على الناس، ولا سيما في أيام الشتاء، ولكن من رحمة الله ﷿ أن جعل فرض الرأس المسح فقط، فإذا توضأ الإنسان لا شك أنه يطهر أعضاء الوضوء تطهيراً حسياً، وهو يدل على كمال الإسلام؛ حيث فرض على معتنقيه أن يطهروا هذه الأعضاء التي هي غالباً ظاهرة بارزة.
أما الطهارة المعنوية، وهي التي ينبغي أن يقصدها المسلم، فهي تطهيره من الذنوب، فإذا غسل وجهه، خرجت كل خطايا نظر إليها بعينه، وذكر العين -والله أعلم- إنما هو على سبيل التمثيل، وإلا فالأنف قد يخطئ، والفم قد يخطئ؛ فقد يتكلم الإنسان بكلام حرام، وقد يشم أشياء ليس له حق يشمها، ولكن ذكر العين؛ لأن أكثر ما يكون الخطأ في النظر.

130 - الرابع عشر: عَنْهُ، عن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّراتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الكَبَائِرُ». رواه مسلم.
131 - الخامس عشر: عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «ألا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا: بَلَى، يَا رسولَ اللهِ، قَالَ: «إِسْبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إِلَى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ فَذلِكُمُ الرِّبَاطُ». رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵁:
- فإذا عمل الإنسان سيئة وأتقن هذه الصلوات الخمس، فإنها تمحو الخطايا، لكن قال: (إذا اجتنبت الكبائر) يعني إذا اجتنبت كبائر الذنوب. وكبائر الذنوب هي: كل ذنب رتب عليه الشارع عقوبة خاصة، فكل ذنب لعن النبي ﷺ فاعله فهو من كبائر الذنوب، كل شيء فيه حد في الدنيا كالزنى، أو وعيد في الآخرة كأكل الربا، أو فيه نفي إيمان، مثل: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، أو فيه براءة منه، مثل: (من غشنا فليس منا)، أو ما أشبه ذلك فهو من كبائر الذنوب.
- لتكفير السيئات الصغائر شرط واحد، وهو إقامة هذه الصلوات الخمس، أو الجمعة إلى الجمعة، أو رمضان إلى رمضان، وهذا هو المتبادر -والله أعلم- أن المعنى: أن الصلوات الخمس تكفر ما بينها إلا الكبائر فلا تكفرها، وكذلك الجمعة إلى الجمعة، وكذلك رمضان إلى رمضان، وذلك لأن الكبائر لابد لها من توبة خاصة، فإذا لم يتب توبة خاصة فإن الأعمال الصالحة لا تكفرها، بل لابد من توبة خاصة.
- إنّ النبي ﷺ عرض على أصحابه عرضاً، يعلم النبي ﷺ ماذا سيقولون في جوابه، ولكن هذا من حسن تعليمه ﷺ، أنه أحياناً يعرض المسائل عرضاً، حتى ينتبه الإنسان لذلك، ويعرف ماذا سيلقى إليه.
- هذان الحديثان ذكرهما المؤلف في باب كثرة طرق الخير؛ لأن هذه طرق متعددة من الخير؛ الصلوات الخمس، الجمعة إلى الجمعة، رمضان إلى رمضان، كثرة الخطا إلى المساجد، إسباغ الوضوء على المكاره، انتظار الصلاة بعد الصلاة.
قال ابن باز ﵁:
- في قوله: (وانتظار الصلاة بعد الصلاة)، المقصود أنه يعتني بمراقبة الوقت، وانتظاره ولو شُغل في بيته أو في مزرعته أو في دكانه، فقلبه معلق بالصلاة لا ينساها، متى جاء وقتها بادر وسارع إليها.

132 - السادس عشر: عن أبي موسى الأشعرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
«البَرْدَانِ»: الصبح والعصر.
133 - السابع عشر: عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَرِضَ العَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا». رواه البخاري.
قال ابن باز ﵁:
- في قوله ﷺ: (من صلى البردين دخل الجنة)، يعني: من حافظ عليهما دخل الجنة؛ لأن هاتين الصلاتين مفتاح لغيرهما، فالفجر هي مفتاح صلاة النهار، والعصر خاتمة ذلك، وهي الصلاة الوسطى، فمن حافظ عليهما حافظ على غيرهما من باب أولى، والمحافظة على الجميع من أسباب دخول الجنة، والنجاة من النار.
قال ابن عثيمين :
- في قوله ﷺ: (إِذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل مقيماً صحيحاً)، يعني أن الإنسان إذا كان من عادته أن يعمل عملاً صالحاً، ثم مرض فلم يقدر عليه، فإنه يكتب له الأجر كاملاً، وفي هذا تنبيه على أنه ينبغي للعاقل ما دام في حال الصحة والفراغ، أن يحرص على الأعمال الصالحة، حتى إذا عجز عنها لمرض أو شغل كتبت له كاملة.

134 - الثامن عشر: عن جَابرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ». رواه البخاري، ورواه مسلم مِنْ رواية حُذَيفة - رضي الله عنه.
قال ابن باز ﵁:
- في قوله ﷺ: (كل معروف صدقة)، كلمة عظيمة من جوامع الكلم تعُم كل معروف.
قال ابن عثيمين ﵁:
- كل عمل تتعبد به إلى الله فإنه صدقة، كما ورد في حديث سابق: (كل تسبيحة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهى عن المنكر صدقة).
- ما يتعارف عليه الناس على حسنه مما يتعلق بالمعاملة بين الناس فهو معروف، مثل الإحسان إلى الخلق بالمال، أو بالجاه، أو بغير ذلك من أنواع الإحسان. ومن ذلك: أن تلقى أخاك بوجه طلق لا بوجه عبوس، وأن تلين له القول، وأن تدخل عليه السرور.. إذن كل معروف صدقة.

135 - التاسع عشر: عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إلاَّ كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنهُ لَهُ صَدَقَةً، وَلاَ يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةً». رواه مسلم.
وفي رواية لَهُ: «فَلاَ يَغْرِسُ المُسْلِمُ غَرْسًا فَيَأْكُلَ مِنْهُ إنْسَانٌ وَلاَ دَابَّةٌ وَلاَ طَيْرٌ إلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقة إِلَى يَومِ القِيَامةِ». وفي رواية لَهُ: «لاَ يَغرِسُ مُسْلِمٌ غَرسًا، وَلاَ يَزرَعُ زَرعًا، فَيَأكُلَ مِنهُ إنْسَانٌ وَلاَ دَابَةٌ وَلاَ شَيءٌ، إلاَّ كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً».
وروياه جميعًا من رواية أنس - رضي الله عنه.
قوله: «يَرْزَؤُهُ» أي ينقصه.
قال ابن باز ﵁:
- يدل على أنّ غرس الأشجار والنخيل والزروع فيها خير كثير للمسلم، وأن المسلم إذا غرس غرسًا أو زرع زرعًا فإن ما يصيبه من نقص يكون في ميزان حسناته، وما يأكل منه الدواب أو إنسان أو طيور يكون في ميزانه ميزان حسناته، وهكذا ما قد يؤخذ منه سرقة وخيانة كل ذلك يكتب في ميزان حسناته.
- يدل أيضاً على فضل الغرس والزراعة من المسلم؛ لما فيها من التوكل على الله؛ ولما فيها من طلب الرزق.
قال ابن عثيمين ﵁:
- في هذا الحديث حث على الزرع، وعلى الغرس، وأن الزرع والغرس فيه الخير الكثير، فيه مصلحة في الدين، ومصلحة في الدنيا.
• أما مصلحة الدنيا: فما يحصل فيه من إنتاج، ومصلحة الغرس والزرع ليست كمصلحة الدراهم والنقود، لأن الزرع والغرس ينفع نفس الزارع والغارس، وينفع البلد كله، كل الناس ينتفعون منه، بشراء الثمر، وشراء الحب، والأكل منه، ويكون في هذا نمو للمجتمع وكثرة لخيراته، بخلاف الدراهم التي تودع في الصناديق ولا ينتفع بها أحد.
• أما المنافع الدينية: فإنه إن أكل منه طير؛ عصفور، أو حمامة، أو دجاجة، أو غيرها ولو حبة واحدة، فإنه له صدقة، سواء شاء ذلك أو لم يشأ، حتى لو فرض أن الإنسان حين زرع أو حين غرس لم يكن بباله هذا الأمر، فإنه إذا أكل منه صار له صدقة.
- فيه دليل على كثرة طرق الخير، وأن ما انتفع به الناس من الخير، فإن لصاحبه أجراً وله فيه الخير، سواء نوى أو لم ينو، وهذا كقوله تعالى: ﴿ لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 114]، فذكر الله ﷿ أن هذه الأشياء فيها خير، سواء نويت أو لم تنو، من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس، فهو خير ومعروف، نوى أم لم ينو.

136 - العشرون: عَنْهُ، قَالَ: أراد بنو سَلِمَةَ أَن يَنتقِلوا قرب المسجِدِ فبلغ ذلِكَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لهم: «إنَّهُ بَلَغَني أنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنتَقِلُوا قُربَ المَسجِد؟» فقالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُول اللهِ قَدْ أَرَدْنَا ذلِكَ. فَقَالَ: «بَنِي سَلِمَةَ، دِيَارَكُمْ، تُكْتَبْ آثَارُكُمْ، ديَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ». رواه مسلم.
وفي روايةٍ: «إنَّ بِكُلِّ خَطوَةٍ دَرَجَةً». رواه مسلم.
رواه البخاري أيضًا بِمَعناه مِنْ رواية أنس - رضي الله عنه.
وَ «بَنُو سَلِمَةَ» بكسر اللام: قبيلة معروفة مِنَ الأنصار - رضي الله عنهم - وَ «آثَارُهُمْ»: خطاهُم.
قال ابن عثيمين ﵁:
- فيه دليل على أنه إذا مشى الإنسان إلى المسجد، فإنه لا يخطو خطوة إلا رفع له بها درجة، وقد جاء ذلك مفسراً في حديث أبي هريرة ﵁، أن النبي ﷺ قال: (من توضأ فأسبغ الوضوء، ثم خرج من بيته إلى المسجد، لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا كتب الله له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة) فسيكسب شيئين الأول: أنه يرفع له بها درجة. والثاني: أنه يحط بها عنه خطيئة.
- في هذا الحديث دليل على أنه إذا نقل للإنسان شيء عن أحد، فإنه يثبت قبل أن يحكم بالشيء، ولهذا سأل النبي ﷺ بني سلمة قبل أن يقول لهم شيئاً، قال: بلغني أنكم تريدون كذا وكذا. قالوا: نعم. فيؤخذ منه أنه ينبغي للإنسان إذا نقل له شيء عن أحدٍ أن يثبت قبل أن يحكم بمقتضى الشيء الذي نقل له، حتى يكون إنساناً رزيناً ثقيلاً معتبراً، أما كونه يصدق بكل ما نقل، فإنه يفوته بذلك الشيء الكثير، ويحصل له ضرر، بل الإنسان ينبغي عليه أن يثبت.
- في هذا الحديث أيضاً دليل على كثرة طرق الخيرات، وأن منها المشي إلى المساجد، وهو كما سبق مما يرفع الله به الدرجات، ويحط به الخطايا، فإن كثرة الخطا إلى المساجد سبب لمغفرة الذنوب، وتكفير السيئات، ورفعة الدرجات.

137 - الحادي والعشرون: عن أبي المنذِر أُبيِّ بنِ كَعْب - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَجُلٌ لا أعْلَمُ رَجلًا أبْعَدَ مِنَ المَسْجِدِ مِنْهُ، وَكَانَ لاَ تُخْطِئُهُ صَلاةٌ، فَقيلَ لَهُ أَوْ فَقُلْتُ لَهُ: لَوِ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ في الظَلْمَاء وفي الرَّمْضَاء؟ فَقَالَ: مَا يَسُرُّنِي أنَّ مَنْزِلي إِلَى جَنْبِ المَسْجِدِ إنِّي أريدُ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمشَايَ إِلَى المَسْجِدِ وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أهْلِي، فَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «قَدْ جَمَعَ اللهُ لَكَ ذلِكَ كُلَّهُ» رواه مسلم.
وفي رواية: «إنَّ لَكَ مَا احْتَسَبْتَ».
«الرَّمْضَاءُ»: الأرْضُ التي أصابها الحر الشديد.
قال ابن عثيمين ﵁:
- فيه دليل على أن كثرة الخطى إلى المساجد من طرق الخير، وأن الإنسان إذا احتسب الأجر على الله كتب الله له الأجر حال مجيئه إلى المسجد وحال رجوعه منه.
- للنية أثر كبير في صحة الأعمال، وأثر كبير في ثوابها، وكم من شخصين يصليان جميعاً بعضهما إلى جنب بعض، ومع ذلك يكون بينهما في الثواب مثل ما بين السماء والأرض، وذلك بصلاح النية وحسن العمل، فكلما كان الإنسان أصدق إخلاصاً لله وأقوى اتباعاً لرسول الله ﷺ كان أكثر أجراً، وأعظم أجراً عند الله ﷿.

138 - الثاني والعشرون: عن أبي محمد عبدِ اللهِ بنِ عمرو بن العاصِ - رَضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «أرْبَعُونَ خَصْلَةً: أعْلاَهَا مَنيحَةُ العَنْزِ، مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَة مِنْهَا؛ رَجَاءَ ثَوَابِهَا وتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا، إلاَّ أدْخَلَهُ اللهُ بِهَا الجَنَّةَ». رواه البخاري.
«المَنيحَةُ»: أَنْ يُعْطِيَهُ إِيَّاهَا لِيَأكُلَ لَبَنَهَا ثُمَّ يَرُدَّهَا إِلَيْهِ.
قال ابن باز ﵁:
- هذا فضل عظيم أربعون خصلة أعلاها (منيحة العنز)، تعطى جارًا لك أو قريبًا عنزة يمتنحها أو بقرة يتمنحها أو خلفة يتمنحها ثم يعيدها إليك هذه منيحة، تعطيها أخاك، أو جارك، أو قريبك أو بعض الفقراء يمتنحها يأخذ لبنها مدة من الزمن ثم يعيدها إليك، فيها هذا الأجر وأنه من أسباب دخول الجنة إذا فعلت ذلك رجاء ثواب الله ﷿ إخلاصًا لله ومحبة له.
- خصال الخير كثيرة، لكن الشأن كل الشأن أن تكون عن إخلاص، أن يعملها العبد عن إخلاص لله، وعن رغبة فيما عند الله لا عن عادة مجرد عادة أو رياء، فيفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله ورجاء ثوابه وتصديق وعده.

139 - الثالث والعشرون: عن عَدِي بنِ حَاتمٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سمعت النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بشقِّ تَمْرَةٍ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية لهما عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَينَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إلاَّ مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلاَ يَرى إلاَّ مَا قَدَّمَ، وَيَنظُرُ بَيْنَ يَدَيهِ فَلاَ يَرَى إلاَّ النَّار تِلقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَو بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ».
قال ابن باز ﵁:
- الذي ما يُحصِّل صدقة، كلام طيب يقوله للفقير يرد به الفقير، إما معروف ولو قليل ولو شق تمرة، وإما كلام طيب ترد به الفقير هكذا المؤمن يفعل الخير ولو قليلًا ولا يحقر القليل.
قال ابن عثيمين ﵁:
- كم من ذنوب علينا سترها الله ﷿ لا يعلمها إلا هو، فإذا كان يوم القيامة أتم علينا النعمة بمغفرتها وعدم العقوبة علينا.
- دليل على كلام الله ﷿، وأنه ﷿ يتكلم بكلام مسموع مفهوم، لا يحتاج إلى ترجمة، يعرفه المخاطب به.
- الكلمة الطيبة تشمل قراءة القرآن، فإن أطيب الكلمات القرآن الكريم، وتشمل التسبيح والتهليل، وكذلك تشمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتشمل تعليم العلم وتعلم العلم، وتشمل كذلك كل ما يتقرب به الإنسان إلى ربه من القول، يعني إذا لم تجد شق تمرة فإنك تتقي النار ولو بكلمة طيبة، فهذا من طرق الخير وبيان كثرتها ويسرها.

140 - الرابع والعشرون: عن أنس - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ العَبْدِ أَنْ يَأكُلَ الأَكْلَةَ، فَيَحمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ، فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا». رواه مسلم.
وَ «الأَكْلَةُ» بفتح الهمزة: وَهيَ الغَدْوَةُ أَو العَشْوَةُ.
قال ابن عثيمين ﷿:
- في هذا دليل على أن رضا الله ﷿ قد ينال بأدنى سبب، قد ينال بهذا السبب اليسير ولله الحمد، يرضى الله عن الإنسان إذا انتهى من الأكل قال: الحمد لله، وإذا انتهى من الشرب قال: الحمد لله؛ وذلك أن للأكل والشرب آداباً فعلية وآداباً قولية.
• أما الآداب الفعلية: فأن يأكل باليمين ويشرب باليمين، ولا يحل له أن يأكل بشماله أو يشرب بشماله، فإن هذا حرام على القول الراجح؛ لأن النبي ﷺ نهى أن يأكل الرجل بشماله أو يشرب بشماله، وأخبر أن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله، وأكل رجل بشماله عنده فقال: (كل بيمينك) قال: لا أستطيع، فقال: (لا استطعت)، فما استطاع الرجل بعد ذلك أن يرفع يده اليمنى إلى فمه؛ عوقب والعياذ بالله.
• وأما الآداب القولية: فأن يسمي عند الأكل، يقول: باسم الله والصحيح أن التسمية عند الأكل أو الشرب واجبة، وأن الإنسان يأثم إذا لم يسم الله عند أكله أو شربه، لأنه إذا لم يفعل، إذا لم يسم عند الأكل والشرب، فإن الشيطان يأكل معه ويشرب معه.
- فيه دليل على أن التسمية -إذا كانوا جماعة- تكون من كل واحد، فكل واحد يسمي، ولا يكفي أن يسمي واحد عن الجميع، بل كل إنسان يسمي لنفسه.
- قوله (الأكلة) فسرها المؤلف بأنها الغدوة أو العشوة، ليست الأكلة اللقمة، ليس كلما أكلت لقمة قلت: الحمد لله، أو كلما أكلت تمرة قلت: الحمد لله، السنة أن تقول إذا انتهيت نهائياً. وذكر أنّ الإمام أحمد ﵁ كان يأكل ويحمد على كل لقمة، فقيل له في ذلك فقال: أكل وحمد خير من أكل وسكوت، ولكن لا شك أن خير الهدي هدي محمد ﷺ، وأنّ الإنسان إذا حمد الله في آخر أكله أو آخر شربه كفى، ولكن إن رأى مصلحة مثلاً في الحمد؛ يذكر غيره أو ما أشبه ذلك، فأرجو ألا يكون في هذا بأس، كما فعله الإمام أحمد ﵁.

141 - الخامس والعشرون: عن أَبي موسى - رضي الله عنه - عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ» قَالَ: أرأيتَ إنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «يَعْمَلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ» قَالَ: أرأيتَ إن لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَالَ: «يُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلْهُوفَ » قَالَ: أرأيتَ إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، قَالَ: «يَأمُرُ بِالمَعْرُوفِ أوِ الخَيْرِ». قَالَ: أرَأيْتَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: «يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
قال ابن باز ﵁:
- ينبغي المؤمن إما أن ينفع الناس بقوله أو بفعله، وإما أن يمسك عن الشر فلا يؤذي أحدًا.
قال ابن عثيمين ﵁:
- ينبغي للإنسان أن يبادر ويسارع في الخير، كلما فتح له باب من الخير فليسارع إليه؛ لقوله تعالى: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ [المائدة: 48]، ولأن الإنسان إذا انفتح له باب الخير أول مرة ولم يفعل فإنه يوشك أن يؤخره الله ﷿.