تابع باب أحاديث الدّجال وأشراط الساعة وغيرها


1865 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ! فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ لأتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا في يَدِ زَانِيَةٍ؛ فَأصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ! فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ! لأتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فوَضَعَهَا في يَدِ غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ؟ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ عَلَى سَارِقٍ وَعَلَى زَانِيَةٍ وعلى غَنِيٍّ! فَأُتِيَ فقيل لَهُ: أمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وأمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا تَسْتَعِفُّ عَنْ زِنَاهَا، وأمَّا الغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَعْتَبِرَ فَيُنْفِقَ مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ». رواه البخاري بلفظه ومسلم بمعناه.
قال ابن عثيمين ﵀:
- قال هذا الرجل المتصدق: الحمد لله، حمد الله؛ لأنّ الله تعالى محمود على كل حال، وكان من هدي النبي ﷺ: أنّه إذا أصابه ما يسره قال: (الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات)، وإذا أصابه خلاف ذلك، قال: (الحمد لله على كل حال)، هذا هدي النبي ﷺ، وأما ما يقوله بعض الناس: الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، فهذه عبارة لا ينبغي أن تقال؛ لأن كلمة (على مكروه) تنبئ عن كراهتك لهذا الشيء، وأن هذا فيه نوع من الجزع، ولكن قل كما قال النبي ﷺ: (الحمد لله على كل حال). والإنسان لا شك في أنّه في هذه الدنيا يوماً يأتيه ما يسره، ويوماً يأتيه ما لا يسره، فإن الدنيا ليست باقية على حال، وليست صافية من كل وجه بل صفوها مشوب بالكدر، نسأل الله أن يكتب لنا ولكم بها نصيباً للآخرة.
- الإنسان إذا نوى الخير وسعى فيه وأخطأ؛ فإنّه يكتب له ولا يضره، ولهذا قال العلماء ﵏: إذا أعطى زكاته من يظنه من أهل الزكاة، فتبين أنه ليس من أهلها فإنّها تجزئه.

1866 - وعنه، قَالَ: كنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في دَعْوَةٍ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ، فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً وقال: «أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ، هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَاكَ؟ يَجْمَعُ اللهُ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُبْصِرُهُمُ النَّاظِرُ، وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَتَدْنُو مِنْهُمُ الشَّمْسُ، فَيَبْلُغُ النَّاسُ مِنَ الغَمِّ وَالكَرْبِ مَا لاَ يُطِيقُونَ وَلاَ يَحْتَمِلُونَ، فَيقُولُ النَّاسُ: أَلاَّ تَرَوْنَ مَا أَنْتُمْ فِيهِ إِلَى مَا بَلَغَكُمْ، أَلاَ تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: أبُوكُمْ آدَمُ، فَيَأتُونَهُ فَيقُولُونَ: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو البَشَرِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وأمَرَ المَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، وأَسْكَنَكَ الجَنَّةَ، ألاَ تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ؟ ألاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَا بَلَغْنَا؟ فَقَالَ: إنَّ رَبِّي غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإنَّهُ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ، فَيَأتُونَ نوحًا فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، أَنْتَ أوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهلِ الأرْضِ، وَقَدْ سَمَّاكَ اللهُ عَبْدًا شَكُورًا، ألاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، ألاَ تَرَى إِلَى مَا بَلَغْنَا، ألاَ تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ؟ فَيقُولُ: إنَّ رَبِّي غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بِهَا عَلَى قَوْمِي، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى إبْرَاهِيمَ، فَيَأتُونَ إبْرَاهِيمَ فَيقُولُونَ: يَا إبْرَاهِيمُ، أنْتَ نَبِيُّ اللهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أهْلِ الأرْضِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، ألاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيقُولُ لَهُمْ: إنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإنَّي كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلاثَ كَذبَاتٍ؛ نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى، فَيَأتُونَ مُوسَى فَيقُولُونَ: يَا مُوسَى أنَتَ رَسُولُ اللهِ، فَضَّلَكَ اللهُ بِرسَالاَتِهِ وَبِكَلاَمِهِ عَلَى النَّاسِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، ألاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فيقُولُ: إنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإنَّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي؛ اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى. فَيَأتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى، أنْتَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ ألْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ في المَهْدِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، ألاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فيَقُولُ عِيسَى: إنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم».
وفي روايةٍ: «فَيَأتُونِي فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ أنتَ رَسُولُ اللهِ وخَاتَمُ الأنْبِياءِ، وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، ألاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ العَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي، ثُمَّ يَفْتَحُ اللهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ، وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأسَكَ، سَلْ تُعْطَهُ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ: أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ أدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ البَابِ الأيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأبْوَابِ». ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إنَّ مَا بَيْنَ المِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرَ، أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى». متفق عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- ذراع الشاة كانت تعجب النبي ﷺ ؛ لأنّ لحمها أطيب ما في الجسم من لحم لين، وسريع الهضم، ومفيد.
- الناس يحشرون يوم القيامة في صعيد واحد، أولهم وآخرهم كما قال ﷿: ﴿قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ٤٩ لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ‎﴾ [الواقعة: 49-50]، يجمعون في صعيد واحد، والأرض يومئذ ممدودة، ليست كهيئتها اليوم كروية، لا ترى إذا مددت بصرك إلا ما يواجهك من ظهرها فقط، أما يوم القيامة فإن الأرض تمد مد الجلد، وليس فيها جبال ولا أودية ولا أنهار ولا بحار، تمد مدا واحدا والعالم فيها يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، يعني لو تكلم الإنسان يسمعهم آخر واحد والبصر ينفذهم، يراهم؛ لأنه ليس بها تكور حتى يغيب بعض عن بعض.
- نهى الله آدم ﵇ أن يأكل من شجرة فأكل، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 35]،شجرة في الجنة لا ندري ما هذه الشجرة، ولا نوعها، ولا كبرها، ولا صغرها، شجرة أبهمها الله، فعلينا أن نؤمن بها مبهمة.
- الشافع لا يشفع إلا إذا كان ليس بينه وبين المشفوع عنده ما يوجب الوحشة، والمعصية بين العبد وربه توجب الوحشة بينهما، وخجله منه.
- الكذبات التي قصدها إبراهيم ﵇ هي: قوله إني سقيم، وهو ليس بسقيم لكنه قال متحديا لقومه الذين يعبدون الكواكب، والثانية قوله للملك الكافر: هذه أختي، يعني زوجته؛ ليسلم من شره وهي ليست كذلك، والثالثة قوله: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا﴾ [الأنبياء: 63]، أي الأصنام.
- هذه كذبات في ظاهر الأمر، لكنها في الحقيقة وبمناسبة تأويله ﷺ لم تكن كذبات، لكنه لشدة ورعه وحيائه من الله  اعتذر لهذا الإثم.
- موسى ﵇ قتل نفسا قبل أن يؤذن له في قتلها، -وهو القبطي- الذي كان في خصام مع رجل من بني إسرائيل، وموسى ﵇ من بني إسرائيل، والقبطي من أهل فرعون، ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْه﴾ [القصص: 15]، دون أن يؤمر بقتله فرأى ﵇ أن هذا يحول مما يحول بينه وبين الشفاعة للخلق.
- هذا شرف عظيم لرسول الله ﷺ حيث كان أربعة من الأنبياء يعتذرون بذكر ما فعلوه، وواحد لا يعتذر بشيء، ولكن يرى أن محمدا ﷺ أولى منه.
قال ابن باز ﵀:
- هذا المقام مقام عظيم، يوجب للمؤمن أن يتذكر هذا المقام، وأن يحرص على فعل ما أوجب الله عليه، وما شرع الله له، وأن يحذر ما حرم الله عليه، فإنّه يوم عظيم إنّما ينجي الله فيه عباده بعباداتهم وأعمالهم الصالحة كل يؤخذ بعبئه.