تابع باب بيان مَا أعدَّ اللهُ تَعَالَى للمؤمنين في الجنة


1885 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ لِلمُؤْمِنِ فِي الجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ طُولُها في السَّمَاءِ سِتُّونَ مِيلًا. لِلمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ يَطُوفُ عَلَيْهِمُ المُؤْمِنُ فَلاَ يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا» متفق عليه.
«المِيلُ»: سِتة آلافِ ذِراعٍ.
1886 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ في الجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكبُ الجَوَادَ المُضَمَّرَ السَّريعَ مِائَةَ سَنَةٍ مَا يَقْطَعُها» متفق عليه.
وروياه في الصحيحين أيضًا من رواية أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «يَسيرُ الرَّاكِبُ في ظِلِّها مئةَ سَنَةٍ مَا يَقْطَعُها».
قال ابن باز ﵀:
- وذلك لعظمها وكثرة غصونها وما فيها من الخير العظيم، هذا يدل على سعة الجنة وإن فيها من الخير العظيم والنعم العظيمة وألوان المتاع مما يسر الناظرين ما لا يحصيه إلا الله، ولا يعلمه إلا هو.

1887 - وعنه ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ أهْلَ الجَنَّةِ لَيَتَرَاءوْنَ أَهْلَ الغُرَفِ مِن فَوْقِهِمْ كَمَا تَرَاءوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغَابِرَ فِي الأُفُق مِنَ المَشْرِقِ أو المَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ» قالُوا: يا رسول الله؛ تِلْكَ مَنَازِلُ الأنبياء لاَ يَبْلُغُها غَيْرُهُمْ قال: «بَلَى والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا المُرْسَلِينَ». متفق عليه.
قال ابن باز ﵀:
- هذه المنازل لا تختص بالأنبياء، بل للأنبياء وغيرهم من أهل الإيمان والتقوى والصدق.
- المنازل متفاوتة، ومع ذلك كل في نعمة لا يرى أن غيره أحسن منه، كل مغتبط مرتاح لا حزن ولا غم، كل واحد في منزله يرى أنه قد أعطي ما لا يعطاه أحد، كل واحد في نعيم دائم وخير دائم لا يرى أن غيره قد فضل عليه لما هو فيه من الخير العظيم والنعم العظيمة.

1888 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَقَابُ قَوْسٍ في الجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أو تَغْرُبُ» متفق عليه.
1889 - وعن أنس - رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ في الجَنَّةِ سُوقًا يَأتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ. فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ، فَتَحْثُو في وُجُوهِهِم وَثِيَابِهِمْ، فَيَزدَادُونَ حُسنًا وَجَمَالًا فَيَرْجِعُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ، وَقَد ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ: وَاللهِ لقدِ ازْدَدْتُمْ حُسْنًا وَجَمَالًا! فَيقُولُونَ: وَأنْتُمْ وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمالًا!». رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- تهب ريح الشمال فتزيدهم حسنا وجمالا، والمراد ريح تشبه ريح الشمال في برودتها ولذاذتها، وكل هذا المذكور في هذه الأحاديث يوجب للإنسان الرغبة في العمل الصالح الذي يتوصل به إلى هذه الدار، جعلنا الله وإياكم من أهلها.

1890 - وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ أهْلَ الجَنَّةِ لَيَتَراءونَ الغُرَفَ فِي الجَنَّةِ كَمَا تَتَرَاءونَ الكَوكَبَ فِي السَّمَاءِ» متفق عليه.
1891 - وعنه - رضي الله عنه - قال: شَهِدْتُ مِنَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مَجْلِسًا وَصَفَ فِيهِ الجَنَّةَ حَتَّى انْتَهَى، ثُمَّ قَالَ في آخِرِ حَدِيثِهِ: «فيهَا مَا لاَ عَينٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ» ثُمَّ قَرَأَ: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ [السجدة: 16 - 17]. رواه البخاري.
1892 - وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
قال: «إذَا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ يُنَادِي مُنَادٍ: إنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا، فَلاَ تَمُوتُوا أَبَدًا، وإنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا، فلا تَسْقَمُوا أبدًا، وإنَّ لَكمْ أَنْ تَشِبُّوا فلا تَهْرَمُوا أبدًا، وإنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا، فَلاَ تَبْأسُوا أَبَدًا». رواه مسلم.
1893 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ أدْنَى مَقْعَدِ أَحَدِكُمْ مِن الجَنَّةِ أَنْ يَقُولَ لَهُ: تَمَنَّ، فَيَتَمَنَّى وَيَتَمَنَّى فَيقُولُ لَهُ: هَلْ تَمَنَّيتَ؟ فيقولُ: نَعَمْ، فيقُولُ لَهُ: فَإنَّ لَكَ ما تَمَنَّيتَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ». رواه مسلم .
1894 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ الله - عز وجل - يَقُولُ لأَهْلِ الجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ، فَيقولُونَ: لَبَّيكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، وَالخَيْرُ في يَديْكَ، فَيقُولُ: هَلْ رَضِيتُم؟ فَيقُولُونَ: وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى يَا رَبَّنَا وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أحدًا مِنْ خَلْقِكَ، فَيقُولُ: ألاَ أُعْطِيكُمْ أفْضَلَ مِنْ ذلِكَ؟ فَيقُولُونَ: وَأيُّ شَيءٍ أفْضَلُ مِنْ ذلِكَ؟ فَيقُولُ: أُحِلُّ عَلَيكُمْ رِضْوَانِي فَلاَ أسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أبَدًا». متفق عليه.
1895 - وعن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: كُنَّا عِندَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَنَظَرَ إلَى القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، وَقَالَ: «إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عَيَانًا كما تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ، لاَ تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ» متفق عليه.
قال ابن باز ﵀:
- يعني رؤية ظاهرة لا يحصل لأحد ضيم، بل كل أحد يراه في محله فضلًا منه وإحسانًا ﷿، وهكذا أهل الجنة يرونه ﷿ كلما شاء سبحانه وتعالى على مواعيد يضربها لهم ﷿، وأعلاهم منزلة من يرى وجه ربه بكرة وعشيًا، يعني في منزلة البكرة والعشي في أيام الدنيا، كل هذا من فضله ﷿.

1896 - وعن صُهيب - رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُريدُونَ شَيئًا أَزيدُكُمْ؟ فَيقُولُونَ: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ ألَمْ تُدْخِلْنَا الجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ فَيَكْشِفُ الحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إلَى رَبِّهِمْ».رواه مسلم.
قال الله تعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ في جَنَّاتِ النَّعِيمِ دَعْوَاهُمْ فيها سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾ [يونس: 9 - 10].
قال ابن عثيمين ﵀:
- رؤية المؤمنين لربهم في الجنة ثابتة بكتاب الله وسنة رسوله وإجماع الصحابة وأئمة الأمة، ولم ينكرها إلا من أعمى الله قلبه، والعياذ بالله، ولهذا كانت هذه الأحاديث من الأحاديث المتواترة عن النبي ﷺ يقول الله ﷿: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ‎٢٢‏ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: 22-23]، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌۖ﴾ [يونس: 26]، وقد فسر أعلم الخلق بكتاب الله محمد رسول الله ﷺ الزيادة: أنّها النظر إلى وجه الله.

الحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِي لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللهُ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ النَّبيِّ الأُمِّيِّ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأزوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كما صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وعلى آلِ إبْراهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبيِّ الأُمِّيِّ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كما بَاركْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آل إبراهيم في العالَمِينَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
قال مؤلِّفُهُ: فَرَغْتُ مِنْهُ يَوْمَ الإثْنَيْنِ رَابِعَ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ سَبْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ بِدِمشق