باب في المحافظة عَلَى الأعمال


قَالَ الله تَعَالَى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الحديد: 16]، وَقالَ تَعَالَى: ﴿وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الأِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾ [الحديد: 27]، وَقالَ تَعَالَى: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا﴾ [النحل: 92]، وَقالَ تَعَالَى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر: 99].
وَأَمَّا الأَحاديث فمنها:
حديث عائشة: وَكَانَ أَحَبُّ الدِّين إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ صَاحِبُهُ عَلَيهِ. وَقَدْ سَبَقَ في البَاب قَبْلَهُ .
153 - وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبهِ مِنَ اللَّيلِ، أَوْ عَنْ شَيءٍ مِنْهُ، فَقَرَأَهُ مَا بَيْنَ صَلاةِ الفَجْرِ وَصَلاةِ الظُّهْرِ، كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيلِ». رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵁:
- ينبغي للإنسان المداومة على فعل الخير، وألا يدع ما نسيه إذا كان يمكن قضاؤه، أما ما لا يمكن قضاؤه فإنه إذا نسيه سقط، مثل سنة دخول المسجد التي تسمى تحية المسجد، إذا دخل الإنسان المسجد، ونسي وجلس وطالت المدة؛ فإنه لا يقضيها؛ لأن هذه الصلاة سنة مقيدة بسبب، فإذا تأخرت عنه سقطت سنتها، وهكذا كل ما قيد بسبب؛ فإنه إذا زال سببه لا يقضى، إلا أن يكون واجباً من الواجبات؛ كالصلاة المفروضة، وأما ما قيد بوقت فإنه يقضى إذا فات؛ كالسنن الرواتب؛ لو نسيها الإنسان حتى خرج الوقت فإنه يقضيها بعد الوقت، كما ثبت ذلك عن النبي ﷺ، وكذلك لو فات الإنسان صيام ثلاثة أيام من الشهر -الأيام البيض- فإنه يقضيها بعد ذلك، وإن كان صيام ثلاثة أيام من الشهر واسعاً؛ فتجوز في أول الشهر وفي وسطه وفي آخره، لكن الأفضل في الأيام البيض: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، والله الموفق.

154 - وعن عبد الله بن عَمْرو بن العاص رَضِيَ الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «يَا عبدَ اللهِ، لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلان، كَانَ يَقُومُ اللَّيلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيلِ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
155 - وعن عائشة رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلاةُ مِنَ اللَّيلِ مِنْ وَجَعٍ أَوْ غَيرِهِ، صَلَّى مِنَ النَّهارِ ثنْتَيْ عَشرَةَ رَكْعَةً. رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵁:
- ترك ذكر اسم الشخص فيه فائدتان عظيمتان:
• الفائدة الأولى: الستر على هذا الشخص.
• والفائدة الثانية: أنّ هذا الشخص ربما تتغير حاله، فلا يستحق الحكم الذي يحكم عليه في الوقت الحاضر، لأنّ القلوب بيد الله.
- في هذا دليلٌ على فائدةٍ مهمةٍ وهي : أنّ العبادة المؤقتة إذا فاتت عن وقتها لعذرٍ فإنّها تُقضى، أمّا العبادة المربوطة بسببٍ فإنّه إذا زال سببها لا تُقضى ومن ذلك سنة الوضوء مثلاً.

باب في الأمر بالمحافظة عَلَى السنة وآدابها


قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: 7]، وَقالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم:3 - 4]، وَقالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [آل عمران: 31]، وَقالَ تَعَالَى:﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِر﴾ [الأحزاب:21]، وَقالَ تَعَالَى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65]، وَقالَ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: 59] قَالَ العلماء: معناه إِلَى الكتاب والسُنّة، وَقالَ تَعَالَى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله﴾ [النساء:80]، وَقالَ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: 52 -]، وَقالَ تَعَالَى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63]، وَقالَ تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ﴾ [الأحزاب: 34]، والآيات في الباب كثيرة.
وَأَما الأحاديث:
156 - فالأول: عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا أهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَثْرَةُ سُؤَالِهِمْ واخْتِلافُهُمْ عَلَى أَنْبيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْء فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أمَرْتُكُمْ بِأمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
قال ابن عثيمين ﵁:
- لا واجب مع عجزٍ، ولا محرّم مع ضرورةٍ، والشاهد من هذا الحديث قول النبي ﷺ: (فإذا نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه، وإِذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم) فإنّ هذا يدخل في المحافظة على السنة وآدابها.
- السؤال عن الشريعة والتفقه في الدين واجب على كل مؤمن، والمنهي عنه هو التعمق في المسائل التي تسبب الحرج على الأمة.

157 - الثاني: عن أَبي نَجيحٍ العِرباضِ بنِ سَارية - رضي الله عنه - قَالَ: وَعَظَنَا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَوعظةً بَليغَةً وَجِلَتْ مِنْهَا القُلُوبُ، وَذَرَفَتْ مِنْهَا العُيُونُ، فَقُلْنَا: يَا رسولَ اللهِ، كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأوْصِنَا، قَالَ: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإنْ تَأَمَّر عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، وَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اختِلافًا كَثيرًا، فَعَليْكُمْ بسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِيِّنَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بالنَّواجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فإنَّ كلَّ بِدعَةٍ ضَلاَلَة». رواه أَبُو داود والترمذي، وَقالَ: «حديث حسن صحيح» .
«النَّواجذُ» بالذال المعجمةِ: الأنيَابُ، وَقِيلَ: الأضْراسُ.
قال ابن باز ﵁:
- فعلى كل مسلم أن ينقاد لشرع الله، وأن يستقيم على أمر الله وأن يحافظ على حدود الله، وأن يفسر كلام الله بما ثبت عن رسوله ﷺ.
قال ابن عثيمين ﵁:
- تقوى الله: أن يتخذ الإنسان وقاية من عذابه، بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، ولا وصول إلى ذلك إلا بالعلم. وليس المراد بالعلم أن يكون الإنسان بحراً في العلم، بل المراد به العلم بما يعين عليه من أوامر الله، والناس يختلفون في ذلك: فمثلاً من عنده مال يجب أن يعلم أحكام الزكاة، ومن قدر على الحج وجب عليه أن يعلم أحكام الحج، وغيرهم لا يجب عليهم، فعلوم الشريعة فرض كفاية إلا ما تعين على العبد فعله، فإن علمه يكون فرض عين.
- لزوم طاعة ولاة الأمور؛ لأنّ فيها حفظاً للناس من الفتن، ولكنها طاعةٌ في المعروف؛ أي فيما يقره الشرع.

158 - الثَّالثُ: عَنْ أَبي هريرةَ - رضي الله عنه: أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدخُلُونَ الجَنَّةَ إلاَّ مَنْ أبَى ». قيلَ: وَمَنْ يَأبَى يَا رَسُول الله؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أبَى». رواه البخاري.
159 - الرابع: عن أَبي مسلم، وقيل: أَبي إياس سَلمة بنِ عمرو بنِ الأكوع - رضي الله عنه: أنَّ رَجُلًا أَكَلَ عِنْدَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بِشِمَالِهِ، فَقَالَ: «كُلْ بِيَمِينكَ» قَالَ: لا أسْتَطيعُ. قَالَ: «لاَ استَطَعْتَ» مَا مَنَعَهُ إلاَّ الكِبْرُ فمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ. رواه مسلم.
قال ابن باز ﵁:
- لا ينبغي للعاقل أن يغتر بإمهال الله وهو على المعاصي والمخالفات، لا يغتر بالإمهال فإنّه أشد في عقوبته.

160 - الخامس: عن أَبي عبدِ الله النعمان بن بشير رَضيَ الله عنهما، قَالَ: سمعت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية لمسلم: كَانَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كَأنَّما يُسَوِّي بِهَا القِدَاحَ حَتَّى إِذَا رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ. ثُمَّ خَرَجَ يَومًا فقامَ حَتَّى كَادَ أَنْ يُكَبِّرَ فرأَى رَجلًا بَاديًا صَدْرُهُ، فَقَالَ: «عِبَادَ الله، لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ».
قال ابن عثيمين ﵁:
- في هذا دليلٌ على وجوب تسوية الصفوف، وأنّه يجب على المأمومين أن تُسوى صفوفهم، وأنّهم إن لم يفعلوا ذلك، فقد عرضوا أنفسهم لعقوبة الله، والعياذ بالله.
- علينا أن نبين هذه المسألة لأئمة المساجد، وكذلك المأمومين، حتى ينتبهوا لهذا الأمر ويعتنون بشأن تسوية الصف ولا يحصل تهاون بين الناس.

161 - السادس: عن أَبي موسى - رضي الله عنه - قَالَ: احْتَرقَ بَيْتٌ بالمَدِينَةِ عَلَى أهْلِهِ مِنَ اللَّيلِ، فَلَمَّا حُدِّثَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بشَأنِهِمْ، قَالَ: «إنَّ هذِهِ النَّارَ عَدُوٌّ لَكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ، فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
قال ابن عثيمين ﵁:
- في هذا دليلٌ على أنّ الإنسان ينبغي له أن يتخذ الاحتياط في الأمور التي يُخشى شرها؛ ولهذا أمر الإنسان عند النوم أن يُطفئ النار ولا يقول هذه سهلةٌ أنا آمنٌ من ذلك؛ ربّما يظن هذا الظن ولكن يحدث ما لا يخطر على باله.
- إذا كان هذا في نار الدنيا، فكذلك يجب أن يحترس مما يكون سببا لعذاب النار في الآخرة، من أسباب المعاصي ووسائلها وذرائعها.

162 - السابع: عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِي الله بِهِ
مِنَ الهُدَى والعِلْم كَمَثَلِ غَيثٍ أَصَابَ أرْضًا فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفةٌ طَيِّبَةٌ، قَبِلَتِ المَاءَ فَأَنْبَتَتِ الكَلأَ والعُشْبَ الكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أمسَكَتِ المَاء فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَربُوا مِنْهَا وَسَقُوا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَ طَائفةً مِنْهَا أخْرَى إنَّمَا هِيَ قيعَانٌ لا تُمْسِكُ مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كَلأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ في دِينِ اللهِ وَنَفَعَهُ بمَا بَعَثَنِي الله بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ»
. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
«فَقُهَ» بضم القافِ عَلَى المشهور وقيل بكسرِها: أي صار فقيهًا.
قال ابن عثيمين ﵁:
- في هذا الحديث دليلٌ على أنّ من فَقُه في دين الله، وعلم من سنة رسول الله ﷺ ما يُعلم فإنّه خير الأقسام.
- في هذا الحديث دليلٌ على حسن تعليم الرسول ﷺ وذلك بضرب الأمثال، لأنّ ضرب الأمثال الحسية يقرب المعاني العقلية.

163 - الثامن: عن جابر - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا فَجَعَلَ الجَنَادِبُ وَالفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا، وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا، وَأَنَا آخذٌ بحُجَزكُمْ عَنِ النَّارِ، وَأنْتُمْ تَفَلَّتونَ مِنْ يَدَيَّ ». رواه مسلم.
«الجَنَادِبُ»: نَحوُ الجرادِ وَالفَرَاشِ، هَذَا هُوَ المَعْرُوف الَّذِي يَقَعُ في النَّارِ. وَ «الحُجَزُ»: جَمْعُ حُجْزَة وَهِيَ مَعْقدُ الإزَار وَالسَّراويل.
قال ابن عثيمين ﵁:
- إنّه ينبغي للإنسان – بل يجب – أن يتبع سنة الرسول ﷺ في كل ما أمرّ به، وفي كلّ ما نهى عنه.
- بيان عظم حق النبيّ ﷺ على أمته، وأنّه كان لا يألو جهداً في منعها وصدها عن كل ما يضرّها في دينها ودنياها، كما يكون صاحب النار التي أوقدها وجعل الجنادب والفراش تقع فيها وهو يأخذ بها.

164 - التاسع: عَنْهُ: أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِلَعْقِ الأَصَابِعِ وَالصَّحْفَةِ ، وَقَالَ: «إنَّكُمْ لا تَدْرونَ في أَيِّها البَرَكَةُ». رواه مسلم.
وفي رواية لَهُ: «إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَأخُذْهَا، فَليُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أذىً، وَلْيَأكُلْهَا وَلاَ يَدَعْهَا لِلشَّيطَانِ، وَلا يَمْسَحْ يَدَهُ بالمنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أصَابعَهُ فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي في أيِّ طَعَامِهِ البَرَكَةُ».
وفي رواية لَهُ: «إنَّ الشَّيطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيءٍ مِنْ شَأنِهِ، حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ، فَإذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمْ اللُّقْمَةُ فَليُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أذَىً، فَلْيَأكُلْهَا وَلاَ يَدَعْهَا لِلشَّيطَانِ».
قال ابن عثيمين ﵁:
- كذلك أيضاً من آداب الأكل: أنّ الإنسان إذا سقطت لقمته على الأرض فإنّه لا يدعها لأنّ الشيطان يحضر للإنسان في جميع شؤونه.
- الإنسان إذا فعل هذا امتثالاً لأمر النبي ﷺ وتواضعاً لله ﷿ وحرماناً للشيطان من أكلها، حصل على هذه الفوائد الثلاثة: الامتثال لأمر النبي ﷺ، والتواضع، وحرمان الشيطان من أكلها.
- أنّه لا ينبغي للإنسان أن يأكل طعاماً فيه أذىً؛ لأنّ نفسك عندك أمانة.
- وجوب التزام الهدي النَّبويّ في كل شيء، سواءٌ عرفنا الحكمة في ذلك أم لم نعرف.

165 - العاشر: عن ابن عباس رضي الله عنهما، قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُول الله - عليه الصلاة والسلام - بِمَوعِظَةٍ، فَقَالَ: «يَا أيُّهَا النَّاسُ، إنَّكُمْ مَحْشُورونَ إِلَى الله تَعَالَى حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 103] ألا وَإنَّ أَوَّلَ الخَلائِقِ يُكْسَى يَومَ القِيَامَةِ إبراهيمُ - صلى الله عليه وسلم - ألا وَإِنَّهُ سَيُجَاءُ بِرجالٍ مِنْ أُمَّتي فَيُؤخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشَّمالِ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أصْحَابِي. فَيُقَالُ: إنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ. فَأقُولُ كَما قَالَ العَبدُ الصَّالِحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} إِلَى قولِهِ: {العَزِيزُ الحَكِيمُ} [المائدة: 117 - 118] فَيُقَالُ لِي: إنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
«غُرْلًا»: أي غَيرَ مَخْتُونِينَ.
قال ابن عثيمين ﵁:
- في هذا الحديث دليلٌ على أنّ الناس يكسون بعد أن يخرجوا حفاةً عراةً غرلاً.
- في هذا الحديث إشارة إلى الختان، والختان واجبٌ على الذكور، وسنة في حق الإناث، وهو أعدل الأقوال وأحسنها.

166 - الحادي عشر: عن أَبي سعيد عبد الله بن مُغَفَّلٍ - رضي الله عنه - قَالَ: نَهَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الخَذْفِ ، وقالَ: «إنَّهُ لاَ يَقْتُلُ الصَّيْدَ، وَلاَ يَنْكَأُ العَدُوَّ، وإنَّهُ يَفْقَأُ العَيْنَ، وَيَكْسِرُ السِّنَّ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية: أنَّ قَريبًا لابْنِ مُغَفَّل خَذَفَ فَنَهَاهُ، وَقالَ: إنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -
نَهَى عَن الخَذْفِ، وَقَالَ: «إنَّهَا لاَ تَصِيدُ صَيدًا» ثُمَّ عادَ، فَقَالَ: أُحَدِّثُكَ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْهُ، ثُمَّ عُدْتَ تَخذفُ!؟ لا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا.
قال ابن عثيمين ﵁:
- الخذف قال العلماء: معناه أن يضع الإنسان حصاة بين السبابة والإبهام، فيضع على الإبهام حصاة ويدفعها بالسبابة، أو يضع على السبابة ويدفعها بالإبهام.
- ما فعله عبد الله بن المغفل، وعبد الله بن عمر ﵁، يدل على تعظيم السنة، وأنّ الإنسان يجب أن يقول في حكم الله ورسوله: سمعنا وأطعنا.
قال ابن باز ﵁:
- الواجب تعظيم سنته واتباع شريعته والمحافظة على ذلك والتواصي بذلك.

167 - وعَن عابس بن رَبيعة، قَالَ: رَأيْتُ عُمَرَ بن الخطاب - رضي الله عنه - يُقَبِّلُ الحَجَرَ يَعْنِي: الأسْوَدَ - وَيَقُولُ: إني أَعْلَمُ أنَّكَ حَجَرٌ مَا تَنْفَعُ وَلاَ تَضُرُّ، وَلَولا أنِّي رَأيْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
قال ابن عثيمين ﵁:
- القاعدة: أنّ كل أحدٍ يجعل شيئاً سبباً لشيءٍ بدون إذنٍ من الشارع فإنّه يكون مبتدعاً، ولهذا يجب على من رأى أحداً يفعل هذا أن ينصحه.
- قد بين أمير المؤمنين عمر ﵁ أنّه لا يفعل ذلك إلا اتباعاً لسنة النبي ﷺ، وإلا فإنّه يعلم أنّه لا ينفع ولا يضر، وفي هذا دليلٌ على كمال التعبد أن ينقاد الإنسان لله ﷿، سواءٌ عرف السبب والحكمة في المشروعية أم لم يعرف.