باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين والمنكسرين والإحسان إليهم والشفقة عليهم والتواضع معهم وخفض الجناح لهم


قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الحجر: 88]، وَقالَ تَعَالَى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الكهف: 28]، وَقالَ تَعَالَى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ﴾ [الضحى: 9 - 10]، وَقالَ تَعَالَى: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ [الماعون: 6].
260 - وعن سعد بن أَبي وَقَّاص - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - سِتَّةَ نَفَرٍ، فَقَالَ المُشْرِكُونَ للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم: اطْرُدْ هؤلاء لا يَجْتَرِئُونَ عَلَيْنَا، وَكُنْتُ أنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ. وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ وَبِلالٌ وَرَجُلاَنِ لَسْتُ أُسَمِّيهِمَا، فَوَقَعَ في نفس رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقَعَ فَحَدَّثَ نَفسَهُ، فَأنْزَلَ اللهُ تعالى: ﴿وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ [الأنعام: 52] رواه مسلم.
261 - وعن أَبي هُبَيرَة عائِذ بن عمرو المزنِي وَهُوَ مِنْ أهْل بيعة الرضوان - رضي الله عنه: أنَّ أبا سُفْيَانَ أتَى عَلَى سَلْمَانَ وَصُهَيْبٍ وَبلاَلٍ في نَفَرٍ، فقالوا: مَا أخَذَتْ سُيُوفُ اللهِ مِنْ عَدُوِّ الله مَأْخَذَهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه: أتَقُولُون هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيدِهِمْ؟ فَأتَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأخْبَرهُ، فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، لَعلَّكَ أغْضَبتَهُمْ؟ لَئِنْ كُنْتَ أغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أغْضَبتَ رَبَّكَ» فَأَتَاهُمْ فَقَالَ: يَا إخْوَتَاهُ، أغْضَبْتُكُمْ؟ قالوا: لاَ، يَغْفِرُ اللهُ لَكَ يَا أُخَيَّ. رواه مسلم.
قولُهُ: «مَأْخَذَهَا» أيْ: لَمْ تَسْتَوفِ حقها مِنْهُ. وقوله: «يَا أُخَيَّ»: رُوِي بفتحِ الهمزةِ وكسرِ الخاءِ وتخفيف الياءِ، وَرُوِيَ بضم الهمزة وفتح الخاء وتشديد الياءِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- في قوله: (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) تنبيه على الإخلاص وأن الإخلاص له أثر كبير في قبول الأعمال ورفعة الأعمال عند الله ﷿، فكلما كان الإنسان في عمله أخلص؛ كان أرضى لله وأكثر لثوابه، فالواجب على الإنسان أن يحرص غاية الحرص على إخلاص نيته لله في عبادته، وألا يقصد بعبادته شيئاً من أمور الدنيا؛ لا يقصد إلا رضا الله وثوابه حتى ينال بذلك الرفعة في الدنيا والآخرة.
- لا يجوز للإنسان أن يترفع على الفقراء والمساكين ومن ليس لهم قيمة في المجتمع؛ لأن القيمة الحقيقية هي قيمة الإنسان عند الله، كما قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13]، والذي ينبغي للإنسان أن يخفض جناحه للمؤمنين ولو كانوا غير ذي جاه؛ لأن هذا هو الذي أمر الله به نبيه ﷺ حيث قال: ﴿لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الحجر: 88].
- الإنسان ينبغي له -بل يجب عليه- إذا اعتدى على أحد بقول أو فعل أو بأخذه مال أو سب أو شتم أن يستحله في الدنيا؛ قبل أن يأخذ ذلك منه في الآخرة؛ لأن الإنسان إذا لم يأخذ حقه في الدنيا فإنه يأخذه يوم القيامة، ويأخذ من أشرف شيء وأعز شيء على الإنسان يأخذه من الحسنات؛ من الأعمال الصالحة التي هو في حاجة إليها في ذلك المكان.
قال ابن باز ﵀:
- رحمة المساكين والإحسان إليهم والتلطف بهم مما يرضي الله، و سبهم و الغلظة عليهم و التجبر عليهم، و جفاءهم والإساءة إليهم مما يغضب الله ﷿.

262 - وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «أَنَا وَكَافلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا» وَأَشارَ بالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا. رواه البخاري.
وكافل اليتيم القائم بأموره.
263 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم-: «كَافلُ اليَتيِم لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ في الجَنَّةِ» وَأَشَارَ الرَّاوِي وَهُوَ مَالِكُ بْنُ أنَس بالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى. رواه مسلم.
وقوله - صلى الله عليه وسلم: «اليَتِيمُ لَهُ أَوْ لِغَيرِهِ» مَعْنَاهُ: قَريبُهُ، أَو الأجْنَبيُّ مِنْهُ، فالقَريبُ مِثلُ أَنْ تَكْفَلهُ أمُّهُ أَوْ جَدُّهُ أَوْ أخُوهُ أَوْ غَيرُهُمْ مِنْ قَرَابَتِهِ، والله أعْلَمُ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- كفالة اليتيم هي القيام بما يصلحه في دينه ودنياه؛ بما يصلحه في دينه من التربية والتوجيه والتعليم وما أشبه ذلك، وما يصلحه في دنياه من الطعام والشراب والمسكن، واليتيم حده البلوغ، فإذا بلغ الصبي؛ زال عنه اليتم، وإذا كان قبل البلوغ فهو يتيم؛ هذا إن مات أبوه، وأما إذا ماتت أمه دون أبيه فإنه ليس بيتيم.
قال ابن باز ﵀:
- المشروع للمؤمنين والواجب عليهم التواضع وعدم التكبر، والتلطف بالمساكين والفقراء والأيتام، والإحسان إليهم ورحمة حالهم ودفع الضرر عنهم.
- فضل كفالة اليتيم وأن صاحبها له أجر عظيم، وأنه قريب من منزلة الرسول ﷺ في الجنة ، سواء كان اليتيم من أقاربه أو غير أقاربه.

264 - وعنه، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ المِسْكينُ الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلا اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، إِنَّمَا المِسْكِينُ الَّذِي يَتَعَفَّفُ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية في الصحيحين: «لَيْسَ المِسكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ واللُّقْمَتانِ، وَالتَّمْرَةُ والتَّمْرَتَانِ، وَلَكِنَّ المِسْكِينَ الَّذِي لاَ يَجِدُ غِنىً يُغْنِيه، وَلاَ يُفْطَنُ بِهِ فَيُتَصَدَّقَ عَلَيهِ، وَلاَ يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ».
قال ابن عثيمين ﵀:
- ينبغي للمسكين أن يصبر وأن ينتظر الفرج من الله، وأن لا يتكفف الناس أعطوه أو منعوه؛ لأن الإنسان إذا علق قلبه بالخلق وكل إليهم، كما جاء في الحديث: (من تعلق شيئاً وكل إليه) وإذا وكلت إلى الخلق نسيت الخالق، بل اجعل أمرك إلى الله ﷿، وعلق رجاءك وخوفك وتوكلك واعتمادك على الله ﷿ فإنّه يكفيك، ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُۚ﴾ [الطلاق: 3]، كل ما أمر الله ﷿ به فهو بالغك، لا يمنعه شيء ولا يرده شيء.
- المسكين يجب عليه الصبر، ويجب عليه أن يمتنع عن سؤال الناس لا يسأل إلا عند الضرورة القصوى؛ إذا حلت له الميتة حل له السؤال، أما قبل ذلك مادام يمكنه أن يتعفف ولو أن يأكل كسرة من خبز أو شقاً من تمرة فلا يسأل، ولا يزال الإنسان يسأل الناس، ثم يسأل الناس، ثم يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وما في وجهه مزعة لحم، والعياذ بالله؛ لأنه قد قشر وجهه للناس في الدنيا.
قال ابن باز ﵀:
- ينبغي لأهل الغنى والثروة أن يراعوا المتعففين وأن يحسنوا إليهم أكثر من الطوافين، فالطواف يجد هذا يعطيه تمرة هذا يعطيه تمرتين، هذا يرده هذا يعطيه درهمًا، لكن المتعفف يبقى في بيته في تعب كبير؛ لأنه لا يستطيع أن يطوف، يستحي من الطواف ولا يفطن له، فينبغي للمؤمن أن يجتهد في الإحسان لليتامى ولا سيما المتعففون.

265 - وعنه، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، كَالمُجَاهِدِ في سَبيلِ اللهِ». وَأَحسَبُهُ قَالَ: «وَكَالقَائِمِ الَّذِي لاَ يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ الَّذِي لاَ يُفْطِرُ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- الأرامل هم الذين لا عائل لهم سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً، والمساكين هم الفقراء؛ ومن هذا قيام الإنسان على عائلته وسعيه عليهم، على العائلة الذين لا يكتسبون، فإن الساعي عليهم والقائم بمئونتهم ساع على أرملة ومساكين، فيكون مستحقاً لهذا الوعد ويكون كالمجاهد في سبيل الله، أو كالقائم الذي لا يفتر وكالصائم الذين لا يفطر.
- دليل على جهل أولئك القوم الذين يذهبون يميناً وشمالاً ويدعون عوائلهم في بيوتهم مع النساء، ولا يكون لهم عائل فيضيعون؛ لأنهم يحتاجون إلى الإنفاق ويحتاجون إلى الرعاية وإلى غير ذلك، وتجدهم يذهبون يتجولون في القرى وربما في المدن أيضاً، بدون أن يكون هناك ضرورة، ولكن شيء في نفوسهم، يظنون أن هذا أفضل من البقاء في أهليهم بتأديبهم وتربيتهم، وهذا ظن خطأ، فإن بقاءهم في أهلهم، وتوجيه أولادهم من ذكور وإناث، وزوجاتهم ومن يتعلق بهم أفضل من كونهم يخرجون يزعمون أنهم يرشدون الناس وهم يتركون عوائلهم الذين هم أحق من غيرهم.

266 - وعنه، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الوَلِيمَةِ، يُمْنَعُهَا مَنْ يَأتِيهَا، وَيُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ». رواه مسلم.
وفي رواية في الصحيحين، عن أَبي هريرة من قوله: «بئْسَ الطَّعَامُ طَعَامُ الوَلِيمَةِ يُدْعَى إِلَيْهَا الأغْنِيَاءُ ويُتْرَكُ الفُقَراءُ».
قال ابن عثيمين ﵀:
- إجابة دعوة الوليمة واجبة؛ لأنه لا شيء يكون معصية بتركه إلا وهو واجب، ولكن لا بد فيها من شروط:
• الشرط الأول: أن يكون الداعي مسلماً؛ فإن لم يكن مسلما ً لم تجب الإجابة، ولكن تجوز الإجابة لا سيما إذا كان في هذا مصلحة، وأما اشتراط العدالة: فليس بشرط، فتجوز إجابة دعوة الفاسق إذا دعاك مثل أن يدعوك إنسان قليل الصلاة مع الجماعة، أو حليق اللحية، أو شارب دخان، فأجبه كما تجيب من كان سالماً من ذلك، لكن إن كان عدم الإجابة يفضي إلى مصلحة بحيث يخجل هذا الداعي ويترك المعصية التي كان يعتادها حيث الناس لا يجيبون دعوته، فلا تجب دعوته من أجل مصلحته، أما إذا كان لا يستفيد سواء أجبته أو لم تجبه، فأجب الدعوة لأنه مسلم.
• الشرط الثاني: أن يكون ماله حلالاً؛ فإن كان ماله حراماً كالذي يكتسب المال بالربا؛ فإنه لا تجب إجابته لأن ماله حرام، والذي ماله حرام ينبغي للإنسان أن يتورع عن أكل ماله، ولكنه ليس بحرام، يعني لا يحرم عليك أن تأكل من مال من كسبه حرام؛ لأن النبي ﷺ أكل من طعام اليهود وهم يأكلون الربا؛ يأخذونه ويتعاملون به. لكن الورع أن لا تأكل ممن ماله حرام، أما إذا كان في ماله حرام يعني ماله مختلط؛ يتجر تجارة حلالاً ويكتسب كسباً محرماً؛ فلا بأس من إجابته، ولا تتورع عن ماله؛ لأنه لا يسلم كثير من الناس اليوم من أن يكون في ماله حرام، فمن الناس من يغش فيكتسب من حرام، ومنهم من يرابي في بعض الأشياء، ومنهم الموظفون، وكثير من الموظفين لا يقومون بواجب الوظيفة، فتجده يتأخر عن الدوام، أو يتقدم فيخرج قبل وقت انتهاء الدوام، وهذا ليس راتبه حلالاً؛ بل إنه يأكل من الحرام بقدر ما نقص من عمل الوظيفة.
• الشرط الثالث: ألا يكون في الدعوة منكر؛ فلا تجب إلا إذا كنت قادراً على تغيير هذا المنكر، فإنه يجب عليك الحضور لسببين:
السبب الأول: إزالة المنكر.
السبب الثاني: إجابة الدعوة.
أما إذا كنت ستحضر ولكن لا تستطيع تغيير المنكر؛ فإن حضورك حرام.
• الشرط الرابع: أن يعين المدعو، ومعنى يعينه أن يقول: يا فلان أدعوك إلى حضورك وليمة العرس. فإن لم يعينه بأن دعا دعوة عامة في مجلس فقال: يا جماعة عندنا حفل زواج ووليمة عرس فاحضروا، فإنه لا يجب عليك أن تحضر؛ لأنه دعا دعوة عامة ولم ينص عليك.
قال ابن باز ﵀:
- الواجب على المؤمن أن يجيب الدعوة إلا من عذر شرعي كمرض أو مطر أو ما أشبه ذلك من الأعذار التي تمنع، أو سفر بعيد أو ما أشبه ذلك من الأعذار، وإلا الواجب إجابة الدعوة إلا أن يكون فيها منكر يمنع المجيء إليها وهو لا يستطيع إنكاره فهذا عذر له.

267 - وعن أنس - رضي الله عنه - عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْن حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ أنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ» وضَمَّ أصَابِعَهُ. رواه مسلم.
«جَارِيَتَيْنِ» أيْ: بنتين.
قال ابن عثيمين ﵀:
- العول في الغالب يكون بالقيام بمئونة البدن؛ من الكسوة والطعام والشراب والسكن والفراش ونحو ذلك، وكذلك يكون في غذاء الروح؛ بالتعليم والتهذيب والتوجيه والأمر بالخير والنهي عن الشر وما إلى ذلك.
- يؤخذ من هذا الحديث ومما قبله أيضاً أنه ينبغي للإنسان أن يهتم بالأمور التي تقربه إلى الله لا بالأمور الشكليات، أو مراعاة ما ينفع في الدنيا فقط، بل يلاحظ هذا ويلاحظ ما ينفع في الآخرة أكثر وأكثر.

268 - وعن عائشة رضي الله عنها، قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَيَّ امْرَأةٌ وَمَعَهَا ابنتانِ لَهَا، تَسْأَلُ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحدَةٍ، فَأعْطَيْتُهَا إيَّاهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْها ولَمْ تَأكُلْ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرجَتْ، فَدَخَلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَينَا، فَأخْبَرْتُهُ فَقَالَ: «مَنِ ابْتُليَ مِنْ هذِهِ البَنَاتِ بِشَيءٍ فَأحْسَنَ إلَيْهِنَّ، كُنَّ لَهُ سِترًا مِنَ النَّارِ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- ليس المراد به هنا بلوى الشر، لكن المراد: من قدر له، كما قال الله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةًۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء: 35] يعني من قدر له ابنتان فأحسن إليهما كن له ستراً من النار يوم القيامة، يعني أن الله تعالى يحجبه عن النار بإحسانه إلى البنات؛ لأن البنت ضعيفة لا تستطيع التكسب، والذي يكتسب هو الرجل.
- في هذا الحديث أيضاً دليل على فضل من أحسن إلى البنات بالمال، والكسوة، وطيب الخاطر، ومراعاة أنفسهن؛ لأنهن عاجزات قاصرات.

269 - وعن عائشة رضي الله عنها، قَالَتْ: جَاءتني مِسْكينةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، فَأطْعَمْتُها ثَلاثَ تَمرَات، فَأعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَة مِنْهُمَا تَمْرَةً وَرَفَعتْ إِلَى فِيها تَمْرَةً لِتَأكُلها، فَاسْتَطعَمَتهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ الَّتي كَانَتْ تُريدُ أَنْ تَأكُلَهَا بَيْنَهُما، فَأعجَبَنِي شَأنُهَا، فَذَكَرْتُ الَّذِي صَنَعَتْ لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «إنَّ الله قَدْ أوْجَبَ لَهَا بها الجَنَّةَ، أَوْ أعتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ». رواه مسلم.
270 - وعن أَبي شُرَيحٍ خُوَيْلِدِ بن عمرو الخزاعِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَينِ: اليَتِيم وَالمَرْأةِ» حديث حسن رواه النسائي بإسناد جيد.
ومعنى «أُحَرِّجُ»: أُلْحِقُ الحَرَجَ وَهُوَ الإثْمُ بِمَنْ ضَيَّعَ حَقَّهُمَا، وَأُحَذِّرُ مِنْ ذلِكَ تَحْذِيرًا بَليغًا، وَأزْجُرُ عَنْهُ زجرًا أكيدًا.
271 - وعن مصعب بن سعد بن أَبي وقَّاص رضي الله عنهما، قَالَ: رَأى سعد أنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ دُونَهُ، فَقَالَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم: «هَلْ تُنْصرُونَ وتُرْزَقُونَ إلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ». رواه البخاري هكذا مُرسلًا، فإن مصعب بن سعد تابعيٌّ، ورواه الحافظ أَبُو بكر البرقاني في صحيحه متصلًا عن مصعب، عن أبيه - رضي الله عنه.
272 - وعن أَبي الدَّرداءِ عُويمر - رضي الله عنه - قَالَ: سمعتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ابْغُوني الضُّعَفَاء، فَإنَّمَا تُرْزَقُونَ وتُنْصَرُونَ، بِضُعَفَائِكُمْ». رواه أَبُو داود بإسناد جيد
قال ابن عثيمين ﵀:
- هذه الأحاديث كلها تدل على مضمون ما سبق من الرفق بالضعفاء واليتامى والبنات وما أشبه ذلك.
- ملاطفة الصبيان والرحمة بهم من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار. نسأل الله أن يكتب لنا ولكم ذلك.
- الضعفاء سبب للنصر وسبب للرزق، فإذا حنَّ عليهم الإنسان وعطف عليهم وآتاهم مما آتاه الله ﷿؛ كان ذلك سبباً للنصر على الأعداء، وكان سبباً للرزق؛ لأن الله تعالى أخبر أنه إذا أنفق الإنسان لربه نفقة فإن الله تعالى يخلفها عليه. قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُۚ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [سبأ: 39]، يخلفه: أي يأتي بخلفه وبدله.
قال ابن باز ﵀:
- بعض الناس قد يظلم النساء ولا يبالي بحقوقهن الواجب الحذر من ذلك، الواجب أداء حق النساء سواء كُن زوجات أو أخوات أو بنات أو غيرهن الواجب أداء حق المرأة بإرثها وغيره وإنصافها ورحمتها وعدم ظلمها، وهكذا اليتيم وهو الذي لا أب له ولم يبلغ الحلم، يقال له: يتيم فالمقصود رحمة الفقراء من الأيتام وغيرهم.