باب حق الجار والوصية بِهِ


قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: 36].
303 - وعن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم، قالا: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «مَا زَالَ جِبْريلُ يُوصِيني بِالجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أنَّهُ سَيُورِّثُهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
304 - وعن أَبي ذر - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فَأكثِرْ مَاءَهَا، وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ». رواه مسلم.
وفي رواية لَهُ عن أَبي ذر، قَالَ: إنّ خليلي - صلى الله عليه وسلم - أوْصَاني: «إِذَا طَبَخْتَ مَرَقًا فَأكْثِرْ مَاءه، ثُمَّ انْظُرْ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ جِيرَانِكَ، فَأَصِبْهُمْ مِنْهَا بِمعرُوفٍ».
305 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه: أن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «واللهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللهِ لاَ يُؤْمِنُ!» قِيلَ: مَنْ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: «الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية لمسلم: «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ لاَ يَأمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ».
«البَوَائِقُ»: الغَوَائِلُ والشُّرُورُ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- الجار: هو الملاصق لك في بيتك والقريب من ذلك، وقد وردت بعض الآثار بما يدل على أن الجار أربعون داراً كل جانب، ولا شك أن الملاصق للبيت جار، وأما ما وراء ذلك فإن صحت الأخبار بذلك عن النبي ﷺ؛ فالحق ما جاءت به، وإلا فإنه يرجع في ذلك إلى العرف، فما عدّه الناس جواراً فهو جوار.
- قال أهل العلم: والجيران ثلاثة:
• جار قريب مسلم؛ فله حق الجوار، والقرابة، والإسلام.
• وجار مسلم غريب قريب؛ فله حق الجوار، والإسلام.
• وجار كافر؛ فله حق الجوار، وإن كان قريباً فله حق القرابة أيضاً.
- هذا دليل على تحريم العدوان على الجار؛ سواء كان ذلك بالقول أو بالفعل؛ أما بالقول فأن يسمع منه ما يزعجه ويقلقه، كالذين يفتحون الراديو أو التلفزيون أو غيرهما مما يسمع فيزعج الجيران، فإن هذا لا يحل له، حتى لو فتحه على كتاب الله وهو مما يزعج الجيران بصوته فإنه معتد عليهم، ولا يحل له أن يفعل ذلك، وأما بالفعل فيكون بإلقاء الكناسة حول بابه، والتضييق عليه عند مداخل بابه، أو بالدق، أو ما أشبه ذلك مما يضره، ومن هذا أيضاً إذا كان له نخلة أو شجرة حول جدار جاره فكان يسقيها حتى يؤذي جاره بهذا السقي، فإن ذلك من بوائق الجار .
قال ابن باز ﵀:
- الجيران يختلفون، قد يحتاج المرقة، قد يحتاج للتمرات، قد يحتاج للريال والريالين، الجيران أنواع فإن كان غنيًا أكثر معه بحسن الجوار والكلام الطيب وكف الأذى، وإن كان فقيرًا ساعده أيضًا مع حسن الجوار، مع الكرامة، ومع طيب الكلام.

306 - وعنه، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «يَا نِسَاء المُسْلِمَاتِ، لاَ تَحْقِرَنَّ جَارةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاة». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
307 - وعنه: أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً في جِدَارِهِ»، ثُمَّ يقُولُ أَبُو هريرة: مَا لِي أرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضينَ! وَاللهِ لأرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أكْتَافِكُمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
رُوِيَ «خَشَبَهُ» بالإضَافَة وَالجمع. وَرُويَ «خَشَبَةً» بالتنوين عَلَى الإفرادِ. وقوله: مَا لي أراكم عَنْهَا مُعْرِضينَ: يَعْني عَنْ هذِهِ السُّنَّة.
308 - وعنه: أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بالله وَاليَومِ الآخرِ، فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- إذا كان جارك يريد أن يسقف بيته ووضع الخشب على الجدار، فإنه لا يحل منعه؛ لأن وضع الخشب على الجدار لا يضر، بل يزيده قوة، ويمنع السيل منه، ولا سيما فيما سبق حيث كان البناء من اللبن، فإن الخشب يمنع هطول المطر على الجدار فيحميه، وهو أيضاً يشده ويقويه، ففيه مصلحة للجار، وفيه مصلحة للجدار، فلا يحل للجار أن يمنع جاره من وضع الخشب على جداره، وإن فعل ومنع؛ فإنه يجبر على أن يوضع الخشب رغماً عن أنفه.
قال ابن باز ﵀:
- التهادي بين الجيران من الرجال والنساء ولو بالشيء اليسير، علامة المحبة والألفة والصلة بين الجميع.

309 - وعن أَبي شُرَيْح الخُزَاعيِّ - رضي الله عنه: أن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ، فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ». رواه مسلم بهذا اللفظ، وروى البخاري بعضه.
310 - وعن عائشة رضي الله عنها، قَالَت: قُلْتُ: يَا رَسُول الله، إنَّ لِي جارَيْنِ، فإلى أيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: «إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنكِ بَابًا». رواه البخاري.
311 - وعن عبدِ الله بن عمر رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ الله تَعَالَى خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيرُ الجِيرَانِ عِنْدَ الله تَعَالَى خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ». رواه الترمذي، وَقالَ: «حديث حسن».
قال ابن عثيمين ﵀:
- تجب مراعاة حقوق الجيران؛ فيجب الإحسان إليهم بقدر الإمكان، ويحرم الاعتداء عليهم بأي عدوان.
قال ابن باز ﵀:
- هذا اللسان خطره عظيم، الواجب على المؤمن أن يحفظ لسانه وأن يصونه عما لا ينبغي، فإما أن يقول خيًرا وإما أن يسكت، هذا هو الواجب، على المؤمن.
- العبرة بالجوار بقرب الباب لا بقرب الجدار، فالجيران متفاوتون كل من كان أقرب بابًا فهو أحق بالإكرام والإحسان.