باب بر الوالدين وصلة الأرحام


قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: 36]، وَقالَ تَعَالَى: ﴿وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَام﴾ [النساء: 1]، وَقالَ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾ [الرعد: 21]، وَقالَ تَعَالَى: ﴿وَوَصَّيْنَا الأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾ [العنكبوت: 8]، وَقالَ تَعَالَى:﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 23 - 24]، وَقالَ تَعَالَى: ﴿وَوَصَّيْنَا الأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْك﴾ [لقمان: 14].
312 - وعن أَبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قَالَ: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم: أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إِلَى اللهِ تَعَالَى؟ قَالَ: «الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا»، قُلْتُ: ثُمَّ أي؟ قَالَ: «بِرُّ الوَالِدَيْنِ»، قُلْتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قَالَ: «الجِهَادُ في سبيلِ الله». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
313 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا، فَيَشْتَرِيهُ فَيُعْتِقَهُ». رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- بر الوالدين من أفضل الأعمال؛ بل هو الحق الثاني بعد حق الله ورسوله ﷺ، وجعل النبي ﷺ مرتبة البر بالوالدين مقدمة على مرتبة الجهاد في سبيل الله ﷿.
- الوالدين إذا بلغا الكبر ضعفت نفوسهما وصارا عالة على الولد، فعاملهما باللطف والإحسان والرفق ولا تنهرهما إذا تكلما، ورد عليهما ردًا جميلًا لعظم الحق فمرتبة البر بالوالدين مقدمة على مرتبة الجهاد في سبيل الله، والبر هو الإحسان إليهما بالقول والفعل والمال بقدر المستطاع، وذل لهما مهما بلغت من علو المنزلة، وتذلل لهما رحمة بهما.
- (إلاّ أن يجده مملوكاً، فيشتريه، فيعتقه) لأنه فك أباه من رق العبودية للإنسان.
- هذا الحديث لا يدل على أن من ملك أباه لا يعتق عليه، بل نقول إن معناه: (إلا أن يشتريه فيعتقه) أي: فيعتقه بشرائه، لأن الإنسان إذا ملك أباه عتق عليه بمجرد الملك، ولا يحتاج إلى أن يقول: عتقته، وكذلك إذا ملك أمه تعتق بمجرد الملك، ولا يحتاج إلى أن يقول: عتقتها.

314 - وعنه أيضًا - رضي الله عنه: أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
315 - وعنه، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ الخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَتْ: هَذَا مُقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعةِ، قَالَ: نَعَمْ، أمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَذَلِكَ لَكِ، ثُمَّ قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «اقْرَؤُوا إنْ شِئْتمْ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾ [محمد: 22 - 23] مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية للبخاري: فَقَالَ الله تَعَالَى: «مَنْ وَصَلَكِ، وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ، قَطَعْتُهُ»
.
قال ابن عثيمين ﵀:
- يجب على الإنسان أن يصل رحمه وأقاربه بقدر ما يستطيع وبقدر ما جرى به العرف ويحذر من قطيعة الرحم.
- صلتهم بما جرى به العرف واتبعه الناس لأنّه لم يبين في الكتاب ولا السنة نوعها ولا جنسها ولا مقدارها لأن النبي ﷺ لم يقيده بشيء معين، فما عده الناس صلة فهو صلة، وما عدوه قطيعة فهو قطيعة، هذا هو الأصل.
- جعلهم لا يسمعون الحق ولو سمعوا ما انتفعوا به، وأعمى أبصارهم فلا يرون الحق ولو رأوه لم ينتفعوا به، فسدَّ عنهم طرق الخير لأن السمع والبصر يوصل المعلومات إلى القلب، فإذا انسد الطريق لم يصل إلى القلب خير.
- المراد أن الله تعالى يعمي بصيرة الإنسان والعياذ بالله حتى يرى الباطل حقا والحق باطلا وهذه عقوبة أخروية ودنيوية، أما الأخروية فقوله:﴿لَعَنَهُمُ اللَّهُ﴾ وأما الدنيوية فقوله: ﴿ فَأَصَمَّهُمْ﴾ يعني أصم آذانهم عن سماع الحق والانتفاع به،﴿ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾ عن رؤية الحق والانتفاع به.
- إذا أردت أن يصلك الله وكل إنسان يريد أن يصله ربه، فصل رحمك، وإذا أردت أن يقطعك الله فاقطع رحمك جزاءً وفاقًا، وكلما كان الإنسان لرحمه أوصل كان الله له أوصل، وكلما قصر جاءه من الثواب بقدر ما عمل، لا يظلم الله أحدًا.
- ذكر أهل العلم من جملة الصلة النفقة على الأقارب فقالوا: إنّ الإنسان إذا كان له أقارب فقراء وهو غني وهو وارث لهم، فإنه يلزمه النفقة عليهم كالأخ الشقيق مع أخيه الشقيق، فإنه يجب على الوارث أن ينفق على أخيه مادام غنيا وأخوه فقيرا عاجزا عن التكسب فإن هذا من جملة الصلة.
- قالوا أيضا: إن من جملة الإنفاق أنّه إذا احتاج إلى النكاح فإنّه يزوجه لأن إعفاف الإنسان من أشّد الحاجات، فوجب عليه أن ينفق عليه طعاماً وشراباً وكسوةً ومسكناً ومركوباً إذا كان يحتاجه وأن يزوجه أيضا، فيدخل في صلة الرحم وهذه الأمور يجب على الإنسان إذا كان لا يعلم عنها شيئا أن يسأل أهل العلم حتى يدلوه على الحق.
قال ابن باز ﵀:
- هذا يدل على وجوب الصلة، وأنَّ الصلة من أسباب وصل الله العبد بكل خيرٍ، ومن توفيق الله له، وأنَّ القطيعة من أسباب قطع الله له.

316 - وعنه - رضي الله عنه - قَالَ: جاء رجل إِلَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، مَنْ أحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أبُوكَ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية: يَا رَسُول الله، مَنْ أَحَقُّ بحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ: «أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ».
«وَالصَّحَابَةُ» بمعنى: الصحبةِ. وقوله: «ثُمَّ أباك» هكذا هُوَ منصوب بفعلٍ محذوفٍ، أي: ثُمَّ بُرَّ أبَاكَ. وفي رواية: «ثُمَّ أبوك»، وهذا واضح.
317 - وعنه، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «رغِم أنفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ مَنْ أدْرَكَ أبَويهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أَحَدهُما أَوْ كِليهمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ». رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- الأم حصل عليها من العناء والمشقة للولد ما لم يحصل لغيرها، فهي أشد عناية من الأب بالطفل، ثم إنها ضعيفة أنثى لا تأخذ بحقها، فلهذا أوصى بها النبي ﷺ ثلاث مرات وأوصى بالأب مرة واحدة، فحقها مضاعفا ثلاث مرات على حق الأب وفيه الحث على أن يحسن الإنسان صحبة أمه وأبيه بقدر المستطاع.

318 - وعنه - رضي الله عنه: أن رجلًا قَالَ: يَا رَسُول الله، إنّ لِي قَرابةً أصِلُهُمْ وَيَقْطَعُوني، وَأُحْسِنُ إلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إلَيَّ، وَأحْلَمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: «لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكأنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلاَ يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذلِكَ». رواه مسلم.
«وَتُسِفُّهُمْ» بضم التاء وكسرِ السين المهملة وتشديد الفاءِ، «وَالمَلُّ» بفتح الميم، وتشديد اللام وَهُوَ الرَّمادُ الحَارُّ: أيْ كَأنَّمَا تُطْعِمُهُمُ الرَّمَادَ الحَارَّ، وَهُوَ تَشبِيهٌ لِمَا يَلْحَقَهُمْ من الإثم بما يلحَقُ آكِلَ الرَّمَادِ الحَارِّ مِنَ الأَلمِ، وَلاَ شَيءَ عَلَى هَذَا المُحْسِنِ إلَيهمْ، لكِنْ يَنَالُهُمْ إثمٌ عَظيمٌ بتَقْصيرِهم في حَقِّهِ، وَإدْخَالِهِمُ الأَذَى عَلَيهِ، وَاللهُ أعلم.
319 - وعن أنسٍ - رضي الله عنه: أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «من أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ في رِزْقِهِ، ويُنْسأَ لَهُ في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
ومعنى «ينسأ لَهُ في أثرِهِ»، أي: يؤخر لَهُ في أجلِهِ وعمرِهِ.
320 - وعنه، قَالَ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أكْثَرَ الأنْصَارِ بالمَدينَةِ مَالًا مِنْ نَخل، وَكَانَ أحَبُّ أمْوَاله إِلَيْهِ بَيْرَحاء، وَكَانَتْ مسْتَقْبَلَةَ المَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّب، فَلَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الآيةُ: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: 92] قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إنَّ الله تبارك وتَعَالَى، يقول: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ وَإنَّ أَحَبَّ مَالِي إِلَيَّ بَيْرَحَاءُ، وَإنَّهَا صَدَقَةٌ للهِ تَعَالَى، أرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ الله تَعَالَى، فَضَعْهَا يَا رَسُول الله، حَيْثُ أرَاكَ الله. فَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «بَخ! ذلِكَ مَالٌ رَابحٌ، ذلِكَ مَالٌ رَابحٌ! وقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإنِّي أرَى أَنْ تَجْعَلَهَا في الأقْرَبينَ»، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أفْعَلُ يَا رَسُول الله، فَقَسَّمَهَا أَبُو طَلْحَةَ في أقَارِبِهِ وبَنِي عَمِّهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وسبق بيان ألفاظِهِ في باب الإنْفَاقِ مِمَّا يحب.
قال ابن باز ﵀:
- قوله: (ولا يزال معك من الله ظَهِيرٌ عليهم)، فالله مُعِينٌ للواصلين، مُوفِّقٌ لهم إذا صدقوا في ذلك وأخلصوا لله جل وعلا.
- فيه الدلالة على فضل صلة الرحم، وصلتهم فيها الخير العظيم بما يسَّر الله من كلامٍ طيبٍ، من مشورةٍ، من نصيحةٍ، من مالٍ، من شفاعةٍ لهم في خيرٍ، إلى غير هذا من وجوه الخير، ومن ذلك المال ومُواساتهم به.
- تكون الزيادة بالبركة، وتكون الزيادة بالسنين، قد تكون مُعلَّقةً، فقد يكتب اللهُ لإنسانٍ مئة سنةٍ على صلة رحمه، والآخر كتب له ثمانين على صلة رحمه، والثالث كتب له ستين على صلة رحمه، قَدَرٌ مُعلَّقٌ على هذه الأسباب.

321 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قَالَ: أقبلَ رَجُلٌ إِلَى نَبيِّ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى الهِجْرَةِ وَالجِهَادِ أَبْتَغي الأجْرَ مِنَ الله تَعَالَى. قَالَ: «فَهَلْ لَكَ مِنْ وَالِدَيْكَ أحَدٌ حَيٌّ؟» قَالَ: نَعَمْ، بَلْ كِلاهُمَا. قَالَ: «فَتَبْتَغي الأجْرَ مِنَ الله تَعَالَى؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ، فَأحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وهذا لَفْظُ مسلِم.
وفي رواية لَهُمَا: جَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَأذَنَهُ في الجِهَادِ، فقَالَ: «أحَيٌّ وَالِداكَ؟»
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَفيهِمَا فَجَاهِدْ».
قال ابن باز ﵀:
- برّ الوالدين والإحسان إليهما مُقدَّمٌ على الجهاد، وإذا كان الشخص يريد الجهادَ يستأذنهما، إلا إذا كان الجهاد واجبًا، مثل: حصر البلادَ عدوٌّ، أو كان بين الصَّفَّين، أو استنفره الإمامُ؛ فلا إذن، ففي هذه المواضع الثلاثة يجب عليه القتال ولا يستأذن.

322 - وعنه، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَيْسَ الوَاصِلُ بِالمُكَافِىءِ، وَلكِنَّ الوَاصِلَ الَّذِي إِذَا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا». رواه البخاري.
وَ «قَطَعَتْ» بِفَتح القَاف وَالطَّاء. وَ «رَحِمُهُ» مرفُوعٌ.
323 - وعن عائشة، قَالَتْ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالعَرْشِ تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي، وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي، قَطَعَهُ اللهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
324 - وعن أم المؤمنين ميمونة بنتِ الحارث رضي الله عنها: أنَّهَا أعْتَقَتْ وَليدَةً وَلَمْ تَستَأذِنِ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا كَانَ يَوْمُهَا الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهَا فِيهِ، قَالَتْ: أشَعَرْتَ يَا رَسُول الله، أنِّي أعْتَقْتُ وَليدَتِي؟ قَالَ: «أَوَ فَعَلْتِ؟» قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: «أما إنَّكِ لَوْ أعْطَيْتِهَا أخْوَالَكِ كَانَ أعْظَمَ لأَجْرِكِ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
325 - وعن أسماءَ بنتِ أَبي بكر الصديق رضي الله عنهما، قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشركةٌ في عَهْدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فاسْتَفْتَيْتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أفَأصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وَقَولُهَا: «رَاغِبَةٌ» أيْ: طَامِعَةٌ فيما عِنْدِي تَسْألُني شَيْئًا؛ قِيلَ: كَانَتْ أُمُّهَا مِن النَّسَبِ، وَقيل: مِن الرَّضَاعَةِ، وَالصحيحُ الأول.
قال ابن عثيمين ﵀:
- فيه دليلٌ على عظم شأن الرحم وصلتها وأنّها تحت العرش تدعو بهذا الدعاء أو تخبر بهذا الخبر.
- الإنسان الواصل ليس المكافئ الذي إذا وصله أقاربه وصلهم ولكن الواصل هو الذي إذا قطعت رحمه وصلها فتكون صلته لله، لا مكافأة لعباد الله ولا من أجل أن ينال بذلك مدحا عند الناس.
- الصلة حسب ما يتعارف الناس، إلا إذا كان الإنسان في مجتمع لا يبالون بالقرابات، ولا يهتمون بها، فالعبرة بالصلة نفسها المعتبرة شرعاً.
- هذا دليلٌ على أن الإنسان يصل أقاربه ولو كانوا على غير الإسلام لأن لهم حق القرابة.
قال ابن باز ﵀:
- ليس الواصل بالحقيقة والكمال بالمكافئ، ولكن الواصل الكامل، الذي إذا قطعت رحمه وصلها، فكونه يصلهم ويصلونه هذا وصل، لكن أفضل منه وأعظم الذي يصلهم مع قطيعتهم، يُحسِن إليهم ويُسيئون إليه، هذا هو الواصل على الكمال.

326 - وعن زينب الثقفيةِ امرأةِ عبدِ الله بن مسعود رضي الله عَنْهُ وعنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «تَصَدَّقْنَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ»، قَالَتْ: فَرَجَعْتُ إِلَى عبد الله بنِ مسعود، فقلتُ: إنَّكَ رَجُلٌ خَفِيفُ ذَاتِ اليَدِ، وَإنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ فَأْتِهِ، فَاسْأَلْهُ، فإِنْ كَانَ ذلِكَ يُجْزِىءُ عَنِّي، وَإلاَّ صَرَفْتُهَا إِلَى غَيْرِكُمْ. فَقَالَ عبدُ اللهِ: بَلِ ائْتِيهِ أَنتِ، فانْطَلَقتُ، فَإذا امْرأةٌ مِنَ الأنْصارِ بِبَابِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حَاجَتي حَاجَتُها، وَكَانَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أُلْقِيَتْ عَلَيهِ المَهَابَةُ، فَخَرجَ عَلَيْنَا بِلاَلٌ، فَقُلْنَا لَهُ: ائْتِ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبرْهُ أنَّ امْرَأتَيْنِ بالبَابِ تَسألانِكَ: أُتُجْزِيءُ الصَّدَقَةُ عَنْهُمَا عَلَى أَزْواجِهمَا وَعَلَى أَيْتَامٍ في حُجُورِهِما؟، وَلاَ تُخْبِرْهُ مَنْ نَحْنُ، فَدَخلَ بِلاَلٌ عَلَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «مَنْ هُمَا؟» قَالَ: امْرَأةٌ مِنَ الأنْصَارِ وَزَيْنَبُ. فَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «أيُّ الزَّيَانِبِ هِيَ؟»، قَالَ: امْرَأةُ عبدِ الله، فَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «لَهُمَا أَجْرَانِ: أَجْرُ القَرَابَةِ، وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- وقع بلال بين أمرين، بين أمانة ائتمنتاه عليها المرأتان حيث قالتا: (لا تخبره من نحن)، ولكن الرسول قال: (من هما؟ قال: امرأة من الأنصار وزينب..)، وهو إنّما أخبره مع قولهما له لا تخبره، لأنّ طاعة النبي ﷺ واجبة مقدمة على طاعة كل واحد.
- صلة الأقارب بالصدقة يحصل بها أجران: أجر الصدقة، وأجر الصلة.

327 - وعن أَبي سفيان صخر بنِ حرب - رضي الله عنه - في حديثِهِ الطويل في قِصَّةِ هِرَقْلَ: أنَّ هرقْلَ قَالَ لأبي سُفْيَانَ: فَمَاذَا يَأمُرُكُمْ بِهِ؟ يَعْنِي النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: قُلْتُ: يقول: «اعْبُدُوا اللهَ وَحْدَهُ، وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيئًا، واتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأمُرُنَا بِالصَّلاَةِ، وَالصِّدْقِ، والعَفَافِ، والصِّلَةِ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
328 - وعن أَبي ذرّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «إنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا القِيرَاطُ ». وفي رواية: «سَتَفْتَحونَ مِصْرَ، وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا القِيراطُ، فَاسْتَوْصُوا بأهْلِهَا خَيْرًا؛ فَإنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا» وفي رواية: «فإذا افتتحتموها، فأحسنوا إلى أهلها؛ فإن لهم ذمة ورحمًا»، أَوْ قَالَ: «ذِمَّةً وصِهْرًا». رواه مسلم.
قَالَ العلماء: «الرَّحِمُ»: الَّتي لَهُمْ كَوْنُ هَاجَرَ أُمِّ إسْمَاعِيلَ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُمْ،
«وَالصِّهْرُ»: كَوْن مَارية أمِّ إبْراهيمَ ابن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُمْ.
329 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: لما نزلت هذِهِ الآية: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: 214] دَعَا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قُرَيْشًا، فَاجْتَمَعُوا فَعَمَّ وَخَصَّ، وَقالَ: « يا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤيٍّ، أَنقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي مُرَّةَ بن كَعْبٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، أنقذوا أنفسكم من النار، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَاف، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي هاشم، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بني عبد المطلب، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا فَاطِمَةُ، أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ. فَإِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيئًا، غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأبُلُّهَا بِبِلالِهَا». رواه مسلم.
قوله - صلى الله عليه وسلم: «بِبِلالِهَا» هُوَ بفتح الباء الثانيةِ وكسرِها، «وَالبِلاَلُ»: الماءُ. ومعنى الحديث: سَأصِلُهَا، شَبّه قَطِيعَتَهَا بالحَرارَةِ تُطْفَأُ بِالماءِ، وهذِهِ تُبَرَّدُ بالصِّلَةِ.
330 - وعن أَبي عبد الله عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قَالَ: سمعت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - جِهَارًا غَيْرَ سِرٍّ، يَقُولُ: «إنَّ آل بَني فُلاَن لَيْسُوا بِأولِيَائِي، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللهُ وَصَالِحُ المُؤْمِنينَ، وَلَكِنْ لَهُمْ رَحِمٌ أبُلُّهَا بِبلاَلِهَا». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، واللفظ للبخاري.
قال ابن عثيمين :
 قطيعة الرحم نار، والماء يطفئ النار، وقطيعة الرحم موت والماء به الحياة، فشبه الرسول ﷺ صلة الرحم بالماء الذي يبل به الشيء.
 تبرأ منهم مع قرابتهم له، وهذا يدل على أن القريب له حق الصلة وإن كان كافرا، لكن ليس له الولاية فلا يوالى ولا يناصر لما عليه من الباطل.
 (إنَّ لهم صهراً ورحماً) دل ذلك على أن الرحم لها صلة ولو كانت بعيدة، ودل أيضا على أن صلة القرابة من جهة الأم كصلة القرابة من جهة الأب.
قال ابن باز ﵀:
- قول أبي سفيان، مع كونه في ذلك الوقت كافرًا على دين قومه قبل أن يُسْلِم، فهذا من دلائل النبوة، وما يأمر به ويدعو إليه من الدلائل العظيمة على أنه رسول الله حقًّا عليه الصلاة والسلام.
- صلة الرحم بمنزلة إطفاء الحرارة، فالشيء الذي فيه حرارة يُبَلّ حتى تطفأ حرارته أو يلين، فهكذا الصدقة تُطفئ الحرارةَ وتُلين القلوبَ، والصلة كذلك.

331 - وعن أَبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري - رضي الله عنه: أنَّ رجلًا قَالَ: يَا رَسُول الله، أخْبِرْني بِعَمَلٍ يُدْخِلُني الجَنَّةَ، وَيُبَاعِدُني مِنَ النَّارِ. فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم: «تَعْبُدُ اللهَ، وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، وتُؤتِي الزَّكَاةَ، وتَصِلُ الرَّحمَ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
332 - وعن سلمان بن عامر - رضي الله عنه - عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ، فَلْيُفْطرْ عَلَى تَمْرٍ؛ فَإنَّهُ بَرَكةٌ، فَإنْ لَمْ يَجِدْ تَمْرًا، فالمَاءُ؛ فَإنَّهُ طَهُورٌ»، وَقالَ: «الصَّدَقَةُ عَلَى المِسكينِ صَدَقةٌ، وعَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ». رواه الترمذي، وَقالَ: «حديث حسن».
قال ابن عثيمين ﵀:
- جعل النبي ﷺ صلة الرحم من الأسباب التي تدخل الإنسان الجنة وتباعده عن النار، ولا شك أن كل إنسان يسعى إلى هذا الكسب العظيم؛ أن ينجو من النار ويدخل الجنة، فإنَّ من زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز، وكل مسلم يسعى إلى ذلك.
- يجوز للإنسان أن يتصدق على أولاده عند الحاجة ويتصدق على زوجته، وكذلك الزوجة تتصدق على زوجها وأن ذلك عليهم صدقة وصلة، أما الزكاة فإن كان مما يجب على الإنسان أن يدفعه، فإنه لا يصح أن يدفع إليهم الزكاة، لو كانت الزكاة لدفع حاجتهما من نفقة، وهو ممن تجب عليه النفقة وماله يحتمل، فإنه لا يجوز له أن يعطيهما من الزكاة. أما إذا كان ممن لا يجب عليه، كما إن قضى ديناً عن أبيه أو عن ابنه أو زوجته أو قضت ديناً على زوجها فإن ذلك لا بأس به إذا كان المدين حياً، أما إذا كان المدين ميتاً فلا يقضي عنه إلا تبرعاً أو من التركة ولا يقضى عنه من الزكاة.

333 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَتْ تَحْتِي امْرَأةٌ، وَكُنْتُ أحِبُّهَا، وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُهَا، فَقَالَ لي: طَلِّقْهَا، فَأبَيْتُ، فَأتَى عُمَرُ - رضي الله عنه - النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم: «طَلِّقْهَا». رواه أَبُو داود والترمذي، وَقالَ: «حديث حسن صحيح».
334 - وعن أَبي الدرداءِ - رضي الله عنه: أن رجلًا أتاه، قَالَ: إنّ لي امرأةً، وإنّ أُمِّي تَأمُرُنِي بِطَلاقِهَا؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، فَإنْ شِئْتَ، فَأَضِعْ ذلِكَ البَابَ، أَو احْفَظْهُ». رواه الترمذي، وَقالَ: «حديث صحيح».
335 - وعن البراءِ بن عازب رضي اللهُ عنهما، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الخَالةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ». رواه الترمذي، وَقالَ: «حديث صحيح».
وفي الباب أحاديث كثيرة في الصحيح مشهورة؛ مِنْهَا حديث أصحاب الغار ، وحديث جُرَيْجٍ وقد سبقا، وأحاديث مشهورة في الصحيح حذفتها اختِصَارًا، وَمِنْ أهَمِّهَا حديث عَمْرو بن عَبسَة - رضي الله عنه - الطَّويلُ المُشْتَمِلُ عَلَى جُمَلٍ كَثيرةٍ مِنْ قَواعِدِ الإسْلامِ وآدابِهِ، وَسَأذْكُرُهُ بتَمَامِهِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى في باب الرَّجَاءِ ، قَالَ فِيهِ:
دَخَلْتُ عَلَى النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - بمَكَّةَ - يَعْني: في أوَّلِ النُّبُوَّةِ - فقلتُ لَهُ: مَا أَنْتَ؟
قَالَ: «نَبيٌّ»، فَقُلْتُ: وَمَا نَبِيٌّ؟ قَالَ: «أرْسَلنِي اللهُ تَعَالَى»، فقلت: بأيِّ شَيءٍ أرْسَلَكَ؟ قَالَ: «أرْسَلَنِي بِصِلَةِ الأَرْحَامِ، وَكَسْرِ الأَوثَانِ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللهُ لاَ يُشْرَكَ بِهِ شَيء ... » وَذَكَرَ تَمَامَ الحَدِيث.
قال ابن عثيمين ﵀:
- فيه إشارة إلى أنّه إذا بر والدته بطلاق زوجته كان ذلك سبباً لدخول الجنة، ولكن ليس كل والد يأمر ابنه بطلاق زوجته تجب طاعته؛ لأنّه من المستحيل أن عمر ﵁ يأمر ابنه بطلاق زوجته، ليفرق بينه وبين زوجته بدون سبب شرعي، فإذا أمرك أبوك أو أمك بأن تطلق امرأتك، وأنت تحبها ولم تجد عليها مأخذاً شرعياً، فلا تطلقها؛ لأنّ هذه من الحاجات الخاصة التي لا يتدخل أحد فيها بين الإنسان وبين زوجته.
قال ابن باز ﵀:
- فيه دليلٌ على أنَّ من طاعة الأب ومن برِّه تطليق المرأة إذا كانت لا تُعجبه ولا تُناسبه، وهكذا من برِّ الوالدة طلاقها إذا كانت لا تُعجبها ولا تستقيم معها، أما إذا كان طلبُ طلاقها تعسُّفًا من غير عِلَّةٍ فلا تلزم طاعتهما، فإذا كانت كراهة الوالد أو الوالدة للمرأة من غير سببٍ والمرأة صالحة مستقيمة مع زوجها، فلا تلزمه طاعتهما، أمَّا إذا كان له أسباب فهذا لا بأس به. فالوالدان حقّهما عظيم، فعلى الإنسان إذا كانت زوجتُه مناسبةً ودَيِّنَةً ولا بأس بها أن يستسمح والديه إذا كانا يأمران بطلاقها بالأسلوب الحسن، والكلام الطيب، ولا تلزمه طاعتهما، إنما الطاعة في المعروف.
- الخالة بمنزلة الأم عند فقدها، كما أنَّ العمَّ أب، فالخالة كذلك، فينبغي برّها والإحسان إليها، كما ينبغي أيضًا صلة الأعمام وبرّهم.
- زوجة الأب ليس لها حقّ الأم، زوجة الأب لها الصلة من باب الإكرام، تقديرًا للأب، من باب مُراعاة خاطر الأب؛ لأنَّها من باب إكرام صديق الأب، فإكرام صديقهما من برِّهما، والزوجة من أصدقاء الأب.