باب وداع الصاحب ووصيته عند فراقه للسفر وغيره والدعاء لَهُ وطلب الدعاء مِنْهُ


قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَوَصَّى بِهَا إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ المَوْتُ إذْ قَالَ لِبَنيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إلهَكَ وَإلهَ آبَائِكَ إبْراهِيمَ وَإسْمَاعِيلَ وَإسْحاقَ إلهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة: 132 - 133].
وأما الأحاديث فمنها:
711 - حديث زيد بن أرقم - رضي الله عنه - الَّذِي سبق في بَابِ إكرام أهْلِ بَيْتِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: قَامَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فِينَا خَطِيبًا، فَحَمِدَ الله، وَأثْنَى عَلَيْهِ، وَوَعَظَ وَذَكَّرَ، ثُمَّ قَالَ: «أمَّا بَعْدُ، ألاَ أيُّهَا النَّاسُ، إنَّمَا أنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ، أوَّلَهُمَا: كِتَابُ اللهِ، فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ»، فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ، وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَأَهْلُ بَيْتِي، أذَكِّرُكُمُ اللهَ في أهْلِ بَيْتِي». رواه مسلم، وَقَدْ سَبَقَ بِطُولِهِ.
712 - وعن أَبي سليمان مالِك بن الحُوَيْرِثِ - رضي الله عنه - قَالَ: أَتَيْنَا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - رَحِيمًا رَفيقًا، فَظَنَّ أنّا قد اشْتَقْنَا أهْلَنَا، فَسَألَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا مِنْ أهْلِنَا، فَأخْبَرْنَاهُ، فَقَالَ: «ارْجِعُوا إِلَى أهْلِيكُمْ، فَأقِيمُوا فِيهمْ، وَعَلِّمُوهُم وَمُرُوهُمْ، وَصَلُّوا صَلاَةَ كَذَا فِي حِيْنِ كَذَا، وَصَلاَةَ كَذَا في حِيْنِ كَذَا، فَإذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أكْبَرُكُمْ». متفقٌ عَلَيْهِ.
زاد البخاري في رواية لَهُ: «وَصَلُّوا كَمَا رَأيْتُمُونِي أُصَلِّي».
وَقَوْلُه: «رحِيمًا رَفِيقًا» رُوِيَ بِفاءٍ وقافٍ، وَرُوِيَ بقافينِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- ينبغي للإنسان أن يقيم في أهله ما أمكنه، ولا ينبغي أن يتغرب عنهم، ولا أن يبتعد عنهم حتى إن الرسول ﷺ أمر المسافر إذا سافر وقضى حاجته أن يرجع إلى أهله، لأن بقاء الإنسان في أهله فيه خير كثير فيه الألفة والمودة والمحبة والتربية ومراعاة أحوالهم والتأديب والتوجيه لهم، فلهذا كان الذي ينبغي للإنسان ألا يفارق أهله إلا عند الحاجة، ومتى انتهت حاجته رجع إليهم.
- الإنسان ينبغي له أن يعلم أهله ما يحتاجون إليه، إما أن يجعل جلسة خاصة لهم، أو إذا جلسوا على الطعام، أو على الشراب، أو في انتظار النوم، أو ما أشبه ذلك. ولا يقتصر على التعليم فقط، قال ﷺ: (وعلموهم ومروهم) فيعلمهم ويأمرهم، وأهم ما يأمر به: الصلاة.
- صلاة الجماعة واجبة على المسافرين، كما هي واجبة على المقيمين، لأن هؤلاء وفد سيرجعون إلى أهليهم فهم مسافرون، وأمرهم مع ذلك بالصلاة جماعة، وعلى هذا كان الإنسان في البلد أو كان مسافر فإنه يجب عليه أن يحضر الجماعة في المساجد.

713 - وعن عمرَ بن الخطاب - رضي الله عنه - قَالَ: اسْتأذَنْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في العُمْرَةِ، فَأذِنَ، وقال: «لاَ تَنْسَانَا يَا أُخَيَّ مِنْ دُعَائِكَ» فقالَ كَلِمَةً ما يَسُرُّنِي أنَّ لِي بِهَا الدُّنْيَا.
وفي رواية قَالَ: «أشْرِكْنَا يَا أُخَيَّ في دُعَائِكَ». رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح».
قال ابن عثيمين ﵀:
- في التوصية بالدعاء لك خلاف، والأحسن، ألا توصي من يدعو لك، لأنه ربما يمن عليك بهذا وربما تذل أمامه بسؤالك، وربما يلحق المسؤول غرور في نفسه، ثم إنه من الذي يحول بينك وبين ربك ادع الله بنفسك لماذا تذهب تفتقر إلى غيرك وتقول: ادع الله لي وأنت ليس بينك وبين ربك واسطة؟

714 - وعن سالم بنِ عبدِ الله بنِ عمر: أنَّ عبدَ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، كَانَ يَقُولُ للرَّجُلِ إِذَا أرَادَ سَفَرًا: ادْنُ مِنِّي حَتَّى أُوَدِّعَكَ كَمَا كَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُوَدِّعُنَا، فَيَقُولُ: «أَسْتَوْدِعُ اللهَ دِينَكَ، وَأمَانَتَكَ، وَخَواتِيمَ عَمَلِكَ». رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح».
715 - وعن عبدِ الله بن يزيدَ الخطْمِيِّ الصحابيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أرَادَ أَنْ يُوَدِّعَ الجَيشَ، قَالَ: «أسْتَوْدِعُ اللهَ دِينَكُمْ، وَأمَانَتَكُمْ، وَخَواتِيمَ أعْمَالِكُمْ» حديث صحيح، رواه أَبُو داود وغيره بإسناد صحيح.
716 - وعن أنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رسولَ الله، إنّي أُرِيدُ سَفَرًا، فَزَوِّدْنِي، فَقَالَ: «زَوَّدَكَ الله التَّقْوَى» قَالَ: زِدْنِي قَالَ: «وَغَفَرَ ذَنْبَكَ» قَالَ: زِدْنِي، قَالَ: «وَيَسَّرَ لَكَ الْخَيْرَ حَيْثُمَا كُنْتَ». رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن».
قال ابن باز ﵀:
- هذا دعاء عظيم إذا دعا به المؤمن لأخيه فقد أحسن كثيراً، لأن خير الزاد التقوى كما قال تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ﴾ [البقرة: 197] .

باب الاستِخارة والمشاورة


قَالَ الله تَعَالَى:﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾ [آل عمران: 159]، وقال الله تَعَالَى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ [الشورى: 38] أيْ: يَتَشَاوَرُونَ بَيْنَهُمْ فِيهِ.
717 - وعن جابر - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ في الأمُورِ كُلِّهَا كَالسُّورَةِ مِنَ القُرْآنِ، يَقُولُ: «إِذَا هَمَّ أحَدُكُمْ بِالأمْرِ، فَلْيَركعْ ركْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ ليقل: اللَّهُمَّ إنِّي أسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وأسْألُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيْمِ، فَإنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أعْلَمُ، وَأنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ. اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هَذَا الأمْرَ خَيْرٌ لِي في دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أمْرِي» أَوْ قَالَ: «عَاجِلِ أمْرِي وَآجِلِهِ، فاقْدُرْهُ لي وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ. وَإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي في دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي» أَوْ قَالَ: «عَاجِلِ أمْرِي وَآجِلِهِ؛ فَاصْرِفْهُ عَنِّي، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِيَ الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أرْضِنِي بِهِ» قَالَ: «وَيُسَمِّيْ حَاجَتَهُ». رواه البخاري.
قال ابن عثيمين ﵀:
- بعد الاستخارة إن انشرح صدر الإنسان بأحد الأمرين بالأقدام أو الإحجام فهذا المطلوب يأخذ بما ينشرح به صدره، فإن لم ينشرح صدره لشيء وبقي مترددا أعاد الاستخارة مرة ثانية، وثالثة. ثم بعد ذلك المشورة إذا لم يتبين له شيء بعد الاستخارة فإنه يشاور أهل الرأي والصلاح، ثم ما أشير عليه به فهو الخير إن شاء الله، لأن الله تعالى قد لا يجعل في قلبه بالاستخارة ميلا إلى شيء معين حتى يستشير فيجعل الله تعالى ميل قلبه بعد المشورة.
قال ابن باز ﵀:
- يستحب أن يرفع يديه بهذا الدعاء؛ لأنه دعاء مهم، ورفع اليدين من أسباب الإجابة كما في الحديث: (إن الله حيي كريم يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً). وليكن بقلب حاضر بصدق وطمأنينة.