باب استحباب الذهاب إِلَى العيد وعيادة المريض والحج والغزو والجنازة ونحوها من طريق، والرجوع من طريق آخر لتكثير مواضع العبادة


718 - عن جابر - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - إِذَا كَانَ يومُ عيدٍ خَالَفَ الطَّريقَ. رواه البخاري.
قَوْله: «خَالَفَ الطَّريقَ» يعني: ذَهَبَ في طريقٍ، وَرَجَعَ في طريقٍ آخَرَ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- معنى مخالفة الطريق: أن يذهب إلى العبادة من طريق، ويرجع من الطريق الآخر، فمثلًا يذهب من الجانب الأيمن ويرجع من الجانب الأيسر.
- واختلف العلماء لم كان رسول الله ﷺ يصنع ذلك، فقيل: ليشهد له الطريقان يوم القيامة. وقيل: من أجل أن تظهر شعيرة صلاة العيد بالخروج إليها من جميع سكك البلد.
قال ابن باز ﵀:
- قيل الحكمة في مخالفة الطريق: لإظهار شعائر الإسلام، وقيل: ليسلم على أهل الطريقين، وقيل: ليشهد له ما يمر به من البقاع أنه ذهب للعبادة.
- قد يحصل في هذا الطريق ما لا يحصل في الآخر من دعوة إلى الله، من إنكار المنكر، والدعوة إلى الخير، ومن تعليم، ومن قضاء حاجات لأهل الطرق، إلى غير ذلك من المصالح.
- هذا كله إذا تيسر ذلك وكان هناك طريقان، أما إذا لم يكن هناك طريقان أو فيه مشقة، فلا حرج إنما هو مستحب، من باب الفضائل والاستحباب، تأسيًا بالنبي ﷺ وحرصًا على التحقيق لهذه الحكم والأسرار التي أشار إليها كثير من أهل العلم.

719 - وعن ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَخْرُجُ مِنْ طَريق الشَّجَرَةِ، وَيَدْخُلُ مِنْ طَريقِ الْمُعَرَّسِ ، وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ، دَخَلَ مِن الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا، وَيَخْرُجُ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى. متفقٌ عَلَيْهِ.

باب استحباب تقديم اليمين في كل مَا هو من باب التكريم


كالوضوءِ وَالغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ، وَلُبْسِ الثَّوْبِ وَالنَّعْلِ وَالخُفِّ وَالسَّرَاوِيلِ وَدُخولِ الْمَسْجِدِ، وَالسِّوَاكِ، وَالاكْتِحَالِ، وَتقليم الأظْفار، وَقَصِّ الشَّارِبِ، وَنَتْفِ الإبْطِ، وَحلقِ الرَّأسِ، وَالسّلامِ مِنَ الصَّلاَةِ، وَالأكْلِ، والشُّربِ، وَالمُصافحَةِ، وَاسْتِلاَمِ الحَجَرِ الأَسْوَدِ، والخروجِ منَ الخلاءِ، والأخذ والعطاء وغيرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ في معناه. ويُسْتَحَبُّ تَقديمُ اليسارِ في ضدِ ذَلِكَ، كالامْتِخَاطِ وَالبُصَاقِ عن اليسار، ودخولِ الخَلاءِ، والخروج من المَسْجِدِ، وخَلْعِ الخُفِّ والنَّعْلِ والسراويلِ والثوبِ، والاسْتِنْجَاءِ وفِعلِ المُسْتَقْذرَاتِ وأشْبَاه ذَلِكَ.
قَالَ الله تَعَالَى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أوتِيَ كِتَابَهُ بيَمينِهِ فَيْقُولُ هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيْه﴾ [الحاقة: 19] الآيات، وقَالَ تَعَالَى: ﴿فَأصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أصْحَابُ المَيْمَنَةِ وَأَصْحابُ المَشْئَمَةِ مَا أصْحَابُ المَشْئَمَةِ﴾ [الواقعة: 8 - 9].
720 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ في شَأنِهِ كُلِّهِ: في طُهُورِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَتَنَعُّلِهِ. متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- الترجل يعني: تسريح الشعر ومشطه ودهنه، وكان الرسول ﷺ كعادة الناس في ذلك الوقت لا يأخذ من شعر رأسه إلا في حج أو عمرة، لكن أحياناً يأخذ منه، وأحياناً يبقيه، فأحياناً يكون إلى شحمه أذنيه، وأحيانا ينزل حتى يضرب على منكبيه، فكان ﷺ يتعاهده بالتنظيف والتسريح والدهن، فلا يكون فيه الغبار ولا القمل ولا غير ذلك مما يستقذر.
قال ابن باز ﵀:
- هذا يدل على أنّ اليسار لما يستقذر ولما هو مكروه، واليمين لما هو فاضل ومقصود، وتارة يتعاونان اليمنى مع اليسرى تعاضد، كتكبير رفع اليدين عند الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، يرفعهما جميعًا متعاونتين كلتاهما.

721 - وعنها، قالت: كَانَتْ يَدُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اليُمْنَى لِطُهُورِهِ وَطَعَامِهِ، وَكَانَتِ الْيُسْرَى لِخَلائِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أذَىً. حديث صحيح، رواه أَبُو داود والترمذي بإسنادٍ صحيحٍ.

722 - وعن أم عطية رضي الله عنها: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لهن في غَسْلِ ابْنَتِهِ زَيْنَبَ رضي الله عنها: «ابْدَأنَ بِمَيَامِنِهَا، وَمَوَاضِعِ الوُضُوءِ مِنْهَا». متفقٌ عَلَيْهِ.
723 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا انْتَعَلَ أحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيُمْنَى، وَإِذَا نَزَعَ فَلْيَبْدأْ بِالشِّمَالِ. لِتَكُنْ اليُمْنَى أوَّلَهُمَا تُنْعَلُ، وَآخِرُهُمَا تُنْزَعُ». متفقٌ عَلَيْهِ.
724 - وعن حفصة رضي الله عنها: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يجعل يَمينَهُ لطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَثِيَابِهِ، وَيَجْعَلُ يَسَارَهُ لِمَا سِوَى ذَلِكَ. رواه أَبُو داود وغيره.
725 - وعن أَبي هُريرة - رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا لَبِسْتُمْ، وَإِذَا تَوَضَّأتُمْ، فَابْدَأوا بأيَامِنِكُمْ» حديث صحيح، رواه أَبُو داود والترمذي بإسناد صحيح.
726 - وعن أنس - رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى مِنىً، فَأتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا، ثُمَّ أتَى مَنْزِلَهُ بِمِنَىً ونحر، ثُمَّ قَالَ لِلحَلاَّقِ: «خُذْ» وأشَارَ إِلَى جَانِبهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ الأَيْسَرِ، ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ. متفقٌ عَلَيْهِ.
وفي رواية: لما رمَى الجَمْرَةَ، وَنَحَرَ نُسُكَهُ وَحَلَقَ، نَاوَلَ الحَلاَّقَ شِقَّهُ الأَيْمَنَ فَحَلَقَهُ، ثُمَّ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ الأنْصَارِيَّ - رضي الله عنه - فَأعْطَاهُ إيَّاهُ، ثُمَّ نَاوَلَهُ الشِّقَّ الأَيْسَرَ، فَقَالَ: «احْلِقْ»، فَحَلَقَهُ فَأعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ، فَقَالَ: «اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ».
قال ابن عثيمين ﵀:
- كون الرسول ﷺ خص أبا طلحة ﵁ بالجانب الأيمن كله، يدل على أن من الناس من يختص بخصيصة يخصه الله بها، وإن كان في الصحابة من هو أفضل منه، فأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي ﵃، وكثير من الصحابة أفضل من أبي طلحة ﵁، لكن فضل الله يؤتيه من يشاء.
- كان الصحابة يتبركون بشعر النبي ﷺ وبثيابه وبعرقه، لكن غيره لا يتبرك بشعره ولا بثيابه ولا بعرقه.
- كان عند أم سلمة ﵂، إحدى زوجات الرسول ﷺ، شعرات من شعر الرسول ﷺ وضعتها في جلجل، يعني طابوق، من الفضة، وجعلته من الفضة تكريًما لشعر الرسول ﷺ فكان الناس إذا مرض عندهم مريض جاءوا إليها فصبت على الشعر ماء وحركته به ثم أعطته المريض فيشفى بإذن الله، ببركة شعر النبي ﷺ ولكن هذا ليس لغير النبي ﷺ، فإن الصحابة لم يتبركوا بشعر أبي بكر ﵁ وهو أفضل الأمة بعد الرسول ﷺ، ولا بشعر عمر ﵁، ولا بغيره من الصحابة، وكذلك من دونهم لا يتبرك بشعره ولا بعرقه ولا بثيابه، إنما ذلك خاص برسول الله ﷺ.