باب جواز البكاء عَلَى الميت بغير ندب وَلاَ نياحة


أمَّا النِّيَاحَةُ فَحَرَامٌ، وَسَيَأتِي فِيهَا بَابٌ فِي كِتابِ النَّهْيِ، إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. وَأمَّا البُكَاءُ فَجَاءتْ أحَادِيثُ بِالنَّهْيِ عَنْهُ، وَأنَّ المَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أهْلِهِ، وَهِيَ مُتَأَوَّلَةٌ ومَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ أوْصَى بِهِ، وَالنَّهْيُ إنَّمَا هُوَ عَن البُكَاءِ الَّذِي فِيهِ نَدْبٌ، أَوْ نِيَاحَةٌ، والدَّليلُ عَلَى جَوَازِ البُكَاءِ بِغَيْرِ نَدْبٍ وَلاَ نِياحَةٍ أحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا:
925 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، وَمَعَهُ عَبدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَوفٍ، وَسَعدُ بْنُ أَبي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رضي الله عنهم - فَبَكَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا رَأى القَوْمُ بُكَاءَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بَكَوْا، فَقَالَ: «ألاَ تَسْمَعُونَ؟ إنَّ الله لاَ يُعَذِّبُ بِدَمْعِ العَينِ، وَلاَ بِحُزنِ القَلبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهذَا أَوْ يَرْحَمُ» وَأشَارَ إِلَى لِسَانِهِ. متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن باز ﵀:
- البكاء على الميت فيه تفصيل، فإنّ كان البكاء بدمع العين من دون نياحة، فلا حرج في ذلك، وأما إذا نيح عليه بالصوت المرتفع بالصياح، فهذا جاء في الحديث الصحيح أنه يعذب عذابًا الله أعلم بحقيقته، فذلك يفيد أنّه لا يجوز لأهل الميت أن ينوحوا عليه، وأن يرفعوا الصوت بالنياحة عليه، يقول النبي ﷺ: (أنا بريءٌ من الصّالقة والحالقة والشّاقّة) الصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: التي تحلق شعرها، والشاقة: التي تشق ثوبها، هذا كله لا يجوز.
- فيه تحذير الأقارب والأصدقاء من النياحة على الميت؛ لأنّه يضره، وعلى أهله التوبة، إذا كانوا ناحوا ورفعوا الصوت، عليهم التوبة إلى الله، والندم، وعدم العودة لمثل هذا، هذا هو الواجب على من ناح، ومن رفع صوته.
- البكاء العادي بدمع العين، أو مع صوت يسير خفيف هذا لا يسمى نياحة؛ لأنّه قد يقع من الإنسان عند شدة المصيبة، هذا لا حرج فيه، أما النياحة: هي رفع الصوت، هذا هو الممنوع، وإذا غُلِب الإنسان أثناء البكاء، وارتفع صوته، نرجو أن لا يضره، إذا كان قليلاً، بل غلبه الأمر من غير اختياره؛ لشدة وقع المصيبة، ثم تراجع وحزن، نرجو أن لا يضره ذلك.
- النياحة معصية، وإذا كان معها لطم خد أو شق ثوب، أو نتف شعر يكون أشد جريمة، كذلك المصيبة لا بد منها، كل إنسان سيموت، لا بد أن يكون الإنسان عنده تحمل يحمد الله.
- لا بد من التحمل والصبر، والرجل يوصي أهله، وهكذا المرأة توصي أهلها بألا ينوحوا توصيهم، كما حذرهم النبي ﷺ يقول : (إياكم والنياحة علي)، فالتواصي لا بد منه؛ لأن النياحة تضر الميت وتضرهم، يأثمون والميت يضره ذلك، فالتواصي بترك ذلك الذي يضر الجميع أمر مطلوب، وثبت عنه ﷺ أنه قال: (إن الميت يعذب بما نيح عليه).

926 - وعن أُسَامَة بن زَيدٍ رضي اللهُ عنهما: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رُفِعَ إِلَيْهِ ابنُ ابْنَتِهِ وَهُوَ فِي المَوتِ، فَفَاضَتْ عَيْنَا رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لَهُ سَعدٌ: مَا هَذَا يَا رسولَ الله؟! قَالَ: «هذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللهُ في قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ». متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- النبي ﷺ بكى حين رأى طفلين في النزع، أما الأول فهو ابن ابنته، رفع إليه وهو في سياق الموت، فذرفت عينا رسول الله ﷺ رحمة بهذا الصبي؛ لأنه يراه ينازعه الموت، فرق له وبكى ﷺ ، وهو أرحم الخلق بالخلق، فقال له سعد بن عبادة ﵁ ما هذا يا رسول الله؟ -يعني كيف تبكي- فقال ﷺ: (هذه رحمة)، يعني أني رحمت هذا الصبي الذي ينازع نفسه، فرققت له.
- (وإنّما يرحم الله من عبادة الرحماء)، كلما كان الإنسان بعباد الله أرحم، كان أقرب من رحمة الله، ولهذا ينبغي لك أن تعود نفسك على الرحمة، والرقة للأطفال، والحيوان، وغير ذلك، ممن هو أهل للرحمة، حتى تكون أهلًا لرحمة الله عز وجل.
- فيه دليلٌ على جواز البكاء على الميت؛ لأنّ النبي ﷺ بكى وقال هذه رحمة.
- فيه دليلٌ على أنه ينبغي للإنسان أن يتعرض لرحمة الله عز وجل بكل وسيلة، ﴿إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف: 59].
- في قوله ﷺ (إنمّا يرحم الله من عباده الرحماء)، إشارة إلى أن جزاء الله من جنس العمل، فلما كان هذا الإنسان راحمًا لعباد الله، كان الله تعالى راحمًا له؛ لأن الله تعالى في حاجة العبد، إذا كان العبد في حاجة أخيه، قال ﷺ (من كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته).

927 - وعن أنسٍ - رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَى ابْنِهِ إبْرَاهيمَ - رضي الله عنه - وَهُوَ يَجُودُ بِنَفسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - تَذْرِفَان. فَقَالَ لَهُ عبدُ الرحمنِ بن عَوف: وأنت يَا رسولَ الله؟! فَقَالَ: «يَا ابْنَ عَوْفٍ إنَّهَا رَحْمَةٌ» ثُمَّ أتْبَعَهَا بأُخْرَى، فَقَالَ: «إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ والقَلب يَحْزنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يُرْضِي رَبَّنَا، وَإنَّا بفِرَاقِكَ يَا إبرَاهِيمُ لَمَحزُونُونَ». رواه البخاري، وروى مسلم بعضه. والأحاديث في الباب كثيرة في الصحيحين مشهورة، والله أعلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- النبي ﷺ رفع إليه ابنه إبراهيم ﵁، وهذا الولد ليس من زوجته خديجة ﵂، بل من مارية ﵂ التي أهداها له ملك القبط، فسراها النبي ﷺ، أي وطئها بملك اليمين، فأتت له بهذا الولد، وبقى ستة عشر شهرًا، ومات في حياة النبي ﷺ، رفع إليه وهو يجود بنفسه، أي ينازعه الموت، وأشرف مال عند الإنسان نفسه، وهذا المحتضر كأنما يسلمها للملائكة، يجود بها، فذرفت عيناه ﷺ، فقيل له: ما هذا يا رسول الله؟ فقال ﷺ: (إنّ القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون)، ثم قالها مرة أخرى (إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون)، ثم توفي الولد وله ستة عشر شهرًا، فدل ذلك على الإنسان لا حرج عليه إذا بكى رحمة بالميت، وحزنًا على فراقه، فإن الرسول ﷺ هنا قال: إنّه محزون على فراق ابنه.
- فيه دليلٌ على جواز إخبار الإنسان عن نفسه بأنّه محزون من هذه المصيبة؛ لأنّه قال ﷺ: (القلب يحزن، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون).
- فيه دليلٌ على أنّ النبي ﷺ يموت له الولد، ويتألم لذلك، وأنّه يلحقه ما يلحق البشر، فكان له من الأولاد سبعة، ثلاثة ذكور، وأربع بنات، ولم يبق أحد من أولاده، لا ذكورهم ولا إناثهم بعد موته، إلا فاطمة ﵂، فقد ماتوا جميعًا في حياته ﷺ، وهذا من حكمة الله ﷿، فإنه لا أحد يستطيع أن يدفع الموت ولو كان أعظم الناس جاهًا عند الله، حتى النبي ﷺ.

باب الكف عن مَا يرى من الميت من مكروه


928 - وعن أَبي رافع أسلم مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ غَسَّلَ مَيتًا فَكَتَمَ عَلَيْهِ، غَفَرَ اللهُ لَهُ أربَعِينَ مَرَّة». رواه الحاكم، وقال: صحيح عَلَى شرط مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- الذي يُرى من الميت من المكروهات نوعان:
• النوع الأول: ما يتعلق بحاله، مثل أن يرى الميت تغير وجهه، واسود، وقبح، فهذا والعياذ بالله دليل على سوء خاتمته، نسأل الله العافية، فلا يحل له أن يقول للناس: إنّي رأيت هذا الرجل على هذه الصفة.
• النوع الثاني: ما يتعلق بجسده، كأن يرى بجسده عيبًا، كأن يرى برصًا، أو سوادًا خلقيًا، أو غير ذلك، مما يكره الإنسان أن يطلع عليه غيره، فهذا أيضا لا يجوز له أن يكشفه للناس.

باب الصلاة عَلَى الميت وتشييعه وحضور دفنه، وكراهة اتباع النساء الجنائز، وَقَدْ سَبَقَ فَضْلُ التَّشْييعِ.


929 - عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «مَنْ شَهِدَ الجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا، فَلَهُ قِيراطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ، فَلَهُ قِيرَاطَانِ» قِيلَ: وَمَا القِيرَاطانِ؟ قَالَ: «مِثْلُ الجَبَلَيْنِ العَظِيمَيْنِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- الجَنازة بالفتح، اسم للميت، والجِنازة بالكسر، اسم للنعش الذي عليه الميت.
- ليعلم أن تشييع الجنائز من حقوق المسلمين على إخوانهم، قال العلماء: "وإذا خرج مع الجنازة، فينبغي أن يكون متخشعًا متفكرًا في مآله، وكما أنه الآن يتبع جنازة هذا الرجل، فسوف يأتي اليوم الذي يتبع الناس فيه جنازته، فكما حمل هذا فهو أيضا سيُحمل"
كل ابن أنثى ولو طالت سلامته … يومًا على آلة حدباء محمول
فيفكر في أمره وأنه مهما طالت به الدنيا فسوف يحمل كما حمل هذا، ويُشيَّع كما شُيَّع هذا، ولهذا قالوا: "لا ينبغي لتابع الجنازة أن يتحدث في شيء من أمور الدنيا، بل يفكر في نفسه، وإذا كان معه أحد يكلمه، فليذكره بمآل كل حي حتى يكون تشييع الجنازة تشييعًا، وعبرة، أي قضاء لحق المسلم، وعبرة للمشيع".
- من تبع الجنازة من بيتها حتى يصلى عليها، ثم تدفن، فله قيراطان، فسئل ﷺ عن القيراطين قال: (مثل الجبلين العظيمين)، وفي رواية لمسلم (أصغرهما مثل جبل أحد)، ولما حدث ابن عمر بهذا الحديث قال: "لقد فرطنا في قراريط كثيرة"، يعني ما كنا نخرج مع الجنائز، وفرطنا في هذه القراريط الكثيرة، فصار يخرج بعد ذلك مع الجنائز ﵁، فإذا شهدت الجنازة حتى يصلى عليها فلك قيراط، وإن استمررت معها حتى تدفن فلك قيراطان، لكن في رواية البخاري اشترط أن يكون ذلك إيمانًا واحتسابًا.
قال ابن باز ﵀:
- فيه دليلٌ على شرعية اتباع الجنائز من الصلاة وللدفن جميعاً، وما ذلك إلا لما في اتباع الجنائز من المصالح الكثيرة؛ منها: أنّ ذلك يذكر بالموت، ويذكر التابع بالاستعداد للآخرة، وأن الذي أصاب أخاه سوف يصيبه، فليُعد العدة، وليحذر من الغفلة.
- من ذلك أيضًا: أنّ في اتباع الجنائز جبرًا للمصابين، ومواساةً لهم، وتعزية لهم في ميتهم، فيحصل له بذلك أجر التعزية والجبر والمواساة لإخوانه.
- من ذلك أيضًا: أنّه يعينهم على ما قد يحتاجون إليه في حمل ميتهم ودفنه، فعلى كل تقدير اتباع الجنائز فيه مصالح كثيرة، ولو لم يكن فيه إلا أنّه يذكر بالموت وما بعده، ويدعو إلى الاستعداد للآخرة، والتأهب للقاء الله، لكان هذا كافياً، فكيف وفي ذلك مصالح أخرى، ثم في ذلك الأجر العظيم الذي يحصل له بالصلاة قدر قيراط، قدر جبل من الأجر، والدفن جميعاً، مثل: الجبلين العظيمين من الأجر، هذا خير عظيم، وفضل كبير.

930 - وعنه: أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إيمانًا وَاحْتِسَابًا، وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُفرَغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإنَّهُ يَرْجعُ مِنَ الأَجْرِ بِقيراطَيْنِ كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ، فَإنَّهُ يَرْجِعُ بِقيرَاطٍ». رواه البخاري.
قال ابن عثيمين ﵀:
- (من اتّبع جنازة مسلمٍ إيمانًا واحتسابًا)، يعني إيمانًا بالله، وتصديقاً بوعده، واحتسابًا لثوابه، وليس قصدك المجاملة لأهل الميت؛ لأنّ المجاملة لأهل الميت ثوابٌ عاجل في الدنيا فقط، وقد يؤجر الإنسان على مجاملة إخوانه، لكن الأجر الذي هو قيراطان فهو لمن تبعها إيمانًا، واحتسابًا، وثقة بالله.
قال ابن باز ﵀:
- فيه بيانٌ أن هذا الاتباع يكون إيماناً واحتساباً، لا للرياء والسمعة، ولا لغرض آخر، بل يتبع الجنازة إيماناً واحتساباً، إيماناً بأن الله شرع ذلك، واحتساباً للأجر عنده.
- فيه دلالةٌ على أنّ التابع لا ينصرف حتى تدفن، بعض الناس قد ينصرف عند وضعها في الأرض، هذا خلاف المشروع، المشروع أنه يبقى مع إخوانه حتى يفرغوا من دفنها حتى ينتهوا، وفي ذلك أيضًا حدیث آخر: أنه كان ﷺ إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال ﷺ: (استغفروا لأخيكم وسلوا له التّثبيت، فإنّه الآن يُسأل).
- السنة أن يقف عليه بعد الدفن، ويدعو له بالمغفرة والثبات، ثم ينصرف بعد ذلك. أما التلقين فهو غير مشروع وهو ما يفعله بعض الناس عند القبر، يقف عند القبر بعد الموت يقول: يا فلان اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أنّ لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأنك رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً وبالقرآن إماماً. هذا لا أصل له، هذا ليس بمشروع هذا التلقين ليس بمشروع، والأحاديث الواردة في ذلك غير ثابتة عن النبي ﷺ.
- ينبغي للمؤمن أن يلاحظ ما شرعه الله، وأن يدع ما لم يشرعه الله، وكذلك بعض الناس عند الدفن يؤذن في القبر، أو يقيم في القبر، أو يقرأ القرآن في القبر، هذا بدعة لا أصل له، أيضًا كونهم يؤذنون في القبر، ويقرؤون فيه القرآن، أو يؤذنون، أو يقيمون، هذه بدعة لا أصل لها، فينبغي التنبه لذلك.

931 - وعن أم عطية رضي الله عنها، قالت: نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا. متفقٌ عَلَيْهِ.
ومعناه: وَلَمْ يُشَدَّدْ في النَّهْيِ كَمَا شَدَّدُ في المُحَرَّمَاتِ.
قال ابن عثيمين ﵀:
- (نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا) لفظ نهينا إذا قاله صحابي أو قالته صحابية فالمعنى أن النبي ﷺ هو الذي نهاهم.
- اتباع المرأة للجنازة حرام؛ لأنها إذا تبعتها فهي لا شك ضعيفة، فربما تصيح، وتولول، وتضرب الخد، وتنتف الشعر، وتمزق الثوب، وأيضًا ربما يحصل اختلاط بين الرجال والنساء في تشييع الجنازة، فيحصل بذلك فتنة، كما أن زيارة المرأة للمقابر حرام؛ لأن النبي ﷺ لعن زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج.
قال ابن باز ﵀:
- يدل على تحريم اتباع النساء للجنائز إلى المقبرة، أما الصلاة على الميت فإنها مشروعة لهن كالرجال، لكن ليس للنساء اتباع الجنائز إلى المقبرة؛ لأنهن منهيات عن ذلك، أما الصلاة على الميت فلم تنهَ عنها المرأة، سواء كانت الصلاة عليه في المسجد، أو في البيت، أو في المصلى، وكان النساء يصلين على الجنائز في مسجده ﷺ مع النبي ﷺ وبعده.
- زيارة القبور خاصة بالرجال؛ كاتباع الجنائز إلى المقبرة؛ لأن الرسول ﷺ لعن زائرات القبور، والحكمة في ذلك -والله أعلم- ما يخشى في اتباعهن الجنائز إلى المقبرة وزيارتهن للقبور من الفتنة بهن وعليهن.

باب استحباب تكثير المصلين عَلَى الجنازة وجعل صفوفهم ثلاثة فأكثر


932 - عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مَيتٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ المُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِئَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ إِلاَّ شُفِّعُوا فِيهِ». رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- يدل على أنّه كلما كثر الجمع على الميت، كان ذلك أفضل، وأرجى للشفاعة.
- معلوم أن المصلين على الجنازة يشفعون إلى الله عز وجل لهذا الميت، فهم يسألون من الله له المغفرة، والرحمة، والدعاء للميت في الجنازة من أوجب ما يكون في الصلاة، بل هو ركن من أركان الصلاة، لا تصح صلاة الجنازة إلا به، إلا المسبوق.
قال ابن باز ﵀:
- فيه الحث على استحباب تكثير المصلين على الجنازة، والصلاة فرض كفاية، فلو صلّى عليه واحد مكلف كفى، ولكن كلما كثر الجمع - إن تيسر - العدد الكثير، فهو أفضل.

933 - وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ، فَيقومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أرْبَعُونَ رَجُلًا لاَ يُشْرِكُونَ بِاللهِ شَيْئًا، إِلاَّ شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ». رواه مسلم.
قال ابن عثيمين ﵀:
- فيه دلالةٌ على أنه من قام على جنازته أربعون رجلًا لا يشركون بالله شيئًا، إلا شفعهم الله فيه، أي: قبل شفاعتهم فيه، وهذه بشرى للمؤمن إذا كثر المصلون على جنازته، فشفعوا له عند الله، أن الله تعالى يشفعهم فيه.
قال ابن باز ﵀:
- فيه دليلٌ على وجود جماعة كثيرة في الصلاة أفضل حسب الإمكان، وحسب التيسير، وإلا فالواجب شخص واحد مكلف إذا صلى عليه كفى، ولكن إذا تيسر عدد كثير فهو أفضل، والأفضل لأهل الميت أن يتحروا له المساجد التي فيها العدد الكثير، حتى يكون هذا أنفع له.

934 - وعن مرثدِ بن عبدِ الله اليَزَنِيِّ، قَالَ: كَانَ مَالِكُ بن هُبَيْرَة - رضي الله عنه - إِذَا صَلَّى عَلَى الجَنَازَةِ، فَتَقَالَّ النَّاس عَلَيْهَا، جَزَّأَهُمْ ثَلاَثَةَ أجْزَاءٍ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ ثَلاَثَةُ صُفُوفٍ فَقَدْ أوْجَبَ». رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: «حديث حسن».
قال ابن عثيمين ﵀:
- (فقد أوجب) يعني وجبت له الجنة، وفيه دلالةٌ على أنه كلما كثر الجمع، كان أفضل، ولهذا نجد أن بعض الناس إذا صلى على جنازة في مسجد، نبه أهل المساجد الأخرى ليحضروا إليه، حتى يكثر الجمع، فينبغي للإمام إذا رأى الناس الذين جاءوا ليشهدوا صلاة الجنازة قد فاتهم شيء من صلاة الفريضة، ألا يتعجل بالصلاة على الميت، حتى ينتهي الذين يقضون صلاتهم؛ ليشاركوا الحاضرين في الصلاة على الميت، فيكون ذلك أكثر للجمع، وربما تكون دعوة واحد منهم هي المستجابة، وكون بعض الناس بعدما يسلم يقوم ويصلي على الجنازة، وخلفه صف أو أكثر، فهذا وإن كان جائزًا، لكن الأفضل أن ينتظر حتى يتم الناس صلاتهم، ويصلون على الجنازة، وهذا لا يفوت شيئًا كثيرًا، غاية ما هنالك عشر دقائق على الأكثر.