(٤٣) كتابُ المَناقِبِ


١- بابُ قَوْلِ اللهِ ﷿: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَـٰكُم مِّن ذَكَرࣲ وَأُنثَىٰ﴾ [الحجرات:١٣]،


وما يُنْهَى عنه مِن دَعْوى الجاهليَّةِ
١٥٧٩. ابنُ عبَّاسٍ: ﴿وَجَعَلۡنَـٰكُمۡ شُعُوبࣰا وَقَبَاۤىِٕلَ﴾ [الحجرات:١٣] قال: الشُّعوب القبائل العِظام، والقبائل البُطون. [خ: ٣٤٨٩]
وقال البخاري: الشُّعوب النَّسَب البعيد، والقبائل دون ذلك.
١٥٨٠. وعن كُلَيْب بن وَائِلٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي رَبِيبَةُ النَّبِيِّ ﷺ زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: قُلْتُ لَهَا: أَرَأَيْتِ النَّبِيَّ ﷺ أَكَانَ مِنْ مُضَرَ؟ قَالَتْ: فَمِمَّنْ كَانَ إِلَّا مِنْ مُضَرَ، كَانَ مِنْ وَلَدِ [النَّضرِ بنِ] كِنَانَةَ. [خ: ٣٤٩١-٣٤٩٢]
• [ق] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ، مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ، وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ». الحديثَ[خ: ٣٤٩٥]، وقد تقدَّم في العلم [ر: ٧٠].
١٥٨١. وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِی ٱلۡقُرۡبَىٰ﴾ [الشورى:٢٣] [قالَ ابنُ جُبيرٍ:] أقرباء محمَّد ﷺ؟ وقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا وَلَهُ فِيهِ قَرَابَةٌ، فَنَزَلَتْ فيه: إِلَّا أَنْ تَصِلُوا قَرَابَةً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ. [خ: ٣٤٩٧]
١٥٨٢. [ق] وعَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَرَ، وَمَنِ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». [خ: ٣٥٠٨]
١٥٨٣. وعن وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الفِرَى أَنْ يَدَّعِيَ الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوْ يُرِيَ عَيْنَهُ مَا لَمْ تَرَ، أَوْ يَقُولَ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ مَا لَمْ يَقُلْ». [خ: ٣٥٠٩]
1. قال ابن حجر: «في الحديث تحريم الدعوى بشيء ليس هو للمُدَّعي، فيدخل فيه الدعاوى الباطلة كلها مالاً وعلماً وتعلّماً ونسباً وحالاً وصلاحاً ونعمة وغير ذلك، ويزداد التحريم بزيادة المفسدة المترتبة على ذلك».
2. أن الانتساب إلى غير أبيه كبيرة؛ لأن فيها تضييعًا للأنساب، وإدخال على الأسر ما ليس منه، ويترتب على ذلك محاذير شرعية كثيرة.

١٥٨٤. [ق] وَعن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ/ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «الفَخْرُ وَالخُيَلَاءُ فِي الفَدَّادِينَ أَهْلِ الوَبَرِ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الغَنَمِ، وَالإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ». [خ: ٣٤٩٩]
قال البخاريُّ: سُمِّيتِ اليمنُ لأنَّها عن يمين الكعبة، والشَّامُ لأنَّها عن يسار الكعبة، و(المَشْأَمَة): الميسرة، واليد اليُسْرى الشُّؤْمَى، والجانب الأيسر الأشأم.
الغريب: (الخُيَلَاء): التَّبختر والتكبُّر. والفدَّاد: المتكبِّر، وأصل الفَدِيد: الصَّوت. و(أهل الوَبَر): أهل الإبل. و(السَّكينة): السُّكون وانكسار النَّفس، وهو خبر عَنِ الغالب مِن أحوال المذْكورين.
1. قال الخطابي: «إنما ذم هؤلاء لاشتغالهم بمعالجة ما هم فيه عن أمور دينهم وذلك يفضي إلى قساوة القلب، قوله: أهل الوَبر بفتح الواو أي ليسوا من أهل المدر لأن العرب تعبر عن أهل الحضر بأهل المدر وعن أهل البادية بأهل الوبر».

٢- بابٌ: في مَنَاقِبِ قُرَيشٍ والأنْصارِ وجُهَيْنَةَ ومُزَيْنَةَ


١٥٨٥. عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ [محمَّدُ بنُ] جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَلَغَ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ عِنْدَهُ فِي وَفْدٍ مِنْ قُرَيْشٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِي يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَيَكُونُ مَلِكٌ مِنْ قَحْطَانَ، فَغَضِبَ مُعَاوِيَةُ فَقَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِنْكُمْ يَتَحَدَّثُونَ أَحَادِيثَ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ تعالى، وَلَا تُؤْثَرُ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَأُولَئِكَ جُهَّالُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَالأَمَانِيَّ الَّتِي تُضِلُّ أَهْلَهَا؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا كَبَّهُ اللهُ عَلَى وَجْهِهِ، مَا أَقَامُوا الدِّينَ». [خ: ٣٥٠٠]
تنبيه: قلت: هذا الَّذي أنكره مُعَاويةُ على عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو قد صحَّ مِن حديث غيره على ما رواه البخاري مِن حديث أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ ﷺ قال: «لا تقوم السَّاعة حتَّى يخرج رَجُلٌ من قَحْطَانَ يسوقُ النَّاس بعَصَاهُ»^([خ:٣٥١٧])، ولا تناقض بين الحَديثين؛ لأنَّ خروج هذا القَحْطاني إنَّما يكون إذا لم تُقِمْ قريشُ الدِّين، فيُدال عليهم في آخر الزَّمان، ولعلَّه هو الملِكُ الذي يخرج عليه الدَّجَّال، والله أعلم.
2. في الحديث: منقبةٌ لقريشٍ، حيث إنّ الخلافة تَكون حقّا شرعيّا لهم مدّة إقامتهم لدين الله، فإذا انحرفوا عن العدل والصّواب، وحادوا عن منهج السّنّة والكتاب، زالت الخلافة من أيديهم.

١٥٨٦. [ق] وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَا يَزَالُ هَذَا الأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَانِ». [خ: ٣٥٠١]
١٥٨٧. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ وَجُهَيْنَةُ وَمُزَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَأَشْجَعُ وَغِفَارُ مَوَالِيَّ، لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى دُونَ اللهِ وَرَسُولِهِ»./ [خ: ٣٥٠٤]

٣- بابُ مَنَاقِبِ أَسْلَمَ وغِفَارَ


١٥٨٨. [ق] عَنْ عَبدِ اللهِ -هو ابنُ عُمَرَ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ: «غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ، وَعُصَيَّةُ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ». [خ: ٣٥١٣]
١٥٨٩. [ق] وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: إِنَّمَا بَايَعَكَ سُرَّاقُ الحَجِيجِ مِنْ أَسْلَمَ وَغِفَارَ وَمُزَيْنَةَ -وَأَحْسِبُهُ: وجُهَيْنَةَ- قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ أَسْلَمُ وَغِفَارُ وَمُزَيْنَةُ -وَأَحْسِبُهُ: وجُهَيْنَةُ- خَيْرًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي عَامِرٍ وَأَسَدٍ وَغَطَفَانَ، خَابُوا وَخَسِرُوا؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُمْ لَأَخيَرُ مِنْهُمْ». [خ: ٣٥١٦]
• [ق] وفي طَريق أخرى: قالَ رسولُ الله ﷺ: «أَسْلَمُ، وَغِفَارُ، وَشَيْءٌ مِنْ مُزَيْنَةَ وَجُهَيْنَةَ -أَوْ قَالَ: شَيْءٌ مِنْ جُهَيْنَةَ أَوْ مُزَيْنَةَ- خَيْرٌ عِنْدَ اللهِ -أَوْ قَالَ: يَوْمَ القِيَامَةِ- مِنْ أَسَدٍ وَتَمِيمٍ، وَهَوَازِنَ وَغَطَفَانَ». [خ: ٣٥٢٨]

٤- بابٌ: كيفَ كانَ ابْتداءُ أَمْرِ رسولِ اللهِ ﷺ بمكَّةَ وظُهورُهُ


١٥٩٠. [ق] عَنْ أبي جَمْرَةَ قَالَ: قَالَ لَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِإِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ؟ قَالَ: قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: كُنْتُ رَجُلًا مِنْ غِفَارٍ، فَبَلَغَنَا أَنَّ رَجُلًا قَدْ خَرَجَ بِمَكَّةَ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَقُلْتُ لِأَخِي: انْطَلِقْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ كَلِّمْهُ وَأْتِنِي بِخَبَرِهِ. فَانْطَلَقَ فَلَقِيَهُ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقُلْتُ: مَا عِنْدَكَ؟ فَقَالَ: وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَأْمُرُ بِالخَيْرِ وَيَنْهَى عَنِ الشَّرِّ. فَقُلْتُ لَهُ: لَمْ تَشْفِنِي مِنَ الخَبَرِ. فَأَخَذْتُ جِرَابًا وَعَصًا، ثُمَّ أَقْبَلْتُ إِلَى مَكَّةَ، فَجَعَلْتُ لَا أَعْرِفُهُ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ، وَأَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَأَكُونُ فِي المَسْجِدِ، قَالَ: فَمَرَّ بِي عَلِيُّ بْن أبي طَالبٍ فَقَالَ: كَأَنَّ الرَّجُلَ غَرِيبٌ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَانْطَلِقْ إِلَى المَنْزِلِ. قَالَ: فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ لَا يَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ وَلَا أُخْبِرُهُ. فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ إِلَى المَسْجِدِ لِأَسْأَلَ عَنْهُ، فَلَيْسَ أَحَدٌ يُخْبِرُنِي عَنْهُ بِشَيْءٍ، قَالَ: فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ، فَقَالَ: أَمَا نَاءَ لِلرَّجُلِ يَعْرِفُ مَنْزِلَهُ بَعْدُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا. قَالَ: انْطَلِقْ مَعِي. قَالَ: فَقَالَ: مَا أَمْرُكَ، وَمَا أَقْدَمَكَ هَذِهِ البَلْدَةَ؟ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: إِنْ كَتَمْتَ عَلَيَّ أَخْبَرْتُكَ. قَالَ: فَإِنِّي أَفْعَلُ. قَالَ: قُلْتُ:/ بَلَغَنَا أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ هَا هُنَا رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَرْسَلْتُ إِليهِ أَخِي لِيُكَلِّمَهُ، فَرَجَعَ وَلَمْ يَشْفِنِي مِنَ الخَبَرِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَلْقَاهُ، فَقَالَ: أَمَا إِنَّكَ قَدْ رَشَدْتَ، هَذَا وَجْهِي إِلَيْهِ فَاتَّبِعْنِي، ادْخُلْ حَيْثُ أَدْخُلُ، فَإِنِّي إِنْ رَأَيْتُ أَحَدًا أَخَافُهُ عَلَيْكَ، قُمْتُ كَأَنِّي أُصْلِحُ نَعْلِي وَامْضِ أَنْتَ. فَمَضَى وَمَضَيْتُ مَعَهُ، حَتَّى دَخَلَ وَدَخَلْتُ مَعَهُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقُلْتُ لَهُ: اعْرِضْ عَلَيَّ الإِسْلَامَ، فَعَرَضَهُ فَأَسْلَمْتُ مَكَانِي، فَقَالَ لِي: «يَا أَبَا ذَرٍّ، اّْكْتُمْ هَذَا الأَمْرَ، وَاّْرْجِعْ إِلَى بَلَدِكَ، فَإِذَا بَلَغَكَ ظُهُورُنَا فَأَقْبِلْ». فَقُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لَأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ. فَجَاءَ إِلَى المَسْجِدِ وَقُرَيْشٌ فِيهِ فَقَالَ: يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ، إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. فَقَالُوا: قُومُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئِ. فَقَامُوا فَضُرِبْتُ لِأَمُوتَ، فَأَدْرَكَنِي العَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيَّ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: وَيْلَكُمْ، تَقْتُلُونَ رَجُلًا مِنْ غِفَارَ، وَمَتْجَرُكُمْ وَمَمَرُّكُمْ عَلَى غِفَارَ. فَأَقْلَعُوا عَنِّي، فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحْتُ الغَدَ رَجَعْتُ، فَقُلْتُ مِثْلَ مَا قُلْتُ بِالأَمْسِ، فَقَالُوا: قُومُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئِ فَصُنِعَ بِي مِثْلَ مَا صُنِعَ بِالأَمْسِ، فَأَدْرَكَنِي العَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيَّ، وَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ بِالأَمْسِ، قَالَ: فَكَانَ هَذَا أَوَّلَ إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ. [خ: ٣٥٢٢]
1. قوله: (لأصرخن بها)، قال ابن حجر: «يؤخذ منه جواز قول الحق عند من يُخشى منه الأذية لمن قاله، وإن كان السكوت جائزاً، والتحقيق أن ذلك مختلف باختلاف الأحوال والمقاصد، وبحسب ذلك مترتب وجود الأجر وعدمه».

قوله: (أَمَا نَاءَ) أي: آن، وهما لغتان بمعنى: حَانَ، والله أعلم.

٥- بابٌ: في أسماءِ النَّبيِّ ﷺ وكُنْيَتهِ ونَسَبهِ


١٥٩١. [ق] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا المَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللهُ بِي الكُفْرَ، وَأَنَا الحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا العَاقِبُ». [خ: ٣٥٣٢]
1. لا يفيد الحديث أنّ أسماءه تنحصر في خمسة أسماءٍ فقط؛ فإنّ له أسْماءً غيرها، وإنّما المراد بقوله: «لي خمسة أسماءٍ» أنّ هذه الخمسة هي أسماؤه المشهورة في الأمم الماضية المذكورة في الكتب السّابقة.
2. دلّ بعض هذه الأسماء على أنّ دين الإسلام هو الدّين الغالب المهيمن على جميع الأديان، النّاسخ لشرائعها بشرائعه، ولأحكامها بأحكامه، وأنّه الدّين الخالد الباقي إلى يوم القيامة.

١٥٩٢. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَلَا تَعْجَبُونَ كَيْفَ صرفَ اللهُ عَنِّي شَتْمَ قُرَيْشٍ وَلَعْنَهُمْ؟! يسبُّونَ مُذَمَّمًا، وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا، وَأَنَا مُحَمَّدٌ». [خ: ٣٥٣٣]
١٥٩٣. [ق] وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ فِي السُّوقِ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا القَاسِمِ. فَالتَفَتَ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: «سَمُّوا بِاسْمِي، وَلَا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي». [خ: ٣٥٣٧]
١٥٩٤. وعن جَابرٍ، عَنِ النَّبيِّ ﷺ قال: «سَمُّوا بِاسْمِي، وَلَا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي»./ [خ: ٣١١٥]
١٥٩٥. [ق] وعَنْ عَائِشَةَ قَالَت: اسْتَأْذَنَ حَسَّانُ النَّبِيَّ ﷺ فِي هِجَاءِ المُشْرِكِينَ قَالَ: «كَيْفَ تنسُبُني؟» فَقَالَ حَسَّانُ: لَأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرَةُ مِنَ العَجِينِ. [خ: ٣٥٣١]
1. قال النووي: «وفيه جواز الانتصار من الكفار، ويجوز أيضا من غيرهم بشرطِه».
2. قال النووي: «فيه جواز هجو الكفار ما لم يكن أمان، وأنه لا غيبة فيه».
3. قال النووي: «وأمّا أمره ﷺ بهجائهم، وطلبه ذلك من أصحابه واحدا بعد واحد، ولم يرضَ قول الأول والثاني حتى أمر حسّان، فالمقصود منه النكاية في الكفار، وقد أمر الله تعالى بالجهاد في الكفار والإغلاظ عليهم، وكان هذا الهجو أشد عليهم من رشق النبل، فكان مندوبًا لذلك مع ما فيه من كف أذاهم، وبيان نقصهم، والانتصار بهجائهم المسلمين.
4. قال النووي: «قال العلماء: ينبغي ألّا يبدأ المشركون بالسبّ والهجاء مخافة من سبهم الإسلام وأهله، قال الله تعالى: (ولا تسبّوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) ولتنزيه ألسنة المسلمين عن الفحش، إلا أن تدعو إلى ذلك ضرورة لابتدائهم به، فكف أذاهم ونحوه كما فعل النبي ﷺ»
.

١٥٩٦. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ قَرْنًا فَقَرْنًا، حَتَّى كُنْتُ مِنَ القَرْنِ الَّذِي كُنْتُ مِنهُ». [خ: ٣٥٥٧]

٦- بابٌ: خُتِم بالنَّبيِّ ﷺ الأنبياءُ والنُّبوَّة، وخُصَّ بخَاتَمِها


١٥٩٧. [ق] عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَثَلِي وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ كَرَجُلٍ بَنَى دَارًا، فأجملها وَأَحْسَنَهَا إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَدْخُلُونَهَا وَيَتَعَجَّبُونَ وَيَقُولُونَ: لَوْلَا مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ». [خ: ٣٥٣٤]
1. قال النووي: فيه فضيلته ﷺ، وأنّ اللَّه ختم به المرسلين، وأكمل به شرائع الدّين.
2. وفيه أنه لا نبي بعد النبي ﷺ، وبه يتبين كذب كل من ادعى النبوة بعد بعثته، قديماً وحديثاً.
3. وفيه أن الأنبياء ۏ منارات يُهْتَدَى بهم، ودعاة خير يتأسى بهم، دينهم واحد وهو توحيد الله تعالى، وإفراده بالعبودية، وإن اختلفت شرائعهم، فالواجب الإيمان بهم، ومحبتهم، وقد نُسخت جميع الشرائع بشريعة نبينا محمد ﷺ، فلا سبيل إلى السعادة والفلاح في العاجل والآجل إلا بالإيمان به ومحبته، واتباع هديه صلى الله عليه وسلم.

١٥٩٨. [ق] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ، وَيَعْجَبُونَ مِنهُ، وَيَقُولُونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ؟ قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ، وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ». [خ: ٣٥٣٥]
١٥٩٩. [ق] وعَنِ السَّائب بن يَزِيدَ قال: ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَجِعٌ، فَمَسَحَ رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالبَرَكَةِ، وَتَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمٍ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلَ زِرِّ الحَجَلَةِ. قالَ محمَّدُ ابنُ عُبيدِ الله -وهو شيخ البخاري-: الحَجْلَةُ مِن حَجَلِ الفَرَسِ الَّذي بين عينيه. [خ:٣٥٤١]
قلت: أنكر المشايخ هذا القول؛ لأنَّ التَّحجيل في الفرس إنَّما هو في قوائمه لا بين عينيه، ولا يُقال فيه حَجَل، وَلا حَجَلة، وإنَّما الحَجَلة السِّتْر الَّذي يُستر به، وتُجمع حِجَال، ومنه قول عليٍّ: يا عُقُول رَبَّات الحِجَالِ. ولها أزْرَارٌ يضمُّ بعضها إلى بعض كأزْرار القُمُص، فشَبَّهَ الثآليلَ الَّتي كانت في خاتم النُّبوَّة بتلك الأزرار، والله أعلم.

٧- بابُ صِفَةِ النَّبيِّ ﷺ/


١٦٠٠. [ق] عن وَهْب أبي جُحَيْفَةَ السُّوَائِي قال: رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَكَانَ الحَسَنُ يُشْبِهُهُ. [خ: ٣٥٤٣]
١٦٠١. [ق] قال إسماعيل بن أبي خالد: قُلْتُ لِأَبِي جُحَيْفَةَ: صِفْهُ لِي. فقَالَ: كَانَ أَبْيَضَ قَدْ شَمِطَ، وَأَمَرَ لَنَا النَّبِيُّ ﷺ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ قَلُوصًا، قَالَ: فَقُبِضَ النَّبِيُّ ﷺ قَبْلَ أَنْ نَقْبِضَهَا. [خ:٣٥٤٤]
١٦٠٢. [ق] وفي رواية عنه قال: رأيتُ رسولَ اللهِ ﷺ، ورأيت بَيَاضاَ تحتَ شَفَتِهِ السُّفْلَى العَنْفَقَة. [خ:٣٥٤٥]
١٦٠٣. [ق] وعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَصِفُ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: كَانَ رَبْعَةً مِنَ القَوْمِ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالقَصِيرِ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ، لَيْسَ بِأَبْيَضَ وَلَا آدَمَ، لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ، وَلَا سَبْطٍ رَجِلٍ، أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ، فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ، وَبِالمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَقُبِضَ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ. قَالَ رَبِيعَةُ: فَرَأَيْتُ شَعَرًا مِنْ شَعَرِهِ، فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ، فَسَأَلْتُ فَقِيلَ لي: اّْحْمَرَّ مِنَ الطِّيبِ. [خ: ٣٥٤٧]
١٦٠٤. [ق] وعَنِ البَراءِ قالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَحْسَنَهُ خَلْقًا، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ البَائِنِ، وَلَا بِالقَصِيرِ. [خ: ٣٥٤٩]
١٦٠٥. [ق] وفي رواية قال: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ مَرْبُوعًا، بَعِيدَ مَا بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ، لَهُ شَعَرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنيهِ، رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ، لَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ. [خ:٣٥٥١]
١٦٠٦. وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سُئِلَ البَرَاءُ: أَكَانَ وَجْهُ النَّبِيِّ ﷺ مِثْلَ السَّيْفِ؟ قَالَ: لَا، بَلْ مِثْلَ القَمَرِ. [خ: ٣٥٥٢]
الغريب: (الشَّمِطُ): مخالطة الشَّيب. و(القَلُوص) في الإبِل: الفتيَّة كالجارية في النِّساء. و(الشَّعَرُ القَطَط): الشَّديد الجُعُودة. و(الطَّويل البائن): الذَّاهب فيه طولًا.
1. قال الكلاباذي: «والذين وجوههم طلقة مستبشرة بسطة، فإن ذلك يدل على سعة صدورهم، وحسن أخلاقهم، وتحريهم مسرة الناس، ومن اتسع صدره لا يصعب عليه قضاء الحاجة لأخيه، ومن حسن خلقه استحيا من الرد، ومن اتسع صدره يسخو بما في يديه، فإن البخل من ضيق الصدر؛ لأنه يخاف أن يحتاج إلى ما يطلب منه، فيتمسك به ضنًّا به؛ لحاجته إليه، لضيق صدره عن تحمل الخصاصة إن دُفع إليها، ومَن تحرَّى مسرة الناس، يسارع إلى قضاء حوائجهم؛ لأن طلاقة وجهه وبسطه إنما يريد به مسرة الناس، ويطلب محابهم وقضاء حوائجهم».
2. قال ابن حجر: «كأن السائل أراد أنه مثل السيف في الطول، فردَّ عليه فقال: بل مثل القمر أي في التدوير، ويحتمل أن يكون أراد مثل السيف في اللمعان والصقال، فقال: بل فوق ذلك، وعَدَل إلى القمر لجمعه الصفتين من التدوير واللمعان».

٨- بابُ حُسْنِ خُلُقِ النَّبيِّ ﷺ وما جُبِلَ عليه مِنهَا


١٦٠٧. [ق] وعَنْ أبي جُحَيْفَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِالهَاجِرَةِ إِلَى البَطْحَاءِ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَالعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ تَمُرُّ مِنْ وَرَائِهَا المَرْأَةُ، وَقَامَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَ يَدَيْهِ فَيَمْسَحُونَ بِهِما وُجُوهَهُمْ، قَالَ: فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَوَضَعْتُهَا عَلَى وَجْهِي فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ، وَأَطْيَبُ رَائِحَةً مِنَ المِسْكِ. [خ: ٣٥٥٣]
١٦٠٨. [ق] وعَن ابنِ عبَّاسٍ قَالَ: كَانَ/ النَّبيُّ ﷺ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالخَيْرِ، وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللهِ ﷺ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ. [خ: ٣٥٥٤]
1. قال النووي: «في الحديث بيان عظم جوده صلى الله عليه وسلم، واستحباب إكثار الجود في رمضان».
2. قال النووي: «وفيه زيادة الجود والخير عند ملاقاة الصالحين وعقب فراقهم للتأثر بلقائهم».
3. قال النووي: «وفيه استحباب مدارسة القرآن».

١٦٠٩. [ق] وعن عبد اللهِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللهِ قَالَ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ. [خ: ٣٥٥٦]
١٦١٠. [ق] وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ ﷺ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَكَانَ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا». [خ: ٣٥٥٩]
١٦١١. [ق] وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ: كَانَ رسولُ الله ﷺ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا. [خ: ٣٥٦٢]
١٦١٢. [ق] وعَنْ أَنسِ بن مالك يُحَدِّثُ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ ﷺ مِنْ مَسْجِدِ الكَعْبَةِ: جَاءَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ، وَهُوَ نَائِمٌ فِي مَسْجِدِ الحَرَامِ، فَقَالَ أَوَّلُهُمْ: أَيُّهُمْ هُوَ؟ فَقَالَ أَوْسَطُهُمْ: هُوَ خَيْرُهُمْ. وَقَالَ آخِرُهُمْ: خُذُوا خَيْرَهُمْ. فَكَانَتْ تِلْكَ، فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى جَاؤوا لَيْلَةً أُخْرَى فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ، وَالنَّبِيُّ نَائِمَةٌ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَذَا الأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ. [خ: ٣٥٧٠]
الغريب: (العَنَزَةُ): رمحٌ قصيرٌ. و(مِن ورائها) يعني: أمامها؛ كقوله: ﴿وَكَانَ وَرَاۤءَهُم مَّلِكࣱ﴾ [الكهف:٧٩]. و(أجود ما يكون): يُروى برَفْعِ الدَّال وفَتحها، مَنْ رَفَعَها أَوْجَهُ؛ لأنَّه مبتدأ، وخبره: (في رمضان)، و(ما) مصدرية تقديره: أجود أكوانه في رَمضان. و(الفاحش): المجبول عَلى الفُحْشِ. و(المُتَفَحِّش): الَّذي يَتَعاطاه.

٩- بابٌ: مِن عَلَاماتِ النَّبيِّ ﷺ في الإسلامِ، فمِن ذلكَ نَبْعُ الماءِ مِن بينِ أصابعِهِ


١٦١٣. [ق] عن عِمْرانَ بن حُصَيْنٍ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي مَسِيرٍ، فَأَدْلَجُوا لَيْلَتَهُمْ -وذكر الحديث نحو ما تقدَّم في التيمُّم [ر:١٨٨]- وقال فيه هنا: وَجَعَلَنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ/ فِي رَكُوبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَدْ عَطِشْنَا عَطَشًا شَدِيدًا، فَبَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ إِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ سَادِلَةٍ رِجْلَيْهَا بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ، فَقُلْنَا لَهَا: أَيْنَ المَاءُ؟ فَقَالَتْ: إِنَّهُ لَا مَاءَ. فَقُلْنَا: كَمْ بَيْنَ أَهْلِكِ وَبَيْنَ المَاءِ؟ قَالَتْ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ. فَقُلْنَا: انْطَلِقِي إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ. قَالَتْ: وَمَا رَسُولُ اللهِ؟ فَلَمْ نُمَلِّكْهَا مِنْ أَمْرِهَا حَتَّى اسْتَقْبَلْنَا بِهَا رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَحَدَّثَتْهُ بِمِثْلِ الَّذِي حَدَّثَتْنَا، غَيْرَ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا مُؤْتِمَةٌ، فَأَمَرَ بِمَزَادَتَيْهَا، فَمَسَحَ بِالعَزْلَاوَيْنِ، فَشَرِبْنَا عِطَاشًا أَرْبَعِينَ رَجُلًا حَتَّى رَوِينَا، فَمَلَأْنَا كُلَّ قِرْبَةٍ مَعَنَا وَإِدَاوَةٍ، غَيْرَ أَنَّا لَمْ نَسْقِ بَعِيرًا، وَهِيَ تَكَادُ تَنَضَّرُ مِنَ المِلْءِ، ثُمَّ قَالَ: «هَاتُوا مَا عِنْدَكُمْ». فَجُمِعَ لَهَا مِنَ الكِسَرِ وَالتَّمْرِ، حَتَّى أَتَتْ أَهْليهَا، قَالَتْ: لَقِيتُ أَسْحَرَ النَّاسِ، أَوْ هُوَ نَبِيٌّ كَمَا زَعَمُوا. فَهَدَى اللهُ ذَاكَ الصِّرْمَ بتيكَ المَرْأَةِ، فَأَسْلَمَتْ وَأَسْلَمُوا. [خ: ٣٥٧١]
١٦١٤. [ق] وعن قَتَادةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِإِنَاءٍ وَهُوَ بِالزَّوْرَاءِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، فَجَعَلَ المَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فَتَوَضَّأَ القَوْمُ. قَالَ قَتَادَةُ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: ثَلَاثَ مِئَةٍ أَوْ زُهَاءَ ثَلَاثِ مِئَةٍ. [خ: ٣٥٧٢]
• [ق] وفي رواية: فرأيتُ الماء يَنْبُعُ مِن تَحتِ أَصَابعه. [خ:٣٥٧٣]
• وفي رواية: فجاء رجلٌ من القوم بقَدَحٍ مِن ماءٍ يسيرٍ، فأخذه النَّبيُّ ﷺ فتوضَّأ، ثمَّ مدَّ أصابعه الأربعة على القَدَحِ، ثمَّ قال: «قوموا». فتوضَّأ القوم، حتَّى بلَغُوا فيما يريدُون مِن الوُضوء وكانوا سَبعين أو نحوه. [خ:٣٥٧٤]
• وفي رواية: فأُتِيَ النَّبيُّ ﷺ بمِخْضَبٍ مِن حجَارةٍ، فوضع كفَّه وصَغُرَ المِخْضَبُ أن يبسُطَ فيه كفَّه، فضمَّ أصابعه فوضعها في المِخْضَبِ، فتوضَّأ القومُ كلُّهُم جميعًا. قلت: كم كانوا؟ قال: كانوا ثمانين رجلًا. [خ:٣٥٧٥]
١٦١٥. [ق] وعنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ وَالنَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ يَدَيْهِ رِكْوَةٌ، فَتَوَضَّأَ، جَهَشَ النَّاسُ نَحْوَهُ، قَالَ: «مَا لَكُمْ؟» قَالُوا: لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ وَلَا نَشْرَبُ إِلَّا مَا بَيْنَ يَدَيْكَ. فَوَضَعَ يَدَيْهِ فِي الرِّكْوَةِ، فَجَعَلَ المَاءُ يَثُورُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ العُيُونِ، فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا. قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِئَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِئَةً. [خ: ٣٥٧٦]
١٦١٦. [ق] وعَنِ البَرَاءِ قَالَ: كُنَّا بِالحُدَيْبِيَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِئَةً، وَالحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ، فَنَزَحْنَاهَا حَتَّى لَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً،/ فَجَلَسَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى شَفِيرِ البِئْرِ، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَمَضْمَضَ وَمَجَّ فِي البِئْرِ، فَمَكَثْنَا غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ اسْتَقَيْنَا حَتَّى رَوِينَا وَرَوَتْ -أَوْ صَدَرَتْ- رَكَائِبُنَا. [خ: ٣٥٧٧]
الغريب: (أَدْلَجُوا): سَارُوا ليلتهم. و(جَعلني): كذا وقع، وصوابه: عَجَلني؛ أي: أمَرني بالعَجَلَةِ. و(الرَّكُوب) بفتح الراء، وهو تذكير رَكُوبَة، وهي ما يُرْكَبُ مِن الإبل. و(سَادِلة رجليها) أي: مُرسلتهما. و(المَزَادَةَ): القِرْبَة يُزاد فيها جِلدٌ مِن غيرها. و(مُؤْتمة): ذات أيتام. و(تَكاد) تُقَارِبُ. و(تنضَّر): كذا وقع هنا، وهو مِن الضَّرر؛ يعني: قاربت أنْ تنشقَّ، وفي «كتاب مسلم»^([ح:٦٨٢]): (تَضَرَّجُ) بمعناه. و(الصِّرْمُ) بكسر الصَّاد: البيوت المجتمعة. و(زُهَاء): ممدودًا قَدْر. و(المِخْضَب): إناءٌ يَبْلُغُ الخِضَاب إذا أَدْخَلَ اليَدَ فيه، وقد قيل فيه أيضًا: الغُمر؛ لأنَّه يغمُرُ اليد، والله أعلم. و(جَهَشَ النَّاس): أسرعوا إلى الماء متهيِّئين لأخذه.

١ قال النبي ﷺ: "الفخر والخيلاء في الفدادين أهل الوبر…" (وأهل الوبر) أي:

٥/٠