١٠- بابُ ذِكْر يُونُسَ ﵇،


وقولِهِ: ﴿وَإِنَّ یُونُسَ لَمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِینَ﴾إلى قولِهِ﴿وَهُوَ مُلِیمࣱ﴾ [الصافات: ١٣٩-١٤٢]
١٥٦١. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا يَهُودِيٌّ يَعْرِضُ سِلْعَةً أُعْطِيَ بِهَا شَيْئًا كَرِهَهُ، فَقَالَ: لَا وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى البَشَرِ. فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَامَ فَلَطَمَ وَجْهَهُ، وَقَالَ: تَقُولُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى البَشَرِ، وَالنَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ أَظْهُرِنَا؟ فَذَهَبَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَبَا القَاسِمِ، إِنَّ لِي ذِمَّةً وَعَهْدًا، فَمَا بَالُ فُلَانٍ لَطَمَ وَجْهِي؟! فَقَالَ: «لِمَ لَطَمْتَ وَجْهَهُ؟» فَذَكَرَهُ، فَغَضِبَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: «لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللهِ، فَإِنَّهُ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، فَيَصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ، فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَحُوسِبَ لِصَعْقِهِ يَوْمَ الطُّورِ، أَمْ بُعِثَ قَبْلِي، وَلَا أَقُولُ: إِنَّ أَحَدًا أَفْضَلُ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى». [خ: ٣٤١٤]
١٥٦٢. [ق] وفي رواية عَنِ النَّبيِّ ﷺ قال: «لا ينبغي لعبدٍ أن يقول: أنَا خيرٌ مِن يُونُسَ بن متَّى». [خ:٣٣٩٥]
• [ق] وفي رواية: «لا تُخَيِّرُونِي عَلى مَوسى -وفيها-: فَلا أَدْرِي أَكَان ممَّن صُعِقَ فَأفاق قَبْلِي، أو كَان ممَّن اسَتثنى اللهُ؟». [خ:٢٤١١]
الغريب: (﴿أَبَقَ﴾): فَرَّ مِن قومه لمَّا لمْ يُجِيبوه. و(﴿ٱلۡفُلۡكِ﴾): السَّفينة، ويُقال على الواحد والجمع بلفظ واحد. و(﴿ٱلۡمَشۡحُونِ﴾[الصافات:١٤٠]): المملوء. (﴿فَسَاهَمَ﴾): قَارَعَ.
(﴿مِنَ ٱلۡمُدۡحَضِینَ﴾[الصافات:١٤١]): المغلوبين. (﴿فَٱلۡتَقَمَهُ﴾):ابْتلعَهُ، وصَيَّره كاللُّقمة. (﴿مُلِیمࣱ﴾[الصافات:١٤٢]) أي: ما يُلام عليه، وهذا أَوْلَى مِن قول مجاهد: مُذنب.
(﴿مِنَ ٱلۡمُسَبِّحِینَ﴾[الصافات:١٤٣]): قيل: مِن المُصَلِّين، وأَوْلَى منه القَائلين: ﴿سُبۡحَـٰنَكَ إِنِّی كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ﴾ [الأنبياء:٨٧]؛ لِما رُوي من ذلك. (﴿فَنَبَذۡنَـٰهُ﴾):ألقيناه كالمنبوذ.(﴿بِٱلۡعَرَاۤءِ﴾[الصافات:١٤٥]): الأرض العَرِيَّة عَنِ النَّبات.
(﴿شَجَرَةࣰ مِّن یَقۡطِینࣲ﴾[الصافات:١٤٦]) أي: مِن غير ذات أصل؛ مِن قَطَنَ بالمكان: إذا أقام فيه إقامة زائل، وهي القَرْعَة، وسَمَّاها شجرةً وإن كانت مِن جنس ما يُقال عليه نجم ونبات؛ لأنَّها أظلَّته بأوراقها وسَتَرته فروعها. (﴿أَوۡ یَزِیدُونَ﴾[الصافات:١٤٧]): قيل: للإبْهام على السَّامع، وقيل: بمعنى الواو.
1. قال المازري: «كان بعض شيوخي يقول: يحتمل أن يريد: لا تفضلوا بين أنبياء الله تفضيلا يؤدي إلى نقص بعضهم، وقد خرج الحديث على سبب، وهو لطم الأنصاري وجه اليهودي، فقد يكون ﷺ خاف أن يفهم من هذه الفعلة انتقاص حق موسى عليه السلام، فنهى عن التفضيل المؤدي إلى نقص بعض الحقوق».
2. قال الملا علي قاري: «إنما خص يونس عليه السلام بالذكر من بين الرسل لما قص الله في كتابه من أمر يونس وتوليه عن قومه وضجرته عن تثبطهم في الإجابة، وقلة الاحتمال عنهم، والاحتفال بهم حين راموا التنصل، فقال عز من قائل: (ولا تكن كصاحب الحوت)، وقال: (وهو مليم) فلم يأمن ﷺ أن يخامر بواطن الضعفاء من أمته، ما يعود إلى نقيصة في حقه، فنبأهم أن ذلك ليس بقادح فيما آتاه الله من فضله، وأنه مع ما كان من شأنه كسائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين، وهذا قول جامع في بيان ما ورد في هذا الباب».

١١- بابُ ذِكْرِ داودَ وسُلَيمانَ ﵉


١٥٦٣. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «خُفِّفَ عَلَى دَاوُدَ القُرْآنُ، فَكَانَ يَأْمُرُ بِدَوَابِّهِ فَتُسْرَجُ، فَيَقْرَأُ القُرْآنَ قَبْلَ أَنْ تُسْرَجَ دَوَابُّهُ، وَلَا يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ». [خ: ٣٤١٧]
1. في الحديث: وقوع البركة في الزمن اليسير حتى يقع فيه العمل الكثير.

١٥٦٤. [ق] وعنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ البَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ صَلَاتِي، فَأَمْكَنَنِي اللهُ مِنْهُ فَأَخَذْتُهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبُطَهُ عَلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ حَتَّى تَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ دَعْوَةَ أَخِي سُلَيْمَانَ: رَبِّ ﴿هَبۡ لِی مُلۡكࣰا لَّا یَنۢبَغِی لِأَحَدࣲ مِّنۢ بَعۡدِیۤ﴾ [ص:٣٥] فَرَدَدْتُهُ خَاسِئًا». [خ: ٣٤٢٣]
1. فيه وفاء النبي صلى الله عليه وسلم وحسن خلقه، ورعايته لنبي الله سليمان عليه السلام.
2. وفيه: مشروعية ربط الأسير في المسجد، وبقائه فيه.
3. وفيه العمل في الصلاة لمصلحتها، من غير قصد العبث فيها، ولا التهاون بها.
4. وفيه دفع المؤذي في الصلاة، حتى وإن لم يندفع إلا بعنف وشدة دفع.

١٥٦٥. [ق] وعنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً، تَحْمِلُ كُلُّ امْرَأَةٍ فَارِسًا يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ. فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ قُلْ: إِنْ شَاءَ اللهُ. فَلَمْ يَفعلْ، فلَمْ تَحْمِلْ شَيْئًا إِلَّا وَاحِدًا، سَاقِطًا أَحَدُ شِقَّيْهِ». فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَوْ قَالَهَا لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ». [خ: ٣٤٢٤]
1. قال ابن حجر: «في الحديث فعل الخير، وتعاطي أسبابه».
2. قال ابن حجر: «في الحديث أن كثيرا من المباح والملاذ يصير مستحبا بالنية والقصد».
3. قال ابن حجر: «في الحديث جواز السهو على الأنبياء، وأن ذلك لا يقدح في علو منصبهم».
4. قال ابن حجر: «في الحديث استعمال الكناية في اللفظ الذي يستقبح ذكره لقوله: (لأطوفن) بدل قوله لأجامعن».
5. قوله: (تحمل كل امرأة فارس) قال النووي: «هذا قاله على سبيل التمني للخير، وقصد به الآخرة والجهاد في سبيل الله تعالى لا لغرض الدنيا».
6. قوله: (لو قالها لجاهدوا في سبيل الله) قال النووي: «هذا محمول على أن النبي صلى الله عليه وسلم أوحي إليه بذلك في حق سليمان، لا أن كل من فعل هذا يحصل له هذا».

١٥٦٦. [ق] وعنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَجَعَلَ الفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ تَقَعُ فِي النَّارِ». وقال: «كَانَتِ امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا، فَجَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ صَاحِبَتُهَا: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ. وَقَالَتِ الأُخْرَى: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ. فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ، فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى، فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ فَأَخْبَرَتَاهُ، فَقَالَ: ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ/ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا. فَقَالَتِ الصُّغْرَى: لَا تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ اللهُ، هُوَ ابْنُهَا. فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى». قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاللهِ إِنْ سَمِعْتُ بِالسِّكِّينِ إِلَّا يَوْمَئِذٍ، وَمَا كُنَّا نَقُولُ إِلَّا المُدْيَةُ. [خ: ٣٤٢٦- ٣٤٢٧]
الغريب: (القرآن) الأوَّل بمعنى: القراءة، والثَّاني: يعني به: الزَّبور الَّذي قال الله فيه: ﴿وَءَاتَیۡنَا دَاوُۥدَ زَبُورࣰا﴾ [النساء:١٦٣]، والزُّبُر: هو الكتاب، والزَّبور بمعنى: المزبُورُ، وهو المكتوب. ويعني بـ(الدَّواب): الخيل المعدَّة للجهاد، وعمل يد داود كان في الدُّروع؛ كما قال تعالى: ﴿وَعَلَّمۡنَـٰهُ صَنۡعَةَ لَبُوسࣲ﴾ [الأنبياء:٨٠]، وقال: ﴿أَنِ ٱعۡمَلۡ سَـٰبِغَـٰتࣲ وَقَدِّرۡ فِی ٱلسَّرۡدِ﴾ [سبأ:١١]. و(العِفْرِيت) مِن الجنِّ والإنْس: المتمرِّد الشديد الشَّرِّ، واختلاف داود وسليمان في الحُكم يدلُّ على تصويب المجتهدين.
1. قال ابن العربي: «المقصود أن الخلق لا يأتون ما يجرهم إلى النار على قصد الهلكة، وإنما يأتونه على قصد المنفعة واتباع الشهوة، كما أن الفراش يقتحم النار لا ليهلك فيها بل لما يعجبه من الضياء».
2. قال النووي: «فيه استعمال الحيل في الأحكام لاستخراج الحقوق، ولا يتأتى ذلك إلا بمزيد الفطنة وممارسة الأحوال».
3. قال ابن حجر: «استنبط النسائي في السنن الكبرى من هذا الحديث أشياء نفسية فترجم: نقض الحاكم ما حكم به غيره ممن هو مثله أو أجل إذا اقتضى الأمر ذلك».
4. ترجم النسائي في السنن الكبرى: «الحكم بخلاف ما يعترف به المحكوم له إذا تبين للحاكم أن الحق غير ما اعترف به».
5. قوله: (ائتوني بالسكين أشق الغلام بينهما)، ترجم النسائي: «التوسعة للحاكم أن يقول للشيء الذي لا يفعله أفعل ليستبين له الحق».
6. قوله: (لو كان ابنك لم ترض أن يقطع) ترجم النسائي: «الفهم في القضاء والتدبر فيه والحكم بالاستدلال».
7. وفي الحديث أن الفطنة والفهم موهبة من الله، لا يتعلق بكبر سن ولا صغره.

١٢- بابُ ذِكْرِ لُقْمَانَ، وقولِهِ: ﴿وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا لُقۡمَـٰنَ ٱلۡحِكۡمَةَ﴾ [لقمان:١٢]


١٥٦٧. [ق] عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابن مسعودٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ ﴿ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَلَمۡ یَلۡبِسُوۤا۟ إِیمَـٰنَهُم بِظُلۡمٍ ﴾[الأنعام:٨٢] شَقَّ ذَلِكَ عَلَى المُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ فقَالَ: «لَيْسَ ذَلِكَ؛ إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ؛ أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ: ﴿یَـٰبُنَیَّ لَا تُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِیمࣱ﴾ [لقمان:١٣]». [خ: ٣٤٢٩]
1. قال ابن كثير رحمه الله: «هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك له، ولم يشركوا به شيئا هم الآمنون يوم القيامة، المهتدون في الدنيا والآخرة".
2. قال الشيخ السعدي: «فإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بظلم مطلقا، لا بشرك، ولا بمعاص؛ حصل لهم الأمن التام، والهداية التامة، وإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بالشرك وحده، ولكنهم يعملون السيئات، حصل لهم أصل الهداية، وأصل الأمن، وإن لم يحصل لهم كمالهما»
.
3. أهمية الرجوع لأهل العلم الراسخين عند الاشتباه، وهذا ما فعله الصحابة-رضي الله عنهم- حين رجعوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيما شق عليهم وفهموه ثم بين لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - غير ما فهموه.
4. أهمية جمع النصوص بعضها لبعض ليتضح المراد، فالصحابة فهموا الظلم على أنه المعاصي والنبي - صلى الله عليه وسلم - جاء لهم من النصوص ما يدل على أن الظلم يطلق على الشرك أيضا.
5. قال ابن عثيمين: «ينبغي للإنسان وإن كان موثوقا عند الناس أن يذكر مستنده؛ لأن ذلك أبلغ في طمأنينة المخاطب».
6. الحديث دليل على نوع من أنواع التفسير وهو أشرفها وأهمها وهو تفسير القرآن بالقرآن، وهذا ظاهر من تفسير النبي - صلى الله عليه وسلم - للآية التي شقت على الصحابة - رضى الله عنهم - بآية أخرى.

تنبيه: قال ابن المسيِّب: كان لُقْمَان أسود نُوبِـيًّا، مِن سودان مصر، ذا مَشَافِرَ، وكان خيَّاطًا، وقيل: نجَّارًا. ابن عبَّاس: كان راعيًا. و(الحِكمة): النُّبوَّة. عن عِكْرمة: وقيل: هي الفهم عَنِ الله، والعمل على مقتضاه. ورُوي عَنِ النَّبيِّ ﷺ: أنَّ لقمان لم يكن نبيًّا ولكن عبدًا صَمْصَامةً، كثير التَّفكُّر، حسن اليقين، أحبَّ اللهَ فأحبَّهُ، وخُيِّر في النَّوم بين الخلافة والحكمة، فقال: إنْ كان عزمًا فسمعًا وطاعةً، وإلَّا فأختار العافية. وأصل (الظُّلم): وضعُ الشيء غير موضعه، وقد تقدَّم.

١٣- بابُ ذِكْرِ زكريَّا ويحيى ﵉،


وقولِهِ تعالى: ﴿یَـٰزَكَرِیَّاۤ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَـٰمٍ ٱسۡمُهُۥ یَحۡیَىٰ لَمۡ نَجۡعَل لَّهُۥ مِن قَبۡلُ سَمِیࣰّا﴾/ [مريم:٧]
١٥٦٨. عن مالك بن صَعْصَعَة-في حديث الإسراء، وسيأتي إنْ شاء الله [ر:١٧٨٣]- أنَّ النَّبيَّ ﷺ خَبَّرهم عَنْ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ: «ثُمَّ صَعِدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ فَاسْتَفْتَحَ، فقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ وذكره: فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا يَحْيَى وَعِيسَى وَهُمَا ابْنَا خَالَةٍ، قَالَ: هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا، فَسَلَّمْتُ فَرَدَّا، ثُمَّ قَالَا: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ».
1. قال ابن حجر: «فيه تلقي أهل الفضل بالبشر والترحيب والثناء والدعاء».
2. قال ابن حجر: «فيه جواز مدح الإنسان المأمون عليه الافتتان في وجهه».
3. قال ابن حجر: «قيل اقتصر الأنبياء على وصفه بهذه الصفة وتواردوا عليها؛ لأن الصلاح صفة تشمل خلال الخير، ولذلك كررها كل منهم عند كل صفة، والصالح هو الذي يقوم بما يلزمه من حقوق الله وحقوق العباد، فمن ثمَّ كانت كلمة جامعة لمعاني الخير».

١٤- بابُ ذِكْرِ عِيْسى وَمَرْيمَ وآسِيَة،


وقوله: ﴿وَٱذۡكُرۡ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ مَرۡیَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتۡ مِنۡ أَهۡلِهَا مَكَانࣰا شَرۡقِیࣰّا﴾ [مريم:١٦]
١٥٦٩. [ق] عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «ومَا مِنْ ابن آدَمَ مَوْلُودٌ إِلَّا يَمَسُّهُ الشَّيْطَانُ حِينَ يُولَدُ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ، غَيْرَ مَرْيَمَ وَابْنِهَا». ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ:
﴿إِنِّیۤ أُعِیذُهَا بِكَ وَذُرِّیَّتَهَا مِنَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ ٱلرَّجِیمِ﴾ [آل عمران:٣٦]. [خ: ٣٤٣١]
١٥٧٠. [ق] وعن عليٍّ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله ﷺ، يَقُولُ: «خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ». [خ:٣٤٣٢]
١٥٧١. [ق] وعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ، كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ». [خ: ٣٤٣٣]
• [خت] وعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ، يَقُولُ: «نِسَاءُ قُرَيْشٍ خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ، أَحْنَاهُ عَلَى طِفْلٍ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ». [خت: ٣٤٣٤]
• [خت] يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ: (وَلَمْ تَرْكَبْ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ بَعِيرًا قَطُّ).
الغريب: الهاء في (نِسائها) للدُّنيا، وهي وإن لم يجْرِ لها ذكر لكنَّها يفسِّرها الحال والمشاهدة، ويعني بذلك: أنَّ كلَّ واحدة منهما خير نساء عالمها في وقتها، والله أعلم. و(أحْناه): أشفقهُ وأرحمهُ. و(أرعاه): وأحفظهُ.
1. قال ابن القيم: «الثريد مركَّب من لحم وخبز، واللحم سيد الآدام، والخبز سيد الأقوات، فإذا اجتمعا لم يكن بعدها غاية».
2. قال النووي: «قال العلماء: معناه أن الثريد من كلّ الطعام أفضل من المرق، فثريد اللحم أفضل من مرقه بلا ثريد، وثريد ما لا لحم فيه أفضل من مرقه، والمراد بالفضيلة: نفعه والشبع منه، وسهولة مساغه والالتذاذ به، وتيسر تناوله، وتمكن الإنسان من أخذ كفايته منه بسرعة، وغير ذلك، فهو أفضل من المرق كله ومن سائر الأطعمة، وفضل عائشة رضي الله عنها على النساء زائد كزيادة فضل الثريد على غيره من الأطعمة».
3. قال النووي: «قوله صلى الله عليه وسلم: (خير نساء ركبن الإبل نساء قريش أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده) فيه فضيلة نساء قريش، وفضل هذه الخصال، وهي الحنوة على الأولاد، والشفقة عليهم، وحسن تربيتهم، والقيام عليهم إذا كانوا يتامى. ونحو ذلك مراعاة حق الزوج في ماله، وحفظه، والأمانة فيه، وحسن تدبيره في النفقة وغيرها، وصيانته، ونحو ذلك».

١٥- بابٌ: في وَصْفِ عِيسى ﵇ والتَّحذيرِ مِن الغُلُوِّ فيهِ،/


وقولِهِ تعالىَ: ﴿یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ لَا تَغۡلُوا۟ فِی دِینِكُمۡ وَلَا تَقُولُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّۚ﴾
إلى قوله: ﴿وَكِیلࣰا ﴾ [النساء:١٧١]
١٥٧٢. [ق] عَنْ عُبَادَةَ بنِ الصَّامتِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ العَمَلِ». [خ: ٣٤٣٥]
• [خت] وفي رواية: «أدخله الله من أبواب الجنَّةِ الثَّمانية أيَّها شاءَ». [خت: ٣٤٣٥]
١٥٧٣. وعن عُمَرَ بنِ الخطَّابِ أنَّه قالَ عَلَى المِنْبَرِ: سَمِعْتُ رَسُول اللهِ ﷺ يَقُولُ: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ». [خ: ٣٤٤٥]
١٥٧٤. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ». [خ: ٣٤٤٣]
1. قال النووي: «قال العلماء: «أولاد العلات بفتح العين المهملة وتشديد اللام هم الإخوة لأب من أمهات شتى، وأما الإخوة من الأبوين فيقال لهم أولاد الأعيان».
2. قال النووي: «قال جمهور العلماء: «معنى الحديث أصل إيمانهم واحد، وشرائعهم مختلفة، فإنهم متفقون في أصول التوحيد، وأما فروع الشرائع فوقع فيها الاختلاف».

• [ق] وفي رواية: «ليس بيني وبينه نبيٌّ». [خ:٣٤٤٢]
• [ق] وفي حديث الإسْراء مِن حديث أَبي هُرَيْرَةَ أنَّه ﷺ لَقِيَ عِيْسَى فَنَعَتَهُ؛ فَقَالَ: «رَبْعَةٌ أَحْمَرُ، كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ». يعني: الحَمَّامَ. [ر:١٥٥٦]
• [ق] ومِن حديث ابن عُمَر: قال ﷺ: «وَأَرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الكَعْبَةِ فِي المَنَامِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ، كَأَحْسَنِ مَا يُرَى مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ، تَضْرِبُ لِمَّتُهُ بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ، رَجِلُ الشَّعَرِ، يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ وَهُوَ يَطُوفُ بِالبَيْتِ». [خ: ٣٤٤٠]
١٥٧٥. [ق] وعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «تُحْشَرُونَ حُفَاةً، [عُراةً] غُرْلًا، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿كَمَا بَدَأۡنَاۤ أَوَّلَ خَلۡقࣲ نُّعِیدُهُۥ وَعۡدًا عَلَیۡنَاۤ إِنَّا كُنَّا فَـٰعِلِینَ﴾ [الأنبياء:١٠٤] فأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ، ثُمَّ يُؤْخَذُ بِرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِي ذَاتَ اليَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ: أَصْحَابِي، فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ العَبْدُ الصَّالِحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ: ﴿وَكُنتُ عَلَیۡهِمۡ شَهِیدࣰا مَّا دُمۡتُ فِیهِمۡ فَلَمَّا تَوَفَّیۡتَنِی كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِیبَ عَلَیۡهِمۡ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ شَهِیدٌ ۝١١٧ إِن تُعَذِّبۡهُمۡ فَإِنَّهُمۡ عِبَادُكَ وَإِن تَغۡفِرۡ لَهُمۡ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ ۝١١٨﴾ [المائدة:١١٧-١١٨]». قال قَبِيْصَة: هُمُ المُرْتَدُّونَ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى/ عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ، فَقَاتَلَهُمْ أَبُو بَكرٍ. [خ: ٣٤٤٧]
1. قوله:(ويفيض المال) قال النووي: «معناه يكثر وتنزل البركات وتكثر الخيرات بسبب العدل وعدم التظالم وتقيء الأرض أفلاذ كبدها كما جاء في الحديث الآخر وتقل أيضا الرغبات لقصر الآمال وعلمهم بقرب الساعة فإن عيسى - صلى الله عليه وسلم - علم من أعلام الساعة».
2. قوله: (ويفيض المال حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها)، قال القرطبي: «معنى الحديث أن الصلاة حينئذ تكون أفضل من الصدقة لكثرة المال إذ ذاك وعدم الانتفاع به حتى لا يقبله أحد».

١٥٧٦. [ق] وعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ المَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ إِلَّا لَیُؤۡمِنَنَّ بِهِۦ قَبۡلَ مَوۡتِهِۦ وَیَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ یَكُونُ عَلَیۡهِمۡ شَهِیدࣰا ۝١﴾ [النساء:١٥٩]. [خ: ٣٤٤٨]
١٥٧٧. [ق] وعنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ، وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ». [خ: ٣٤٤٩]
الغريب: (لَيُوشِكَنَّ) أي: لا بدَّ مِن ذلك سريعًا. و(يضع الجِزية): قيل: يضربها على مَن لم يؤمن، وقيل: لا يأخذها لعدم احتياج النَّاس إليها؛ لِمَا تُخرِجُ الأرض مِن زكاتها، ولِمَا تُلقيهِ مِن بطنها مِن الأموال، وإلى هذا أشار بقوله: (ويفيض المال) كما قد جاء مُفَسَّرًا في غير هذا الحديث. (﴿وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ﴾ [النساء:١٥٩]) (إنْ) بمعنى: ما؛ أي: لا يبقى أحدٌ مِن النَّصارى واليَهُود إلَّا آمن بعيسى عند نزوله، وقتله الخنزير ووضعه الجزية. هذا أحسن ما قيل فيه. و(إِمَامُكم مِنكم) أي: رجل منكم؛ أي: لا يتأمَّر عليكم ولا يؤمُّكم، كما قد جاء في «مُسْلِم» أنَّه يُقال له: (تعالَ صَلِّ لنا، فيقول: لا، إنَّ بعضكم على بعضٍ أمراءُ؛ تكْرِمَةَ الله هذه الأُمَّة).

١٦- بابٌ: في قولهِ تَعَالى في عيسىَ: ﴿وَیُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِی ٱلۡمَهۡدِ وَكَهۡلࣰا﴾ [آل عمران:٤٦]


١٥٧٨. [ق] عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي المَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ: عِيسَى، وَكَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ -يُقَالُ لَهُ: جُرَيْجٌ- يُصَلِّي، جَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ، فَقَالَ: أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي؟ فَقَالَت: اللهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ المُومِسَاتِ. وَكَانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ، فَتَعَرَّضَتْ لَهُ امْرَأَةٌ فَكَلَّمَتْهُ فَأَبَى، فَأَتَتْ رَاعِيًا فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَلَدَتْ غُلَامًا، فَقِيْلَ لَهَا: مِمَّنْ؟ فَقَالَتْ: مِنْ جُرَيْجٍ. فَأَتَوْهُ فَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ وَأَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ، وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ أَتَى الغُلَامَ فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ يَا غُلَامُ؟ فقَالَ: الرَّاعِي. قَالُوا: نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ/ مِنْ ذَهَبٍ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا مِنْ طِينٍ. وَكَانَتِ امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنًا لَهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ، فَقَالَت: اللهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ، فَتَرَكَ ثَدْيَهَا وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّاكِبِ. فَقَالَ: اللهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهَا يَمَصُّهُ -قَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ يَمَصُّ إِصْبَعَهُ- ثُمَّ مُرَّ بِأَمَةٍ، فَقَالَت⁽¹⁾: اللهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَ هَذِهِ، فَتَرَكَ ثَدْيَهَا، فَقَالَ: اللهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا. فَقَالَتْ: لِمَ ذَاكَ؟ فَقَالَ: الرَّاكِبُ جَبَّارٌ مِنَ الجَبَابِرَةِ، وَهَذِهِ الأَمَةُ يُقال لَهَا: سَرَقْتِ زَنَيْتِ، وَلَمْ تَفْعَلْ». [خ: ٣٤٣٦]
الغريب: (المُومِسَاتُ): جمع مُومِسة، وهي الزَّانية. و(الشَّارة): الهيئة الحَسَنَة التي يُتعجَّب منها ويُشار إليها.
1. قال العلماء: «هذا دليل على أنه كان الصواب في حقه إجابتها لأنه كان في صلاة نفل، والاستمرار فيها تطوع لا واجب، وإجابة الأم وبرها واجب، وعقوقها حرام، وكان يمكنه أن يخفف الصلاة ويجيبها ثم يعود لصلاته، فلعله خشي أنها تدعوه إلى مفارقة صومعته، والعود إلى الدنيا ومتعلقاتها وحظوظها، وتضعف عزمه فيما نواه وعاهد عليه».
2. قال النووي: «قوله في الجارية التي نسبوها إلى السرقة ولم تسرق: (اللهم اجعلني مثلها) أي اللهم اجعلني سالما من المعاصي كما هي سالمة، وليس المراد مثلها في النسبة إلى باطل تكون منه بريا».
3. قال النووي: «وفي الحديث: عظم بر الوالدين، وتأكد حق الأم، وأن دعاءها مجاب، وأنه إذا تعارضت الأمور بدئ بالأهم».
4. قال النووي: «فيه أن الله تعالى يجعل لأوليائه مخارج عند ابتلائهم بالشدائد غالبا، قال الله تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) وقد يجري عليهم الشدائد بعض الأوقات زيادة في أحوالهم، وتهذيبا لهم، فيكون لطفا».
5. قال النووي: «وفيه استحباب الوضوء للصلاة عند الدعاء بالمهمات».
6. قال النووي: «وفيه أن الوضوء كان معروفا في شرع من قبلنا، فقد ثبت في هذا الحديث في كتاب البخاري فتوضأ وصلى».
7. وفيه أن صاحب الصدق مع الله تعالى لا تضره الفتن.

١ النبي الذي كان لا يأكل إلا من عمل يده هو:

٥/٠