(٤٤) [كِتابُ فَضَائِلِ الصَّحابَةِ]


١- بابُ إِخبارِ النَّبيِّ ﷺ عَن أَحْوالِ الصَّحابةِ/ مِن بَعْدِه، وفَضَائِلِهم


ومَن صَحِبَ النَّبيَّ ﷺ أَو رآهُ مِنَ المسلمينَ فهو مِن أَصْحابِهِ.
١٦٤١. [ق] عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْريِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيَقُولُونَ: فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللهِ ﷺ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ». [خ: ٣٦٤٩]
١٦٤٢. [ق] وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي؛ فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ». [خ: ٣٦٧٣]
• وقد تقدَّم قولُ النَّبيِّ ﷺ: «خَيرُ أمَّتي قَرني، ثمَّ الَّذين يَلُونهم»[١٢٨٨-١٢٨٩].
(الفِئام): الجماعاتُ مِن النَّاس، بهمز اليَاء، ولا واحدَ له مِن لفظه.
1. قال النووي: «واعلم أن سب الصحابة رضي الله عنهم حرام من فواحش المحرمات، سواء من لابس الفتن منهم وغيره؛ لأنهم مجتهدون في تلك الحروب، متأولون».
2. قال النووي: «وسبب تفضيل نفقتهم أنها كانت في وقت الضرورة وضيق الحال، بخلاف غيرهم، ولأن إنفاقهم كان في نصرته ﷺ وحمايته، وذلك معدوم بعده، وكذا جهادهم وسائر طاعتهم، وقد قال الله تعالى: { لَا یَسۡتَوِی مِنكُم مَّنۡ أَنفَقَ مِن قَبۡلِ ٱلۡفَتۡحِ وَقَـٰتَلَۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَعۡظَمُ دَرَجَةࣰ} [سورة الحديد:10]. ، هذا كله مع ما كان في أنفسهم من الشفقة والتودد والخشوع والتواضع والإيثار والجهاد في الله حق جهاده، وفضيلة الصحبة، ولو لحظة لا يوازيها عمل، ولا تنال درجتها بشيء، والفضائل لا تؤخذ بقياس: {ذَ ٰ⁠لِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ یُؤۡتِیهِ مَن یَشَاۤءُۚ}»

٢- بابُ فَضائل أَبِي بَكرٍ الصِّدِّيقِ، وقولِهِ تَعالىَ: ﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ثَانِیَ ٱثۡنَیۡنِ إِذۡ هُمَا فِی ٱلۡغَارِ﴾ [التوبة:٤٠]


• [خت] وقَالَتْ عَائِشَةُ وَأَبُو سَعِيدٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي الغَار. (خ:٣٩٠٥)
١٦٤٣. [ق] وعَن أنسِ بنِ مالكٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَأَنَا فِي الغَارِ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا. فَقَالَ: «مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا؟». [خ: ٣٦٥٣]
• وقد تقدَّم قَوْلُهُ: «لا تَحْزَن إنَّ الله معنا» [ر:١٦٣١].
1. قال النووي: «في الحديث بيان عظيم توكل النبي ﷺ حتى في هذا المقام».
2. قال النووي: «وفيه فضيلة لأبي بكر رضي الله عنه، وهي من أجل مناقبه، والفضيلة من أوجه: منها هذا اللفظ، ومنها بذله نفسه، ومفارقته أهله وماله ورياسته في طاعة الله تعالى ورسوله، وملازمة النبي ﷺ، ومعاداة الناس فيه، ومنها جعله نفسه وقاية عنه وغير ذلك».
3. { لا تَحْزَن إنَّ الله معنا } قال ابن القيم: «من صحب الرسول وما جاء به بقلبه وعمله وإن لم يصحبه ببدنه فإن الله معه».

١٦٤٤. [ق] وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ النَّاسَ فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ ذَلِكَ العَبْدُ مَا عِنْدَ اللهِ». قَالَ: فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، فَعَجِبْنَا لِبُكَائِهِ أَنْ يُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنْ عَبْدٍ خُيِّرَ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ هُوَ المُخَيَّرَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ، لَا يَبْقَيَنَّ فِي المَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ». [خ: ٣٦٥٤]
• وفي روايةِ ابنِ عبَّاسٍ: «وَلَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي». [خ:٣٦٥٦]
• وفي روايةٍ: «وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلَامِ أَفْضَلُ». [خ:٣٦٥٧]/
1. في الحديث الترغيب في اختيار ما في الآخرة على ما في الدنيا.
2. قال النووي: «وكان أبو بكر رضي الله عنه علم أن النبي ﷺ هو العبد المخير، فبكى حزنا على فراقه، وانقطاع الوحي، وغيره من الخير دائما، وإنما قال ﷺ: (إن عبدا) وأبهمه، لينظر فهم أهل المعرفة، ونباهة أصحاب الحذق».
3. قوله: (إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ) قال النووي: «قال العلماء: معناه أكثرهم جودا وسماحة لنا بنفسه وماله، وليس هو من المن الذي هو الاعتداد بالصنيعة؛ لأنه أذى مبطل للثواب، ولأن المنة لله ولرسوله ﷺ في قبول ذلك، وفي غيره».
4. وفيه دليل على أن أبا بكر رضي الله عنه أعلم الصحابة.
5. وفيه: تعريضٌ بالخلافة لأبي بكرٍ بعد النّبيّ ﷺ.
6. وفيه شكر المحسن، والتنويه بفضله والثناء عليه.

١٦٤٥. [ق] وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَتِ امْرَأَةٌ إلى النَّبِيِّ ﷺ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، قَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ؟ كَأَنَّهَا تَقُولُ: المَوْتَ. قَالَ: «فَإِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ». [خ:٣٦٥٩]
١٦٤٦. وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتيهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ». فَسَلَّمَ وَقَالَ: إِنِّي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الخَطَّابِ شَيْءٌ، فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ ثُمَّ نَدِمْتُ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي فَأَبَى عَلَيَّ، فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ، فَقَالَ: «يَغْفِرُ اللهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ». ثَلَاثًا، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ، فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ فقال: أَثَّمَ أَبُو بَكْرٍ؟ قَالُوا: لَا. فَأَتَى إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَسَلَّمَ، فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ ﷺ يَتَمَعَّرُ، حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ، فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ. مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّ اللهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ: كَذَبَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي؟». مَرَّتَيْنِ، فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا.[خ: ٣٦٦١]
1. في الحديث بيان ما كان عليه النبي ﷺ من مراعاة الصحبة.
2. قال ابن بطال: «وفيه الحكم لكل رجل بما يُعلم من خُلُقه».
3. قال ابن حجر: «فيه: أنّ الفاضل لا ينبغي له أن يغاضب من هو أفضل منه».
4. قال ابن حجر: «في الحديث جواز مدح المرء في وجهه، ومحله إذا أمن عليه الافتتان والاغترار».
5. قال ابن حجر: «في الحديث ما طبع عليه الإنسان من البشرية حتى يحمله الغضب على ارتكاب خلاف الأولى، لكن الفاضل في الدين يسرع الرجوع إلى الأولى، كقوله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِینَ ٱتَّقَوۡا۟ إِذَا مَسَّهُمۡ طَـٰۤىِٕفࣱ مِّنَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ تَذَكَّرُوا۟ فَإِذَا هُم مُّبۡصِرُونَ} [سورة الأعراف:201]».
6. قال ابن حجر: «في الحديث استحباب سؤال الاستغفار والتحلل من المظلوم».

١٦٤٧. [ق] وعَنْ عَمرو بنِ العَاصِي أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عَائِشَةُ». فَقُلْتُ: فَمِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: «أَبُوهَا». قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ». فَعَدَّ رِجَالًا. [خ: ٣٦٦٢]
1. قال ابن حجر: «هذا تصريح بعظيم فضائل أبي بكر، وعمر وعائشة رضي الله عنهم وفيه دلالة بينة لأهل السنة في تفضيل أبي بكر ثم عمر، على جميع الصحابة رضوان الله عليهم».

١٦٤٨. [ق] وعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «بَيْنَا رَاعٍ فِي غَنَمِهِ عَدَا عَلَيْهِ الذِّئْبُ، فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً، فَطَلَبَهُ الرَّاعِي، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الذِّئْبُ فَقَالَ: مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ، يَوْمَ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ غَيْرِي؟! وَبَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً قَدْ حَمَلَ عَلَيْهَا، فَالْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَكَلَّمَتْهُ فَقَالَتْ: إِنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا، لَكِنِّي خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ». فقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللهِ. فقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «فَإِنِّي أُومِنُ بِذَلِكَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ».[خ: ٣٦٦٣]
1. في الحديث بيان فضل الشيخين رضي الله عنهما؛ لأنه ﷺ نزّلهما بمنزلة نفسه، وهي من أعظم الخصائص.
2. قوله ﷺ: في كلام البقرة وكلام الذئب وتعجب الناس من ذلك، (فَإِنِّي أُومِنُ بِذَلِكَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ) قال النووي: «قال العلماء: إنما قال ذلك ثقة بهما لعلمه بصدق إيمانهما، وقوة يقينهما، وكمال معرفتهما لعظيم سلطان الله وكمال قدرته، ففيه فضيلة ظاهرة لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما».
3. وفيه جواز التعجب من خوارق العادات، وتفاوت الناس في المعارف.

١٦٤٩. [ق] وَعَنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ عَلَيْهَا دَلْوٌ، فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، فَنَزَعَ بِهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ ضَعْفَهُ، فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا، فَأَخَذَهَا ابْنُ الخَطَّابِ، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ/ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ». [خ: ٣٦٦٤]
1. قال النووي: «قال العلماء: هذا المنام مثال واضح لما جرى لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما في خلافتهما، وحسن سيرتهما، وظهور آثارهما، وانتفاع الناس بهما، وكل ذلك مأخوذ من النبي ﷺ، ومن بركته، وآثار صحبته، فكان النبي ﷺ هو صاحب الأمر، فقام به أكمل قيام، وقرر قواعد الإسلام، ومهد أموره، وأوضح أصوله وفروعه، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وأنزل الله تعالى: {ٱلۡیَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِینَكُمۡ } [سورة المائدة:3]. ثم توفي ﷺ، فخلفه أبو بكر رضي الله عنه سنتين وأشهرا، وهو المراد بقوله ﷺ: (ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ) وهذا شك من الراوي، والمراد ذنوبان كما صرح به في الرواية الأخرى، وحصل في خلافته قتال أهل الردة وقطع دابرهم، واتساع الإسلام، ثم توفي فخلفه عمر رضي الله عنه، فاتسع الإسلام في زمنه، وتقرر لهم من أحكامه ما لم يقع مثله، فعبر بالقليب عن أمر المسلمين لما فيها من الماء الذي به حياتهم وصلاحهم، وشبه أميرهم بالمستقي لهم، وسقيه هو قيامه بمصالحهم وتدبير أمورهم».
2. قال الإمام الشافعي: «ومعنى قوله: (وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ): قصر مدته وعجلة موته وشغله بالحرب لأهل الردة عن الافتتاح والازدياد الذي بلغه عُمَر في طول مدته».
3. قال النووي: «وأما قوله ﷺ: (وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ) فليس فيه تنقيص له، ولا إشارة إلى ذنب، وإنما هي كلمة كان المسلمون يدعمون بها كلامهم، ونعمت الدعامة، وقد سبق في الحديث في «صحيح مسلم» أنها كلمة كان المسلمون يقولونها: (افعل كذا، والله يغفر لك)، قال العلماء: وفي كل هذا إعلام بخلافة أبي بكر وعمر، وصحة ولايتهما، وبيان صفتها، وانتفاع المسلمين بها».
4. قال ابن حجر: «في الحديث إعلام بخلافتهما وصحة ولايتهما وكثرة الانتفاع بهما فكان كما قال».

١٦٥٠. [ق] وعَن أَبي هُريرةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِنْ شَيْءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ فِي سَبِيلِ اللهِ، دُعِيَ مِنْ أَبْوَابِ -يَعْنِي الجَنَّةَ-: يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا خَيْرٌ. فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصِّيَامِ بَابِ الرَّيَّانِ». فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا عَلَى هَذَا الَّذِي يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ. وَقَالَ: هَلْ يُدْعَى مِنْهَا كُلِّهَا أَحَدٌ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فقَالَ: «نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ». [خ: ٣٦٦٦]
1. قوله: (نودي في الجنة: يا عبد الله، هذا خير) قال النووي: «قيل: معناه: لك هنا خير وثواب وغبطة، وقيل: معناه هذا الباب فيما نعتقده خير لك من غيره من الأبواب لكثرة ثوابه ونعيمه، فتعال فادخل منه، ولا بد من تقدير ما ذكرناه أن كل مناد يعتقد ذلك الباب أفضل من غيره».
2. قوله ﷺ في صاحب الصوم: (دعي من باب الريان) قال العلماء: «سمي باب الريان تنبيها على أن العطشان بالصوم في الهواجر سيروى وعاقبته إليه، وهو مشتق من الري».
3. فيه أن من أكثر من شيء عُرِف به.
4. فيه أن الملائكة يحبون صالحي بني آدم ويفرحون بهم.
5. فيه أن أعمال البر لا تُفتح في الأغلب للإنسان الواحد في جميعها، وإن فُتِحَ له في شيء حُرِم غيرها في الأغلب، وأنه قد يفتح جميعها للقليل من الناس، وإن الصديق رضي الله عنه منهم.

١٦٥١. وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحَنَفِيَّةِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ. قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: عُمَرُ. وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ: عُثْمَانُ، قُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ؟ قَالَ: مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ. [خ: ٣٦٧١]
1. قال النووي: «وفي هذا الحديث فضيلة أبي بكر وعمر، وشهادة علي لهما، وحسن ثنائه عليهما، وصدق ما كان يظنه بعمر قبل وفاته رضي الله عنهم أجمعين».
2. قال ابن تيمية: «قد تواتر عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول على منبر الكوفة خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر روي ذلك عنه من أكثر من ثمانين وجها، ورواه البخاري وغيره ولهذا كانت الشيعة المتقدمون كلهم متفقين على تفضيل أبي بكر وعمر كما ذكر ذلك غير واحد».

١٦٥٢. [ق] وعَنْ أَبي مُوسى الأشْعريِّ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ خَرَجَ، فَقُلْتُ: لَأَلْزَمَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، وَلَأَكُونَنَّ مَعَهُ يَوْمِي هَذَا. قَالَ: فَجَئْتُ المَسْجِدَ، فَسَأَلْتُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالُوا: خَرَجَ وَجْهَ هَاهُنَا، فَخَرَجْتُ عَلَى إِثْرِهِ أَسْأَلُ عَنْهُ، حَتَّى دَخَلَ بِئْرَ أَرِيسٍ، فَجَلَسْتُ عِنْدَ البَابِ، وَبَابُهَا مِنْ جَرِيدٍ، حَتَّى قَضَى رَسُولُ اللهِ ﷺ حَاجَتَهُ فَتَوَضَّأَ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى بِئْرِ أَرِيسٍ وَتَوَسَّطَ قُفَّهَا، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ وَدَلَّاهُمَا فِي البِئْرِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ فَجَلَسْتُ عِنْدَ البَابِ، فَقُلْتُ: لَأَكُونَنَّ بَوَّابًا للنَّبيِّ ﷺ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَدَفَعَ البَابَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ. فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ. ثُمَّ ذَهَبْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ؟ فَقَالَ: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ». فَأَقْبَلْتُ حَتَّى قُلْتُ لِأَبِي بَكْرٍ: ادْخُلْ، وَرَسُولُ اللهِ ﷺ يُبَشِّرُكَ بِالجَنَّةِ. فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللهِ ﷺ مَعَهُ فِي القُفِّ، وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي البِئْرِ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ، وَقَدْ تَرَكْتُ أَخِي يَتَوَضَّأُ وَيَلْحَقُنِي، فَقُلْتُ: إِنْ يُرِدِ اللهُ بِفُلَانٍ خَيْرًا يَأْتِ بِهِ. فَإِذَا إِنْسَانٌ يُحَرِّكُ البَابَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ. فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ، ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: هَذَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ/ يَسْتَأْذِنُ. فَقَالَ: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ». فَقُلْتُ: ادْخُلْ، وَيُبشِّرُكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِالجَنَّةِ. فَجَلَسَ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي القُفِّ عَنْ يَسَارِهِ، وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي البِئْرِ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ، فَقُلْتُ: إِنْ يُرِدِ اللهُ بِفُلَانٍ خَيْرًا يَأْتِ بِهِ. فَجَاءَ إِنْسَانٌ يُحَرِّكُ البَابَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ. وَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ». فَجِئْتُ فَقُلْتُ لَهُ: ادْخُلْ، وَبَشَّرَكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِالجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُكَ. فَدَخَلَ فَوَجَدَ القُفَّ قَدْ مُلِئَ، فَجَلَسَ وِجَاهَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ.
قَالَ شَرِيكٌ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ: فَأَوَّلْتُهَا قُبُورَهُمْ[خ:٣٦٧٤]، اجتمعتْ هَا هُنَا، وانفردَ عُثْمَانُ. في روايةٍ [خ:٧٠٩٧].
1. قال النووي: «وفيه فضيلة هؤلاء الثلاثة، وأنهم من أهل الجنة، وفضيلة لأبي موسى، وفيه جواز الثناء على الإنسان في وجهه إذا أمنت عليه فتنة الإعجاب ونحوه».
2. قال النووي: «قوله في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما دليا أرجلهما في البئر كما دلاهما النبي ﷺ فيها هذا فعلاه للموافقة، وليكون أبلغ في بقاء النبي ﷺ على حالته وراحته».
3. قال النووي: «وفيه معجزة ظاهرة للنبي ﷺ لإخباره بقصة عثمان وبالبلوى، وأن الثلاثة يستمرون على الإيمان والهدى».
4. قوله: (والله المستعان) قال النووي: «فيه استحبابه عند مثل هذا الحال».
5. قوله: (قَالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ: فَأَوَّلْتُهَا قُبُورَهُمْ) قال النووي: «يعني أن الثلاثة دفنوا في مكان واحد، وعثمان في مكان بائن عنهم، وهذا من باب الفراسة الصادقة».
6. وفيه استحباب التبشير بالخير كما فعل رسول الله ﷺ حيث بشر أصحابه الثلاثة بالجنة.
7. وفيه استحباب الجلوس عن يمين المقيم في المكان؛ لأنها أشرف الجهات.

١٦٥٣. [ق] وعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قالَ: إِنِّي لَوَاقِفٌ فِي قَوْمٍ نَدْعُوا اللهَ لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، وَقَدْ وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ، فإِذَا رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي قَدْ وَضَعَ مِرْفَقَهُ عَلَى مَنْكِبِي قَالَ: يرْحَمُكَ اللهُ، إِنْ كُنْتُ لَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ اللهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ؛ لِأَنِّي كَثِيرًا مَا كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «كُنْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَفَعَلْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ». فَإِنْ كُنْتُ لَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ اللهُ مَعَهُمَا. فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. [خ:٣٦٧٧]
١٦٥٤. [ق] وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا نَاسًا فُقَرَاءَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ مَرَّةً: «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ بسَادِسٍ». أَوْ كَمَا قَالَ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ، وَانْطَلَقَ النَّبِيُّ ﷺ بِعَشَرَةٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بثَلَاثَةٍ، قَالَ: فَهُوَ أَنَا وَأَبِي وَأُمِّي، وَلَا أَدْرِي هَلْ قَالَ: امْرَأَتِي وَخَادِمِي بَيْنَ بَيْتِنَا وَبَيْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ لَبِثَ حَتَّى صَلَّى العِشَاءَ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتَّى تَعَشَّى رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَجَاءَ بَعْدَمَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللهُ، قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: مَا حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ -أَوْ: ضَيْفِكَ-؟ قَالَ: أَوَعَشَّيْتِهِمْ؟ قَالَتْ: أَبَوْا حَتَّى تَجِيءَ، قَدْ عَرَضُوا عَلَيْهِمْ فَغَلَبُوهُمْ، فَذَهَبْتُ فَاخْتَبَأْتُ، فَقَالَ: يَا غُنْثَرُ. فَجَدَّعَ وَسَبَّ، وَقَالَ: كُلُوا، وَقَالَ: وَالله لَا أَطْعَمُهُ أَبَدًا... قَالَ: وَايْمُ اللهِ، مَا كُنَّا نَأْخُذُ مِنَ اللُّقْمَةِ/ إِلَّا رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا، حَتَّى شَبِعُوا، وَصَارَتْ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ قَبْلُ، فَنَظَرَ أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا شَيْءٌ أَوْ أَكْثَرُ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ. قَالَتْ: لَا وَقُرَّةِ عَيْنِي، لَهِيَ الآنَ أَكْثَرُ مِمَّا قَبْلُ بِثَلَاثِ مِرارٍ. فَأَكَلَ مِنْهَا أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ مِن الشَّيْطَانُ. يَعْنِي يَمِينَهُ، ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا لُقْمَةً، ثُمَّ حَمَلَهَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ. وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ، فَمَضَى الأَجَلُ فَتَفَرَّقْنَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أُنَاسٌ، اللهُ أَعْلَمُ كَمْ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ، غَيْرَ أَنَّهُ بَعَثَ مَعَهُمْ، فَقَالَ: أَكَلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ. [خ:٣٥٨١]
الغريب: (إنَّ مِن أَمَنِّ النَّاسِ) أي: أكبرهم يدًا وحقًّا. و(الخليل): فَعِيلٌ مِن الخُلَّة، وهي الصَّداقة والمحبَّة المتمكِّنة في خلال القلب الَّتي لا تترك فيه لغير الخليل موضعًا. و(غامرَ) أي: خاضَ غمرةً، أي: شِدَّة. و(السَّبُع): بضمِّ الباء، هو الصَّحيح، وقد فسَّره في الحديث. و(نزَعَ): جَذَبَ؛ أي: استقى. و(الذَّنُوبُ): دلوٌ كبيرة. و(الغَرْبُ): أكبر منها. و(العَبْقَرِيُّ): القويُّ على العَمَلِ. و(العَطنُ): موضع بُرُوك الإِبل بعد الشُّرب. و(زوجين): صِنْفَين. و(القُفُّ): بضمِّ القاف، موضع مَصبِّ الماء مِن الدَّلو. و(القَليب): البئرُ غيرُ المَطْويَّة، وهي الرَّكِيُّ أيضًا. و(غُنْثَر): بفتح الثَّاء وضمِّها، ذباب أزرق، شبَّهه به تصغيرًا. و(جَدَّعَ) أي قال: جدعًا، وأصل الجَدْع: قَطْعُ الأنف والأُذُن. و(تعرَّفنا) أي: صِرنا عُرفاء لِمَا صُيِّرُوا كذلك.
1. قال النووي: «في هذا الحديث فضيلة الإيثار والمواساة، وأنه إذا حضر ضيفان كثيرون فينبغي للجماعة أن يتوزعوهم، ويأخذ كل واحد منهم من يحتمله، وأنه ينبغي لكبير القوم أن يأمر أصحابه بذلك، ويأخذ هو من يمكنه».
2. قوله: (وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ، وَانْطَلَقَ النَّبِيُّ ﷺ بِعَشَرَةٍ) قال النووي: «هذا مبين لما كان عليه النبي ﷺ من الأخذ بأفضل الأمور، والسبق إلى السخاء والجود، فإن عيال النبي ﷺ كانوا قريبا من عدد ضيفانه هذه الليلة، فأتى بنصف طعامه أو نحوه، وأتى أبو بكر رضي الله عنه بثلث طعامه أو أكثر، وأتى الباقون بدون ذلك».
3. قال النووي: «فيه جواز ذهاب من عنده ضيفان إلى أشغاله ومصالحه إذا كان له من يقوم بأمورهم، ويسد مسده كما كان لأبي بكر هنا عبد الرحمن رضي الله عنهما».
4. قال النووي: «وفيه ما كان عليه أبو بكر رضي الله عنه من الحب للنبي ﷺ والانقطاع إليه، وإيثاره في ليله ونهاره على الأهل، والأولاد، والضيفان، وغيرهم».
5. قوله في الأضياف: (إنهم امتنعوا من الأكل حتى يحضر أبو بكر رضي الله عنه) قال النووي: «هذا فعلوه أدبا ورفقا بأبي بكر فيما ظنوه؛ لأنهم ظنوا أنه لا يحصل له عشاء من عشائهم».
6. قال النووي: «قال العلماء: والصواب للضيف ألا يمتنع مما أراده المضيف من تعجيل طعام وتكثيره وغير ذلك من أموره، إلا أن يعلم أنه يتكلف ما يشق عليه حياء منه فيمنعه برفق، ومتى شك لم يعترض عليه، ولم يمتنع، فقد يكون للمضيف عذر أو غرض في ذلك لا يمكنه إظهاره، فتلحقه المشقة بمخالفة الأضياف كما جرى في قصة أبي بكر رضي الله عنه».
7. قوله: (كلوا لا هنيئا) قال النووي: «إنما قاله لما حصل له من الحرج والغيظ بتركهم العشاء بسببه، وقيل: إنه ليس بدعاء إنما أخبر أي لم تهنئوا به في وقته».
8. قال النووي: «وفيه أن من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فعل ذلك وكفر عن يمينه، كما جاءت به الأحاديث الصحيحة، وفيه حمل المضيف المشقة على نفسه في إكرام ضيفانه، وإذا تعارض حنثه وحنثهم حنث نفسه لأن حقهم عليه آكد».
9. قال النووي: «هذا الحديث فيه كرامة ظاهرة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وفيه إثبات كرامات الأولياء، وهو مذهب أهل السنة خلافا للمعتزلة».

٣- بابُ ثَبَاتِ أَبِي بكرٍ ﵁ بَعْدَ مَوْتِ رَسولِ اللهِ ﷺ،


وَمُبَايعتِهِ، وَجَمْعِ كلمةِ المسلمينَ بِبَرَكتَهِ
١٦٥٥. عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ مَاتَ وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنْحِ -يَعْنِي بِالعَالِيَةِ- فَقَامَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللهِ -قَالَتْ: وَقَالَ عُمَرُ: وَاللهِ مَا كَانَ وَقعَ فِي نَفْسِي إِلَّا ذَلِكَ- وَلَيَبْعَثَنَّهُ اللهُ، فَلَيَقْطَعَنَّ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَبَّلَهُ، فقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي،/ طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُذِيقُكَ اللهُ المَوْتَ أَبَدًا. فَقَالَ: أَيُّهَا الحَالِفُ عَلَى رِسْلِكَ. فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ، فَحَمِدَ اللهَ أَبُو بَكْرٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: أَلَا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، وَقَالَ: ﴿إِنَّكَ مَیِّتࣱ وَإِنَّهُم مَّیِّتُونَ﴾ [الزمر: ٣٠]، وَقَالَ: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولࣱ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُۚ أَفَإِی۟ن مَّاتَ أَوۡ قُتِلَ ٱنقَلَبۡتُمۡ عَلَىٰۤ أَعۡقَـٰبِكُمۡۚ وَمَن یَنقَلِبۡ عَلَىٰ عَقِبَیۡهِ فَلَن یَضُرَّ ٱللَّهَ شَیۡـࣰٔاۗ وَسَیَجۡزِی ٱللَّهُ ٱلشَّـٰكِرِینَ﴾ [آل عمران: ١٤٤] -في رواية [خ:٤٤٥٤]: وَاللهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ تَلَاهَا، فَعُقِرْتُ حَتَّى مَا تُقِلُّنِي رِجْلَايَ، وَحَتَّى أَهْوَيْتُ إِلَى الأَرْضِ حِينَ سَمِعْتُهُ تَلَاهَا عَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ قَدْ مَاتَ- قَالَ: فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ، وَاجْتَمَعَتِ الأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَقَالُوا: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ. فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ، فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنِّي هَيَّأْتُ كَلَامًا قَدْ أَعْجَبَنِي، وخَشِيتُ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ أَبْلَغَ النَّاسِ، فَقَالَ فِي كَلَامِهِ: نَحْنُ الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الوُزَرَاءُ. فَقَالَ حُبَابُ بْنُ المُنْذِرِ: لَا وَاللهِ لَا نَفْعَلُ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا، وَلَكِنَّا الأُمَرَاءُ، وَأَنْتُمُ الوُزَرَاءُ، هُمْ أَوْسَطُ العَرَبِ دَارًا، وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابًا، فَبَايِعُوا عُمَرَ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرَّاحِ. فَقَالَ عُمَرُ: بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ، فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ. فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ، فَقَالَ قَائِلٌ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ. فَقَالَ عُمَرُ: قَتَلَهُ اللهُ. [خ: ٣٦٦٧-٣٦٦٨]
• وفي رواية أنَّ عائشةَ قالت: شَخَصَ بَصَرُ رَسُولِ اللهِ ﷺ، ثُمَّ قَالَ: «فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى» -وَقَصَّ الحَدِيثَ- قَالَتْ: فَمَا كَانَتْ مِنْ خُطْبَتِهِمَا مِنْ خُطْبَةٍ إِلَّا نَفَعَ اللهُ بِهَا، لَقَدْ خَوَّفَ عُمَرُ النَّاسَ وَإِنَّ فِيهِمْ لَنِفَاقًا، فَرَدَّهُمُ اللهُ بِذَلِكَ، ثُمَّ لَقَدْ بَصَّرَ أَبُو بَكْرٍ النَّاسَ الهُدَى، وَعَرَّفَهُمُ الحَقَّ عَلَيْهِمْ، وَخَرَجُوا يَتْلُونَ: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولࣱ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُ﴾ [آل عمران: ١٤٤]. [خ:٣٦٦٩]
1. قال النووي: «يعني وقفت على أبي عبيدة، هذا دليل لأهل السنة في تقديم أبي بكر ثم عمر للخلافة مع إجماع الصحابة، وفيه دلالة لأهل السنة أن خلافة أبي بكر ليست بنص من النبي ﷺ على خلافته صريحا، بل أجمعت الصحابة على عقد الخلافة له، وتقديمه لفضيلته، ولو كان هناك نص عليه أو على غيره لم تقع المنازعة من الأنصار وغيرهم أولا، ولذكر حافظ النص ما معه، ولرجعوا إليه، لكن تنازعوا أولا، ولم يكن هناك نص، ثم اتفقوا على أبي بكر، واستقر الأمر».
2. قال النووي: «وأما ما تدعيه الشيعة من النص على علي، والوصية إليه، فباطل لا أصل له باتفاق المسلمين، والاتفاق على بطلان دعواهم من زمن علي، وأول من كذبهم علي رضي الله عنه بقوله: (ما عندنا إلا ما في هذه الصحيفة ... الحديث)، ولو كان عنده نص لذكره، ولم ينقل أنه ذكره في يوم من الأيام، ولا أن أحدا ذكره له».
3. وفيه: أنّ الصّدمات قد تذهل عقول بعض النّاس، فينبغي الرّفق بهم حتّى يعودوا إلى وعيهم.
4. وفيه: سعي عقلاء الأمّة وذوي الهيئات في تولّي أمور الأمّة، وترشيد حالها، ورعاية مصالحها.

٤- بابٌ: مِن وَرَعِ أبي بكرٍ/


١٦٥٦. عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ غُلَامٌ يُخْرِجُ لَهُ الخَرَاجَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ الغُلَامُ: أَتَدْرِي مَا هَذَا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَمَا أُحْسِنُ الكِهَانَةَ، إِلَّا أَنِّي خَدَعْتُهُ، فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ، فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ. فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ، فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ. [خ: ٣٨٤٢]
1. فيه ورع أبي بكر الصديق رضي الله عنه وحرصه على عدم دخول جوفه شيئاً محرماً، ولو لم يستفرغه لكان معذوراً؛ لأن الإثم على الغلام ولأنه لم يكن يعلم.
2. قال ابن الجوزي: «أبو بكر أول من قاء من الشبهات تحرجاً».

٥- بابُ إِسلامِ عُمَرَ ﵁


١٦٥٧. عَنْ عَبدِ اللهِ بنِ عُمرَ قال: لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ اجْتَمَعَ النَّاسُ عِنْدَ دَارِهِ، وَقَالُوا: صَبَأ عُمَرُ. وَأَنَا غُلَامٌ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِي، فَجَاءَ رَجُلٌ عَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْ دِيبَاجٍ، فَقَالَ: فَصَبَأ عُمَرُ فَمَا ذَاكَ، فَأَنَا لَهُ جَارٌ. قَالَ: فَرَأَيْتُ النَّاسَ تَصَدَّعُوا عَنْهُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فقَالُوا: العَاصِي بْنُ وَائِلٍ. [خ: ٣٨٦٥]
١٦٥٨. وعنه قال: مَا سَمِعْتُ عُمَرَ لِشَيْءٍ قَطُّ يَقُولُ: إِنِّي لَأَظُنُّهُ كَذَا إِلَّا كَانَ كَمَا يَظُنُّ، بَيْنَمَا عُمَرُ جَالِسٌ إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ جَمِيلٌ، فَقَالَ: لَقَدْ أَخْطَأَ ظَنِّي، أَوْ إِنَّ هَذَا عَلَى دِينِهِ فِي الجَاهِلِيَّةِ، أَوْ لَقَدْ كَانَ كَاهِنَهُمْ، عَلَيَّ الرَّجُلَ. فَدُعِيَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَاليَوْمِ اسْتُقْبِلَ بِهِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ. قَالَ: فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي. قَالَ: كُنْتُ كَاهِنَهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ. قَالَ: فَمَا أَعْجَبُ مَا جَاءَتْكَ بِهِ جِنِّيَّتُكَ؟ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا يَوْمًا فِي السُّوقِ جَاءَتْنِي أَعْرِفُ فِيهَا الفَزَعَ قَالَتْ:
أَلَــــمْ تَــــــرَ الـــجِـــــنَّ وَإِبْـــلَاسَــــــهـــا
وَيَــــأْسَـــــهــا مِنْ بَـــعْــــدِ إِنْكاسِــــــها
وَلُحُوقَها بِالقِلَاصِ وَأَحْلَاسِها
قَالَ عُمَرُ: صَدَقَ؛ بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ عِنْدَ آلِهَتِهِمْ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِعِجْلٍ فَذَبَحَهُ، فَصَرَخَ بِهِ صَارِخٌ، لَمْ أَسْمَعْ صَارِخًا قَطُّ أَشَدَّ صَوْتًا مِنْهُ يَقُولُ: يَا جَلِيحْ، أَمْرٌ نَجِيحْ، رَجُلٌ فَصِيحْ، يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ. فَوَثَبَ القَوْمُ، قُلْتُ: لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هَذَا، ثُمَّ نَادَى: يَا جَلِيحْ، أَمْرٌ نَجِيحْ، رَجُلٌ فَصِيحْ، يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ. فَقُمْتُ، فَمَا لَبِثْنَا أَنْ قِيلَ: هَذَا نَبِيٌّ. [خ: ٣٨٦٦]
1. وفي الحديث: ما يدلّ على فطنة عمر وذكائه، في كونه لم يقل قطّ لشيءٍ: أظنّه هكذا، إلّا كان كما يقول.
2. وفيه: دلالةٌ واضحةٌ على صدق نبوّة نبيّنا محمّدٍ ﷺ، ففيما جاءت به الجنّيّة إلى الرّجل، وفيما سمعه عمر رضي الله عنه بأذنيه: ما يشهد بصدق نبوّته ﷺ.

١٦٥٩. وعن سَعيدِ بن زَيدٍ أنَّه قالَ للقومِ: وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وعُمَرُ مُوثِقِي عَلَى الإِسْلَامِ، أَنَا وَأُخْتُهُ، وَمَا أَسْلَمَ، وَلَوْ أَنَّ أُحُدًا انْقَضَّ لِمَا صَنَعْتُمْ بِعُثْمَانَ، لَكَانَ مَحْقُوقًا أَنْ يَنْقَضَّ./ [خ: ٣٨٦٧]

٦- بابُ مَنَاقِبِ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ أَبِي حَفْصٍ القُرشيِّ العَدَوِيِّ ﵁


١٦٦٠. [ق] عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «رَأَيْتُنِي دَخَلْتُ الجَنَّةَ، فَإِذَا أَنَا بِالرُّمَيْصَاءِ امْرَأَةِ أَبِي طَلْحَةَ، وَسَمِعْتُ خَشَفَةً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا بِلَالٌ. وَرَأَيْتُ قَصْرًا بِفِنَائِهِ جَارِيَةٌ -في رِوايَةٍ: فَإِذا امْرَأةٌ تَوَضَّأُ إِلىَ جانِبِ قَصْرٍ- فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: لِعُمَرَ. فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ فَأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ». فَقَالَ عُمَرُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، أَعَلَيْكَ أَغَارُ؟! [خ: ٣٦٧٩]
1. قوله: (فَإِذا امْرَأةٌ تَوَضَّأُ) قال القرطبي: «إنما توضأت لتزداد حُسناً ونوراً لا أنها تُزيل وسخاً ولا قذراً؛ إذ الجنة مُنزهة عن ذلك».
2. قوله: (فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ) قال ابن بطال: «يؤخذ من الحديث أنَّ من عَلِمَ من صاحبه خُلُقاً لا ينبغي أن يتعرَّض لما ينافره».
3. قال ابن حجر: «في الحديث جواز ذكر الرجل بما عُلِمَ من خُلُقه كغيرة عمر».

١٦٦١. [ق] وعَنِ ابنِ عُمَرَ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ شَرِبْتُ -يَعْنِي: اللَّبَنَ- حَتَّى أَنْظُرَ إِلَى الرِّيِّ يَخْرُجُ فِي ظُفُرِي -أَوْ: أَظْفَارِي- ثُمَّ نَاوَلْتُ عُمَرَ». قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَ؟ قَالَ: «العِلْمَ». [خ: ٣٦٨١]
• وَقَدْ تَقدَّمَ قَوْلُ النَّبيِّ ﷺ: «فلمْ أرَ عبقريًّا يَفْرِي فَرِيَّه»[ر:١٦٤٩].
1. قال ابن حجر: «قيل: تفسير اللّبن بالعلم؛ لاشتراكهما في كثرة النّفع، وفي أنّهما سبب الصّلاح؛ فاللّبن غذاء الأطفال، وسبب صلاحهم، وقوتٌ للأبدان بعد ذلك، والعلم سببٌ لصلاح الآخرة والدّنيا».

١٦٦٢. [ق] وعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ، عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ عَلَى صَوْتِهِ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ قُمْنَ فَبَادَرْنَ الحِجَابَ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَدَخَلَ عُمَرُ وَرَسُولُ اللهِ ﷺ يَضْحَكُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَضْحَكَ اللهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلَاءِ اللَّاتِي كُنَّ عِنْدِي، فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الحِجَابَ!». قَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ يَا رَسُولَ اللهِ. ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: يَا عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ أَتَهَبْنَنِي وَلَا تَهَبْنَ رَسُولَ اللهِ ﷺ؟ فَقُلْنَ: نَعَمْ، أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِيْهٍ يَا ابْنَ الخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا قَطُّ إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ». [خ: ٣٦٨٣]
1. قوله: (وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن) قال النووي: «قال العلماء: معنى (يستكثرنه) يطلبن كثيرا من كلامه وجوابه بحوائجهن وفتاويهن، وقوله: (عالية أصواتهن) قال القاضي عياض: «يحتمل أن هذا قبل النهي عن رفع الصوت فوق صوته ﷺ، ويحتمل أن علو أصواتهن إنما كان باجتماعها لا أن كلام كل واحدة بانفرادها أعلى من صوته ﷺ».
2. قال النووي: «وفي هذا الحديث فضل لين الجانب والحلم والرفق ما لم يفوت مقصودا شرعيا، قال الله تعالى: {وَٱخۡفِضۡ جَنَاحَكَ لِلۡمُؤۡمِنِینَ} [سورة الحجر:88]. وقال تعالى: { وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِیظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّوا۟ مِنۡ حَوۡلِكَۖ } [سورة آل عمران:159]».
3. وفيه فضيلة عمر رضي الله عنه، حيث أنه كان شديداً في الحق.
4. وفيه: أنّ الشّيطان يخاف من المؤمن التّقيّ.
5. وفيه: أنّ الحاكم ينبغي له السّماع لشكاية رعيّته وإزالتها.
6. أن المؤمنين قد يكونون مختلفي الأحوال، ففيهم الرفيق وفيهم الشديد، وأن عمر رضي الله عنه كان قويًا شديدًا في الله عز وجل.

١٦٦٣. وعَن ابنِ عُمَرَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ مِنْ حِينَ قُبِضَ كَانَ أَجَدَّ وَأَجْوَدَ حَتَّى انْتَهَى مِنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ ﵁. [خ: ٣٦٨٧]
١٦٦٤. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسولُ الله ﷺ: «لَقَدْ كَانَ فِيمَا قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ ناسٌّ يُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِي/ أَحَدٌ فَإِنَّهُ عُمَرُ». [خ: ٣٦٨٩]
• وفي لفظ آخر: «لَقَدْ كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رِجَالٌ، يُكَلَّمُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ، فَإِنْ يَكُنْ مِنْ أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ فَعُمَرُ». [خت: ٣٦٨٩]
١٦٦٥. [ق] وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ عُرِضُوا عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يجْتَرُّهُ». قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الدِّينَ». [خ: ٣٦٩١]
1. قال النووي: «قال أهل العبارة: القميص في النوم الدين، وجره يدل على بقاء آثاره الجميلة وسننه الحسنة في المسلمين بعد وفاته ليقتدى به».
2. وفيه جواز إشاعة العالم الثناء على الفاضل من أصحابه، إذا لم يُحس به بإعجاب ونحوه، ويكون الغرض التنبيه على فضله، لتُعلم منزلته.
3. وفيه بيان تفاضل أهل الإيمان فيه بالقلة والكثرة، وبالقوة والضعف.

١٦٦٦. وعَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ جَعَلَ يَأْلَمُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ -وَكَأَنَّهُ يُجَزِّعُهُ-: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، وَلَئِنْ كَانَ ذَلكَ، لَقَدْ صَحِبْتَ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَ أَبَا بَكْرٍ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَ صَحَبَتَهُمْ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُمْ، وَلَئِنْ فَارَقْتَهُمْ لَتُفَارِقَنَّهُمْ وَهُمْ عَنْكَ رَاضُونَ. قَالَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَرِضَاهُ فَإِنَّمَا ذَلكَ مَنٌّ مَنَّ اللهُ بِهِ عَلَيَّ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ أَبِي بَكْرٍ وَرِضَاهُ؛ فَإِنَّمَا ذَلكَ مَنٌّ مَنَّ الله بِهِ عَلَيَّ، وَأَمَّا مَا تَرَى مِنْ جَزَعِي، فَهُوَ مِنْ أَجْلِكَ وَمِن أَجْلِ أَصْحَابِكَ، وَاللهِ لَوْ أَنَّ لِي طِلَاعَ الأَرْضِ ذَهَبًا لَافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللهِ قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ. [خ: ٣٦٩٢]
الغريب: (الخَشْفَةُ): صوتُ النَّعلِ فِي المَشْي، وهي الخَشْخَشةُ أيضًا. و(يُجَزِّعُهُ): يُزِيلُ عنه الجَزَعُ، وهو بضمِّ الياء وتشديد الزَّاي. و(طِلاعُ الأَرْضِ): هو ما يَطْلُعُ عليه منها؛ يعني: وَجْهَهَا، ويعني بذلك عنِ الخوفِ مِن التَّقصير في ما يجبُ عليهِ مِن حُقوقِهم، أو مِن الفِتْنَة بِمَدْحِهم، والله أعلم.
وفِي مَنَاقبِ عمرَ أحاديثُ كثيرةٌ في بابِ فضائلِ أَبِي بَكرٍ [ر:١٦٤٧-١٦٤٩، ١٦٥١-١٦٥٣].

٧- بابُ مَنَاقِبِ عُثْمَانَ بن عفَّان أبي عَمْرٍو القُرَشيِّ ﵁


• [خت] وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَنْ يَحْفِرْ بِئْرَ رُومَةَ فَلَهُ الجَنَّةُ». فَحَفَرَهَا عُثْمَانُ، وَقَالَ: «مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ فَلَهُ الجَنَّةُ». فَجَهَّزَهُ عُثْمَانُ.
وقد بشَّره النَّبيُّ ﷺ/ بالجنَّةِ عَلى بَلْوَى تُصيبُهُ، كما تقدَّمَ [ر: ١٦٥٢].
١٦٦٧. وعَنْ عُبيدِ اللهِ بنِ عَدِيِّ بنِ الخِيَارِ أنَّ المِسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ قَالَا: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُكَلِّمَ عُثْمَانَ لِأَخِيهِ الوَلِيدِ، فَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِيهِ؟ فَقَصَدْتُ لِعُثْمَانَ حينَ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، قُلْتُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، وَهِيَ نَصِيحَةٌ. قَالَ: يَا أَيُّهَا المَرْءُ مِنكَ. قَالَ مَعْمَرٌ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ. فَانْصَرَفْتُ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِمْ إِذْ جَاءَ رَسُولُ عُثْمَانَ فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ: مَا نَصِيحَتُكَ؟ فَقُلْتُ: إِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الكِتَابَ، فكُنْتَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، فَهَاجَرْتَ الهِجْرَتَيْنِ، وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللهِ ﷺ وَرَأَيْتَ هَدْيَهُ، وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي شَأْنِ الوَلِيدِ. قَالَ: أَدْرَكْتَ رَسُولَ اللهِ ﷺ؟ قُلْتُ: لَا، وَلَكِنْ خَلَصَ إِلَيَّ مِنْ عِلْمِهِ مَا يَخْلُصُ إِلَى العَذْرَاءِ فِي سِتْرِهَا. قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالحَقِّ، فَكُنْتُ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَآمَنْتُ بِمَا بُعِثَ بِهِ، وَهَاجَرْتُ الهِجْرَتَيْنِ -كَمَا قُلْتَ- وَصَحِبْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ وَبَايَعْتُهُ، فَوَاللهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلَا غَشَشْتُهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ مِثْلُهُ، ثُمَّ عُمَرُ مِثْلُهُ، ثُمَّ اسْتُخْلِفْتُ، أَفَلَيْسَ لِي مِنَ الحَقِّ مِثْلُ الَّذِي لَهُمْ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَمَا هَذِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِي تَبْلُغُنِي عَنْكُمْ؟! وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ شَأْنِ الوَلِيدِ، فَسَنَأْخُذُ فِيهِ بِالحَقِّ إِنْ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ دَعَا عَلِيًّا فَأَمَرَهُ أَنْ يَجْلِدَهُ، فَجَلَدَهُ ثَمَانِينَ. [خ: ٣٦٩٦]
1. قال النووي: «في هذا الحديث جواز ذكر الإنسان نفسه بالفضيلة والعلم ونحوه للحاجة، وأما النهي عن تزكية النفس فإنما هو لمن زكاها ومدحها لغير حاجة، بل للفخر والإعجاب، وقد كثرت تزكية النفس من الأماثل عند الحاجة كدفع شر عنه بذلك، أو تحصيل مصلحة للناس، أو ترغيب في أخذ العلم عنه، أو نحو ذلك.. فمن المصلحة قول يوسف ﷺ: {اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم}، ومن دفع الشر قول عثمان رضي الله عنه في وقت حصاره أنه جهز جيش العسرة، وحفر بئر رومة، ومن الترغيب قول ابن مسعود هذا، وقول سهل بن سعد: ما بقي أحد أعلم بذلك مني، وقول غيره: على الخبير سقطت، وأشباهه».

١٦٦٨. وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ ﷺ أُحُدًا وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَتْ، فَقَالَ: «اسْكُنْ أُحُدُ». -أَظُنُّهُ ضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ- فقال: «لَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ». [خ: ٣٦٩٩]
• وفي رواية: فضَرَبه برِجلِه وقَالَ: «اّْثبُتْ أُحُدُ».[خ: ٣٦٨٦]
1. قيل: إنما نص على مقام النبوة والصديقية والشهادة؛ لأنها توجب سرور ما اتصلت به، لا رجفانه واضطرابه، فأقر الجبل بذلك فاستقر.
2. وفيه: أن الصديق أفضل من الشهيد؛ لأنه قدمه عليه، وجعله مرتبة بين النبوة والشهادة.

١٦٦٩. وعَن ابنِ عُمَرَ: كُنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺ لَا نَعْدِلُ بِأَبِي بَكْرٍ أَحَدًا، ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ عُثْمَانَ، ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ ﷺ لَا نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ. [خ: ٣٦٩٧]
١٦٧٠. وعَنْ عُثمانَ بنِ مَوْهَبٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ يَحُجُّ البَيْتَ، فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا، فَقَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ القَوْمُ؟ فَقَالُوا: هَؤُلَاءِ قُرَيْشٌ. قَالَ: فَمَنِ الشَّيْخُ فِيهِمْ؟ قَالُوا: عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ. فقَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ، إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ شَيْءٍ فَحَدِّثْنِي، هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ وَلَمْ يَشْهَدْ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ./ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: تَعَالَ أُبَيِّنْ لَكَ، أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَشْهَدُ أَنَّ اللهَ عَفَا عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ، وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَكَانَتْ مَرِيضَةً، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَكَ أَجْرُ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمُهُ». وَأَمَّاتَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، فَلَوْ كَانَ أَحَدٌ بِبَطْنِ مَكَّةَ أَعَزَّ مِنْ عُثْمَانَ لَبَعَثَهُ مَكَانَهُ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عُثْمَانَ فَكَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ بَعْدَمَا ذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِيَدِهِ اليُمْنَى: «هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ». فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ، فَقَالَ: «هَذِهِ لِعُثْمَانَ». فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: اذْهَبْ بِهَا الآنَ مَعَكَ. [خ: ٣٦٩٨]

٨- بابُ مَقْتلِ عُمرَ بنِ الخطَّاب، والاتِّفاقِ على بيعةِ عُثْمانَ ﵄


١٦٧١. عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ قَبْلَ أَنْ يُصَابَ بِأَيَّامٍ بِالمَدِينَةِ، وَقَفَ عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: كَيْفَ فَعَلْتُمَا؟ أَتَخَافَا أَنْ تَكُونَا قَدْ حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ؟ قَالَا: حَمَّلْنَاهَا أَمْرًا هِيَ لَهُ مُطِيقَةٌ، مَا فِيهَا كَبِيرُ فَضْلٍ. قَالَ: انْظُرَا أَنْ تَكُونَا حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ. قَالَ: قَالَا: لَا. فَقَالَ عُمَرُ: إِنْ سَلَّمَنِي اللهُ تَعَالى لَأَدَعَنَّ أَرَامِلَ أَهْلِ العِرَاقِ لَا يَحْتَجْنَ إِلَى رَجُلٍ بَعْدِي أَبَدًا.
قَالَ: فَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ رَابِعَةٌ حَتَّى أُصِيبَ، قَالَ: إِنِّي لَقَائِمٌ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ غَدَاةَ أُصِيبَ، وَكَانَ إِذَا مَرَّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، قَالَ: اسْتَوُوا، حَتَّى إِذَا لَمْ يَرَ فِيهِنَّ خَلَلًا تَقَدَّمَ فَكَبَّرَ، وَرُبَّمَا قَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ أَوِ النَّحْلَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى؛ حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ كَبَّرَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَتَلَنِي -أَوْ: أَكَلَنِي- الكَلْبُ، حِينَ طَعَنَهُ العِلْجُ بِسِكِّينٍ ذَاتِ طَرَفَيْنِ، لَا يَمُرُّ عَلَى أَحَدٍ يَمِينًا وَشِمَالًا إِلَّا طَعَنَهُ، حَتَّى طَعَنَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، مَاتَ مِنْهُمْ سَبْعَةٌ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ طَرَحَ عَلَيْهِ بُرْنُسًا، فَلَمَّا ظَنَّ العِلْجُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ نَحَرَ نَفْسَهُ، وَتَنَاوَلَ عُمَرُ يَدَ عَبْدِ/ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدَّمَهُ، فَمَنْ يَلِي عُمَرَ فَقَدْ رَأَى الَّذِي أَرَى، وَأَمَّا نَوَاحِي المَسْجِدِ فَإِنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ، غَيْرَ أَنَّهُمْ فَقَدُوا صَوْتَ عُمَرَ وَهُمْ يَقُولُونَ: سُبْحَانَ اللهِ، سُبْحَانَ اللهِ. فَصَلَّى بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوفٍ صَلَاةً خَفِيفَةً، فَلَمَّا انْصَرَفُوا قَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، انْظُرْ مَنْ قَتَلَنِي؟ فَجَالَ سَاعَةً ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: غُلَامُ المُغِيرَةِ، قَالَ: آلصَّنَعُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قَاتَلَهُ اللهُ، لَقَدْ أَمَرْتُ بِهِ مَعْرُوفًا، الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ مِيْتَتِي عَلى يدِ رَجُلٍ يَدَّعِي الإِسْلَامَ، قَدْ كُنْتَ أَنْتَ وَأَبُوكَ تُحِبَّانِ أَنْ تَكْثُرَ العُلُوجُ بِالمَدِينَةِ. وَكَانَ العَبَّاسُ أَكْثَرَهُمْ رَقِيقًا، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ فَعَلْتُ؟ -أَيْ: إِنْ شِئْتَ قَتَلْنَا؟- فقَالَ: كَذَبْتَ، بَعْدَمَا تَكَلَّمُوا بِلِسَانِكُمْ، وَصَلَّوْا قِبْلَتَكُمْ، وَحَجُّوا حَجَّكُمْ؟!
فَاحْتُمِلَ إِلَى بَيْتِهِ، فَانْطَلَقْنَا مَعَهُ، وَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصِيبَةٌ قَبْلَ يَوْمِئِذٍ، فَقَائِلٌ يَقُولُ: لَا بَأْسَ. وَقَائِلٌ يَقُولُ: أَخَافُ عَلَيْهِ. فَأُتِيَ بِنَبِيذٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِلَبَنٍ فَشَرِبَ فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ، فَعَرَفُوا أَنَّهُ مَيِّتٌ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، وَجَاءَ النَّاسُ يُثْنُونَ عَلَيْهِ، وَجَاءَ رَجُلٌ شَابٌّ فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى اللهِ لَكَ، مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَقَدَمٍ فِي الإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، ثُمَّ وَلِيتَ فَعَدَلْتَ، ثُمَّ شَهَادَةٌ. قَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَفَافٌ لَا عَلَيَّ وَلَا لِي. فَلَمَّا أَدْبَرَ إِذَا إِزَارُهُ يَمَسُّ الأَرْضَ، قَالَ: رُدُّوا عَلَيَّ الغُلَامَ، قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي ارْفَعْ ثَوْبَكَ؛ فَإِنَّهُ أَبْقَى لِثَوْبِكَ، وَأَتْقَى لِرَبِّكَ، يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، انْظُرْ مَا عَلَيَّ مِنَ الدَّيْنِ؟ فَحَسَبُوهُ فَوَجَدُوهُ سِتَّةً وَثَماثِينَ أَلْفًا أَوْ نَحْوَهُ، قَالَ: إِنْ وَفَى لَهُ مَالُ آلِ عُمَرَ فَأَدِّهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَإِلَّا فَسَلْ فِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَإِنْ لَمْ تَفِ أَمْوَالُهُمْ فَسَلْ فِي قُرَيْشٍ، وَلَا تَعْدُهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ، وَأَدِّ عَنِّي هَذَا المَالَ، انْطَلِقْ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ فَقُلْ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ السَّلَامَ، وَلَا تَقُلْ: أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ، فَإِنِّي لَسْتُ اليَوْمَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَمِيرًا، وَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ. فَسَلَّمَ وَاسْتَأْذَنَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا، فَوَجَدَهَا قَاعِدَةً تَبْكِي، فَقَالَ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ السَّلَامَ، وَيَسْتَأْذِنُ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ؟ فَقَالَتْ: كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي، وَلَأُوثِرَنَّهُ اليَوْمَ عَلَى نَفْسِي. فَلَمَّا أَقْبَلَ قِيلَ: هَذَا/ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ قَدْ جَاءَ. قَالَ: ارْفَعُونِي. فَأَسْنَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا لَدَيْكَ؟ قَالَ: الَّذِي تُحِبُّ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَذِنَتْ. قَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ، مَا كَانَ شَيْءٌ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا أَنَا قُبِضْتُ فَاحْمِلُونِي، ثُمَّ سَلِّمْ، فَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ. فَإِنْ أَذِنَتْ لِي فَأَدْخِلُونِي، وَإِنْ رَدَّتْنِي رُدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ المُسْلِمِينَ.
وَجَاءَتْ أُمُّ المُؤْمِنِينَ حَفْصَةُ وَالنِّسَاءُ تَسِيرُ مَعَهَا، فَلَمَّا رَأَيْنَاهَا قُمْنَا، فَوَلَجَتْ عَلَيْهِ، فَبَكَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، وَاسْتَأْذَنَ الرِّجَالُ، فَوَلَجَتْ دَاخِلًا لَهُمْ، فَسَمِعْنَا بُكَاءَهَا مِنَ الدَّاخِلِ، فَقَالُوا: أَوْصِ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، اسْتَخْلِفْ. فقَالَ: مَا أَحدٌ أَحَقَّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ -أَوِ: الرَّهْطِ- الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، فَسَمَّى عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَسَعْدًا وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَقَالَ: يَشْهَدُكُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ -كَهَيْئَةِ التَّعْزِيَةِ لَهُ- فَإِنْ أَصَابَتِ الإِمْرَةُ سَعْدًا فَهُوَ ذَاكَ، وَإِلَّا فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أَيُّكُمْ مَا أُمِّرَ، فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ مِنْ عَجْزٍ وَلَا خِيَانَةٍ. وَقَالَ: أُوصِي الخَلِيفَةَ بَعْدِي بِالمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ، أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَيَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالأَنْصَارِ خَيْرًا: الَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ والإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ، أَنْ يُقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَأَنْ يُعْفَى عَنْ مُسِيئِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِأَهْلِ الأَمْصَارِ خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ رِدْءُ الإِسْلَامِ، وَجُبَاةُ المَالِ، وَغَيْظُ العَدُوِّ، وَأَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُمْ إِلَّا فَضْلُهُمْ عَنْ رِضَاهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالأَعْرَابِ خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ أَصْلُ العَرَبِ وَمَادَّةُ الإِسْلَامِ، أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ، وَيُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ أَنْ يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَلَا يُكَلَّفُوا إِلَّا طَاقَتَهُمْ.
فَلَمَّا قُبِضَ خَرَجْنَا بِهِ، فَانْطَلَقْنَا نَمْشِي، فَسَلَّمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ؟ قَالَتْ: أَدْخِلُوهُ. فَأُدْخِلَ فَوُضِعَ هُنَالِكَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ دَفْنِهِ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: اجْمَعُوا أَمْرَكُمْ إِلَى ثَلَاثَةٍ مِنْكُمْ. قَالَ الزُّبَيْرُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَلِيٍّ. فَقَالَ طَلْحَةُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عُثْمَانَ. وَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَيُّكُمَا تَبَرَّأَ مِنْ هَذَا الأَمْرِ فَنَجْعَلُهُ إِلَيْهِ،/ وَاللهُ عَلَيْهِ وَالإِسْلَامُ لَيَنْظُرَنَّ أَفْضَلَهُمْ فِي نَفْسِهِ؟ فَأُسْكِتَ الشَّيْخَانِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَفَتَجْعَلُونَهُ إِلَيَّ وَاللهُ عَلَيَّ لَا آلُ مِن أَفْضَلِكُمْ؟ قَالَا: نَعَمْ، فَأَخَذَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَقَالَ: لَكَ قَرَابَةٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَالقَدَمُ فِي الإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، فَاللهُ عَلَيْكَ لَئِنْ أَمَّرْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ، وَلَئِنْ أَمَّرْتُ عُثْمَانَ لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ، ثُمَّ خَلَا بِالآخَرِفَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَخَذَ المِيثَاقَ قَالَ: ارْفَعْ يَدَكَ يَا عُثْمَانُ فَبَايَعَهُ، وَبَايَعَ لَهُ عَلِيٌّ، وَوَلَجَ أَهْلُ الدَّارِ فَبَايَعُوهُ. [خ: ٣٧٠٠]
1. قوله: (ثم قل يستأذن عمر بن الخطاب)، قال ابن بطال: «إنما استأذنها عمر لأن الموضع كان بيتها وكان لها فيه حق، وكان لها أن تؤثر به على نفسها فآثرت عمر».
2. قوله: (سلها أن أُدفن مع صاحبيَّ)، قال ابن حجر: «فيه الحرص على مجاورة الصالحين في القبور طمعاً في إصابة الرحمة إذا نزلت عليهم، وفي دعاء من يزورهم من أهل الخير».
3. قوله: (فلما أقبل قال له: ما لديك؟)، فيه أن من بعث رسولاً في حاجة مهمة له أن يسأل الرسول قبل وصوله إليه، ولا يُعّدُ ذلك من قلة الصبر، بل من الحرص على الخير، والله أعلم.
4. قال ابن حجر: «في الحديث: أن النهي عن المدح في الوجه مخصوص بما إذا كان غلوا مفرطا أو كذبا ظاهرا، ومن ثم لم ينه عمر الشاب عن مدحه له مع كونه أمره بتشمير إزاره».
5. قال الطبري: «لم يكن في أهل الإسلام أحد له من المنزلة في الدين والهجرة والسابقة والعقل والعلم والمعرفة بالسياسة ما للستة الذين جعلَ عمر الأمر شورى بينهم».
6. قوله: (وَتَنَاوَلَ عُمَرُ يَدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدَّمَهُ)، قال ابن هبيرة: «مما يدل على إشفاق عمر على المسلمين استنابة عبد الرحمن مع ما حدث له، وكون المسلمين لم يشغلهم عن الصلاة شيء».
7. قوله: (يَا ابْنَ أَخِي ارْفَعْ ثَوْبَكَ؛ فَإِنَّهُ أَبْقَى لِثَوْبِكَ، وَأَتْقَى لِرَبِّكَ)، قال ابن هبيرة: «فيه أن من شدة إيمانه لم يمنعه ذلك الذي هو فيه من الإنكار على من أسبل إزاره».
8. قوله: (يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ السَّلَامَ، وَلَا تَقُلْ: أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ)، قال ابن هبيرة: «فيه دليل على فقه عمر؛ من أن الجرح لما كان قد بلغ به إلى حد اليأس من الحياة أزال عنه سمة الإمامة».
9. (وليشهدها عبد الله، وليس له من الأمر شيء)، قال ابن هبيرة: «فيه أنه يجوز للرجل أن يرفأ قلب ولده بما لا يضر».

١ قال النبي ﷺ: "إن من أمَنّ الناس علي في صحبته وماله (…) …":

٥/٠