(٧٣) كِتَابُ التَّعْبِيرِ


• قد تقدَّم في أوَّل الكتابِ قول عائِشَةَ: إنَّ أوَّل مَا بُدئ به رَسول الله ﷺ الرُّؤيا الصَّادقة في النَّوم[ر:٢].

١- بَابُ الرُّؤيَا الحَسَنة مِن الرَّجل الصَّالح جزءٌ مِن سِتَّةٍ وأربعينَ جزءًا مِن النُّبوَّة


٣٠٦٦. [ق] وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «الرُّؤْيَا الحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ». [خ:٦٩٨٣]
1. قال الشيخ ابن عثيمين: «رؤيا المؤمن تقع صادقة لأنها أمثال يضربها الملك للرائي، وقد تكون خبرا عن شيء واقع، أو شيء سيقع فيقع مطابقا للرؤيا فتكون هذه الرؤيا كوحي النبوة في صدق مدلولها وإن كانت تختلف عنها، ولهذا كانت جزءا من ستة وأربعين جزءا من النبوة.
وتخصيص الجزء بستة وأربعين جزءا من الأمور التوقيفية التي لا تُعلم حكمتها كأعداد الركعات والصلوات».

٣٠٦٧. [ق] ومِن حَديث عُبادة بن الصَّامت وأبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «رُؤْيَا المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ». [خ:٦٩٨٧-٦٩٨٨]

٢- بابٌ: الرُّؤيا الصَّالحة مِن الله، والحُلمُ مِن الشَّيطان،


ومَا الَّذي يَعمل إِذا رأى ما يُحبُّ أو يَكره
٣٠٦٨. [ق] وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللهِ، وَالحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكم فَلْيَتَعَوَّذْ مِنْهُ، وَلْيَبْصُقْ عَنْ شِمَالِهِ، فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ». [خ:٦٩٨٦]
• [ق] وفي رِواية: «فَلْيَنْفِثْ عَنْ شماله ثلاثًا، وليتعوَّذ مِن الشَّيطان؛ فإنَّها لا تَضرُّه، وإنَّ الشَّيطانَ لا يَتراءى بي».[خ:٦٩٩٥]
٣٠٦٩. وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ الرُّؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ اللهِ، فَلْيَحْمَدِ اللهَ عَلَيْهَا وَلْيتحَدَّثْ بِهَا، وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ، فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا، وَلَا يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ، فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ». [خ:٦٩٨٥]
1. فيه بيان عداوة الشيطان للإنسان في كل أحواله، في يقظته، ومنامه، فلا يتركه في أيّ حال من الأحوال إلا يتعرض لأذيته.
2. قال ابن القيم : «نهي من رأى رؤيا يكرهها أن يتحدث بها، فإنه ذريعة إلى انتقالها من مرتبة الوجود اللفظي إلى الوجود الخارجي، كما انتقلت من الوجود الذهني إلى اللفظي، وهكذا عامة الأمور تكون في الذهن أولًا، ثم تنتقل إلى الذكر، ثم تنتقل إلى الحس، وهذا من ألطف سدِّ الذرائع وأنفعها، ومن تأمل عامة الشر رآه متنقلًا في درجات الظهور طبقًا بعد طبقٍ من الذهن إلى اللفظ إلى الخارج».

٣- بابُ المُبَشِّراتِ، ومَن رَأى النَّبيَّ ﷺ في المَنامِ


٣٠٧٠. وعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا المُبَشِّرَاتُ». قَالُوا: وَمَا المُبَشِّرَاتُ؟/ قَالَ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ». [خ:٦٩٩٠]
٣٠٧١. [ق] وعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ رَآنِي فِي المَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي اليَقَظَةِ، وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي». [خ:٦٩٩٣]
1. قال ابن الملقن: «قال بعض العلماء: «خص صلى الله عليه وسلم بأن رؤيته في المنام صحيحة، ومنع الشيطان أن يتصور في خلقته لئلا يكذب على لسانه في النوم، كما منع أن يتصور في صورته في اليقظة إكراماً له».
2. المراد برؤيا النبي -صلى الله عليه وسلم- رؤيته على صفته المعروفة المذكورة في كتب الشمائل، ولذلك كان ابن سيرين -رحمه الله-: إذا قص عليه رجل أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: «صفْ لي الذي رأيته، فإن وصف له صفة لا يعرفها، قال: لم تره ».

٣٠٧٢. [ق] ومِن حَديث أنسٍ: «مَنْ رَآنِي فِي المَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَخَيَّلُ بِي». [خ:٦٩٩٤]
٣٠٧٣. [ق] ومِن حديث أَبي قتادةَ: «مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأَى الحَقَّ».[خ:٦٩٩٦]
٣٠٧٤. ومِن حَديث أبي سَعيدٍ: «منْ رَآنِي فَقَدْ رَأَى الحَقَّ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَكَوَّنُنِي». [خ:٦٩٩٧]

٤- بابُ رُؤيا اللَّيلِ والنَّهارِ سَواءٌ


• [خت] وقال ابْن عَون، عَنِ ابنِ سِيرينَ: رؤيا النَّهار مِثل رؤيا اللَّيل.
٣٠٧٥. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ البَارِحَةَ إِذْ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ حَتَّى وُضِعَتْ فِي يَدِي». قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَذَهَبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلُونَهَا.[خ:٦٩٩٨]
• وقد تقدَّم في الجهادِ حديث أمِّ حَرَامٍ، وفيه أنَّه ﷺ دَخل عَليها يومًا فنام عندها، فاستيقظَ فضحكَ، فقالتْ له: ما يُضْحِكُكَ؟ قال: «ناسٌ مِن أمَّتي عُرِضُوا عَليَّ غُزَاةً في سبيل الله»[ر:١٣٢٨].

٥- بابُ رُؤيا النِّساءِ كرُؤيا الرِّجالِ


٣٠٧٦. وعَنْ أُمِّ العَلاءِ -امرأةٌ مِنَ الأَنْصَارِ بَايَعَتْ رَسُولَ اللهِ ﷺ - أنَّها أَخْبَرَتْ: أَنَّهُمُ اقْتَسَمُوا المُهَاجِرِينَ قُرْعَةً، قَالَتْ: فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فَأَنْزَلْنَاهُ فِي أَبْيَاتِنَا، فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ غُسِّلَ وَكُفِّنَ فِي أَثْوَابِهِ، دَخَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، قالت: فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللهَ أَكْرَمَهُ؟» فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ والله اليَقِينُ، وَاللهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الخَيْرَ، وَوَاللهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللهِ مَا يُفْعَلُ بِي». فَقَالَتْ: وَاللهِ لَا أُزَكِّي بَعْدَهُ أَحَدًا أَبَدًا. قالت: وَأَحْزَنَنِي فَنِمْتُ، فَرأيتُ لِعُثْمَانَ عَيْنًا تَجْرِي، فَأَخْبَرْتُ رسُولَ اللهِ/ ﷺ، فَقَالَ: «ذَلكِ عَمَلُهُ». [خ:٧٠٠٣-٧٠٠٤]
1. في الحديث تعليم للناس ألا يتألى أحد على الله، ولا يسبقه بحكم وهو لا يعلم؛ لأن الله هو الذي يحكم ويفصل في أفعال العباد، ولأننا لا نعلم بدواخل الميت التي يعلمها الله، وحسب الناس أن يقولوا: نحسبه على خير، ونحو هذا.
2. قال ابن حجر: «قوله (ووالله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك موافقة، لقوله تعالى في سورة الأحقاف: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} [سورة الأحقاف:9].ـ وكان ذلك قبل نزول قوله تعالى:{لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [سورة الفتح:2] ـ لأن الأحقاف مكية وسورة الفتح مدنية بلا خلاف فيهما، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: أنا أول من يدخل الجنة».

٦- بابُ تأويلِ شُرْبِ اللَّبَنِ، ولُبْسِ القَمِيصِ في المَنَامِ


٣٠٧٧. [ق] عَنِ ابْنِ عمر قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ، حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أَطْرَافِي-في رواية [خ:٧٠٠٦]: مِن أظافيري- فَأَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ». فَقَالَ مَنْ حَوْلَهُ: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: «العِلْمَ». [خ:٧٠٠٧]
• وقد تقدَّم حديث أبي سعيدٍ الخُدْريِّ في رؤيا النَّبيِّ ﷺ النَّاسَ وعليهمُ القُمُصِ، وعلى عُمرَ قميصٌ يجرُّه في مناقب عُمَرَ [ر:١٦٦١].
• وقد تقدَّم حديث رؤيا عبدِ الله بن سَلَامٍ في المناقب [ر:١٧٥٦].
1. قال ابن حجر : «وتفسير اللبن بالعلم لاشتراكهما في كثرة النفع بهما».
2. قال ابن العربي: «والعارضة فيه أن اللبن رزق ينشئه الله طيبًا بين أخابث، كالعلم نور يظهره الله في ظلمة فضرب به المثل في المنام».
3. قال ابن أبي جمرة: «وأما إعطاؤه فضله عمر ففيه إشارة إلى ما حصل لعمر من العلم بالله، حيث كان لا تأخذه في الله لومة لائم».

٧- بابٌ: قدْ يَقَعُ المَرْئيُّ في اليَقَظةِ على الصُّورةِ المرئيَّةِ في النَّومِ


٣٠٧٨. [ق] عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أُرِيتُكِ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ مَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُ المَلَكَ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَقُلْتُ لَهُ: اّْكْشِفْ. فَكَشَفَ فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَقُلْتُ: إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ. ثُمَّ أُرِيتُكِ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَقُلْتُ: اّْكْشِفْ. فَكَشَفَ، فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَقُلْتُ: إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ». [خ:٧٠١٢]
1. استدل البخاري على جواز النظر إلى المخطوبة، بقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: (رأيتك في المنام يجيء بك الملك في سرقة من حرير، فقال لي: هذه امرأتك، فكشفت عن وجهك الثوب؛ فإذا أنت هي)، قال السبكي: «وهذا استدلال حسن؛ لأن فعل النبي في النوم واليقظة سواء، وقد كشف عن وجهها».

تنبيه: (السَّرَقَةُ): وَاحِدة السَّرَق، وهِي شِقاق الحريرِ البيض، ومَدخل الشَّرْطِ لإمكان أن تقع الرُّؤيا على ظَاهرها أوَّلًا، لا في كونها حقًّا.

٨- بابُ تَأويلِ القَيْدِ، وأَقْسَامِ الرُّؤيا


٣٠٧٩. [ق] عن محمَّد بْن سِيرِينَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا المُؤْمِنِ تَكْذِبُ، وَرُؤْيَا المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِن أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ، وَمَا كَانَ مِنَ النُّبُوَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَكْذِبُ». [خ:٧٠١٧]
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَنَا أَقُولُ هَذِهِ. قَالَ: وَكَانَ يُقَالُ: الرُّؤْيَا ثَلَاثٌ: حَدِيثُ النَّفْسِ، وَتَخْوِيفُ الشَّيْطَانِ، وَبُشْرَى مِنَ اللهِ، فَمَنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلَا يَقُصَّهُ عَلَى أَحَدٍ وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ، قَالَ: وَكَانَ يُكْرَهُ الغُلُّ فِي النَّوْمِ، وَكَانَ يُعْجِبُهُمُ القَيْدُ، وَيُقَالُ: القَيْدُ ثَبَاتٌ فِي الدِّينِ.
تنبيه: (اقْتراب الزَّمانِ):/ اعتدالُ اللَّيل والنَّهار، وهو أشبه ما قيل فيه. و(لمْ تَكدْ): لم تُقارب؛ أي: لا تكون رؤيا المؤمن إلَّا صَادقةً.

٩- بابُ تَأْويلِ سِوارَيْ الذَّهبِ،


وإِذا رأىَ بَقَرًا تُذبحُ، وهزِّ السَّيفِ
٣٠٨٠. [ق] عن أبي هُرَيْرَةَ، عن رسولِ اللهِ ﷺ قال: «نَحْنُ الآخِرونَ السَّابقونَ». وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أُوتِيتُ خَزَائِنَ الأَرْضِ، فَوَضَعَ فِي يَدَيَّ سِوَارَينِ مِنْ ذَهَبٍ، فَكَبُرَا عَلَيَّ وَأَهَمَّانِي، فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنِ انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا الكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا: صَاحِبَ صَنْعَاءَ، وَصَاحِبَ اليَمَامَةِ». [خ:٧٠٣٦، ٧٠٣٧]
٣٠٨١. [ق] وعَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «رَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ المُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللهُ بِهِ مِنَ الفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ المُؤْمِنِينَ». [خ:٧٠٤١]

١٠- بابُ عَذَابِ مَن كَذَبَ في حُلُمِهِ


٣٠٨٢. [ق] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ وَلَنْ يَفْعَلَ، وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ -أَوْ: يَفِرُّونَ مِنْهُ- صُبَّ فِي أُذُنَيهِ الآنُكُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ، وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ». [خ:٧٠٤٢]
1. قال المباركفوري: «الحكمة من هذا العذاب: إن قيل إن كذب الكاذب في منامه لا يزيد على كذبه في يقظته، فلم زادت عقوبته ووعيده وتكليفه عقد الشعيرتين؟ قيل: قد صح الخبر أن الرؤيا الصادقة جزء من النبوة، والنبوة لا تكون إلا وحياً، والكاذب في رؤياه يدّعي أن الله تعالى أراه ما لم يره، وأعطاه جزءاً من النبوة لم يعطه إياه، والكاذب على الله تعالى أعظم فرية ممن كذب على الخلق أو على نفسه».

٣٠٨٣. وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ مِنْ أَفْرَى الفِرَى أَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ». [خ:٧٠٤٣]

١١- بابٌ: إِذا رَأىَ مَا يَكرَهُ فَلا يُخْبِرْ بِها ولا يَذْكُرْها


٣٠٨٤. [ق] عن أَبِي سَلَمة -هُو ابْن عبد الرَّحمن- قال: لَقَدْ كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِي، حَتَّى سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ: وَأَنَا كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِي، حَتَّى سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «الرُّؤْيَا الحَسَنَةُ مِنَ اللهِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلَا يُحَدِّثْ بِهِ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ، وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ، وَلْيَتْفِلْ ثَلَاثًا، وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا، فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ»./ [خ:٧٠٤٤]
1. قال النووي: «قوله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا المحبوبة الحسنة لا تخبر بها إلا من تحب فسببه أنه إذا أخبر بها من لا يحب ربما حمله البغض أو الحسد على تفسيرها بمكروه فقد يقع على تلك الصفة وإلا فيحصل له في الحال حزن ونكد من سوء تفسيرها والله أعلم».

١٢- بابُ مَن لَا يرى الرُّؤيا لأوَّلِ عَابرٍ إذَا لم يُصِبْ


٣٠٨٥. [ق] عَنِ ابنِ عبَّاس قال: إنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِي المَنَامِ ظُلَّةً تَنْطُفُ السَّمْنَ وَالعَسَلَ، فَأَرَى النَّاسَ يَتَكَفَّفُونَ مِنْهَا، فَالمُسْتَكْثِرُ وَالمُسْتَقِلُّ، وَإِذَا سَبَبٌ وَاصِلٌ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ، فَأَرَاكَ أَخَذْتَ بِهِ فَعَلَوْتَ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلَا بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلَا بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَانْقَطَعَ ثُمَّ وُصِلَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ وأمِّي، لَتَدَعَنِّي فَأَعْبُرَهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «اعْبُرْ». قَالَ: أَمَّا الظُّلَّةُ فَالإِسْلَامُ، وَأَمَّا الَّذِي يَنْطُفُ مِنَ العَسَلِ وَالسَّمْنِ فَالقُرْآنُ، حَلَاوَتُهُ تَنْطُفُ، فَالمُسْتَكْثِرُ مِنَ القُرْآنِ وَالمُسْتَقِلُّ، وَأَمَّا السَّبَبُ الوَاصِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ فَالحَقُّ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ، تَأْخُذُ بِهِ فَيُعْلِيكَ اللهُ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ آخر مِنْ بَعْدِكَ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِه رَجُلٌ آخَرُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ، ثُمَّ يُوَصَلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ، فَأَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللهِ، أأَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ؟ فقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا». قَالَ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ لَتُحَدِّثَنِّي بِالَّذِي أَخْطَأْتُ. قَالَ: «لَا تُقْسِمْ». [خ:٧٠٤٦]
الغريب: (الظُّلَّة): السَّحابة المُظِلَّة. و(تَنْطُفُ): تَقطرُ. و(يَتَكَفَّفُون): يأخذون بأكفِّهم. و(السَّببُ): الحَبْلُ، والآخذون بالسَّبب الخُلفاء، والَّذي انقطعَ به ووصلَ له هُو عُمر بن الخطَّاب؛ لأنَّه لمَّا قُتِل وُصِل له بأهل الشُّورى وبُعثمان، والله أعلم بما خَفِي على أبي بكر مِن ذلك حتَّى نَسَبَه النَّبيُّ ﷺ إلى الخَطأ.
1. قوله: (فوالله يا رسول الله لتحدثني ما الذي أخطأت قال: لا تقسم) قال النووي: «هذا الحديث دليل لما قاله العلماء أن إبرار المقسم المأمور به في الأحاديث الصحيحة إنما هو إذا لم تكن في الإبرار مفسدة ولا مشقة ظاهرة، فإن كان لم يؤمر بالإبرار لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبر قسم أبي بكر لما رأى في إبراره من المفسدة، ولعل المفسدة ما علمه من سبب انقطاع السبب مع عثمان، وهو قتله، وتلك الحروب والفتن المترتبة عليه، فكره ذكرها مخافة من شيوعها».
2. وفي هذا الحديث جواز عبر الرؤيا، وأن عابرها قد يصيب، وقد يخطئ، وأن الرؤيا ليست لأول عابر على الإطلاق، وإنما ذلك إذا أصاب وجهها.
3. وفي الحديث الحث على علم الرؤيا والسؤال عنها وتأويلها، قال العلماء: «وسؤالهم محمول على أنه صلى الله عليه وسلم يعلمهم تأويلها وفضيلتها واشتمالها على ما شاء الله تعالى من الإخبار بالغيب».
4. قال ابن هبيرة: «في السؤال من أبي بكر أولاً وآخراً وجواب النبي ﷺ دلالة على انبساط أبي بكر معه وإدلاله عليه».
5. قال ابن حجر: «في الحديث أنه لا يَعْبُر الرؤيا إلا عالم ناصح أمين حبيب».
6. قوله: (يا رسول الله بأبي أنت والله لتدعني فأعْبُرها)، قال ابن حجر: «فيه جواز إظهار العالم ما يحسن من العلم إذا خَلَصَت نيته وأَمِنَ العُجْب».
7. قوله: (يا رسول الله بأبي أنت والله لتدعني فأعْبُرها)، قال ابن حجر: «فيه كلام العالم بحضرة من هو أعلم منه إذا أَذِنَ له في ذلك صريحاً أو ما قام مقامه».
8. قوله: (فوالله يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأت)، قال ابن حجر: «فيه أن للتلميذ أن يُقسم على معلمه أن يفيده الحكم».

(٧٤) كِتَابُ الفِتَنِ


١- بابُ وُقُوعِ الفِتَنِ والأَمْرِ باتِّقائِها،


لقولِهِ تعالىَ: ﴿وَٱتَّقُوا۟ فِتۡنَةࣰ لَّا تُصِیبَنَّ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ مِنكُمۡ خَاۤصَّةࣰ﴾ [الأنفال:٢٥]
٣٠٨٦. [ق] عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ أَنَّهَا قَالَت: اّْسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ ﷺ مِنَ النَّوْمِ مُحْمَرٌّ وَجْهُهُ يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ/ مِثْلُ هَذِهِ» وَعَقَدَ سُفْيَانُ تِسْعِينَ أَوْ مِئَةً، قِيلَ: أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ». [خ:٧٠٥٩]
1. فيه أن الفزع لا يشغل قلب المؤمن عن ذكر الله عند الخوف؛ لأنّ بذكر الله تطمئن القلوب

٣٠٨٧. [ق] وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: أَشْرَفَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ المَدِينَةِ فَقَالَ: «هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟» قَالُوا: لَا. قَالَ: «فَإِنِّي لَأَرَى الفِتَنَ تَقَعُ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ كَوَقْعِ القَطْرِ». [خ:٧٠٦٠]
1. قال النووي: «والتشبيه بمواقع القطر في الكثرة والعموم، أي إنها كثيرة، وتعم الناس لا تختص بها طائفة، وهذا إشارة إلى الحروب الجارية بينهم، كوقعة الجمل، وصفين، والحرة، ومقتل عثمان، ومقتل الحسين رضي الله عنهما، وغير ذلك، وفيه معجزة ظاهرة له صلى الله عليه وسلم».

٣٠٨٨. [ق] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيَنْقُصُ العِلْمُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَتَظْهَرُ الفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الهَرْجُ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّمَا هُوَ؟ قَالَ: «القَتْلُ القَتْلُ». [خ:٧٠٦١]
1. قال النووي: «المراد بالهرج هنا الفتنة واختلاط أمور الناس، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها، ويشتغلون عنها، ولا يتفرغ لها إلا أفراد».

٣٠٨٩. [ق] وعَنْ شَقِيقٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللهِ وَأَبِي مُوسَى فَقَالَا: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ لَأَيَّامًا، يَنْزِلُ فِيهَا الجَهْلُ، وَيُرْفَعُ فِيهَا العِلْمُ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الهَرْجُ»، وَالهَرْجُ: القَتْلُ. [خ:٧٠٦٢]
الغَريب: (الرَّدْم): السَّدُّ المَردُومُ بالحِجارةِ وغيرِها. و(يَأْجوجُ وَمَأْجوجُ): قبيلتان عظيمتان مِن وَراءِ السَّدِّ. و(الخَبَثُ): الزِّنا والفَسَاد، ورؤيته للفِتن معلومةٌ معرفته بها وتحقيقه إيَّاها. و(الأُطُم): الحائطُ المُرتفعُ، ويُجمع آطام، وكذلك الأُجُم. و(خِلالَ): بمعنى: بَيْنَ، وهو ظَرْفٌ. و(تَقاربُ الزَّمان) هنا: تقاربُ أهله في الشَّرِّ والفساد، حتَّى لا يبقى مَن يقول: الله، الله، والله أعلم.
1. قال ابن الجوزي: «الهَرْج: القتال والاختلاط، وإذا عَمَّت الفتن اشتغلت القلوب، وإذا تعبَّد حينئذٍ متعبِّدٌ، دلَّ على قُوَّة اشتغال قلبه بالله عز وَجل فيَكْثُر أجره».

٢- بابٌ: يُهْلِكُ النَّاسَ أُغَيْلمةٌ مِن قُريشٍ، وَلا يأتي زمانٌ إلَّا بعدَه شرٌّ منه


٣٠٩٠. عَنْ [سَعِيدِ بْنِ] عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ ﷺ بِالمَدِينَةِ وَمَعَنَا مَرْوَانُ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ الصَّادِقَ المَصْدُوقَ يَقُولُ: «هَلَكَةُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ». فَقَالَ مَرْوَانُ: لَعْنَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ غِلْمَةً. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَوْ شِئْتُ أَنْ أَقُولَ: بَنِي فُلَانٍ وَبَنِي فُلَانٍ لَفَعَلْتُ. قال عمرو بن يحيى: فَكُنْتُ أَخْرُجُ مَعَ جَدِّي -يعني: [سَعِيدِ بْنِ] عمرو بن سعيد- إِلَى بَنِي مَرْوَانَ حِينَ مُلِّكُوا بِالشَّأْمِ، فَإِذَا رَآهُمْ غِلْمَانًا أَحْدَاثًا قَالَ لَنَا: عَسَى هَؤُلَاءِ أَنْ يَكُونُوا مِنْهُمْ؟ قُلْنَا: أَنْتَ أَعْلَمُ. [خ:٧٠٥٨]
٣٠٩١. عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْا إِلَيْهِ مَا يلقونَ مِنَ الحَجَّاجِ فَقَالَ: «اصْبِرُوا، فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ أشَرُّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ»./ سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ ﷺ. [خ:٧٠٦٨]
1. في الحديث دليل على دفع المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى، فالصبر على ظلم الحاكم خير من سفك دماء المسلمين.
2. قال ابن الجوزي: «إن قال قائل: ما وجه هذا ونحن نعلم أنه جاء بعد الحجاج عمر بن عبد العزيز، فبسط العدل وصلح الزمان؟ فالجواب: أن الكلام خرج على الغالب، فكل عام تموت سنة وتحيا بدعة، ويقل العلم ويكثر الجهال، ويضعف اليقين، وما يأتي من الزمان الممدوح نادر قليل».

٣٠٩٢. وعن أمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَت: اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لَيْلَةً فَزِعًا يَقُولُ: «سُبْحَانَ اللهِ، مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيلةَ مِنَ الخَزَائِنِ، وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الفِتَنِ، مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجُرَاتِ؟ -يُرِيدُ أَزْوَاجَهُ لِكَيْ يُصَلِّينَ- رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ». [خ:٧٠٦٩]
(الخَزائن): جمع خِزَانة، ويعني بها هنا الإِمكان، والله أعلم.

٣- بابُ النَّهيِ عَنْ حَمْل السِّلاح على المُسلمِ، والتَّغليظِ في قِتَالِهِ


٣٠٩٣. [ق] عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا». [خ:٧٠٧٠]
• ونحوه عن أبي موسى. [خ:٧٠٧١]
٣٠٩٤. [ق] وعن أبي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَا يُشِرْ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي، لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ، فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ». [خ:٧٠٧٢]
٣٠٩٥. [ق] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ». [خ:٧٠٧٧]
• ونحوه عَنِ ابنِ عبَّاس، غير أنَّه قَال: «لَا ترتدُّوا بَعدي كُفَّارًا». [خ:٧٠٧٩]
٣٠٩٦. [ق] وعَنْ جَرِيرٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ: «اسْتَنْصِتِ النَّاسَ». ثُمَّ قَالَ: «لَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ». [خ:٧٠٨٠]
1. قوله: (استنصت الناس) فيه أن الإنصات للعلماء والتوقير لهم لازم للمتعلمين، فتوقير النبي صلى الله عليه وسلم واجب فكذلك العلماء؛ لأنهم ورثة النبي صلى الله عليه وسلم، فهم يُحيون سنته، ويدعون الناس إليها، فلهم الإجلال والاحترام.
2. وفيه أن الإنصات سبب لفتح باب العلم، قال سفيان الثوري: «أول العلم الاستماع، ثم الإنصات».

٣٠٩٧. [ق] عَنِ الحَسَنِ قَالَ: خَرَجْتُ بِسِلَاحِي لَيَالِيَ الفِتْنَةِ، فَاسْتَقْبَلَنِي أَبُو بَكْرَةَ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أُرِيدُ نُصْرَةَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللهِ ﷺ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِذَا تَوَاجَهَ المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَكِلَاهُمَا في النَّارِ». قِيلَ: فَهَذَا القَاتِلُ فَمَا بَالُ المَقْتُولِ؟ قَالَ: «إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ». [خ:٧٠٨٣]
1. فيه وقوع العقاب على من عزم على المعصية بقلبه ووطن نفسه عليها وباشر أسبابها؛ سواء حدثت أم لم تحدث، إن لم يعف الله عز وجل عنه، أما من همّ بقلبه فقط ولم يباشر الأسباب فلا يأثم.

قال أيُّوبُ ويُونُس بن عُبيدٍ: إنَّما روىَ هذا الحَديثَ الحسنُ، عَنِ الأَحْنفِ ابْنِ قيسٍ، عن أَبي بَكْرَة.

٤- بابُ القُعُودِ عَنِ الفِتنِ خيرٌ مِن القِيامِ فيها،


وكيف الأَمْر إذا لم يكنْ جماعةٌ؟ والنَّهي عن تَكْثير سَوَاد الفِتن
٣٠٩٨. [ق] عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «سَتَكُونُ فِتَنٌ، القَاعِدُ/ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ القَائِمِ، وَالقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ المَاشِي، وَالمَاشِي خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ». [خ:٧٠٨٢]
1. قال ابن حجر: «قوله : (والقاعد فيها خير من القائم) حكى ابن التين عن الداودي: «الظاهر أن المراد من يكون مباشرا لها في الأحوال كلها، يعني أن بعضهم في ذلك أشد من بعض، فأعلاهم في ذلك الساعي فيها بحيث يكون سببا لإثارتها، ثم من يكون قائما بأسبابها وهو الماشي، ثم من يكون مباشرا لها وهو القائم، ثم من يكون مع النظَّارة [يعني: المتفرجين] ولا يقاتل وهو القاعد، ثم من يكون مجتنبا لها ولا يباشر ولا ينظر وهو المضطجع اليقظان، ثم من لا يقع منه شيء من ذلك ولكنه راض وهو النائم، والمراد بالأفضلية في هذه الخيرية من يكون أقل شرا ممن فوقه على التفصيل المذكور».
2. وفيه التحذير من الفتنة، والحث على اجتناب الدخول فيها، وأن شرها يكون بحسب التعلق بها.

٣٠٩٩. وَعن أبي الأَسْوَدِ قَالَ: قُطِعَ عَلَى أَهْلِ المَدِينَةِ بَعْثٌ، فَاكْتُتِبْتُ فِيهِ، فَلَقِيتُ عِكْرِمَةَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَنَهَانِي أَشَدَّ النَّهْيِ، ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَّ أُنَاسًا مِنَ المُسْلِمِينَ كَانُوا مَعَ المُشْرِكِينَ يُكَثِّرُونَ سَوَادَ المُشْرِكِينَ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَيَأْتِي السَّهْمُ فَيُرْمَى فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ فَيَقْتُلُهُ، أَوْ يَضْرِبُهُ فَيَقْتُلُهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ: ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ ظَالِمِیۤ أَنفُسِهِمۡ﴾ [النساء:٩٧]. [خ:٧٠٨٥]

٥- بابٌ: إذا بَقِيَ في حُثالةٍ مِن النَّاس تأكَّد عليه التَّحرُّز مِن الفِتن


٣١٠٠. [ق] عن حُذيفةَ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ حَدِيثَيْنِ، رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآخَرَ، حَدَّثَنَا «أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ»، وَحَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا قَالَ: «يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقَى أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ المَجْلِ، كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ، فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، وَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ لَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الأَمَانَةَ، فَيُقَالُ: إِنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَا أَعْقَلَهُ! وَمَا أَظْرَفَهُ! وَمَا أَجْلَدَهُ! وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ»، وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وما أُبَالِي أَيُّكُمْ بَايَعْتُ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا رَدَّهُ عَلَيَّ الإِسْلَامُ، وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا رَدَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ، وَأَمَّا اليَوْمَ فَمَا كُنْتُ أُبَايِعُ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا. [خ:٧٠٨٦]
الغَريب: (الجَذْر): الأصْلُ مِن كلِّ شيءٍ، وهو بالذَّال المُعجمة. و(الوَكْتُ): أثَر بياض في العَين، وأوَّل نَقْط الرُّطَب، يُقال: بُسرٌ مُوَكَّت: إذا بدتْ فيه نقطةٌ مِن الإرْطاب. و(المَجْلُ) بالجيم: ما يَنْعَقِد في البدء مِن العَمل. و(المُنْتَبِرُ): المُنْتفخ والمُرْتفع، ومنه المِنبر. و(الظَّرف): حُسن المنطق وحلاوته. و(السَّاعي): وَاحد السُّعاة، وهمْ العمَّال على الجِزية وغيرها. و(عليَّ): بمعنى عنَّي، وقد وقَعَ في بعض نُسخ مُسلمٍ كذلك.
1. قال ابن بطال رحمه الله: «هذا الحديث من أعلام النبوة؛ لأنّ فيه الإخبار عن فساد أديان النَّاس وقلة أمانتهم في آخر الزمان، ولا سبيل إلى معرفة ذلك قبل كونه إلا من طريق الوحي».
2. قال ابن عثيمين: «لقد شاهد الناس اليوم مصداق هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنك تستعرض الناس رجلاً رجلاً تبلغ إلى حد المائة أو المئات، ولا تجد الرجل الأمين الذي أدى الأمانة كما ينبغي في حق الله، ولا في حق الناس».

./

١ قال النبي ﷺ: "لم يبق من النبوة إلا (…)". :

٥/٠