(٧٠) كِتَابُ المُرْتَدِّين واسْتِتَابَتْهم


١- بابُ الرِّدَّةِ مُحْبطةٌ للأعمالِ الدِّينيَّةِ،


وقولِهِ تعالىَ: ﴿وَمَن یَكۡفُرۡ بِٱلۡإِیمَـٰنِ فَقَدۡ حَبِطَ عَمَلُهُۥ﴾ [المائدة:٥]
و﴿لَىِٕنۡ أَشۡرَكۡتَ لَیَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَـٰسِرِینَ﴾ [الزمر:٦٥]
٣٠٥٣. [ق] عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: «مَنْ أَحْسَنَ فِي الإِسْلَامِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَسَاءَ فِي الإِسْلَامِ أُخِذَ بِالأَوَّلِ وَالآخِرِ». [خ:٦٩٢١]
تنبيه: يعني بالإحْسان في الإسلام: الإخلاصُ فيه حين دخولِه، والدَّوام على ذلكَ إلى حين/ وفاته. والإساءة فيه ضدُّ ذلك، فإنَّه إن لم يُخْلِص بباطنه في إسلامِه كان منافقًا، ولَا ينهدِمُ عنه ما عَمِل به في الجاهليَّةِ مِن الكَبائر بالنِّفاق، بل بالإسلام الخَالص، فينْضافُ نِفاقه المتأخِّر إِلى كُفره المتقدِّم، فيكونُ مع المنافقين في الدَّرك الأسفل مِن النَّار، وكذلك إنِ ارتدَّ وماتَ عليها أَحبطت ردَّتُه عملَه، فَيلقى الله كافرًا، أعاذنا الله مِن النِّفاق وأهله.
1. قال القرطبي: «والإساءة المذكورة في هذا الحديث في مقابلة هذا الإحسان هي الكفر والنفاق، ولا يصح أن يراد بالإساءة هنا ارتكاب سيئة ومعصية، لأنه يلزم عليه ألا يهدم الإسلام ما قبله من الآثام، إلا لمن عُصم من جميع السيئات إلى الموت، وهو باطل قطعا، فتعيَّن ما قلناه».

٢- بابُ حُكْمِ المُرْتدِّ والمُرْتدَّةِ واسْتتابَتِهم


-وقال ابنُ عمرَ والزُّهريُّ وإبراهيمُ: تُقتل المرتدَّة-
وقالَ اللهُ تعالىَ: ﴿كَیۡفَ یَهۡدِی ٱللَّهُ قَوۡمࣰا كَفَرُوا۟ بَعۡدَ إِیمَـٰنِهِمۡ وَشَهِدُوۤا۟ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقࣱّ﴾
إِلىَ قولِهِ: ﴿غَفُورࣱ رَّحِیمٌ﴾ [آل عمران: ٨٦-٨٩]
٣٠٥٤. وعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: أُتِيَ عَلِيٌّ ﵁ بِزَنَادِقَةٍ فَأَحْرَقَهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحْرِقْهُمْ، لِنَهْيِ رَسُولِ اللهِ ﷺ: «لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللهِ»، وَلَقَتَلْتُهُمْ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ ﷺ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ». [خ:٦٩٢٢]
٣٠٥٥. [ق] وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: أَقْبَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَمَعِي رَجُلَانِ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ، أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِي، وَالآخَرُ عَنْ يَسَارِي، وَرَسُولُ اللهِ ﷺ يَسْتَاكُ، فَكِلَاهُمَا سَأَلَ، فَقَالَ: «يَا أَبَا مُوسَى» -أَوْ: «يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ»- قَالَ: قُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا أَطْلَعَانِي عَلَى مَا فِي نُفوسِهما، وَمَا شَعَرْتُ أَنَّهُمَا يَطْلُبَانِ العَمَلَ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى سِوَاكِهِ تَحْتَ شَفَتِهِ قَلَصَتْ، فَقَالَ لي: «لَنْ -أَوْ: لَا- نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ، وَلَكِنِ اّْذْهَبْ أَنْتَ يَا أَبَا مُوسَى -أَوْ: يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ- إِلَى اليَمَنِ». ثُمَّ اتَّبَعَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ أَلْقَى لَهُ وِسَادَةً، قَالَ: اّْنْزِلْ، فَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ مُوثَقٌ، فقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ. قَالَ: اّْجْلِسْ، قَالَ: لَا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ، قَضَاءُ اللهِ وَرَسُولِهِ. ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ، ثُمَّ تَذَاكَرَا قِيَامَ اللَّيْلِ. فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَمَّا أَنَا فَأَقُومُ وَأَنَامُ، وَأَرْجُو فِي نَوْمَتِي مَا أَرْجُو فِي قَوْمَتِي. [خ:٦٩٢٣]
1. قال المهلب: «لما كان طلب العمالة دليلاً على الحرص أُبتغي أن يُحترس من الحريص، فلذلك قال النبي ﷺ : (لا نستعمل على عملنا من أراده)».
2. قوله: (وما شعرت أنهما يطلبان العمل)، قال ابن حجر: «فيه كراهة سؤال الإمارة والحرص عليها ومنع الحريص منها».
3. قوله: (قال: اجلس! قال: لا أجلس حتى يُقتل، قضاء الله ورسوله)، قال ابن حجر: «فيه المُبادرة إلى إنكار المنكر».
4. قوله: (وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي)، قال ابن حجر: «فيه أن المباحات يؤجر عليها بالنية إذا صارت وسائل للمقاصد الواجبة أو المندوبة أو تكميلاً لشيء منهما».
5. قال ابن حجر: «في الحديث أن الذي يناله المتولي من النعماء والسراء دون ما يناله من البأساء والضراء، إما بالعزل في الدنيا فيصير خاملاً، وإما بالمؤاخذة في الآخرة وذلك أشد نسأل الله العفو»، قال البيضاوي: «فلا ينبغي لعاقل أن يفرح بلذة يعقبها حسرات».

٣- بابُ إِبايةِ قبولِ الفرائضِ/ أو بعضِها ردَّةً


٣٠٥٦. [ق] عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ ﷺ وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ العَرَبِ، قَالَ عُمَرُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا. قَالَ عُمَرُ: فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ أَنْ قَدْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الحَقُّ. [خ:٦٩٢٤-٦٩٢٥]
1. قال ابن حجر الهيتمي - رحمه الله -: «هو حديث عظيم مشتمل من قواعد الدين على مهماتها».
2. وفيه: اجتهاد الأئمّة في النّوازل، وطاعة الوزراء والأمّة لهم.

٤- بابُ قتلِ الخَوَارجِ والمُلحدينَ بعدَ إِقَامةِ الحُجَّةِ، وقولِ اللهِ تعالى:


﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیُضِلَّ قَوۡمَۢا بَعۡدَ إِذۡ هَدَىٰهُمۡ حَتَّىٰ یُبَیِّنَ لَهُم مَّا یَتَّقُونَ﴾ [التوبة:١١٥]
• [خت] وكانَ ابْنُ عُمرَ يَراهم شِرارَ خَلْقِ اللهِ، وقالوا: إنَّهم انْطلقُوا إِلى آياتٍ نَزلَتْ في الكفَّارِ فَجَعلُوها على المؤمنينَ.
• [ق] وقد تقدَّم حديث عليٍّ [ر:١٦٣٠].
٣٠٥٧. [ق] وعَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُمَا أَتَيَا أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ فَسَأَلَا عَنْ الحَرُورِيَّةِ: أَسَمِعْتَ نَبيَّ اللهِ ﷺ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي مَا الحَرُورِيَّةُ؟ سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «يَخْرُجُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ -وَلَمْ يَقُلْ: مِنْهَا- قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، يَقْرَؤونَ القُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حُلُوقَهُمْ -أَوْ: حَنَاجِرَهُمْ- يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَنْظُرُ الرَّامِي إِلَى سَهْمِهِ، إِلَى نُضيِّه، إِلَى رِصَافِهِ، فَيَتَمَارَى فِي الفُوقَةِ، هَلْ عَلِقَ بِهَا مِنَ الدَّمِ شَيْءٌ».[خ:٦٩٣١]
1. فيه: أنّ قراءة القرآن مع اختلال العقيدة غير زاكيةٍ ولا حاميةٍ صاحبها من سخط الله عزّ وجلّ.

٣٠٥٨. [ق] ومِن حَديث سهلِ بْنِ حُنَيْفٍ قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ -وَأَهْوَى بِيَدِهِ قِبَلَ العِرَاقِ-: «يَخْرُجُ مِنْهُ قَوْمٌ يَقْرَؤونَ القُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلَامِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ». [خ:٦٩٣٤]
وقد تقدَّم غَريب هَذا الحَديث في كتاب النُّبوَّات [ر: بعد ١٦٣٠].

٥- بابُ مَن تَرَك قِتالَ الخَوارجِ للتَّألُّف،


وأنْ لا يَنْفِرَ النَّاسُ عنه، ومَا جاءَ في المُتَأَوِّلينَ
قلت: ذكر في هَذين البابين/ أحاديثَ تقدَّم ذكرهما[ر:١٦٣٠-١٦٣١].

(٧١) كِتَابُ الإِكْرَاهِ


وقوله ﷿: ﴿إِلَّا مَنۡ أُكۡرِهَ وَقَلۡبُهُۥ مُطۡمَىِٕنُّۢ بِٱلۡإِیمَـٰنِ وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِٱلۡكُفۡرِ صَدۡرࣰا فَعَلَیۡهِمۡ غَضَبࣱ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِیمࣱ﴾ [النحل:١٠٦]، وَقالَ تَعالى: ﴿إِلَّاۤ أَن تَتَّقُوا۟ مِنۡهُمۡ تُقَىٰةࣰ﴾ [آل عمران:٢٨]، وقالَ تعالىَ: ﴿وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِینَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَاۤءِ وَٱلۡوِلۡدَ ٰ⁠نِ ٱلَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ أَخۡرِجۡنَا مِنۡ هَـٰذِهِ ٱلۡقَرۡیَةِ ٱلظَّالِمِ أَهۡلُهَا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِیࣰّا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِیرًا﴾ [النساء:٧٥] فعَذَرَ المُستضعفين الَّذين لا يَمتنعون مِن تَرك مَا أمرَ الله به، والمُكْرَه لا يكون إلَّا مستضعَفًا غير مُمْتَنِعٍ مِن فِعل ما أُمر به.
• [خت] وقال الحسنُ: التَّقيَّةُ إلى يوم القيامة.
• [خت] وقال ابن عبَّاس فيمَن يُكْرِهه اللُّصوص فَيُطَلِّق: ليس بشيء.
• [خت] وبه قال ابن عمر، وابن الزُّبير، والشَّعبيُّ، والحَسَنُ، وقال ﷺ: «الأعمالُ بالنِّيَّة»[خ:٢٥٢٩].
• وقد تقدَّم حديث أبي هُرَيْرَةَ في دُعَائه ﷺ لعيَّاش بن أبي رَبيعة وأصحابه في كتاب الصَّلاة [ر:٤١٧].

١- بابُ مَدْحِ من صَبَرَ على الضَّررِ والأذَى، ولم يَنْطِقْ بكلمةِ الكُفرِ


• [ق] عن أنسٍ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ»... الحديثَ [٦٩٤١]، وقد تقدَّم.
• وعَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، فَقُلْنَا: أَلَا تَسْتَنْصِرُ؟ أَلَا تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: «قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ»... الحديثَ[خ:٦٩٤٣]، وقد تقدَّم.

٢- بابٌ: لا يَجُوزُ نِكاحُ المُكْرَهِ،


وقولُ اللهِ تعالى: ﴿وَلَا تُكۡرِهُوا۟ فَتَیَـٰتِكُمۡ عَلَى ٱلۡبِغَاۤءِ﴾ إلى قولِهِ: ﴿غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ﴾ [النور:٣٣]
• عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتِ/ النَّبِيَّ ﷺ فَرَدَّ نِكَاحَهَا. وقد تقدَّم [ر:٣٢١٨].
• وتقدَّم أيضًا حديثُ ابنِ عبَّاسٍ في تفسيرِ قولِهِ تعالىَ: ﴿لَا یَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَرِثُوا۟ ٱلنِّسَاۤءَ كَرۡهࣰا﴾ [النساء:١٩] [ر:٢٠٢٢].
ويُقالُ: كَرْهٌ وكُرْهٌ -بفتح الكاف وضمِّها- بمعنًى واحد.

٣- بابٌ: إذا استُكرهتِ المرأةُ على الزِّنا فلا حَدَّ عليها،


لقولِهِ تعالىَ: ﴿وَمَن یُكۡرِههُّنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِنۢ بَعۡدِ إِكۡرَ ٰ⁠هِهِنَّ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ﴾ [النور:٣٣]
• وقال نَافِعٌ: إنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ عَبْدًا مِنْ رَقِيقِ الإِمَارَةِ وَقَعَ عَلَى وَلِيدَةٍ مِنَ الخُمُسِ، فَاسْتَكْرَهَهَا حَتَّى اقْتَضَّهَا، فَجَلَدَهُ عُمَرُ الحَدَّ وَنَفَاهُ، وَلَمْ يَجْلِدِ الوَلِيدَةَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ اسْتَكْرَهَهَا.
وقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي الأَمَةِ البِكْرِ يَفْتَرِعُهَا الحُرُّ: يُقِيمُ ذَلِكَ الحَكَمُ مِنَ الأَمَةِ العَذْرَاءِ بِقَدْرِ ثَمَنِها وَيُجْلَدُ، وَلَيْسَ فِي قَضَاءِ الأَئِمَّةِ غُرْمٌ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ الحَدُّ. [خت:٦٩٤٩]
• وقد تقدَّم حديث إبْراهيم وزوجته سارة [ر:١٥٤٧].

٤- بابُ يَمِينِ الرَّجلِ لصاحبِهِ: أنَّه أَخُوهُ،


إِذا خافَ عليهِ القَتْلَ أَو نحوَهُ، وكذلك كلُّ مُكره يَخاف، فإنَّه يَذُبُّ عنه المظَالم،
ويقاتِلُ دونَهُ ولا يخذلُه، فإنْ قاتل دون المظلوم فلا قَودَ عليه ولا قِصاصَ
وإن قيل له: لتشربنَّ الخمرَ أو لتأكُلَنَّ المَيْتَةَ أو لتبيعنَّ عَبْدَكَ، أو تُقِرُّ بدَيْنٍ، أو تهبُ هبةً، أو تحلُّ عقدةً، أو لَنَقْتُلَنَّ أباك أو أخاك، ومَا أشبه ذلك لقول النَّبيِّ ﷺ: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمُه ولا يُسْلِمه، ومَن كان في حَاجة أخيهِ كان الله في حاجَتهِ» رواه ابن عُمر، عَنِ النَّبيِّ ﷺ.
٣٠٥٩. وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا». فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ: «تَحْجُزُهُ -أَوْ: تَمْنَعُهُ- مِنَ الظُّلْمِ فَذَلِكَ نَصْرُهُ». [خ:٦٩٥٢]
1. نقل الإسلام المفاهيم الجاهلية من الهدم إلى البناء، حيث كان الجاهليون يتناصرون سواء كانوا مظلومين أو ظالمين لغيرهم بالاعتداء لا بالكف والمنع.

(٧٢) كِتَابُ الحِيَلِ/


١- بابٌ: في تَرَكِ الحِيل الَّتي تُفْضِي إلى تَغْييرِ الشَّرائعِ،


وأنِّ لكلِّ امْرئٍ ما نَوَى في الأَيْمَانِ وَغَيْرهِ
• وقد تقدَّم قوله ﷺ: «وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى»[ر:١]، وقوله: «لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ؛ خَشْيةَ الصَّدَقة» [ر:٧٢٣].
٣٠٦٠. [ق] عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ ثَائِرَ الرَّأْسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ؟ قَالَ: «الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئًا». فَقَالَ: أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ؟ قَالَ: «شَهْرَ رَمَضَانَ إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئًا». قَالَ: أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ؟ قَالَ: فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ بشَرَائِعِ الإِسْلَامِ، قَالَ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ، لَا أَتَطَوَّعُ شَيْئًا، وَلَا أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ شَيْئًا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ» أَوْ: «أُدْخِلَ الجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ». [خ:٦٩٥٦]
1. قوله: (أفلح إن صدق) قال الأتيوبي: «دليل على أنه إن لم يصدق فيما التزم لا يُفلح، ففيه رد على المرجئة القائلين: لا تضر المعاصي مع الإيمان، وإن تُرِكت الأعمال».

قال البخاري: وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: فِي عِشْرِينَ وَمِئَةٍ حِقَّتَانِ، فَإِنْ أَهْلَكَهَا مُتَعَمِّدًا، أَوْ وَهَبَهَا، أَوِ احْتَالَ فِيهَا فِرَارًا مِنَ الزَّكَاةِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
٣٠٦١. [ق] وأوردَ بعد هذا القول مِن حديث أبي هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَكُونُ كَنْزُ أَحَدِكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ، يَفِرُّ مِنْهُ صَاحِبُهُ، ويَطْلُبُهُ وَيَقُولُ: أَنَا كَنْزُكَ، قَالَ: وَاللهِ لَا يَزَالُ يَطْلُبُهُ حَتَّى يَبْسُطَ يَدَهُ فَيُلْقِمَهَا فَاهُ».
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِذَا مَا رَبُّ النَّعَمِ لَمْ يُعْطِ حَقَّهَا تُسَلَّطُ عَلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَتَخْبِطُ وَجْهَهُ بِأَخْفَافِهَا». [خ:٦٩٥٧، ٦٩٥٨]
1. قال ابن حجر: «في الحديث إن الله يحيي البهائم ليعاقب بها مانع الزكاة، وفي ذلك معاملةً له بنقيض قصده؛ لأنه قصد منْع حق الله منها وهو الارتفاق والانتفاع بما يمنعه منها، فكان ما قصد الانتفاع به أضر الأشياء عليه».
2. وفيه: أنَّ العبد إذا لم يشكر النّعمة ويؤدّ حقّ الله فيها، تكون نقمةً ووبالًا عليه يوم القيامة، وتتمثّل له في أبشع الصّور الّتي تؤلمه وتؤذيه.

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ فِي رَجُلٍ لَهُ إِبِلٌ يَخَافُ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، فَبَاعَهَا بِإِبِلٍ مِثْلِهَا أَوْ بِغَنَمٍ أَوْ بِبَقَرٍ أَوْ بِدَرَاهِمَ، فِرَارًا مِنَ الصَّدَقَةِ بِيَوْمٍ احْتِيَالًا، فَلَا شيءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ: إِنْ زَكَّى إِبِلَهُ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ الحَوْلُ بِيَوْمٍ أَوْ بِسَنةٍ أجْزأتْ عَنْهُ.
قال: وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِذَا بَلَغَتِ الإِبِلُ عِشْرِينَ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ، فَإِنْ وَهَبَهَا قَبْلَ الحَوْلِ أَوْ بَاعَهَا فِرَارًا أو احْتِيَالًا لِإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ أَتْلَفَهَا فَمَاتَتْ، فَلَا شَيْءَ عليه فِي مَالِهِ.

٢- بابُ الحِيْلَةِ في النِّكَاحِ/


• وقد تقدَّم حديثُ ابْنِ عُمر في نَهْيِهِ عَنِ الشِّغارِ في النِّكاحِ [ر:٢٣٠٥].
وقالَ بعضُ النَّاسِ: إنِ احتالَ حتَّى تزوَّج على الشِّغارِ فهو جائزٌ، والشَّرطُ باطلٌ.
وَقَالَ فِي المُتْعَةِ: النِّكَاحُ فَاسِدٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ.
٣٠٦٢. [ق] وعن عليِّ بن أبي طالبٍ ﵁ وقِيلَ لَهُ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَا يَرَى بِمُتْعَةِ النِّسَاءِ بَأْسًا، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ نَهَى عَنْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ. [خ:٦٩٦١]
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنِ احْتَالَ حَتَّى تَمَتَّعَ فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: النِّكَاحُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ.

٣- بابٌ: إذا غَصبَ جاريةً فزعمَ أنَّها ماتتْ،


فَقُضِي بِقِيمتِها، ثمَّ وَجدَها صاحِبُها فهي لَهُ، وتُرَدُّ القيمةُ،
ولا تكون القيمةُ ثَمنًا، وحُكمُ الحاكمِ في الظَّاهرِ لَا يغيِّرُ حُكمَ البَاطنِ
وقالَ بعضُ النَّاسِ: الجَاريةُ للغَاصِبِ لأخْذِهِ القيمةَ، وفي هذا احتيالٌ لمَن اشْتهى جاريةَ رَجلٍ لا يَبِيْعَها، فغَصَبَها فَاعْتَلَّ بأنَّها ماتتْ، حتَّى يأخذَ ربُّها قِيْمَتَها، فتَطِيْبُ للغَاصب جاريةُ غيره، قال النَّبيُّ ﷺ: «أَمْوَالُكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» (خ:٦٧)، و«لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ» (خ:٦٩٦٦).
٣٠٦٣. [ق] وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكمْ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْه، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ». [خ:٦٩٦٧]
1. في الحديث: أنّ البشر لا يعلمون ما غيّب عنهم.
2. وفيه: أنّ التّحرّي جائزٌ في أداء المظالم.
3. وفيه: أنّ الحاكم له الاجتهاد فيما لم يكن فيه نصٌّ.
4. وفيه: التحذير الشّديد عن الدّعوى الباطلة التي يراد منها أكل أموال النّاس بالباطل؛ لما تؤدّي إليه من النّار، وبئس القرار!.
5. وفيه: أنّ إثم الخطأ موضوعٌ عن القاضي، إذا كان قد وضع الاجتهاد موضعه.

٤- بابُ ما ذُكِرَ مِن حِيلِ بعضِ النَّاسِ الفاسدةِ فِي النِّكاحِ


• قالَ البخاريُّ: قالَ بعضُ النَّاسِ: إِذا لم تُسْتأذنِ البِكْرُ ولم تُزَوَّج، فاحْتال رَجلٌ فأقام شَاهديْ زُورٍ أنَّه تزوَّجها بِرضاها، فأثبتَ القاضي نِكاحها، والزَّوج يعلمُ أنَّ الشَّهادةَ باطلةٌ، فلا بأس أنْ يطأها، وهو تزويجٌ صحيحٌ.
• وذَكَرَ هنا حديثَ خنساءَ بِنْتِ خِدَامٍ، وقد تقدَّم في النِّكاحِ [ر:٢٣١٨].
وقالَ بعضُ النَّاسِ: إن احتالَ إنسانٌ بشاهدي زُورٍ على تزويجِ امرأةٍ ثَيِّبٍ بأمرِها، فأثبتَ القاضي نِكاحَها/ إيَّاه، والزَّوجُ يَعْلَمُ أنَّه لم يَتَزَوَّج بها قطُّ، فإنَّه يسعُه هذا النِّكاحُ، ولا بأسَ بالمُقامِ له معها.
وقال بعض النَّاس أيضًا: إنْ هوِيَ إنسانٌ جاريةً ثَيبًا أو بِكرًا فأبتْ، فاحْتالَ فَجاءَ بشاهدي زُورٍ على أنَّه تزوَّجها، فأدركتْ فرَضيتْ اليتيمةُ، فقبلَ القاضي شهادة الزُّور، والزُّوج يعلم بُطلان ذلك، حلَّ له الوطء.
• وذكر حديث عائشةَ في استئذان الثَّيِّب وصُمَاتُ البِكر، وقد تقدَّم [ر:٢٣١٩].

٥- بابُ ما يُكرَه مِن احْتيالِ المرأةِ مع الزَّوجِ والضَّرائرِ،


ومِن الاحْتيالِ في الفِرَارِ مِن الطَّاعون
• قد تقدَّم حديث عائشةَ مع حفْصَةَ في العَسل في التَّفسير [ر:٢٣٧٦].
• وحَديث عُمرَ في الوباء في كتاب الطِّبِّ [ر:٢٥٧٥].

٦- بابُ الاحْتِيَالِ بالهِبَةِ والشُّفْعَةِ في إِسْقاطِ الزَّكاةِ


وقالَ بعضُ النَّاسِ: إنْ وَهَبَ هبةً ألفَ دِرْهمٍ أو أكثرَ حتَّى مكثتْ عندَه سِنين، واحْتالَ في ذلكَ، ثمَّ رَجَعَ الواهبُ فيها فلا زكاةَ على واحدٍ منهما، فخالفَ الرَّسولَ ﷺ، وأَسْقَطَ الزَّكاةَ.
• وذَكَرَ هنا حديثَ جابرٍ في الشُّفعة، وقد تقدَّم في البُيوع [ر:١٠٩٩].
وقالَ: قالَ بعضُ النَّاسِ: الشُّفعةُ للجِوارِ، ثمَّ عمدَ إلى ما شدَّدَه فأبطلَه.
وقال: إنِ اشترىَ دارًا فخافَ أَنْ يأخذَ الجارُ بالشُّفعةِ، فاشْترىَ سَهمًا مِن مئةِ سهمٍ، ثمَّ اشترىَ الباقي، كان للجارِ الشُّفعةُ في السَّهمِ الأوَّلِ، ولا شُفعةَ له في باقي الدَّارِ، ولهُ أنْ يَحتالَ في ذلكَ.
٣٠٦٤. عَنْ عمرو بنِ الشَّرِيدِ قَالَ: جَاءَ المِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى مَنْكِبِي، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ إِلَى سَعْدٍ، فَقَالَ أَبُو رَافِعٍ لِلْمِسْوَرِ: أَلَا تَأْمُرُ هَذَا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنِّي بَيْتِي الَّذِي فِي دَارِه؟ فَقَالَ: لَا أَزِيدُهُ عَلَى أَرْبَعِ مِئَةٍ -إِمَّا مُقَطَّعَةٍ وَإِمَّا مُنَجَّمَةٍ- قَالَ: أُعْطِيتُ خَمْسَ مِئَةٍ نَقْدًا فَمَنَعْتُهُ، وَلَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «الجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ» مَا بِعْتُكَهُ. أَوْ قَالَ: مَا أَعْطَيْتُكَهُ. [خ:٦٩٧٧]
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ الشُّفْعَةَ فَلَهُ أَنْ يَحْتَالَ حَتَّى يُبْطِلَ الشُّفْعَةَ، فَيَهَبَ البَائِعُ لِلْمُشْتَرِي/ الدَّارَ ونحوها، وَيَدْفَعُهَا إِلَيْهِ، وَيُعَوِّضُهُ المُشْتَرِي أَلْفَ دِرْهَمٍ، ولا يَكُونُ لِلشَّفِيعِ فِيهَا شُفْعَةٌ.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنِ اشْتَرَى نَصِيبَ دَارٍ فَأَرَادَ أَنْ يُبْطِلَ الشُّفْعَةَ، وَهَبَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ، وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ يَمِينٌ.

٧- بابُ احْتِيَالِ العَامِلِ ليُهْدَى لَهُ


٣٠٦٥. [ق] عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ رَجُلًا عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، يُدْعَى ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ، فقَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا». ثُمَّ خَطَبَنَا، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى العَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي اللهُ، فَيَأْتِي فَيَقُولُ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، أَفَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ، وَاللهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلَّا لَقِيَ اللهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَلَأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ اللهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ»، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيه حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبِطَيهِ، يَقُولُ: «اللهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ»، بَصْرَ عَيْنِي وَسَمْعَ أُذُنِي. [خ:٦٩٧٩]
1. قوله: ( فلما جاء حاسبه) فيه محاسبة العمال ليعلم ما قبضوه وما صرفوا.
2. وفيه: التّأديب بالكلمة القويّة عند الحاجة.
3. وفيه: أنّ العالم إذا رأى متأوّلًا قد أخطأ في تأويله خطأً يعمّ النّاس ضرره؛ أن يعلم النّاس كافّةً بموضع خطئه، ويعرّفهم بالحجّة القاطعة.
4. قال الخطابي: «في هذا بيان أن هدايا العمال سُحْت، وأنه ليس سبيلها سبيل سائر الهدايا المباحة، وإنما يهدى إليه للمحاباة، وليخفف عن المُهْدِي، ويسوغ له بعض الواجب عليه، وهو خيانة، وبخس للحق الواجب عليه استيفاؤه لأهله».

وقال بعضُ النَّاس: إنِ اشترى دارًا بعشرينَ ألفَ دِرْهَمٍ، فلا بأسَ أنْ يحتالَ حتَّى يشتريَ الدَّارَ بعشرينَ ألفِ درهمٍ، وَيَنْقُدُهُ تسعةَ آلافِ درهمٍ، وتسعَ مئةٍ وتسعةً وتسعينَ، وينقدُهُ دينارًا بما بقيَ مِن العشرينَ الألفِ، فإنْ طلبَ الشَّفيعُ أَخَذَها بعشرينَ ألفِ دِرهمٍ، وإلَّا فَلا سبيلَ لَهُ على الدَّارِ.
وإنِ اسْتُحِقَّت الدَّارُ رجعَ المشتري على البائعِ بما دفعَ إليهِ، وهو تسعةُ آلافِ دِرهمٍ وتسعُ مئةٍ وتسعةٌ وتسعونَ درهمًا ودينارٌ؛ لأنَّ المبيعَ حين استُحقَّ انتقضَ الصَّرفُ في الدِّينارِ، فإنْ وَجِدَ بهذه الدَّارِ عيبًا ولم تُسْتَحَقَّ، فإنَّه يَرُدُّها عليه بعشرينَ ألفًا.
قال: فأجازَ هذا الخِداعَ بين المسلمينَ، قال: قال النَّبيُّ ﷺ: «بيع المسلم/ لا دَاء، ولا خِبْثَةَ، ولا غَائِلَة».
• وقد تقدَّم قوله ﷺ للَّذي ذكر أنَّه يُخدع في البيوع: «إذا بايعتَ فقلْ: لا خِلابَةَ»[ر: ١٠٥٩].

١ قال النبي ﷺ: "من بدل دينه فــ(…)". :

٥/٠