٦- بابُ قولِ اللهِ تعالى: ﴿تَعۡرُجُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَیۡهِ﴾ [المعارج:٤]،
و: ﴿إِلَیۡهِ یَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّیِّبُ﴾ [فاطر:١٠]
• قد تقدَّم مِن حَديث أبي هُريرة: «يَتعاقبون ملائكةٌ باللَّيل وملائكةٌ بالنَّهار، ويجتمعون في صَلاة العَصر وصَلاة الفَجر، ثمَّ يعرجُ الَّذين باتوا فيكم»... الحديثَ[ر:٢٨٢].
• [ق] ومِن حديثه أيضًا: «مَن تصدَّق بصدقةٍ مِن كسبٍ طيِّبٍ، ولا يصعدُ إلى الله إلَّا الطَّيِّب» ...الحديثَ [ر:٦٩٥].
٧- بابُ قولِ اللهِ تعالىَ: ﴿وُجُوهࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ نَّاضِرَةٌ ٢٢ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةࣱ﴾ [القيامة:٢٢-٢٣]
٣١٩٦. [ق] وعَنْ جريرِ بن عبدِ الله قال: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ إِذْ نَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ قَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ، لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلَاةٍ قَبْلَ غُرُوبِها، فَافْعَلُوا». [خ:٧٤٣٤]
1. قال ابن بطال: «قال المهلب: قوله: (فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ)؛ أي: في الجماعة، قال: وخص هذين الوقتين؛ لاجتماع الملائكة فيهما ورفعهم أعمال العباد؛ لئلا يفوتهم هذا الفضل العظيم».
2. قال الخطابي: «هذا يدل على أن الرؤية قد يرجى نيلها بالمحافظة على هاتين الخصلتين».
3. قال ابن رجب: «هذا الحديث نص في ثبوت رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة، كما دل على ذلك قوله تعالى: {وُجُوهࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةࣱ } [سورة القيامة:22-23]. ».
4. قال ابن عثيمين: «(إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ) هذا فيه تشبيه الرؤيا بالرؤيا، وليس المعنى تشبيه المَرْئِي بالمَرْئِي، لأن الله ليس كمثله شيء، ولكنكم ترونه رؤية حقيقية مؤكدة كما يرى الإنسان القمر ليلة البدر، وإلا فإن الله عز وجل أجل وأعظم من أن يشابهه شيء من مخلوقاته».
2. قال الخطابي: «هذا يدل على أن الرؤية قد يرجى نيلها بالمحافظة على هاتين الخصلتين».
3. قال ابن رجب: «هذا الحديث نص في ثبوت رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة، كما دل على ذلك قوله تعالى: {وُجُوهࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةࣱ } [سورة القيامة:22-23]. ».
4. قال ابن عثيمين: «(إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ) هذا فيه تشبيه الرؤيا بالرؤيا، وليس المعنى تشبيه المَرْئِي بالمَرْئِي، لأن الله ليس كمثله شيء، ولكنكم ترونه رؤية حقيقية مؤكدة كما يرى الإنسان القمر ليلة البدر، وإلا فإن الله عز وجل أجل وأعظم من أن يشابهه شيء من مخلوقاته».
٣١٩٧. [ق] عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا؟ قَالَ: «هَلْ تُضَارُونَ
فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ إِذَا كَانَتْ صَحْوًا؟» قُلْنَا: لَا. قَالَ: «فَإِنَّكُمْ لَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ، إِلَّا كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَتِهَا». ثُمَّ قَالَ: «يُنَادِي مُنَادٍ: لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ. فَيَذْهَبُ أَصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ، وَأَصْحَابُ الأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِمْ، وَأَصْحَابُ الآلِهَة مَعَ آلِهَتِهِمْ، حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَغُبَّرَاتٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ، فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللهِ. فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ/ صَاحِبَةٌ وَلَا وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ، ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَعْبُدُ المَسِيحَ ابْنَ اللهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلَا وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اّْشْرَبُوا، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ، حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا يَحْبِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ؟ فَيَقُولُونَ: فَارَقْنَاهُمْ، وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَيْهِ اليَوْمَ، وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي: لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا، فَيَأْتِيهِمُ الجَبَّارُ فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا. ولَا يُكَلِّمُهُ إِلَّا الأَنْبِيَاءُ، فَيُقالُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَها؟ فَيَقُولُونَ: السَّاقُ. فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدَ، فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا، ثُمَّ يُؤْتَى بِالجَسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ»، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الجَسْرُ؟ قَالَ: «مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ، عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ، وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عَقِيفَة تَكُونُ بِنَجْدٍ، يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَانُ، المُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ وَكَالبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَأَجَاوِيدِ الخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، ومُكَرْدَسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا، فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ لِي مُنَاشَدَةً فِي الحَقِّ، قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنَ المُؤْمِنِ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ، فَإِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا وَبَقِيَ إِخْوَانِهِمْ، يَقُولُونَ: رَبَّنَا إِخْوَانُنَا، كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ مَعَنَا، وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا، فَيَقُولُ اللهُ: اّْذْهَبُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ. وَيُحَرِّمُ اللهُ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ، وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ فِي النَّارِ إِلَى قَدَمَيهِ، وَإِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ فَيَقُولُ: اّْذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ فَأَخْرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اّْذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا». وقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي فَاقْرَؤوا: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَظۡلِمُ مِثۡقَالَ/ ذَرَّةࣲ وَإِن تَكُ حَسَنَةࣰ یُضَـٰعِفۡهَا﴾ [النساء:٤٠]، «فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ وَالمَلَائِكَةُ وَالمُؤْمِنُونَ، فَيَقُولُ الجَبَّارُ: بَقِيَتْ شَفَاعَتِي، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ أَقْوَامًا قَدْ امْتَحَشُوا، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ بِأَفْوَاهِ الجَنَّةِ، يُقَالُ لَهُ: الحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ فِي حَافَتَيْهِ كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، قَدْ رَأَيْتُمُوهَا إِلَى جَانِبِ الصَّخْرَةِ، وَإِلَى جَانِبِ الشَّجَرَةِ، فَمَا كَانَ مِنْهَا إِلَى الشَّمْسِ كَانَ أَخْضَرَ، وَمَا كَانَ إِلَى الظِّلِّ كَانَ أَبْيَضَ، فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ، فَيُجْعَلُ فِي رِقَابِهِمُ الخَوَاتِيمُ، فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ، فَيَقُولُ أَهْلُ الجَنَّةِ: هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ، أَدْخَلَهُمُ اللهُ الجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ. فَيُقَالُ لَهُمْ: لَكُمْ مَا رَأَيْتُمْ وَمِثْلُهُ مَعَهُ». [خ:٧٤٣٩]
الغَريب: (تُضَامُون): بضم التَّاء والميم، ويُروى: «تَضَامُّون» بفتح التَّاء والميم مشدَّدة، مِن الضمِّ؛ أي: تتضامُّون وتَزْدَحِمون، وكذلك في روايةٍ: «تَضامُون» رِوايةً ومعنًى، غير أنَّ المؤمنين يرون الله تعالى بأعين رؤيةً واضحةً جليَّةً، لا يزاحم غيره كما يُفْعَلُ عندَ رؤية الهلال، فهو تشبيه بحال الرَّائي لا بحال المرئيِّ. و(الطَّواغيتُ): جمع طَاغُوت، وهو كلُّ معبودٍ مِن دون الله. وقوله: (فَيَأْتِيهِمُ الجَبَّارُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ) هذه مِن المواضع المُشْكِلَة والأمور المتشابهة في الشَّريعة -الكتاب والسُّنَّة- الَّتي درجَ الحكم باستحالة ظواهرها عَلى الله، فإنَّها مِن نُعُوتِ الأجسام وصِفات المُحدثات، غير أنَّهم لم يتعرَّضوا لتأويلها، ووكلوه إلى الله، وقالوا:﴿ءَامَنَّا بِهِۦ كُلࣱّ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَا﴾ وقالوا: أَمِرُّوها على مَا جاءت. وقد ذهب كثيرُ من العلماء إلى حَمْل ألفاظها على مَا يقتضيه الكَلام العربي من الاسْتعارات والتَّوسعات، فمِن ذالك : أنَّ (في ) بمعنى الباء في (بِصورةِ)، كما قال: ﴿فِی ظُلَلࣲ مِّنَ ٱلۡغَمَامِ﴾ [البقرة:٢١٠]؛ أي: بِظللٍ مِن الغَمام، ومعنى هذا والله أعلم: أنَّ الله تعالى يُظْهِرُ هَذه الصُّورة الهائلة امْتحانًا لأهل المَحشر، فيقول المؤمنون العَالمون بصفات الله لهذه الصُّورة: نعوذ بالله منك، حتَّى يأتينا ربُّنا. أي: حتَّى يتجلَّى بصفاته المعبَّر عنها: ﴿لَیۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَیۡءࣱ﴾ [الشورى:١١]، وأمَّا مَنْ كان مجسِّمًا/ فيعترف لهذه الصُّورة بالإلهيَّة فإذا تجلَّى الحقُّ للمؤمنين بصفاته الَّتي يعرفون سَجدوا لله تعالى، وأمَّا أهل الزَّيغ فكلُّما أرادوا أن يَسجدوا خرُّوا على أقْفائهم، وتعود ظُهورهم كالأطباق، والله أعلم. والتَّسليم أسْلمُ. و(السَّعْدَان): شوكٌ يتعلَّق بالدَّاخل فيه، له مَحَاجِن. و(المُوثَق): المُهلَك. و(المُخَرْدَل): المُقَطَّع؛ أي: قِطْعًا. و(امْتَحَشُوا): هو بفتح [التاء و] الحاء بمعنى: احْتَرَقوا وتغيَّروا. و(الحَبْرَة): النِّعمَة. و(ضَحكَ اللهُ): رضاه عَنِ المضحُوك، وإظهار نِعَمهِ عليه، وهو مِن باب قولهم: تضحكُ الأرض مِن بكاء الغَمام. و(غُبَّرَات أَهْلِ الكِتابِ) أي: بَقَاياهم، وكأنَّهم -والله أعلم- الموعودون مِن اليَهُود والنَّصارى.
1. قوله: (قالوا: ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم) قال النووي: «معنى قولهم: التضرع إلى الله تعالى في كشف هذه الشدة عنهم، وأنهم لزموا طاعته سبحانه وتعالى، وفارقوا في الدنيا الناس الذين زاغوا عن طاعته - سبحانه - من قراباتهم وغيرهم ممن كانوا يحتاجون في معايشهم ومصالح دنياهم إلى معاشرتهم للارتفاق بهم، وهذا كما جرى للصحابة المهاجرين وغيرهم ومن أشبههم من المؤمنين في جميع الأزمان فإنهم يقاطعون من حاد الله ورسوله - ﷺ - مع حاجتهم في معايشهم إلى الارتفاق بهم والاعتضاد بمخالطتهم، فآثروا رضى الله تعالى على ذلك».
2. قوله: (فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير) قال ابن عثيمين: «إشارة إلى أن هؤلاء الشفعاء يعلمون ما في قلوب الذين في النار، وإن كان من أمور الغيب، ولكن الله تعالى إذا أراد شيئاً كان».
2. قوله: (فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير) قال ابن عثيمين: «إشارة إلى أن هؤلاء الشفعاء يعلمون ما في قلوب الذين في النار، وإن كان من أمور الغيب، ولكن الله تعالى إذا أراد شيئاً كان».
٨- بابُ كلامِ الله تعالىَ مع نبيِّهِ ومعَ المؤمنينَ يومَ القِيامةِ مِن غير حِجابٍ يَحْجبُهم
٣١٩٨. [ق] عن قتادة، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «يُحْبَسُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُهِمُّوا بِذَلِكَ، فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا فَيُرِيحُنَا مِنْ مَكَانِنَا. فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ آدَمُ أَبُو النَّاسِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ، وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، اّْشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا». قَالَ: «فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ -قَالَ: وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ: أَكْلَهُ مِنَ الشَّجَرَةِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهَا- وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا أَوَّلَ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ في الأَرْضِ. فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ -وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ: سُؤَالَهُ رَبَّهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ- وَلَكِنِ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ». قَالَ: «فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ -وَيَذْكُرُ ثَلَاثَ كَلِمَاتٍ كَذَبَهُنَّ- وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى: عَبْدًا آتَاهُ اللهُ التَّوْرَاةَ، وَكَلَّمَهُ وَقَرَّبَهُ نَجِيًّا». قَالَ: «فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ -وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ قَتْلَهُ النَّفْسَ- وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللهِ وَرَسُولَهُ وَرُوحٌ مِنْهُ وَكَلِمَتَهُ». قَالَ: «فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدًا، عَبْدًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ». قال قَتادة: «فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدَعَنِي،/ فَيَقُولُ: اّْرْفَعْ مُحَمَّدُ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاّْشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَ». قَالَ: «فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأُثْنِي عَلَى رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، فَأَخْرُجُ فَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ» قَالَ قَتَادَةُ: وَسَمِعْتُ أَيْضًا يَقُولُ: «فَأَخْرُجُ فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ الثَّانِيَةَ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَ». قَالَ: «فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأُثْنِي عَلَى رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ». قَالَ: «ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، فَأَخْرُجُ وأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ». قَالَ قَتَادَةُ: وَسَمِعْتُهُ أيضًا يَقُولُ: «فَأَخْرُجُ فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ الثَّالِثَةَ: فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ فَيُؤْذَنُ لِي، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَه». قَالَ: «فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأُثْنِي عَلَى رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ». قَالَ: «ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، فَأَخْرُجُ فَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ». قَالَ قَتَادَةُ وَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «فَأَخْرُجُ فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، حَتَّى لَا يَبْقَى فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ القُرْآنُ». أَيْ قَد وَجَبَ عَلَيْهِ الخُلُودُ، قَالَ: ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الآيَةَ: «﴿عَسَىٰۤ أَن یَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامࣰا مَّحۡمُودࣰا﴾ [الإسراء: ٧٩]» قالَ: وَهَذَا المَقَامُ المَحْمُودُ الَّذِي وُعِدَهُ نَبِيُّكُمْ ﷺ. [خ:٧٤٤٠]
٣١٩٩. [ق] وعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ وَلَا حِجَابٌ يَحْجُبُهُ». [خ:٧٤٤٣]
٩- بابٌ: للهِ تَعَالى مَشِيئةٌ وإرادةٌ
لقولِهِ تعالىَ: ﴿ٱلۡمُلۡكِ تُؤۡتِی ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَاۤءُ وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ مِمَّن تَشَاۤءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاۤءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاۤءُ﴾ [آل عمران:٢٦]، ولقولِهِ: ﴿وَمَا تَشَاۤءُونَ إِلَّاۤ أَن یَشَاۤءَ ٱللَّهُ﴾ [التكوير:٢٩]، ولقوله: ﴿إِنَّمَا قَوۡلُنَا لِشَیۡءٍ إِذَاۤ أَرَدۡنَـٰهُ أَن نَّقُولَ لَهُۥ كُن فَیَكُونُ﴾ [النحل:٤٠]، ولقولِهِ: ﴿یُرِیدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡیُسۡرَ وَلَا یُرِیدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ﴾ [البقرة:١٨٥].
٣٢٠٠. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «اخْتَصَمَتِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ إِلَى رَبِّهِمَا،/ فَقَالَتِ الجَنَّةُ: يَا رَبِّ، مَا لَهَا لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ. وَقَالَتِ النَّارُ. فَقَالَ لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي. وَقَالَ لِلنَّارِ: أَنْتِ عَذَابِي، أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا». قَالَ: «فَأَمَّا الجَنَّةُ فَإِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَإِنَّهُ يُنْشِئُ لِلنَّارِ مَنْ يَشَاءُ فَيُلْقَوْنَ فِيهَا، فَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ ويُلْقَوْنَ فِيهَا وتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ ثَلَاثًا، حَتَّى يَضَعَ قَدَمَهُ فِيها فَتَمْتَلِئُ، وَتُرَدُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَتَقُولُ: قَطْ قَطْ قَطْ».[خ:٧٤٤٩]
1. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وقع في بعض طرق البخاريّ غلطٌ قال فيه: «وأمّا النّار فيبقى فيها فضلٌ»، والبخاريّ رواه في سائر المواضع على الصّواب ليبيّن غلط هذا الرّاوي، كما جرت عادته بمثل ذلك إذا وقع من بعض الرّواة غلطٌ في لفظٍ؛ ذكر ألفاظ سائر الرّواة الّتي يعلم بها الصّواب، وما علمت وقع فيه غلطٌ إلّا وقد بيّن فيه الصّواب».
2. وقال ابن حجر: «قال أبو الحسن القابسي: المعروف في هذا الموضع أن الله ينشئ للجنة خلقا، وأما النار فيضع فيها قدمه، قال: ولا أعلم في شيء من الأحاديث أنه ينشئ للنار خلقا إلا هذا».
2. وقال ابن حجر: «قال أبو الحسن القابسي: المعروف في هذا الموضع أن الله ينشئ للجنة خلقا، وأما النار فيضع فيها قدمه، قال: ولا أعلم في شيء من الأحاديث أنه ينشئ للنار خلقا إلا هذا».
٣٢٠١. [ق] وعنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «مَثَلُ المُؤْمِنِ كَمَثَلِ خَامَةِ الزَّرْعِ يَفِيءُ وَرَقُهُ، مِنْ حَيْثُ أَتَتْهَ الرِّيحُ تُكَفِّئُهَا، فَإِذَا سَكَنَتِ اعْتَدَلَتْ، وَكَذَلِكَ المُؤْمِنُ يُكَفَّأُ بِالبَلَاءِ، وَمَثَلُ الكَافِرِ كَمَثَلِ الأَرْزَةِ صَمَّاءَ مُعْتَدِلَةً حَتَّى يَقْصِمَهَا اللهُ إِذَا شَاءَ». [خ:٧٤٦٦]
1. قال ابن القيم: «هذا المثل ضرب للمؤمن وما يلقاه من عواصف البلاء والأوجاع والأوجال وغيرها فلا يزال بين عافية وبلاء، ومحنة ومنحة، وصحة وسقم، وأمن وخوف، وغير ذلك، فيقع مرة ويقوم أخرى، ويميل تارة ويعتدل أخرى، فيكفر عنه بالبلاء ويمحص به ويخلص من كدره، والكافر كله خبث ولا يصلح إلا للوقود فليس في إصابته في الدنيا بأنواع البلاء من الحكمة والرحمة ما في إصابة المؤمن فهذه حال المؤمن في الابتلاء».
2. قال ابن رجب: «فيه أن ثمرة الزرع وهو السنبل يستضعف ويطمع فيه كل أحد لقرب تناوله فيطمع الآدمي في الأكل منه وفي قطعه وسرقته، والبهائم في رعيه، والطير في الأكل منه، وكذلك المؤمن يستضعف، فيعاديه عموم الناس؛ لأنّ الإسلام بدأ غريبًا ويعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء، فعموم الخلق يستضعفه ويستغربه، ويؤذيه لغربته بينهم».
3. قال ابن رجب: «وفيه أن الزرع ينتفع به بعد حصاده، فإنه يحصده أربابه، ثم يبقى منه بعد حصاده ما يلتقطه المساكين، وترعاه البهائم وتأكله الطير، وربما استخلف بعضه فأخرج منه ثانية، وبيع منه من الحب ما ينبت مرارًا، وهكذا مثل المؤمن يموت ويخلف ما ينتفع منه، من علم نافع وصدقة جارية وولد صالح ينتفع به، وأما الفاجر فإنه إذا انقلع من الأرض لم يبق فيه نفع بل ربما أثّر ضررًا، فهو: كالشجرة المنجعفة لا تصلح إلا لوقيد النار».
2. قال ابن رجب: «فيه أن ثمرة الزرع وهو السنبل يستضعف ويطمع فيه كل أحد لقرب تناوله فيطمع الآدمي في الأكل منه وفي قطعه وسرقته، والبهائم في رعيه، والطير في الأكل منه، وكذلك المؤمن يستضعف، فيعاديه عموم الناس؛ لأنّ الإسلام بدأ غريبًا ويعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء، فعموم الخلق يستضعفه ويستغربه، ويؤذيه لغربته بينهم».
3. قال ابن رجب: «وفيه أن الزرع ينتفع به بعد حصاده، فإنه يحصده أربابه، ثم يبقى منه بعد حصاده ما يلتقطه المساكين، وترعاه البهائم وتأكله الطير، وربما استخلف بعضه فأخرج منه ثانية، وبيع منه من الحب ما ينبت مرارًا، وهكذا مثل المؤمن يموت ويخلف ما ينتفع منه، من علم نافع وصدقة جارية وولد صالح ينتفع به، وأما الفاجر فإنه إذا انقلع من الأرض لم يبق فيه نفع بل ربما أثّر ضررًا، فهو: كالشجرة المنجعفة لا تصلح إلا لوقيد النار».
• [ق] وعن أبي قَتَادةَ حِين ناموا عَنِ الصَّلاة، فقال النَّبيُّ ﷺ: «إِنَّ اللهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ، وَرَدَّهَا حِينَ شَاءَ». وقد تقدَّم [ر:٣٠٦].
• وتقدَّم أيضًا أنَّ الله تعالى أنزلَ على نبيِّه ﷺ عند موت أبي طالبٍ: ﴿إِنَّكَ لَا تَهۡدِی مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ یَهۡدِی مَن یَشَاۤءُ﴾ [القصص: ٥٦] [ر:٦٢٤].
تنبيه: قيل في قوله: (حَتَّى يَضَعَ قَدَمَهُ فِيهَا) أي: عليها، استعارةٌ؛ أي: ذلَّلها عند طغيانها، كما يذلُّ مَن وُضع عليه القَدم، والله أعلم، والتَّسليم أسلمُ.
١٠- بابٌ في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَنفَعُ ٱلشَّفَـٰعَةُ عِندَهُۥۤ إِلَّا لِمَنۡ أَذِنَ لَهُۥ حَتَّىٰۤ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمۡ قَالُوا۟ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمۡ﴾ [سبأ:٢٣]، ولم يقلْ: ماذا خلقَ ربُّكم؟
• [خت] وقال مسروقٌ عَنِ ابنِ مسعودٍ: إذا تكلَّم الله بالوحي سَمِعَ أهل السَّموات شيئًا، فإذا فُزِّع عن قلوبهم وسَكَن الصَّوت، عَرفوا أنَّه الحقُّ ونَادوا: ماذا قال ربُّكم؟ قالوا: الحقَّ.
• [خت] ويُذكر عن جابرِ بنِ عَبدِ اللهِ، عن عَبدِ اللهِ بنِ أُنَيْس: سمعتُ النَّبيَّ ﷺ يقول: «يَحْشُرُ اللهُ العِبَادَ فَيُنادِيهم بصوتٍ يسمعُه مَن بَعُد كما يسمعُه مَن قَرُب: أنا الملِك، أنا الدَّيَّان».
تنبيه: هَذان الحديثان غير صَحيحين، كلاهما مُعَلَّق/ مقطوع، والآخر موقوف، فلا يُعتمد عليهما في كون الله متكلِّمًا بصوتٍ، فإنَّ كلامه الَّذي هو صفته مُنَزَّهٌ عَنِ الحروف والأصوات الَّتي يُعبَّر عنه بالحروف والأصوات، كما دَلَّتْ عليه الأدَّلة القاطعة.
٣٢٠٢. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «إِذَا قَضَى اللهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ المَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ، كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ - قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ [غير] سُفيان: صَفْوَانٍ يَنْفُذُهُمْ ذَلِكَ- فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ لِلَّذِي قالَ، قَالُوا: الحَقَّ وَهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ». [خ:٧٤٨١]
١١- بابٌ: ﴿وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِیمࣰا﴾[النساء: ١٦٤]،
وتكلَّم اللهُ مع نبيِّنا مِن غير واسطةٍ، فقد سَمِعَ ما سَمع موسى صلوات الله عليهما
• وقد تقدَّم قول آدم لموسى: «أنتَ موسى الَّذي اصطفاهُ الله برسالتِه وبكلامِه»[ر:٢١٠١].
٣٢٠٣. [ق] عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عن أنسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ ﷺ مِنْ مَسْجِدِ الكَعْبَةِ: «أَنَّهُ جَاءَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، فَقَالَ أَوَّلُهُمْ: أَيُّهُمْ هُوَ؟ فَقَالَ أَوْسَطُهُمْ: هُوَ خَيْرُهُمْ. وقَالَ آخِرُهُمْ: خُذُوا خَيْرَهُمْ. فَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى أَتَوْهُ لَيْلَةً أُخْرَى فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ، وَتَنَامُ عَيْنُهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَذَلِكَ الأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ، فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ حَتَّى احْتَمَلُوهُ، فَوَضَعُوهُ عِنْدَ زَمْزَمَ، فَتَوَلَّاهُ مِنْهُمْ جِبْرِيلُ، فَشَقَّ جِبْرِيلُ مَا بَيْنَ نَحْرِهِ إِلَى لَبَّتِهِ حَتَّى فَرَغَ عن صَدْرِهِ وَجَوْفِهِ، فَغَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ بِيَدِهِ، حَتَّى أَنْقَى جَوْفَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ تَوْرٌ مِنْ ذَهَبٍ، مَحْشُوًّا إِيمَانًا وَحِكْمَةً، فَحَشَا بِهِ صَدْرَهُ وَلَغَادِيدَهُ -يَعْنِي عُرُوقَ حَلْقِهِ- ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، فَضَرَبَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِهَا، فَنَادَاهُ أَهْلُ السَّمَاءِ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: جِبْرِيلُ. قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مَعِيَ مُحَمَّدٌ. قَالَ: وَقَدْ بُعِثَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلًا. فَيَسْتَبْشِرُ بِهِ أَهْلُ السَّمَاءِ، لَا يَعْلَمُ أَهْلُ السَّمَاءِ مَا يُرِيدُ اللهُ بِهِ فِي الأَرْضِ حَتَّى يُعْلِمَهُمْ، فَوَجَدَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا/ آدَمَ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: هَذَا أَبُوكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ آدَمُ وَقَالَ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا بِابْنِي، نِعْمَ الِابْنُ أَنْتَ. فَإِذَا هُوَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِنَهَرَيْنِ يَطَّرِدَانِ، فَقَالَ: مَا هَذَانِ النَّهَرَانِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا النِّيلُ وَالفُرَاتُ عُنْصُرُهُمَا. ثُمَّ مَضَى بِهِ فِي السَّمَاءِ، فَإِذَا هُوَ بِنَهَرٍ آخَرَ عَلَيْهِ قَصْرٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ، فَضَرَبَ يَدَهُ فَإِذَا هُوَ مِسْكٌ أَذْفَرُ، قَالَ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الكَوْثَرُ الَّذِي خَبَأَ لَكَ رَبُّكَ. ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَقَالَتِ المَلَائِكَةُ له مِثْلَ مَا قَالَتْ الأُولَى: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قَالُوا: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلًا. ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، وَقَالُوا لَهُ مِثْلَ مَا قَالَتِ الأُولَى وَالثَّانِيَةُ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّماء الرَّابِعَةِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الخَامِسَةِ، فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، كُلُّ سَمَاءٍ فِيهَا أَنْبِيَاءُ قَدْ سَمَّاهُمْ، فوَعيتُ مِنْهُمْ إِدْرِيسَ فِي الثَّانِيَةِ، وَهَارُونَ فِي الرَّابِعَةِ، وَآخَرَ فِي الخَامِسَةِ لَمْ أَحْفَظِ اسْمَهُ، وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّادِسَةِ، وَمُوسَى فِي السَّابِعَةِ بِتَفْضِيلِ كَلَامِ اللهِ، فَقَالَ مُوسَى: رَبِّ لَمْ أَظُنَّ أَنْ تَرْفَعَ عَلَيَّ أَحَدًا. ثُمَّ عَلَا بِهِ فَوْقَ ذَلِكَ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ، حَتَّى جَاءَ سِدْرَةَ المُنْتَهَى، وَدَنَا لِلْجَبَّارِ رَبِّ العِزَّةِ، فَتَدَلَّى حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى فِيمَا يُوْحَى إِلَيْهِ خَمْسِينَ صَلَاةً عَلَى أُمَّتِكَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، ثُمَّ هَبَطَ حَتَّى بَلَغَ مُوسَى، فَاحْتَبَسَهُ مُوسَى، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَاذَا عَهِدَ إِلَيْكَ رَبُّكَ؟ قَالَ: عَهِدَ إِلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ وَعَنْهُمْ. فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى جِبْرِيلَ كَأَنَّهُ يَسْتَشِيرُهُ فِي ذَلِكَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ أَنْ نَعَمْ إِنْ شِئْتَ. فَعَلَا بِهِ إِلَى الجَبَّارِ تعالى، فَقَالَ وَهُوَ مَكَانَهُ: يَا رَبِّ خَفِّفْ عَنَّا فَإِنَّ أُمَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ هَذَا. فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُوسَى فَاحْتَبَسَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُهُ مُوسَى إِلَى رَبِّهِ حَتَّى صَارَتْ إِلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ،/ ثُمَّ احْتَبَسَهُ مُوسَى عِنْدَ الخَمْسِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ وَاللهِ لَقَدْ رَاوَدْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَوْمِي عَلَى أَدْنَى مِنْ هَذَا فَضَعُفُوا وَتَرَكُوهُ، فَأُمَّتُكَ أَضْعَفُ أَجْسَادًا وَقُلُوبًا وَأَبْدَانًا وأَسْمَاعًا وَأَبْصَارًا، فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ. كُلَّ ذَلِكَ يَلْتَفِتُ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى جِبْرِيلَ يُشِيرُ عَلَيْهِ، وَلَا يَكْرَهُ ذَلِكَ جِبْرِيلُ، فَرَفَعَهُ عِنْدَ الخَامِسَةِ. فَقَالَ: يَا رَبِّ إِنَّ أُمَّتِي ضُعَفَاءُ أَجْسَادُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ وَأَسْمَاعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ فَخَفِّفْ عَنَّا. فَقَالَ الجَبَّارُ: يَا مُحَمَّدُ. قَالَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ. قَالَ: إِنَّهُ لَا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ، فَمَا فَرَضْتُهُ عَلَيْكَ فِي أُمِّ الكِتَابِ، فَكُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، فَهِيَ خَمْسُونَ فِي أُمِّ الكِتَابِ، وَهِيَ خَمْسٌ عَلَيْكَ. فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: كَيْفَ فَعَلْتَ؟ فَقَالَ: خَفَّفَ عَنَّا، أَعْطَانَا بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا. قَالَ مُوسَى: قَدْ رَاوَدْتُ وَاللهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ فَتَرَكُوهُ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ أَيْضًا». قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَا مُوسَى، قَدْ وَاللهِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي مِمَّا أَختَلِفُ إِلَيْهِ. قَالَ: فَاهْبِطْ بِاسْمِ اللهِ». قَالَ: فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ. [خ:٧٥١٧]
تنبيه: هذه الرِّواية لهذا الحديث هي مِن رواية شَرِيكٍ عن أنسٍ، وقد خَلَط فيها ما شاء، وذكر ألفاظًا مُنكرة، وقدَّم وأَخَّر، ووضع الأنْبياء في غير مواضعهم مِن السَّموات، وقد خالفهَ الثِّقات الحفَّاظ عن أنس، فقد رواه قتادة عن أنس وأتى به مُخَلَّصًا مِن ذَلك مرتَّبًا مهذَّبًا عَلى ما تقدَّم في المِعراج[ر:١٩٠]، وكذلك رواه مسلمٌ^([م١٦٢]) مِن حديث ثابتٍ، عن أنس مُحسَّنًا على نحو رواية قتادة، فليُتمسَّك برواية هَذين الإمامين عن أنس، ولا يُعوَّل عَلى ما فيها -أعني: رواية شَريك- والله أعلم.
١٢- بابٌ: في قولِهِ تعالىَ: ﴿فَلَا تَجۡعَلُوا۟ لِلَّهِ أَندَادࣰا وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ﴾ [البقرة:٢٢]
وقوله: ﴿وَتَجۡعَلُونَ لَهُۥۤ أَندَادࣰا ذَ ٰلِكَ رَبُّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [فصلت:٩]
٣٢٠٤. [ق] عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعودٍ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ؟/ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لهُ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ». قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ. قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخافةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ». قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ». [خ:٧٥٢٠]
الغَريب: (الأنْدادُ): جمع ندٍّ، وهو المثل، والنَّدِيد كالمثيل والشَّبيه.
١٣- بابٌ: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغۡ مَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمۡ تَفۡعَلۡ فَمَا بَلَّغۡتَ رِسَالَتَهُۥ﴾ [المائدة:٦٧]
• [خت] قال الزُّهري: مِن اللهِ الرِّسالةُ، وعلى رسولِهِ البَلَاغُ، وعلينا التَّسليمُ.
٣٢٠٥. [ق] عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَتَمَ شَيْئًا مِنَ الوَحْيِ فَلَا تُصَدِّقْهُ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغۡ مَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَ مِن رَّبِّكَ﴾ الآية [المائدة:٦٧]. [خ:٧٥٣١]
١٤- بابٌ: في رِوايَةِ النَّبيِّ ﷺ عَن ربِّهِ تعالىَ
٣٢٠٦. [ق] عن أبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ -يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّكُمْ- قَالَ: «لِكُلِّ عَمَلٍ كَفَّارَةٌ، وَالصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رَائِحَةِ المِسْكِ». [خ:٧٥٣٨]
1. قال ابن رجب: «قوله: (خَلُوفُ فَمِ الصائم): رائحة ما يتصاعد منه من الأبخرة لخلوِّ المعدة من الطعام بالصيام، وهي رائحة مستكرهة في مَشَامِّ الناس في الدنيا، لكنها طيبة عند الله؛ حيث كانت ناشئة عن طاعته وابتغاء مرضاته، كما أن دم الشهيد يجيء يوم القيامة يثغب دمًا، لونه لون الدم وريحه ريح المسك».
٣٢٠٧. [ق] وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ قَالَ: «لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى»، وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِيهِ. [خ:٧٥٣٩]
• وعَن أَنسٍ، عَنِ النَّبيِّ ﷺ يرويه عن ربِّه ﷿ قال: «إِذَا تَقَرَّبَ العَبْدُ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا»... الحديثَ، على ما تقدَّم ذِكْره[ر:٣١٩٤].
١٥- بابٌ: في قولِهِ تعالى: ﴿فَٱقۡرَءُوا۟ مَا تَیَسَّرَ مِنۡهُ﴾ [المزمل:٢٠]،
﴿وَلَقَدۡ یَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ﴾ [القمر:١٧] أي: هيَّأنَاهُ، ومِنه: «كلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلق لَهُ» أي: مُهَيَّأ
٣٢٠٨. [ق] وعَنِ المِسْوَر بنِ مَخْرَمَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ القَارِيِّ أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ ابْنَ الخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ، فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلَاةِ، فصبرتُ حَتَّى سَلَّمَ، فَلَبَبْتُهُ بِرِدَائِهِ، فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ/ تَقْرَأُ؟ فقَالَ: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ. فَقُلْتُ: كَذَبْتَ، أَقْرَأَنِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَرَأْتَ. فَانْطَلَقْتُ بِهِ أَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا، فَقَالَ: «أَرْسِلْهُ، اقْرَأْ يَا هِشَامُ». فَقَرَأَ القِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اقْرَأْ يَا عُمَرُ». فَقَرَأْتُ الَّتِي أَقْرَأَنِي، فَقَالَ: «كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ». ثمَّ قَالَ رسُولُ اللهِ ﷺ: «هَذَا القُرْآنُ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَؤوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ». [خ:٧٥٥٠]
٣٢٠٩. [ق] وعن عِمرانَ بْنِ حُصَينٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فِيمَا يَعْمَلُ العَامِلُونَ؟ قَالَ: «كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ». [خ:٧٥٥١]
• [ق] وعن عليٍّ نحوه. [خ:٧٥٥٢]
١٦- بابُ قولِ اللهِ تَعَالى: ﴿وَٱللَّهُ خَلَقَكُمۡ وَمَا تَعۡمَلُونَ﴾ [الصافات:٩٦]،
وقولِهِ: ﴿إِنَّا كُلَّ شَیۡءٍ خَلَقۡنَـٰهُ بِقَدَرࣲ﴾ [القمر:٤٩]، وقالَ: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ﴾ إلى: ﴿تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [الأعراف:٥٤]
• [خت] وقال ابن عُيينة: بيَّن اللهُ الخَلْقَ مِن الأمرِ بقوله: ﴿أَلَا لَهُ ٱلۡخَلۡقُ وَٱلۡأَمۡرُ﴾ [الأعراف:٥٤].
• وقد سمَّى النَّبيُّ ﷺ الإيمانَ والجهادَ عَملًا كما تقدَّم في حديث أبي ذرٍّ [ر:٢٦٩].
• وقال النَّبيُّ ﷺ للأشعريِّين: «ما أنا حملتُكم، ولكنَّ الله حَمَلَكم». وقد تقدَّم [ر:٢٩٥١].
قلتُ: وأوضحُ مِن هذا كلِّه قولُهُ تعالى: ﴿وَمَا رَمَیۡتَ إِذۡ رَمَیۡتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ﴾ [الأنفال:١٧]، وقولُهُ: ﴿وَمَا تَشَاۤءُونَ إِلَّاۤ أَن یَشَاۤءَ ٱللَّهُ﴾ [التكوير:٢٩]، فنسبَ لخلقِه فعلًا ونفى عنهم الاسْتقلال به، وهو المطلوب منها، والله الموفِّق.
١٧- بابُ قولِهِ: ﴿وَنَضَعُ ٱلۡمَوَ ٰزِینَ ٱلۡقِسۡطَ لِیَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ﴾ [الأنبياء:٤٧]
وأنَّ أعمالَ العبادِ وأقوالِهِم تُوزَنُ
• [خت] وقال مُجاهد: القِسطاس: العَدل بالرُّوميَّة.
ويقال: القِسْط مصدرُ المُقْسِط، وهو العادِلُ، وأمَّا القَاسِطُ فهو الجائرُ.
٣٢١٠. [ق] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ/ النَّبِيُّ ﷺ: «كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ». [خ:٧٥٦٣]
1. قال الطيبي: «الخفة مستعارة للسهولة، شبه سهولة جريان الكلمتين على اللسان بما يخف على الحامل من بعض الأمتعة، فلا تتعبه كالشيء الثقيل».
2. قوله: (حبيبتان إلى الرحمن)؛ قال ابن حجر: «وخص لفظ الرحمن بالذكر؛ لأن المقصود من الحديث بيان سَعة رحمة الله - تعالى - على عباده؛ حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الجزيل».
3. قال ابن حجر فيما نقَله عن شيخه أبي حفص عمر البلقيني في أواخر مقدمة الفتح، «قال: (وهاتان الكلمتان ومعناهما، جاء في ختام دعاء أهل الجنان؛ لقوله - تعالى -: {دَعۡوَىٰهُمۡ فِیهَا سُبۡحَـٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِیَّتُهُمۡ فِیهَا سَلَـٰمࣱۚ وَءَاخِرُ دَعۡوَىٰهُمۡ أَنِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ} [سورة يونس:10]. ».
4. يستحب لمن رغّب غيره في عمل ما أن يذكر له شيئا من فوائده.
5. قال ابن عثيمين: «والله لو أفنى الإنسان دهره كله في هذا، لكانت رخيصةً؛ لأنهما ثقيلتان في الميزان، وحبيبتان إلى الرحمن، وخفيفتان على اللسان».
6. قال ابن عثيمين: «وهذا الحديث ختم به البخاري كتابه، والحكمة من ذلك أنهما كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، فأحب أن يختم كتابه بما يحبُّه الله عز وجل».
7. إن لهاتين الكلمتين شأنًا عظيمًا، جعل الحافظ ابن ناصر الدمشقي رحمه الله يصنف فيهما مؤلفًا مستقلًّا، سماه: "التنقيح في حديث التسبيح".
2. قوله: (حبيبتان إلى الرحمن)؛ قال ابن حجر: «وخص لفظ الرحمن بالذكر؛ لأن المقصود من الحديث بيان سَعة رحمة الله - تعالى - على عباده؛ حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الجزيل».
3. قال ابن حجر فيما نقَله عن شيخه أبي حفص عمر البلقيني في أواخر مقدمة الفتح، «قال: (وهاتان الكلمتان ومعناهما، جاء في ختام دعاء أهل الجنان؛ لقوله - تعالى -: {دَعۡوَىٰهُمۡ فِیهَا سُبۡحَـٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِیَّتُهُمۡ فِیهَا سَلَـٰمࣱۚ وَءَاخِرُ دَعۡوَىٰهُمۡ أَنِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ} [سورة يونس:10]. ».
4. يستحب لمن رغّب غيره في عمل ما أن يذكر له شيئا من فوائده.
5. قال ابن عثيمين: «والله لو أفنى الإنسان دهره كله في هذا، لكانت رخيصةً؛ لأنهما ثقيلتان في الميزان، وحبيبتان إلى الرحمن، وخفيفتان على اللسان».
6. قال ابن عثيمين: «وهذا الحديث ختم به البخاري كتابه، والحكمة من ذلك أنهما كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، فأحب أن يختم كتابه بما يحبُّه الله عز وجل».
7. إن لهاتين الكلمتين شأنًا عظيمًا، جعل الحافظ ابن ناصر الدمشقي رحمه الله يصنف فيهما مؤلفًا مستقلًّا، سماه: "التنقيح في حديث التسبيح".
تنبيه: الموزون الصَّحائف المكتوب فيها الإيمان، كما نصَّ عليه النَّبيُّ ﷺ فيما خرَّجه التِّرمذي^([ت٢٦٣٩]) في كتابه في حَديث السِّجِلاَّت./