باب: دعاء الاستخارة


(خ) (١١٦٢) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُعَلِّمُنا الاستِخارَةَ فِي الأُمُورِ كَما يُعَلِّمُنا السُّورَةَ مِن القُرآنِ، يَقُولُ: «إذا هَمَّ أحَدُكُم بِالأَمرِ فَليَركَع رَكْعَتَيْنِ مِن غَيرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُل: اللَّهُم إنِّي أستَخِيرُكَ بِعِلمِكَ، وأَستَقدِرُكَ بِقُدرَتِكَ، وأَسأَلُكَ مِن فَضلِكَ العَظِيمِ، فَإنَّكَ تَقدِرُ ولا أقدِرُ، وتَعلَمُ ولا أعلَمُ، وأَنتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إن كُنتَ تَعلَمُ أنَّ هَذا الأَمرَ خَيرٌ لِي فِي دِينِي ومَعاشِي وعاقِبَةِ أمرِي أو قالَ: عاجِلِ أمرِي وآجِلِهِ فاقدُرهُ لِي ويَسِّرهُ لِي ثُمَّ بارِك لِي فِيهِ، وإن كُنتَ تَعلَمُ أنَّ هَذا الأَمرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي ومَعاشِي وعاقِبَةِ أمرِي أو قالَ: فِي عاجِلِ أمرِي وآجِلِهِ فاصرِفهُ عَنِّي واصرِفنِي عَنهُ، واقدُر لِي الخَيرَ حَيثُ كانَ ثُمَّ أرضِنِي، قالَ: ويُسَمِّي حاجَتَهُ». وفي رواية: «اللَّهُمَّ فَإن كُنتَ تَعلَمُ هَذا الأَمرَ ثُمَّ تُسَمِّيهِ بِعَينِهِ خَيرًا لِي ...».
-على المؤمن رد الأمور كلها إلى الله، وصرف أزمتها والتبرؤ من الحول والقوة إليه، وينبغي له ألا يروم شيئًا من دقيق الأمور وجليلها حتى يستخير الله تعالى فيه، ويسأله أن يحمله فيه على الخير ويصرف عنه الشر، إذعانًا بالافتقار إليه في كل أمر، والتزامًا بالذلة والعبودية له، وتبركًا باتباع سنة نبيه في الاستخارة، ولذلك كان ﷺ يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن؛ لشدة حاجتهم إلى الاستخارة في الحاجات كلها، كشدة حاجتهم إلى القراءة في كل الصلوات. (ابن الملقن).
-"إذا هم أحدكم بالأمر": أي قصد أمرًا مما لا يعلم وجه الصواب فيه، أما ما هو معروف خيره: كالعبادات وصنائع المعروف، فلا. نعم، قد يفعل ذلك لأجل وقتها المخصوص، كالحج في هذه السنة لاحتمال عدو، أو فتنة، أو مرض، أو نحوهما. (القسطلاني).

باب: الذكر والدعاء عند الكرب


(خ م) (٢٧٣٠) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄؛ أنَّ نَبِيَّ اللهِ ﷺ كانَ يَقُولُ عِنْدَ الكَربِـ: «لا إلَهَ إلا اللهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إلَهَ إلا اللهُ رَبُّ العَرشِ العَظِيمِ، لا إلَهَ إلا اللهُ رَبُّ السَّماواتِ ورَبُّ الأَرضِ ورَبُّ العَرشِ الكَرِيمِ».
وفي رواية (م): كانَ إذا حَزَبَهُ أمرٌ قالَ ... وزادَ مَعَهُنَّ: «لا إلهَ إلا اللهُ رَبُّ العَرشِ الكَرِيمِ».
-قال النووي: حديث جليل ينبغي الاعتناء به والإكثار منه عند الكرب والأمور العظيمة.
-قال الطبري: كان السلف يدعون به ويسمونه دعاء الكرب.

باب: الذكر والدعاء في جوف الليل


(خ) (١١٥٤) عَنْ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «مَن تَعارَّ مِن اللَّيلِ فَقالَ: لا إلَهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ ولَهُ الحَمدُ، وهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، الحَمدُ للهِ، وسُبحانَ اللهِ، ولا إلَهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبَرُ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلا بِاللهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ اغفِر لِي، أو دَعا استُجِيبَ، فَإن تَوَضَّأَ وصَلّى قُبِلَت صَلاتُهُ».
-قال ابن بطال: وعد الله تعالى على لسان نبيه محمد ﷺ أن من استيقظ من نومه ولهج لسانه بتوحيد الله والإذعان له بالملك والاعتراف بنعمته، أنه إذا دعاه أجابه، وإذا صلى قبلت صلاته، فينبغي لمن بلغه هذا الحديث أن يغتنم به العمل ويخلص نيته لربه تعالى. (عمدة القاري)
-قال ابن حجر: وإنما يتفق ذلك وهو الاستيقاظ من النوم والدعاء لمن تعود الذكر واستأنس به وغلب عليه حتى صار حديث نفسه في نومه ويقظته فأكرم الله من اتصف بذلك بإجابة دعوته وقبول صلاته. (فتح الباري)

(خ م) (٧٥٨) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ قالَ: «يَنزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالى كُلَّ لَيلَةٍ إلى السَّماءِ الدُّنيا حِينَ يَبقى ثُلُثُ اللَّيلِ الآخِرُ، فَيَقُولُ: مَن يَدعُونِي فَأَستَجِيبَ لَهُ؟ ومَن يَسأَلُنِي فَأُعطِيَهُ؟ ومَن يَستَغفِرُنِي فَأَغفِرَ لَهُ؟». وفي رواية (م): «ثُمَّ يَبسُطُ يَدَيهِ تَبارَكَ وتَعالى يَقُولُ: مَن يُقْرِضُ غيرَ عَدِيمٍ ولا ظَلُومٍ».
- إنما خص الله تعالى هذا الوقت بالتنزل الإلهي، والتفضل على عباده باستجابة دعائهم، وإعطائهم سؤلهم، لأنه وقت غفلة واستغراق في النوم. واستلذاذ به، ومفارقة اللذة والدعة صعب لا سيما أهل الرفاهية، وفي زمن البرد، ولا سيما في قصر الليل. فمن آثر القيام لمناجاة ربه والتضرع إليه مع ذلك دل على خلوص نيته وصحة رغبته فيما عند ربه تعالى (القسطلاني).
- وقال الحافظ في الفتح: وفي حديث الباب من الفوائد تفضيل صلاة آخر الليل على أوله، وتفضيل تأخير الوتر لكن ذلك من حق من طمع أن ينتبه، وأن آخر الليل أفضل للدعاء والاستغفار ويشهد له قوله تعالى: {والمستغفرين بالأسحار}، وأن الدعاء في ذلك الوقت مجاب، ولا يعترض على ذلك بتخلفه عن بعض الداعين؛ لأن سبب التخلف وقوع الخلل في شرط من شروط الدعاء كالاحتراز في المطعم والمشرب والملبس، أو لاستعجال الداعي أو بان يكون الدعاء بإثم أو قطيعة رحم، أو تحصل الإجابة ويتأخر وجود المطلوب لمصلحة العبد أو لأمر يريده الله سبحانه وتعالى.(موسى شاهين).

(م) (٧٥٧) عَنْ جابِرٍ ﵁ قالَ: سَمِعتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «إنَّ فِي اللَّيلِ لَساعَةً لا يُوافِقُها رَجُلٌ مُسلِمٌ يَسأَلُ اللهَ خَيرًا مِن أمرِ الدُّنيا والآخِرَةِ إلا أعطاهُ إيّاهُ، وذَلكَ كُلَّ لَيلَةٍ».
-فيه أن من آداب الدعاء ما ذكره ابن الجوزي حيث قال: اعلم أن دعاء المؤمن لا يرد غير أنه قد يكون الأولى له تأخير الإجابة، أو يعوض بما هو أولى له عاجلا أو آجلا، فينبغي للمؤمن أن لا يترك الطلب من ربه فإنه متعبد بالدعاء كما هو متعبد بالتسليم والتفويض، ومن جملة آداب الدعاء تحري الأوقات الفاضلة كالسجود وعند الأذان، ومنها: تقديم الوضوء والصلاة واستقبال القبلة، ورفع اليدين، وتقديم التوبة والاعتراف بالذنب، والإخلاص، وافتتاحه بالحمد والثناء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والسؤال بالأسماء الحسنى (موسى شاهين).

(خ م) (٧٦٣) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: بِتُّ لَيلَةً عِنْدَ خالَتِي مَيْمُونَةَ، فَقامَ النَّبِيُّ ﷺ مِن اللَّيلِ، فَأَتى حاجَتَهُ ثُمَّ غَسَلَ وجهَهُ ويَدَيهِ، ثُمَّ نامَ، ثُمَّ قامَ، فَأَتى القِربَةَ فَأَطلَقَ شِناقَها، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءًا بَينَ الوُضُوءَينِ، ولَم يُكثِر وقَد أبلَغَ، ثُمَّ قامَ فَصَلّى، فَقُمتُ فَتَمَطَّيتُ كَراهِيَةَ أن يَرى أنِّي كُنتُ أنتَبِهُ لَهُ، فَتَوَضَّأتُ، فَقامَ فَصَلّى، فَقُمتُ عَن يَسارِهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدارَنِي عَن يَمِينِهِ، فَتَتامَّت صَلاةُ رَسُولِ اللهِ ﷺ مِن اللَّيلِ ثَلاثَ عَشرَةَ رَكعَةً، ثُمَّ اضطَجَعَ فَنامَ حَتّى نَفَخَ، وكانَ إذا نامَ نَفَخَ، فَأَتاهُ بِلالٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلاةِ، فَقامَ فَصَلّى ولَم يَتَوَضَّأ، وكانَ فِي دُعائِهِ: «اللَّهُمَّ اجعَل فِي قَلبِي نُورًا، وفِي بَصَرِي نُورًا، وفِي سَمعِي نُورًا، وعَن يَمِينِي نُورًا، وعَن يَسارِي نُورًا، وفَوقِي نُورًا، وتَحتِي نُورًا، وأَمامِي نُورًا، وخَلفِي نُورًا، (وعَظِّم لِي نُورًا) ». قالَ كُرَيبٌ: وسَبعًا فِي التّابُوتِ، فَلَقِيتُ بَعضَ ولَدِ العَبّاسِ فَحَدَّثَنِي بِهِنَّ، فَذَكَرَ: «عَصَبِي ولَحمِي ودَمِي وشَعرِي وبَشَرِي»، وذَكَرَ خَصلَتَينِ.
وفي رواية (م): ثُمَّ قامَ فَصَلّى رَكْعَتَيْنِ فَأَطالَ فِيهِما القِيامَ والرُّكُوعَ والسُّجُودَ، ثُمَّ انصَرَفَ فَنامَ حَتّى نَفَخَ، ثُمَّ فَعَلَ ذَلكَ ثَلاثَ مَرّاتٍ، سِتَّ رَكَعاتٍ، كُلُّ ذَلكَ يَسْتاكُ ويَتَوَضَّأُ ويَقرَأُ هَؤُلاءِ الآياتِ، ثُمَّ أوتَرَ بِثَلاثٍ، فَأَذَّنَ المؤذِّنُ، فَخَرَجَ إلى الصَّلاةِ وهُو يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اجعَل ...». وزادَ فِيها: «اللَّهُمَّ أعطِني نُورًا». وفي رواية له: ثُمَّ خَرَجَ إلى الصَّلاةِ فَصَلّى، فَجَعَلَ يَقُولُ فِي صَلاتِهِ أو فِي سُجُودِهِ: «اللَّهُمَّ ...». وفي رواية: «واجعَل لِي نُورًا». أوْ قالَ: «واجعَلنِي نُورًا». وفي رواية له: ودَعا رَسُول اللهِ ﷺ لَيلَتَئِذ تِسْعَ عَشرَةَ كَلِمَةً .. وفِيها: «واجعَل فِي نَفْسِي نُورًا، وأَعْظِمْ لِي نُورًا».
- قال الحافظ ابن حجر: وفيه الملاطفة بالصغير والقريب والضعيف.
- وحسن المعاشرة للأهل، والرد على من يؤثر دوام الانقباض.
- وفيه حمل أفعاله صلى الله عليه وسلم على الاقتداء به.
-فيه البداءة عند الصلاة بالسواك واستحبابه عند كل وضوء وعند كل صلاة.
-واستحباب التقليل من الماء في التطهير مع حصول الإسباغ.
- وبيان فضل ابن عباس وقوة فهمه وحرصه على تعلم أمر الدين.
-وطلب النور للأعضاء عضوا عضوا بأن يتحلى كل عضو بأنوار المعرفة والطاعة، ويتعرى عن ظلمة الجهالة والضلالة، فإن ظلمات الجملة محيطة بالإنسان من قرنه إلى قدمه، والشيطان يأتيه من الجهات الست بالوساوس والشبهات، أي: المشبهات بالظلمات فرفع كل ظلمة بنور، قال: ولا مخلص عن ذلك إلا بأنوار تستأصل شأفة تلك الظلمات، وفيه إرشاد للأمة (المباركفوري).

١ س1) عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله ﷺ يعلمنا ... في الأمور كلها.

٣/٠