رابعا: الدعاء وآدابه ودواعي إجابته

باب: الدعاء بأسماء الله وصفاته والدعاء بصالح الأعمال


(خ م) (٢٦٧٧) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «للهِ تِسعَةٌ وتِسعُونَ اسمًا، مَن حَفِظَها دَخَلَ الجَنَّةَ، وإنَّ اللهَ وِترٌ يُحِبُّ الوِترَ». وفِي رِوايَةٍ زادَ: «مِائةً إلّا واحِدًا مَن أحصاها دَخَلَ الجَنَّةَ».
- اتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى، فليس معناه: أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء، ولهذا جاء في الحديث الآخر: "أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك". (النووي)
- قال الأصيلي: الإحصاء للأسماء العمل بها لا عدها وحفظها؛ لأن ذلك قد يقع للكافر المنافق؛ كما في حديث الخوارج: "يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم".
- الإحصاء يقع بالقول ويقع بالعمل، فالذي بالعمل: أن لله أسماء يختص بها كالأحد، والمتعال، والقدير ونحوها، فيجب الإقرار بها والخضوع عندها، وله أسماء يستحب الاقتداء بها في معانيها: كالرحيم، والكريم، والعفو ونحوها، فيستحب للعبد أن يتحلى بمعانيها ليؤدي حق العمل بها، فبهذا يحصل الإحصاء العملي، وأما الإحصاء القولي: فيحصل بجمعها وحفظها والسؤال بها، ولو شارك المؤمن غيره في العد والحفظ، فإن المؤمن يمتاز عنه بالإيمان والعمل بها. (ابن حجر)
-قوله ﷺ: "إن الله وتر يحب الوتر"، الوتر: الفرد، ومعناه في حق الله تعالى: الواحد الذي لا شريك له ولا نظير، ومعنى "يحب الوتر": تفضيل الوتر في الأعمال، وكثير من الطاعات، فجعل الصلاة خمسا، والطهارة ثلاثا، والطواف سبعا، والسعي سبعا، ورمي الجمار سبعا، وأيام التشريق ثلاثا، والاستنجاء ثلاثا، وكذا الأكفان، وفي الزكاة خمسة أوسق وخمس أواق من الورق، ونصاب الإبل وغير ذلك، وجعل كثيرا من عظيم مخلوقاته وترا منها السماوات، والأرضون، والبحار، وأيام الأسبوع وغير ذلك، وقيل: إن معناه منصرف إلى صفة من يعبد الله بالوحدانية والتفرد مخلصا له، والله أعلم.(النووي)

(م) (٢٦٥٤) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ﵄؛ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّها بَينَ إصبَعَينِ مِن أصابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلبٍ واحِدٍ يُصَرِّفُه حَيثُ شاءَ». ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّف قُلُوبَنا عَلى طاعَتِكَ».
-قوله (صرف قلوبنا على طاعتك)؛ أي: قلبها على أنواع طاعتك، بأن تتقلب من طاعة إلى طاعة أخرى، ولا تخرج عنها إلى المعاصي. (محمد الإتيوبي).
-فالإنسان مدار صلاحه وفساده على القلب. ولهذا ينبغي لك أيها المسلم أن تعتني بصلاح قلبك، فلاح الظواهر وأعمال الجوارح طيب، ولكن الشأن كل الشأن في صلاح القلب، ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: "اللهم مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم مصرف القلوب صرَّف قلوبنا إلى طاعتك". (ابن عثيمين)

(خ م) (٢٧٤٣) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ﵄، عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ قالَ: «بَينَما ثَلاثَةُ نَفَرٍ يَتَمَشَّونَ أخَذَهُم المَطَرُ، فَأَوَوا إلى غارٍ فِي جَبَلٍ، فانحَطَّت عَلى فَمِ غارِهِم صَخرَةٌ مِن الجَبَلِ فانطَبَقَت عَلَيهِم، فَقالَ بَعضُهُم لِبَعضٍ: انظُرُوا أعمالًا عَمِلتُمُوها صالِحَةً للهِ؛ فادعُوا اللهَ تَعالى بِها، لَعَلَّ اللهَ يَفرُجُها عَنكُم. فَقالَ أحَدُهُم: اللَّهُمّ إنَّهُ كانَ لِي والِدانِ شَيخانِ كَبِيرانِ، وامرَأَتِي، ولِي صِبيَةٌ صِغارٌ أرعى عَلَيهِم، فَإذا أرَحتُ عَلَيهِم حَلَبتُ، فَبَدَأتُ بِوالِدَيَّ فَسَقَيتُهُما قَبلَ بَنِيَّ، وأَنَّهُ نَأى بِي ذاتَ يَومٍ الشَّجَرُ، فَلَم آتِ حَتّى أمسَيتُ، فَوَجَدتُهُما قَد ناما، فَحَلَبتُ كَما كُنتُ أحلُبُ، فَجِئتُ بِالحِلابِ فَقُمتُ عِنْدَ رُؤُوسِهِما، أكرَهُ أن أُوقِظَهُما مِن نَومِهِما، وأَكرَهُ أن أسقِيَ الصِّبيَةَ قَبلَهُما، والصِّبيَةُ يَتَضاغَونَ عِنْدَ قَدَمَيَّ، فَلَم يَزَل ذَلكَ دَأبِي ودَأبَهم حَتّى طَلَعَ الفَجرُ، فَإن كُنتَ تَعلَمُ أنِّي فَعَلتُ ذَلكَ ابتِغاءَ وجهِكَ فافرُج لَنا مِنها فُرجَةً نَرى مِنها السَّماءَ. فَفَرَجَ اللهُ مِنها فُرجَةً فَرَأَوا مِنها السَّماءَ، وقالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إنَّهُ كانَت لِيَ ابنَةُ عَمٍّ، أحبَبتُها كَأَشَدِّ ما يُحِبُّ الرِّجال النِّساءَ، وطَلَبتُ إلَيها نَفسَها، فَأَبَت حَتّى آتِيَها بِمِائَةِ دِينارٍ، فَتَعِبتُ حَتّى جَمَعتُ مِائَةَ دِينارٍ، فَجِئتُها بِها، فَلَمّا وقَعتُ بَينَ رِجلَيها قالَت: يا عَبدَ اللهِ؛ اتَّقِ اللهَ، ولا تَفتَح الخاتَمَ إلا بِحَقِّهِ، فَقُمتُ عَنها، فَإن كُنتَ تَعلَمُ أنِّي فَعَلتُ ذَلكَ ابتِغاءَ وجهِكَ فافرُج لَنا مِنها فُرجَةً. فَفَرَجَ لَهُم، وقالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إنِّي كُنتُ استَأجَرتُ أجِيرًا بِفَرَقِ أرُزٍّ، فَلَمّا قَضى عَمَلَهُ قالَ: أعطِنِي حَقِّي. فَعَرَضتُ عَلَيهِ فَرَقَهُ، فَرَغِبَ عَنهُ، فَلَم أزَل أزرَعُهُ حَتّى جَمَعتُ مِنهُ بَقَرًا ورِعاءَها، فَجاءَنِي فَقالَ: اتَّقِ اللهَ، ولا تَظلِمنِي حَقِّي. قُلتُ: اذهَب إلى تِلكَ البَقَرِ ورِعائِها فَخُذها، فَقالَ: اتَّقِ اللهَ، ولا تَستَهزِئ بِي. فَقُلتُ: إنِّي لا أستَهزِئُ بِكَ، خُذ ذَلكَ البَقَرَ ورِعاءَها، فَأَخَذَهُ فَذَهَبَ بِهِ، فَإن كُنتَ تَعلَمُ أنِّي فَعَلتُ ذَلكَ ابتِغاءَ وجهِكَ فافرُج لَنا ما بَقِيَ. فَفَرَجَ اللهُ ما بَقِيَ».
-استدل أصحابنا بهذا على أنه يستحب للإنسان أن يدعو في حال كربه، وفي دعاء الاستسقاء وغيره بصالح عمله، ويتوسل إلى الله تعالى به ; لأن هؤلاء فعلوه فاستجيب لهم، وذكره النبي ﷺ في معرض الثناء عليهم، وجميل فضائلهم. (النووي)
-وفي هذا الحديث فضل بر الوالدين، وفضل خدمتهما وإيثارهما عمن سواهما من الأولاد والزوجة وغيرهم.
- وفيه فضل العفاف والانكفاف عن المحرمات، لا سيما بعد القدرة عليها والهم بفعلها، وتركها لله تعالى خالصا.
- وفيه جواز الإجارة، وفضل حسن العهد، وأداء الأمانة، والسماحة في المعاملة.

باب: حمد الله والثناء عليه قبل الدعاء، فيقدم بين يدي مسألته ثناء وتمجيدا ثم يسأل ربه حاجته


(خ م) (١٩٤) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَومًا بِلَحمٍ فَرُفِعَ إلَيهِ الذِّراعُ وكانَت تُعجِبُهُ، فَنَهَسَ مِنها نَهسَةً()، فَقالَ: «أنا سَيِّدُ النّاسِ يَومَ القِيامَةِ ... وفيها: فَيَأتُونِي فَيَقُولُونَ: يا مُحَمَّدُ؛ أنتَ رَسُولُ اللهِ، وخاتَمُ الأَنبِياءِ، وغَفَرَ اللهُ لَكَ ما تَقَدَّم مِن ذَنبِكَ وما تَأَخَّرَ، اشفَع لَنا إلى رَبِّكَ، ألا تَرى ما نَحنُ فِيهِ؟ ألا تَرى ما قَد بَلَغَنا؟ فَأَنطَلِقُ فَآتِي تَحتَ العَرشِ، فَأَقَعُ ساجِدًا لِرَبِّي، ثُمَّ يَفتَحُ اللهُ عَلَيَّ ويُلهِمُنِي مِن مَحامِدِهِ وحُسنِ الثَّناءِ عَلَيهِ شَيئًا لَم يَفتَحهُ لأَحَدٍ قَبلِي، ثُمَّ يُقالُ: يا مُحَمَّدُ، ارفَع رَأسَكَ، سَل تُعطَه، اشفَع تُشَفَّع. فَأَرفَعُ رَأسِي فَأَقُولُ: يا رَبِّ؛ أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيُقالُ: يا مُحَمَّدُ؛ أدخِل الجَنَّةَ مِن أُمَّتِكَ مَن لا حِسابَ عَلَيهِ مِن البابِ الأَيمَنِ مِن أبوابِ الجَنَّةِ، وهُم شُرَكاءُ النّاسِ فِيما سِوى ذَلكَ مِن الأَبوابِ. والَّذِي نَفسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إنَّ ما بَينَ المِصراعَينِ مِن مَصارِيعِ الجَنَّةِ لَكَما بَينَ مَكَّةَ وهَجَرٍ، أو كَما بَينَ مَكَّةَ وبُصرى».
- قوله: "أنا سيد الناس يوم القيامة" أي: الذي يفوق قومه ويفزع إليه في الشدائد، وخص يوم القيامة؛ لارتفاع سؤدده فيه وتسليم جميعهم له، وليكون آدم وجميع ولده تحت لوائه. (ابن الملقن)
- "أنا سيد الناس يوم القيامة"؛ إنما قال هذا صلى الله عليه وسلم تحدثا بنعمة الله تعالى وقد أمره الله تعالى بهذا ونصيحة لنا بتعريفنا حقه صلى الله عليه وسلم. ( النووي)

١ 1)ما فضل حفظ أسماء الله الحسنى؟

٢/٠