كِتابُ العِيدَيْنِ


باب: تَرْكُ الأَذانِ والإقامَةِ فِـي العِيدَيْنِ


٦٩١. (خ م) (٨٨٦) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وجابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵃ قالا: لَم يَكُن يُؤَذَّنُ يَومَ الفِطرِ ولا يَومَ الأَضحى. وفي رواية (م) عَن جابِرٍ: ولا إقامةَ ولا نِداءَ ولا شَيء.
٦٩٢. (خ م) (٨٨٦) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵁؛ أنه أرسَلَ إلى ابْنِ الزُّبَيرِ أوَّلَ ما بُويِعَ لَهُ: أنَّهُ لَم يَكُن يُؤَذَّنُ لِلصَّلاةِ يَومَ الفِطرِ، فَلا تُؤَذِّن لَها. (قالَ: فَلَم يُؤَذِّن لَها ابنُ الزُّبَيرِ يَومَهُ)، وأَرسَلَ إلَيهِ مَعَ ذَلِكَ: إنَّما الخُطبَةُ بَعدَ الصَّلاةِ، وإنَّ ذَلِكَ قَد كانَ يُفعَلُ. (قالَ: فَصَلّى ابنُ الزُّبَيرِ قَبلَ الخُطبَةِ).

باب: ما يَقْرَأُ فِـي صَلاةِ العِيدَيْنِ


٦٩٣. (م) (٨٩١) عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ ﵁ سَأَلَ أبا واقِدٍ اللَّيثِيَّ: ما كانَ يَقرَأُ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي الأَضحى والفِطرِ؟ فَقالَ: كانَ يَقرَأُ فِيهِما بِـ: ﴿ق والقُرْآنِ المَجِيدِ﴾ و﴿اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وانشَقَّ القَمَرُ﴾.
- قال العلماء: والحكمة في قراءتهما لما اشتملتا عليه من الإخبار بالبعث، والإخبار عن القرون الماضية، وإهلاك المكذبين، وتشبيه بروز الناس للعيد ببروزهم للبعث، وخروجهم من الأجداث كأنهم جراد منتشر، والله أعلم. (النووي)

باب: صَلاةُ العِيدَيْنِ قَبْلَ الخُطْبَةِ


٦٩٤. (خ م) (٨٨٩) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كانَ يَخرُجُ يَومَ الأضحى ويَومَ الفِطرِ فَيَبدَأ بِالصَّلاةِ، فَإذا صَلّى صَلاتَهُ وسَلَّمَ قامَ فَأَقبَلَ عَلى النّاسِ، وهُم جُلُوسٌ فِي مُصَلّاهُم، فَإن كانَ لَهُ حاجَةٌ بِبَعثٍ ذَكَرَهُ لِلنّاسِ، أو كانَت لَهُ حاجَةٌ بِغَيرِ ذَلكَ أمَرَهُم بِها، (وكانَ يَقُولُ: «تَصَدَّقُوا، تَصَدَّقُوا، تَصَدَّقُوا». وكانَ أكثَرَ مَن يَتَصَدَّقُ النِّساءُ)، ثُمَّ يَنصَرِفُ، فَلَم يَزَل كَذَلكَ حَتّى كانَ مَروانُ بنُ الحَكَمِ، فَخَرَجتُ مُخاصِرًا مَروانَ حَتّى أتَينا المُصَلّى، فَإذا كَثِيرُ بنُ الصَّلتِ قَد بَنى مِنبَرًا مِن طِينٍ ولَبِنٍ، فَإذا مَروانُ يُنازِعُنِي يَدَهُ كَأَنَّهُ يَجُرُّنِي نَحوَ المِنبَرِ، وأَنا أجُرُّهُ نَحوَ الصَّلاةِ، فَلَمّا رَأَيتُ ذَلكَ مِنهُ قُلتُ: أينَ الابتِداءُ بِالصَّلاةِ؟ فَقالَ: لا، يا أبا سَعِيدٍ؛ قَد تُرِكَ ما تَعلَمُ. قُلتُ: كَلاَّ، والَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لا تَأتُونَ بِخَيرٍ مِمّا أعلَمُ، (ثَلاثَ مِرارٍ، ثُمَّ انصَرَفَ).
لَفظُ (خ): يَخرُجُ يَومَ الفِطرِ والأَضحى إلى المُصَلّى ... وفِيهِ: فَقُلتُ: ما أعلَمُ واللَّهِ خَيرٌ مِمّا لا أعلَمُ. فَقالَ: إنَّ النّاسَ لَم يَكُونُوا يَجلِسُونَ لَنا بَعدَ الصَّلاةِ، فَجَعَلتُها قَبلَ الصَّلاةِ.
- فيه دليل لمن قال باستحباب الخروج في صلاة العيد إلى المصلى، وأنه أفضل من فعلها في المسجد، وعلى هذا عمل الناس في معظم الأمصار.
- ‏فيه أن الخطبة للعيد بعد الصلاة، ولا تكون قبلها. ( النووي)

٦٩٥. (خ م) (٨٨٤) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: شَهِدتُ صَلاةَ الفِطرِ مَعَ نَبِيِّ اللهِ ﷺ وأَبِي بَكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ، فَكُلُّهُم يُصَلِّيها قَبلَ الخُطبَةِ ثُمَّ يَخطُبُ، قالَ: فَنَزَلَ نَبِيُّ اللهِ ﷺ كَأَنِّي أنظُرُ إلَيهِ حِينَ يُجَلِّسُ الرِّجالَ بِيَدِهِ، ثُمَّ أقبَلَ يَشُقُّهُم حَتّى جاءَ النِّساءَ ومَعَهُ بِلالٌ، فَقالَ: ﴿ياأَيُّها النَّبِيُّ إذا جاءَكَ المُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا﴾ [الممتحنة: ١٢]. فَتَلا هَذِهِ الآيَةَ حَتّى فَرَغَ مِنها، ثُمَّ قالَ حِينَ فَرَغَ مِنها: «أنتُنَّ عَلى ذَلكَ؟» فَقالَت امرَأَةٌ واحِدَةٌ لَم يُجِبهُ غَيرُها مِنهُنَّ: نَعَم؛ يا نَبِيَّ اللهِ. لا يُدرى (حِينَئِذٍ) مَن هِيَ؟ قالَ: «فَتَصَدَّقنَ». فَبَسَطَ بِلالٌ ثَوبَهُ، ثُمَّ قالَ: هَلُمَّ فِدًى لَكُنَّ أبِي وأُمِّي. فَجَعَلنَ يُلقِينَ الفَتَخَ والخَواتِمَ فِي ثَوبِ بِلالٍ. لَفظُ (خ): حَسَنٌ؛ مكان: حِينَئِذٍ.
وفي رواية: ثُمَّ خَطَبَ فَرَأى أنَّهُ لَم يُسْمِعِ النِّساءَ، فَأَتاهُنَّ فَذَكَّرَهُنَّ ووَعَظَهُنَّ وأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، وبِلالٌ قائِلٌ بِثَوبِهِ. وفي رواية: خَرَجَ يَومَ (أضحى أو) فِطْرٍ، فَصَلّى رَكْعَتَيْنِ، لَم يُصَلِّ قَبلَها ولا بَعدَها، ثُمَّ أتى النِّساءَ ... وفي رواية (خ): ولَولا مَنزِلتي مِنهُ ما شَهِدتُهُ مِن الصِّغَرِ.
- وفي هذه الأحاديث استحباب وعظ النساء وتذكيرهن الآخرة وأحكام الإسلام، وحثهن على الصدقة.
- وفيه أن النساء إذا حضرن صلاة الرجال ومجامعهم يكن بمعزل عنهم.
- وفيه أن صدقة التطوع لا تفتقر إلى إيجاب وقبول، بل تكفي فيها المعاطاة؛ لأنهن ألقين الصدقة في ثوب بلال من غير كلام منهن ولا من بلال ولا من غيره.( النووي)

٦٩٦. (خ م) (٨٨٥) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: إنَّ النَّبِيَّ ﷺ قامَ يَومَ الفِطرِ فَصَلّى فَبَدَأَ بِالصَّلاةِ قَبلَ الخُطبَةِ، ثُمَّ خَطَبَ النّاسَ، فَلَمّا فَرَغَ نَبِيُّ اللهِ ﷺ نَزَلَ، وأَتى النِّساءَ فَذَكَّرَهُنَّ، وهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلى يَدِ بِلالٍ، وبِلالٌ باسِطٌ ثَوبَهُ يُلقِينَ النِّساءُ صَدَقَةً. قُلتُ لِعَطاءٍ: زَكاةَ يَومِ الفِطرِ؟ قالَ: لا، ولَكِن صَدَقَةً يَتَصَدَّقنَ بِها حِينَئِذٍ، تُلقِي المَرأَةُ فَتَخَها ويُلقِينَ ويُلقِينَ. قُلتُ لِعَطاءٍ: أحَقًّا عَلى الإمامِ الآنَ أن يَأتِيَ النِّساءَ حِينَ يَفرُغُ فَيُذَكِّرَهُنَّ؟ قالَ: إي لَعَمرِي، إنَّ ذَلكَ لَحَقٌّ عَلَيهِم، وما لَهُم لا يَفعَلُونَ ذَلكَ؟
وفي رواية (م): فَأَمَرَ بِتَقوى اللهِ، وحَثَّ عَلى طاعَتِهِ، ووَعَظَ النّاسَ، وذَكَّرَهُم، ثُمَّ مَضى حَتى أتى النِّساءَ فَوَعَظَهُنَّ وذَكَّرَهُنَ، فَقالَ: «تَصَدَّقَن، فَإنَّ أكثرَكنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ». فَقامَت امرَأَةٌ مِن سِطَةِ النِّساءِ سَفْعاءُ الخَدَّينِ، فَقالَت: لِمَ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: «لِأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكاةَ وتَكْفُرْنَ العَشِير». قالَ: فَجَعَلنَ يَتَصَدَّقنَ ...
-يستدل من الحديث على ذم من يجحد إحسان ذي إحسان. (النووي)

باب: فِـي خُرُوجِ النِّساءِ إلى العِيدَيْنِ


٦٩٧. (خ م) (٨٩٠) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ ﵂ قالَت: أمَرَنا رَسُولُ اللهِ ﷺ أن نُخرِجَهُنَّ فِي الفِطرِ والأَضحى؛ العَواتِقَ والحُيَّضَ وذَواتِ الخُدُورِ، فَأَمّا الحُيَّضُ فَيَعتَزِلنَ الصَّلاةَ ويَشهَدنَ الخَيرَ ودَعوَةَ المُسلِمِينَ. قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ إحدانا لا يَكُونُ لَها جِلبابٌ؟ قالَ: «لِتُلبِسها أُختُها مِن جِلبابِها». وفي رواية: فَيَكُنَّ خَلفَ النّاسِ يُكبِّرنَ مَعَ النّاسِ، زادَ (خ): بِتَكبِيرِهِم، ويَدعُونَ بِدُعائِهِم، يَرجُون بَركةَ ذَلكَ اليَومِ وطُهرَتَه.
- فيه جواز ذكر الله تعالى للحائض والجنب، وإنما يحرم عليها مس المصحف.
-فيه استحباب حضور مجامع الخير ودعاء المسلمين، وحلق الذكر والعلم، ونحو ذلك.
- وفيه الحث على حضور العيد لكل أحد، وعلى المواساة والتعاون على البر والتقوى. (النووي)

باب: الأكْلُ يَوْمَ الفِطْرِ قَبْلَ الخُرُوجِ


٦٩٨. (خ) (٩٥٣) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لا يَغدُو يَومَ الفِطرِ حَتّى يَأكُلَ تَمَراتٍ. وفي رواية مُعلَّقةٍ: ويَأكُلُهُنَّ وِترًا.
- قال المهلب: الحكمة في الأكل قبل الصلاة أن لا يظن ظان لزوم الصوم حتى يصلي العيد، فكأنه أراد سد هذه الذريعة. وقال غيره: لما وقع وجوب الفطر عقب وجوب الصوم استحب تعجيل الفطر مبادرة إلى امتثال أمر الله تعالى، ويشعر بذلك اقتصاره على القليل من ذلك. (ابن حجر)

باب: إذا رَجَعَ يَوْمَ العِيدِ خالَفَ الطَّرِيقَ


٦٩٩. (خ) (٩٨٦) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: كانَ النَّبِيُّ ﷺ إذا كانَ يَومُ عِيدٍ خالَفَ الطَّرِيقَ.

باب: فَضْلُ العَمَلِ فِـي أيّامِ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ


٧٠٠. (خ) (٩٦٩) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «ما العَمَلُ فِي أيّامٍ أفضَلَ مِنها فِي هَذِهِ». قالُوا: ولا الجِهادُ؟ قالَ: «ولا الجِهادُ، إلا رَجُلٌ خَرَجَ يُخاطِرُ بِنَفسِهِ ومالِهِ فَلَم يَرجِع بِشَيءٍ».

باب: ما يَجُوزُ مِنَ اللَّهْوِ فِـي العِيدِ


٧٠١. (خ م) (٨٩٢) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وعِندِي جارِيَتانِ تُغَنِّيانِ بِغِناءِ بُعاثٍ، فاضطَجَعَ عَلى الفِراشِ، وحَوَّلَ وجهَهُ، فَدَخَلَ أبُو بَكرٍ فانتَهَرنِي وقالَ: مِزمارُ الشَّيطانِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ؟ فَأَقبَلَ عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَقالَ: «دَعهُما». فَلَمّا غَفَلَ غَمَزتُهُما فَخَرَجَتا، وكانَ يَومَ عِيدٍ يَلعَبُ السُّودانُ بِالدَّرَقِ والحِرابِ، فَإمّا سَأَلتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ، وإمّا قالَ: «تَشتَهِينَ تَنظُرِينَ؟» فَقُلتُ: نَعَم. فَأَقامَنِي وراءَهُ خَدِّي عَلى خَدِّهِ، وهُوَ يَقُولُ: «دُونَكُم يا بَنِي أرفِدَةَ». حَتّى إذا مَلِلتُ قالَ: «حَسبُكِ». قُلتُ: نَعَم. قالَ: «فاذهَبِي». وفي رواية: فِي أيامِ مِنىً، تُغَنِّيانِ وتَضرِبانِ، ورسُولُ الله ﷺ مُسَجّىً بِثَوبِهِ. وفي رواية: والحَبَشَة يَلعَبُونَ بِحِرابِهِم فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ. وفي رواية: جارِيَتانِ مِن جَوارِي الأَنْصارِ تُغَنِّيانِ بِما تَقاوَلَتْ بِهِ الأَنْصارُ يَوْمَ بُعاثٍ، قالَتْ: ولَيْسَتا بِمُغَنِّيَتَيْنِ ... وفِيها: فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يا أبا بَكرٍ؛ إنَّ لِكُلِّ قَومٍ عِيدًا، وهَذا عِيدُنا». وفي رواية: ثُمَّ يَقُومُ مِن أجلِي، حتّى أكونَ أنا التِي أنصَرِفُ، فاقْدِرُوا قَدْرَ الجارِيةِ الحدِيثةِ السِّنِّ، الحريصةِ على اللَّهوِ. وفي رواية: جاءَ حَبَشٌ (يَزْفِنُونَ) فِي يَومِ عِيدٍ فِي المَسْجِدِ.
- بيان جواز ضرب الدفّ في العيد، والعرس والنكاح.
- أن إظهار السرور بالأعياد من شعار الدين.
- إنما كان غناؤهما بما هو من أشعار الحرب والمفاخرة بالشجاعة والظهور والغلبة، وهذا لا يهيج الجواري على شر، ولا إنشادهما لذلك من الغناء، وإنما هو رفع الصوت بالإنشاد، ولهذا قالت: "وليستا بمغنيتين" أي: ليستا ممن يتغنى بعادة المغنيات من التشويق والهوى، والتعريض بالفواحش، والتشبيب بأهل الجمال وما يحرك النفوس، ويبعث الهوى والغزل، وليستا أيضا ممن اشتهر وعرف بإحسان الغناء الذي فيه تمطيط وتكسير، وعمل يحرك الساكن ويبعث الكامن، ولا ممن اتخذ ذلك صنعة وكسبا، والعرب تسمي الإنشاد غناء وهو مباح، وقد استجازت الصحابة غناء العرب الذي هو مجرد الإنشاد والترنم، وأجازوا الحداء، وفعلوه بحضرة النبي ﷺ، وفي هذا كله إباحة مثل هذا وما في معناه، وهذا ومثله ليس بحرام.
- فيه أن مواضع الصالحين وأهل الفضل تنزه عن الهوى واللغو ونحوه وإن لم يكن فيه إثم.
- وفيه أن التابع للكبير إذا رأى بحضرته ما يستنكر، أو لا يليق بمجلس الكبير ينكره، وهو أدب ورعاية حرمة وإجلال للكبير من أن يتولى ذلك بنفسه وصيانة لمجلسه.
- وإنما سكت النبي ﷺ عنهن؛ لأنه مباح لهن،وتسجى بثوبه وحول وجهه إعراضا عن اللهو، ولئلا يستحيين فيقطعن ما هو مباح لهن، وكان هذا من رأفته ﷺ وحلمه وحسن خلقه. ( النووي)

٧٠٢. (خ م) (٨٩٣) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: بَينَما الحَبَشَةُ يَلعَبُونَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ بِحِرابِهِم، إذ دَخَلَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ فَأَهوى إلى الحَصباءِ يَحصِبُهُم بِها، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «دَعهُم يا عُمَرُ».
ورَوى (خ) عَنْ عائِشَةَ نَحْوَهُ؛ وفِيهِ: «دَعْهُمْ، أمْنًا بَنِي أرْفِدَةَ». يَعْنِي مِنَ الأَمْنِ.

كِتابُ صَلاةِ الـمُسافِرِ


باب: قَصْرُ الصَّلاةِ فِـي السَّفَرِ ومَتى يَقْصُرُ؟


٧٠٣. (خ م) (٦٩٠) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: صَلَّيتُ مع رَسُولِ اللهِ ﷺ الظُّهرَ بِالمَدِينَةِ أربَعًا، وصَلَّيتُ معه العَصرَ بِذِي الحُلَيفَةِ رَكْعَتَيْنِ.
٧٠٤. (خ م) (٦٩٣) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: خَرَجنا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ مِن المَدِينَةِ إلى مَكَّةَ، فَصَلّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتّى رَجَعَ. قُلتُ: كَم أقامَ بِمَكَّةَ؟ قالَ: عَشرًا.
٧٠٥. (م) (٦٨٦) عَنْ يَعْلى بْنِ أُمَيَّةَ ﵁ قالَ: قُلتُ لِعُمَرَ بْنِ الخَطّابِ ﵁: ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاةِ إنْ خِفْتُمْ أن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ [النساء: ١٠١]، فَقَد أمِنَ النّاسُ؟ فَقالَ: عَجِبتُ مِمّا عَجِبتَ مِنهُ، فَسَأَلتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَن ذَلكَ فَقالَ: «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِها عَلَيكُم فاقبَلُوا صَدَقَتَهُ».
٧٠٦. (م) (٦٨٧) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: فَرَضَ اللهُ الصَّلاةَ عَلى لِسانِ نَبِيِّكُم ﷺ فِي الحَضَرِ أربَعًا، وفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وفِي الخَوفِ رَكعَةً.
٧٠٧. (خ) (١٠٨٠) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: أقامَ النَّبِيُّ ﷺ تِسعَةَ عَشَرَ يَقصُرُ، فَنَحنُ إذا سافَرنا تِسعَةَ عَشَرَ قَصَرنا، وإن زِدنا أتمَمنا.

باب: يُتِمُّ الـمُسافِرُ إذا صَلّى خَلْفَ الـمُقِيمِ


٧٠٨. (م) (٦٨٨) عَنْ مُوسى بْنِ سَلَمَةَ الهُذَلِيِّ قالَ: سَأَلتُ ابن عباسٍ ﵁: كَيفَ أُصَلِّي إذا كُنتُ بِمَكَّةَ إذا لَم أُصَلِّ مَعَ الإمامِ؟ فَقالَ: رَكْعَتَيْنِ سُنَّةَ أبِي القاسِمِ ﷺ.

باب: قَصْرُ الصَّلاةِ بِمِنًى


٧٠٩. (خ م) (٦٩٥) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قالَ: صَلّى بِنا عُثْمانُ بِمِنًى أربَعَ رَكَعاتٍ، فَقِيلَ ذَلكَ لِعَبدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فاستَرجَعَ ثُمَّ قالَ: صَلَّيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وصَلَّيتُ مَعَ أبِي بَكرٍ الصِّدِّيقِ بِمِنًى رَكعَتَين، وصَلَّيتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، فَلَيتَ حَظِّي مِن أربَعِ رَكَعاتٍ رَكعَتانِ مُتَقَبَّلَتانِ. وفي رواية (خ) زادَ: ثُمَّ تَفَرَّقَت بِكُم الطُّرقُ، فَلَيتَ حَظِّي ... الحديث.
- قوله "فاسترجع" فيه كراهية مخالفة الأفضل.
-جواز عمل العالم بخلاف الأفضل إذا كان في عمل الأفضل مفسدة؛ لما روى أبو داود "أن ابن مسعود صلى أربعا فقيل له: عبت على عثمان ثم صليت أربعا، فقال: الخلاف شر". (ابن حجر)

٧١٠. (خ م) (٦٩٤) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قالَ: صَلّى النَّبِيُّ ﷺ بِمِنًى صَلاةَ المُسافِرِ، وأَبُو بَكرٍ، وعُمَرُ، وعُثمانُ ثَمانِيَ سِنِينَ، أو قالَ: سِتَّ سِنِينَ. (قالَ حَفصٌ: وكانَ ابنُ عُمَرَ يُصَلِّي بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَأتِي فِراشَهُ، فَقُلتُ: أي عَمِّ؛ لَو صَلَّيتَ بَعدَها رَكْعَتَيْنِ؟ قالَ: لَو فَعَلتُ لأَتمَمتُ الصَّلاةَ). وفي رواية (م): فَكانَ ابنُ عُمرَ إذا صَلّى مَعَ الإمامِ صَلّى أربعًا، وإذا صَلّى وحدَهُ صَلًّى رَكْعَتَيْنِ. وفي رواية: وعُثمانُ صَدْرًا مِن خِلافَتِهِ ثُمَّ أتَمَّها أربَعًا.
- فيه أن السنن الرواتب لا تصلى في السفر عدا راتبة الفجر، فإنه ﷺ لم يتركها حضرا وسفرا.
- أقرب الأقوال في سبب إتمام عثمان ﵁ في السفر أنه كان يرى القصر مختصا بمن كان سائرا، وأما من أقام في مكة أثناء سفره فله حكم المقيم فيتم، ويؤيده أن عائشة ﵂ تأولت ما تأول عثمان كما ورد في الصحيحين من حديث عروة عن عائشة ﵂.

باب: الجَمْعُ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ فِـي السَّفَرِ


٧١١. (خ م) (٧٠٤) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إذا ارتَحَلَ قَبلَ أن تَزِيغَ الشَّمسُ أخَّرَ الظُّهرَ إلى وقتِ العَصرِ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَينَهُما، فَإن زاغَت الشَّمسُ قَبلَ أن يَرتَحِلَ صَلّى الظُّهرَ ثُمَّ رَكِبَ. وفي رواية (م) زادَ: يُؤخِّرُ الظُّهرَ إلى أولِ وقتِ العَصرِ، فَيَجمَعُ بَينَهُما.
- فيه بيان هدي النبي ﷺ في السفر كان إذا ارتحل قبل الزوال فإنه يؤخر الظهر حتى يصليها في وقت العصر، أما إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر تامة.
- بيان كون الشريعة سمحه سهلة؛ توسع على المكلفين في محل الحرج، فلذا شرع الجمع في السفر.
- الجمع في هذا الباب إنما يكون في الصلوات المشتركة الأوقات، وهي الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، ولا يكون في غيرها بالإجماع.
- بيان ما كان عليه النبي ﷺ من مراعاة أحوال الناس، فإذا كان المحل مناسبا لهم تأخر وجمع بين الصلاتين، وإذا كان غير ذلك عجل المسير وواصل حتى يجمع في وقت الثانية، تخفيفا على الصحابة رضي الله عنهم.
- ذهب كافة العلماء: إلى منع الجمع بين الصلاتين في الحضر لغير عذر.

٧١٢. (خ م) (٧٠٣) عَنْ نافِعٍ؛ أنَّ ابنَ عُمَرَ ﵄ كانَ إذا جَدَّ بِهِ السَّيرُ جَمَعَ بَينَ المَغرِبِ والعِشاءِ بَعدَ أن يَغِيبَ الشَّفَقُ، ويَقُولُ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إذا جَدَّ بِهِ السَّيرُ جَمَعَ بَينَ المَغرِبِ والعِشاءِ.
٧١٣. (م) (٧٠٥) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ؛ عَن ابْنِ عَبّاسٍ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ جَمَعَ بَينَ الصَّلاةِ فِي سَفرَةٍ سافَرَها فِي غَزوَةِ تَبُوكَ، فَجَمَعَ بَينَ الظُّهرِ والعَصرِ، والمَغرِبِ والعِشاءِ. قالَ سَعِيدٌ: فَقُلتُ لابن عباسٍ ﵁: ما حَمَلَهُ عَلى ذَلكَ؟ قالَ: أرادَ أن لا يُحرِجَ أُمَّتَهُ.
-قوله: " أراد ألا يحرج أمته ": معناه إنما فعل ذلك لئلا يشق عليهم، ويثقل، فقصد إلى التخفيف عنهم مع المحافظة على إيقاع كل صلاة في وقتها.

٧١٤. (م) (٧٠٦) عَنْ أبِي الطُّفَيْلِ؛ عَن مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ ﵁ قالَ: جَمَعَ رَسُولُ الله ﷺ فِي غَزوَةِ تَبُوكَ بَينَ الظُّهرِ والعَصرِ، وبَينَ المَغرِبِ والعِشاءِ، قالَ: فَقُلتُ: ما حَمَلَهُ عَلى ذَلِكَ؟ قال: فقال: أراد ألا يُحرِجَ أُمَّتَهُ.

باب: الجَمْعُ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ فِـي الحَضَرِ لِخَوْفٍ ونَحْوِهِ


٧١٥. (خ م) (٧٠٥) عَنْ عَمْرٍو؛ عَن جابِرِ بْنِ زَيْدٍ؛ عَن ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: صَلَّيتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ ثَمانِيًا جَمِيعًا وسَبعًا جَمِيعًا. (قُلتُ: يا أبا الشَّعثاءِ؛ أظُنُّهُ أخَّرَ الظُّهرَ وعَجَّلَ العَصرَ، وأَخَّرَ المَغرِبَ وعَجَّلَ العِشاءَ. قالَ: وأَنا أظُنُّ ذاكَ). وفي رواية (م): جَميعًا فِي غَيرِ خَوفٍ ولا سَفَرٍ. وفي رواية (م): بِالمدينةِ، فِي غَيرِ خَوفٍ ولا مَطَرٍ. قالَ سَعيدُ بن جُبيرٍ: قُلتُ لابنِ عَباسٍ: لِمَ فَعَلَ ذَلكَ؟ قالَ: كَي لا يُحرِجَ أُمَّتَهُ.
ورَوى (م) عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقَيقٍ قالَ: خَطَبَنا ابنُ عَباسٍ يَومًا بَعدَ العَصرِ حَتّى غَرَبَت الشَّمسُ، وبَدَت النُّجُومُ، فَجَعَلَ النّاسُ يَقُولُونَ: الصَّلاةَ، الصَّلاةَ. قالَ: فَجاءَ رَجُلٌ مِن بَني تَمِيمٍ لا يَفْتُرُ ولا يَنْثَني: الصَّلاةَ، الصَّلاةَ. فَقالَ ابنُ عَباسٍ: أتُعَلِّمُني بِالسُّنَّة؟ لا أُمَّ لَكَ. ثُمَّ قالَ: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَجمَعُ بَينَ الظُّهرِ والعَصرِ والمَغرِبِ والعِشاءِ. قالَ عَبدُ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ: فَحاكَ فِي صَدرِي مِن ذَلكَ شَيءٌ، فَأَتَيتُ أبا هُرَيْرَةَ فَسَأَلتُهُ، فَصَدَّقَ مَقالَتَهُ.
-ثمانيا: أي ثماني ركعات، أربع ركعات للظهر وأربع ركعات للعصر.
سبعا: أي سبع ركعات، ثلاث ركعات للمغرب وأربع ركعات للعشاء.
- اختلف أهل العلم في الجمع بين الصلاتين في الحضر: والحاصل أن الأرجح هو القول بجواز الجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في الحضر لعذر لمن لا يتخذه عادة، كما هو حال النبي ﷺ فإنه لم يتخذ ذلك عادة.

باب: الـصَّلاةُ فِـي الرِّحالِ فِـي الـمَطَرِ أوِ البَرْدِ والرِّيحِ


٧١٦. (خ م) (٦٩٩) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ ﵄؛ أنَّهُ قالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَومٍ مَطِيرٍ: إذا قُلتَ: أشهَدُ أن لا إلَهَ إلا اللهُ، أشهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَلا تَقُل: حَيَّ عَلى الصَّلاةِ، قُل: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُم. قالَ: فَكَأَنَّ النّاسَ استَنكَرُوا ذاكَ، فَقالَ: أتَعجَبُونَ مِن ذا؟ قَد فَعَلَ ذا مَن هُوَ خَيرٌ مِنِّي، إنَّ الجُمُعَةَ عَزمَةٌ، وإنِّي كَرِهتُ أن أُحرِجَكُم فَتَمشُوا فِي الطِّينِ والدَّحضِ. وفي رواية (خ): كرِهتُ أن أُؤَثِّمَكُم فتجيئون تدُوسُون الطين إلى رُكَبِكُم.
- يسر التشريع، وأن الله يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر.
-تخفيف أمر الجماعة في المطر ونحوه من الأعذار.
-مواضع النداء بالصلاة في الرحال ثلاثة: بدل الحيعلة، وبعد الفراغ من الأذان، وفي أواخر الأذان قبل الانتهاء منه.
-دليل على قاعدة: المشقة تجلب التيسير.
-فيه فضل ابن عباس ﵁ وعلمه وفقهه الذي خُفي على غيره ممن استنكروا تلك الرخصة.

٧١٧. (خ م) (٦٩٧) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄؛ أنَّهُ نادى بِالصَّلاةِ فِي لَيلَةٍ ذاتِ بَردٍ ورِيحٍ (ومَطَرٍ)، فَقالَ فِي آخِرِ نِدائِهِ: ألا صَلُّوا فِي رِحالِكُم، ألا صَلُّوا فِي الرِّحالِ، ثُمَّ قالَ: إنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كانَ يَأمُرُ المُؤَذِّنَ إذا كانَت لَيلَةٌ بارِدَةٌ أو ذاتُ مَطَرٍ فِي السَّفَرِ أن يَقُولَ: «ألا صَلُّوا فِي رِحالِكُم». وفي رواية زاد: نادى بِالصَّلاةِ بِضَجنانَ.
- مشروعية الأذان والجماعة في السفر.

باب: تَرْكُ النّافِلَةِ الرّاتِبَةِ قَبْلَ الصَّلاةِ وبَعْدَها فِـي السَّفَرِ


٧١٨. (خ م) (٦٨٩) عَنْ حَفْصِ بْنِ عاصِمٍ قالَ: صَحِبتُ ابنَ عُمَرَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، قالَ: (فَصَلّى لَنا الظُّهرَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أقبَلَ وأَقبَلنا مَعَهُ، حَتّى جاءَ رَحلَهُ، وجَلَسَ وجَلَسنا مَعَهُ، فَحانَت مِنهُ التِفاتَةٌ نَحوَ حَيثُ صَلّى فَرَأى ناسًا قِيامًا، فَقالَ: ما يَصنَعُ هَؤُلاءِ؟ قُلتُ: يُسَبِّحُونَ. قالَ: لَو كُنتُ مُسَبِّحًا لأَتمَمتُ صَلاتِي)، يا ابنَ أخِي؛ إنِّي صَحِبتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ فِي السَّفَرِ فَلَم يَزِد عَلى رَكْعَتَيْنِ حَتّى قَبَضَهُ اللهُ، وصَحِبتُ أبا بَكرٍ فَلَم يَزِد عَلى رَكْعَتَيْنِ حَتّى قَبَضَهُ اللهُ، وصَحِبتُ عُمَرَ فَلَم يَزِد عَلى رَكْعَتَيْنِ حَتّى قَبَضَهُ اللهُ، ثُمَّ صَحِبتُ عُثْمانَ فَلَم يَزِد عَلى رَكْعَتَيْنِ حَتّى قَبَضَهُ اللهُ، وقَد قالَ اللهُ: ﴿لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب: ٢١].
- قصر الفريضة وترك الراتبة سنة النبي ﷺ والخلفاء الراشدين من بعده، وإنكارهم على من يتنفل بالراتبة مع قصر الفريضة.
- شدة اتباع الصحابة رضوان الله عليهم للنبي ﷺ أسوة وقدوة به عملا بقوله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}، واستشهادهم بالآية لذلك.
- فيه الترغيب في التزام سنة النبي ﷺ ومنها ترك السنن الرواتب في السفر عدا سنة الفجر، وفي الاقتصار على السنة الأجر العظيم، والخير العميم للمسلم في عبادته وأثرها عليه في الدنيا والآخرة، فعمل قليل على السنة خير من عمل كثير على خلافها؛ لأنه كان ﷺ أفضل الخلق عبادة لربه؛ لعلمه بمحبوباته وما يرضيه جل وعلا.

باب: الـتَّنَفُّلُ بِالصَّلاةِ عَلى الرّاحِلَةِ فِـي السَّفَرِ


٧١٩. (خ م) (٧٠٠) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ﵄ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُسَبِّحُ عَلى الرّاحِلَةِ قِبَلَ أيِّ وجهٍ تَوَجَّهَ، ويُوتِرُ عَلَيها، غَيرَ أنَّهُ لا يُصَلِّي عَلَيها المَكتُوبَة. وفِي رِوايَةِ (خ): يُومِئُ بِرَأسِهِ. وفي رِوايَةِ (م): وفِيهِ نَزَلَت: ﴿فَأَيْنَما تُوَلُّواْ فَثَمَّ وجْهُ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١١٥]).
ولَهُما عَن عامِرِ بْنِ رَبَيعَةَ ﵁؛ أنَّهُ رَأى رَسُولَ اللهِ ﷺ يُصَلِّي السُّبحَةَ بِاللَّيلِ في السَّفَرِ عَلى ظَهرِ راحلتِهِ حَيثُ تَوَجَّهَت.
- فضل الله وكرمه على الأمة الإسلامية أن يسر لها سبل الطاعة، وفتح أبواب العبادة في شتى الظروف، وشرع ذكره باللسان والقلب قياما وقعودا، ويسر التقرب إليه بالنافلة في الحضر، والسفر على الأرض أو على الراحلة.
- الصلاة على الراحلة تشريع فعلي منه ﷺ نقله الصحابة عنه بفعلهم تأسيا به وتبليغا لشرعه ونصحا للأمة فجزاهم الله عن الإسلام خيرا.
- تخصيص الصلاة على الراحلة بالنافلة، أما المكتوبة فلا تجوز إلى غير القبلة ولا تجوز على الدابة.
- فيه أن الوتر سنة مؤكدة، وليس واجبًا؛ لأنه لو كان واجبًا ما صلاه راكبا بغير عذر، وفيها مشروعية الوتر في السفر.
- الصحيح أن صلاة النافلة على الراحلة يكون في السفر؛ لأنه لم ينقل عنه ﷺ أنه فعلها في الحضر.

٧٢٠. (خ م) (٧٠٢) عَنْ أنَسِ بْنِ سِيرِينَ قالَ: تَلَقَّينا أنَسَ بنَ مالِكٍ حِينَ قَدِمَ الشّامَ، فَتَلَقَّيناهُ بِعَينِ التَّمرِ، فَرَأَيتُهُ يُصَلِّي عَلى حِمارٍ ووَجهُهُ ذَلكَ الجانِبَ وأَومَأَ هَمّامٌ عَن يَسارِ القِبلَةِ فَقُلتُ لَهُ: رَأَيتُكَ تُصَلِّي لِغَيرِ القِبلَةِ. قالَ: لَولا أنِّي رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَفعَلُهُ لَم أفعَلهُ. لَفظُ (خ): حِينَ قَدِمَ مِن الشَّأمِ. [وهي أصحُّ]

باب: إذا قَدِمَ مِن سَفَرٍ صَلّى فِـي الـمَسْجِدِ رَكْعَتَيْنِ


٧٢١. (خ م) (٧١٥) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: خَرَجتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي غَزاةٍ فَأَبطَأَ بِي جَمَلِي وأَعيا، ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ قَبلِي، وقَدِمتُ بِالغَداةِ، فَجِئتُ المَسْجِدَ فَوَجَدتُهُ عَلى بابِ المَسْجِدِ، قالَ: «الآنَ حِينَ قَدِمتَ؟» قُلتُ: نَعَم. قالَ: «فَدَع جَمَلَكَ، وادخُل فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ». قالَ: فَدَخَلتُ فَصَلَّيتُ، ثُمَّ رَجَعتُ.
- في الحديث استحباب ركعتين للقادم من سفره في المسجد أول قدومه، وهذه الصلاة مقصودة للقدوم من السفر، لا أنها تحية المسجد، (النووي)
- وتحصل التحية بها، إن كان وقت فريضة صلى مع الجماعة وتقوم مقام الركعتين.
- الحكمة من صلاة ركعتين للقادم من السفر في المسجد: أن يكون سلامه في بيت الله وتحيته لله قبل أن يجيء أهله، وفيه شكر لله على سلامته.

٧٢٢. (خ م) (٧١٦) عَنْ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كانَ لا يَقدَمُ مِن سَفَرٍ إلا نَهارًا فِي الضُّحى، فَإذا قَدِمَ بَدَأَ بِالمَسْجِدِ فَصَلّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ.
- وفيه: استحباب القدوم أوائل النهار.
- وفيه: أنه يستحب للرجل الكبير في المرتبة ومن يقصده الناس إذا قدم من سفر للسلام عليه أن يقعد أول قدومه قريبا من داره في موضع بارز سهل على زائريه إما المسجد، وإما غيره. (النووي).

كِتابُ صَلاةِ الخَوْفِ


باب: صِفَةُ صَلاةِ الخَوْفِ


٧٢٣. (خ م) (٨٣٩) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قالَ: صَلّى رَسُولُ اللهِ ﷺ صَلاةَ الخَوفِ بِإحدى الطّائِفَتَينِ رَكعَةً، والطّائفَةُ الأُخرى مُواجِهَةُ العَدُوِّ، ثُمَّ انصَرَفُوا وقامُوا فِي مَقامِ أصحابِهِم مُقبِلِينَ عَلى العَدُوِّ، وجاءَ أُولَئِكَ ثُمَّ صَلّى بِهِم النَّبِيُّ ﷺ رَكعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ ﷺ، ثُمَّ قَضى هَؤُلاءِ رَكعَةً وهَؤُلاءِ رَكعَةً. وفي رواية (خ): غَزَوتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ قِبَل نَجْدٍ فَوازَينا العَدُوَّ، فَصافَفْنا لَهُم ..
ولهُما عَنه قالَ: فَإذا كانَ خَوفٌ أكثرَ مِن ذَلكَ فَصَلِّ راكِبًا أو قائمًا، (تُومِئُ إيماءً). لَفظُ (خ): فَإنْ كانَ خَوْفٌ هُوَ أشَدَّ مِن ذَلِكَ صَلَّوْا رِجالًا قِيامًا عَلى أقْدامِهِمْ أوْ رُكْبانًا، مُسْتَقْبِلِي القِبْلَةِ أوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيها، قالَ مالِكٌ: قالَ نافِعٌ: لا أُرى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ إلّا عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ.
٧٢٤. (خ م) (٨٤٢) عَنْ صالِحِ بْنِ خَوّاتٍ؛ عَمَّن صَلّى مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ يَومَ ذاتِ الرِّقاعِ صَلاةَ الخَوفِ: أنَّ طائِفَةً صَفَّت مَعَهُ، وطائِفَةٌ وِجاهَ العَدُوِّ، فَصَلّى بِالَّذِينَ مَعَهُ رَكعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ قائِمًا، وأَتَمُّوا لأَنفُسِهِم، ثُمَّ انصَرَفُوا فَصَفُّوا وِجاهَ العَدُوِّ، وجاءَت الطّائِفَةُ الأُخرى فَصَلّى بِهِم الرَّكعَةَ الَّتِي بَقِيَت، ثُمَّ ثَبَتَ جالِسًا وأَتَمُّوا لأَنفُسِهِم، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِم.
ورَوى (خ) عَن صالحِ بْنِ خوّاتٍ؛ عَن سَهْلِ بن أبي حَثمَةَ نَحوَهُ، ورَواه (م) عَن صالحٍ عَن سَهلٍ: أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ صلّى بِأَصحابِهِ فِي الخَوفِ، فَصَفَّهُم خَلفَهُ صَفَّينِ، فَصَلّى بِالَّذينَ يَلُونَهُ رَكعَةً، ثُمَّ قامَ، فَلَم يَزَل قائمًا حَتّى صَلّى الَّذينَ خَلفَهُم رَكعَةً، ثُمَّ تَقدَّمُوا وتأخَّرَ الذينَ كانُوا قُدّامَهُم، فَصَلّى بِهِم رَكعَةً، ثُمَّ قَعَدَ حَتّى صَلّى الَّذِينَ تَخَلَّفُوا رَكعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ.

باب: صَلاةُ الخَوْفِ بِذاتِ الرِّقاعِ


٧٢٥. (خ م) (٨٤٣) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: غَزَونا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ غَزوَةً قِبَلَ نَجدٍ، فَأَدرَكَنا رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي وادٍ كَثِيرِ العِضاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ تَحتَ شَجَرَةٍ، فَعَلَّقَ سَيفَهُ بِغُصنٍ مِن أغصانِها، قالَ: وتَفَرَّقَ النّاسُ فِي الوادِي يَستَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، قالَ: فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ رَجُلًا أتانِي وأَنا نائِمٌ، فَأَخَذَ السَّيفَ، فاستَيقَظتُ وهُوَ قائِمٌ عَلى رَأسِي، فَلَم أشعُر إلا والسَّيفُ صَلتًا فِي يَدِهِ، فَقالَ لِي: مَن يَمنَعُكَ مِنِّي؟ قالَ: قُلتُ: اللهُ، ثُمَّ قالَ فِي الثّانِيَةِ: مَن يَمنَعُكَ مِنِّي؟ قالَ: قُلتُ: اللهُ، قالَ: فَشامَ السَّيفَ، فَها هُوَ ذا جالِسٌ». ثُمَّ لَم يَعرِض لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ. لَفظُ (خ): ثُمَّ لَم يُعاقِبهُ.
ورَوى (م) عَنْ جابرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قالَ: أقبَلنا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ حَتّى إذا كُنّا بِذاتِ الرِّقاعِ، قالَ: كُنّا إذا أتينا عَلى شَجَرةٍ ظَلِيلَةٍ تَركناها لِرَسُولِ اللهِ ﷺ، قالَ: فَجاءَ رَجُلٌ مِنَ المُشرِكِينَ وسَيفُ رَسُولِ اللهِ ﷺ مُعَلَّقٌ بِشَجَرَةٍ، فَأَخَذَ سَيفَ نَبيِّ اللهِ ﷺ فاختَرَطَهُ، فَقالَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ: أتَخافُنِي؟ قالَ: «لا». قالَ: فَمَن يَمنَعُكَ مِنِّي؟ قالَ: «اللهُ يَمنَعُنِي مِنكَ». قالَ: فَتَهَدَّدَهُ أصحابُ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَأَغمَدَ السَّيفَ وعَلَّقَهُ، قالَ: فَنُودِيَ بِالصَّلاةِ، فَصَلّى بِطائفةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَأخَّرُوا، وصَلّى بِالطّائِفَةِ الأُخرى رَكْعَتَيْنِ. قالَ: فَكانَت لِرَسُولِ اللهِ ﷺ أربَعُ رَكَعاتٍ، ولِلقَومِ رَكعَتانِ. رَواها (خ) تَعليقًا بِنَحوِ هَذا السِّياقِ، ووَصَلَها مُختصَرةً عَن جابرٍ: أنّ النَّبِيَّ ﷺ صَلّى بِأَصحابِهِ فِي الخَوفِ فِي غَزوَةِ السّابِعةِ غَزوَةِ ذاتِ الرِّقاعِ.
٧٢٦. (م) (٨٤٠) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: شَهِدتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ صَلاةَ الخَوفِ، فَصَفَّنا صَفَّينِ، صَفٌّ خَلفَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، والعَدُوُّ بَينَنا وبَينَ القِبلَةِ، فَكَبَّرَ النَّبِيُّ ﷺ وكَبَّرنا جَمِيعًا، ثُمَّ رَكَعَ ورَكَعنا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ ورَفَعنا جَمِيعًا، ثُمَّ انحَدَرَ بِالسُّجُودِ والصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، وقامَ الصَّفُّ المُؤَخَّرُ فِي نَحرِ العَدُوِّ، فَلَمّا قَضى النَّبِيُّ ﷺ السُّجُودَ وقامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، انحَدَرَ الصَّفُّ المُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ وقامُوا، ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ المُؤَخَّرُ، وتَأَخَّرَ الصَّفُّ المُقَدَّمُ، ثُمَّ رَكَعَ النَّبِيُّ ﷺ ورَكَعنا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ ورَفَعنا جَمِيعًا، ثُمَّ انحَدَرَ بِالسُّجُودِ والصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ الَّذِي كانَ مُؤَخَّرًا فِي الرَّكعَةِ الأُولى، وقامَ الصَّفُّ المُؤَخَّر فِي نُحُورِ العَدُوِّ، فَلَمّا قَضى النَّبِيُّ ﷺ السُّجُودَ والصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، انحَدَرَ الصَّفُّ المُؤَخَّرُ بِالسُّجودِ فَسَجَدُوا، ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ ﷺ وسَلَّمنا جَمِيعًا. قالَ جابِرٌ: كَما يَصنَعُ حَرَسُكُم هَؤُلاءِ بِأُمَرائِهِم.
وفي رواية: قالَ: غَزَونا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَومًا مِن جُهَينَةَ، فَقاتَلُونا قِتالًا شَدِيدًا، فَلَمّا صَلَّينا الظُّهرَ قالَ المُشرِكُونَ: لَو مِلنا عَلَيهِم مَيلَةً لاقتَطَعناهُم. فَأَخبَرَ جِبرِيلُ رَسُولَ اللهِ ﷺ ذَلكَ، فَذَكَرَ ذَلكَ لَنا رَسُولُ اللهِ ﷺ، قالَ: وقالُوا: إنَّهُ سَتَأتِيهِم صَلاةٌ هِيَ أحَبُّ إلَيهِم مِنَ الأَولادِ. فَلَمّا حَضَرَتِ العَصرُ قالَ: صَفَّنا صَفَّينِ، والمُشرِكُونَ بَينَنا وبَينَ القِبلَةِ ... نحوه.

١ كان ﷺ يقرأ في صلاة العيدين سورتي:

٥/٠