باب: البُكاءُ والحُزْنُ عَلى الـمَيِّتِ


٧٥٢. (خ م) (٩٢٣) عَنْ أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ ﵁ قالَ: كُنّا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَأَرسَلَت إلَيهِ إحدى بَناتِهِ تَدعُوهُ، وتُخبِرُهُ أنَّ صَبِيًّا لَها أو ابنًا لَها فِي المَوتِ، فَقالَ لِلرَّسُولِ: «ارجِع إلَيها، فَأَخبِرها: أنَّ لله ما أخَذَ ولَهُ ما أعطى، وكُلُّ شَيءٍ عِندَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَمُرها فَلتَصبِر ولتَحتَسِب». فَعادَ الرَّسُولُ فَقالَ: إنَّها قَد أقسَمَت لَتَأتِيَنَّها. قالَ: فَقامَ النَّبِيُّ ﷺ، وقامَ مَعَهُ سَعدُ بنُ عُبادَةَ، ومُعاذُ بنُ جَبَلٍ، وانطَلَقتُ مَعَهُم، فَرُفِعَ إلَيهِ الصَّبِيُّ ونَفسُهُ تَقَعقَعُ كَأَنَّها فِي شَنَّةٍ، فَفاضَت عَيناهُ، فَقالَ لَهُ سَعدٌ: ما هَذا، يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: «هَذِهِ رَحمَةٌ جَعَلَها اللهُ فِي قُلُوبِ عِبادِهِ، وإنَّما يَرحَمُ اللهُ مِن عِبادِهِ الرُّحَماءَ».
-فيه عيادة أهل الفضل والصالحين للصبيان المرضى والدعاء لهم، وذلك صلة لآبائهم, وموعظة للآباء وتصبيرهم, واحتسابهم لما ينزل بهم من المصائب عند الله. ( ابن الملقن )
-إبرار القسم إنما يستحب، إذا لم يكن في ذلك ضرر على المحلوف عليه، أو على جماعة أهل الدين. (المهلب )
-أن سعدا ﵁ ظن أن جميع أنواع البكاء حرام, وأن دمع العين حرام؛ فأعلمه النبي ﷺ أن مجرد البكاء ودمع بعين ليس بحرام ولا مكروه بل هو رحمة وفضيلة, وإنما المحرم النوح والندب والبكاء المقرون بهما أو بأحدهما. (النووي)
-قوله ﷺ : "إن لله ما أخذ وله ما أعطى" : قدم ذكر الأخذ على الإعطاء وإن كان متأخرا في الواقع ؛ لما يقتضيه المقام, والمعنى : أن الذي أراد الله أن يأخذه هو الذي كان أعطاه, فإن أخذه أخذ ما هو له فلا ينبغي الجزع؛ لأن مستودع الأمانة لا ينبغي له أن يجزع إذا استعيدت منه.
-قوله " إنما يرحم الله من عباده الرحماء" : مقتضاه أن رحمة الله قريبة ممن اتصف بالرحمة. (ابن حجر)
الفوائد السلوكية :
-لو تمكنت من رؤية قلوب البشر : لوجدت في كل قلب " قصة وجع ", فلنرحم بعضنا بعضا لعل الله يرحمنا.
يحب الله من الإنسان أن يكون رحيماً , كما في الحديث المتفق عليه : " من لا يرحم .. لا يُرحم ". ( د. خالد الدريس )

٧٥٣. (خ م) (٩٢٤) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ﵁ قالَ: اشتَكى سَعدُ بنُ عُبادَةَ شَكوى لَهُ، فَأَتى رَسُولُ اللهِ ﷺ يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوفٍ وسَعدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ وعَبدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَلَمّا دَخَلَ عَلَيهِ وجَدَهُ فِي غَشِيَّةٍ، فَقالَ: «أقَد قَضى؟» قالُوا: لا، يا رَسُولَ اللهِ. فَبَكى رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَلَمّا رَأى القَومُ بُكاءَ رَسُولِ اللهِ ﷺ بَكَوا، فَقالَ: «ألا تَسمَعُونَ؟ إنَّ اللهَ لا يُعَذِّبُ بِدَمعِ العَينِ، ولا بِحُزنِ القَلبِ، ولَكِن يُعَذِّبُ بِهَذا وأَشارَ إلى لِسانِهِ أو يَرحَمُ». وزادَ (خ): وكانَ عُمَرُ ﵁ يَضرِبُ فِيهِ بِالعَصا، ويَرمِي بِالحِجارَةِ، ويَحثِي بِالتُّرابِ.
ورَوى (م) عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: كُنّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، إذْ جاءَهُ رَجُلٌ مِن الأَنصارِ، فَسَلَّمَ عَلَيهِ، ثُمَّ أدبَرَ الأَنْصارِيُّ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يا أخا الأَنصارِ؛ كَيفَ أخِي سَعدُ بنُ عُبادَةَ؟» فَقالَ: صالِح. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن يَعُودُهُ مِنكُم؟» فَقامَ وقُمنا مَعَهُ، ونَحنُ بِضْعَةَ عَشَرَ، ما عَلَينا نِعالٌ ولا خِفافٌ ولا قَلانِسُ ولا قُمُصٌ، نَمشِي فِي تِلكَ السِّباخِ حَتّى جِئناهُ، فاستَأَخَرَ قَومُهُ مِن حَولِهِ، حَتّى دَنا رَسُولُ اللهِ ﷺ وأَصحابُهُ الَّذِينَ مَعَهُ.
- فيه أنه سبحانه لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، وإنما يعذب بالقول السيئ ودعوى الجاهلية, وقوله: ("أو يرحم") أي: إن لم ينفذ الوعيد في ذلك، وإذا قَالَ خيرًا واستسلم للقضاء. ( ابن الملقن )
- وقوله: "وكان عمر ﵁ يضرب فيه بالعصا ويرمي بالحجارة ويحثي -أو يرمي- بالتراب". إنما كان يضرب في بكاء مخصوص، وذلك إذا نُحْنَ , وجزعن ونحوه. (ابن الملقن )
- وفيه جواز اتباع القوم للباكي في بكائه. ( العيني )
- فيه ما كانت الصحابة ﵃ من الزهد في الدنيا, والتقلل منها واطراح فضولها وعدم الاهتمام بفاخر اللباس ونحوه.
- فيه عيادة الإمام والعالم المريض مع أصحابه. (النووي ).

٧٥٤. (خ م) (٩٣٥) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: لَمّا جاءَ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَتلُ ابْنِ حارِثَةَ وجَعفَرِ بْنِ أبِي طالِبٍ وعَبدِ اللهِ بْنِ رَواحَةَ جَلَسَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُعرَفُ فِيهِ الحُزنُ، قالَت: وأَنا أنظُرُ مِن صائِرِ البابِ -شَقِّ البابِ-، فَأَتاهُ رَجُلٌ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ إنَّ نِساءَ جَعفَرٍ؛ وذَكَرَ بُكاءَهُنَّ. فَأَمَرَهُ أن يَذهَبَ فَيَنهاهُنَّ، فَذَهَبَ فَأَتاهُ فَذَكَرَ أنَّهُنَّ لَم يُطِعنَهُ، فَأَمَرَهُ الثّانِيَةَ أن يَذهَبَ فَيَنهاهُنَّ، فَذَهَبَ ثُمَّ أتاهُ فَقالَ: واللهِ لَقَد غَلَبنَنا يا رَسُولَ اللهِ. قالَت: فَزَعَمَت أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «اذهَب فاحثُ فِي أفواهِهِنَّ مِن التُّرابِ». قالَت عائِشَة: فَقُلتُ: أرغَمَ اللهُ أنفَكَ، واللهِ ما تَفعَلُ ما أمَرَكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، وما تَرَكتَ رَسُولَ اللهِ ﷺ مِن العَناءِ. وفي رواية (م): مِن العِيِّ.
ورَوى (خ) عَن أنَسِ بْنِ مالكٍ؛ أنَّ النَّبيَّ ﷺ نَعى جَعفَرًا وزَيدًا قَبلَ أن يَجيءَ خَبَرُهُم؛ وعَيناهُ تَذرِفانِ.
قوله " يعرف فيه الحزن" : أي لما جعل الله فيه من الرحمة, ولا ينافي ذلك الرضا بالقضاء, ويؤخذ منه أن ظهور الحزن على الإنسان إذا أصيب بمصيبة لا يخرجه عن كونه صابرا راضيا إذا كان قلبه مطمئنا, بل قد يقال إن من كان ينزعج بالمصيبة ويعالج نفسه على الرضا والصبر أرفع رتبة ممن لا يبالي بوقوع المصيبة أصلا.
- بيان ما هو الأولى بالمصاب من ذوي الهيئات من التحلي بالصبر, وملازمة الوقار والتثبت.
- فيه إطلاق الدعاء بلفظ لا يقصد الداعي إيقاعه بالمدعو به؛ لأن قول عائشة ﵂ " أرغم الله أنفك" أي ألصقه بالتراب, ولم ترد حقيقة هذا وإنما جرت عادة العرب بإطلاق هذه اللفظة. (ابن حجر )

٧٥٥. (خ) (١٣٤٢) عَنْ أنَسٍ ﵁ قالَ: شَهِدنا بِنتَ رَسُولِ اللهِ ﷺ ورسُولُ الله ﷺ جالِسٌ عَلى القَبرِ، فَرَأَيتُ عَينَيهِ تَدمَعانِ، فَقالَ: «هَل فِيكُم مِن أحَدٍ لَم يُقارِف اللَّيلَةَ؟» فَقالَ أبُو طَلْحَةَ: أنا. قالَ: «فانزِل فِي قَبرِها». فَنَزَلَ فِي قَبرِها فَقَبَرَها.
- فيه ما يرخص من البكاء في غير نوح.
- وفيه: إدخال الرجال المرأة في قبرها؛ لكونهم أقوى على ذلك من النساء.
- وفيه: إيثار البعيد العهد عن الملاذ في مواراة الميت، ولو كان الميتة امرأة، يقدم على أبيها وزوجها. (العيني)

باب: الـنَّهْيُ عَنِ النِّياحَةِ


٧٥٦. (خ م) (٩٣٧) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ ﵂ قالَت: لَمّا نَزَلَت هَذِهِ الآيَةُ: ﴿ياأَيُّها النَّبِيُّ إذا جاءَكَ المُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا ولا يَسْرِقْنَ ولا يَزْنِينَ ولا يَقْتُلْنَ أوْلادَهُنَّ ولا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أيْدِيهِنَّ وأَرْجُلِهِنَّ ولا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ﴾ [الممتحنة: ١٢]، قالَت: كانَ مِنهُ النِّياحَةُ، قالَت: فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ إلا آلَ فُلانٍ فَإنَّهُم كانُوا أسعَدُونِي (فِي الجاهِلِيَّةِ)، فَلا بُدَّ لِي مِن أن أُسعِدَهُم. (فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إلا آلَ فُلانٍ»). لَفظُ (خ): قالَتْ: بايَعْنا رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَقَرَأَ عَلَيْنا ﴿أن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا﴾، ونَهانا عَنْ النِّياحَةِ، فَقَبَضَتْ امْرَأَةٌ يَدَها، فَقالَتْ: أسْعَدَتْنِي فُلانَةُ أُرِيدُ أنْ أجْزِيَها. فَما قالَ لَها النَّبِيُّ ﷺ شَيْئًا، فانْطَلَقَتْ ورَجَعَتْ فَبايَعَها.
ورَوى (خ) عَن ابْنِ عَبّاسٍ فِي قَولِهِ: ﴿ولا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ﴾، قالَ: إنَّما هُو شَرطٌ شَرَطَهُ اللهُ لِلنِّساءِ.
- النياحة حرام بإلاجماع, ويكفي شدة في تحريمها أن الرسول ﷺ كان يشترط على النساء في مبايعتهن على الإسلام أن لا ينحن. ( ابن الملقن )

٧٥٧. (خ م) (٩٣٦) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ ﵂ قالَت: أخَذَ عَلَينا رَسُولُ اللهِ ﷺ مَعَ البَيعَةِ ألّا نَنُوحَ، فَما وفَت مِنّا امرَأَةٌ إلاَّ خَمسٌ: أُمُّ سُلَيمٍ، وأُمُّ العَلاءِ، وابنَةُ أبِي سَبرَةَ امرَأَةُ مُعاذٍ، أوِ ابنَةُ أبِي سَبرَةَ، وامرَأَةُ مُعاذٍ.
٧٥٨. (خ م) (٩٣٢) عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أنَّها سَمِعَت عائِشَة، (وذُكِرَ لَها أنَّ عَبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ يَقُولُ: «إنَّ المَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكاءِ الحَيِّ»، فَقالَت عائِشَةُ: يَغفِرُ اللهُ لأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أما إنَّهُ لَم يَكذِب، ولَكِنَّهُ نَسِيَ أو أخطَأَ)، إنَّما مَرَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلى يَهُودِيَّةٍ يُبكى عَلَيها فَقالَ: «إنَّهُم لَيَبكُونَ عَلَيها، وإنَّها لَتُعَذَّبُ فِي قَبرِها».
٧٥٩. (خ م) (٩٣٢) عَنْ عُرْوَةَ قالَ: ذُكِرَ عِنْدَ عائِشَةَ ﵂؛ أنَّ ابنَ عُمَرَ يَرفَعُ إلى النَّبِيِّ ﷺ: «إنَّ المَيِّتَ يُعَذَّبُ فِي قَبرِهِ بِبُكاءِ أهلِهِ عَلَيهِ». فَقالَت: وهِلَ، إنَّما قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّهُ لَيُعَذَّب بِخَطِيئَتِهِ أو بِذَنبِهِ، وإنَّ أهلَهُ لَيَبكُونَ عَلَيهِ الآنَ». وذاكَ مِثلُ قَولِهِ: إنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قامَ عَلى القَلِيبِ يَومَ بَدرٍ، وفِيهِ قَتلى بَدرٍ مِن المُشرِكِينَ، فَقالَ لَهُم ما قالَ: «إنَّهُم لَيَسمَعُونَ ما أقُولُ». وقَد وهِلَ، إنَّما قالَ: «إنَّهُم لَيَعلَمُونَ أنَّ ما كُنتُ أقُولُ لَهُم حَقٌّ». ثُمَّ قَرَأَت: ﴿إنَّكَ لا تُسْمِعُ المَوْتى﴾ [النمل: ٨٠]، ﴿وما أنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي القُبُورِ﴾ [فاطر: ٢٢]. يَقُولُ: حِينَ تَبَوَّؤا مَقاعِدَهُم مِن النّارِ. لَفظُ (خ): «إنَّهُم لَيعلَمُونَ الآنَ أنّ ماكنتُ أقولُ حقٌّ».
٧٦٠. (خ م) (٩٢٨) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبِي مُلَيْكَةَ قالَ: تُوُفِّيَت ابنَةٌ لِعُثمانَ بْنِ عَفّانَ بِمَكَّةَ، قالَ: فَجِئنا لِنَشهَدَها، قالَ: فَحَضَرَها ابنُ عُمَرَ وابنُ عَبّاسٍ، قالَ: وإنِّي لَجالِسٌ بَينَهُما، قالَ: جَلَستُ إلى أحَدِهِما، ثُمَّ جاءَ الآخَرُ فَجَلَسَ إلى جَنبِي، فَقالَ عَبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ لِعَمرِو بْنِ عُثْمانَ، وهُوَ مُواجِهُهُ: ألا تَنهى عَنِ البُكاءِ، فَإنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «إنَّ المَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكاءِ أهلِهِ عَلَيهِ». فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ: قَد كانَ عُمَرُ يَقُولُ بَعضَ ذَلكَ، ثُمَّ حَدَّثَ فَقالَ: صَدَرتُ مَعَ عُمَرَ مِن مَكَّةَ، حَتّى إذا كُنّا بِالبَيداءِ إذا هُوَ بِرَكبٍ تَحتَ ظِلِّ شَجَرَةٍ، فَقالَ: اذهَب فانظُر؛ مَن هَؤُلاءِ الرَّكبُ؟ فَنَظَرتُ فَإذا هُوَ صُهَيبٌ، قالَ: فَأَخبَرتُهُ، فَقالَ: ادعُهُ لِي. قالَ: فَرَجَعتُ إلى صُهَيبٍ فَقُلتُ: ارتَحِل فالحَق أمِيرَ المُؤمِنِينَ، فَلَمّا أن أُصِيبَ عُمَرُ دَخَلَ صُهَيبٌ يَبكِي يَقُولُ: وا أخاه، وا صاحِباه. فَقالَ عُمَرُ: يا صُهَيبُ؛ أتَبكِي عَلَيَّ وقَد قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ المَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبَعضِ بُكاءِ أهلِهِ عَلَيهِ». فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ: فَلَمّا ماتَ عُمَرُ ذَكَرتُ ذَلكَ لِعائِشَةَ فَقالَت: يَرحَمُ اللهُ عُمَرَ، لا واللهِ ما حَدَّثَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ اللهَ يُعَذِّبُ المُؤمِنَ بِبُكاءِ أحَدٍ»، ولَكِن قالَ: «إنَّ اللهَ يَزِيدُ الكافِرَ عَذابًا بِبُكاءِ أهلِهِ عَلَيهِ». قالَ: وقالَت عائِشَةُ: حَسبُكُم القُرآنُ: ﴿ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [الأنعام: ١٦٤]. قالَ: وقالَ ابنُ عَبّاسٍ عِنْدَ ذَلكَ: واللهُ أضحَكَ وأَبكى. قالَ ابنُ أبِي مُلَيكَةَ: فَوَ اللهِ ما قالَ ابنُ عُمَرَ مِن شَيءٍ.
وفي رواية (م): قالَ [ابنُ أبِي مُلَيكَةَ]: فَأَمّا عَبدُ اللهِ فَأَرسَلَها مُرسَلَةً، وأَمّا عُمَرُ فَقالَ: «بِبَعضِ ...»، وفِيها: عَنها: ولَكنَّهُ قالَ: «إنَّ الكافرَ يَزِيدُهُ ...». وإنَّ اللهِ لَهُوَ أضحَكَ وأَبكى ... وفِيها: عَنِ القاسِمِ بْنِ مُحمدٍ؛ قالَ: لمّا بَلَغَ عائِشَةَ قَولُ عُمرَ وابنِ عُمَرَ، قالَت: إنَّكُم لَتُحدِّثُونِي عَن غَير كاذِبَيْنِ ولا مُكَذَّبَيْنِ، ولَكِنَّ السَّمعَ يُخطِئ.
ورَوى (م) عَن أنَسٍ؛ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطّاب لمّا طُعِنَ عَوَّلَت عَلَيهِ حَفصَةُ، فَقالَ: يا حَفصَةُ؛ أما سَمِعتِ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «المُعَوَّلُ عَلَيهِ يُعَذَّبُ».
٧٦١. (خ م) (٩٣٣) عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ﵁ قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «مَن نِيحَ عَلَيهِ فَإنَّهُ يُعَذَّبُ بِما نِيحَ عَلَيهِ يَومَ القِيامَةِ».
- جمع الشراح بين حديث عمر ﵁ وحديث عائشة ﵂ ’ بأن الميت يعذب ببكاء أهله : إذا أوصى أهله بذلك, كما كانت العرب تفعله؛ لأنه بسببه وهو منسوب إليه، وإليه ذهب البخاري في قوله: إذا كان النوح من سنته -يعني: أنه يوصي بذلك- أو من سببه إذا أوصى أهله بذلك, وهو قول الجمهور. ( ابن الملقن)
- وقيل: معنى التعذيب : تألم الميت بما يقع من أهله من النياحة وغيرها، ويسوؤه إتيانهم ما يكره ربه، وهذا اختيار أبي جعفر الطبري, والقاضي عياض.

٧٦٢. (م) (٩٢٢) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ﵂ قالَت: لَمّا ماتَ أبُو سَلَمَةَ قُلتُ: غَرِيبٌ وفِي أرضِ غُربَةٍ، لأَبكِيَنَّهُ بُكاءً يُتَحَدَّث عَنهُ، فَكُنتُ قَد تَهَيَّأتُ لِلبُكاءِ عَلَيهِ إذ أقَبَلَتِ امرَأَةٌ مِنَ الصَّعِيدِ تُرِيدُ أن تُسعِدَنِي، فاستَقبَلَها رَسُولُ اللهِ ﷺ وقالَ: «أتُرِيدِينَ أن تُدخِلِي الشَّيطانَ بَيتًا أخرَجَهُ اللهُ مِنهُ؟» مَرَّتَينِ، فَكَفَفتُ عَنِ البُكاءِ فَلَم أبكِ.
- قوله ﷺ : "أخرجه الله منه مرتين" : يحتمل أن يراد بالمرة الأولي يوم دخوله في الإسلام، وبالثانية يوم خروجه من الدنيا مسلمًا. أوأن يراد به التكرير، أي أخرجه الله تعالى إخراجًا بعد إخراج؛ كقوله تعالي: ﴿ثم ارجع البصر كرتين﴾ ( الطيبي).

٧٦٣. (م) (٩٣٤) عَنْ أبِي مالِكٍ الأَشْعَرِيَّ ﵁؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «أربَعٌ فِي أُمَّتِي مِن أمرِ الجاهِلِيَّةِ لا يَترُكُونَهُنَّ: الفَخرُ فِي الأَحسابِ، والطَّعنُ فِي الأَنسابِ، والاستِسقاءُ بِالنُّجُومِ، والنِّياحَةُ»، وقالَ: «النّائِحَةُ إذا لَم تَتُب قَبلَ مَوتِها تُقامُ يَومَ القِيامَةِ وعَلَيها سِربالٌ مِن قَطِرانٍ ودِرعٌ مِن جَرَب».

باب: فِـي تَسْجِيَةِ الـمَيِّتِ


٧٦٤. (خ م) (٩٤٢) عَنْ عائِشَةَ أُمِّ المُؤمِنِينَ قالَت: سُجِّيَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حِينَ ماتَ بِثَوبِ حِبَرَةٍ.

باب: فِـي غَسْلِ الـمَيِّتِ


٧٦٥. (خ م) (٩٣٩) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ ﵂ قالَت: لَمّا ماتَت (زَينَبُ) بِنتُ رَسُولِ اللهِ ﷺ قالَ لَنا رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اغسِلنَها وِترًا، ثَلاثًا، أو خَمسًا، واجعَلنَ فِي (الخامِسَةِ) كافُورًا، أو شَيئًا مِن كافُورٍ، فَإذا غَسَلتُنَّها فَأَعلِمنَنِي». قالَت: فَأَعلَمناهُ، فَأَعطانا حَقوَهُ وقالَ: «أشعِرنها إيّاهُ». وفي رواية: «بِماءٍ وسِدرٍ واجعَلنَ فِي الآخِرَةِ كافُورًا أو شَيئًا مِن كافُور». وفي رواية: «ابدَأنَ بميامِنِها ومواضِعِ الوُضُوءِ مِنها». وفي رواية: وجَعَلنا رَأسَها ثَلاثَةَ قُرُونٍ. وفي رواية: مَشَّطْناها. وفي رواية: فَضَفَرنا شعرَها ثلاثةَ أثلاثٍ، قَرْنَيْها وناصِيَتَها. زادَ (خ) فِي روايةٍ: وأَلقَيناها خَلْفَها. وفي رواية (خ): نَقَضْنَهُ ثمَّ غَسَلْنَهُ، ثم جَعَلْنَهُ ...
-كان ﷺ يحب التيامن في شأنه كله إلا فيما يستقذر فباليسار. (ابن التين)
-قيل الحكمة في الكافور مع كونه يطيب رائحة الموضع؛ لأجل من يحضر من الملائكة, وفيه تجفيفا وتبريدا, وخاصية في تصليب بدن الميت وطرد الهوام عنه, وردع ما يتحلل من الفضلات, ومنع إسراع الفساد إليه. (ابن حجر)
-شدة رأفة الرسول ﷺ بابنته.

باب: فِـي كَفَنِ الـمَيِّتِ وتَحْسِينِهِ


٧٦٦. (خ م) (٩٤١) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: كُفِّنَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي ثَلاثَةِ أثوابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ مِن كُرسُفٍ، لَيسَ فِيها قَمِيصٌ ولا عِمامَةٌ. وفي رواية: أثوابٍ سُحُولٍ يَمانية. وزادَ (م): أمّا الحُلَّةُ فَإنَّما شُبِّهَ عَلى النّاسِ فِيها أنَّها اشتُرِيت لَه لِيُكَفَّنَ فِيها، فَتُركِت الحُلَّة، وكفِّن فِي ثَلاثَةِ أثوابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ، فَأَخَذَها عَبدُ اللهِ بنُ أبِي بَكرٍ، فَقالَ: لَأَحبِسَنَّها حَتّى أُكَفِّنَ فِيها نَفسِي، ثُمَّ قالَ: لَو رَضِيَها اللهُ لِنَبيِّهِ لَكفَّنَهُ فِيها، فَباعَها وتَصَدَّقَ بِثَمَنِها.
ورَوى (خ) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَتْ: دَخَلْتُ عَلى أبِي بَكْرٍ ﵁ فَقالَ: فِي كَمْ كَفَّنْتُمْ النَّبِيَّ ﷺ؟ قالَتْ: فِي ثَلاثَةِ أثْوابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيها قَمِيصٌ ولا عِمامَةٌ. وقالَ لَها: فِي أيِّ يَوْمٍ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ ﷺ؟ قالَتْ: يَوْمَ الِاثْنَيْنِ. قالَ: فَأَيُّ يَوْمٍ هَذا؟ قالَتْ: يَوْمُ الِاثْنَيْنِ، قالَ: أرْجُو فِيما بَيْنِي وبَيْنَ اللَّيْلِ. فَنَظَرَ إلى ثَوْبٍ عَلَيْهِ كانَ يُمَرَّضُ فِيهِ بِهِ رَدْعٌ مِن زَعْفَرانٍ فَقالَ: اغْسِلُوا ثَوْبِي هَذا، وزِيدُوا عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ، فَكَفِّنُونِي فِيها. قُلْتُ: إنَّ هَذا خَلَقٌ. قالَ: إنَّ الحَيَّ أحَقُّ بِالجَدِيدِ مِن المَيِّتِ، إنَّما هُوَ لِلْمُهْلَةِ. فَلَمْ يُتَوَفَّ حَتّى أمْسى مِن لَيْلَةِ الثُّلاثاءِ، ودُفِنَ قَبْلَ أنْ يُصْبِحَ.
- فيه من السنة الاقتصاد في الكفن.

٧٦٧. (خ م) (٩٤٠) عَنْ خَبّابِ بْنِ الأَرَتِّ ﵁ قالَ: هاجَرنا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي سَبِيلِ اللهِ، نَبتَغِي وجهَ اللهِ، فَوَجَبَ أجرُنا عَلى اللهِ، فَمِنّا مَن مَضى لَم يَأكُل مِن أجرِهِ شَيئًا، مِنهُم مُصعَبُ بنُ عُمَيرٍ، قُتِلَ يَومَ أُحُدٍ فَلَم يُوجَد لَهُ شَيءٌ يُكَفَّنُ فِيهِ إلا نَمِرَةٌ، فَكُنّا إذا وضَعناها عَلى رَأسِهِ خَرَجَت رِجلاهُ، وإذا وضَعناها عَلى رِجلَيهِ خَرَجَ رَأسُهُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ضَعُوها مِمّا يَلِي رَأسَهُ، واجعَلُوا عَلى رِجلَيهِ الإذخِرَ». ومِنّا مَن أينَعَت لَهُ ثَمَرَتُهُ، فَهوَ يَهدِبُها. ورَوى (خ) عَن عَبْدِ الرحمن بْنِ عَوفٍ نَحوَهُ، وفِيهِ: قالَ: وقُتِلَ حَمزَةُ وهُوَ خَيرٌ مِنِّي، ثُمَّ بُسِطَ لَنا مِن الدُّنيا ما بُسِطَ أوْ قالَ أُعْطِينا مِن الدُّنيا ما أُعطِينا، وقَد خَشِينا أن تَكُونَ حَسَناتُنا عُجِّلَت لَنا، ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتّى تَرَكَ الطَّعامَ.
- فيه: أن العالم يذكر سير الصالحين، وتقللهم من الدنيا؛ لتقل رغبتهم فيها.
- وفيه: أنه ينبغي للمرء أيضًا أن يتذكر نعم الله عنده، ويعترف بالتقصير عن أداء شكره، ويتخوف أن يقاصَّ بها في الآخرة، ويذهب سعيه فيها، وبكاء عبد الرحمن -وإن كان أحد العشرة المشهود لهم بالجنة- هو ما كانت عليه الصحابة من الإشفاق والخوف من التأخر عن اللحاق بالدرجات العلى وطول الحساب.

٧٦٨. (م) (٩٤٣) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَطَبَ يَومًا فَذَكَرَ رَجُلًا مِن أصحابِهِ قُبِضَ فَكُفِّنَ فِي كَفَنٍ غَيرِ طائِلٍ وقُبِرَ لَيلًا، فَزَجَرَ النَّبِي ﷺ أن يُقبَرَ الرَّجُلُ بِاللَّيلِ حَتّى يُصَلّى عَلَيهِ، إلا أن يُضطَرَّ إنسانٌ إلى ذَلكَ، وقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إذا كَفَّنَ أحَدُكُم أخاهُ فَليُحَسِّن كَفَنَهُ».
- فيه أن يختار للكفن من الثياب أنظفها وأتمها، ولم يرد ما يفعله المبذرون أشراً ورياء. (الطيبي)
- وفيه الإحسان في كافة عمل الإنسان, سواء كانت فائدة العمل تعود لنفس العامل أم لغيره.

باب: الإسْراعُ بِالجَنازَةِ


٧٦٩. (خ م) (٩٤٤) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «أسرِعُوا بِالجَنازَةِ، فَإن تَكُ صالِحَةً فَخَيرٌ تُقَدِّمُونَها عَلَيهِ، وإن تَكُن غَيرَ ذَلكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَن رِقابِكُم».
- يؤخذ من الحديث ترك صُحبة أهل البطالة وغير الصالحين؛ فأمرهم بالإسراع في مفارقته وهو ميت، فكيف الحال بالحي غير الصالح. ( ابن حجر).

٧٧٠. (خ) (١٣١٤) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ؛ أنّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «إذا وُضِعَت الجَنازَةُ، فاحتَمَلَها الرِّجالُ عَلى أعناقِهِم، فَإن كانَت صالِحَةً قالَت: قَدِّمُونِي قَدِّمُونِي، وإن كانَت غَيرَ صالِحَةٍ قالَت: يا ويلَها، أينَ يَذهَبُونَ بِها؟ يَسمَعُ صَوتَها كُلُّ شَيءٍ إلّا الإنسانَ، ولَو سَمِعَها الإنسانُ لَصَعِقَ». وفي رواية: «قالَت لِأَهلِها: يا ويلَها».

باب: نَهْيُ النِّساءِ عَنِ اتِّباعِ الجَنائِزِ


٧٧١. (خ م) (٩٣٨) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ ﵂ قالَت: كُنّا نُنهى عَن اتِّباعِ الجَنائِزِ، ولَم يُعزَم عَلَينا. وفي رواية: نُهِينا عَن اتِّباعِ الَجَنائِزِ.

باب: الأَمْرُ بِالقِيامِ لِلْجَنازَةِ ونَسْخُهُ


٧٧٢. (خ م) (٩٦٠) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: مَرَّت جَنازَةٌ، فَقامَ لَها رَسُولُ اللهِ ﷺ وقُمنا مَعَهُ، فَقُلنا: يا رَسُولَ اللهِ؛ إنَّها يَهُودِيَّةٌ، فَقالَ: «(إنَّ المَوتَ فَزَعٌ)، فَإذا رَأَيتُم الجَنازَةَ فَقُومُوا».
٧٧٣. (خ م) (٩٥٩) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «إذا رَأَيتُم الجَنازَةَ فَقُومُوا، فَمَن تَبِعَها فَلا يَجلِس حَتّى تُوضَعَ».
ولهما عن عامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «إذا رَأى أحَدُكُم الجَنازَةَ فَإن لَم يَكُن ماشِيًا مَعَها فَليَقُم حَتّى تُخَلِّفَهُ، أو تُوضَعَ مِن قَبلِ أن تُخَلِّفَهُ». زادَ (خ): «فَليَقُم حَتّى يُخلِّفَها أو تُخَلِّفَهُ ...».
ورَوى (خ) عَن أبِي سَعِيدٍ المَقبُرِيِّ؛ قالَ كُنّا فِي جَنازَةٍ، فَأَخَذَ أبُو هُرَيْرَةَ ﵁ بِيَدِ مَرْوانَ فَجَلَسا قَبْلَ أنْ تُوضَعَ، فَجاءَ أبُو سَعِيدٍ ﵁ فَأَخَذَ بِيَدِ مَرْوانَ، فَقالَ: قُمْ، فَواللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ هَذا أنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهانا عَنْ ذَلِكَ. فَقالَ أبُو هُرَيْرَة: صَدَقَ.
ولَهُما عَن عَبْدِ الرحمنِ بْنِ أبِي لَيلى؛ أنَّ قَيسَ بنَ سَعْدٍ وسَهلَ بْنَ حُنَيفٍ كانا بِالقادِسِيَّةِ، فَمَرَّت بِهِما جَنازَةٌ فَقاما، فِقِيلَ لَهُما: إنَّها مِن أهلِ الأَرضِ. فَقالا: إنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ مَرَّت بِهِ جَنازَةٌ فَقامَ، فِقِيلَ: إنَّهُ يَهُودِيٌّ، فَقالَ: «ألَيست نَفْسًا!». زادَ (خ): مِن أهلِ الأَرضِ، أي مِن أهلِ الذِّمَّةِ.
٧٧٤. (م) (٩٦٢) عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ قالَ: رَأَينا رَسُولَ اللهِ ﷺ قامَ فَقُمنا، وقَعَدَ فَقَعَدنا، يَعنِي فِي الجَنازَة.
-الأمر بالقيام للجنازة على الاستحباب.
-أن ظاهر الأمر يعم كل جنازة سواء كانت مسلم أو كافر.
-دل على أن القيام لتذكر الموت.
-يستحب لمن تبع الجنازة وشيّعَها أن لا يجلس حتى توضع الجنازة على الأرض.
-فيه ما كان عليه الصحابة من التواضع والرجوع للحق.
-يستحب لمن رأى الجنازة أن يقلق من أجلها ويضطرب تعظيمًا لله ورهبة من الموت وملائكته، ولا يظهر منه التساهل بأمر الموت، فإن لم يكن ماشيًا معها فليقم حتى تخلفه أو توضع على الأرض من أعناق الرجال.

باب: الـصَّلاةُ عَلى الـمَيِّتِ والشَّفاعَةُ فِيهِ


٧٧٥. (م) (٩٤٧) عَنْ عائشَةَ ﵂؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «ما مِن مَيِّتٍ تُصَلِّي عَلَيهِ أُمَّةٌ مِنَ المُسلِمِينَ يَبلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُم يَشفَعُونَ لَهُ إلا شُفِّعُوا فِيهِ».
٧٧٦. (م) (٩٤٨) عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلى ابْنِ عَبّاسٍ؛ عَن عبدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ ﵄؛ أنَّهُ ماتَ ابنٌ لَهُ بِقُدَيدٍ أو بِعُسفانَ، فَقالَ: يا كُرَيبُ؛ انظُر ما اجتَمَعَ لَهُ مِنَ النّاسِ. قالَ: فَخَرَجتُ فَإذا ناسٌ قَدِ اجتَمَعُوا لَهُ فَأَخبَرتُهُ، فَقالَ: تَقُولُ: هُم أربَعُونَ؟ قُلتُ: نَعَم، قالَ: أخرِجُوهُ، فَإنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «ما مِن رَجُلٍ مُسلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلى جَنازَتِهِ أربَعُونَ رَجُلًا لا يُشرِكُونَ بِاللهِ شَيئًا إلا شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ».
-بيان فضيلة التوحيد والإخلاص.
-أن من كان فيه شرك فإنه ليس أهلا للشفاعة. (ابن عثيمين)
-جواز انتظار كثرة الجَمع ما لم يطل الوقت؛ لأنه لم يخرج به حتى بلغوا أربعين. (ابن عثيمين)

باب: الشَّهِيدُ يُدْفَنُ فِـي دِمائِهِ ولا يُغَسَّلُ ولا يُصَلّى عَلَيْهِ


٧٧٧. (خ) (١٣٤٣) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: كانَ النَّبِيُّ ﷺ يَجمَعُ بَينَ الرَّجُلَينِ مِن قَتلى أُحُدٍ فِي ثَوبٍ واحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ: «أيُّهُم أكثَرُ أخذًا لِلقُرآنِ؟» فَإذا أُشِيرَ لَهُ إلى أحَدِهِما قَدَّمَهُ فِي اللَّحدِ، وقالَ: «أنا شَهِيدٌ عَلى هَؤُلاءِ يَومَ القِيامَةِ»، وأَمَرَ بِدَفنِهِم فِي دِمائِهِم، ولَم يُغَسَّلُوا، ولَم يُصَلَّ عَلَيهِم. وفي رواية: قالَ جابِرٌ: فَكُفِّنَ أبي وعمِّي في نَمِرَةٍ واحِدَةٍ.
-فيه فضيلة ظاهرة لقارئ القرآن، ويلحق به أهل الفقه والعلم والزهد وسائر وجوه الفضل. (ابن حجر)

باب: الدُّعاءُ لِلمَيِّتِ فِـي الصَّلاةِ


٧٧٨. (م) (٩٦٣) عَنْ عَوْفِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: صَلّى رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلى جِنازَةٍ فَحَفِظتُ مِن دُعائِهِ وهُوَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغفِر لَهُ وارحَمهُ، وعافِهِ واعفُ عَنهُ، وأَكرِم نُزُلَهُ، ووَسِّع مُدخَلَهُ، واغسِلهُ بِالماءِ والثَّلجِ والبَرَدِ، ونَقِّهِ مِنَ الخَطايا كَما نَقَّيتَ الثَّوبَ الأَبيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وأَبدِلهُ دارًا خَيرًا مِن دارِهِ وأَهلًا خَيرًا مِن أهلِهِ وزَوجًا خَيرًا مِن زَوجِهِ، وأَدخِلهُ الجَنَّةَ، وأَعِذهُ مِن عَذابِ القَبرِ أو مِن عَذابِ النّارِ». قالَ: حَتّى تَمَنَّيتُ أن أكُونَ أنا ذَلكَ المَيِّتَ.
- "فحفظت من دعائه" : أَيْ عَلَّمَنِيهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَحَفِظْتُهُ، فيه إثبات الدعاء في صلاة الجنازة, وهو مقصودها ومعظمها، وفيه استحباب هذا الدعاء. (النووي)
- ليس هناك دعاء محدود عند العلماء، بل يدعو المصلِّي بما تيسَّر له، لكنَّ الأَولى أن يكون بالأدعية المأثورة في ذلك.

باب: أيْنَ يَقُومُ الإمامُ مِنَ الـمَيِّتِ لِلصَّلاةِ عَلَيْهِ


٧٧٩. (خ م) (٩٦٤) عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ ﵁ قالَ: صَلَّيتُ خَلفَ النَّبِي ﷺ وصَلّى عَلى أُمِّ كَعبٍ، ماتَت وهِيَ نُفَساءُ، فَقامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِلصَّلاةِ عَلَيها وسَطَها.
وفِي رِوايةٍ: عَنهُ قالَ: لَقَد كُنتُ عَلى عَهدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ غُلامًا، فَكُنتُ أحفَظُ عَنهُ، فَما يَمنَعُنِي مِن القَولِ إلّا أنَّ ها هُنا رِجالًا هُم أسَنُّ منِّي ... ثُمَّ ذَكَرَهُ.
-الحديث يدل على أن القيام عند وسط المرأة. (ابن دقيق العيد)
-أن الشهداء- غير شهيد المعركة- يصلى عليهم، لأنه قد ورد في عد الشهداء: أن منهم المرأة تموت في نفاسها، وإذا كان كذلك فهو دليل على أن الشهداء- غير شهيد المعركة- يصلى عليهم، وهذا هو الصحيح (ابن عثيمين).
الفوائد السلوكية:
- في قول سمرة: " ما يمنعني من القول إلا أن هاهنا رجالاً هم أسن منى " من حسن الأدب ترك التقديم بين يدى الأسن والأعلم. (القاضي عياض).

باب: فِـي التَّكْبِيرِ عَلى الجَنازَةِ


٧٨٠. (خ م) (٩٥١) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: نَعى لَنا رَسُولُ اللهِ ﷺ النَّجاشِيَّ صاحِبَ الحَبَشَةِ فِي اليَومِ الَّذِي ماتَ فِيهِ، فَقالَ: «استَغفِرُوا لأَخِيكُم». وإنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ صَفَّ بِهِم بِالمُصَلّى، فَصَلّى فَكَبَّرَ عَلَيهِ أربَعَ تَكبِيراتٍ. وفي رواية: فَكَبّر عَلَيهِ أربَعًا. زادَ (خ) فِي رِوايةٍ: «رَجُلٌ صالِحٌ مِن الحَبَشِ ...»، وفِيها: فَصَلّى النَّبيُّ ﷺ ... ونَحنُ مَعَهُ صُفُوفٌ.
٧٨١. (خ م) (٩٥٢) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ أخًا لَكُم قَد ماتَ، فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَيهِ». قالَ: فَقُمنا فَصَفَّنا (صَفَّينِ). وفي رواية: «ماتَ اليَومَ عَبدٌ لِلهِ صالحٌ، أصحَمَةُ». وفي رواية (خ): فَكُنتُ فِي الصَّفِّ الثّانِي أو الثّالِثِ.
٧٨٢. (م) (٩٥٧) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي لَيْلى قالَ: كانَ زَيدٌ ﵁ يُكَبِّرُ عَلى جَنائِزِنا أربَعًا، وإنَّهُ كَبَّرَ عَلى جِنازَةٍ خَمسًا، فَسَأَلتُهُ فَقالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُكَبِّرُها.
- النجاشي لقب لكل من ملك الحبشة ,وأما أصحمة فهو اسم علم لهذا الملك الصالح الذي كان في زمن النبي ﷺ.(النووي).
- وفي قصة النجاشي علم من أعلام النبوة لأنه ﷺ أعلمهم بموته في اليوم الذي مات فيه مع بعد ما بين أرض الحبشة والمدينة.
- واستدل بالحديث على مشروعية الصلاة على الميت الغائب عن البلد، وبذلك قال الشافعي وأحمد وجمهور السلف، حتى قال ابن حزم لم يأت عن أحد من الصحابة منعه، وعن بعض الحنفية والمالكية لا يشرع ذلك، وعن بعض أهل العلم إنما يجوز ذلك في اليوم الذي يموت فيه الميت أو ما قرب منه لا ما إذا طالت المدة.
(ابن حجر)

باب: قِراءَةُ فاتِحَةِ الكِتابِ فِـي صَلاةِ الجَنازَةِ


٧٨٣. (خ) (١٣٣٥) عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْفٍ قالَ: صَلَّيتُ خَلفَ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ عَلى جَنازَةٍ، فَقَرَأَ بِفاتِحَةِ الكِتابِ، قالَ: لِيَعلَمُوا أنَّها سُنَّةٌ.
- أجمعوا على أن قول الصحابي "سُنة" حديث مسند. (ابن حجر).

باب: الـصَّلاةُ عَلى القَبْرِ


٧٨٤. (خ م) (٩٥٦) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ امرَأَةً سَوداءَ كانَت تَقُمُّ المَسْجِدَ، أو شابًّا، فَفَقَدَها رَسُولُ اللهِ ﷺ فَسَأَلَ عَنها، أو عَنهُ، فَقالُوا: ماتَ. قالَ: «أفَلا كُنتُم آذَنتُمُونِي؟» قالَ: فَكَأَنَّهُم صَغَّرُوا أمرَها، أو أمرَهُ، فَقالَ: «دُلُّونِي عَلى قَبرِهِا». فَدَلُّوهُ فَصَلّى عَلَيها، (ثُمَّ قالَ: «إنَّ هَذِهِ القُبُورَ مَملُوءَةٌ ظُلمَةً عَلى أهلِها، وإنَّ اللهَ يُنَوِّرُها لَهُم بِصَلاتِي عَلَيهِم»). وفي رواية (خ) زادَ: ولا أُراهُ إلا امرَأَةً.
الفوائد السلوكية: أن من الأعمال والمهن ما نراه يسيراً بحسب ميزان البشر, ولكن يُبارك فيه من صحة نية صاحبه, فيرفعه الله به درجات، ذاك الذي لا تعنيه الكاميرات الإعلامية، ولا يهمه أن يردد اسمه في منصات التواصل، الذي جمع همه أن يوفق لعمل يتقرب به إلى ربه في خدمة دينه, ونفع إخوانه, كهذه المرأة الصالحة التي ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى قبرها حيث دفنت ليصلي عليها، الفعل الذي ينبئ عن عالي منزلتها عنده، وأن الأعمال لا تقاس بشهرتها ورتبتها, بل بصادق نيتها ونفعها.

٧٨٥. (خ م) (٩٥٤) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: انتَهى رَسُولُ اللهِ ﷺ إلى قَبرٍ (رَطبٍ) فَصَلّى عَلَيهِ، وصَفُّوا خَلفَهُ، وكَبَّرَ أربَعًا. لَفظُ (خ): قَبرٍ مَنبُوذٍ.
وفي رواية (خ): أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ مَرَّ بِقَبرٍ قَد دُفِنَ لَيلًا، فَقالَ: «مَتى دُفِنَ هَذا؟» قالُوا: البارِحَة ... فَكَرِهنا أن نُوقِظَكَ ... قالَ ابنُ عَبّاسٍ: وأَنا فِيهِم.
- في الحديث الترغيب في شهود جنائز أهل الخير.
-ندب الصلاة على الميت الحاضر عند قبره لمن لم يصل عليه. (ابن حجر)
- جواز تولي المرأة لتنظيف المسجد، وأنه لا يحجر ذلك على الرجال فقط؛ بل كل من احتسب ونظف المسجد فله أجره؛ سواء باشرته المرأة، أو استأجرت من يقم المسجد على حسابها. (ابن عثيمين).
الفوائد السلوكية:
- في الحديث فضل تنظيف المسجد والسؤال عن الخادم والصديق إذا غاب.
- وفيه المكافأة بالدعاء.
-حسن رعاية النبي ﷺ لأمته، وأنه كان يتفقدهم ويسأل عنهم، فلا يشتغل بالكبير عن الصغير؛ كل ما يهم المسلمين فإنه يسأل عنه صلى الله عليه وسلم.
- جواز سؤال المرء ما لا تكون به منّة في الغالب؛ لأن الرسول ﷺ قال: "دلوني على قبرها" وهذا سؤال. (ابن عثيمين).

باب: فَضْلُ الصَّلاةِ عَلى الجَنازَةِ واتِّباعِها


٧٨٦. (خ م) (٩٤٥) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن شَهِدَ الجَنازَةَ حَتّى يُصَلّى عَلَيها فَلَهُ قِيراطٌ، ومَن شَهِدَها حَتّى تُدفَنَ فَلَهُ قِيراطانِ». قِيلَ: وما القِيراطانِ؟ قالَ: «مِثلُ الجَبَلَينِ العَظِيمَينِ».
وفي رواية (خ): «مَن اتَّبَعَ جَنازَةَ مُسلِمٍ إيمانًا واحتِسابًا ...». وفي رواية: «حَتّى يُفْرغَ مِنها ...».
وفي رواية (م): «حَتى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ». وفي رواية: «كُلُّ قِيراطٍ مِثلُ أُحُدٍ». وفي رواية (م): وكانَ ابنُ عُمَرَ يُصَلِّي عَلَيها ثُمَّ يَنصِرف، فَلَمّا بَلَغَهُ .... وفي رواية: فَأَرْسَلَ ابنُ عُمرَ خَبّابًا إلى عائِشَةَ يَسأَلُها عَن قَولِ أبِي هُرَيْرَةَ ... وفِيها: قالَت عائِشَةُ: صَدَقَ أبُو هُرَيْرَةَ. فَضَرَبَ ابنُ عُمرَ بِالحَصى الَّذِي كانَ فِي يَدِهِ الأَرضَ، ثُمَّ قالَ: لَقَد فَرَّطنا فِي قَرارِيطَ كَثِيرةٍ.
- قوله (فقال ابن عمر أكثر علينا أبو هريرة) معناه أنه خاف لكثرة رواياته أنه اشتبه عليه الأمر في ذلك واختلط عليه حديث بحديث؛ لا أنه نَسَبه إلى رواية ما لم يسمع؛ لأن مرتبة ابن عمر وأبي هريرة أجلّ من هذا، وانما بعث ابن عمر إلى عائشة يسألها بعد إخبار أبي هريرة؛ لأنه خاف على أبي هريرة النسيان والاشتباه فلما وافقته عائشة علم أنه حفظ. (النووي).
- فيه ما كانوا عليه من الحرص على أعمال البر، واقتناء الأجر، وتأسفهم على ما فاتهم من ذلك. (القاضي عياض).

باب: انْصِرافُ الـمُصَلِّي عَلى الجَنازَةِ راكِبًا


٧٨٧. (م) (٩٦٥) عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ﵁ قالَ: صَلّى رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلى ابْنِ الدَّحداحِ، ثُمَّ أُتِيَ بِفَرَسٍ عُريٍ فَعَقَلَهُ رَجُلٌ فَرَكِبَهُ، ⟨فَجَعَلَ يَتَوَقَّصُ بِهِ⟩{غريب=أي: مَشى الفَرسُ وهوَ يَثِبُ ويُقاربُ الخُطوةَ
} ونَحنُ نَتَّبِعُهُ نَسعى خَلفَهُ، قالَ: فَقالَ رَجُلٌ مِنَ القَومِ: إنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «كَم مِن عِذقٍ مُعَلَّقٍ أو مُدَلًّى فِي الجَنَّةِ لابنِ الدَّحداحِ». أو قالَ شُعبَةُ: لأَبِي الدَّحداحِ.
-وهذ الفضل لأبي الدحداح بسبب جبره بخاطر اليتيم الذي خاصمه أبو لبابة في نخلة، فبكى فاشتراها أبو الدحداح من أبي لبابة بحديقة فأعطاها اليتيم، فبإيثاره الباقي على الفاني جوزي في الآخرة بما هو من جنس فعله.(الصنعاني)
- فيه جواز مشي الجماعة مع كبيرهم الراكب وأنه لا كراهة فيه في حقه ولا في حقهم؛ إذا لم يكن فيه مفسدة، وإنما يكره ذلك إذا حصل فيه انتهاك للتابعين، أو خيف إعجاب ونحوه في حق التابع أو نحو ذلك من المفاسد (النووي).

باب: فِـي اللَّحْدِ


٧٨٨. (م) (٩٦٦) عَنْ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ ﵁؛ أنَّهُ قالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي هَلَكَ فِيهِ: الحَدُوا لِي لَحدًا، وانصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصبًا، كَما صُنِعَ بِرَسُولِ اللهِ ﷺ.
- وفيه استحباب اللحد، ونصب اللِبن، وأنه فعل ذلك برسول الله ﷺ باتفاق الصحابة ﵃. وقد نقلوا أن عدد لبِناته ﷺ تسع.(الطيبي).

باب: الأَمْرُ بِتَسْوِيَةِ القَبْرِ والنَّهْيُ عَنْ تَجْصِيصِهِ


٧٨٩. (م) (٩٦٨) عَنْ ثُمامَةَ بْنِ شُفَيٍّ قالَ: كُنّا مَعَ فَضالَةَ بْنِ عُبَيدٍ ﵁ بِأَرضِ الرُّومِ بِرُودِسَ، فَتُوُفِّيَ صاحِبٌ لَنا، فَأَمَرَ فَضالَةُ بن عبيدٍ بِقَبرِهِ فَسُوِّيَ، ثُمَّ قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَأمُرُ بِتَسوِيَتِها.
٧٩٠. (م) (٩٦٩) عَنْ أبِي الهَيّاجِ الأَسَدِيِّ قالَ: قالَ لِي عَلِيُّ بن أبي طالِبٍ ﵁: ألا أبعَثُكَ عَلى ما بَعَثَنِي عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ؛ أن لا تَدَعَ تِمثالًا إلا طَمَستَهُ، ولا قَبرًا مُشرِفًا إلا سَوَّيتَهُ. وفي رواية: ولا صُورَةً إلا طَمَستَها.
٧٩١. (م) (٩٧٠) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: نَهى رَسُولُ اللهِ ﷺ أن يُجَصَّصَ القَبرُ، وأَن يُقعَدَ عَلَيهِ، وأَن يُبنى عَلَيهِ.
وفي رواية: عَن جابِرٍ قالَ: نُهِيَ عَن تَقصِيصِ القُبُورِ.
- يجصص القبر: وفي الرواية الأخرى نهى عن تقصيص القبور، التقصيص بالقاف وصادين مهملتين هو التجصيص والقصة بفتح القاف وتشديد الصاد هي الجص، وفي هذا الحديث كراهة تجصيص القبر والبناء عيه وتحريم القعود والمراد بالقعود الجلوس عليه (النووي)
- في قوله :"لا تدع تمثالاً إلا طمسته ": فيه الأمر بتغيير الصور ذوات الروح، كالتماثيل القائمة للأشخاص.

١ قال رسول الله ﷺ : من نيح عليه فإنه يعذب

٥/٠