باب: بَيانُ الوَسْوَسَةِ فِـي الإيمانِ


٢٤. (م) (١٣٢) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: جاءَ ناسٌ مِن أصحابِ النَّبِيِّ ﷺ، فَسَأَلُوهُ: إنّا نَجِدُ فِي أنفُسِنا ما يَتَعاظَمُ أحَدُنا أن يَتَكَلَّمَ بِهِ. قالَ: «وقَد وجَدتُمُوهُ؟» قالُوا: نَعَم. قالَ: «ذاكَ صَرِيحُ الإيمانِ».
-"مَعْنَاهُ: اسْتِعْظَامُكُمُ الْكَلَامَ بِهِ؛ هُوَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ، فَإِنَّ اسْتِعْظَامَ هَذَا وَشِدَّةَ الْخَوْفِ مِنْهُ وَمِنَ النُّطْقِ بِهِ؛ فَضْلًا عَنِ اعْتِقَادِهِ، إِنَّمَا يَكُونُ لِمَنِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ اسْتِكْمَالًا مُحَقَّقًا، وَانْتَفَتْ عَنْهُ الرِّيبَةُ وَالشُّكُوكُ" (النووي)

٢٥. (م) (١٣٣) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ عَنِ الوَسوَسَةِ، فَقالَ: «تِلكَ مَحضُ الإيمانِ».
-"مَعْنَى الْحَدِيثِ سَبَبُ الْوَسْوَسَةِ مَحْضُ الْإِيمَانِ أَوِ الْوَسْوَسَةُ عَلَامَةُ مَحْضِ الْإِيمَانِ، وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتِيَارُ القاضي عياض" (النووي).
-"كان هؤلاء السائلون من الصحابة ﵃ على درجة كبيرة من اليقين الذي لا يتزعزع، والعقيدة الراسخة التي لا تؤثر فيها هواجس النفس والشيطان" (فتح المنعم للاشين)

باب: فِـي الأَمْرِ بِالإيمانِ والاسْتِعاذَةِ بِاللهِ عِنْدَ وسْوَسَةِ الشَّيْطانِ


٢٦. (خ م) (١٣٦) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁؛ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ قالَ: «(قالَ اللهُ ﷿: إنَّ أُمَّتَكَ) لا يَزالُونَ يَقُولُونَ: ما كَذا، ما كَذا، حَتّى يَقُولُوا: هَذا اللهُ خَلَقَ الخَلقَ؛ فَمَن خَلَقَ اللهَ؟».
فيه فوائد منها:
-ذم السؤال عما لا يعني.
-وفيه علم من أعلام النبوة لإخباره بوقوع ما سيقع فوقع.
-وفيه وسوسة الشيطان وعلاجها.
-وأن الشيطان يندفع بالاستعاذة بالله منه.
-وفيه الأمر بالكف عن التفكير عند خوف الزلل"(فتح المنعم للاشين)

٢٧. (خ م) (١٣٤) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَأتِي الشَّيطانُ أحَدَكُم فَيَقُولُ: مَن خَلَقَ كَذا وكَذا؟ حَتّى يَقُولَ لَهُ: مَن خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإذا بَلَغَ ذَلكَ فَليَستَعِذ بِاللهِ وليَنتَهِ». وفي رواية (م): «فَمَن وجَدَ مِن ذَلكَ شَيئًا فَليَقُل: آمَنتُ بِاللهِ».
وفي رواية (م): قالَ: فَبَينا أنا فِي المَسْجِدِ إذ جاءَني ناسٌ مِنَ الأَعرابِ، فَقالُوا: يا أبا هُرَيْرَةَ؛ هَذا الله، فَمَن خَلَقَ اللهَ؟ قالَ: فَأَخَذَ حَصىً بِكَفِّه فَرَماهُم بِهِ، ثُمَّ قالَ: قُومُوا قُومُوا، صَدَقَ خَلِيلِي ﷺ.
-"مَعْنَاهُ إِذَا عَرَضَ لَهُ هَذَا الْوَسْوَاسُ فَلْيَلْجَأْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي دَفْعِ شَرِّهِ عَنْهُ، وَلْيُعْرِضْ عَنِ الْفِكْرِ فِي ذَلِكَ، وَلْيَعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخَاطِرَ مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ، وَهُوَ إِنَّمَا يَسْعَى بِالْفَسَادِ وَالْإِغْوَاءِ، فَلْيُعْرِضْ عَنِ الْإِصْغَاءِ إِلَى وَسْوَسَتِهِ، وَلْيُبَادِرْ إِلَى قَطْعِهَا بِالِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا"(النووي).
-"الْخَوَاطِرَ عَلَى قِسْمَيْنِ: فَأَمَّا الَّتِي لَيْسَتْ بِمُسْتَقِرَّةٍ وَلَا اجْتَلَبَتْهَا شُبْهَةٌ طَرَأَتْ؛ فَهِيَ الَّتِي تُدْفَعُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ الْحَدِيثُ، وَعَلَى مِثْلِهَا يَنْطَلِقُ اسْمُ الْوَسْوَسَةِ، فَكَأَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَمْرًا طَارِئًا بِغَيْرِ أَصْلٍ دُفِعَ بغير نظر فى دليل؛ إذ لا أَصْلَ لَهُ يُنْظَرُ فِيهِ، وَأَمَّا الْخَوَاطِرُ الْمُسْتَقِرَّةُ الَّتِي أَوْجَبَتْهَا الشُّبْهَةُ فَإِنَّهَا لَا تُدْفَعُ إِلَّا بِالِاسْتِدْلَالِ وَالنَّظَرِ فِي إِبْطَالِهَا" (قاله النووي -نقلا عن المازري)

باب: فِـي آياتِ النَّبِيِّ ﷺ والإيمانِ بِهِ


٢٨. (خ م) (١٥٢) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «ما مِن الأنبِياءِ مِن نَبِيٍّ إلا قَد أُعطِيَ مِن الآياتِ ما مِثلُهُ آمَنَ عَلَيهِ البَشَرُ، وإنَّما كانَ الَّذِي أُوتِيتُ وحيًا أوحى اللهُ إلَيَّ، فَأَرجُو أن أكُونَ أكثَرَهُم تابِعًا يَومَ القِيامَةِ».
-"قوله: (فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة): رتب هذا الكلام على ما تقدم من معجزة القرآن المستمرة؛ لكثرة فائدته وعموم نفعه؛ لاشتماله على الدعوة والحجة والإخبار بما سيكون، فعم نفعه من حضر ومن غاب ومن وجد ومن سيوجد، فحسن ترتيب الرجوى المذكورة على ذلك، وهذه الرجوى قد تحققت، فإنه أكثر الأنبياء تبعا" (ابن حجر)

٢٩. (خ م) (١٥٤) عَنْ أبِي مُوسى ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «ثَلاثَةٌ يُؤتَونَ أجرَهُم مَرَّتَينِ: رَجُلٌ مِن أهلِ الكِتابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وأَدرَكَ النَّبِيَّ ﷺ فَآمَنَ بِهِ واتَّبَعَهُ وصَدَّقَهُ، فَلَهُ أجران، وعَبدٌ مَملُوكٌ أدّى حَقَّ اللهِ تَعالى وحَقَّ سَيِّدِهِ، فَلَهُ أجرانِ، ورَجُلٌ كانَت لَهُ أمَةٌ (فَغَذاها فَأَحسَنَ غِذاءَها)، ثُمَّ أدَّبَها فَأَحسَنَ أدَبَها، ثُمَّ أعتَقَها وتَزَوَّجَها، فَلَهُ أجرانِ». وفي رواية (خ): «وعَلَّمَها فَأحسَنَ تَعلِيمَها».
-"وهذا الكتابيّ الذي يضاعَف أجرُه، هو الذي كان على الحقّ في شرعه عقدًا وفعلاً، ثمّ لم يزل متمسّكًا بذلك إلى أن جاء نبيّنا ﷺ فآمن به، واتّبع شريعته، فهذا هو الذي يؤجَر على اتّباع الحقّ الأوّل والحقّ الثاني، وأمّا من اعتقد الإلهيّة لغير الله تعالى، كما تعتقده النصارى اليوم، أو من لم يكن على حقّ في ذلك الشرع الذي ينتمي إليه، فإذا أسلم جبّ الإسلام ما كان عليه من الفساد والغلط، ولم يكن له حقّ يؤجر عليه إلاّ الإسلام خاصّة - والله أعلم –".(القرطبي).
-"ليس كل من له أجره مرتين يكون أفضل من غيره"(ابن رجب).
وردت في الحديث فوائد، منها:
-"بيان فضيلة العبد المملوك القائم بحقوق الله تعالى، وحقوق سيّده".
-"ترغيب العبد المملوك في طاعة ربه، وطاعة سيّده".
-"أن وضع المقدار في الدنيا قد يكون سببًا في رفع الدرجات في الآخرة".
-"حرص الشارع في عتق العبيد، والترغيب فيه".
-"الحثّ على الإحسان للمملوك في تحسين غذائه، وفي تأديبه، وتعليمه".
-"بيان فضيلة من أعتق أمته، وتزوّجها، وليس هذا من الرجوع في الصدقة في شيء، بل هو محض إحسان إليها بعد إحسان".
-"بيان جواز نكاح الرجل جاريته التي أعتقها، وفيه ردّ على مَن كَرِه ذلك" (البحر المحيط الثجاج)

باب: مَحَبَّةُ اللهِ ورَسُولِهِ والـمُؤْمِنِينَ مِنَ الإيمانِ


٣٠. (خ م) (٤٣) عَنْ أنَسٍ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «ثَلاثٌ مَن كُنَّ فِيهِ وجَدَ بِهِنَّ حَلاوَةَ الإيمانِ؛ مَن كانَ اللهُ ورَسُولُهُ أحَبَّ إلَيهِ مِمّا سِواهُما، وأَن يُحِبَّ المَرءَ لا يُحِبُّهُ إلا للهِ، وأَن يَكرَهَ أن يَعُودَ فِي الكُفرِ بَعدَ أن أنقَذَهُ اللهُ مِنهُ كَما يَكرَهُ أن يُقذَفَ فِي النّارِ».
وفي رواية (م): «وجَدَ طعْمَ الإيمان». وفي رواية (م): «مِن أنْ يَرْجِعَ يَهُودِيًّا أوْ نَصْرانِيًّا».
-"فمن أحبَّ الله ورسوله محبةً صادقة من قلبه، أوجب له ذلك أنْ يُحبَّ بقلبه ما يُحبُّه الله ورسولُه، ويكره ما يكرهه الله ورسوله، ويرضى بما يرضى الله ورسوله، ويَسخط ما يَسْخَطُهُ الله ورسوله، وأنْ يعمل بجوارحه بمقتضى هذا الحبِّ والبغض، فإنْ عمل بجوارحه شيئاً يُخالِفُ ذلك، فإن ارتكبَ بعضَ ما يكرهه الله ورسولُه، أو ترك بعضَ ما يُحبه الله ورسوله، مع وجوبه والقدرة عليه، دلَّ ذلك على نقص محبَّته الواجبة، فعليه أنْ يتوبَ من ذلك، ويرجع إلى تكميل المحبة الواجبة" (ابن رجب).
-"إنما خصَّ هذه الثلاثَ بهذا المعنى؛ لأنَّها لا توجدُ إلا ممَّن تنوَّرَ قلبُه بأنوار الإيمان واليقين، وانكشَفَت له محاسنُ تلك الأمور التي أوجَبَت له تلك المَحَبَّةَ التي هي حالُ العارفين" (القرطبي).
-"وقد أفاد هذا الحديثُ: أنَّ محبَّةَ المؤمنِ الموصِّلَةَ لحلاوة الإيمان لا بدَّ أن تكونَ خالصةً لله تعالى، غيرَ مشوبةٍ بالأَغراض الدنيويَّة، ولا الحظوظِ البشريَّة؛ فإنَّ مَن أحبَّه لذلك، انقطعَت محبَّته إن حصَلَ له ذلك الغرَضُ أو يئِسَ مِن حصوله، ومحبَّةُ المؤمن وظيفةٌ متعيِّنة على الدوام، وُجِدَتِ الأغراضُ أو عُدِمَت، ولمَّا كانتِ المحبَّةُ للأغراضِ هي الغالبة، قَلَّ وِجدانُ تلك الحلاوة، بل قد انعدم، لا سيَّما في هذه الأزمان التي قد امَّحَى فيها أكثَرُ رسومِ الإيمان! وعلى الجملة: فمحبَّةُ المؤمنين من العبادات، التي لا بُدَّ فيها من الإخلاصِ في حُسنِ النيَّات"(القرطبي).
النواحي البيانية :
-(لا يحبه إلا لله) من أساليب الحصر والنفي والاستثناء، لبيان أن الحب إنما كان لله وليس لشيء آخر

٣١. (خ م) (٤٤) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لا يُؤمِنُ أحَدُكُم حَتّى أكُونَ أحَبَّ إلَيهِ مِن ولَدِهِ ووالِدِهِ والنّاسِ أجمَعِينَ». وفي رواية (م): «مِن أهلِهِ ومالِهِ».
-"محبة النبي ﷺ من أصول الإيمان وهي مقارنة لمحبة الله عز وجل، وقد قرنها الله بها، وتوعد من قدم عليها شيء من الأمور المحبوبة طبعا من الأقارب والأموال والأوطان وغير ذلك، فقال تعالى: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) [التوبة: 24]" (ابن رجب).
-"قال بعض المتكلمين على الحديث: جمع ﷺ تحت لفظه هذا القليل معانى كثيرة؛ إذ أقسام المحبة ثلاثة: محبة إجلال وإعظام كمحبة الوالد؛ ومحبة رحمة وإشفاق كمحبة الولد، ومحبة مشاكلة واستحسان كمحبة الناس بعضهم بعضاً، فجمع ﷺ ذلك كله في محبته" (القاضي عياض)

٣٢. (خ م) (٤٥) عَنْ أنَسٍ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «والَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لا يُؤمِنُ عَبدٌ حَتّى يُحِبَّ (لِجارِهِ، أو قالَ:) لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفسِهِ».
-"فمعنى الحديث: أنَّ الموصوفَ بالإيمانِ الكامل: مَن كان في معاملته للناس ناصحًا لهم، مريدًا لهم ما يريده لنفسه، وكارهًا لهم ما يكرهه لنفسه، وتتضمَّنُ أن يفضِّلهم على نفسه؛ لأنَّ كلَّ أحد يُحِبُّ أن يكونَ أفضَلَ من غيره، فإذا أحَبَّ لغيره ما يحبُّ لنفسه، فقد أَحَبَّ أن يكونَ غيره أفضَلَ منه" (القرطبي)

٣٣. (خ م) (٢١٥) عَنْ عَمْرِو بْنِ العاصِ ﵁ قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ جِهارًا غَيرَ سِرٍّ يَقُولُ: «ألا إنَّ آلَ أبِي يَعنِي فُلانًا لَيسُوا لِي بِأَولِياءَ، إنَّما ولِيِّيَ اللهُ وصالِحُ المُؤمِنِينَ».
-"ودل الحديث أن الولاية فى الإسلام إنما هى بالموافقة فيه بخصال الديانة وزمام الشريعة، لا بامتشاج النسب وشجنةِ الرحم" (القاضي عياض)

٣٤. (خ م) (٧٥) عَنِ البَراءِ ﵁ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ؛ أنَّهُ قالَ فِي الأنصارِ: «لا يُحِبُّهُم إلا مُؤمِنٌ، ولا يُبغِضُهُم إلا مُنافِقٌ، مَن أحَبَّهُم أحَبَّهُ اللهُ، ومَن أبغَضَهُم أبغَضَهُ اللهُ».
ولَهُما عَن أنَسٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «آيَةُ المُنافِقِ بُغضُ الأنصار، وآيَةُ المُؤمِنِ حُبُّ الأنصارِ».
-"وهذا المعنَى جارٍ في أعيان الصحابة كالخلفاء، والعَشَرة، والمهاجرين، بل وفي كُلِّ الصحابة؛ إذ كُلُّ واحدٍ منهم له شاهد وغَنَاءٌ في الدِّين، وأَثَرٌ حَسَنٌ فيه؛ فحبُّهم لذلك المعنى محضُ الإيمان، وبُغضُهُم له محضُ النفاق"(القرطبي).
-مَن أبغض بعضَ مَن ذَكَرنا من الصحابة من غير تلك الجهات التي ذكرناها، بل لأمرٍ طارئ، وحدَثٍ واقعٍ؛ من مخالفةِ غَرَضٍ، أو ضررٍ حصل، أو نحو ذلك: لم يكن كافرًا، ولا منافِقًا بسبب ذلك؛ لأنهم - رضي الله عن جميعهم - قد وقعت بينهم مخالفاتٌ عظيمة، وحروبٌ هائلة، ومع ذلك فلم يكفِّر بعضُهُم بعضًا، ولا حُكِمَ عليه بالنفاقِ لِمَا جرى بينهم من ذلك، وإنما كان حالُهُم في ذلك حالَ المجتهدين في الأحكام؛ فإمَّا أن يكونَ كلُّهم مصيبًا فيما ظهَرَ له، أو المصيبُ واحدٌ، والمخطئُ معذور، بل مخاطبٌ بالعملِ على ما يراه ويظنُّه مأجور.
-فمَن وقع له بُغضٌ في واحد منهم لشيءٍ من ذلك، فهو عاصٍ يجبُ عليه التوبةُ من ذلك، ومجاهدةُ نفسه في زوال ما وقَعَ له من ذلك، بأن يذكر فضائلَهُم وسوابقَهُم، وما لهم على كلِّ مَن بعدَهم مِنَ الحقوقِ الدينيَّةِ والدنيوية؛ إذ لم يصل أحدٌ ممن بعدهم بشيءٍ من الدنيا ولا الدِّينِ إلا بهم، وبسببهم وأدبهم وصلَتلنا كلُّ النِّعَم، واندفَعَت عنا الجهالاتُ والنِّقَم، ومَن حَصَلَت به مصالِحُ الدنيا والآخِرَة، فبغضُهُ كفرانٌ للنِّعَمِ، وصفقتُهُ خاسِرَة

٣٥. (م) (٧٨) عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ ﵁ قالَ: والَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ إنَّهُ لَعَهدُ النَّبِيِّ الأُمِّي ﷺ إلَيَّ: «أن لا يُحِبَّنِي إلا مُؤمِنٌ، ولا يُبغِضَنِي إلا مُنافِقٌ».
-"وَمَعْنَى هَذَهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ مَنْ عَرَفَ مَرْتَبَةَ الْأَنْصَارِ وَمَا كَانَ مِنْهُمْ فِي نُصْرَةِ دِينِ الْإِسْلَامِ وَالسَّعْيِ فِي إِظْهَارِهِ وَإِيوَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَقِيَامِهِمْ فِي مُهِمَّاتِ دِينِ الْإِسْلَامِ حَقَّ الْقِيَامِ، وَحُبِّهِمُ النَّبِيَّ ﷺ وَحُبِّهِ إِيَّاهُمْ، وَبَذْلِهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقِتَالِهِمْ وَمُعَادَاتِهِمْ سَائِرَ النَّاسِ إِيثَارًا لِلْإِسْلَامِ، وَعَرَفَ مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ﵁ قُرْبَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَحُبِّ النَّبِيِّ ﷺ لَهُ، وَمَا كَانَ مِنْهُ فِي نُصْرَةِ الْإِسْلَامِ وَسَوَابِقِهِ فِيهِ، ثُمَّ أَحَبَّ الْأَنْصَارَ وَعَلِيًّا لِهَذَا، كَانَ ذَلِكَ مِنْ دَلَائِلِ صِحَّةِ إِيمَانِهِ وَصِدْقِهِ فِي إِسْلَامِهِ؛ لِسُرُورِهِ بِظُهُورِ الْإِسْلَامِ وَالْقِيَامِ بِمَا يُرْضِي اللَّهَ ﷾ وَرَسُولَهُ ﷺ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ كَانَ بِضِدِّ ذَلِكَ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى نِفَاقِهِ وَفَسَادِ سَرِيرَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ" (النووي)

٣٦. (م) (٥٤) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لا تَدخُلُونَ الجَنَّةَ حَتّى تُؤمِنُوا، ولا تُؤمِنُوا حَتّى تَحابُّوا، أوَلا أدُلُّكُم عَلى شَيءٍ إذا فَعَلتُمُوهُ تَحابَبتُم؟ أفشُوا السَّلامَ بَينَكُم».
-"وَفِيهِ الْحَثُّ الْعَظِيمُ عَلَى إِفْشَاءِ السَّلَامِ وَبَذْلِهِ لِلْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ -كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ- وَالسَّلَامُ أَوَّلُ أَسْبَابِ التَّأَلُّفِ وَمِفْتَاحُ اسْتِجْلَابِ الْمَوَدَّةِ، وَفِي إِفْشَائِهِ تَمَكُّنُ أُلْفَةِ الْمُسْلِمِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَإِظْهَارُ شِعَارِهِمُ الْمُمَيِّزِ لَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ رِيَاضَةِ النَّفْسِ وَلُزُومِ التَّوَاضُعِ وَإِعْظَامِ حُرُمَاتِ الْمُسْلِمِينَ" (النووي)

٣٧. (خ) (٦٦٣٢) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ هِشامٍ ﵁ قالَ: كُنّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ ﵁ فَقالَ لَهُ عُمَرُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ لأنتَ أحَبُّ إلَيَّ مِن كُلِّ شَيءٍ إلا مِن نَفسِي. فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لا والَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ؛ حَتّى أكُونَ أحَبَّ إلَيكَ مِن نَفسِكَ». فَقالَ لَهُ عُمَرُ: فَإنَّهُ الآنَ واللهِ لأنتَ أحَبُّ إلَيَّ مِن نَفسِي. فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «الآنَ يا عُمَرُ».
-"وهذا كلُّه تصريحٌ بأنَّ هذه المحبَّةَ ليست باعتقاد تعظيم، بل ميلٌ إلى المعتقَدِ وتعظيمُهُ وتعلُّقُ القلبِ به، فتأمَّل هذا الفرق؛ فإنَّه صحيحٌ، ومع ذلك فقد خَفِيَ على كثيرٍ من الناس، وعلى هذا المعنى الحديث - والله أعلم -: أنَّ مَن لم يجد مِن نفسه ذلك الميلَ، وأرجحيَّتَهُ للنبيِّ ﷺ لم يَكمُل إيمانُهُ" (القرطبي).
-"فَهَذِهِ الْمَحَبَّةُ لَيْسَتْ بِاعْتِقَادِ الْأَعْظَمِيَّةِ فَقَطْ، فَإِنَّهَا كَانَتْ حَاصِلَةً لِعُمَرَ قَبْلَ ذَلِكَ قَطْعًا، وَمِنْ عَلَامَةِ الْحُبِّ الْمَذْكُورِ: أَنْ يُعْرَضَ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ لَوْ خُيِّرَ بَيْنَ فَقْدِ غَرَضٍ مِنْ أَغْرَاضِهِ أَوْ فَقْدِ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ ﷺ -أَنْ لَوْ كَانَتْ مُمْكِنَةً-، فَإِنْ كَانَ فَقْدُهَا -أَنْ لَوْ كَانَتْ مُمْكِنَةً- أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ فَقْدِ شَيْءٍ مِنْ أَغْرَاضِهِ فَقَدِ اتَّصَفَ بِالْأَحَبِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَمَنْ لَا فَلَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَحْصُورًا فِي الْوُجُودِ وَالْفَقْدِ؛ بَلْ يَأْتِي مِثْلُهُ فِي نُصْرَةِ سُنَّتِهِ وَالذَّبِّ عَنْ شَرِيعَتِهِ وَقَمْعِ مُخَالِفِيهَا، وَيَدْخُلُ فِيهِ بَابُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ" (ابن حجر).
-"وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِيمَاءٌ إِلَى فَضِيلَةِ التَّفَكُّرِ، فَإِنَّ الْأَحَبِّيَّةَ الْمَذْكُورَةَ تُعْرَفُ بِهِ وَذَلِكَ أَنَّ مَحْبُوبَ الْإِنْسَانِ إِمَّا نَفْسُهُ وَإِمَّا غَيْرُهَا، أَمَّا نَفْسُهُ فَهُوَ أَنْ يُرِيدَ دَوَامَ بَقَائِهَا سَالِمَةً مِنَ الْآفَاتِ هَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الْمَطْلُوبِ، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَإِذَا حَقَّقَ الْأَمْرَ فِيهِ فَإِنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ تَحْصِيلِ نَفْعٍ مَا عَلَى وُجُوهِهِ الْمُخْتَلِفَةِ حَالًا وَمَآلًا، فَإِذَا تَأَمَّلَ النَّفْعَ الْحَاصِلَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الرَّسُولِ ﷺ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْ ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ إِلَى نُورِ الْإِيمَانِ إِمَّا بِالْمُبَاشَرَةِ وَإِمَّا بِالسَّبَبِ، عَلِمَ أَنَّهُ سَبَبُ بَقَاءِ نَفْسِهِ الْبَقَاءَ الْأَبَدِيَّ فِي النَّعِيمِ السَّرْمَدِيِّ، وَعَلِمَ أَنَّ نَفْعَهُ بِذَلِكَ أَعْظَمُ مِنْ جَمِيعِ وُجُوهِ الِانْتِفَاعَاتِ، فَاسْتَحَقَّ لِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ حَظُّهُ مِنْ مَحَبَّتِهِ أَوْفَرَ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ النَّفْعَ الَّذِي يُثِيرُ الْمَحَبَّةَ حَاصِلٌ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ وَلَكِنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي ذَلِكَ بِحَسَبِ اسْتِحْضَارِ ذَلِكَ وَالْغَفْلَةِ عَنْهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ حَظَّ الصَّحَابَةِ ﵃ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى أَتَمُّ لِأَنَّ هَذَا ثَمَرَةُ الْمَعْرِفَةِ وَهُمْ بِهَا أَعْلَمُ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ" (ابن حجر)

باب: مَثَلُ الـمُؤْمِنِ ومَثَلُ الـمُنافِقِ والكافِرِ


٣٨. (خ م) (٢٨١٠) عَنْ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَثَلُ المُؤمِنِ كَمَثَلِ الخامَةِ مِن الزَّرعِ؛ تُفِيئُها الرِّيحُ، تَصرَعُها مَرَّةً وتَعدِلُها أُخرى (حَتّى تَهِيجَ) ومَثَلُ الكافِرِ كَمَثَلِ الأَرزَةِ المُجذِيَةِعَلى أصلِها لا يُفِيئُها شَيءٌ حَتّى يَكُونَ انجِعافُها مَرَّةً واحِدَةً». وفي رواية (م): «وتَعدِلُها حَتى يَأتِيَهُ أجَلُهُ».
ولَهُما عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ نَحوُهُ، وفِيهِ: «... ولا يَزالُ المُؤمِنُ يُصِيبُهُ البَلاءُ، ومَثَلُ المُنافِقِ كَمَثَلِ شَجَرَةِ الأَرزِ لا تَهتَزُّ حَتّى تَستَحصِدَ». لَفظُ (خ): «وكَذَلِكَ المُؤمِنُ يُكَفَّأُ بِالبَلاءِ ..».
-"قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ كَثِيرُ الْآلَامِ فِي بَدَنِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ وَذَلِكَ مُكَفِّرٌ لِسَيِّئَاتِهِ وَرَافِعٌ لِدَرَجَاتِهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَقَلِيلُهَا وَإِنْ وَقَعَ بِهِ شَيْءٌ لَمْ يُكَفِّرْ شَيْئًا مِنْ سَيِّئَاتِهِ، بَلْ يَأْتِي بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ كاملة(النووي).
-"وأما قوله ﵇: (مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع يفيء ورقه من حيث أتته الريح) يعنى من حيث جاء أمر الله انطاع له ولان ورضيه، وإن جاءه مكروه رجا فيه الخير والأجر، فإذا سكن البلاء عنه اعتدل قائما بالشكر له على البلاء والاختبار، وعلى المعافاة من الأمر والاجتياز، ومنتظرًا لاختيار الله له ماشاء مما حكم له بخيره فى دنياه وكريم مجازاته فى أخراه، والكافر كالأرزة صماء معتدلة لا يتفقده الله باختبار، بل يعافيه فى دنياه وييسر عليه فى أموره ليعسر عليه فى معاده، حتى إذا أراد الله إهلاكه قصمه قصم الأرزة الصماء فيكون موته أشد عذابًا عليه وأكثر ألما فى خروج نفسه من ألم النفس الملينة بالبلاء المأجور عليه، والأرز من أصلب الخشب!" (ابن بطال نقلاً عن المهلب).
-"وفيه إشارة إلي أن المؤمن ينبغي له أن يرى نفسه في الدنيا عارية معزولة عن استيفاء اللذات والشهوات معروضة للحوادث والمصيبات، مخلوقة للآخرة؛ لأنها جنته، ودار خلوده وثباته" (الطيبي)

٣٩. (خ م) (٢٨١١) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قالَ: كُنّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقالَ: «أخبِرُونِي بِشَجَرَةٍ شِبهِ أو كالرَّجلِ المُسلِمِ، لا يَتَحاتُّ ورَقُها، تُؤتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ». قالَ ابنُ عُمَرَ: فَوَقَعَ فِي نَفسِي أنَّها النَّخلَةُ، ورَأَيتُ أبا بَكرٍ وعُمَرَ لا يَتَكَلَّمانِ، فَكَرِهتُ أن أتَكَلَّمَ أو أقُولَ شَيئًا، فَقالَ عُمَرُ: لأن تَكُونَ قُلتَها أحَبُّ إلَيَّ مِن كَذا وكَذا. وفي رواية (خ): «إنَّ مِن الشَّجَرِ لَما بَرَكَتُهُ كَبَرَكَةِ المُسْلِمِ».
-"فيه إلقاءُ العالم المسألة على أصحابه ليختبر قدر أفهامهم" (القاضي عياض).
-"وفيه ضرب الأمثال والأشباه" (القاضي عياض).
-"وفيه فضل الشجر والثمر الذى لا يسقط ورقه، ويشبهها بالمسلم لكثرة خيرها، ودوام ظلها، وطيب ثمرها ووجوده على الدوام" (القاضي عياض).
-"في تمني عمر ﵁ أن يجاوب ابنه النبي ﷺ، بما وقع فى نفسه فيه من الفقه أن الرجل مباح له الحرص على ظهور ابنه فى العلم على الشيوخ، وسروره بذلك، وقيل: إنما تمنى له عمر ذلك رجاء أن يسر النبي ﷺ بإصابته، فيدعو له، فينفعه الله بدعائه".
-وفيه أن الابن الموفق أفضل مكاسب الدنيا

باب: خِصالُ الإيمانِ


٤٠. (خ م) (٣٥) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الإيمانُ (بِضعٌ وسَبعُونَ أوْ) بِضعٌ وسِتُّونَ شُعبَةً، (فَأَفضَلُها قَولُ: لا إلَهَ إلا اللهُ، وأَدناها إماطَةُ الأذى عَنِ الطَّرِيقِ)، والحَياءُ شُعبَةٌ مِن الإيمان».
-"أن نزع الأذى من الطريق من الأعمال الصالحة التى يرجى بها الغفران من الله تعالى" (ابن بطال).
-"فيه دليل أن طرح الشوك فى الطريق والحجارة والكناسة والمياه المفسدة للطرق وكل ما يؤذى الناس تخشى العقوبة عليه في الدنيا والآخرة" (ابن بطال)

٤١. (خ م) (٣٧) عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «الحَياءُ لا يَأتِي إلا بِخَيرٍ». فَقالَ بُشَيرُ بنُ كَعبٍ: إنَّهُ مَكتُوبٌ فِي الحِكمَةِ أنَّ مِنهُ وقارًا ومِنهُ سَكِينَةً. فَقالَ عِمرانُ: أُحَدِّثُكَ عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ وتُحَدِّثُنِي عَن صُحُفِكَ.
وفي رواية (م): «الحَياءُ خَيرٌ كُلُّهُ»، أو قالَ: «الحَياءُ كُلُّه خَيرٌ». فَقالَ بُشَيرُ بنُ كَعبٍ: إنّا لَنَجِدُ فِي بَعضِ الكُتُبِ أو الحِكمَةِ أن مِنه سَكِينةً ووَقارًا للهِ تَعالى، ومِنهُ ضَعفٌ. فَغَضِبَ عِمرانُ حَتى احمَرَّت عَيناهُ، وقالَ: ألا أُراني أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ وتُعارِضُ فِيهِ؟! قالَ: فَأَعادَ عِمرانُ الحَديثَ، قالَ: فَأَعادَ بُشَيرٌ، فَغَضِبَ عِمرانُ، فَما زِلنا نَقُولُ: إنَّهُ مِنّا يا أبا نُجَيْد، إنَّه لا بَأسَ بِهِ.
-"معناه أن من استحيا من الناس أن يروه يأتي الفجور ويرتكب المحارم، فذلك داعية له إلى أن يكون أشد حياء من ربه وخالقه، ومن استحيا من ربه فإن حياءه زاجر له عن تضييع فرائضه وركوب معاصيه؛ لأن كل ذى فطرة صحيحة يعلم أن الله تعالى النافع له والضار والرزاق والمحيي والمميت، فإذا علم ذلك فينبغى له أن يستحى منه ﷿" (ابن بطال).
-"وإنما غضب عمران بن حصين؛ لأن بشير بن كعب حدثه عن صحيفته فيما كان حدثه به عمران عن النبى ﵇؛ فهذا أصل أن الحجة إنما هى فى سنة رسول الله، لا فيما يروى عن كتب الحكمة؛ لأنه لا يدرى ما في حقيقتها" (ابن بطال)

٤٢. (خ م) (٣٦) عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄؛ سَمِعَ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلًا يَعِظُ أخاهُ فِي الحَياءِ، فَقالَ: «الحَياءُ مِن الإيمانِ».
وفي رواية (خ): وهُوَ يُعاتِبُ أخاهُ فِي الحَياءِ، يَقُولُ: إنَّكَ لَتَسْتَحْيِي، حَتّى كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ أضَرَّ بِكَ ...، وفِي رِوايَةِ (خ): «دَعْهُ فَإنَّ الحَياءَ مِنَ الإيمانِ».
-"الحياء من أسباب الإيمان وأخلاق أهله، وذلك أنه لما كان الحياء يمنع من الفواحش، ويحمل على الصبر والخير كما يمنع الإيمان صاحبه من الفجور، ويقيده عن المعاصى ويحمله على الطاعة صار كالإيمان؛ لمساواته له فى ذلك، وإن كان الحياء غريزة والإيمان فعل المؤمن، فاشتبها من هذه الجهة" (ابن بطال).
-"دلت هذه الآثار أن الحياء ليس بضار فى حالة من الأحوال ولا بمذموم" (ابن بطال)

٤٣. (خ م) (٤٨) عَنْ أبِي شُرَيْحٍ الخُزاعِيِّ ﵁؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «مَن كانَ يُؤمِنُ بِاللهِ واليَومِ الآخِرِ فَليُحسِن إلى جارِهِ، ومَن كانَ يُؤمِنُ بِاللهِ واليَومِ الآخِرِ فَليُكرِم ضَيفَهُ، ومَن كانَ يُؤمِنُ بِاللهِ واليَومِ الآخِرِ فَليَقُل خَيرًا أو لِيَسكُت».
ولَهُما مِن حَدِيثِ أبي هُرَيْرَةَ نَحوُهُ. وزادَ (خ) فِيهِ: «فَليصِل رَحِمَه».
-"يدلُّ على أنَّ هذه الخصال مِنْ خصال الإيمان، وقد سبق أنَّ الأعمال تدخلُ في الإيمان...وأعمال الإيمان تارة تتعلَّق بحقوق الله، كأداءِ الواجبات وترك المحرَّمات، ومِنْ ذلك قولُ الخير، والصمتُ عن غيره، وتارةً تتعلق بحقوق عبادِه كإكرامِ الضيف، وإكرامِ الجارِ، والكفِّ عن أذاه، فهذه ثلاثة أشياء يؤمر بها المؤمن"(ابن رجب).
-"أن من التزم شرائع الإسلام لزمه إكرام جاره وبره، وأمَر أهل الإيمان بذلك" (القاضي عياض).
-"ليس هناك كلام يستوي قولُه والصمت عنه، بل إمَّا أنْ يكون خيراً، فيكون مأموراً بقوله، وإمَّا أنْ يكون غير خير، فيكون مأموراً بالصمت عنه." (ابن رجب).
-"مَنْ كَانَ حَامِلَ الْإِيمَانِ فَهُوَ مُتَّصِفٌ بِالشَّفَقَةِ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ، قَوْلًا بِالْخَيْرِ وَسُكُوتًا عَنِ الشَّرِّ وَفِعْلًا لِمَا يَنْفَعُ أَوْ تَرْكًا لِمَا يَضُرُّ" (ابن حجر)

٤٤. (خ م) (٢٩٩٨) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «لا يُلدَغُ المُؤمِنُ مِن جُحرٍ واحِدٍ مَرَّتَينِ».
-"وفيه تنبيه عظيم للغافل وتأديب العاقل، وأن المراد إذا جرب الأذى من موضع أو وجه ما تنبه؛ حتى لا يعود إليه ثانية منه." (القاضي عياض)

باب: النَّهْيُ عَنِ الـمُنْكَرِ مِنَ الإيمانِ


٤٥. (م) (٤٩) عَنْ طارِقِ بْنِ شِهابٍ ﵁ قالَ: أوَّلُ مَن بَدَأَ بِالخُطبَةِ يَومَ العِيدِ قَبلَ الصَّلاةِ مَروانُ، فَقامَ إلَيهِ رَجُلٌ فَقالَ: الصَّلاةُ قَبلَ الخُطبَةِ. فَقالَ: قَد تُرِكَ ما هُنالِكَ. فَقالَ أبُو سَعِيدٍ: أمّا هَذا فَقَد قَضى ما عَلَيهِ، سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «مَن رَأى مِنكُم مُنكَرًا فَليُغَيِّرهُ بِيَدِهِ، فَإن لَم يَستَطِع فَبِلِسانِهِ، فَإن لَم يَستَطِع فَبِقَلبِهِ، وذَلكَ أضعَفُ الإيمانِ».
-"وَالْحَدِيثُ فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ إنْ اسْتَطَاعَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَبِاللِّسَانِ وَإِلَّا فَبِالْقَلْبِ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَانِ شَيْءٌ" (الشوكاني).
-"الأمرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المنكر من واجباتِ الإيمان، ودعائمِ الإسلام، بالكتابِ والسنة وإجماع الأمة" (القرطبي).
-"الحديث: أصل فى صفة تغيير المنكر، وعلمٌ على العلم فى عمله، فمن حق المغيّر أولاً أن يكون عالمًا بما يُغيّره، عارفًا بالمنكر من غيره، فقيهًا بصفة التغيير ودرجاته، فيغيره بكل وجه أمكنه زواله به، وغلبت على ظنه منفعة تغييره بمنزعه ذلك من فعل أو قول، فيكسر آلات الباطل، ويريق ظروف المسكر بنفسه، أو يأمر بقوله من يتولى ذلك، وينزع المغصوب من أيدى المتعمدين، بيده أو يأمر بأخذها منهم، ويمكّن منها أربابها، كل هذا إذا أمكنه" (القاضي عياض).
-"وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْبَابَ أَعْنِي بَابَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ قَدْ ضُيِّعَ أَكْثَرُهُ مِنْ أَزْمَانٍ مُتَطَاوِلَةٍ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ إِلَّا رُسُومٌ قَلِيلَةٌ جِدًّا، وَهُوَ بَابٌ عَظِيمٌ بِهِ قِوَامُ الأمر وملاكه، واذا كثر الخبث عَمَّ الْعِقَابُ الصَّالِحَ وَالطَّالِحَ، وَإِذَا لَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدِ الظَّالِمِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِعِقَابِهِ، فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، فَيَنْبَغِي لِطَالِبِ الْآخِرَةِ وَالسَّاعِي فِي تَحْصِيلِ رِضَا اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَعْتَنِيَ بِهَذَا الْبَابِ، فَإِنَّ نَفْعَهُ عَظِيمٌ لَا سِيَّمَا وَقَدْ ذَهَبَ معظمه، ويخلص نيته ولا يهابن مَنْ يُنْكِرُ عَلَيْهِ لِارْتِفَاعِ مَرْتَبَتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تعالى قال: "ولينصرن الله من ينصره"، وَقَالَ تَعَالَى: "وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صراط مستقيم"، وَقَالَ تَعَالَى: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا"، وَقَالَ تَعَالَى: "أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وليعلمن الكاذبين" (النووي).
-"وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَجْرَ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ، وَلَا يُتَارِكُهُ أَيْضًا لِصَدَاقَتِهِ وَمَوَدَّتِهِ وَمُدَاهَنَتِهِ وَطَلَبِ الْوَجَاهَةِ عِنْدَهُ وَدَوَامِ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْهِ؛ فَإِنَّ صَدَاقَتَهُ وَمَوَدَّتَهُ تُوجِبُ لَهُ حُرْمَةً وَحَقًّا، وَمَنْ حَقِّهِ أَنْ يَنْصَحَهُ وَيَهْدِيَهُ إِلَى مَصَالِحِ آخِرَتِهِ وَيُنْقِذهُ مِنْ مَضَارِّهَا، وَصَدِيقُ الْإِنْسَانِ وَمُحِبُّهُ هُوَ مَنْ سَعَى فِي عِمَارَةِ آخِرَتِهِ وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى نَقْصٍ فِي دُنْيَاهُ، وَعَدُوُّهُ مَنْ يَسْعَى فِي ذَهَابِ أَوْ نَقْصِ آخِرَتِهِ وَإِنْ حَصَلَ بِسَبَبِ ذَلِكَ صُورَةُ نَفْعٍ فِي دُنْيَاهُ، وَإِنَّمَا كَانَ إِبْلِيسُ عَدُوًّا لَنَا لِهَذَا، وَكَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ أَوْلِيَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ لِسَعْيِهِمْ فِي مَصَالِحِ آخِرَتِهِمْ وَهِدَايَتِهِمْ إِلَيْهَا، وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْكَرِيمَ تَوْفِيقَنَا وَأَحْبَابَنَا وَسَائِرَ الْمُسْلِمِينَ لِمَرْضَاتِهِ وَأَنْ يَعُمَّنَا بِجُودِهِ وَرَحْمَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ".
-"وَيَنْبَغِي لِلْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِي عَنِ الْمُنْكَرِ أَنْ يَرْفُقَ لِيَكُونَ أَقْرَبَ إِلَى تَحْصِيلِ الْمَطْلُوبِ

٤٦. (م) (٥٠) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «ما مِن نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أُمَّةٍ قَبلِي إلا كانَ لَهُ مِن أُمَّتِهِ حَوارِيُّونَ وأَصحابٌ، يَأخُذُونَ بِسُنَّتِهِ، ويَقتَدُونَ بِأَمرِهِ، ثُمَّ إنَّها تَخلُفُ مِن بَعدِهِم خُلُوفٌ، يَقُولُونَ ما لا يَفعَلُونَ، ويَفعَلُونَ ما لا يُؤمَرُونَ، فَمَن جاهَدَهُم بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤمِنٌ، ومَن جاهَدَهُم بِلِسانِهِ فَهُوَ مُؤمِنٌ، ومَن جاهَدَهُم بِقَلبِهِ فَهُوَ مُؤمِنٌ، ولَيسَ وراءَ ذَلكَ مِنَ الإيمانِ حَبَّةُ خَردَلٍ».
وفي رواية: «ما كانَ مِن نَبِيٍّ إلا وقَد كانَ لَهُ حَوارِيُّونَ يَهتَدُونَ بِهَديِهِ، ويَستَنُّونَ بِسُنَّتِهِ».
-"دلَّت هذه الأحاديثُ كلُّها على وُجُوبِ إنكارِ المنكر بحسب القُدرة عليه، وأنَّ إنكارَه بالقلب لابدَّ منه، فمن لم يُنْكِرْ قلبُه المنكرَ، دلَّ على ذَهابِ الإيمانِ مِنْ قلبِه" (ابن رجب)

باب: الدِّينُ النَّصِيحَةُ


٤٧. (م) (٥٥) عَنْ تَمِيمٍ الدّارِيِّ ﵁؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»، قُلنا: لِمَن؟ قالَ: «للهِ ولِكِتابِهِ ولِرَسُولِهِ ولأَئِمَّةِ المُسلِمِينَ وعامَّتِهِم».
-"هَذَا حَدِيثٌ عَظِيمُ الشَّأْنِ وَعَلَيْهِ مَدَارُ الْإِسْلَامِ" (النووي).
-"معنى هذا الباب: أن النصيحة تسمى دينًا وإسلامًا، وأن الدين يقع على العمل كما يقع على القول" (ابن بطال).
-"والنصيحة فرض يجزئ فيه من قام به، ويسقط عن الباقين، والنصيحة لازمة على قدر الطاقة، إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه ويطاع أمره، وأمن على نفسه المكروه، وأما إن خشى الأذى فهو في سعة منها" (ابن بطال).
-"فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مِنَ الدِّينِ النُّصْحَ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا أَوْجَبَ مَا يَكُونُ فَكُلُّ مَنْ وَاكَلَهُمْ وَجَالَسَهُمْ وَكُلُّ مَنْ أَمْكَنَهُ نُصْحَ السُّلْطَانِ لَزِمَهُ ذَلِكَ إِذَا رَجَا أَنْ يُسْمَعَ مِنْهُ" (ابن عبد البر)

باب: الإيمانُ يَأْرِزُ إلى الـمَدِينَةِ والإيمانُ يَمانٍ


٤٨. (خ م) (١٤٧) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «إنَّ الإيمانَ لَيَأرِزُ إلى المَدِينَةِ كَما تَأرِزُ الحَيَّةُ إلى جُحرِها».
-"فيه أن المدينة لا يأتيها إلا مؤمن، وإنما يسوقه إليها إيمانه ومحبته في رسول الله ﷺ، فكأن الإيمان يرجع إليها كما خرج منها أولًا، ومنها انتشر كانتشار الحية من جحرها، ثم إذا راعها شيء رجعت إلى جحرها، فكذلك الإيمان إذا دخلته الدواخل لم يقصد المدينة إلا مؤمن كامل الإيمان" (ابن الملقن نقلاً عن المهلب).
-"شبه الإيمان وفرار الناس من آفات المخالفين والتجاءهم إلى المدينة بانضمام الحية في حجرها ولعل هذه الدابة أشد فراراً وانضماماً من غيرها، فشبه بها بمجرد هذا المعنى، فإن المماثلة يكفي في اعتبارها بعض الأوصاف" (الطيبي).
-"وفيه أن الإيمان يزيد وينقص" (المناوي).
-"الإيمان والدين إذا لم يعزه أحدٌ في سائر البلاد، يلتجئ ويَفِرُّ إلى المدينة، لأنه وطنه، لأن الإسلام ظهر وقوي في المدينة؛ يعني: لو لم يبقَ الإيمان في غير المدينة من البلاد لبقي في المدينة" (المظهري).
-"وهذا منه ﷺ إخبار بما كان في عصره وعصر من يليه من أصحابه وتابعيهم، من حيث إنّ المدينة دار هجرتهم ومقامهم، ومقصدهم وموضع رحلتهم في طلب العلم والدين، ومرجعهم فيما يحتاجون إليه من مهمّات دينهم ووقائعهم، حتّى لقد حصل للمدينة من الخصوصيّة بذلك ما لا يوجد في غيرها" (القرطبي).
-"وفيه حجّة على صحّة مذهب مالك في تمسُّكه بعمل أهل المدينة وكونِه حجّةً شرعيّة".

٤٩. (خ م) (٥٢) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «جاءَ أهلُ اليَمَنِ، هُم أرَقُّ أفئِدَةً وأَضعَفُ قُلُوبًا، الإيمانُ يَمانٍ، والحِكمَةُ يَمانِيَةٌ، السَّكِينَةُ فِي أهلِ الغَنَمِ، والفَخرُ والخُيَلاءُ فِي الفَدّادِينَ أهلِ الوَبَرِ قِبَلَ مَطلِعِ الشَّمسِ». وفي رواية: «والفِقهُ يَمانٍ».
وفي رواية: «رَأسُ الكُفرِ نَحوَ المَشرِقِ، والفَخرُ والخُيَلاءُ فِي أهلِ الخَيلِ والإبِلِ».
ورَوى (م) عَنْ جابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «غِلَظُ القُلُوبِ والجَفاءُ فِي المَشرِقِ، والإيمانُ فِي أهلِ الحِجازِ».
-"وبالجملة ففي هؤلاء كلهم من الخيلاء والكبر ما قال بسبب كثرة المال، ومن الجفاء والغلظة والقسوة بسبب التبدِّي، والاشتغال بأموالهم وحبِّها والإقبال عليها عن التفقه فى دين الله تعالى، والاهتبال بمصالح دنياهم وأخراهم، وقد يكون القسوة والجفاء من طبيعة هؤلاء الذين أشار النبى ﷺ إليهم، ويكون وصفهم بكونهم أصحاب إبل للتعريف بهم والتعيين لهم" (القاضي عياض).
-"في هذا الحديث دليل على ترجيح فقه أهل الحجاز وأهل المدينة، وترجيح فقه مالك ﵀ وهو يماني النسب يماني البلد، والمدينة دار أهل اليمن الذين نسب إليهم النبي ﷺ الفقه والحكمة".
-"فإن صفاء القلب ورقته ولين جوهره يؤدي إلى عرفان الحق والتصديق به، وهو الإيمان والانقياد لما يوجبه ويقتضيه، والتيقظ والإيقان فيما يذره ويأتيه، وهو الحكمة" (الطيبي).
-"فإن الرقة مقابلة للغلظة، واللين مقابل للشدة والقسوة، فوصفت أولاً: بالرقة، ليشير إلى التخلق مع الناس وحسن المعاشرة مع الأهل والاخوان، قال الله تعالى: (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) وثانياً: باللين ليؤذن بأن الآيات النازلة والدلائل المنصوبة ناجعة فيها، وصاحبها مقيم على التعظيم لأمر الله".
-"قوله: (والخيلاء في أصحاب الإبل): تخصيص الخيلاء بأصحاب الإبل، والوقار بأهل الغنم، يدل على أن مخالطة الحيوان مما يؤثر في النفس، وتعدي إليها هيئات وأخلاقاً تناسب طباعها، وتلائم أحوالها".
-"قوله: (رأس الكفر نحو المشرق) نحوه: (رأس الأمر الإسلام) أي ظهور الكفر من قبل المشرق".
-المراد باختصاص المشرق به مزيد تسلط الشيطان على أهل المشرق، وكان ذلك في عهده صلى الله عليه وسلم، ويكون حين يخرج الدجال من المشرق، فإنه منشأ الفتن العظيمة، ومثار الكفرة الترك".
-"وقوله: ((الإيمان يمان والحكمة يمانية)) يشمل حسن المعاملة مع الله تعالى، والمعاشرة مع الناس"

٥٠. (خ م) (٥١) عَنْ أبِي مَسْعُودٍ ﵁ قالَ: أشارَ النَّبِيُّ ﷺ بِيَدِهِ نَحوَ اليَمَنِ، فَقالَ: «ألا إنَّ الإيمانَ هَهُنا، وإنَّ القَسوَةَ وغِلَظَ القُلُوبِ فِي الفَدّادِينَ عِنْدَ أُصُولِ أذنابِ الإبِلِ، حَيثُ يَطلُعُ قَرنا الشَّيطانِ فِي رَبِيعَةَ ومُضَرَ».
-"وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ اخْتِصَاصُ الْمَشْرِقِ بِمَزِيدٍ مِنْ تَسَلُّطِ الشَّيْطَانِ وَمِنَ الْكُفْرِ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ رَأْسُ الْكُفْرِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي عَهْدِهِ ﷺ حِينَ قَالَ ذَلِكَ، وَيَكُونُ حِينَ يَخْرُجُ الدَّجَّالُ مِنَ الْمَشْرِقِ، وَهُوَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مَنْشَأُ الْفِتَنِ الْعَظِيمَةِ وَمَثَارُ الْكَفَرَةِ التُّرْكِ الْغَاشِمَةِ الْعَاتِيَةِ الشَّدِيدَةِ الْبَأْسِ" (النووي).
-فيه فوائد:
-"(منها): بيان تفاضل أهل الإيمان فيه".
-"(ومنها): بيان فضل أهل اليمن، لرجحانهم في قوّة الإيمان".
-"(ومنها): ذمّ أهل المشرق، وبيان تسلّط الشيطان عليهم، ثم إن ذمّ هؤلاء، ومدح أهل اليمن محمول في ذلك الوقت، حيث استجاب أهل اليمن لدعوة الإسلام، وتمرّد أهل المشرق من ربيعة ومضر، وليس عامًّا في كلّ زمان، فقد ظهر في كلّ منهما ما يخالف وصفهم المذكور، كما لا يخفى على من تتبع التواريخ".
-"(ومنها): ذمّ قسوة القلوب وغِلَظِها، وأن سبب ذلك هو الانهماك في الشهوات، واستيلاء حبّ الدنيا على القلوب، فينيغي للمسلم أن يبتعد مما يكون سببًا لقسوة قلبه، ويكثر من ذكر الله تعالى، وذكر الموت والبلى، فإن ذلك يخرج حبّ الدنيا منه" (البحر المحيط الثجاج)

باب: فِـي خِصالِ النِّفاقِ


٥١. (خ م) (٥٨) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ﵄ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أربَعٌ مَن كُنَّ فِيهِ كانَ مُنافِقًا خالِصًا، ومَن كانَت فِيهِ خَلَّةٌ مِنهُنَّ كانَت فِيهِ خَلَّةٌ مِن نِفاقٍ حَتّى يَدَعَها: إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا عاهَدَ غَدَرَ، وإذا وعَدَ أخلَفَ، وإذا خاصَمَ فَجَرَ».
-"معنى هذا الباب كالأبواب المتقدمة قبله: أن تمام الإيمان بالأعمال، وأنه يدخل على المؤمن النقص فى إيمانه بالكذب، وخلف الوعد، وخيانة الأمانة، والفجور فى الخصام، كما يزيد إيمانه بأفعال البر" (ابن بطال).
-"الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ خِصَالُ نِفَاقٍ وَصَاحِبُهَا شَبِيهٌ بالمنافقين فِي هَذِهِ الْخِصَالِ وَمُتَخَلِّقٌ بِأَخْلَاقِهِمْ، فَإِنَّ النِّفَاقَ هُوَ إِظْهَارُ مَا يُبْطِنُ خِلَافَهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي صَاحِبِ هَذِهِ الْخِصَالِ، وَيَكُونُ نِفَاقُهُ فِي حَقِّ مَنْ حَدَّثَهُ وَوَعَدَهُ وَائْتَمَنَهُ وَخَاصَمَهُ وَعَاهَدَهُ مِنَ النَّاسِ، لَا أَنَّهُ مُنَافِقٌ فِي الْإِسْلَامِ فَيُظْهِرُهُ وَهُوَ يُبْطِنُ الْكُفْرَ" (النووي)

٥٢. (خ م) (٥٩) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «آيَةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ: إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وعَدَ أخلَفَ، وإذا ائتُمِنَ خانَ».
وفي رواية (م): «وإن صامَ وصَلّى وزَعَمَ أنَّهُ مُسلِمٌ».
-"وإنما خص هذه الثلاثة بالذكر؛ لأنها مشتملة على المخالفة التي عليها مبنى النفاق، من مخالفة السر والعلن" (الطيبي).
-"حصل من مجموع الروايتين أن خصال المُنافق خمس: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، وإن كانت الخصلة الرابعة داخلة في الثالثة؛ لأن الغدر خيانة ممن ائتمن عليه من عهده، ولا مُنافاة بين الروايتين، فإن الشيء الواحد يكون له علامات كل واحدة منها تحصل بها صفته، ثم قد تكون تلك العلامة شيئًا واحدًا وقد تكون أشياء" (ابن الملقن)

باب: تَرْكُ الصَّلاةِ كُفْرٌ


٥٣. (م) (٨١) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إذا قَرَأَ ابنُ آدَمَ السَّجدَةَ فَسَجَدَ اعتَزَلَ الشَّيطانُ يَبكِي يَقُولُ: يا ويلَهُ، أُمِرَ ابنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الجَنَّةُ، وأُمِرتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيتُ فَلِيَ النّارُ».
-"وفيه بيان فضيلة السجدة ودليل على كفر إبليس" (المناوي).
-"وبكاءُ إبليسَ المذكورُ في الحديث: ليس ندمًا على معصية، ولا رجوعًا عنها، وإنَّما ذلك لفرطِ حَسَده وغيظِهِ وألمِهِ مما أصابه مِن دخولِ أحدٍ من ذُرِّيَّةِ آدم الجنَّةَ ونجاتِهِ، وذلك نحو ما يعتريه عند الأذانِ والإقامةِ ويومِ عرفة" (القرطبي)

٥٤. (م) (٨٢) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «بَينَ الرَّجُلِ وبَينَ الشِّركِ والكُفرِ تَركُ الصَّلاةِ».
-"فيه دليل لمن كفَّر تارك الصلاة من السلف والعلماء وإن كان معتقداً وجوبها" (القاضي عياض).
-"مَقْصُودُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ... أَنَّ مِنَ الْأَفْعَالِ مَا تَرْكُهُ يُوجِبُ الْكُفْرَ إِمَّا حَقِيقَةً وَإِمَّا تَسْمِيَةً" (النووي).
-"وَمَعْنَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشِّرْكِ تَرْكُ الصَّلَاةِ: أَنَّ الَّذِي يَمْنَعُ مِنْ كُفْرِهِ كَوْنُهُ لَمْ يَتْرُكِ الصَّلَاةَ فَإِذَا تَرَكَهَا لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشِّرْكِ حَائِلٌ بَلْ دَخَلَ فِيهِ".
-"إِنَّ الشِّرْكَ وَالْكُفْرَ قَدْ يُطْلَقَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الْكُفْرُ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فَيُخَصُّ الشِّرْكُ بِعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ مَعَ اعْتِرَافِهِمْ بِاللَّهِ تَعَالَى كَكُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَيَكُونُ الْكُفْرُ أَعَمُّ مِنَ الشِّرْكِ"

٥٥. (خ) (٣٩١) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن صَلّى صَلاتَنا، واستَقبَلَ قِبلَتَنا، وأَكَلَ ذَبِيحَتَنا فَذَلكَ المُسلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللهِ وذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلا تُخفِرُوا اللهَ فِي ذِمَّتِهِ».
وفي رواية موقوفة: وأَكَلَ ذَبِيحَتَنا، فَهُوَ المُسلِمُ، لَهُ ما لِلمُسلِمِ، وعَلَيهِ ما عَلى المُسلِمِ.
-"هذا يدل على تعظيم شأن القبلة وهي من فرائض الصلاة، والصلاة أعظم قربات الدين، ومن ترك القبلة متعمدًا فلا صلاة له، ومن لا صلاة له فلا دين له" (ابن بطال).
-"أكل ذبيحة المسلمين، فيه إشارة إلى أنه لا بد من التزام جميع شرائع الإسلام الظاهرة، ومن أعظمها أكل ذبيحة المسلمين، وموافقتهم في ذبيحتهم، فمن امتنع من ذلك فليس بمسلم" (ابن رجب)

باب: نَـفْيُ الإيـمَـانِ والـمُرادُ نَفْيُ كَمالِهِ


٥٦. (خ م) (٥٧) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ إنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «لا يَزنِي الزّانِي حِينَ يَزنِي وهُوَ مُؤمِنٌ، ولا يَسرِقُ السّارِقُ حِينَ يَسرِقُ وهُوَ مُؤمِنٌ، ولا يَشرَبُ الخَمرَ حِينَ يَشرَبُها وهُوَ مُؤمِنٌ». وكانَ أبُو هُرَيْرَةَ يُلحِقُ مَعَهُنَّ: «ولا يَنتَهِبُ نُهبَةً ذاتَ شَرَفٍ يَرفَعُ النّاسُ إلَيهِ فِيها أبصارَهُم حِينَ يَنتَهِبُها وهُوَ مُؤمِنٌ». وفي رواية زاد: «والتَّوبةُ مَعرُوضَةٌ بَعدُ».
وفي رواية (م): «ولا يَغُلُّ أحدكم حين يَغُلُّ وهو مؤمن، فإياكم إياكم».
٥٧. (م) (٤٦) عَن أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «لا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَن لا يَأمَنُ جارُهُ بَوائِقَهُ». رَوى (خ) مَعناهُ عَن أبِي شُرَيحٍ ﵁. لَفظُ (خ): عَن أبِي شُريحٍ؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ»، قِيلَ: ومَن يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: «الَّذِي لا يَأْمَنُ جارُهُ بَوايِقَهُ».

باب: فِـي النَّهْي عَنْ لَعْنِ الـمُعَيَّـنِ


٥٨. (خ) (٦٧٨٠) عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ ﵁؛ أنَّ رَجُلًا عَلى عَهدِ النَّبِي ﷺ كانَ اسمُهُ عَبدَ اللهِ، وكانَ يُلَقَّبُ حِمارًا، وكانَ يُضحِكُ رَسُولَ اللهِ ﷺ، وكانَ النَّبِي ﷺ قَد جَلَدَهُ فِي الشَّرابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَومًا، فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقالَ رَجُلٌ مِن القَومِ: اللَّهُمَّ العَنهُ، ما أكثَرَ ما يُؤتى بِهِ. فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لا تَلعَنُوهُ، فَوَ اللهِ ما عَلِمتُ؛ إنَّهُ يُحِبُّ اللهَ ورَسُولهُ».

باب: إطلاقُ اسمِ الكُفرِ عَلى ما دُونَ الكُفرِ الـمُخرِجِ مِن الـمِلَّةِ


٥٩. (خ م) (٦٦) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ﵄؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ؛ أنَّهُ قالَ فِي حَجَّةِ الوَداعِ: «ويحَكُم» أو قالَ: «ويلَكُم؛ لا تَرجِعُوا بَعدِي كُفّارًا يَضرِبُ بَعضُكُم رِقابَ بَعضٍ». ورَوى (خ) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ نَحْوَهُ، بِلَفْظِ: «لا تَرْتَدُّوا بَعْدِي ...».
٦٠. (خ م) (٦٢) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ يَقُولُ: إنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «لا تَرغَبُوا عَن آبائِكُم، فَمَن رَغِبَ عَن أبِيهِ فَهُوَ كُفرٌ».
٦١. (خ م) (٦٣) عَنْ أبِي عُثْمانَ قالَ: (لَمّا ادُّعِيَ زِيادٌ لَقِيتُ أبا بَكْرَةَ فَقُلتُ لَهُ: ما هَذا الَّذِي صَنَعتُم؟) إنِّي سَمِعتُ سَعدَ بنَ أبِي وقّاصٍ يَقُولُ: سَمِعَ أُذُنايَ مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ وهُوَ يَقُولُ: «مَن ادَّعى أبًا (فِي الإسلامِ) غَيرَ أبِيهِ يَعلَمُ أنَّهُ غَيرُ أبِيهِ فالجَنَّةُ عَلَيهِ حَرامٌ». فَقالَ أبُو بَكْرَةَ: وأَنا سَمِعتُهُ مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ.
ورَوى (خ) عَنْ إبْراهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ لِصُهَيْبٍ: اتَّقِ اللهَ ولا تَدَّعِ إلى غَيْرِ أبِيكَ. فَقالَ صُهَيْبٌ: ما يَسُرُّنِي أنَّ لِي كَذا وكَذا وأَنِّي قُلْتُ ذَلِكَ، ولَكِنِّي سُرِقْتُ وأَنا صَبِيٌّ.
٦٢. (خ م) (٦١) عَنْ أبِي ذَرٍّ ﵁؛ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «لَيسَ مِن رَجُلٍ ادَّعى لِغَيرِ أبِيهِ وهُوَ يَعلَمُهُ إلا كَفَرَ؛ ومَن ادَّعى ما لَيسَ لَهُ فَلَيسَ مِنّا، وليَتَبَوَّأ مَقعَدَهُ مِن النّارِ، ومَن دَعا رَجُلًا بِالكُفرِ أو قالَ: عَدُوَّ اللهِ. ولَيسَ كَذَلكَ إلا حارَ عَلَيهِ».
وفي رواية (خ): «ومَن ادّعى قَومًا لَيسَ لَهُ فِيهِم نَسَبٌ فَليَتَبَوَّأ مَقعَدَهُ مِنَ النّارِ». وفي رواية (خ): «لا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلًا بِالفُسُوقِ ولا يَرْمِيهِ بِالكُفْرِ إلّا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ صاحِبُهُ كَذَلِكَ».
٦٣. (خ م) (٦٠) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «إذا كَفَّرَ الرَّجُلُ أخاهُ فَقَد باءَ بِها أحَدُهُما». وفي رواية (م) زادَ: «إن كانَ كَما قالَ وإلّا رَجَعَتْ عَلَيهِ».
٦٤. (خ م) (٧١) عَنْ زَيْدِ بْنِ خالِدٍ الجُهَنِيِّ ﵁ قالَ: صَلّى بِنا رَسُولُ اللهِ ﷺ صَلاةَ الصُّبحِ بِالحُدَيبِيَةِ فِي إثرِ السَّماءِ كانَت مِن اللَّيلِ، فَلَمّا انصَرَفَ أقبَلَ عَلى النّاسِ فَقالَ: «هَل تَدرُونَ ماذا قالَ رَبُّكُم؟» قالُوا: اللهُ ورَسُولُهُ أعلَمُ. قالَ: «قالَ: أصبَحَ مِن عِبادِي مُؤمِنٌ بِي وكافِرٌ؛ فَأَمّا مَن قالَ: مُطِرنا بِفَضلِ اللهِ ورَحمَتِهِ. فَذَلكَ مُؤمِنٌ بِي كافِرٌ بِالكَوكَبِ، وأَمّا مَن قالَ: مُطِرنا بِنَوءِ كَذا وكَذا. فَذَلكَ كافِرٌ بِي مُؤمِنٌ بِالكَوكَبِ».
ورَوى (م) عن أبي هُرَيْرَةَ؛ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ قال: «ألَم تَرَوا إلى ما قال ربُّكُم؟ قال: ما أنعَمتُ على عِبادِي من نِعمَةٍ إلا أصبَحَ فَرِيقٌ مِنهُم بها كافِرِينَ، يقولون: الكَواكِبُ وبِالكَواكِبِ».
ورَوى (م) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ نحوه وفيه: فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أصبَحَ مِنَ النّاسِ شاكِرٌ ومنهم كافِرٌ ...»، وفِيهِ: قالَ: فَنَزَلت هذِهِ الآيةُ: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ﴾، حَتى بَلَغَ: ﴿وتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾.
٦٥. (خ م) (٦٤) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «سِبابُ المُسلِمِ فُسُوقٌ، وقِتالُهُ كُفرٌ». وفي رواية (خ): عَن زُبَيْدٍ قالَ: سَأَلتُ أبا وائلٍ عَنِ المُرجِئةِ؟ فقال: حَدَّثَنِي عبدُ اللهِ ... فذكره.
٦٦. (م) (٦٧) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اثنَتانِ فِي النّاسِ هُما بِهِم كُفرٌ: الطَّعنُ فِي النَّسَبِ، والنِّياحَةُ عَلى المَيِّتِ».
٦٧. (م) (٦٨) عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «أيُّما عَبدٍ أبَقَ مِن مَوالِيهِ فَقَد كَفَرَ حَتّى يَرجِــعَ إلَيهِم». وفي رواية: «أيُّما عَبدٍ أبَقَ فَقَد بَرِئَت مِنهُ الذِّمَّة».
٦٨. (م) (٧٠) عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «إذا أبَقَ العَبدُ لَم تُقبَل لَهُ صَلاةٌ».

باب: الرِّياءُ مِنَ الشِّرْكِ وهُوَ دُونَ الأَكْبَرِ


٦٩. (م) (٢٩٨٥) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «قال اللهُ تَبارَكَ وتَعالى: أنا أغنى الشُّرَكاءِ عَنِ الشِّركِ، مَن عَمِلَ عَمَلًا أشرَكَ فِيهِ مَعِي غَيرِي تَرَكتُهُ وشِركَهُ».

باب: الشِّرْكُ أكْبَرُ الذُّنُوبِ وذِكْرُ الكَبائِرِ والـمُوبِقاتِ


٧٠. (خ م) (٨٦) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁؛ قالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللهِ؛ أيُّ الذَّنبِ أكبَرُ عِنْدَ اللهِ؟ قالَ: «أن تَدعُوَ للهِ نِدًّا وهُوَ خَلَقَكَ». قالَ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: «أن تَقتُلَ ولَدَكَ مَخافَةَ أن يَطعَمَ مَعَكَ». قالَ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: «أن تُزانِيَ حَلِيلَةَ جارِكَ»، فَأَنزَلَ اللهُ ﷿ تَصدِيقَها: ﴿والَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ ولا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلاَّ بِالحَقِّ ولا يَزْنُونَ ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أثامًا [الفرقان: ٦٨].
٧١. (خ م) (٩٢) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن ماتَ يُشرِكُ باللهِ شَيئًا دَخَلَ النّارَ». وقُلتُ أنا: ومَن ماتَ لا يُشرِكُ باللهِ شَيئًا دَخَلَ الجَنَّةَ. ورَوى (م) عَن جابرٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: أتى النَّبيَّ ﷺ رَجُلٌ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ ما المُوجِبَتانِ؟ قالَ: «مَن ماتَ لا يُشرِكُ باللهِ شيئًا دَخَلَ الجَنَّةَ، ومَن ماتَ يُشرِكُ بِاللهِ شيئًا دَخَلَ النّارَ».
٧٢. (خ م) (٨٩) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «اجتَنِبُوا السَّبعَ المُوبِقاتِ». قِيلَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ وما هُنَّ؟ قالَ: «الشِّركُ بِاللهِ، والسِّحرُ، وقَتلُ النَّفسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إلا بِالحَقِّ، وأَكلُ مالِ اليَتِيمِ، وأَكلُ الرِّبا، والتَّوَلِّي يَومَ الزَّحفِ، وقَذفُ المُحصناتِ الغافِلاتِ المُؤمِناتِ».
٧٣. (خ م) (٨٨) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ الكَبائِرَ أو سُئِلَ عَنِ الكَبائِرِ فَقالَ: «الشِّركُ بِاللهِ، وقَتلُ النَّفسِ، وعُقُوقُ الوالِدَينِ»، وقالَ: «ألا أُنَبِّئُكُم بِأَكبَرِ الكَبائِرِ، قالَ: قَولُ الزُّورِ أو قالَ: شَهادَةُ الزُّورِ».
ولَهُما عَنْ أبِي بَكرَةَ ﵁ قالَ: كُنّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقالَ: «ألا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبائِرِ...» نَحْوُهُ دُونَ قَتْلِ النَّفْسِ. ورَوى (خ) عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ﵄ نحوَهُ، وزادَ: «واليَمِينُ الغَمُوسُ». قُلتُ: وما اليَمِينُ الغَمُوسُ؟ قالَ: «الذِي يقتَطِعُ مالَ امرِئٍ مُسلِمٍ، هُوَ فِيها كاذِبٌ».
٧٤. (خ م) (٩٠) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ ﵄؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «مِن الكَبائِرِ شَتمُ الرَّجُلِ والِدَيهِ». قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ؛ وهَل يَشتِمُ الرَّجُلُ والِدَيهِ؟ قالَ: «نَعَم؛ يَسُبُّ أبا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أباهُ، ويَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ». لَفظُ (خ): «إنَّ مِن أكْبَرِ الكَبائِرِ أنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ والِدَيْهِ».

باب: قوله ﷺ: «لَعَنَ اللهُ مَن ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ»


٧٥. (م) (١٩٧٨) عَنْ أبِي الطُّفَيْلِ عامِرِ بْنِ واثِلَةَ ﵁ قالَ: كُنتُ عِنْدَ عَلِيِّ ابْنِ أبِي طالِبٍ، فَأَتاهُ رَجُلٌ فَقالَ: ما كانَ النَّبِيُّ ﷺ يُسِرُّ إلَيكَ؟ قالَ: فَغَضِبَ وقالَ: ما كانَ النَّبِيُّ ﷺ يُسِرُّ إلَيَّ شَيئًا يَكتُمُهُ النّاسَ، غَيرَ أنَّهُ قَد حَدَّثَنِي بِكَلِماتٍ أربَعٍ. قالَ: فَقالَ: ما هُنَّ يا أمِيرَ المُؤمِنِينَ؟ قالَ: قالَ: «لَعَنَ اللهُ مَن لَعَنَ والِدَهُ، ولَعَنَ اللهُ مَن ذَبَحَ لِغَيرِ اللهِ، ولَعَنَ اللهُ مَن آوى مُحدِثًا، ولَعَنَ اللهُ مَن غَيَّرَ مَنارَ الأَرضِ». وفي رواية: «ولَعَنَ اللهُ مَن سَرَقَ مَنارَ الأَرضِ».

باب: قَوْلِهِ ﷺ: «حَرَّمَ عَلَيْهِ الجَنَّةَ، أوْ: لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ»


٧٦. (م) (١٣٧) عَنْ أبِي أُمامَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «مَنِ اقتَطَعَ حَقَّ امرِئٍ مُسلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَد أوجَبَ اللهُ لَهُ النّارَ وحَرَّمَ عَلَيهِ الجَنَّةَ». فَقالَ لَهُ رَجُلٌ: وإن كانَ شَيئًا يَسِيرًا يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: «وإن قَضِيبًا مِن أراكٍ».
٧٧. (م) (٩١) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «لا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ فِي قَلبِهِ مِثقالَ ذَرَّةٍ مِن كِبرٍ». قالَ رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أن يَكُونَ ثَوبُهُ حَسَنًا، ونَعلُهُ حَسَنَةً، قالَ: «إنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبرُ بَطَرُ الحَقِّ وغَمطُ النّاسِ».
٧٨. (م) (٢٦٢٠) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وأَبِي هُرَيْرَةَ ﵄ قالا: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «العِزُّ إزارُهُ، والكِبرِياءُ رِداؤُهُ، فَمَن يُنازِعُنِي عَذَّبتُهُ».
٧٩. (م) (٩١) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁؛ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لا يَدخُلُ النّارَ أحَدٌ فِي قَلبِهِ مِثقالَ حَبَّةِ خَردَلٍ مِن إيمانٍ، ولا يَدخُلُ الجَنَّةَ أحَدٌ فِي قَلبِهِ مِثقالَ حَبَّةِ خَردَلٍ مِن كِبرياءَ».

باب: ما بَرِئَ مِنهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ أوْ قالَ فِيهِ: «فَلَيْسَ مِنّا»


٨٠. (خ م) (٩٨) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «مَن حَمَلَ عَلَينا السِّلاحَ فَلَيسَ مِنّا». ورَوى (م) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ مِثلَهُ، وزادَ: «ومَن غَشَّنا فَلَيسَ مِنّا».
٨١. (خ م) (١٠٣) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَيسَ مِنّا مَن ضَرَبَ الخُدُودَ، وشَقَّ الجُيُوبَ، ودَعا بِدَعوى الجاهِلِيَّةِ».
٨٢. (م) (١٠٢) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ مَرَّ عَلى صُبرَةِ طَعامٍ، فَأَدخَلَ يَدَهُ فِيها، فَنالَت أصابِعُهُ بَلَلًا، فَقالَ: «ما هَذا يا صاحِبَ الطَّعامِ؟» قالَ: أصابَتهُ السَّماءُ يا رَسُولَ اللهِ. قالَ: «أفَلا جَعَلتَهُ فَوقَ الطَّعامِ كَي يَراهُ النّاسُ؟ مَن غَشَّ فَلَيسَ مِنِّي».
٨٣. (م) (١٠٤) عَنْ أبِي بُرْدَةَ قالَ: وجِعَ أبُو مُوسى ﵁ وجَعًا، فَغُشِيَ عَلَيهِ، ورَأسُهُ فِي حَجرِ امرَأَةٍ مِن أهلِهِ، فَصاحَت امرَأَةٌ مِن أهلِهِ، فَلَم يَستَطِع أن يَرُدَّ عَلَيها شَيئًا، فَلَمّا أفاقَ قالَ: أنا بَرِيءٌ مِمّا بَرِئَ مِنهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَإنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ بَرِئَ مِنَ الصّالِقَةِ والحالِقَةِ والشّاقَّةِ.
وروى عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ وأَبِي بُردَةَ بْنِ أبِي مُوسى قالا: أُغمِيَ عَلى أبِي مُوسى، وأَقبَلَتِ امرَأَتُهُ أُمُّ عَبدِ اللهِ تَصِيحُ بِرَنَّةٍ، قالا: ثُمَّ أفاقَ، قالَ: ألَم تَعلَمِي؟ وكانَ يُحَدِّثُها أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «أنا بَرِيءٌ مِمَّن حَلَقَ، وسَلَقَ، وخَرَقَ». وفي رواية: «لَيس مِنّا»، ولم يَقُل: «بَرِيء».
٨٤. (خ) (٤٢٦٧) عَنِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ ﵄ قالَ: أُغمِيَ عَلى عَبْدِ اللهِ بْنِ رَواحَةَ ﵁ فَجَعَلَت أُختُهُ عَمْرَةُ تَبكِي: وا جَبَلاه، وا كَذا وا كَذا. تُعَدِّدُ عَلَيهِ، فَقالَ حِينَ أفاقَ: ما قلت شَيئًا إلا قِيلَ لِي: آنتَ كَذَلكَ؟

١ قال عنهم النبي ﷺ: ((لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق ..))؟

٦/٠