باب: ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيامَةِ


٨٥. (خ م) (١٠٨) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ثَلاثٌ لا يُكَلِّمُهُم اللهُ يَومَ القِيامَةِ، ولا يَنظُرُ إلَيهِم، ولا يُزَكِّيهِم، ولَهُم عَذابٌ ألِيمٌ: رَجُلٌ عَلى فَضْلِ ماءٍ بِالفَلاةِ يَمنَعُهُ مِن ابْنِ السَّبِيلِ، ورَجُلٌ بايَعَ رَجُلًا بِسِلعَةٍ بَعدَ العَصرِ فَحَلَفَ لَهُ باللهِ لأَخَذَها بِكَذا وكَذا، فَصَدَّقَهُ وهُوَ عَلى غَيرِ ذَلكَ، ورَجُلٌ بايَعَ إمامًا، لا يُبايِعُهُ إلا لِدُنيا، فَإن أعطاهُ مِنها وفى، وإن لَم يُعطِهِ مِنها لَم يَفِ».
وفي رواية (خ): «رَجُلٌ حَلَفَ عَلى سِلعَةٍ لَقَدَ أعطى بِها أكثَرَ مِمّا أعطى وهُو كاذِبٌ، ورَجُلٌ حَلَفَ عَلى يَمِينٍ كاذِبةٍ بَعدَ العَصرِ لِيَقتَطِعَ بِها مالَ امرِئٍ مُسلِمٍ، ورَجُلٌ مَنَعَ فَضلَ ماءٍ، فَيَقُولُ اللهُ يَومَ القِيامَةِ: اليَومَ أمنَعُكَ فَضلِي كَما مَنَعتَ فَضلَ ما لَم تَعمَل يَداك». وفي رواية: «ورَجُلٌ ساوَمَ رَجُلًا بِسِلْعَةٍ ...».
ورَوى (خ): عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ أبِي أوفى: أنَّ رَجُلًا أقامَ سِلعَةً وهُو فِي السُّوقِ، فَحَلَفَ بِاللهِ لَقَدَ أعطى بِها ما لَم يُعطِ، لِيُوقِعَ فِيها رَجُلًا مِن المُسلِمِينَ، فَنَزَلَت: ﴿إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وأَيْمانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [آل عمران: ٧٧].
-خص وقت العصر بتعظيم الإثم فيه وإن كانت اليمين الفاجرة محرمة في كل وقت؛ لأن الله عظم شأن هذا الوقت بأن جعل الملائكة تجتمع فيه وهو وقت ختام الأعمال والأمور بخواتيمها فغُلِّظَت العقوبة فيه؛ لئلا يقدم عليها تجرّؤا فإن من تجرّأ عليها فيه اعتادها في غيره (الخطابي).
-فيه أن كل عمل لا يقصد به وجه الله وأريد به عرَض الدنيا فهو فاسد وصاحبه آثم (ابن حجر).

٨٦. (م) (١٠٦) عَنْ أبِي ذَرٍّ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَومَ القِيامَةِ، ولا يَنظُرُ إلَيهِم ولا يُزَكِّيهِم، ولَهُم عَذابٌ ألِيمٌ». قالَ: فَقَرَأَها رَسُولُ اللهِ ﷺ ثَلاثَ مَرّات. قالَ أبُو ذَرٍّ: خابُوا وخَسِرُوا؛ مَن هُم يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: «المُسبِلُ، والمَنّانُ، والمُنَفِّقُ سِلعَتَهُ بِالحَلِفِ الكاذِبِ». وفي رواية: «المَنّانُ الَّذِي لا يُعطِي شَيئًا إلا مَنَّهُ، والمُنَفِّقُ سِلعَتَهُ بِالحَلِفِ الفاجِرِ، والمُسبِلُ إزارَهُ».
-المنان يتأول على وجهين:
أحدهما: من المنة وهي إن وقعت في الصدقة أبطلت الأجر وإن كانت في المعروف كدرت الصنيعة وأفسدتها.
-والوجه الآخر: أن يراد بالمن النقص يريد النقص من الحق والخيانة في الوزن والكيل ونحوهما،
ومن هذا قال الله ﷾: (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُوُن)، أي: غير منقوص، قالوا: ومن ذلك يسمى الموت مَنُوناً لأنه ينقص الأعداد ويقطع الأعمار (الخطابي)

٨٧. (م) (١٠٧) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَومَ القِيامَةِ، ولا يُزَكِّيهِم، ولَهُم عَذابٌ ألِيمٌ: شَيخٌ زانٍ، ومَلِكٌ كَذّابٌ، وعائِلٌ مُستَكبِرٌ». وفي رواية زادَ: «ولا يَنظُرُ إلَيهِم».
-وأما تخصيصه ﷺ في الحديث: "الشيخ الزاني والملك الكذاب والعائل المستكبر" بالوعيد المذكور؛ فقال القاضي عياض: سببه أن كل واحد منهم التزم المعصية المذكورة مع بعدها منه، وعدم ضرورته إليها، وضعف دواعيها عنده؛ وإن كان لا يعذر أحد بذنب، لكن لما لم يكن إلى هذه المعاصي ضرورة مزعجة، ولا دواعي معتادة، أشبه إقدامهم عليها المعاندة، والاستخفاف بحق الله تعالى، وقصد معصيته لا لحاجة غيرها؛ فإن الشيخ لكمال عقله وتمام معرفته بطول ما مر عليه من الزمان، وضعف أسباب الجماع والشهوة للنساء، واختلال دواعيه لذلك، عنده ما يريحه من دواعي الحلال في هذا ويخلي سره منه فكيف بالزنا الحرام، وإنما دواعي ذلك الشباب، والحرارة الغريزية، وقلة المعرفة، وغلبة الشهوة لضعف العقل، وصغر السن، وكذلك الإمام لا يخشى من أحد من رعيته، ولا يحتاج إلى مداهنته ومصانعته؛ فإن الإنسان إنما يداهن ويصانع بالكذب وشبهه من يحذره، ويخشى أذاه ومعاتبته، أو يطلب عنده بذلك منزلة أو منفعة وهو غني عن الكذب مطلقا، وكذلك العائل الفقير قد عدم المال، وإنما سبب الفخر والخيلاء والتكبر والارتفاع على القرناء الثروة في الدنيا لكونه ظاهرا فيها، وحاجات أهلها إليه؛ فإذا لم يكن عنده أسبابها فلماذا يستكبر ويحتقر غيره؟ فلم يبق فعله، وفعل الشيخ الزاني، والإمام الكاذب، إلا لضرب من الاستخفاف بحق الله تعالى، والله أعلم (النووي)

باب: ثَلاثَةٌ أنا خَصمُهُم يَومَ القِيامَةِ


٨٨. (خ) (٢٢٢٧) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «قالَ اللهُ: ثَلاثَةٌ أنا خَصمُهُم يَومَ القِيامَةِ: رَجُلٌ أعطى بِي ثُمَّ غَدَرَ، ورَجُلٌ باعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، ورَجُلٌ استَأجَرَ أجِيرًا فاستَوفى مِنهُ ولَم يُعطِ أجرَهُ».
-اعتباد الحر يقع بأمرين: أن يعتقه ثم يكتم ذلك أو يجحد، والثاني: أن يستخدمه كرها بعد العتق، والأول أشدهم، "وحديث الباب أشد؛ لأن فيه مع كتم العتق أو جحده العمل بمقتضى ذلك من البيع وأكل الثمن فمن ثم كان الوعيد عليه أشد" (الخطابي).
- قال المهلب: وإنما كان إثمه شديدا؛ لأن المسلمين أكفاء في الحرية، فمن باع حرا فقد منعه التصرف فيما أباح الله له وألزمه الذل الذي أنقذه الله منه (ابن حجر)

باب: أبغَضُ النّاسِ إلى اللهِ ثَلاثَةٌ


٨٩. (خ) (٦٨٨٢) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «أبغَضُ النّاسِ إلى اللهِ ثَلاثَةٌ: مُلحِدٌ فِي الحَرَمِ، ومُبتَغٍ فِي الإسلامِ سُنَّةَ الجاهِلِيَّةِ، ومُطَّلِبُ دَمِ امرِئٍ بِغَيرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ».
-المراد بالإلحاد: فعل الكبيرة، وقد يؤخذ ذلك من سياق الآية؛ فإن الإتيان بالجملة الاسمية في قوله: )ومن يرد فيه بإلحاد بظلم( الآية: يفيد ثبوت الإلحاد ودوامه، والتنوين للتعظيم، أي: من يكون إلحاده عظيما، والله أعلم.
-سنة الجاهلية: اسم جنس يعم جميع ما كان أهل الجاهلية يعتمدونه من أخذ الجار بجاره، والحليف بحليفه ونحو ذلك، ويلتحق بذلك ما كانوا يعتقدونه، والمراد منه: ما جاء الإسلام بتركه كالطيَرة والكهانة وغير ذلك (ابن حجر)

باب: مَن قَتَلَ نَفْسَهُ لا يَكْفُرُ


٩٠. (م) (١١٦) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄؛ أنَّ الطُّفَيلَ بنَ عَمْرٍو الدَّوسِيَّ أتى النَّبِي ﷺ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ هَل لَكَ فِي حِصنٍ حَصِينٍ ومَنَعَةٍ؟ قالَ: حِصنٌ كانَ لِدَوسٍ فِي الجاهِلِيَّةِ. فَأَبى ذَلكَ النَّبِيُّ ﷺ لِلَّذِي ذَخَرَ اللهُ لِلأَنصارِ، فَلَمّا هاجَرَ النَّبِيُّ ﷺ إلى المَدِينَةِ هاجَرَ إلَيهِ الطُّفَيلُ بنُ عَمْرٍو، وهاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِن قَومِهِ، فاجتَوَوُا المَدِينَةَ، فَمَرِضَ فَجَزِعَ، فَأَخَذَ مَشاقِصَ لَهُ فَقَطَعَ بِها بَراجِمَهُ، فَشَخَبَت يَداهُ حَتّى ماتَ، فَرَآهُ الطُّفَيلُ بنُ عَمْرٍو فِي مَنامِهِ فَرَآهُ وهَيئَتُهُ حَسَنَةٌ، ورَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيهِ، فَقالَ لَهُ: ما صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟ فَقالَ: غَفَرَ لِي بِهِجرَتِي إلى نَبِيِّهِ ﷺ. فَقالَ: ما لِي أراكَ مُغَطِّيًا يَدَيكَ؟ قالَ: قِيلَ لِي: لَن نُصلِحَ مِنكَ ما أفسَدتَ. فَقَصَّها الطُّفَيلُ عَلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اللَّهُمَّ ولِيَدَيهِ فاغْفِرْ».
الظاهرُ: أنَّ هذا الرجلَ أدركتْهُ بركةُ دعوةِ النبيِّ ﷺ، فغُفِرَ له وليدَيْهِ، وكُمِّلَ له ما بقي من المغفرة عليه.
وهذا الحديثُ يقتضي أنَّ قَاتِلَ نفسه ليس بكافر، وأنَّه لا يُخَلَّدُ في النار، وهو موافق لمقتضى قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) وهذا الرجلُ ممَّن شاء الله أن يَغْفِرَ له؛ لأنَّه إنَّما أتَى بما دون الشِّرْك، وهذا بخلافِ القاتلِ نفسَهُ المذكورِ في حديث جُنْدُب؛ فإنَّه ممَّن شاء الله أن يعذِّبه (القرطبي)

باب: الإسْلامُ ما هُوَ؟ وبَيانُ خِصالِهِ


٩١. (خ م) (١١) عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ ﵁ يَقُولُ: جاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ مِن أهلِ نَجدٍ، ثائِرُ الرَّأسِ، نَسمَعُ دَوِيَّ صَوتِهِ ولا نَفقَهُ ما يَقُولُ، حَتّى دَنا مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَإذا هُوَ يَسأَلُ عَنِ الإسلامِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «خَمسُ صَلَواتٍ فِي اليَومِ واللَّيلَةِ». فَقالَ: هَل عَلَيَّ غَيرُهُنَّ؟ قالَ: «لا إلا أن تَطَّوَّعَ، وصِيامُ شَهرِ رَمَضانَ». فَقالَ: هَل عَلَيَّ غَيرُهُ؟ فَقالَ: «لا إلا أن تَطَّوَّعَ»، وذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ الزَّكاةَ، فَقالَ: هَل عَلَيَّ غَيرُها؟ قالَ: «لا إلا أن تَطَّوَّعَ». قالَ: فَأَدبَرَ الرَّجُلُ وهُوَ يَقُولُ: واللهِ لا أزِيدُ عَلى هَذا ولا أنقُصُ مِنهُ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أفلَحَ إن صَدَقَ».
٩٢. (خ م) (١٦) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ﵄ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «بُنِيَ الإسلامُ عَلى خَمسٍ: شَهادَةِ أن لا إلَهَ إلا اللهُ وأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُولُهُ، وإقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، وحَجِّ البَيت، وصَومِ رَمَضانَ».
-فيه دليل على أن الإسلام مبني على خمس مبان ودعائم، فمتى زالت أركانه لم يبق الإسلام قائما.
-الشهادتان هما الأساس فمن لم يأت بهما لم يدخل الإسلام، ومتى أتى بهما حرم دمه وماله وحسابه على الله (ابن حجر)

٩٣. (خ م) (٣٩) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ﵄؛ أنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ ﷺ: أيُّ الإسلامِ خَيرٌ؟ قالَ: «تُطعِمُ الطَّعامَ، وتَقرَأُ السَّلامَ عَلى مَن عَرَفتَ ومَن لَم تَعرِف».
-الحض على المواساة واجتماع كلمة المسلمين، وتآلفهم بإطعام الطعام وإفشاء السلام.
-"وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" هذا أفضل أنواع إفشاء السلام، وفي المسند عن ابن مسعود مرفوعا:(إن من أشراط الساعة السلام بالمعرفة)" (ابن رجب).

٩٤. (خ م) (٤٠) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ ﵄ يَقُولُ: إنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ ﷺ؛ أيُّ المُسلِمِينَ خَيرٌ؟ قالَ: «مَن سَلِمَ المُسلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ». زادَ (خ): «والمُهاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهى اللهُ عَنهُ».
-قال أبو الزناد: لما انقطعت الهجرة وفضلها، حزن على فواتها من لم يدركها من أصحاب النبي ﷺ فأعلمهم أن المهاجر على الحقيقة من هجر ما نهى الله عنه.

باب: مَن أحْسَنَ فِـي الإسْلامِ لا يُؤاخَذُ بِما عَمِلَ فِـي الجاهِلِيَّةِ


٩٥. (خ م) (١٢٠) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قالَ: قالَ أُناسٌ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ: يا رَسُولَ اللهِ؛ أنُؤاخَذُ بِما عَمِلنا فِي الجاهِلِيَّةِ؟ قالَ: «أمّا مَن أحسَنَ مِنكُم فِي الإسلامِ فَلا يُؤاخَذُ بِها، ومَن أساءَ أُخِذَ بِعَمَلِهِ فِي الجاهِلِيَّةِ والإسلامِ»
٩٦. (خ م) (١٢٣) عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزامٍ ﵁؛ أنَّهُ قالَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ: أي رَسُولَ اللهِ؛ أرَأَيتَ أُمُورًا كُنتُ أتَحَنَّثُ بِها فِي الجاهِلِيَّةِ مِن صَدَقَةٍ أو عَتاقَةٍ أو صِلَةِ رَحِمٍ؛ أفِيها أجرٌ؟ فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أسلَمتَ عَلى ما أسلَفتَ مِن خَيرٍ».

باب: ما جاءَ أنَّ الإسْلامَ يَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَهُ


٩٧. (م) (١٢١) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِماسَةَ المَهْرِيِّ قالَ: حَضَرنا عَمرَو بنَ العاصِ ﵁ وهُوَ فِي سِياقَةِ المَوتِ، فَبَكى طَوِيلًا، وحَوَّلَ وجهَهُ إلى الجِدارِ، فَجَعَلَ ابنُهُ يَقُولُ لَهُ: يا أبَتاهُ؛ أما بَشَّرَكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِكَذا؟ أما بَشَّرَكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِكَذا؟ قالَ: فَأَقبَلَ بِوَجهِهِ، فَقالَ: إنَّ أفضَلَ ما نُعِدُّ شَهادَةُ أن لا إلَهَ إلا اللهُ وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، إنِّي قَد كُنتُ عَلى أطباقٍ ثَلاثٍ، لَقَد رَأَيتُنِي وما أحَدٌ أشَدَّ بُغضًا لِرَسُولِ اللهِ ﷺ مِنِّي، ولا أحَبَّ إلَيَّ أن أكُونَ قَدِ استَمكَنتُ مِنهُ فَقَتَلتُهُ، فَلَو مُتُّ عَلى تِلكَ الحالِ لَكُنتُ مِن أهلِ النّارِ، فَلَمّا جَعَلَ اللهُ الإسلامَ فِي قَلبِي أتَيتُ النَّبِيَّ ﷺ، فَقُلتُ: ابسُط يَمِينَكَ فَلأُبايِعكَ. فَبَسَطَ يَمِينَهُ قالَ: فَقَبَضتُ يَدِي، قالَ: «ما لَكَ يا عَمرُو؟» قالَ: قُلتُ: أرَدتُ أن أشتَرِطَ، قالَ: «تَشتَرِطُ بِماذا؟» قُلتُ: أن يُغفَرَ لِي، قالَ: «أما عَلِمتَ أنَّ الإسلامَ يَهدِمُ ما كانَ قَبلَهُ، وأَنَّ الهِجرَةَ تَهدِمُ ما كانَ قَبلِها، وأَنَّ الحَجَّ يَهدِمُ ما كانَ قَبلَهُ؟» وما كانَ أحَدٌ أحَبَّ إلَيَّ مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ ولا أجَلَّ فِي عَينِي مِنهُ، وما كُنتُ أُطِيقُ أن أملأَ عَينَيَّ مِنهُ إجلالًا لَهُ، ولَو سُئِلتُ أن أصِفَهُ ما أطَقتُ لأَنِّي لَم أكُن أملأُ عَينَيَّ مِنهُ، ولَو مُتُّ عَلى تِلكَ الحالِ لَرَجَوتُ أن أكُونَ مِن أهلِ الجَنَّةِ، ثُمَّ ولِينا أشياءَ؛ ما أدرِي ما حالِي فِيها؟ فَإذا أنا مُتُّ فَلا تَصحَبنِي نائِحَةٌ ولا نارٌ، فَإذا دَفَنتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرابَ شَنًّا، ثُمَّ أقِيمُوا حَولَ قَبرِي قَدرَ ما تُنحَرُ جَزُورٌ ويُقسَمُ لَحمُها حَتّى أستَأنِسَ بِكُم، وأَنظُرَ ماذا أُراجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي.
-فِيهِ عِظَمُ مَوْقِعِ الْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ وَالْحَجِّ، وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْمَعَاصِي.
-فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَنْبِيهِ الْمُحْتَضَرِ عَلَى إِحْسَانِ ظَنِّهِ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَذِكْرِ آيَاتِ الرَّجَاءِ وَأَحَادِيثِ الْعَفْوِ عِنْدَهُ، وَتَبْشِيرِهِ بِمَا أَعَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُسْلِمِينَ وَذِكْرِ حُسْنِ أَعْمَالِهِ عِنْدَهُ لِيَحْسُنَ ظَنُّهُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَيَمُوتَ عَلَيْهِ. وَهَذَا الْأَدَبُ مُسْتَحَبٌّ بِالِاتِّفَاقِ.
-وَفِيهِ مَا كَانَتِ الصَّحَابَةُ ﵃ عَلَيْهِ مِنْ تَوْقِيرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَإِجْلَالِهِ.
-فَأَمَّا النِّيَاحَةُ فَحَرَامٌ، وَأَمَّا اتِّبَاعُ الْمَيِّتِ بِالنَّارِ فَمَكْرُوهٌ لِلْحَدِيثِ، ثُمَّ قِيلَ: سَبَبُ الْكَرَاهَةِ كَوْنُهُ مِنْ شِعَارِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْمَالِكِيُّ: كَرِهَ تَفَاؤُلًا بِالنَّارِ.
-اسْتِحْبَابُ صَبِّ التُّرَابِ فِي الْقَبْرِ، وَأَنَّهُ لَا يُقْعَدُ عَلَى الْقَبْرِ بِخِلَافِ مَا يُعْمَلُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ (القرطبي-النووي)

باب: جَزاءُ مَن هَمَّ بِحَسَنَةٍ أوْ سَيِّئَةٍ


٩٨. (خ م) (١٢٩) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «قالَ اللهُ ﷿: إذا تَحَدَّثَ عَبدِي بِأَن يَعمَلَ حَسَنَةً فَأَنا أكتُبُها لَهُ حَسَنَةً ما لَم يَعمَل، فَإذا عَمِلَها فَأَنا أكتُبُها بِعَشرِ أمثالِها، وإذا تَحَدَّثَ بِأَن يَعمَلَ سَيِّئَةً (فَأَنا أغفِرُها لَهُ ما لَم يَعمَلها)، فَإذا عَمِلَها فَأَنا أكتُبُها لَهُ بِمِثلِها». وقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «(قالَت المَلائِكَةُ: رَبِّ؛ ذاكَ عَبدُكَ يُرِيدُ أن يَعمَلَ سَيِّئَةً، وهُوَ أبصَرُ بِهِ، فَقالَ: ارقُبُوهُ؛) فَإن عَمِلَها فاكتُبُوها لَهُ بِمِثلِها، وإن تَرَكَها فاكتُبُوها لَهُ حَسَنَةً، إنَّما تَرَكَها مِن جَرّايَ». وقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إذا أحسَنَ أحَدُكُم إسلامَهُ فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعمَلُها تُكتَبُ بِعَشرِ أمثالِها إلى سَبعِ مِائَةِ ضِعفٍ، وكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعمَلُها تُكتَبُ بِمِثلِها حَتّى يَلقى اللهَ».
-بيان سعة فضل الله ورحمته بعباده، حيث ضاعف لهم الحسنات ولم يضاعف عليهم السيئات، وأثابهم على الهم بالحسنة، ولم يعاقبهم على الهم بالسيئة، وهذا غاية الإحسان باللطيف المنان.
-دليل على أن كل شيء يعمله العبد محصي عليه ويوم القيامة يجازى به، وفيه بيان فضل الله وعدله.
-تضاعف حسنات المسلم على قدر إيمانه وإخلاصه وصدق المجاهدة ونفع ذلك، وفي الحديث أن السيئات لا تضاعف لكنها قد تعظم لشرف الزمان والمكان أو غير ذلك (ابن حجر)

٩٩. (خ م) (١٣١) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄؛ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ؛ فِيما يَروِي عَن رَبِّهِ تَبارَكَ وتَعالى قالَ: «إنَّ اللهَ كَتَبَ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلكَ، فَمَن هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَم يَعمَلها كَتَبَها اللهُ عِندَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، وإن هَمَّ بِها فَعَمِلَها كَتَبَها اللهُ ﷿ عِندَهُ عَشرَ حَسَناتٍ إلى سَبعِ مِائَةِ ضِعفٍ إلى أضعافٍ كَثِيرَةٍ، وإن هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَم يَعمَلها كَتَبَها اللهُ عِندَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، وإن هَمَّ بِها فَعَمِلَها كَتَبَها اللهُ سَيِّئَةً واحِدَةً». وفي رواية (م): «ومَحاها اللهُ، ولا يَهلِكُ على اللهِ إلا هالِكٌ».
١٠٠. (خ م) (١٢٧) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ اللهَ تَجاوَزَ لأمَّتِي ما حَدَّثَت بِهِ أنفُسَها، ما لَم يَتَكَلَّمُوا أو يَعمَلُوا بِه». وفي رواية (خ): «ما وسْوَسَت بِهِ صُدُورُها».

باب: بَيانُ أنَّ الإسْلامَ بَدَأَ غَرِيبًا وسَيَعُودُ غَرِيبًا


١٠١. (م) (١٤٥) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «بَدَأَ الإسلامُ غَرِيبًا، وسَيَعُودُ كَما بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبى لِلغُرَباءِ».
١٠٢. (م) (١٤٦) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «إنَّ الإسلامَ بَدَأَ غَرِيبًا، وسَيَعُودُ غَرِيبًا كَما بَدَأَ، وهُوَ يَأرِزُ بَينَ المَسْجِدَينِ كَما تَأرِزُ الحَيَّةُ فِي جُحرِها».
-فيه إشارة إلى فتن يُبتلى بها أهل الإيمان، حتى يكون ملاذهم واجتماعهم في مكة والمدينة، لكونها أسْلَم الأماكن وآمنها، بدأ الإسلام منها وإليها يؤوب (ابن حجر).

باب: فِـي الابْتِلاءِ


١٠٣. (خ م) (١٤٩) عَنْ حُذَيْفَةَ ﵁ قالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقالَ: «أحصُوا لِي كَم يَلفِظُ الإسلامَ؟» قالَ: فَقُلنا: يا رَسُولَ اللهِ؛ أتَخافُ عَلَينا ونَحنُ ما بَينَ السِّتِّ مِائَةٍ إلى السَّبعِ مِائَةٍ؟ (قالَ: «إنَّكُم لا تَدرُونَ، لَعَلَّكُم أن تُبتَلَوا»). قالَ: فابتُلِيَنا، حَتّى جَعَلَ الرَّجُلُ مِنّا لا يُصَلِّي إلا سِرًّا. لَفظُ (خ): قالَ: فَكَتَبْنا لَهُ ألْفًا وخَمْسَ مِائَةِ رَجُلٍ، فَقُلْنا: نَخافُ ونَحْنُ ألْفٌ وخَمْسُ مِائَةٍ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنا ابْتُلِينا حَتّى إنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي وحْدَهُ وهُوَ خائِفٌ.
-فيه إشارة إلى بعض الفتن التي جرت بعد موت النبي ﷺ.
-فيه عَلَم من أعلام النبوة من الإخبار بالشيء قبل وقوعه.
-فيه أن المسلم لا يغتر بالكثرة من المسلمين وظهورهم في بلد، فالفتن والابتلاءات سنّة ماضية في الأنبياء وأتباعهم، بل ينبغي أن يوطن نفسه لها ويتحصن بالعلم والإيمان والتقوى، وأن يلجأ إلى الله أن يعصمه منها (ابن حجر)

باب: شَقُّ صَدْرِ النَّبِيِّ ﷺ


١٠٤. (م) (١٦٢) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ أتاهُ جبريلُ ﵇ وهُوَ يَلعَبُ مَعَ الغِلمانِ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ عَن قَلبِهِ، فاستَخرَجَ القَلبَ، فاستَخرَجَ مِنهُ عَلَقَةً، فَقالَ: هَذا حَظُّ الشَّيطانِ مِنكَ. ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَستٍ مِن ذَهَبٍ بِماءِ زَمزَمَ، ثُمَّ لأَمَهُ، ثُمَّ أعادَهُ فِي مَكانِهِ، وجاءَ الغِلمانُ يَسعَونَ إلى أُمِّهِ يَعنِي ظِئرَهُ فَقالُوا: إنَّ مُحَمَّدًا قَد قُتِلَ. فاستَقبَلُوهُ وهُوَ مُنتَقَعُ اللَّونِ، قالَ أنَسٌ: وقَد كُنتُ أرى أثَرَ ذَلكَ المِخيَطِ فِي صَدرِهِ ﷺ.

باب: ما بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِنَ الوَحْيِ وفُتُورُ الوَحْيِ ثُمَّ تَتابُعُهُ


١٠٥. (خ م) (١٦٠) عَنْ عائِشَةَ ﵂ زَوجِ النَّبِيِّ ﷺ؛ أنَّها قالَت: كانَ أوَّلُ ما بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِن الوَحيِ الرُّؤيا الصّادِقَةَ فِي النَّومِ، فَكانَ لا يَرى رُؤيا إلا جاءَت مِثلَ فَلَقِ الصُّبحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إلَيهِ الخَلاءُ، فَكانَ يَخلُو بِغارِ حِراءٍ يَتَحَنَّثُ فِيهِ، وهُوَ التَّعَبُّدُ اللَّيالِيَ أُولاتِ العَدَد، قَبلَ أن يَرجِعَ إلى أهلِهِ، ويَتَزَوَّدُ لِذَلكَ، ثُمَّ يَرجِعُ إلى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثلِها، حَتّى فَجِئَهُ الحَقُّ وهُوَ فِي غارِ حِراءٍ، فَجاءَهُ المَلَكُ فَقالَ: «اقرَأ. قالَ: ما أنا بِقارِئٍ. قالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتّى بَلَغَ مِنِّي الجَهدَ ثُمَّ أرسَلَنِي، فَقالَ: اقرَأ. قالَ: قُلتُ: ما أنا بِقارِئٍ. قالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثّانِيَةَ حَتّى بَلَغَ مِنِّي الجَهدَ ثُمَّ أرسَلَنِي. فَقالَ: اقرَأ. فَقُلتُ: ما أنا بِقارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثّالِثَةَ حَتّى بَلَغَ مِنِّي الجَهدَ ثُمَّ أرسَلَنِي، فَقالَ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الإنسانَ مِن عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ ورَبُّكَ الأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الإنسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ﴾». فَرَجَعَ بِها رَسُولُ اللهِ ﷺ تَرجُفُ بَوادِرُهُ، حَتّى دَخَلَ عَلى خَدِيجَةَ فَقالَ: «زَمِّلُونِي، زَمِّلُونِي». فَزَمَّلُوهُ حَتّى ذَهَبَ عَنهُ الرَّوعُ، ثُمَّ قالَ لِخَدِيجَةَ: «أي خَدِيجَةُ؛ ما لِي؟» وأَخبَرَها الخَبَرَ، قالَ: «لَقَد خَشِيتُ عَلى نَفسِي». قالَت لَهُ خَدِيجَةُ: كَلا، أبشِر، فَواللهِ لا يُخزِيكَ اللهُ أبَدًا، واللهِ إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصدُقُ الحَدِيثَ، وتَحمِلُ الكَلَّ، وتَكسِبُ المَعدُومَ، وتَقرِي الضَّيفَ، وتُعِينُ عَلى نَوائِبِ الحَقِّ. فانطَلَقَت بِهِ خَدِيجَةُ حَتّى أتَت بِهِ ورَقَةَ بنَ نَوفَلِ بْنِ أسَدِ بْنِ عَبْدِ العُزّى، وهُوَ ابنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أخِي أبِيها، وكانَ امرًأ تَنَصَّرَ فِي الجاهِلِيَّةِ، وكانَ يَكتُبُ الكِتابَ العَرَبِيَّ، ويَكتُب مِن الإنجِيلِ بِالعَرَبِيَّةِ ما شاءَ اللهُ أن يَكتُبَ، وكانَ شَيخًا كَبِيرًا قَد عَمِيَ، فَقالَت لَهُ خَدِيجَةُ: أي عَمِّ؛ اسمَع مِن ابْنِ أخِيكَ. قالَ ورَقَةُ بنُ نَوفَلٍ: يا ابنَ أخِي؛ ماذا تَرى؟ فَأَخبَرَه رَسُولُ اللهِ ﷺ خَبَرَ ما رَآهُ، فَقالَ لَهُ ورَقَةُ: هَذا النّامُوسُ الَّذِي أُنزِلَ عَلى مُوسى ﷺ، يا لَيتَنِي فِيها جَذَعًا، يا لَيتَنِي أكُونُ حَيًّا حِينَ يُخرِجُكَ قَومُكَ. قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أوَ مُخرِجِيَّ هُم؟» قالَ ورَقَةُ: نَعَم، لَم يَأتِ رَجُلٌ قَطُّ بِما جِئتَ بِهِ إلا عُودِيَ، وإن يُدرِكنِي يَومُكَ أنصُركَ نَصرًا مُؤَزَّرًا. زادَ (خ): ثَمَّ لم يَنشَب ورَقَةُ أن تُوُفِّيَ وفَتَرَ الوَحيُ. وفي رواية (خ): الرُّؤيا الصّالحةُ ... وفِيها: وكانَ يَكْتُبُ الكِتابَ العِبْرانِيَّ فَيَكْتُبُ مِن الإنْجِيلِ بِالعِبْرانِيَّةِ ما شاءَ اللَّهُ أنْ يَكْتُبَ.
-أن في العزلة فراغ القلب وصحة الفكر ولكن لا على سبيل الدوام، بل تُفعل حينًا دون حين، قال بعضهم: المواهب الربانية تكون مع العزلة ثم تلا قوله تعالى: )فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا(.
-فيه رد على الصوفية الذين يقولون أن ترك التزود من التوكل.
-ينبغي للمعلم أن يبالغ في تنبيه المتعلم وأمره بإحضار قلبه ولو تكرر ذلك التنبيه عليه ثلاثا.
-دليل على ما عليه جمهور العلماء: أن أول ما أنزل من القرآن هو (اقرأ).
-فيه أن من نزلت به نازلة يحسن أن يشاور فيها من يثق بنصحه ورأيه.
-دليل على رجاحة عقل خديجة ﵂ وبيان فضلها وجزالة عقلها وثبات قلبها وعظيم فقهها.
-بيان دور المرأة الصالحة في نصرة دين الله وتثبيت أهله ودور الزوجة الصالحة في مؤازرة زوجها عند الشدائد، وأخذها بالأسباب المشروعة في إعانته وتسليته.
-دليل على أن مكارم الأخلاق وخصال الخير سبب للسلامة من مصارع السوء.
-جواز مدح الإنسان في وجهه لمصلحة تقتضي ذلك إن أُمنت عليه الفتنة.
-فيه بيان أن عداوة أهل الباطل لمن حمل الحق سنة ماضية وأن الحق لا بد أن يمتحن.
-فيه وجوب نصرة الحق وأهله.
-دلالة على إيمان ورقة بن نوفل، وفيه منقبة له، وفيه بيان لعظم شأن النية الصالحة، وأن الإنسان قد ينجو بنيته الصالحة (ابن حجر)

١٠٦. (خ م) (١٦١) عَنْ يَحْيى يَقُولُ: سَأَلتُ أبا سَلَمَةَ؛ أيُّ القُرآنِ أُنزِلَ قَبلُ؟ قالَ: ﴿ياأَيُّها المُدَّثِّرُ﴾. فَقُلتُ: أو ﴿اقْرَأْ﴾؟ فَقالَ: سَأَلتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ اللهِ ﵁؛ أيُّ القُرآنِ أُنزِلَ قَبلُ؟ قالَ: ﴿ياأَيُّها المُدَّثِّرُ﴾. فَقُلتُ: أو ﴿اقْرَأْ﴾؟ قالَ جابِرٌ: أُحَدِّثُكُم ما حَدَّثَنا رَسُولُ اللهِ ﷺ، قالَ: «جاوَرتُ بِحِراءٍ (شَهرًا)، فَلَمّا قَضَيتُ جِوارِي نَزَلتُ فاستَبطَنتُ بَطنَ الوادِي فَنُودِيتُ، فَنَظَرتُ أمامِي وخَلفِي وعَن يَمِينِي وعَن شِمالِي فَلَم أرَ أحَدًا، ثُمَّ نُودِيتُ، فَنَظَرتُ فَلَم أرَ أحَدًا، ثُمَّ نُودِيتُ، فَرَفَعتُ رَأسِي فَإذا هُوَ عَلى العَرشِ فِي الهَواءِ يَعنِي جِبرِيلَ ﵇ فَأَخَذَتنِي رَجفَةٌ شَدِيدَةٌ، فَأَتَيتُ خَدِيجَةَ فَقُلتُ: دَثِّرُونِي، فَدَثَّرُونِي، فَصَبُّوا عَلَيَّ ماءً، فَأَنزَلَ اللهُ ﷿: ﴿ياأَيُّها المُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنذِرْ (٢) ورَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وثِيابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر: ١-٤]».
وفي رواية: قالَ: «ثُمَّ فَتَرَ الوَحيُ عَنِّي فَترَةً، فَبَينا أنا أمشِي سَمِعتُ صَوتًا مِنَ السَّماءِ، فَإذا المَلَكُ الَّذِي جاءَني بِحِراءٍ جالِسًا عَلى كُرسيٍّ بَينَ السَّماءِ والأَرضِ، فَجُئثْتُ مِنهُ فَرَقًا، حَتى هَوَيتُ إلى الأَرضِ..». وفِيها قالَ: ثُمَّ حَمِيَ الوَحيُ بَعدُ وتَتابَعَ.
-ينبغي أن يُصب على الفَزِع الماء ليسكن فزعه (ابن حجر).

١٠٧. (خ م) (٣٠١٦) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁؛ أنَّ اللهَ ﷿ تابَعَ الوَحيَ عَلى رَسُولِ اللهِ ﷺ قَبلَ وفاتِهِ حَتّى تُوُفِّيَ، وأَكثَرُ ما كانَ الوَحيُ يَومَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ ﷺ.

باب: الإسْراءُ والـمِعْراجُ وفَرْضُ الصَّلَواتِ الخَمْسِ


١٠٨. (خ م) (١٦٢) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «أُتِيتُ بِالبُراقِ، وهُوَ دابَّةٌ أبيَضُ طَوِيلٌ، فَوقَ الحِمارِ ودُونَ البَغلِ، يَضَعُ حافِرَهُ عِنْدَ مُنتَهى طَرفِهِ، (قالَ: فَرَكِبتُهُ حَتّى أتَيتُ بَيتَ المَقدِسِ، قالَ: فَرَبَطتُهُ بِالحَلقَةِ الَّتِي يَربِطُ بِها الأنبِياءُ، قالَ: ثُمَّ دَخَلتُ المَسْجِدَ، فَصَلَّيتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجتُ، فَجاءَنِي جِبرِيلُ ﵇ بِإناءٍ مِن خَمرٍ وإناءٍ مِن لَبَنٍ، فاختَرتُ اللَّبَنَ، فَقالَ جِبرِيلُ ﷺ: اختَرتَ الفِطرَةَ). ثُمَّ عَرَجَ بِنا إلى السَّماءِ، فاستَفتَحَ جِبرِيلُ، فَقِيلَ: مَن أنتَ؟ قالَ: جِبرِيلُ. قِيلَ: ومَن مَعَكَ؟ قالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وقَد بُعِثَ إلَيهِ؟ قالَ: قَد بُعِثَ إلَيهِ. فَفُتِحَ لَنا، فَإذا أنا بِآدَمَ، فَرَحَّبَ بِي ودَعا لِي بِخَيرٍ، ثُمَّ عَرَجَ بِنا إلى السَّماءِ الثّانِيَةِ، فاستَفتَحَ جِبرِيلُ ﵇، فَقِيلَ: مَن أنتَ؟ قالَ: جِبرِيلُ. قِيلَ: ومَن مَعَكَ؟ قالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وقَد بُعِثَ إلَيهِ؟ قالَ: قَد بُعِثَ إلَيهِ. فَفُتِحَ لَنا، فَإذا أنا بِابنَي الخالَةِ؛ عِيسى ابْنِ مَريَمَ ويَحيى بْنِ زَكَرِيّاءَ صَلَواتُ اللهِ عَلَيهِما، فَرَحَّبا ودَعَوا لِي بِخَيرٍ، ثُمَّ عَرَجَ بِي إلى السَّماءِ الثّالِثَةِ، فاستَفتَحَ جِبرِيلُ، فَقِيلَ: مَن أنتَ؟ قالَ: جِبرِيلُ. قِيلَ: ومَن مَعَكَ؟ قالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وقَد بُعِثَ إلَيهِ؟ قالَ: قَد بُعِثَ إلَيهِ. فَفُتِحَ لَنا، فَإذا أنا بِيُوسُفَ ﷺ، (إذا هُوَ قَد أُعطِيَ شَطرَ الحُسنِ)، فَرَحَّبَ ودَعا لِي بِخَير، ثُمَّ عَرَجَ بِنا إلى السَّماءِ الرّابِعَةِ، فاستَفتَحَ جِبرِيلُ ﵇، قِيلَ: مَن هَذا؟ قالَ: جِبرِيلُ. قِيلَ: ومَن مَعَكَ؟ قالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وقَد بُعِثَ إلَيهِ؟ قالَ: قَد بُعِثَ إلَيهِ. فَفُتِحَ لَنا، فَإذا أنا بِإدرِيسَ، فَرَحَّبَ ودَعا لِي بِخَيرٍ، (قالَ اللهُ ﷿: ﴿ورَفَعْناهُ مَكانًا عَلِيًّا﴾ [مريم: ٥٧])، ثُمَّ عَرَجَ بِنا إلى السَّماءِ الخامِسَةِ، فاستَفتَحَ جِبرِيلُ، قِيلَ: مَن هَذا؟ قالَ: جِبرِيلُ. قِيلَ: ومَن مَعَكَ؟ قالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وقَد بُعِثَ إلَيهِ؟ قالَ: قَد بُعِثَ إلَيهِ. فَفُتِحَ لَنا، فَإذا أنا بِهارُونَ ﷺ، فَرَحَّبَ ودَعا لِي بِخَيرٍ، ثُمَّ عَرَجَ بِنا إلى السَّماءِ السّادِسَةِ، فاستَفتَحَ جِبرِيلُ ﵇، قِيلَ: مَن هَذا؟ قالَ: جِبرِيلُ. قِيلَ: ومَن مَعَكَ؟ قالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وقَد بُعِثَ إلَيهِ؟ قالَ: قَد بُعِثَ إلَيهِ. فَفُتِحَ لَنا، فَإذا أنا بِمُوسى ﷺ، فَرَحَّبَ ودَعا لِي بِخَيرٍ، ثُمَّ عَرَجَ إلى السَّماءِ السّابِعَةِ، فاستَفتَحَ جِبرِيلُ، فَقِيلَ: مَن هَذا؟ قالَ: جِبرِيلُ. قِيلَ: ومَن مَعَكَ؟ قالَ: مُحَمَّدٌ ﷺ، قِيلَ: وقَد بُعِثَ إلَيهِ؟ قالَ: قَد بُعِثَ إلَيهِ. فَفُتِحَ لَنا، فَإذا أنا بِإبراهِيمَ ﷺ مُسنِدًا ظَهرَهُ إلى البَيتِ المَعمُورِ، وإذا هُوَ يَدخُلُهُ كُلَّ يَومٍ سَبعُونَ ألفَ مَلَكٍ لا يَعُودُونَ إلَيهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِي إلى السِّدرَةِ المُنتَهى، وإذا ورَقُها كَآذانِ الفِيَلَةِ، وإذا ثَمَرُها كالقِلالِ، قالَ: فَلَمّا غَشِيَها مِن أمرِ اللهِ ما غَشِيَ تَغَيَّرَت، فَما أحَدٌ مِن خَلقِ اللهِ يَستَطِيع أن يَنعَتَها مِن حُسنِها، فَأَوحى اللهُ إلَيَّ ما أوحى، فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمسِينَ صَلاةً فِي كُلِّ يَومٍ ولَيلَة، فَنَزَلتُ إلى مُوسى ﷺ، فَقالَ: ما فَرَضَ رَبُّكَ عَلى أُمَّتِكَ؟ قُلتُ: خَمسِينَ صَلاةً. قالَ: ارجِع إلى رَبِّكَ فاسأَلهُ التَّخفِيفَ، فَإنَّ أُمَّتَكَ لا يُطِيقُونَ ذَلكَ، فَإنِّي قَد بَلَوتُ بَنِي إسرائِيلَ وخَبَرتُهُم. قالَ: فَرَجَعتُ إلى رَبِّي، فَقُلتُ: يا رَبِّ؛ خَفِّف عَلى أُمَّتِي. فَحَطَّ عَنِّي خَمسًا، فَرَجَعتُ إلى مُوسى، فَقُلتُ: حَطَّ عَنِّي خَمسًا. قالَ: إنَّ أُمَّتَكَ لا يُطِيقُونَ ذَلكَ، فارجِع إلى رَبِّكَ فاسأَلهُ التَّخفِيفَ. قالَ: فَلَم أزَل أرجِعُ بَينَ رَبِّي تَبارَكَ وتَعالى وبَينَ مُوسى ﵇، حَتّى قالَ: يا مُحَمَّدُ إنَّهُنَّ خَمسُ صَلَواتٍ كُلَّ يَومٍ ولَيلَةٍ، لِكُلِّ صَلاةٍ عَشرٌ، فَذَلكَ خَمسُونَ صَلاةً، (ومَن هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَم يَعمَلها كُتِبَت لَهُ حَسَنَةً، فَإن عَمِلَها كُتِبَت لَهُ عَشرًا، ومَن هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَم يَعمَلها لَم تُكتَب شَيئًا، فَإن عَمِلَها كُتِبَت سَيِّئَةً واحِدَةً). قالَ: فَنَزَلتُ حَتّى انتَهَيتُ إلى مُوسى ﷺ، فَأَخبَرتُهُ، فَقالَ: ارجِع إلى رَبِّكَ فاسأَلهُ التَّخفِيفَ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: فَقُلتُ: قَد رَجَعتُ إلى رَبِّي حَتّى استَحيَيتُ مِنهُ».
-فِيهِ اسْتِحْبَابُ لِقَاءِ أَهْلِ الْفَضْلِ بِالْبِشْرِ وَالتَّرْحِيبِ وَالْكَلَامِ الْحَسَنِ وَالدُّعَاءِ لَهُمْ وَإِنْ كَانُوا أَفْضَلَ مِنَ الدَّاعِي.
-فِيهِ جَوَازُ مَدْحِ الْإِنْسَانِ فِي وَجْهِهِ إِذَا أُمِنَ عَلَيْهِ الْإِعْجَابُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَسْبَابِ الْفِتْنَةِ.
-يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِنَادِ إِلَى الْقِبْلَةِ وَتَحْوِيلِ الظَّهْرِ إِلَيْهَا (الْقَاضِي عِيَاض).
-سُمّيَتْ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى لِأَنَّ عِلْمَ الْمَلَائِكَةِ يَنْتَهِي إِلَيْهَا وَلَمْ يُجَاوِزْهَا أَحَدٌ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْمُفَسِّرُونَ وَغَيْرُهُمْ).
-حُكِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَوْنِهَا يَنْتَهِي إِلَيْهَا مَا يَهْبِطُ مِنْ فَوْقِهَا وَمَا يَصْعَدُ مِنْ تَحْتِهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى.
-الحكمة من ركوبه ليلة الإسراء -مع القدرة على طي الأرض له- تأنيسا وإكراما؛ لأن العادة في إكرام من دُعي أن يُبعث له بما يركبه.
-الحكمة في تنوع لقائه بالأنبياء في السماوات مزيد تسلية وتأنيس وتثبيت (النووي-ابن حجر).

١٠٩. (خ م) (١٦٤) عَنْ مالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ ﵁ قالَ: قالَ نَبِيُّ اللهِ ﷺ: «بَينا أنا عِنْدَ البَيتِ بَينَ النّائِمِ واليَقظانِ؛ إذ سَمِعتُ قائِلًا يَقُولُ: أحَدُ الثَّلاثَةِ بَينَ الرَّجُلينِ. فَأُتِيتُ فانطُلِقَ بِي، فَأُتِيتُ بِطَستٍ مِن ذَهَبٍ فِيها مِن ماءِ زَمزَمَ، فَشُرِحَ صَدرِي إلى كَذا وكَذا»، قالَ قَتادَةُ: فَقُلتُ لِلَّذِي مَعِي: ما يَعنِي؟ قالَ: إلى أسفَلِ بَطنِهِ. «فاستُخرِجَ قَلبِي فَغُسِلَ بِماءِ زَمزَمَ، ثُمَّ أُعِيدَ مَكانَهُ، ثُمَّ حُشِيَ إيمانًا وحِكمَةً، ثُمَّ أُتِيتُ بِدابَّةٍ أبيَضَ ...»، [وفِيهِ بَعدَ ذِكرِ مُوسى]: «... فَلَمّا جاوَزتُهُ بَكى، فَنُودِيَ ما يُبكِيكَ؟ قالَ: رَبِّ؛ هَذا غُلامٌ بَعَثتَهُ بَعدِي يَدخُلُ مِن أُمَّتِهِ الجَنَّةَ أكثَرُ مِمّا يَدخُلُ مِن أُمَّتِي ...»، [وفِيهِ]: وحَدَّثَ نَبِيُّ اللهِ ﷺ: «أنَّهُ رَأى أربَعَةَ أنهارٍ، يَخرُجُ مِن أصلِها: نَهرانِ ظاهِرانِ ونَهرانِ باطِنانِ؛ فَقُلتُ: يا جِبرِيلُ؛ ما هَذِهِ الأَنهارُ؟ قالَ: أمّا النَّهرانِ الباطِنانِ فَنَهرانِ فِي الجَنَّةِ، وأَمّا الظّاهِرانِ فالنِّيلُ والفُراتُ ...». وفي رواية (خ): فِيها قَولُ مُوسى ﵇: «وإنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النّاسَ قَبْلَكَ، وعالَجْتُ بَنِي إسْرائِيلَ أشَدَّ المُعالَجَةِ، فارْجِعْ إلى رَبِّكَ فاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ. قالَ: سَأَلْتُ رَبِّي حَتّى اسْتَحْيَيْتُ، ولَكِنِّي أرْضى وأُسَلِّمُ، قالَ: فَلَمّا جاوَزْتُ نادى مُنادٍ: أمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وخَفَّفْتُ عَنْ عِبادِي».
وفي رواية (خ) [بَعدَ ذِكرِ البَيتِ المُعمُور]: «ثُمَّ أُتِيتُ بِإناءٍ مِن خَمْرٍ وإناءٍ مِن لَبَنٍ وإناءٍ مِن عَسَلٍ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ، فَقالَ: هِيَ الفِطْرَةُ».
-فيه دليل على فضل الحكمة وأنه ليس بعد الإيمان أجلّ منها كما قال تعالى (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا).
-فيه إشارة إلى فضل ماء زمزم وأثره في تطهير الظاهر والباطن.
-بكاء موسى ﵇ ليس حسدًا حاشاه، ولأن الحسد منزوع في ذلك العالم ولكن كان بكاؤه على ما فاته من الأجر لما وقع من أمته من المخالفة التي اقتضت أن يكونوا أقل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في الجنة.
-ينبغي على الداعية الحرص على صلاح أتباعه وطلابه والسعي لذلك ما استطاع إليه سبيلا.
-وَالْحِكْمَةُ فِي وُقُوعِ فَرْضِ الصَّلَاةِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ لَمَّا قُدِّسَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا حِينَ غُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ بِالْإِيمَانِ وَالْحِكْمَةِ، وَمِنْ شَأْنِ الصَّلَاةِ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا الطَّهُورُ نَاسَبَ ذَلِكَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَلِيَظْهَرَ شَرَفُهُ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى، وَيُصَلِّي بِمَنْ سَكَنَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَبِالْمَلَائِكَةِ، وَلِيُنَاجِيَ رَبَّهُ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْمُصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ جَلَّ وَعَلَا.
-وأيضا من حكمة تخصيص فرض الصلاة بليلة الإسراء، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عُرج به رأى تعبد الملائكة، وأن منهم القائم فلا يقعد، والراكع فلا يسجد، والساجد فلا يقعد، فجمع الله له ولأمته تلك العبادات كلها في ركعة يصليها العبد بشرائطها من الطمأنينة والإخلاص، وفيه إشارة إلى عظيم بيانها، ولذلك فرضت بغير واسطة.
-فِيهِ مِنْ أَدَبِ الِاسْتِئْذَانِ أَنَّ الْمُسْتَأْذِنَ يُسَمِّي نَفْسَهُ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ بِغَيْرِهِ.
-بيان عظم شأن النبي ﷺ وكرامته على ربه عز وجل، وعظيم ما ادّخر الله له في الآخرة فضلا منه وتكرما، فاللهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
-إثبات صفة الكلام لله تعالى على الوجه اللائق بجلاله، وفيه إثبات كلام الله جل وعلا للنبي ﷺ (ابن حجر).

١١٠. (خ م) (١٦٣) عَنْ أبِي ذَرٍّ ﵁؛ يُحَدِّثُ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «فُرِجَ سَقفُ بَيتِي وأَنا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبرِيلُ ﵇ فَفَرَجَ صَدرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ مِن ماءِ زَمزَمَ، ثُمَّ جاءَ بِطَستٍ مِن ذَهَبٍ مُمتَلِئٍ حِكمَةً وإيمانًا فَأَفرَغَها فِي صَدرِي، ثُمَّ أطبَقَهُ، ثُمَّ أخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إلى السَّماءِ، فَلَمّا جِئنا السَّماءَ الدُّنيا قالَ جِبرِيلُ ﵇ لِخازِنِ السَّماءِ الدُّنيا: افتَح ...»، [وفيه]: «... قالَ: فَلَمّا عَلَونا السَّماءَ الدُّنيا فَإذا رَجُلٌ عَن يَمِينِهِ أسوِدَةٌ وعَن يَسارِهِ أسوِدَةٌ، قالَ: فَإذا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وإذا نَظَرَ قِبَلَ شِمالِهِ بَكى، قالَ: فَقالَ: مَرحَبًا بِالنَّبِيِّ الصّالِحِ والابنِ الصّالِحِ. قالَ: قُلتُ: يا جِبرِيلُ؛ مَن هَذا؟ قالَ: هَذا آدَمُ ﷺ، وهَذِهِ الأَسوِدَةُ عَن يَمِينِهِ وعَن شِمالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ، فَأَهلُ اليَمِينِ أهلُ الجَنَّةِ، والأَسوِدَةُ الَّتِي عَن شِمالِهِ أهلُ النّارِ، فَإذا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وإذا نَظَرَ قِبَلَ شِمالِهِ بَكى ...». قالَ ابنُ شِهابٍ: وأَخبَرَنِي ابنُ حَزمٍ؛ أنَّ ابنَ عَبّاسٍ وأَبا حَبَّةَ الأَنْصارِيَّ كانا يَقُولان: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ثُمَّ عَرَجَ بِي حَتّى ظَهَرتُ لِمُستَوىً أسمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الأَقلامِ». قالَ ابنُ حَزمٍ وأَنَسُ بنُ مالِكٍ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «فَفَرَضَ اللهُ عَلى أُمَّتِي خَمسِينَ صَلاةً ...»، [وفِيهِ]: «قالَ: ثُمَّ أُدخِلتُ الجَنَّة، فَإذا فِيها جَنابِذُ اللُّؤلُؤِ وإذا تُرابُها المِسكُ».
١١١. (خ م) (١٧٠) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄؛ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «لَمّا كَذَّبَتنِي قُرَيشٌ قُمتُ فِي الحِجرِ، فَجَلا اللهُ لِي بَيتَ المَقدِسِ، فَطَفِقتُ أُخبِرُهُم عَن آياتِهِ وأَنا أنظُرُ إلَيهِ».
ورَوى (م) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَقَد رَأَيتُني فِي الحِجرِ وقُرَيشٌ تَسأَلُنِي عَن مَسْراي، فَسَأَلَتنِي عَن أشياءَ مِن بَيتِ المَقدِسِ لَم أُثْبِتْها، فَكُرِبتُ كُربَةً ما كُرِبتُ مِثلَهُ قَطُّ، قالَ: فَرَفَعَهُ اللهُ لِي أنظُرُ إلَيهِ، ما يَسأَلُونِي عَن شَيءٍ إلّا أنبَأتُهُم بِهِ، وقَد رَأيتُنِي فِي جَماعَةٍ مِن الأَنبياءِ، فَإذا مُوسى قائِمٌ يُصلِّي، فَإذا رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ كَأنّهُ مِن رِجالِ شَنُوءَة، وإذا عِيسى ابنُ مَريمُ قائِمٌ يُصلَّي أقرَبُ النّاسِ بِهِ شَبَهًا عُروَةُ بنُ مَسْعُودٍ الثَّقفيُّ، وإذا إبراهِيمُ قائِمٌ يُصلّي أشبَهُ النّاسِ بِهِ صاحِبُكُم، يَعنِي نَفسَهُ، فَحانَت الصَّلاةُ فَأَممتُهُم، فَلَمّا فَرَغتُ مِنَ الصَّلاةِ قالَ قائِلٌ: يا مُحمَّدُ؛ هَذا مالِكٌ صاحِبُ النّارِ فَسَلِّم عَلَيهِ، فالتَفَتُّ إلَيهِ فَبَدَأَنِي بِالسَّلام». وزادَ (م) فِي رِوايَةٍ: «ورَأَيتُ جِبرَيلَ ﵇ فَإذا أقرَبُ مَن رَأَيتُ بِهِ شَبَهًا دِحْيَةُ».

١ ورد في الحديث : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ، منهم :

٦/٠