باب: الدُّعاءُ لِـمَن أتى بِصَدَقَتِهِ


٨٢٧. (خ م) (١٠٧٨) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبِي أوْفى ﵁ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إذا أتاهُ قَومٌ بِصَدَقَتِهِم قالَ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيهِم». فَأَتاهُ أبِي أبُو أوفى بِصَدَقَتِه فَقالَ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى آلِ أبِي أوفى».
-الدعاء لدافع الزكاة سنة مستحبة ليس بواجب. (النووي)

باب: إعْطاءُ مَن يُخافُ عَلى إيمانِهِ


٨٢٨. (خ م) (١٥٠) عَنْ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ ﵁ قالَ: أعطى رَسُولُ اللهِ ﷺ رَهطًا وأَنا جالِسٌ فِيهِم، قالَ: فَتَرَكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِنهُم رَجُلًا لَم يُعطِهِ، وهُوَ أعجَبُهُم إلَيَّ، فَقُمتُ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَسارَرتُهُ فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ ما لَكَ عَن فُلانٍ؟ واللهِ إنِّي لأَراهُ مُؤمِنًا. قالَ: «أو مُسلِمًا». فَسَكَتُّ قَلِيلًا، ثُمَّ غَلَبَنِي ما أعلَمُ مِنهُ، فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ ما لَكَ عَن فُلانٍ؟ فَواللهِ إنِّي لأَراهُ مُؤمِنًا. قالَ: «أو مُسلِمًا». فَسَكَتُّ قَلِيلًا، ثُمَّ غَلَبَنِي ما أعلَمُ مِنهُ، فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ ما لَكَ عَن فُلانٍ؟ فَواللهِ إنِّي لأَراهُ مُؤمِنًا. قالَ: «أو مُسلِمًا»، قالَ: «إنِّي لأُعطِي الرَّجُلَ، وغَيرُهُ أحَبُّ إلَيَّ مِنهُ، خَشيَةَ أن يُكَبَّ فِي النّارِ عَلى وجهِهِ».
وفي رواية: فَضَرَبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِيَدِهِ بَينَ عُنُقِي وكَتِفِي، ثُمَّ قالَ: «أقِتالًا! أي سَعدُ، إنِّي لَأُعطِيَ الرَّجُلَ ...». لَفظُ (خ): «أقبِل أيْ سَعْدُ؛ إنِّي لَأُعطِيَ الرَّجُلَ ...».
-"هذا الحديث أصح دليل على الفرق بين الإيمان والإسلام، وأن الإيمان باطن ومن عمل القلب، والإسلام ظاهر ومن عمل الجوارح، لكن لا يكون مؤمناً إلا مسلماً، وقد يكون مسلماً غير مؤمن، ولفظ هذا الحديث يدل عليه". (القاضي عياض)
-"الْإِسْلَام الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ، وَالْإِيمَان الِاعْتِقَاد بِالْقَلْبِ". (ابن الجوزي)
-"وفيه دلالة لمذهب أهل الحق في قولهم إن الإقرار باللسان لا ينفع إلا إذا اقترن به الاعتقاد بالقلب؛ خلافا لمن قال يكفي الإقرار، وهذا خطأ ظاهر يراه إجماع المسلمين والنصوص في إكفار المنافقين وهذه صفتهم". (النووي)
-"وفيه أنه لا يقطع لأحد بالجنة على التعيين إلا من ثبت فيه نص كالعشرة, وهذا مجمع عليه عند أهل السنة". ( النووي)
-"وفيه جواز تصرف الإمام في مال المصالح وتقديم الأهم فالأهم وإن خفي وجه ذلك على بعض الرعية". (ابن حجر)
-" فيه التأدب مع الكبار، وأنهم يسارّون بما كان من باب التذكير لهم والتنبيه ونحوه، ولا يجاهرون به، فقد يكون في المجاهرة به مفسدة". (النووي)
- وفيه جواز الشفاعة عند الإمام فيما يعتقد الشافع جوازه، وتنبيه الصغير للكبير على ما يظن أنه ذهل عنه، ومراجعة المشفوع إليه في الأمر إذا لم يؤد إلى مفسدة، وأن الإسرار بالنصيحة أولى من الإعلان.. وقد يتعين إذا جر الإعلان إلى مفسدة. (ابن حجر)
-وفيه أن الفاضل لا يقبل ما يشار عليه به مطلقا، بل يتأمله فإن لم تظهر مصلحته لم يعمل به. (النووي)
- "وفيه الاعتذار إلى الشافع إذا كانت المصلحة في ترك إجابته، وأن لا عيب على الشافع إذا ردت شفاعته لذلك". (ابن حجر)
-"وفيه استحباب ترك الإلحاح في السؤال". (ابن حجر)
"وفيه الأمر بالتثبت وترك القطع بما لا يعلم القطع فيه". (النووي)

٨٢٩. (خ) (٩٢٣) عَنْ عَمْرِو بْنِ تَغْلِبَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ أُتِيَ بِمالٍ أو سَبيٍ فَقَسَمَهُ، فَأَعطى رِجالًا وتَرَكَ رِجالًا، فَبَلَغَهُ أنَّ الَّذِينَ تَرَكَ عَتَبُوا، فَحَمِدَ اللهَ ثُمَّ أثنى عَلَيهِ ثُمَّ قالَ: «أمّا بَعدُ؛ فَوَ اللهِ إنِّي لأُعطِي الرَّجُلَ وأَدَعُ الرَّجُلَ، والَّذِي أدَعُ أحَبُّ إلَيَّ مِن الَّذِي أُعطِي، ولَكِن أُعطِي أقوامًا لِما أرى فِي قُلُوبِهِم مِن الجَزَعِ والهَلَعِ، وأَكِلُ أقوامًا إلى ما جَعَلَ اللهُ فِي قُلُوبِهِم مِن الغِنى والخَيرِ، فِيهِم عَمرُو بنُ تَغلِبَ». فَوَ اللهِ ما أُحِبُّ أنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ حُمرَ النَّعَمِ.
-"قال غيره: وفيه من الفقه أن البشر فاضلهم ومفضولهم، قد جبلوا على حب العطاء، وبغض المنع، والإسراع إلى إنكار ذلك قبل الفكرة في عاقبته. (ابن بطال)
- وفيه أن المنع قد لا يكون مذمومًا، ويكون أفضل للممنوع لقوله (ﷺ) : (وأَكِلُ أقوامًا إلى ما جعل في قلوبهم من الغنى والخير)، وهذه المنزلة التى شهد لهم بها النبى (ﷺ) أفضل من العطاء الذى هو عرض الدنيا، ألا ترى أن عمرو بن تغلب اغتبط بذلك بعد جزعه منه، وقال: (ما أحب أن لي ذلك حمر النعم) ". (ابن بطال)
-"وفيه استئلاف من يخشى منه، والاعتذار إلى من ظن ظنًا والأمر بخلاف ظنه، وهذا موضع كان يحتمل التأنيب للظان، واللوم له لكنه (ﷺ) رءوف رحيم كما وصفه الله". (ابن بطال)

باب: إعْطاءُ الـمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ عَلى الإسْلامِ وصَبْرِ مَن قَوِيَ إيمانُهُ


٨٣٠. (خ م) (١٠٥٩) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁؛ أنَّ أُناسًا مِن الأَنصارِ قالُوا يَومَ حُنَينٍ، حِينَ أفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِن أموالِ هَوازِنَ ما أفاءَ، فَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُعطِي رِجالًا مِن قُرَيشٍ المِائَةَ مِن الإبِلِ، فَقالُوا: يَغفِرُ اللهُ لِرَسُولِ اللهِ، يُعطِي قُرَيشًا ويَترُكُنا، وسُيُوفُنا تَقطُرُ مِن دِمائِهِم. قالَ أنَسُ بنُ مالِكٍ: فَحُدِّثَ ذَلكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِن قَولِهِم، فَأَرسَلَ إلى الأَنصارِ، فَجَمَعَهُم فِي قُبَّةٍ مِن أدَمٍ، فَلَمّا اجتَمَعُوا جاءَهُم رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَقالَ: «ما حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنكُم؟» فَقالَ لَهُ فُقَهاءُ الأَنصارِ: أمّا ذَوُو رَأيِنا يا رَسُولَ اللهِ فَلَم يَقُولُوا شَيئًا، وأَمّا أُناسٌ مِنّا حَدِيثَةٌ أسنانُهُم قالُوا: يَغفِرُ اللهُ لِرَسُولِهِ، يُعطِي قُرَيشًا ويَترُكُنا، وسُيُوفُنا تَقطُرُ مِن دِمائِهِم. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «فَإنِّي أُعطِي رِجالًا حَدِيثِي عَهدٍ بِكُفرٍ أتَأَلَّفُهُم، أفَلا تَرضَونَ أن يَذهَبَ النّاسُ بِالأَموالِ، وتَرجِعُونَ إلى رِحالِكُم بِرَسُولِ اللهِ، فَواللهِ لَما تَنقَلِبُونَ بِهِ خَيرٌ مِمّا يَنقَلِبُونَ بِهِ». فَقالُوا: بَلى يا رَسُولَ اللهِ؛ قَد رَضِينا. قالَ: «فَإنَّكُم سَتَجِدُونَ أثَرَةً شَدِيدَةً، فاصبِرُوا حَتّى تَلقَوا اللهَ ورَسُولَهُ، فَإنِّي عَلى الحَوضِ». (قالُوا: سَنَصبِرُ). لَفظُ (خ): قالَ: فَلَم يَصبِرُوا. وفي رواية: فَقالَت الأَنصارُ: إنَّ هَذا لَهُوَ العَجَبُ، إنَّ سُيُوفَنا تَقطُرُ مِن دِمائِهِم، وإنَّ غَنائِمَنا تُرَدُّ عَلَيهِم. فَبَلَغَ ذَلكَ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَجَمَعَهُم، فَقالَ: «ما الَّذِي بَلَغَنِي عَنكُم؟» قالُوا: هُوَ الَّذِي بَلَغَكَ. وكانُوا لا يَكذِبُونَ ... وفي رواية (خ): فَغَضِبَت الأَنصارُ. وفي رواية (خ): فِي قُبَّةِ مِن أدَمٍ، ولَم يَدْعُ مَعَهُم أحَدًا غَيرَهُم. وفي رواية: فَقالَ: «أفِيكُم أحَدٌ مِن غَيرِكُم؟» فَقالُوا: لا، إلّا ابنُ أُختٍ لَنا. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ ابنَ أُختِ القَومِ مِنهُم». فَقالَ: «إنَّ قُرَيشًا حَدِيثُ عَهدٍ بِجاهِلِيةٍ ومُصِيبَةٍ، وإني أرَدتُ أن أجْبُرَهُم وأَتَأَلَّفَهُم، أما تَرضَونَ ...». الحديث.
ورَوى (خ) عَن أنَسٍ عَنِ النَّبيِّ ﷺ قالَ: «مَولى القَومِ مِن أنفُسِهِم».
ورَوى (م) عَنْ أنَسٍ قالَ: افتَتَحنا مَكَةَ، ثُمَّ إنّا غَزَونا حُنَينًا، فَجاءَ المُشرِكُونَ بِأَحسَنِ صُفُوفٍ رَأَيتُ، قالَ: فَصُفَّتِ الخَيلُ، ثُمَّ صُفَّتِ المُقاتِلَةُ، ثُمَّ صُفَّت النِّساءُ مِن وراءِ ذَلكَ، ثُمَّ صُفَّت الغَنَمُ، ثُمَّ صُفَّت النَّعَم، قالَ: ونَحنُ بَشَرٌ كَثِيرٌ، قَد بَلَغَنا سِتَةَ آلافٍ، وعَلى مُجَنِّبَةِ خَيلِنا خالدَ بْنِ الوَليدِ. قالَ: فَجَعَلت خَيلُنا تَلْوِي خَلْفَ ظُهُورِنا، فَلَم نَلبَث أن انكَشَفَت خَيلُنا، وفَرَّت الأَعرابُ ومَن نَعلَمُ مِن النّاسِ، قالَ: فَنادى رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يا لِلمُهاجِرِينَ، يا لِلمُهاجِرِينَ»، ثُمَّ قالَ: «يا لَلأَنصارِ، يا لَلأَنصارِ». وقالَ أنَسٌ: هَذا حَدِيثُ عِمِّيَّةٍ، قالَ: قُلنا: لَبَّيكَ يا رَسُولَ اللهِ، قالَ: فَتَقدَّمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، قالَ: فَأَيمُ اللهِ ما أتَيناهُم حَتّى هَزَمَهُم اللهُ، قالَ: فَقَبَضنا ذَلكَ المالُ، ثُمَّ انطَلَقنا إلى الطّائِفِ فَحاصَرناهُم أربَعِينَ لَيلَةً، ثُمَّ رَجَعنا إلى مَكَّةَ فَنَزَلنا، قالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُعطِي الرَّجُلَ المِائَةَ مِن الإبِلِ.
-"وفيه أن للإمام تصريف الخمس ومال الفيء في مصالح المسلمين، وأنه حل للأغنياء، وأن له أن يفضل فيه الناس على قدر ما يراه، وأن يعطى منه الكثير". (القاضي عياض)
-"قوله ﷺ (ابن أخت القوم منهم): استدل به من يورث ذوي الأرحام، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد وآخرين، ومذهب مالك والشافعي وآخرين أنهم لا يرثون، وأجابوا بأنه ليس في هذا اللفظ ما يقتضي توريثه، وإنما معناه أن بينه وبينهم ارتباطا وقرابة ولم يتعرض للإرث، وسياق الحديث يقتضي أن المراد أنه كالواحد منهم في إفشاء سرهم بحضرته ونحو ذلك". (النووي)
-إقامة الحجة على الخصم، وإفحامه بالحقّ عند الحاجة إليه".
-"بيان حسن أدب الأنصار - _ - في تركهم المماراة، والمبالغة في الحياء، وبيان أن الذي نُقِل عنهم إنما كان عن شُبّانهم، لا عن شيوخهم وكهولهم".
-"أن فيه مناقبَ عظيمةً للأنصار لِمَا اشتمل من ثناء الرسول - ﷺ - البالغ عليهم".(البحر المحيط الثجاج)
-" وفيه أيضا أنه عرفهم قدر نعمة الله عليهم في تميزهم دون أهل الأرض برسول الله - ﷺ -، وفي مثل هذا الموضع يحسن الاعتداد بالنعمة مخافة أن تفضي الغفلة عنها إلى نسيانها، لقوله - ﷺ -: (أما ترضون أن تذهب الناس بالأموال، وترجعون إلى رحالكم برسول الله - ﷺ -، فوالله ما تنقلبون به خير مما ينقلبون به)." (ابن هبيرة)
-"بيان أن الكبير ينبه الصغير على ما يَغْفُل عنه، ويوضِّح له وجه الشبهة؛ ليرجع إلى الحقّ".
-"فيه المعاتبةَ، واستعطافَ المعاتب، وإعتابه عن عَتْبِه بإقامة حجةِ مَن عَتَبَ عليه، والاعتذار، والاعتراف.
-"فيه علمًا من أعلام النبوة؛ لقوله - ﷺ -: "ستلقون بعدي أَثَرَةً"، فكان كما قال". (البحر المحيط الثجاج)
-" وقد دل هذا على أن الصبر على الأثرة من أبواب البر العظام؛ لأنه يستأثر على المسلم بما يرى أنه حقه فصبره عنه أفضل من صبره عن شيء لا يرى أن له فيه حقا". (ابن هبيرة)
-"أن مَن طَلَب حقه من الدنيا لا عَتْبَ عليه في ذلك.
-"مشروعية الخطبة عند الأمر الذي يَحْدُث، سواءٌ كان خاصًّا أم عامًّا".
-جواز تخصيص بعض المخاطبين في الخطبة".
-تسلية من فاته شيء من الدنيا بما حَصَل له من ثواب الآخرة، والحضّ على طلب الهداية والألفة والغنى، وأن المنة لله عزَّ وجلَّ ورسوله - ﷺ - على الإطلاق".
"تقديم جانب الآخرة على الدنيا، والصبر عما فات منها؛ ليُدَّخَر ذلك لصاحبه في الآخرة، والآخرة خير وأبقى".(البحر المحيط الثجاج)

٨٣١. (خ م) (١٠٥٩) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: لَمّا كانَ يَومُ حُنَينٍ أقبَلَت هَوازِنُ وغَطَفانُ وغَيرُهُم بِذَرارِيِّهِم ونَعَمِهِم، ومَعَ النَّبِيِّ ﷺ يَومَئِذٍ عَشَرَةُ آلافٍ، ومَعَهُ الطُّلَقاءُ، فَأَدبَرُوا عَنهُ حَتّى بَقِيَ وحدَهُ، قالَ: فَنادى يَومَئِذٍ نِداءَينِ لَم يَخلِط بَينَهُما شَيئًا، قالَ: فالتَفَتَ عَن يَمِينِهِ فَقالَ: «يا مَعشَرَ الأَنصارِ». فَقالُوا: لَبَّيكَ يا رَسُولَ اللهِ؛ أبشِر نَحنُ مَعَكَ. قالَ: ثُمَّ التَفَتَ عَن يَسارِهِ فَقالَ: «يا مَعشَرَ الأَنصارِ». قالُوا: لَبَّيكَ يا رَسُولَ اللهِ؛ أبشِر نَحنُ مَعَكَ. قالَ: وهُوَ عَلى بَغلَةٍ بَيضاءَ، فَنَزَلَ فَقالَ: «أنا عَبدُ اللهِ ورَسُولُهُ». فانهَزَمَ المُشرِكُونَ، وأَصابَ رَسُولُ اللهِ ﷺ غَنائِمَ كَثِيرَةً، فَقَسَمَ فِي المُهاجِرِينَ والطُّلَقاءِ، ولَم يُعطِ الأَنصارَ شَيئًا، فَقالَت الأَنصارُ: إذا كانَت الشِّدَّةُ فَنَحنُ نُدعى، وتُعطى الغَنائِمُ غَيرَنا. فَبَلَغَهُ ذَلكَ، فَجَمَعَهُم فِي قُبَّةٍ فَقالَ: «يا مَعشَرَ الأَنصارِ؛ ما حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنكُم؟» فَسَكَتُوا، فَقالَ: «يا مَعشَرَ الأَنصارِ؛ أما تَرضَونَ أن يَذهَبَ النّاسُ بِالدُّنيا وتَذهَبُونَ بِمُحَمَّدٍ تَحُوزُونَهُ إلى بُيُوتِكُم؟» قالُوا: بَلى يا رَسُولَ اللهِ؛ رَضِينا. قالَ: فَقالَ: «لَو سَلَكَ النّاسُ وادِيًا وسَلَكَت الأَنصارُ شِعبًا لأَخَذتُ شِعبَ الأَنصارِ». قالَ هِشامٌ: فَقُلتُ: يا أبا حَمزَةَ؛ أنتَ شاهِدٌ ذاكَ؟ قالَ: وأَينَ أغِيبُ عَنهُ؟.
-" في هذا الحديث من الفقه أن رسول الله - ﷺ - حكم على الأنصار حكم الواثق بمتانة دينهم، وأن ذوي آرائهم فهموا ذلك فلم يقولوا إلا خيرا". (ابن هبيرة)

٨٣٢. (خ م) (١٠٦١) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَمّا فَتَحَ حُنَينًا قَسَمَ الغَنائِمَ، فَأَعطى المُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُم، فَبَلَغَهُ أنَّ الأَنصارَ يُحِبُّونَ أن يُصِيبُوا ما أصابَ النّاسُ، فَقامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَخَطَبَهُم، فَحَمِدَ اللهَ وأَثنى عَلَيهِ، ثُمَّ قالَ: «يا مَعشَرَ الأَنصارِ؛ ألَم أجِدكُم ضُلاَّلًا فَهَداكُم اللهُ بِي، وعالَةً فَأَغناكُم اللهُ بِي، ومُتَفَرِّقِينَ فَجَمَعَكُم اللهُ بِي». ويَقُولُونَ: اللهُ ورَسُولُهُ أمَنُّ. فَقالَ: «ألا تُجِيبُونِي؟» فَقالُوا: اللهُ ورَسُولُهُ أمَنُّ. فَقالَ: «أما إنَّكُم لَو شِئتُم أن تَقُولُوا كَذا وكَذا، وكانَ مِن الأَمرِ كَذا وكَذا». (لأَشياءَ عَدَّدَها، زَعَمَ عَمرٌو أن لا يَحفَظُها)، فَقالَ: «ألا تَرضَونَ أن يَذهَبَ النّاسُ بِالشّاءِ والإبِلِ، وتَذهَبُونَ بِرَسُولِ اللهِ إلى رِحالِكُم، الأَنصارُ شِعارٌ، والنّاسُ دِثارٌ، ولَولا الهِجرَةُ لَكُنتُ امرأً مِن الأَنصار، ولَو سَلَكَ النّاسُ وادِيًا وشِعبًا لَسَلَكتُ وادِيَ الأَنصارِ وشِعبَهُم، إنَّكُم سَتَلقَونَ بَعدِي أثَرَةً، فاصبِرُوا حَتّى تَلقَونِي عَلى الحَوضِ». ورَوى (خ) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «لَوْ أنَّ الأَنْصارَ سَلَكُوا وادِيًا...» نَحْوُهُ، وفِيهِ: فَقالَ أبُو هُرَيْرَةَ: ما ظَلَمَ بِأَبِي وأُمِّي، آوَوْهُ ونَصَرُوه، أو كَلِمَةً أُخرى.
-"فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى إعْطَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، إلَّا أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الزَّكَاةِ فَلَا يَدْخُلُ فِي بَابِهَا، إلَّا بِطَرِيقِ أَنْ يُقَاسَ إعْطَاؤُهُمْ مِنْ الزَّكَاةِ عَلَى إعْطَائِهِمْ مِنْ الْفَيْءِ وَالْخُمْسِ".
-"وَهَذَا " الضَّلَالُ " الْمُشَارُ إلَيْهِ ضَلَالُ الْإِشْرَاكِ وَالْكُفْرِ، وَالْهِدَايَةُ بِالْإِيمَانِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ نِعْمَةَ الْإِيمَانِ أَعْظَمُ النِّعَمِ، بِحَيْثُ لَا يُوَازِيهَا شَيْءٌ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا، ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِنِعْمَةِ الْأُلْفَةِ، وَهِيَ أَعْظَمُ مِنْ نِعْمَةِ الْأَمْوَالِ، إذْ تُبْذَلُ الْأَمْوَالُ فِي تَحْصِيلِهَا وَقَدْ كَانَتْ الْأَنْصَارُ فِي غَايَةِ التَّبَاعُدِ وَالتَّنَافُرِ، وَجَرَتْ بَيْنَهُمْ حُرُوبٌ قَبْلَ الْمَبْعَثِ، مِنْهَا: يَوْمُ بُعَاثٍ، ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِنِعْمَةِ الْغِنَى وَالْمَالِ".
-"قَوْلِ الرَّاوِي " كَذَا وَكَذَا " وَقَدْ تَبَيَّنَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، فَتَأَدُّبُ الرَّاوِي بِالْكِنَايَةِ، فِي جُمْلَةِ ذَلِكَ: جَبْرٌ لِلْأَنْصَارِ، وَتَوَاضُعٌ وَحُسْنُ مُخَاطَبَةٍ وَمُعَاشَرَةٍ".
-"وَفِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَلَا تَرْضَوْنَ - إلَى آخِرِهَا» إثَارَةٌ لِأَنْفُسِهِمْ وَتَنْبِيهٌ عَلَى مَا وَقَعَتْ الْغَفْلَةُ عَنْهُ مِنْ عِظَمِ مَا أَصَابَهُمْ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا أَصَابَ غَيْرَهُمْ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا".
"وَفِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " لَوْلَا الْهِجْرَةُ " وَمَا بَعْدَهُ: إشَارَةٌ عَظِيمَةٌ بِفَضِيلَةِ الْأَنْصَارِ، وَقَوْلُهُ " لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ " أَيْ فِي الْأَحْكَامِ وَالْعِدَادِ". (ابن دقيق العيد)

٨٣٣. (م) (١٠٦٠) عَنْ رافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ﵁ قالَ: أعطى رَسُولُ اللهِ ﷺ أبا سُفيانَ بنَ حَربٍ وصَفوانَ بنَ أُمَيَّةَ وعُيَينَةَ بنَ حِصنٍ والأَقرَعَ بنَ حابِسٍ كُلَّ إنسانٍ مِنهُم مِائَةً مِنَ الإبِلِ، وأَعطى عَبّاسَ بنَ مِرداسٍ دُونَ ذَلكَ، فَقالَ عَبّاسُ ابنُ مِرداسٍ:
أتَجْعَلُ نَهْبِي ونَهْبَ العُبَيْدِ *** بَيْنَ عُيَيْنَةَ والأَقْرَعِ
فَما كانَ بَدْرٌ ولا حابِسٌ *** يَفُوقانِ مِرْداسَ فِي المَجْمَعِ
وما كُنْتُ دُونَ امْرِئٍ مِنهُما *** ومَن تَخْفِضِ اليَوْمَ لا يُرْفَعِ
قالَ: فَأَتَمَّ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِائَةً.
-جواز إنشاد الشعر، وجواز الاستماع إليه".
"بيان ما كان عليه النبيّ - ﷺ - من مكارم الأخلاق، حيث أعطى لهذا الشاعر ما ساوى فيه أصحابه حتى رضي عنه، {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم: 4]، فصلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين". (البحر المحيط)

باب: ذِكْرُ الخَوارِجِ وصِفاتِهِمْ


٨٣٤. (خ م) (١٠٦٢) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قالَ: لَمّا كانَ يَومُ حُنَينٍ آثَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ناسًا فِي القِسمَةِ، فَأَعطى الأَقرَعَ بنَ حابِسٍ مِائَةً مِن الإبِلِ، وأَعطى عُيَينَةَ مِثلَ ذَلكَ، وأَعطى أُناسًا مِن أشرافِ العَرَبِ، وآثَرَهُم يَومَئِذٍ فِي القِسمَةِ، فَقالَ رَجُلٌ: واللهِ إنَّ هَذِهِ لَقِسمَةٌ ما عُدِلَ فِيها، وما أُرِيدَ فِيها وجهُ اللهِ. قالَ: فَقُلتُ: واللهِ لأُخبِرَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، قالَ: فَأَتَيتُهُ فَأَخبَرتُهُ بِما قالَ، قالَ: فَتَغَيَّرَ وجهُهُ (حَتّى كانَ كالصِّرفِ)، ثُمَّ قالَ: «فَمَن يَعدِلُ إن لَم يَعدِل اللهُ ورَسُولُهُ؟» قالَ: ثُمَّ قالَ: «يَرحَمُ اللهُ مُوسى، قَد أُوذِيَ بِأَكثَرَ مِن هَذا فَصَبَرَ». (قالَ: قُلتُ: لا جَرَمَ، لا أرفَعُ إلَيهِ بَعدَها حَدِيثًا).
-"دليل على حلم رسول الله - ﷺ - عن شرارات النطق الخفي طلبًا لجمع الكلمة وكراهية لشق العصا عند نفث كل ناطق غاو ما لم يظهره".
-"وفيه أيضًا جواز تأدية القول الذي ليس بصالح إذا قيل إذا كانت التأدية للحق ليعلم قائله فيحذر".
"وفيه أيضًا أن عبد الله لما رأى أن رسول الله - ﷺ - غضب لذلك الخبر الذي أخبره به ثم لم يزد على أن قال: (قد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر) اقتضى استصوابه أن لا يرفع بعد ذلك إليه ﷺ مثله، وهذا جائز مع أمن الشر الذي يخاف في كتمان مثله مما ينشر أذاه أو يعظم ضرره".(ابن هبيرة)

٨٣٥. (خ م) (١٠٦٤) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁ قالَ: بَعَثَ عَلِيُّ بنُ أبِي طالِبٍ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ مِن اليَمَنِ بِذَهَبَةٍ فِي أدِيمٍ مَقرُوظٍ لَم تُحَصَّل مِن تُرابِها، قالَ: فَقَسَمَها بَينَ أربَعَةِ نَفَرٍ، بَينَ عُيَينَةَ بْنِ حِصنٍ، والأَقرَعِ بْنِ حابِسٍ، وزَيْدِ الخَيلِ، والرّابِــعُ؛ إمّا عَلقَمَةُ بنُ عُلاثَةَ، وإمّا عامِرُ بنُ الطُّفَيلِ، فَقالَ رَجُلٌ مِن أصحابِهِ: كُنّا نَحنُ أحَقَّ بِهَذا مِن هَؤُلاءِ. قالَ: فَبَلَغَ ذَلكَ النَّبِيَّ ﷺ فَقالَ: «ألا تَأمَنُونِي؟! وأَنا أمِينُ مَن فِي السَّماءِ، يَأتِينِي خَبَرُ السَّماءِ صَباحًا ومَساءً». قالَ: فَقامَ رَجُلٌ غائِرُ العَينَينِ، مُشرِفُ الوَجنَتَينِ، ناشِزُ الجَبهَةِ، كَثُّ اللِّحيَةِ، مَحلُوقُ الرَّأسِ، مُشَمَّرُ الإزارِ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ اتَّقِ اللهَ. فَقالَ: «ويلَكَ؛ أوَلَستُ أحَقَّ أهلِ الأَرضِ أن يَتَّقِيَ اللهَ». قالَ: ثُمَّ ولّى الرَّجُلُ، فَقالَ خالِدُ بنُ الوَلِيدِ: يا رَسُولَ اللهِ؛ ألا أضرِبُ عُنُقَهُ؟ فَقالَ: «لا لَعَلَّهُ أن يَكُونَ يُصَلِّي». قالَ خالِدٌ: وكَم مِن مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسانِهِ ما لَيسَ فِي قَلبِهِ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنِّي لَم أُومَر أن أنقُبَ عَن قُلُوبِ النّاسِ، ولا أشُقَّ بُطُونَهُم». قالَ: ثُمَّ نَظَرَ إلَيهِ وهُوَ مُقَفٍّ فَقالَ: «إنَّهُ يَخرُجُ مِن ضِئضِئِ هَذا قَومٌ يَتلُونَ كِتابَ اللهِ رَطبًا لا يُجاوِزُ حَناجِرَهم، يَمرُقُونَ مِن الدِّينِ كَما يَمرُقُ السَّهمُ مِن الرَّمِيَّةِ». قالَ: أظُنُّهُ قالَ: «لَئِن أدرَكتُهُم لأَقتُلَنَّهُم قَتلَ ثَمُودَ».
-" وفي هذا الحديث: أن خالدًا قال: يا رسول الله! ألا أضرب عنقه، وفي حديث جابر: أن عمر بن الخطاب ﵁ قال: دعني يا رسول الله، فأقتل هذا المنافق، لا إشكال فيه؛ إذ الجمع ممكن، بأن يكون كل واحد منهما قال ذلك، وأجيب كل واحد منهما بغير ما أجيب به الآخر، والله أعلم" (القرطبي)

٨٣٦. (خ م) (١٠٦٤) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁ قالَ: بَينا نَحنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ وهُوَ يَقسِمُ قَسمًا أتاهُ ذُو الخُوَيصِرَةِ، وهُوَ رَجُلٌ مِن بَنِي تَمِيمٍ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ اعدِل. قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ويلَكَ؛ ومَن يَعدِلُ إن لَم أعدِل؟ قَد خِبتَ ُ وخَسِرتَ ُ إن لَم أعدِل». فَقالَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ ﵁: يا رَسُولَ اللهِ؛ ائذَن لِي فِيهِ أضرِب عُنُقَهُ. قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «دَعهُ، فَإنَّ لَهُ أصحابًا يَحقِرُ أحَدُكُم صَلاتَهُ مَعَ صَلاتِهِم، وصِيامَهُ مَعَ صِيامِهِم، يَقرَؤُونَ القُرآنَ لا يُجاوِزُ تَراقِيَهُم، يَمرُقُونَ مِن الإسلامِ كَما يَمرُقُ السَّهمُ مِن الرَّمِيَّةِ، يُنظَرُ إلى نَصلِهِ فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيءٌ، ثُمَّ يُنظَرُ إلى رِصافِهِ فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيءٌ، ثُمَّ يُنظَرُ إلى نَضِيِّهِ فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيءٌ، وهُوَ القِدحُ، ثُمَّ يُنظَرُ إلى قُذَذِهِ فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيءٌ، سَبَقَ الفَرثَ والدَّمَ، آيَتُهُم رَجُلٌ أسوَدُ، إحدى عَضُدَيهِ مِثلُ ثَديِ المَرأَةِ، أو مِثلُ البَضعَةِ تَتَدَردَرُ، يَخرُجُونَ عَلى حِينِ فُرقَةٍ مِن النّاسِ». قالَ أبُو سَعِيدٍ: فَأَشهَدُ أنِّي سَمِعتُ هَذا مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ، وأَشهَدُ أنَّ عَلِيَّ بنَ أبِي طالِبٍ ﵁ قاتَلَهُم وأَنا مَعَهُ، فَأَمَرَ بِذَلكَ الرَّجُلِ، فالتُمِس فَوُجِدَ، فَأُتِيَ بِهِ حَتّى نَظَرتُ إلَيهِ عَلى نَعتِ رَسُولِ اللهِ ﷺ الَّذِي نَعَتَ. زادَ (خ) فِي رِوايَةٍ: فَنَزَلَت فِيه: ﴿ومِنهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ﴾ [التوبة: ٥٨].
وفي رواية: أنَّ النَّبِيَّ ﷺ ذَكَرَ قَومًا يَكُونُونَ فِي أُمَّتِهِ يَخرُجُون فِي فُرقَةٍ مِن النّاسِ سِيماهُمُ التَّحالُقُ. (وفيها: قالَ: «هُم شرُّ الخَلقِ أو مِن أشَرِّ الخَلقِ، يَقتُلُهُم أدنى الطّائفَتَينِ إلى الحِقِّ» ... وفِي آخِرِها: قالَ أبو سَعيدٍ: وأَنتُم قَتلتُمُوهُم يا أهلَ العِراقِ).
-في هذا الحديث معجزات ظاهرة لرسول الله ﷺ فإنه أخبر بهذا وجرى كله كفلق الصبح، ويتضمن بقاء الأمة بعده ﷺ وأن لهم شوكة وقوة خلاف ما كان المبطلون يشيعونه".
" وفيه التصريح بأن الطائفتين مؤمنون لا يخرجون بالقتال عن الإيمان ولا يفسقون. (النووي)

٨٣٧. (خ م) (١٠٦٣) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: أتى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ ﷺ بِالجِعرانَةِ مُنصَرَفَهُ مِن حُنَينٍ، وفِي ثَوبِ بِلالٍ فِضَّةٌ، ورسُولُ الله ﷺ يَقبِضُ مِنها يُعطِي النّاسَ، فَقالَ: يا مُحَمَّدُ؛ اعدِل. قالَ: «ويلَكَ؛ ومَن يَعدِلُ إذا لَم أكُن أعدِلُ؟ لَقَد خِبتُ وخَسِرتُ إن لَم أكُن أعدِلُ». فَقالَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ ﵁: دَعنِي يا رَسُولَ اللهِ؛ فَأَقتُلَ هَذا المُنافِقَ. فَقالَ: «مَعاذَ اللهِ أن يَتَحَدَّثَ النّاسُ أنِّي أقتُلُ أصحابِي، إنَّ هَذا وأَصحابَهُ يَقرَؤُونَ القُرآنَ لا يُجاوِزُ حَناجِرَهُم، يَمرُقُونَ مِنهُ كَما يَمرُقُ السَّهمُ مِن الرَّمِيَّةِ». رَواهُ (خ) مُختصَرًا.
٨٣٨. (خ م) (١٠٦٦) عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قالَ: قالَ عَلِيٌّ ﵁: إذا حَدَّثتُكُم عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ فَلأَن أخِرَّ مِن السَّماءِ أحَبُّ إلَيَّ مِن أن أقُولَ عَلَيهِ ما لَم يَقُل، وإذا حَدَّثتُكُم فِيما بَينِي وبَينَكُم فَإنَّ الحَربَ خَدعَةٌ، سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «سَيَخرُجُ فِي آخِرِ الزَّمانِ قَومٌ أحداثُ الأَسنانِ، سُفَهاءُ الأَحلامِ، يَقُولُونَ مِن خَيرِ قَولِ البَرِيَّةِ، يَقرؤُونَ القُرآنَ لا يُجاوِزُ حَناجِرَهُم، يَمرُقُونَ مِن الدِّينِ كَما يَمرُقُ السَّهمُ مِن الرَّمِيَّةِ، فَإذا لَقِيتُمُوهُم فاقتُلُوهُم، فَإنَّ فِي قَتلِهِم أجرًا لِمَن قَتَلَهُم عِندَ اللهِ يَومَ القِيامَةِ».
ورَوى (م) عَن عُبيدِ اللهِ بْنِ أبي رافعٍ مَولى رَسُولِ اللهِ ﷺ؛ أنّ الحَرُورِيَّةَ لما خَرَجَت وهو مَعَ عليِّ بْنِ أبي طالبٍ ﵁ قالوا: لا حُكْمَ إلا للهِ. قال عليٌّ: كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيد بِها باطلٌ، إنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ وصَفَ ناسًا: إنِّي لأعرِفُ صِفَتَهَم في هؤلاء: «يقولُونَ الحقَّ بألسِنَتِهِم لا يَجُوزُ هَذا مِنهُم وأَشارَ إلى حَلقِهِ، مِن أبغَضِ خَلْقِ اللِه إليهِ، مِنهُم أسوَدٌ إحدى يَديهِ طُبْيُ شاةٍ أو حَلَمَة ثَدْيٍ». فَلَمّا قَتَلَهُم عليُّ بنُ أبي طالبٍ ﵁ قالَ: انظُرُوا. فَنَظَرُوا فَلَم يَجِدُوا شَيئًا، فَقالَ: ارجِعُوا، فَوَ اللهِ ما كَذَبتُ ولا كُذِبتُ. مَرَّتَينِ أو ثَلاثًا، ثُمَّ وجَدُوُهُ في خَرِبَةٍ، فَأَتَوا بِهِ حَتّى وضَعُوُهُ بَينَ يَدَيهِ. قالَ عُبِيدُ اللهِ: وأَنا حاضِرُ ذَلكَ مِن أمرِهِم، وقَولُ عليٍّ فيهمَّ.
ورَوى (م) عَن سَلَمَةَ بْنِ كُهَيلٍ: حَدَّثِني زَيدُ بنُ وهبٍ الجُهَنِي؛ أنَّهُ كانَ فِي الجَيش الَّذِينَ كانُوا مَعَ عَلِيٍّ ﵁، الَّذِينَ سارُوا إلى الخَوارِجِ، فَقالَ عَلِيٌّ ﵁: أيُّها النّاسُ؛ إني سَمِعتُ رَسُولَ الله ﷺ يَقُولُ: «يَخرُجُ قَومٌ مِن أُمَّتِي يَقرَؤُونَ القُرآنَ، لَيسَ قِراءتُكُم إلى قِراءَتِهِم بِشَيءٍ، ولا صَلاتُكُم إلى صَلاتِهِم بِشَيءٍ، ولا صِيامُكُم إلى صِيامِهِم بِشَيءٍ، يَقرُؤونَ القُرآنَ، يَحسَبُونَ أنَّهُ لَهُم وهُوَ عَلَيهِم، لا تُجاوِزُ صَلاتُهُم تَراقِيَهُم، يَمرُقُونَ مِن الإسْلامِ كَما يَمرُقُ السَّهمُ مِن الرَّمِيَّةِ». لَو يَعلَمُ الجَيشُ الَّذِينَ يُصِيبُونَهُم ما قُضِيَ لَهُم عَلى لِسانِ نَبِيِّهِم ﷺ لاتَّكَلُوا عَنِ العَمَلِ، وآيَةُ ذَلكَ أنَّ فِيهِم رَجُلًا لَه عَضُدٌ، ولَيسَ لَه ذِراعٌ، عَلى رَأسِ عَضُدِهِ مِثلُ حَلَمَةِ الثَّدي، عَلَيهِ شَعَراتٌ بِيضٌ، فَتَذهَبُونَ إلى مُعاوِيَةَ وأَهلِ الشّامِ وتَترُكُونَ هَؤُلاءِ يَخْلُفُونَكُم فِي ذَرارِيِّكُم وأَموالِكُم، واللهِ إني لَأَرجُو أن يَكُونُوا هَؤُلاءِ القَومُ، فَإنَّهُم قَد سَفَكُوا الدَّمَ الحَرامَ، وأَغارُوا فِي سَرْحِ النّاسِ، فَسِيرُوا عَلى اسمِ اللهِ.
قالَ سَلَمَةُ بنُ كُهَيلٍ: فَنَزَّلني زَيدُ بنُ وهبٍ مَنزِلًا حَتّى قالَ: مَرَرنا عَلى قَنْطَرةٍ، فَلَمّا التَقَينا وعَلى الخَوارِجِ يَومَئِذٍ عَبدُ اللهِ بْنِ وهْبٍ الرّاسِبي فَقالَ لَهُم: ألقَوا الرِّماحَ، وسُلُّوا سُيُوفَكُم مِن جُفُونِها، فَإنِّي أخافُ أن يُناشِدُوكُم كَما ناشَدُوكُم يَومَ حَرُوراء، فَرَجَعُوا فَوَحَّشُوا بِرِماحِهِم وسَلُّوا السُّيُوفَ، وشَجَرَهُم النّاسُ بِرِماحِهِم، قالَ: وقُتِلَ بَعضُهُم عَلى بَعضٍ، وما أُصِيبَ مِنَ النّاسِ يَومَئِذٍ إلّا رَجُلان. فَقالَ عَلي ﵁: التمِسُوا فِيهِم المُخْدَجَ. فالتَمِسُوهُ فَلَم يَجِدُوهُ، فَقامَ عَلِي ﵁ بِنَفسِهِ حَتّى أتى ناسًا قَد قُتِلَ بَعضُهُم عَلى بَعضٍ، قالَ: أخِّرُوهُم. فَوَجَدُوهُ مِمّا يَلِي الأَرضَ، فَكَبَّرَ ثُمَّ قالَ: صَدَق اللهُ، وبَلَّغَ رَسُولُهُ. قالَ: فَقامَ إلَيهِ عَبِيدَة السَّلْماني فَقالَ: يا أمِيرَ المُؤمِنينَ؛ ألله ُالَّذِي لا إلهَ إلا هُوَ لَسَمِعْتَ هَذا الحَدِيثَ مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ؟ فَقالَ: إي واللهِ الَّذِي لا إلهَ إلا هُوَ. حَتّى استَحلَفَهُ ثَلاثًا، وهُوَ يَحلِفُ لَهُ.
- ما كان عليه النبي ﷺ من العفو والصفح والتجاوز وإن كانت الإساءة إليه كبيرة .
- أن ملازمة قراءة القرآن لا يدل على صدق إيمان الشخص حتى يقوم بالعمل به بما فيه.
- فيه بيان صفات الخوارج التي يتميزون بها عن المسلمين ، فهم كثيرو العبادة ، وعداوتهم للمسلمين أكثر من عداوة غيرهم .
- مشروعية قتال الخوارج سواء قلنا : إنهم مرتدون عن الإسلام ، أو قلنا : إنهم بغاة ، خرجوا على أهل العدل .
- إن قتال الخوارج أولى من قتال المشركين ، والحكمة فيه أن في قتلهم حفظ رأس مال الإسلام ، وفي قتال أهل الشرك طلب الربح ، وحفظ رأس المال أولى . (ابن هبيرة)
- التحذير من الغلو في الديانة ، والتنطع في العبادة ، وقد وصف الشارع الشريعة بأنها سهلة سمحة ، وإنما ندب إلى الشدة على الكفار ، والرأفة بالمؤمنين ، فعكس ذلك الخوارج ، فقتلوا المؤمنين.
- أن فيه منقبة لعمر بن الخطاب ﵁ ، لشدة غيرته على الدين حيث استأذن رسول الله ﷺ بقتل ذلك الرجل .
- أن لا يكتفى في التعديل بظاهر الحال ، ولو بلغ المشهود بتعديله الغاية في العبادة ، والتقشف والورع حتى يختبر باطن حاله.
- إن الخوارج شر الفرق المبتدعة من الأمة المحمدية ، ومن اليهود والنصارى .
- قوله : ( وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة ) قال القاضي عياض : جواز التورية والتعريض في الحرب .

باب: لا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ وآلِهِ


٨٣٩. (خ م) (١٠٦٩) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: أخَذَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ تَمرَةً مِن تَمرِ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلَها فِي فِيهِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «كِخ، كِخ، ارمِ بِها، أما عَلِمتَ أنّا لا نَأكُلُ الصَّدَقَةَ».
ورَوى (خ) عَن أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُؤْتى بِالتَّمْرِ عِنْدَ صِرامِ النَّخْلِ، فَيَجِيءُ هَذا بِتَمْرِهِ وهَذا مِن تَمْرِهِ، حَتّى يَصِيرَ عِنْدَهُ كَوْمًا مِن تَمْرٍ، فَجَعَلَ الحَسَنُ والحُسَيْنُ ﵄ يَلْعَبانِ بِذَلِكَ التَّمْرِ، فَأَخَذَ أحَدُهُما تَمْرَةً فَجَعَلَهَ فِي فِيهِ، فَنَظَرَ إلَيْهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَأَخْرَجَها مِن فِيهِ فَقالَ: «أما عَلِمْتَ أنَّ آلَ مُحَمَّدٍ ﷺ لا يَأْكُلُونَ الصَّدَقَةَ».
- بيان تحريم الصدقة على النبي ﷺ وعلى آله .
- جواز تأديب الأطفال بما ينفعهم ، ومنعهم مما يضرهم ، ومن تناول المحرمات ، وإن كانوا غير مكلفين ـ ليتدربوا بذلك .
-في الحديث أن الصبيان يوّقون ما يوّقاه الكبار ، وتمنع من تعاطيه ، وهذا واجب على الولي . (النووي)
- أن فيه الإعلام بسبب النهي ، ومخاطبة من لا يميز بقصد إسماع من يميز ، لأن الحسن _ إذ ذاك كان طفلا .
- قوله : ( كخ كخ ) قال القاضي عياض : هي كلمة زجر بها الصبيان عن المستقذرات ، فيقال له : ( كخ ) أي اتركه ، وارم به ، قال الداودي : هي عجمية معربة بمعنى بئس.

٨٤٠. (خ م) (١٠٧١) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ مَرَّ بِتَمرَةٍ بِالطَّرِيقِ فَقالَ: «لَولا أن تَكُونَ مِن الصَّدَقَةِ لأَكَلتُها».
٨٤١. (خ م) (١٠٧٠) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «واللهِ إنِّي لأَنقَلِبُ إلى أهلِي، فَأَجِدُ التَّمرَةَ ساقِطَةً عَلى فِراشِي، (أو فِي بَيتِي)، فَأَرفَعُها لآكُلَها، ثُمَّ أخشى أن تَكُونَ صَدَقَةً، أو مِن الصَّدَقَةِ فَأُلقِيها».
- بيان أن أموال المسلمين لا يحرم منها إلا ما له قيمة ، ويتشاح في مثله . قال النووي : فيه أن التمرة ونحوها من محقرات الأموال لا يجب تعريفها بل يباح أكلها والتصرف فيها في الحال ، لأنه ﷺ إنما تركها خشية أن تكون من الصدقة لا لكونها لقظة ، وهذا الحكم متفق عليه ، وعلله أصحابنا وغيرهم بأن صاحبها في العادة لا يطلبها ولا يبقى له فيها مطمع . (النووي)
- قوله : ( ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها ) وفيه استعمال الورع ، لأن هذه التمرة لا تحرم بمجرد الاحتمال ، لكن الورع تركها ، والورع هو ترك الشبهات . (النووي)

٨٤٢. (م) (١٠٧٢) عَنْ عَبْدِ المُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الحارِثِ ِ ﵁ قالَ: اجتَمَعَ رَبِيعَةُ بنُ الحارِثِ ﵁، والعَبّاسُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ ﵁ فَقالا: واللهِ لَو بَعَثنا هَذَينِ الغُلامَينِ -قالا لِي ولِلفَضلِ بْنِ عَبّاسٍ- إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَكَلَّماهُ فَأَمَّرَهُما عَلى هَذِهِ الصَّدَقاتِ فَأَدَّيا ما يُؤَدِّي النّاسُ وأَصابا مِمّا يُصِيبُ النّاسُ، قالَ: فَبَينَما هُما في ذَلكَ جاءَ عَلِيُّ بنُ أبِي طالِبٍ فَوَقَفَ عَلَيهِما، فَذَكَرا لَهُ ذَلكَ، فَقالَ عَلِيُّ بن أبي طالبٍ: لا تَفعَلا، فَوَ اللهِ ما هُوَ بِفاعِلٍ. فانتَحاهُ رَبِيعَةُ بنُ الحارِثِ فَقالَ: واللهِ ما تَصنَعُ هَذا إلا نَفاسَةً مِنكَ عَلَينا، فَوَ اللهِ لَقَد نِلتَ صِهرَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَما نَفِسناهُ عَلَيكَ. قالَ عَلِيٌّ: أرسِلُوهُما. فانطَلَقنا، واضطَجَعَ عَلِيٌّ، قالَ: فَلَمّا صَلّى رَسُولُ اللهِ ﷺ الظُّهرَ سَبَقناهُ إلى الحُجرَةِ، فَقُمنا عِندَها حَتّى جاءَ فَأَخَذَ بِآذانِنا، ثُمَّ قالَ: «أخرِجا ما تُصَرِّرانِ». ثُمَّ دَخَلَ ودَخَلنا عَلَيهِ، وهُوَ يَومَئِذٍ عِنْدَ زَينَبَ بِنتِ جَحشٍ، قالَ: فَتَواكَلنا الكَلامَ ثُمَّ تَكَلَّمَ أحَدُنا فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ أنتَ أبَرُّ النّاسِ وأَوصَلُ النّاسِ، وقَد بَلَغنا النِّكاحَ، فَجِئنا لِتُؤَمِّرَنا عَلى بَعضِ هَذِهِ الصَّدَقاتِ فَنُؤَدِّيَ إلَيكَ كَما يُؤَدِّي النّاسُ، ونُصِيبَ كَما يُصِيبُونَ. قالَ: فَسَكَتَ طَوِيلًا حَتّى أرَدنا أن نُكَلِّمَهُ، قالَ: وجَعَلَت زَينَبُ تُلمِعُ عَلَينا مِن وراءِ الحِجابِ أن لا تُكَلِّماهُ. قالَ: ثُمَّ قالَ: «إنَّ الصَّدَقَةَ لا تَنبَغِي لآلِ مُحَمَّدٍ، إنَّما هِيَ أوساخُ النّاسِ، ادعُوا لِي مَحمِيَةَ -وكانَ عَلى الخُمُسِ- ونَوفَلَ بنَ الحارِثِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ». قالَ: فَجاءاهُ، فَقالَ لِمَحمِيَةَ: «أنكِح هَذا الغُلامَ ابنَتَكَ»، لِلفَضلِ بْنِ عَبّاسٍ، فَأَنكَحَهُ، وقالَ لِنَوفَلِ بْنِ الحارِثِ: «أنكِح هَذا الغُلامَ ابنَتَكَ»، لِي، فَأَنكَحَنِي، وقالَ لِمَحمِيَةَ: «أصدِق عَنهُما مِنَ الخُمُسِ كَذا وكَذا». قالَ الزُّهرِيُّ: ولَم يُسَمِّهِ لِي.
وفي رواية: فَأَلقى عَلِيٌّ رِداءَهُ، ثُمَّ اضطَجَعَ عَلَيهِ، وقالَ: أنا أبُو حَسَنٍ القَرْمُ، واللهِ لا أرِيمُ مَكانِي حَتّى يَرجِعَ إلَيكُما ابناكُما بِحَورِ ما بَعَثتُما بِهِ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ.
- تحريم استعمال آل النبي ﷺ على الصدقة .
- بيان العلة التي حرم عليهم من أجلها ، وهي كونها من أوساخ الناس .
- أنه يستحب للعالم إذا استفتي أن يفتي بذكر الدليل ، وبيان علة الحكم حتى يفهم المستفتي حقيقة المسألة .
- بيان أن الغنيمة من أطيب المكاسب ، حيث إن خمسه طاب للنبي ﷺ وآل بيته .
- بيان مشروعية السعي في تحصيل مؤن النكاح .
- بيان اهتمام الوالد بتزويج ولده حتى يحصنه .
- استحباب تقديم الثناء على الإمام بما هو أهله بين يدي المسألة .
- فضل علي حيث كان أعلم بالمسألة دون هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم .
- كمال أدب زينب ﵂ ، حيث أشارت على الغلامين بعدم إعادة الكلام عليه ، بل ينتظران ما يأتي من قبله ﷺ إيجابا أو سلبا .

باب: قَبُولُ النَّبِيِّ ﷺ الهَدِيَّةَ ورَدِّهِ الصَّدَقَةَ


٨٤٣. (خ م) (١٠٧٧) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ إذا أُتِيَ بِطَعامٍ سَأَلَ عَنهُ، فَإن قِيلَ: هَدِيَّةٌ؛ أكَلَ مِنها، وإن قِيلَ: صَدَقَةٌ؛ لَم يَأكُل مِنها.
- بيان تحريم الصدقة عليه ﷺ مطلقا فرضها وتطوعها .
- هذا الحديث يدل على أنه ﷺ ما كان يأكل صدقة التطوع ، كما كان لا يأكل صدقة الواجب ، وأنها لا تحل له . (القرطبي)
- أن فيه استعمال الورع ، والفحص عن أصل المآكل والمشارب .

باب: إباحَةُ ما أُهدِيَ مِنَ الصَّدَقَةِ لِآلِ النَّبِيِّ ﷺ


٨٤٤. (خ م) (١٠٧٤) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: أهدَت بَرِيرَةُ إلى النَّبِيِّ ﷺ لَحمًا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيها، فَقالَ: «هُوَ لَها صَدَقَةٌ ولَنا هَدِيَّةٌ». زادَ (م) فِي رِوايةٍ: أُتِيَ النَّبي ﷺ بَلَحْمِ بَقَرٍ.
٨٤٥. (خ م) (١٠٧٦) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ ﵂ قالَت: بَعَثَ إلَيَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِشاةٍ مِن الصَّدَقَةِ، فَبَعَثتُ إلى عائِشَةَ مِنها بِشَيءٍ، فَلَمّا جاءَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إلى عائِشَةَ قالَ: «هَل عِندَكُم شَيءٌ؟» قالَت: لا، إلا أنَّ نُسَيبَة بَعَثَت إلَينا مِن الشّاةِ الَّتِي بَعَثتُم بِها إلَيها. قالَ: «إنَّها قَد بَلَغَت مَحِلَّها».
- بيان إباحة الهدية للنبي ﷺ وآله.
- بيان أن موالي أزواج النبي ﷺ لا يحرم عليهن الصدقة ، وإن حرمت على الأزواج .
- جواز أكل الغني مما تصدق به على الفقير ، إذا أهداه له.
- بيان جواز قبول الغني هدية الفقير .
- أن فيه بيان الفرق بين الصدقة والهدية في الحكم .
- أن من حرمت عليه الصدقة جاز له أكل عينها إذا تغير حكمها .
- استحباب قبول الهدية ، وإن قل قدرها جبرا لخاطر المهدي .
- فيه بيان أن لمن تُصُدق عليه بصدقة أن يتصرف فيها بما شاء ، ولا ينقص أجر المتصدق .
- بيان أن الصدقة يجوز فيها تصرف الفقير الذي أعطيها ، بالبيع والهدية وغير ذلك .

باب: فِـي زَكاةِ الفِطْرِ


٨٤٦. (خ م) (٩٨٤) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَرَضَ زَكاةَ الفِطرِ مِن رَمَضانَ عَلى النّاسِ؛ صاعًا مِن تَمرٍ، أو صاعًا مِن شَعِيرٍ، عَلى كُلِّ حُرٍّ أو عَبدٍ، ذَكَرٍ أو أُنثى، مِن المُسلِمِينَ. وفي رواية (م): عَلى كُلِّ نَفْسٍ مِنَ المُسلِمِينَ.
وفي رواية: قالَ ابنُ عُمرَ: فَعَدَلَ الناسُ بِهِ نِصفَ صاعٍ مِن بُرٍّ. زادَ (خ): عَن نافعٍ قالَ: فَكانَ ابنُ عُمَرَ يُعطِي التَّمرَ، فأَعوَزَ أهلُ المدينةِ مِنَ التَّمرِ فَأَعطى شعيرًا، فَكانَ ابنُ عُمرَ يُعطِي عَنِ الصَّغيرِ والكبيرِ، حَتى إن كانَ لَيُعطِي عَن بَنِيَّ، وكانَ ابنُ عمر يُعطِيها الذين يَقبَلُونَها، وكانُوا يُعطونَ قَبلَ الفِطرِ بِيَومٍ أو يَومَينِ.
- صدقة الفطر قليلة المقدار ، صاع من تمر أو حب ...عن كل فرد قبيل عيد الفطر ، وهي واجبة على كل مسلم يملك قوته يوم العيد وليلته ، سواء حر وعبد ، ذكر وأنثى ، صغير وكبير ، من كان مكلفا أخرج بنفسه وعن نفسه ، ومن كان غير مكلف أخرج عنه وليه.

٨٤٧. (خ م) (٩٨٦) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ أمَرَ بِزَكاةِ الفِطرِ أن تُؤَدّى قَبلَ خُرُوجِ النّاسِ إلى الصَّلاةِ.
- إلى الصلاة : أي لصلاة العيد .

٨٤٨. (خ م) (٩٨٥) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁ قالَ: كُنّا نُخرِجُ إذ كانَ فِينا رَسُولُ اللهِ ﷺ زَكاةَ الفِطرِ، (عَن كُلِّ صَغِيرٍ وكَبِيرٍ، حُرٍّ أو مَملُوكٍ)، صاعًا مِن طَعامٍ، أو صاعًا مِن أقِطٍ، أو صاعًا مِن شَعِيرٍ، أو صاعًا مِن تَمرٍ، أو صاعًا مِن زَبِيبٍ، فَلَم نَزَل نُخرِجُهُ حَتّى قَدِمَ عَلَينا مُعاوِيَةُ بنُ أبِي سُفيانَ (حاجًّا أو مُعتَمِرًا، فَكَلَّمَ النّاسَ عَلى المِنبَر، فَكانَ فِيما كَلَّمَ بِهِ النّاسَ) أن قالَ: إنِّي أرى أنَّ مُدَّينِ مِن سَمراءِ الشّامِ تَعدِلُ صاعًا مِن تَمرٍ. (فَأَخَذَ النّاسُ بِذَلكَ، قالَ أبُو سَعِيدٍ: فَأَمّا أنا فَلا أزالُ أُخرِجُهُ كَما كُنتُ أُخرِجُهُ أبَدًا ما عِشتُ). وفي رواية (م): أنكَرَ ذَلكَ أبُو سَعِيدٍ.

باب: الـصّاعُ فِـي عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ


٨٤٩. (خ) (٦٧١٢) عَنِ السّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قالَ: كانَ الصّاعُ عَلى عَهدِ النَّبِيِّ ﷺ مُدًّا وثُلُثًا بِمُدِّكُم اليَومَ، فَزِيدَ فِيهِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ.
ورَوى (خ) عَن أبي قُتَيبَةَ؛ عَن مالِكٍ؛ عَن نافِعٍ قالَ: كانَ ابنُ عُمَرَ يُعطِي زَكاةَ رَمَضانَ بِمُدِّ النَّبِيِّ ﷺ المُدِّ الأَوَّلِ، وفِي كَفّارَةِ اليَمِينِ بِمُدِّ النَّبِيِّ ﷺ. قالَ أبُو قُتَيبَةَ: قالَ لَنا مالِكٌ: مُدُّنا أعظَمُ مِن مُدِّكُم، ولا نَرى الفَضلَ إلا فِي مُدِّ النَّبِيِّ ﷺ.
- "مدنا أعظم من مدكم " : يعني في البركة ، أي مد المدينة مخصوص بالبركة الحاصلة بدعاء النبي ﷺ لها فهو أعظم . (ابن حجر )

١ كان رسول الله ﷺ إذا أتاه قوم بصدقتهم قال:

٥/٠