باب: الـتَّرْغِيبُ فِـي الصَّدَقَةِ والحَثِّ عَلَيْها


٨٥٠. (خ م) (٩٩١) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «ما يَسُرُّنِي أنَّ لِي أُحُدًا ذَهَبًا، تَأتِي عَلَيَّ ثالِثَةٌ وعِندِي مِنهُ دِينارٌ، إلا دِينارٌ أرصُدُهُ لِدَينٍ عَلَيَّ».
-فيه الحث على الإنفاق في وجوه الخيرات، وأنه –عليه الصلاة والسلام- كان في أعلى درجات الزهد في الدنيا بحيث إنه لا يحب أن يبقى في يده شيء من الدنيا إلا لإنفاقه فيمن يستحقه وإما لإرصاده لمن له حق. (القسطلاني).
في هذا الحديث: إشارة إلى أن المؤمن لا ينبغي له أن يتمنى كثرة المال إلا بشرط أن يسلطه الله تعالى على إنفاقه في طاعته اقتداء بالشارع في ذلك. وفيه: أن المبادرة إلى الطاعة مطلوبة. وفيه: أنه ﷺ كان يكون عليه دين؛ لكثرة مواساته بقوته وقوت عياله، وإيثاره على نفسه أهل الحاجة. وفيه: الرضا بالقليل والصبر على خشونة العيش. (العيني).

٨٥١. (م) (٧٩) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ﵄؛ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ قالَ: «يا مَعشَرَ النِّساءِ؛ تَصَدَّقنَ، وأَكثِرنَ الاستِغفارَ، فَإنِّي رَأَيتُكُنَّ أكثَرَ أهلِ النّارِ». فَقالَت امرَأَةٌ مِنهُنَّ جَزلَةٌ: وما لَنا يا رَسُولَ اللهِ؛ أكثَرَ أهلِ النّارِ؟ قالَ: «تُكثِرنَ اللَّعنَ، وتَكفُرنَ العَشِيرَ، وما رَأَيتُ مِن ناقِصاتِ عَقلٍ ودِينٍ أغلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنكُنَّ». قالَت: يا رَسُولَ اللهِ؛ وما نُقصانُ العَقلِ والدِّينِ؟ قالَ: «أمّا نُقصانُ العَقلِ فَشَهادَةُ امرَأَتَينِ تَعدِلُ شَهادَةَ رَجُلٍ، فَهَذا نُقصانُ العَقلِ، وتَمكُثُ اللَّيالِي ما تُصَلِّي، وتُفطِرُ فِي رَمَضانَ، فَهَذا نُقصانُ الدِّينِ». رَوى (خ) مَعناهُ عَن أبِي سَعِيدٍ، وفِيهِ: «أذهَب لِلُبِّ الرَّجُلِ الحازِمِ مِن إحداكُنَّ ...»، ورَواهُ (م) عَنهُ ولَم يَذكُر لَفظُهُ.
-فيه الحث على الصدقة وأفعال المبرات وأن الحسنات يذهبن السيئات.
-كفران العشير من الكبائر فإن التوعد بالنار من علامات كون المعصية كبيرة, وكذا إكثار اللعن.
- فيه مراجعة المتعلم العالم والتابع المتبوع فيما قاله إذا لم يظهر له معناه.
-فيه استحباب تذكير النساء الآخرة وحضورهن مجامع العلم لكن بمعزل عن الرجال خوفاً من الفتنة.
نقص الدين قد يكون على وجه يأثم به كمن أخر الصلاة بلا عذر, وقد يكون على وجه لا إثم فيه كمن ترك الجمعة لعذر, وقد يكون على وجه هو مكلف به كترك الحائض الصلاة أو الصوم ( النووي).

٨٥٢. (خ م) (٩٩٣) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ يَبلُغُ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «قالَ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى: يا ابنَ آدَمَ؛ أنفِق أُنفِق عَلَيكَ». وقالَ: «يَمِينُ اللهِ مَلأى، سَحّاءُ، لا يَغِيضُها شَيءٌ، اللَّيلَ والنَّهارَ». وفي رواية زادَ: «أرَأَيتُم ما أنفَقَ مُذ خَلَقَ السَّماءَ والأَرضَ، فَإنَّهُ لَم يَغِض َما فِي يَمِينِهِ، قالَ: وعَرشُهُ عَلى الماءِ، وبِيَدِهِ الأُخرى القَبضُ، يَرفَعُ ويخفِضُ». لَفْظُ (خ): «وبِيَدِهِ الأُخْرى الفَيْضُ، أوِ القَبْضُ، يَرْفَعُ ويَخْفِضُ»، وفي رواية (خ): «وبِيَدِهِ الأُخرى المِيزانُ يَخفِضُ ويَرفَعُ».
-قوله: يخفض ويرفع أي: يخفض الميزان ويرفعه، وهو القسمة بين الخلائق يبسط الرزق على من يشاء ويقتر. (الخطابي).
الفوائد السلوكية : يؤخذ من الحديث الإلحاح بالدعاء, وسؤال الله عز وجل من خيرات الدنيا والآخرة, فبيده خزائن السموات والأرض, ومن عنده تفتح الأرزاق وتبسط, فلا رجاء إلا به, ولا ترفع الدعوات إلا إليه سبحانه.

٨٥٣. (خ م) (١٠١١) عَنْ حارِثَةَ بْنِ وهْبٍ ﵁ يَقُولُ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «تَصَدَّقُوا، فَيُوشِكُ الرَّجُلُ يَمشِي بِصَدَقَتِهِ فَيَقُولُ الَّذِي أُعطِيَها: لَو جِئتَنا بِها بِالأَمس قَبِلتُها، فَأَمّا الآنَ فَلا حاجَةَ لِي بِها، فَلا يَجِدُ مَن يَقبَلُها».
-الحث على المبادرة بالصدقة ، واغتنام إمكانها قبل تعذرها, وسبب عدم قبولهم الصدقة في آخر الزمان لكثرة الأموال وظهور كنوز الأرض، ووضع البركات فيها.
-فيه استحباب المبادرة إلى الخير قبل فوات وقته.

٨٥٤. (خ م) (١٠١٢) عَنْ أبِي مُوسى ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «لَيَأتِيَنَّ عَلى النّاسِ زَمانٌ يَطُوفُ الرَّجُلُ فِيهِ بِالصَّدَقَةِ مِن الذَّهَبِ ثُمَّ لا يَجِدُ أحَدًا يَأخُذُها مِنهُ، ويُرى الرَّجُلُ الواحِدُ يَتبَعُهُ أربَعُونَ امرَأَةً يَلُذنَ بِهِ، مِن قِلَّةِ الرِّجالِ وكَثرَةِ النِّساءِ».
-قوله ﷺ : ( يطوف الرجل بصدقته من الذهب ) إنما هذا يتضمن التنبيه على ما سواه ؛ لأنه إذا كان الذهب لا يقبله أحد ، فكيف الظن بغيره ؟ وقوله ﷺ : ( يطوف ) إشارة إلى أنه يتردد بها بين الناس ، فلا يجد من يقبلها فتحصل التنبيه على عدم قبول الصدقة بالرغم من ثلاثة أمور : كونه يعرضها ، ويطوف بها ، وهي ذهب . 
-قوله ﷺ: ( ويرى الرجل الواحد تتبعه أربعون امرأة يلذن به من قلة الرجال وكثرة النساء ) معنى ليقوم بحوائجهن ويذب عنهن كقبيلة بقي من رجالها واحد فقط وبقيت نساؤها ، فيلذن بذلك الرجل ليذب عنهن ويقوم بحوائجهن. ( النووي)
- وسبب قلة الرجال وكثرة النساء ، فهو الحروب والقتال الذي يقع في آخر الزمان, وتراكم الملاحم ، كما قال ﷺ : (ويكثر الهرج أي القتل ).

٨٥٥. (م) (١٠١٧) عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵁ قالَ: كُنّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي صَدرِ النَّهارِ قالَ: فَجاءَهُ قَومٌ حُفاةٌ عُراةٌ مُجتابِي النِّمارِ أوِ العَباءِ مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، عامَّتُهُم مِن مُضَرَ بَل كُلُّهُم مِن مُضَرَ، فَتَمَعَّرَ وجهُ رَسُولِ اللهِ ﷺ لِما رَأى بِهِم مِنَ الفاقَةِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فَأَمَرَ بِلالًا فَأَذَّنَ، وأَقامَ فَصَلّى، ثُمَّ خَطَبَ فَقالَ: «﴿ياأَيُّها النّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ﴾ إلى آخِرِ الآيَةِ ﴿إنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١]، والآيَةَ الَّتِي فِي الحَشرِ ﴿اتَّقُوا اللَّهَ ولْتَنظُرْ نَفْسٌ مّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ واتَّقُوا اللَّهَ﴾ [الحشر: ١٨]، تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِن دِينارِهِ مِن دِرهَمِهِ مِن ثَوبِهِ مِن صاعِ بُرِّهِ مِن صاعِ تَمرِهِ»، حَتّى قالَ: «ولَو بِشِقِّ تَمرَةٍ». قالَ: فَجاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنصارِ بِصُرَّةٍ كادَت كَفُّهُ تَعجِزُ عَنها بَل قَد عَجَزَت، قالَ: ثُمَّ تَتابَعَ النّاسُ حَتّى رَأَيتُ كَومَينِ مِن طَعامٍ وثِيابٍ، حَتّى رَأَيتُ وجهَ رَسُولِ اللهِ ﷺ يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذهَبَةٌ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن سَنَّ فِي الإسلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أجرُها وأَجرُ مَن عَمِلَ بِها بَعدَهُ مِن غَيرِ أن يَنقُصَ مِن أُجُورِهِم شَيءٌ، ومَن سَنَّ فِي الإسلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كانَ عَلَيهِ وِزرُها ووِزرُ مَن عَمِلَ بِها مِن بَعدِهِ مِن غَيرِ أن يَنقُصَ مِن أوزارِهِم شَيءٌ».
وفي رواية: فَصَلّى الظُّهرَ، ثُمَّ صَعِدَ مِنبَرًا صَغِيرًا فَحَمِدَ اللهَ وأَثنى عَلَيهِ، ثُمَّ قالَ: «أمّا بَعدُ فَإنَّ اللهَ أنزَلَ فِي كِتابِهِ ﴿ياأَيُّها النّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ﴾ [النساء: ١]»، الآيَةَ.
وفي رواية: قالَ: جاءَ ناسٌ مِنَ الأَعرابِ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ عَلَيهِمُ الصُّوفُ، فَرَأى سُوءَ حالِهِم قَد أصابَتهُم حاجَةٌ، فَحَثَّ النّاسَ عَلى الصَّدَقَةِ، فَأَبطَأُوا عَنهُ حَتّى رُئِيَ ذَلِكَ فِي وجهِهِ، قالَ: ثُمَّ إنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنصارِ جاءَ بِصُرَّةٍ مِن ورِقٍ، ثُمَّ جاءَ آخَرُ، ثُمَّ تَتابَعُوا حَتّى عُرِفَ السُّرُورُ فِي وجهِهِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن سَنَّ فِي الإسلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِها بَعدَهُ كُتِبَ لَهُ ...».
وفي رواية: «لا يَسُنُّ عَبدٌ سُنَّةً صالحة يُعمَلُ بها بَعْدَهُ ...».
-قوله : ( فصلى ثم خطب ) فيه استحباب جمع الناس للأمور المهمة ووعظهم وحثهم على مصالحهم وتحذيرهم من القبائح . 
-قوله : ( فقال : يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ) سبب قراءة هذه الآية أنها أبلغ في الحث على الصدقة عليهم ، ولما فيها من تأكد الحق لكونهم إخوة .
-وأما سبب سروره ﷺ ففرحا بمبادرة المسلمين إلى طاعة الله تعالى ، وبذل أموالهم لله وامتثال أمر رسول الله ﷺ ، ولدفع حاجة هؤلاء المحتاجين وشفقة المسلمين بعضهم على بعض ، وتعاونهم على البر والتقوى ، وينبغي للإنسان إذا رأى شيئا من هذا القبيل أن يفرح ويظهر سروره ، ويكون فرحه لما ذكرناه .
قوله : ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها ) فيه الحث على الابتداء بالخيرات وسن السنن الحسنات ، والتحذير من اختراع الأباطيل والمستقبحات (النووي).

باب: الـصَّدَقَةُ عَلى الزَّوْجِ والوَلَدِ والأَقارِبِ


٨٥٦. (خ م) (١٠٠٠) عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵂ قالَت: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «تَصَدَّقنَ يا مَعشَرَ النِّساءِ ولَو مِن حُلِيِّكُنَّ». قالَت: فَرَجَعتُ إلى عَبْدِ اللهِ، (فَقُلتُ: إنَّكَ رَجُلٌ خَفِيفُ ذاتِ اليَدِ، وإنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَد أمَرَنا بِالصَّدَقَةِ)، فَأتِهِ فاسأَلهُ، فَإن كانَ ذَلكَ يَجزِي عَنِّي (وإلا صَرَفتُها إلى غَيرِكُم)، قالَت: فَقالَ لِي عَبدُ اللهِ: بَل ائتِيهِ أنتِ. قالَت: فانطَلَقتُ، فَإذا امرَأَةٌ مِن الأَنصارِ بِبابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ حاجَتِي حاجَتُها، (قالَت: وكانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ قَد أُلقِيَت عَلَيهِ المَهابَةُ)، قالَت: فَخَرَجَ عَلَينا بِلالٌ، فَقُلنا لَهُ: ائتِ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَأَخبِرهُ أنَّ امرَأَتَينِ بِالبابِ تَسأَلانِكَ؛ أتُجزِئُ الصَّدَقَةُ عَنهُما عَلى أزواجِهِما وعَلى أيتامٍ فِي حُجُورِهِما؟ ولا تُخبِرهُ مَن نَحنُ. قالَت: فَدَخَلَ بِلالٌ عَلى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَسَأَلَهُ، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن هُما؟» فَقالَ: امرَأَةٌ مِن الأَنصارِ وزَينَبُ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أيُّ الزَّيانِبِ؟» قالَ: امرَأَةُ عَبْدِ اللهِ. فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَهُما أجرانِ؛ أجرُ القَرابَةِ، وأَجرُ الصَّدَقَةِ». ورَوى (خ) عَن أبِي سَعيدٍ نَحوَهُ وفِيهِ: قالَت: وكان عِندِي حُلِيٌّ لِي ... فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «صَدَقَ ابنُ مسعُودٍ، زَوجُكِ ووَلَدُكِ أحَقُّ مَن تَصَدَّقتِ بِهِ عَلَيهِم».
-قوله ﷺ : ( يا معشر النساء تصدقن ) فيه أمر ولي الأمر رعيته بالصدقة وفعال الخير ، ووعظه النساء إذا لم يترتب عليه فتنة . والمعشر : الجماعة الذين صفتهم واحدة (النووي).
قولهما : ( ولا تخبره من نحن ثم أخبر بهما ) قد يقال : إنه إخلاف للوعد ، وإفشاء للسر . وجوابه : أنه عارض ذلك جواب رسول الله ﷺ ، وجوابه ﷺ واجب محتم لا يجوز تأخيره ، ولا يقدم عليه غيره ، وقد تقرر أنه إذا تعارضت المصالح بدئ بأهمها (النووي).

٨٥٧. (خ م) (١٠٠١) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ﵂ قالَت: قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ هَل لِي أجرٌ فِي بَنِي أبِي سَلَمَةَ؟ أُنفِقُ عَلَيهِم، ولَستُ بِتارِكَتِهِم هَكَذا وهَكَذا، إنَّما هُم بَنِيَّ، فَقالَ: «نَعَم، لَكِ فِيهِم أجرُ ما أنفَقتِ عَلَيهِم».
٨٥٨. (خ م) (٩٩٨) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: كانَ أبُو طَلْحَةَ أكثَرَ أنصارِيٍّ بِالمَدِينَةِ مالًا، وكانَ أحَبُّ أموالِهِ إلَيهِ بَيرَحى، وكانَت مُستَقبِلَةَ المَسْجِدِ، وكانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَدخُلُها، ويَشرَبُ مِن ماءٍ فِيها طَيِّبٍ، قالَ أنَسٌ: فَلَمّا نَزَلَت هَذِهِ الآيَةُ: ﴿لَن تَنالُواْ البِرَّ حَتّى تُنفِقُواْ مِمّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢]، قامَ أبُو طَلْحَةَ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقالَ: إنَّ اللهَ يَقُولُ فِي كِتابِهِ: ﴿لَن تَنالُواْ البِرَّ حَتّى تُنفِقُواْ مِمّا تُحِبُّونَ﴾، وإنَّ أحَبَّ أموالِي إلَيَّ بَيرَحى، وإنَّها صَدَقَةٌ للهِ، أرجُو بِرَّها وذُخرَها عِنْدَ اللهِ، فَضَعها يا رَسُولَ اللهِ حَيثُ شِئتَ. قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «بَخ، ذَلكَ مالٌ رابِحٌ، ذَلكَ مالٌ رابِحٌ، قَد سَمِعتُ ما قُلتَ فِيها، وإنِّي أرى أن تَجعَلَها فِي الأَقرَبِينَ». فَقَسَمَها أبُو طَلْحَةَ فِي أقارِبِهِ وبَنِي عَمِّهِ.
وفي رواية (م): لَمّا نَزَلَت الآيَةُ ... قالَ أبُو طَلْحَةَ: أرى رَبَّنا يَسأَلُنا مِن أموالِنا، فَأُشهِدُكَ يا رَسُولَ اللهِ؛ أنِّي قَد جَعَلتُ أرضِي بَرِيحاء للهِ ...، وفِيها: فَجَعَلَها فِي حَسّانَ بْنِ ثابِتٍ وأُبيِّ بْنِ كَعبٍ. وفي رواية (خ): أكثَرُ الأَنصارِ بِالمَدِينةِ مالًا مِن نَخلٍ. وفِي روايةٍ (خ): «ذَلكَ مالٌ رايِحٌ».
-فيه أن الرجل الصالح قد يضاف إليه حب المال وقد يضيفه هو إلى نفسه، وليس في ذلك نقيصة عليه.
-فيه أن كسب العقار مباح إذا كان حلالا
-فيه مشاورة أهل العلم والفضل في كيفية وجوه الطاعات وغيرها.
– فيه فضيلة الإنفاق من المحبوب.
دليل على أن الوقف يصح , وإن لم يذكر سبله , ومصارف دخله ( العيني).

٨٥٩. (خ م) (٩٩٩) عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الحارِثِ ﵂؛ أنَّها أعتَقَت ولِيدَةً فِي زَمانِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَذَكَرَت ذَلكَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقالَ: «لَو أعطَيتِها أخوالَكِ كانَ أعظَمَ لأَجرِكِ».
-الاعتناء بأقارب الأم إكراما بحقها وهو زيادة في برها.
-فيه جواز تبرع المرأة بما لها بغير إذن زوجها (النووي).
أن الصدقة على الأقارب وضعفاء الأهلين أفضل منها على سائر الناس إذا كانت صدقة تطوع. (العيني).

باب: صِلَةُ الأُمِّ الـمُشْرِكَةِ


٨٦٠. (خ م) (١٠٠٣) عَنْ أسْماءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ ﵂ قالَت: قَدِمَت عَلَيَّ أُمِّي وهِيَ مُشرِكَةٌ، فِي عَهدِ قُرَيشٍ إذ عاهَدَهُم، فاستَفتَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ قَدِمَت عَلَيَّ أُمِّي وهِيَ راغِبَةٌ، أفَأَصِلُ أُمِّي؟ قالَ: «نَعَم، صِلِي أُمَّكِ». وفي رواية (م): وهِي راغِبَةٌ أو راهِبَةٌ.
وفي رواية (خ) زادَ: قالَ ابنُ عُيَينَةَ: فَأَنزَلَ اللهُ تَعالى فِيها: ﴿لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [الممتحنة: ٨].
-فيه موادعة أهل الحرب ومعاملتهم في زمن الهدنة ( الهرري).
فيه أن الرحم الكافرة توصل بالمال ونحوه كما توصل المسلمة (الخطابي).

باب: الـصَّدَقَةُ عَنِ الأُمِّ الـمَيِّتَةِ


٨٦١. (خ م) (١٠٠٤) عَنْ عائِشَةَ ﵂؛ أنَّ رَجُلًا أتى النَّبِيَّ ﷺ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ إنَّ أُمِّيَ افتُلِتَت نَفسُها (ولَم تُوصِ)، وأَظُنُّها لَو تَكَلَّمَت تَصَدَّقَت، أفَلَها أجرٌ إن تَصَدَّقتُ عَنها؟ قالَ: «نَعَم». وفي رواية (م): فَلِي أجرٌ أن أتَصَدَّقَ عَنها؟
ورَوى (خ) عَن ابْنِ عَبّاسٍ ﵁؛ أنَّ سَعْدَ بْنَ عُبادَةَ ﵁ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وهُوَ غائِبٌ عَنْها، فَقالَ يا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وأَنا غائِبٌ عَنْها، أيَنْفَعُها شَيْءٌ إنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْها؟ قالَ: «نَعَمْ». قالَ: «فَإنِّي أُشْهِدُكَ أنَّ حائِطِيَ المِخْرافَ صَدَقَةٌ عَلَيْها.
-فيه أن الصدقة عن الميت تنفع الميت ويصله ثوابها وهو كذلك بإجماع العلماء, وكذا أجمعوا على وصول الدعاء وقضاء الدين بالنصوص الواردة (النووي).

باب: اتَّقُوا النّارَ ولَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ


٨٦٢. (خ م) (١٠١٦) عَنْ عَدِيِّ بْنِ حاتِمٍ ﵁ قالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ النّارَ فَأَعرَضَ وأَشاحَ، ثُمَّ قالَ: «اتَّقُوا النّارَ»
. ثُمَّ أعرَضَ وأَشاحَ، حَتّى ظَنَنّا أنَّهُ كَأَنَّما يَنظُرُ إلَيها، ثُمَّ قالَ: «اتَّقُوا النّارَ ولَو بِشِقِّ تَمرَةٍ، فَمَن لَم يَجِد فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ».
-فيه أن لا يحقر الإنسان ما يتصدق به وإن كان يسيرًا فإنه يستر المتصدق من النار (القسطلاني)..
فيه أن الكلمة الطيبة سبب للنجاة من النار, وهي الكلمة التي فيها تطييب قلب إنسان إذا كانت مباحة أو طاعة. (النووي).

٨٦٣. (خ م) (١٠١٦) عَنْ عَدِيِّ بْنِ حاتِمٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ما مِنكُم مِن أحَدٍ إلا سَيُكَلِّمُهُ اللهُ، لَيسَ بَينَهُ وبَينَهُ تُرجُمانٌ، فَيَنظُرُ أيمَنَ مِنهُ فَلا يَرى إلا ما قَدَّمَ، ويَنظُرُ أشأَمَ مِنهُ فَلا يَرى إلا ما قَدَّمَ، ويَنظُرُ بَينَ يَدَيهِ فَلا يَرى إلا النّارَ تِلقاءَ وجهِه، فاتَّقُوا النّارَ ولَو بِشِقِّ تَمرَة».
وفي رواية (خ): «تُرجُمانٌ ولا حِجابٌ يحجُبُهُ». ورَوى (خ) عَن عَدِيِّ بْنِ حاتِمٍ قالَ: كُنتُ عِنْدَ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَجاءهُ رَجُلانِ؛ أحَدُهُما يَشكُو العَيلَةَ، والآخَرُ يَشكُو قَطعَ السَّبِيلِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أمّا قَطعُ السَّبيلِ فإنَّه لا يَأتِي عَلَيكَ إلّا قَليلٌ حَتّى تَخرُجَ العِيرُ إلى مَكَّةَ بِغَيرِ خَفِيرٍ، وأمّا العَيلةُ فَإنَّ السّاعَةَ لا تَقُومُ حَتّى يَطُوفَ أحَدُكُم بِصَدَقَتِهِ لا يَجِدُ مَن يَقبَلُها مِنهُ، ثُمَّ لَيقِفَنَّ أحَدُكُم بَينَ يَدَيِ اللهِ، لَيسَ بَينَهُ وبَينَهُ حِجابٌ ولا تُرجُمانٌ يُترجِمُ لَهُ، ثُمَّ لَيَقُولَنَّ لَهُ: ألَم أُوتِكَ مالًا؟ فَلَيَقُولَنَّ: بَلى. ثُمَّ لَيَقُولَنَّ: ألَم أُرسِلَ إلَيكَ رَسُولًا؟ فَلَيَقُولَنَّ: بَلى. فَيَنظُرُ عَن يَمِينِهِ فَلا يَرى إلّا النّارَ، ثُمَّ يَنظُرُ عَن شِمالِهِ فَلا يَرى إلّا النّارَ، فَليَتَّقِينَّ أحَدُكُمُ النّارَ ...».
- (فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه ) والسبب في ذلك أن النار تكون في مَمَرِّه ، فلا يمكنه أن يحيد عنها ؛ إذ لابد له من المرور على الصراط ( ابن هبيرة )
- ( فاتقوا النار ولو بشق تمرة ) وفيه الحث على الصدقة ، وأنه لا يمتنع منها لقلتها ، وأن قليلها سبب للنجاة من النار.

باب: الـتَّرْغِيبُ فِـي صَدَقَةِ الـمَنِيحَةِ


٨٦٤. (خ م) (١٠١٩) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ يَبلُغُ بِهِ إلى النَّبِيِّ ﷺ: «ألا رَجُلٌ يَمنَحُ أهلَ بَيتٍ ناقَةً، تَغدُو بِعُسٍّ وتَرُوحُ بِعُسٍّ، إنَّ أجرَها لَعَظِيمٌ». لَفظُ (خ): «نِعمَ الصَّدَقَةُ اللِّقحَةُ الصَّفِيُّ مِنحَةً، والشّاةُ الصَّفِيُّ مِنحَةً، تَغدُو بِإناءٍ وتَرُوحُ بِآخَرَ».
-فيه فضل المنيحة واستحبابها، وكونها من أفضل الأعمال.
- ثانيا: دل الحديث على فضل اللبن، وأنه من أفضل المواد الغذائية للإنسان، كما يؤكد ذلك قوله - ﷺ -: " تغدو بإناء وتروح بإناء " قال ابن القيم: واللبن المطلق أنفع المشروبات للبدن الإنساني، لما اجتمع فيه من التغذية والدموية، ولاعتياده حال الطفولة، وموافقته للفطرة الأصلية (منار القارئ, حمزة محمد).

٨٦٥. (خ) (٢٦٣١) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ﵄ يَقُولُ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أربَعُونَ خَصلَةً؛ أعلاهُنَّ مَنِيحَةُ العَنزِ، ما مِن عامِلٍ يَعمَلُ بِخَصلَةٍ مِنها رَجاءَ ثَوابِها وتَصدِيقَ مَوعُودِها إلا أدخَلَهُ اللهُ بِها الجَنَّةَ». قالَ حَسّانُ: فَعَدَدنا ما دُونَ مَنِيحَةِ العَنزِ مِن رَدِّ السَّلامِ، وتَشمِيتِ العاطِسِ، وإماطَةِ الأَذى عَنِ الطَّرِيقِ، ونَحوِهِ، فَما استَطَعنا أن نَبلُغَ خَمسَ عَشرَةَ خَصلَةً.
-فيه أنه لم يذكر الأربعين خصلة في الحديث، ومعلوم أنه كان عالما بها كلها لا محالة، إلا لمعنى هو أنفع لنا من ذكرها، وذلك والله أعلم خشية أن يكون التعيين لها والترغيب فيها زهدا في غيرها من أبواب المعروف وسبل الخير، وقد جاء عنه، عليه السلام، من الحض على أبواب من أبواب الخير والبر ما لا يحصى كثرة ( ابن بطال).

باب: فَضْلُ إخْفاءِ الصَّدَقَةِ


٨٦٦. (خ م) (١٠٣١) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «سَبعَةٌ يُظِلُّهُم اللهُ فِي ظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ: الإمامُ العادِلُ، وشابٌّ نَشَأَ بِعِبادَةِ اللهِ، ورَجُلٌ قَلبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَساجِدِ، ورَجُلانِ تَحابّا فِي اللهِ اجتَمَعا عَلَيهِ وتَفَرَّقا عَلَيهِ، ورَجُلٌ دَعَتهُ امرَأَةٌ ذاتُ مَنصِبٍ وجَمالٍ فَقالَ: إنِّي أخافُ اللهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَة فَأَخفاها حَتّى لا تَعلَمَ يَمِينُهُ ما تُنفِقُ شِمالُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خالِيًا فَفاضَت عَيناهُ». لَفظُ (خ): «وشابٌّ نَشَأَ فِي عِبادِةِ رِبِّهِ»، وفِيهِ: «حَتّى لا تَعلَمُ شِمالُهُ ما تُنفِقُ يَمِينُهُ». وفي رواية (م): «ورَجُلٌ مُعَلَّقٌ بِالمَسْجِدِ إذا خَرَجَ مِنهُ حَتى يَعُودَ إلَيهِ».
-فيه الحث على التحاب في الله وبيان عظم فضله وهو من المهمات فإن الحب في الله والبغض في الله من الإيمان.
-قال العلماء: وذكر اليمين والشمال مبالغة في الإخفاء والاستتار بالصدقة وضرب المثل بهما لقرب اليمين من الشمال وملازمتها لها ومعناه لو قدرت الشمال رجلا متيقظا لما علم صدقة اليمين لمبالغته في الإخفاء.
-فيه فضيلة البكاء من خشية الله تعالى وفضل طاعة السر لكمال الإخلاص فيها (النووي).

باب: فَضْلُ صَدَقَةِ الصَّحِيحِ الشَّحِيحِ


٨٦٧. (خ م) (١٠٣٢) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: أتى رَسُولَ اللهِ ﷺ رَجُلٌ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ أيُّ الصَّدَقَةِ أعظَمُ؟ فَقالَ: «أن تَصَدَّقَ وأَنتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخشى الفَقرَ وتَأمُلُ الغِنى، ولا تُمهِلَ، حَتّى إذا بَلَغَت الحُلقُومَ قُلتَ: لِفُلانٍ كَذا، ولِفُلانٍ كَذا، ألا وقَد كانَ لِفُلانٍ». وفي رواية: أعظَمُ أجرًا؟ (قالَ: «أما وأَبِيكَ لَتُنَبَّأنّهُ: أنْ تَصَدَّق ...»، وفِيها: «وتَأمُلُ البَقاء»). وفي رواية (خ): «وأَنتَ صَحِيحٌ حَرِيصٌ».
فيه أن أعمال البر كلما صعبت كان أجرها أعظم، لأن الصحيح الشحيح إذا خشى الفقر، وأمل الغنى صعبت عليه النفقة، وسول له الشيطان طول العمر، وحلول الفقر به، فمن تصدق في هذه الحال، فهو مؤثر لثواب الله على هوى نفسه (ابن بطال).

٨٦٨. (خ م) (١٠٣٤) عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزامٍ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «أفضَلُ الصَّدَقَةِ أو خَيرُ الصَّدَقَةِ عَن ظَهرِ غِنًى، واليَدُ العُليا خَيرٌ مِن اليَدِ السُّفلى، وابدَأ بِمَن تَعُولُ».
ورَوى (خ) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبيِّ ﷺ قالَ: «خَيرُ الصَّدَقَةِ ما كانَ عَن ظَهْرِ غِنىً».
-فيه أن أفضل الصدقة ما أخرجه الإنسان من مال بعد أن يستبقي منه قدر الكفاية لأهله وعياله ( الخطابي).

باب: قَبُولُ الصَّدَقَةِ مِنَ الكَسْبِ الطَّيِّبِ وتَرْبِيَتُها


٨٦٩. (خ م) (١٠١٤) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «لا يَتَصَدَّقُ أحَدٌ بِتَمرَةٍ مِن كَسبٍ طَيِّبٍ إلا أخَذَها اللهُ بِيَمِينِهِ، فَيُرَبِّيها كَما يُرَبِّي أحَدُكُم فَلُوَّهُ أو قَلُوصَهُ، حَتّى تَكُونَ مِثلَ الجَبَلِ (أو أعظَمَ)». وفِي رِوايةٍ زادَ: «ولا يَقبَلُ اللهُ إلاَّ الطَّيِّبَ». وفي رواية (م): «وإن كانَت تَمرَةً، فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحمَن ...»، وفي رواية (م): «مِن الكَسْبِ الطيِّبِ فَيَضَعُها فِي حَقِّها».
-أن من تصدق بصدقة قليلة خالصة من الرياء والسمعة من مال حلال، فإن الله يكبر صورتها، ويضاعف ثوابها، ويثقل وزنها في ميزانه يوم القيامة، حتى تكون كالجبل الضخم في صورتها ووزنها ( منار القاري )

٨٧٠. (م) (١٠١٥) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أيُّها النّاسُ؛ إنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقبَلُ إلا طَيِّبًا، وإنَّ اللهَ أمَرَ المُؤمِنِينَ بِما أمَرَ بِهِ المُرسَلِينَ فَقالَ: ﴿ياأَيُّها الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ واعْمَلُوا صالِحًا إنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [المؤمنون: ٥١]، وقالَ: ﴿ياأَيُّها الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ﴾ [البقرة: ١٧٢]، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشعَثَ أغبَرَ، يَمُدُّ يَدَيهِ إلى السَّماءِ: يا رَبِّ يا رَبِّ، ومَطعَمُهُ حَرامٌ، ومَشرَبُهُ حَرامٌ، ومَلبَسُهُ حَرامٌ، وغُذِيَ بِالحَرامِ، فَأَنّى يُستَجابُ لِذَلكَ».
في قوله (يمد يديه إلى السماء ... يا رب ... يا رب) أي يدعو متضرعاً، رافعاً يديه في دعائه، يقول يا رب. يا رب. وهذه الصفات مرشحة لقبول الدعاء، فالمسافر في طاعة من أهل الدعاء المجاب، والشعث والغبرة من مظاهر الحاجة والتضرع المؤهلة لقبول الدعاء، ومد اليدين عند الدعاء، والنداء المكرر، كل ذلك من محققات الإجابة لكنها إذا لوثت بما بعدها من مال حرام بطل مفعولها (موسى شاهين).

باب: تَرْكُ احْتِقارِ قَلِيلِ الصَّدَقَةِ


٨٧١. (خ م) (١٠٣٠) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كانَ يَقُولُ: «يا نِساءَ المُسلِماتِ؛ لا تَحقِرَنَّ جارَةٌ لِجارَتِها ولَو فِرسِنَ شاةٍ».
-فيه أن هذا النهي عن الاحتقار نهي للمعطية المهدية ومعناه لا تمتنع جارة من الصدقة والهدية لجارتها لا استقلالها واحتقارها بالموجود عندها بل تجود بما تيسر ولو كان قليلا كفرسن شاة وهو خير من العدم (النووي).

٨٧٢. (خ م) (١٠١٨) عَنْ أبِي مَسْعُودٍ ﵁ قالَ: أُمِرنا بِالصَّدَقَة، قالَ: كُنّا نُحامِلُ، قالَ: فَتَصَدَّقَ أبُو عَقِيلٍ بِنِصفِ صاعٍ، قالَ: وجاءَ إنسانٌ بِشَيءٍ أكثَرَ مِنهُ، فَقالَ المُنافِقُونَ: إنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَن صَدَقَةِ هَذا، وما فَعَلَ هَذا الآخَرُ إلا رِياءً، فَنَزَلَت: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ والَّذِينَ لا يَجِدُونَ إلاَّ جُهْدَهُمْ﴾ [التوبة: ٧٩]. وفي رواية (خ): فَيَحتالُ أحَدُنا حَتّى يَجيءَ بِالمُدِّ، وإنَّ لِأَحَدِهِم اليَومَ مِائَةَ ألفٍ، كَأَنَّه يُعَرِّضُ بِنَفسِهِ.
الحث على الصدقة بما قل وما جل وأن لا يحتقر ما يتصدق به (ابن حجر).

باب: مَن جَمَعَ الصَّدَقَةَ وأَعْمالَ البِرِّ


٨٧٣. (خ م) (١٠٢٧) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «مَن أنفَقَ زَوجَينِ فِي سَبِيلِ اللهِ نُودِيَ فِي الجَنَّةِ: يا عَبدَ اللهِ هَذا خَيرٌ، فَمَن كانَ مِن أهلِ الصَّلاةِ دُعِيَ مِن بابِ الصَّلاةِ، ومَن كانَ مِن أهلِ الجِهادِ دُعِيَ مِن بابِ الجِهادِ، ومَن كانَ مِن أهلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِن بابِ الصَّدَقَةِ، ومَن كانَ مِن أهلِ الصِّيامِ دُعِيَ مِن بابِ الرَّيّانِ». قالَ أبُو بَكرٍ الصِّدِّيقُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ ما عَلى أحَدٍ يُدعى مِن تِلكَ الأَبوابِ مِن ضَرُورَةٍ؛ فَهَل يُدعى أحَدٌ مِن تِلكَ الأَبوابِ كُلِّها؟ قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «نَعَم، وأَرجُو أن تَكُونَ مِنهُم».
-قوله ﷺ في صاحب الصوم : ( دعي من باب الريان ) قال العلماء : سمي باب الريان تنبيها على أن العطشان بالصوم في الهواجر سيروى وعاقبته إليه ، وهو مشتق من الري . 
-قوله: ( إني لأرجو أن تكون منهم ) فيه منقبة لأبي بكر رضي الله عنه . وفيه جواز الثناء على الإنسان في وجهه إذا لم يخف عليه فتنة بإعجاب وغيره .  (النووي)
-فيه أن من أكثر من شيء عُرِفَ به.
-فيه أن الملائكة يحبون صالحي بني آدم ويفرحون بهم.
فيه أن أعمال البر لا تُفتح في الأغلب للإنسان الواحد في جميعها ، وإن فُتِحَ له في شيء حُرِم غيرها في الأغلب ، وأنه قد يفتح جميعها للقليل من الناس ، وإن الصديق رضي الله عنه منهم (النووي) .

٨٧٤. (م) (١٠٢٨) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن أصبَحَ مِنكُمُ اليَومَ صائِمًا؟» قالَ أبُو بَكرٍ: أنا. قالَ: «فَمَن تَبِعَ مِنكُمُ اليَومَ جَنازَةً؟» قالَ أبُو بَكرٍ: أنا. قالَ: «فَمَن أطعَمَ مِنكُمُ اليَومَ مِسكِينًا؟» قالَ أبُو بَكرٍ: أنا. قالَ: «فَمَن عادَ مِنكُمُ اليَومَ مَرِيضًا؟» قالَ أبُو بَكرٍ: أنا. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ما اجتَمَعنَ فِي امرِئٍ إلا دَخَلَ الجَنَّةَ».
-فيه أن من اجتمع له فعل هذه الأبواب في يوم واحد دخل الجنة فإنه قال فيها كلها اليوم، ولما أخبره أبو بكر أنه فعل تلك الأمور كلها في ذلك اليوم بشره بأنه من أهل الجنة لأجل تلك الأمور، والمرجو من كرم الله تعالى أن من اجتمعت له تلك الأعمال في عمره وإن لم تجتمع له في يوم واحد أن يدخله الله الجنة بفضله ووعده الصادق، والمراد أنه دخل الجنة بلا محاسبة والا فمجرد الإيمان يكفي في دخولها أو المعنى دخل الجنة من أي أبواب الجنة شاء.
-فيه ما كان عليه النبي ﷺ من التفقد لأحوال أصحابه وإرشادهم إلى فعل الخير على اختلاف أنواعه.
-فيه ما كان عليه أبو بكر من الحرص على فعل جميع أنواع الطاعات وتتبعه أبوابها واغتنام أوقاتها وكأنه ما كان له هم إلا في طلب ذلك والسعي في تحصيل ثوابه. ( الهرري )

باب: كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ


٨٧٥. (م) (١٠٠٥) عَنْ حُذَيْفَةَ ﵁ قالَ: قالَ نَبِيُّكُم ﷺ: «كُلُّ مَعرُوفٍ صَدَقَةٌ». رَواه (خ) عَن جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄.
-فيه أنه لا يحتقر شيئا من المعروف وأنه ينبغي أن لا يبخل به (النووي).

٨٧٦. (خ م) (١٠٠٨) عَنْ أبِي مُوسى الأَشْعَرَيِّ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «عَلى كُلِّ مُسلِمٍ صَدَقَةٌ». قِيلَ: أرَأَيتَ إن لَم يَجِد؟ قالَ: «يَعتَمِلُ بِيَدَيهِ فَيَنفَعُ نَفسَهُ ويَتَصَدَّقُ». قالَ: قِيلَ: أرَأَيتَ إن لَم يَستَطِع؟ قالَ: «يُعِينُ ذا الحاجَةِ المَلهُوفَ». قالَ: قِيلَ لَهُ: أرَأَيتَ إن لَم يَستَطِع؟ قالَ: «يَأمُرُ بِالمَعرُوفِ أو الخَيرِ». قالَ: أرَأَيتَ إن لَم يَفعَل؟ قالَ: «يُمسِكُ عَنِ الشَّرِّ، فَإنَّها صَدَقَةٌ». لَفظُ (خ): «يَعمَلُ بِيَدَيهِ ...».
-فيه أن الصدقة مطلوبة من كل مسلم غنيا أو فقيرا، فإن كان غنيا فالصدقة بالنسبة إليه هي صدقة المال، وإن كان فقيرا فإن عليه أيضا صدقة مندوبة مستحبة وهي فعل الخير وصنع المعروف، سواء كان بالبدن أو باللسان.
-فيه أن كل معروف صدقة فإغاثة الملهوف صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وقراءة القرآن صدقة، ونوافل العبادات البدنية كلها صدقة.
-فيه أن الإمساك عن الشر واجتناب المحرمات صدقة لقوله - ﷺ -: "وليمسك عن الشر فإنها له صدقة " (موسى شاهين).

٨٧٧. (خ م) (١٠٠٩) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ قالَ: «كُلُّ سُلامى مِن النّاسِ عَلَيهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَومٍ تَطلُعُ فِيهِ الشَّمسُ قالَ: تَعدِلُ بَينَ الاثنَينِ صَدَقَةٌ، وتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دابَّتِهِ فَتَحمِلُهُ عَلَيها أو تَرفَعُ لَهُ عَلَيها مَتاعَهُ صَدَقَةٌ، قالَ: والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وكُلُّ خُطوَةٍ تَمشِيها إلى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وتُمِيطُ الأَذى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ». وفي رواية (خ) زادَ: «ودَلُّ الطَّريقِ صَدَقَةٌ».
-في قوله ﷺ : ( كل سلامى من الناس عليه صدقة ) قال العلماء المراد صدقة ندب وترغيب لا إيجاب وإلزام.
-دليل على عظم فضل الضحى وكبير موقعها وأنها تصح ركعتين (النووي).

٨٧٨. (م) (١٠٠٦) عَنْ أبِي ذَرٍّ ﵁؛ أنَّ ناسًا مِن أصحابِ النَّبِيِّ ﷺ قالُوا لِلنَّبِيِّ ﷺ: يا رَسُولَ اللهِ؛ ذَهَبَ أهلُ الدُّثُورِ بِالأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَما نُصَلِّي، ويَصُومُونَ كَما نَصُومُ، ويَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أموالِهِم. قالَ: «أوَ لَيسَ قَد جَعَلَ اللهُ لَكُم ما تَصَّدَّقُونَ، إنَّ بِكُلِّ تَسبِيحَةٍ صَدَقَةً، وكُلُّ تَكبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وكُلُّ تَحمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وكُلُّ تَهلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وأَمرٌ بِالمَعرُوفِ صَدَقَةٌ، ونَهيٌ عَن مُنكَرٍ صَدَقَةٌ، وفِي بُضعِ أحَدِكُم صَدَقَةٌ». قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ؛ أيَأتِي أحَدُنا شَهوَتَهُ ويَكُونُ لَهُ فِيها أجرٌ؟ قالَ: «أرَأَيتُم لَو وضَعَها فِي حَرامٍ أكانَ عَلَيهِ فِيها وِزرٌ؟ فَكَذَلك إذا وضَعَها فِي الحَلالِ كانَ لَهُ أجرٌ».
-قال القاضي: يحتمل تسميتها صدقة أن لها أجرا كما للصدقة أجر، وأن هذه الطاعات تماثل الصدقات في الأجور، وسماها صدقة على طريق المقابلة وتجنيس الكلام، وقيل: معناه: أنها صدقة على نفسه .
- وفي هذا دليل على أن المباحات تصير طاعات بالنيات الصادقات، فالجماع يكون عبادة إذا نوى به قضاء حق الزوجة ومعاشرتها بالمعروف الذي أمر الله تعالى به، أو طلب ولد صالح، أو إعفاف نفسه أو إعفاف الزوجة ومنعهما جميعا من النظر إلى حرام، أو الفكر فيه، أو الهم به، أو غير ذلك من المقاصد الصالحة .
- فيه جواز القياس وهو مذهب العلماء كافة، وهذا الحديث دليل لمن عمل به.
- فيه فضيلة التسبيح وسائر الأذكار، وإحضار النية في المباحات.
- فيه ذكر العالم دليلا لبعض المسائل التي تخفى، وتنبيه المفتي على مختصر الأدلة، وجواز سؤال المستفتي عن بعض ما يخفى من الدليل إذا علم من حال المسئول أنه لا يكره ذلك، ولم يكن فيه سوء أدب. (النووي)

٨٧٩. (م) (١٠٠٧) عَنْ عائِشَةَ ﵂؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «إنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إنسانٍ مِن بَنِي آدَمَ عَلى سِتِّينَ وثَلاثِمِائَةِ مَفصِلٍ، فَمَن كَبَّرَ اللهَ، وحَمِدَ اللهَ، وهَلَّلَ اللهَ، وسَبَّحَ اللهَ، واستَغفَرَ اللهَ، وعَزَلَ حَجَرًا عَن طَرِيقِ النّاسِ أو شَوكَةً أو عَظمًا عَن طَرِيقِ النّاسِ، وأَمَرَ بِمَعرُوفٍ أو نَهى عَن مُنكَرٍ عَدَدَ تِلكَ السِّتِّينَ والثَّلاثِمِائَةِ السُّلامى فَإنَّهُ يَمشِي يَومَئِذٍ وقَد زَحزَحَ نَفسَهُ عَنِ النّارِ». وفي رواية: «فَإنَّهُ يُمسِي يَومَئِذٍ».
-استحباب الصدقة عن هذه المفاصل ويجزئ عن ذلك ركعتي الضحى.
-عِظَمُ فضل صلاة الضحى، وأنها تجزئ عن ذلك كله.

باب: فِـي قَبُولِ الصَّدَقَةِ تَقَعُ فِـي غَيْرِ أهْلِها


٨٨٠. (خ م) (١٠٢٢) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «قالَ رَجُلٌ: لأَتَصَدَّقَنَّ (اللَّيلَةَ) بِصَدَقَةٍ. فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَها فِي يَدِ زانِيَةٍ، فَأَصبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيلَةَ عَلى زانِيَةٍ. قالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمدُ، عَلى زانِيَةٍ، لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ. فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَها فِي يَدِ غَنِيٍّ، فَأَصبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلى غَنِيٍّ. قالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمدُ، عَلى غَنِيٍّ، لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ. فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَها فِي يَدِ سارِقٍ، فَأَصبَحُوا يَتَحَدَّثُون: تُصُدِّقَ عَلى سارِقٍ. فَقالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمدُ، عَلى زانِيَةٍ وعَلى غَنِيٍّ وعَلى سارِقٍ. فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أمّا صَدَقَتُكَ (فَقَد قُبِلَت)، أمّا الزّانِيَةُ فَلَعَلَّها تَستَعِفُّ بِها عَن زِناها، ولَعَلَّ الغَنِيَّ يَعتَبِرُ فَيُنفِقُ مِمّا أعطاهُ اللهُ، ولَعَلَّ السّارِقَ يَستَعِفُّ بِها عَن سَرِقَتِهِ».
- الرضا بأقدار الله تعالى وحمده على كل حال. (ابن حجر)
- فضل صدقة السر وفضل الإخلاص. (العيني)
- مشروعية إعادة الصدقة إذا لم تقع في موقعها فيما يظهر للمُتَصدّق. (ابن حجر)
- فيه أن الحكم للظاهر حتى يتبين سواه.
- بركة التسليم والرضا، وذم التضجر من القضاء.
- فيه دليل على أن الله يجزي العبد على حسب نيته في الخير؛ لأن هذا المتصدق لما قصد بصدقته وجه الله تعالى قبلت منه ، ولم يضره وضعها عند من لا يستحقها ، وهذا في صدقة التطوع ، وأما الزكاة فلا يجوز دفعها إلى الأغنياء.
- فيه اعتبار لمن تصدق عليه ، بأن يتحول عن الحال المذمومة إلى الحال الممدوحة ، ويستعف السارق من سرقته والزانية من زناها ، والغني من إمساكه . (العيني)

٨٨١. (خ) (١٤٢٢) عَنْ مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ قالَ: بايَعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ أنا وأَبِي وجَدِّي، وخَطَبَ عَلَيَّ فَأَنكَحَنِي، وخاصَمتُ إلَيهِ؛ وكانَ أبِي يَزِيدُ أخرَجَ دَنانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِها، فَوَضَعَها عِنْدَ رَجُلٍ فِي المَسْجِدِ، فَجِئتُ فَأَخَذتُها فَأَتَيتُهُ بِها فَقالَ: واللهِ ما إيّاكَ أرَدتُ. فَخاصَمتُهُ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقالَ: «لَكَ ما نَوَيتَ يا يَزِيدُ، ولَكَ ما أخَذتَ يا مَعنُ».
-يؤجر العبد بصدق نيته.
-وفيه أن للمتصدق جزاء ما نواه سواء صادف المستحق أو لا.
-فيه جواز الافتخار بالمواهب الربانية والتحدث بنعم الله .
- فيه جواز الاستخلاف في الصدقة ولا سيما صدقة التطوع ؛ لأن فيه نوع إسرار .
-فيه أن الأب لا رجوع له في الصدقة على ولده بخلاف الهبة ، والله أعلم .
فيه دليل على العمل بالمطلقات على إطلاقها ؛ لأن يزيد فوض إلى الرجل بلفظ مطلق ، فنفذ فعله. (ابن حجر)

باب: فِـي الـمُتَصَدِّقِ والبَخِيلِ


٨٨٢. (خ م) (١٠٢١) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَثَلُ البَخِيلِ والمُتَصَدِّقِ مَثَلُ رَجُلَينِ عَلَيهِما جُنَّتانِ مِن حَدِيدٍ، إذا هَمَّ المُتَصَدِّقُ بِصَدَقَةٍ اتَّسَعَت عَلَيهِ حَتّى تُعَفِّيَ أثَرَهُ، وإذا هَمَّ البَخِيلُ بِصَدَقَةٍ تَقَلَّصَت عَلَيهِ، وانضَمَّت يَداهُ إلى تَراقِيهِ، وانقَبَضَت كُلُّ حَلقَةٍ إلى صاحِبَتِها». قالَ: فَسَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «فَيَجهَدُ أن يُوَسِّعَها فَلا يَستَطِيعُ».
-لا يزيد الإنفاق المنفق إلا خيرًا، ولا يزيد البخل صاحبه إلا ضيقًا.
-كمال بلاغة رسول الله ﷺ.
أهمية ضرب الأمثال في الدعوة. (ابن حجر)

٨٨٣. (خ م) (١٠١٠) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ما مِن يَومٍ يُصبِحُ العِبادُ فِيهِ إلا مَلَكانِ يَنزِلانِ، فَيَقُولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعطِ مُنفِقًا خَلَفًا. ويَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعطِ مُمسِكًا تَلَفًا».
- فيه أنه موافق لقوله تعالى : ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ﴾ ولقوله : " ابن آدم أنفق أنفق عليك".
- فضل العطاء لوجه الله تعالى.
- يخلف الله تعالى ما ينفق لوجهه تعالى.
- لا يأتي البخل بخير. (ابن حجر)
- فيه أن هذه النفقة تعم الواجب والمستحب.
- فيه: أن الممسك يستحق تلف ماله ، ويراد به الإمساك عن الواجبات، دون المندوبات، فإنه قد لا يستحق هذا الدعاء، اللهم إلا أن يغلب عليه البخل بها، وإن قلّت في نفسها كالحبة واللقمة، ونحوهما. 
- فيه الحض على الإنفاق في الواجبات كالنفقة على الأهل وصلة الرحم، ويدخل فيه صدقة التطوع والفرض. 
- فيه دعاء الملائكة، ومعلوم أنه مجاب بدليل قوله: " من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه". (العيني)

٨٨٤. (م) (١٠٣٦) عَنْ أبِي أُمامَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يا ابنَ آدَمَ؛ إنَّكَ أن تَبذُلَ الفَضلَ خَيرٌ لَكَ، وأَن تُمسِكَهُ شَرٌّ لَكَ، ولا تُلامُ عَلى كَفافٍ، وابدَأ بِمَن تَعُولُ، واليَدُ العُليا خَيرٌ مِنَ اليَدِ السُّفلى».
-في هذا الحديث الحث على الإنفاق في وجوه الطاعات. والمراد بالعلو: علو الفضل والمجد ونيل الثواب. (النووي)
-يَفضُل الغنيُّ الفقيرَ بما يتصدق من ماله.
-وجوب النفقة على العيال والزوجة ومن يعول أولا.
-الفقير العفيف خير عند الله ممن يسأل الناس.
-الحث على الإنفاق في وجوه الطاعة. (ابن حجر)
-وفيه الابتداء بالأهم فالأهم في الأمور الشرعية . (النووي)
فيه الحث على الصدقة والإنفاق في وجوه البر، والتعفف عن المسألة.

باب: أثَرُ الصَّدَقَةِ وبَرَكَتُها عَلى المُتَصَدِّقِ


٨٨٥. (م) (٢٩٨٤) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «بَينا رَجُلٌ بِفَلاةٍ مِنَ الأَرضِ فَسَمِعَ صَوتًا فِي سَحابَةٍ: اسقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ. فَتَنَحّى ذَلكَ السَّحابُ فَأَفرَغَ ماءَهُ فِي حَرَّةٍ، فَإذا شَرجَةٌ مِن تِلكَ الشِّراجِ قَدِ استَوعَبَت ذَلكَ الماءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الماءَ فَإذا رَجُلٌ قائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الماءَ بِمِسحاتِهِ، فَقالَ لَهُ: يا عَبدَ اللهِ؛ ما اسمُكَ؟ قالَ: فُلانٌ. للاسمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحابَةِ، فَقالَ لَهُ: يا عَبدَ اللهِ؛ لِمَ تَسأَلُنِي عَن اسمِي؟ فَقالَ: إنِّي سَمِعتُ صَوتًا فِي السَّحابِ الَّذِي هَذا ماؤُهُ يَقُولُ: اسقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ، لاسمِكَ، فَما تَصنَعُ فِيها؟ قالَ: أمّا إذ قُلتَ هَذا، فَإنِّي أنظُرُ إلى ما يَخرُجُ مِنها، فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وآكُلُ أنا وعِيالِي ثُلُثًا، وأَرُدُّ فِيها ثُلُثَهُ». وفي رواية: «وأَجعَلُ ثُلُثَهُ فِي المَساكِينِ والسّائِلِينَ وابنِ السَّبِيلِ».
-فضل الصدقة والإحسان إلى المساكين وأبناء السبيل.
-فضل أكل الإنسان من كسبه ، والإنفاق على العيال . (النووي)

باب: الخازِنُ الأَمِينُ أحَدُ الـمُتَصَدِّقَيْنَ


٨٨٦. (خ م) (١٠٢٣) عَنْ أبِي مُوسى ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «إنَّ الخازِنَ المُسلِمَ الأَمِينَ، الَّذِي يُنفِذُ ورُبَّما قالَ: يُعطِي ما أُمِرَ بِهِ، فَيُعطِيهِ كامِلًا مُوَفَّرًا طَيِّبَةً بِهِ نَفسُهُ، فَيَدفَعُهُ إلى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ أحَدُ المُتَصَدِّقَينِ».
قيّد الخازن فيه بكونه مسلما فأخرج الكافر ، لأنه لا نية له ، وبكونه أمينا فأخرج الخائن لأنه مأزور . ورتب الأجر على إعطائه ما يؤمر به غير ناقص, وبكون نفسه بذلك طيبة لئلا يعدم النية فيفقد الأجر وهي قيود لا بد منها . (ابن حجر)

باب: أنْفِقِي ولا تُحْصِي


٨٨٧. (خ م) (١٠٢٩) عَنْ أسْماءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ ﵂؛ أنَّها جاءَت النَّبِيَّ ﷺ فَقالَت: يا نَبِيَّ اللهِ؛ لَيسَ لِي شَيءٌ إلا ما أدخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيرُ، فَهَل عَلَيَّ جُناحٌ أن أرضَخَ مِمّا يُدخِلُ عَلَيَّ؟ فَقالَ: «ارضَخِي ما استَطَعتِ، ولا تُوعِي فَيُوعِيَ اللهُ عَلَيكِ».
-ذم البخل والحرص على المال بلا إنفاق في وجوه الخير.
-النهي عن منع الصدقة خشية النفاد. (ابن حجر)
-معنى (لا تحصي) لا تعدي المال فتستكثريه فيكون سببا لانقطاع إنفاقك. (النووي)
-(لا توعي فيوعى عليك) فيه بيان أن الجزاء من جنس العمل.
-فيه بيان ما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام من العناية بتعليم أمته السخاء والجود حتى يُفيض الله عليهم من بركاته.
-فيه كراهة إحصاء الصدقة؛ لئلا يكون سببا للبخل، وانقطاع لفضل الله تعالى.

١ حكم التصدق عن الأموات

٥/٠