باب: إذا أنْفَقَتِ الـمَرْأَةُ مِن بَيْتِ زَوْجِها والعَبْدُ مِن مالِ مَوْلاهُ


٨٨٨. (خ م) (١٠٢٤) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إذا أنفَقَت المَرأَةُ مِن طَعامِ بَيتِها غَيرَ مُفسِدَةٍ كانَ لَها أجرُها بِما أنفَقَت، ولِزَوجِها أجرُهُ بِما كَسَبَ، ولِلخازِنِ مِثلُ ذَلكَ، لا يَنقُصُ بَعضُهُم أجرَ بَعضٍ شَيئًا». وفي رواية: «مِن بَيتِ زَوجِها». وفي رواية (خ): «إذا تَصَدَّقت ...».
٨٨٩. (خ م) (١٠٢٦) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ قالَ: «لا تَصُم المَرأَةُ وبَعلُها شاهِدٌ إلا بِإذنِهِ، ولا تَأذَن فِي بَيتِهِ (وهُوَ شاهِدٌ) إلا بِإذنِهِ، وما أنفَقَت مِن كَسبِهِ مِن غَيرِ أمرِهِ فَإنَّ نِصفَ أجرِهِ لَهُ».
أن حق الزوج آكد على المرأة من التطوع بالخير؛ لأن حقه واجب والقيام بالواجب مقدم على القيام بالتطوع. (محمد الأمين الشافعي).

٨٩٠. (م) (١٠٢٥) عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلى آبِي اللَّحْمِ قالَ: كُنتُ مَملُوكًا فَسَأَلتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ: أأَتَصَدَّقُ مِن مالِ مَوالِيّ بِشَيءٍ؟ قالَ: «نَعَم، والأَجرُ بَينَكُما نِصفانِ». وفي رواية: قالَ: أمَرَنِي مَولايَ أن أُقَدِّدَ لَحمًا، فَجاءَنِي مِسكِينٌ فَأَطعَمتُهُ مِنهُ، فَعَلِمَ بِذَلِكَ مَولايَ فَضَرَبَنِي، فَأَتَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَذَكَرتُ ذَلِكَ لَهُ، فَدَعاهُ فَقالَ: «لِمَ ضَرَبتَهُ؟» فَقالَ: يُعطِي طَعامِي بِغَيرِ أن آمُرَهُ، فَقالَ: «الأَجرُ بَينَكُما».

باب: الـنَّهْيُ عَنِ الـمَسْأَلَةِ مِن غَيْرِ حاجَةٍ وفَضِيلَةُ التَّعَفُّفِ والصَّبْرِ


٨٩١. (خ م) (١٠٥٣) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁؛ أنَّ ناسًا مِن الأَنصارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ ﷺ فَأَعطاهُم، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعطاهُم، حَتّى إذا نَفِدَ ما عِندَهُ، قالَ: «ما يَكُن عِندِي مِن خَيرٍ فَلَن أدَّخِرَهُ عَنكُم، ومَن يَستَعفِف يُعِفَّهُ اللهُ، ومَن يَستَغنِ يُغنِهِ اللهُ، ومَن يَصبِر يُصَبِّرهُ اللهُ، وما أُعطِيَ أحَدٌ مِن عَطاءٍ خَيرٌ وأَوسَعُ مِن الصَّبرِ».
-إعطاء السائل مرتين من مال واحد.
-وفيه: حجة لمن يعطى الفقير باسم الفقر، وباسم ابن السبيل من مال واحد.
-وفيه: ما كان عليه رسول الله (ﷺ) من الكرم والسخاء والإيثار على نفسه.
- وفيه: الاعتذار للسائل إذا لم يجد ما يعطيه.
-وفيه: الحض على الاستغناء عن الناس بالصبر، والتوكل على الله، وانتظار رزق الله،وأن الصبر أفضل ما أعطيه المؤمن، ولذلك الجزاء عليه غير مقدر، ولا محدود، قال تعالى: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب). (ابن بطال).
فيه جواز السؤال للحاجة, وإن كان الأولى تركه والصبر, والسعي في طلب الرزق ليكتسب رزقه بغير مسألة.

٨٩٢. (خ م) (١٠٤٠) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ما يَزالُ الرَّجُلُ يَسأَلُ النّاسَ حَتّى يَأتِيَ يَومَ القِيامَةِ ولَيسَ فِي وجهِهِ مُزعَةُ لَحمٍ». وفي رواية (م): «لا تَزالُ المَسْأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ حَتّى يَلْقى اللهَ ...» مثله.
فيه من الفقه كراهية المسألة، وذلك أن المؤمن ينبغي أن يكون أعز من أن يرضى لنفسه أن يسأل غير الله عز وجل؛ إلا إن يسأل سؤالاً بمقدار الكفاية فذلك له جائز. (ابن هبيرة).

٨٩٣. (خ م) (١٠٤٢) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «لأَن يَغدُوَ أحَدُكُم فَيَحطِبَ عَلى ظَهرِهِ فَيَتَصَدَّقَ بِهِ، ويَستَغنِيَ بِهِ مِن النّاسِ، خَيرٌ لَهُ مِن أن يَسأَلَ رَجُلًا أعطاهُ أو مَنَعَهُ ذَلكَ، فَإنَّ اليَدَ العُليا أفضَلُ مِن اليَدِ السُّفلى، وابدَأ بِمَن تَعُولُ». وفي رواية: «فَيَحطِبَ عَلى ظَهرِهِ فَيَبِيعَهُ». ورَوى (خ) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أفضَلُ الصَّدَقَةِ ما تَرَكَ غِنًى ...» تَقُولُ المَرأَةُ: إمّا أن تُطعِمَنِي وإمّا أن تُطَلِّقَنِي. ويَقُولُ العَبدُ: أطعِمنِي واستَعمِلنِي. ويَقُولُ الابنُ: أطعِمنِي إلى مَن تَدَعُنِي. فَقالُوا: يا أبا هُرَيْرَةَ؛ سَمِعتَ هَذا مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ؟ قالَ: لا، هَذا مِن كِيسِ أبِي هُرَيْرَةَ.
-في هذا الحديث كراهية السؤال لكل من فيه طاقة على السعي والاكتساب, وفيه ذم المسألة وحمد المعالجة والسعي في المعيشة. (ابن عبد البر)
-فيه الحث على الصدقة والأكل من عمل يده والاكتساب بالمباحات كالحطب وغيره من المهن.(النووي).
-«ابدأ بمن تعول» دليل على مشروعية الإنفاق على القريب. (ابن حجر).

٨٩٤. (خ م) (١٠٣٣) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ﵄؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ وهُوَ عَلى المِنبَرِ، وهُوَ يَذكُرُ الصَّدَقَةَ والتَّعَفُّفَ عَنِ المَسأَلَةِ: «اليَدُ العُليا خَيرٌ مِن اليَدِ السُّفلى، واليَدُ العُليا المُنفِقَةُ، والسُّفلى السّائِلَةُ».
-في هذا الحديث من الفقه أن الإنفاق خير من الإمساك، وليس يدل على أن الغني خير من الفقير؛ فإن اليد المنفقة مخرجة للمال، والسائل قابل لذلك الإخراج، فكل منهما معاون لصاحبه على الخير. (ابن هبيرة).
وفي هذا الحديث من الفقه إباحة الكلام للخطيب بكل ما يصلح مما يكون موعظة أو علما أو قربة إلى الله عز وجل وفيه الحض على الاكتساب والإنفاق . (ابن عبد البر).

٨٩٥. (خ م) (١٠٣٥) عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزامٍ ﵁ قالَ: سَأَلتُ النَّبِيَّ ﷺ فَأَعطانِي، ثُمَّ سَأَلتُهُ فَأَعطانِي، ثُمَّ سَأَلتُهُ فَأَعطانِي، ثُمَّ قالَ: «إنَّ هَذا المالَ خَضِرَةٌ حُلوَةٌ، فَمَن أخَذَهُ بِطِيبِ نَفسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، ومَن أخَذَهُ بِإشرافِ نَفسٍ لَم يُبارَك لَهُ فِيهِ، وكانَ كالَّذِي يَأكُلُ ولا يَشبَعُ، واليَدُ العُليا خَيرٌ مِن اليَدِ السُّفلى». زادَ (خ) فِي رِوايةٍ: قالَ حَكِيمٌ: فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ والَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لا أرْزَأُ بَعدَك شَيئًا حَتّى أُفارِقَ الدُّنيا، فَكانَ أبُو بَكرٍ يَدعُو حَكِيمًا إلى العَطاء فَيَأبى أن يَقبَلَهُ مِنهُ، ثُمَّ إنَّ عُمَرَ دَعاهُ لِيُعْطِيَهُ، فَأَبى أنْ يَقْبَلَ مِنهُ شَيْئًا، فَقالَ عُمَرُ: إنِّي أُشْهِدُكُمْ يا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ عَلى حَكِيمٍ أنِّي أعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ مِن هَذا الفَيْءِ فَيَأْبى أنْ يَأْخُذَهُ... وفي رواية (خ): حَقَّهُ الَّذِي قَسَمَ اللهُ لَهُ مِن هَذا الفَيءِ.
-وفيه: أن السائل إذا ألح لا بأس برده وموعظته، وأمره بالتعفف وترك الحرص على الأخذ.
-وقوله: (فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه) يدل أن القناعة وطلب الكفاية والإجمال فى الطلب مقرون بالبركة، وأن من طلب المال بالشره والحرص، فلم يأخذه من حقه لم يبارك له فيه، وعوقب بأن حرم بركة ما جمع.
- وفى قوله: (اليد العليا خير من اليد السفلى) فضل المال والغنى إذا أنفق فى طاعة الله.
-وفيه من الفقه: أن من كان له عند أحد حق من تعامل أو غيره، فإنه يجبر على أخذه إذا أبى.
وفيه: أنه لا يستحق أخذ شيء من بيت المال إلا بعد أن يعطيه الإمام إياه، وأما قبل ذلك فليس ذلك مستحق له. (المهلب ).

٨٩٦. (م) (١٠٤١) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: مَن سَأَلَ النّاسَ أموالَهُم تَكَثُّرًا فَإنَّما يَسأَلُ جَمرًا فَليَستَقِلَّ أو لِيَستَكثِر».
-فيه دليل على أن سؤال التكثر محرم، وهو السؤال لقصد الجمع من غير حاجة. (الشوكاني).

٨٩٧. (م) (١٠٤٣) عَنْ عَوْفِ بْنِ مالِكٍ الأَشْجَعِيِّ ﵁ قالَ: كُنّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ تِسعَةً أو ثَمانِيَةً أو سَبعَةً فَقالَ: «ألا تُبايِعُونَ رَسُولَ اللهِ؟» وكُنّا حَدِيثَ عَهدٍ بِبَيعَةٍ، فَقُلنا: قَد بايَعناكَ يا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ قالَ: «ألا تُبايِعُونَ رَسُولَ اللهِ؟» فَقُلنا: قَد بايَعناكَ يا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ قالَ: «ألا تُبايِعُونَ رَسُولَ اللهِ؟» قالَ: فَبَسَطنا أيدِيَنا وقُلنا: قَد بايَعناكَ يا رَسُولَ اللهِ، فَعَلامَ نُبايِعُكَ؟ قالَ: «عَلى أن تَعبُدُوا اللهَ ولا تُشرِكُوا بِهِ شَيئًا، والصَّلَواتِ الخَمسِ، وتُطِيعُوا». وأَسَرَّ كَلِمَةً خَفِيَّةً: «ولا تَسأَلُوا النّاسَ شَيئًا». فَلَقَد رَأَيتُ بَعضَ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسقُطُ سَوطُ أحَدِهِم فَما يَسأَلُ أحَدًا يُناوِلُهُ إيّاهُ.
-فيه: الحث على مكارم الأخلاق، والترفع عن تحمل منن الخلق، وتعظيم الصبر على مضض الحاجات، والاستغناء عن الناس، وعزّة النفس.
-وفيه: التنزه عن جميع ما يسمى سؤالاً وإنْ كان حقيرًا.

باب: مَن تَحِلُّ لَهُ الـمَسْأَلَةُ


٨٩٨. (م) (١٠٤٤) عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخارِقٍ الهِلالِيِّ ﵁ قالَ: تَحَمَّلتُ حَمالَةً، فَأَتَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ أسأَلُهُ فِيها فَقالَ: «أقِم حَتّى تَأتِيَنا الصَّدَقَةُ فَنَأمُرَ لَكَ بِها»، قالَ: ثُمَّ قالَ: «يا قَبِيصَةُ؛ إنَّ المَسأَلَةَ لا تَحِلُّ إلا لأَحَدِ ثَلاثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمالَةً فَحَلَّت لَهُ المَسأَلَةُ حَتّى يُصِيبَها ثُمَّ يُمسِكُ، ورَجُلٌ أصابَتهُ جائِحَةٌ اجتاحَت مالَهُ فَحَلَّت لَهُ المَسأَلَةُ حَتّى يُصِيبَ قِوامًا مِن عَيشٍ أو قالَ سِدادًا مِن عَيشٍ، ورَجُلٌ أصابَتهُ فاقَةٌ حَتّى يَقُومَ ثَلاثَةٌ مِن ذَوِي الحِجا مِن قَومِهِ: لَقَد أصابَت فُلانًا فاقَةٌ. فَحَلَّت لَهُ المَسأَلَةُ حَتّى يُصِيبَ قِوامًا مِن عَيشٍ أو قالَ سِدادًا مِن عَيشٍ، فَما سِواهُنَّ مِنَ المَسأَلَةِ يا قَبِيصَةُ سُحتًا يَأكُلُها صاحِبُها سُحتًا».
-فيه أن متحمل الحمالة يعطى من الزكاة وإن كان غنياً؛ لأنه من الغارمين، وهو الرجل يسعى فى صلاح ذات البين في النائرة تقع بين القوم. ( القاضي عياض).

باب: الـمِسْكِينُ الَّذِي لا يَجِدُ غِنًىً ولا يَسْأَلُ النّاسَ


٨٩٩. (خ م) (١٠٣٩) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «لَيسَ المِسكِينُ بِهَذا الطَّوّافِ الَّذِي يَطُوفُ عَلى النّاسِ، فَتَرُدُّهُ اللُّقمَةُ واللُّقمَتانِ، والتَّمرَةُ والتَّمرَتانِ». قالُوا: فَما المِسكِينُ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: «الَّذِي لا يَجِدُ غِنًى يُغنِيهِ، ولا يُفطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقَ عَلَيهِ، ولا يَسأَلُ النّاسَ شَيئًا». وفي رواية: «إنما المسكِينُ المُتَعَفِّفُ، اقرَؤُوا إن شِئتُم: ﴿لا يَسْأَلُونَ النّاسَ إلْحافًا﴾ [البقرة: ٢٧٣]».

باب: فِـي الكَفافِ والقَناعَةِ وغِنى النَّفْسِ


٩٠٠. (خ م) (١٠٥١) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَيسَ الغِنى عَن كَثرَةِ العَرَضِ، ولَكِنَّ الغِنى غِنى النَّفسِ».
-في الحديث أن ليس حقيقة الغنى بكثرة متاع الدنيا؛ لأن كثيرًا ممن وسع الله عليه في المال يكون فقير النفس لا يقنع بما أعطى, فهو يجهد دائمًا في الزيادة ولا يبالي من أين يأتيه، فكأنه فقير من المال لشدة شرهه وحرصه على الجمع.
فيه أن حقيقة الغنى غنى النفس الذي استغنى صاحبه بالقليل وقنع به، ولم يحرص على الزيادة فيه، ولا ألح في الطلب، فكأنه غني واجد أبدًا، وغنى النفس: هو باب الرضا بقضاء الله تعالى والتسليم لأمره، علما أن ما عند الله خير للأبرار. وفي قضائه لأوليائه الخيار. ( ابن الملقن )

٩٠١. (م) (١٠٥٤) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ ﵄؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «قَد أفلَحَ مَن أسلَمَ، ورُزِقَ كَفافًا، وقَنَّعَهُ اللهُ بِما آتاهُ».
-وفيه فضيلة هذه الأوصاف.(النووي).
-الكفاف حالة وسطى، وخير الأمور أوساطها، وهي حالة سليمة من آفات الغنى المطمع، ومن آفات الفقر المدقع التي كان الرسول ﷺ يتعوذ منهما. (ابن الملقن )

باب: كَراهِيَةُ الحِرْصِ عَلى الدُّنْيا


٩٠٢. (خ م) (١٠٤٧) عَنْ أنَسٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَهرَمُ ابنُ آدَمَ وتَشِبُّ مِنهُ اثنَتانِ: الحِرصُ عَلى المالِ، والحِرصُ عَلى العُمُرِ».
إنما يشيب مع الآدمي هاتان الخصلتان لطول صحبته إياهما، وكثرة أنسه بهما، فكلما طال صحبتهما عسر الخلاص من حبهما. (ابن هبيرة).

٩٠٣. (خ م) (١٠٤٦) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «قَلبُ الشَّيخِ شابٌّ عَلى حُبِّ اثنَتَينِ: طُولُ الحَياةِ، وحُبُّ المالِ».
٩٠٤. (خ م) (١٠٤٨) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁؛ عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ قالَ: «لَو كانَ لابنِ آدَمَ وادٍ مِن ذَهَبٍ أحَبَّ أنَّ لَهُ وادِيًا آخَرَ، ولَن يَملأَ فاهُ إلا التُّرابُ، واللهُ يَتُوبُ عَلى مَن تابَ». زادَ (خ): عَن أنَسٍ، عَن أُبَيٍّ قالَ: كُنّا نَرى هَذا مِنَ القُرآنِ حَتى نَزَلت: ﴿ألْهاكُمُ التَّكاثُرُ [التكاثر: ١].
ولهما عن ابْنِ عَبّاسٍ نحوه، وفيه: «لَو أنّ لِابنِ آدمَ مِلءَ وادٍ مالًا ...»، قال ابنُ عَبّاسٍ: فلا أدري؛ أمِنَ القرآن هُو أم لا؟
ورَوى (م) عَن أبِي الأسوَدِ قالَ: بَعَثَ أبُو مُوسى إلى قُرّاءِ أهلِ البَصْرَةِ، فَدخَلَ عَلَيهِ ثَلاثُمائةِ رَجُلٍ قَد قَرَأُوا القُرآنَ، فَقالَ: أنتُم خِيارُ أهلٍ الَبصرَةِ وقُرّاؤهُم، فاتلُوهُ، ولا يَطُولَنَّ عَليكُم الأَمَدُ فَتَقسُوَ قُلُوبُكُم، كما قَسَتْ قلوبُ مَن كانَ قَبلَكَم، وإنّا كنّا نَقرَأُ سُورةً كنّا نُشَبِّهُهُا في الطُّولِ والشِّدَةِ بـ (بَراءَةٌ) فأُنسِيتُها، غَيرَ أنّي قَد حَفَظتُ مِنها: «لَو كانَ لابنِ آدَمَ وادِيانَ مِن مالٍ لابتَغى واديًا ثالِثًا، ولا يَملأُ جَوْفَ ابْنِ آدمَ إلا التَّرابُ». وكُنّا نَقرَأُ سُورةً كنّا نُشَبِّهُها بِإحدى المسَبِّحاتِ فَأُنسِتيُها، غَيرَ أنِّي حَفِظتُ منها: «يا أيُّها الذينَ آمَنُوا لِم تَقُولُونَ ما لا تَفعَلَونَ، فَتُكْتَبُ شَهادةً في أعناقِكُم فَتُسأَلونَ عَنها يَومَ القِيامَةِ».
-فيه ذم الحرص على الدنيا وحب المكاثرة بها والرغبة فيها. (النووي).

٩٠٥. (خ م) (١٠٥٢) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁ قالَ: جَلَسَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلى المِنبَرِ، وجَلَسنا حَولَهُ، فَقالَ: «إنَّ مِمّا أخافُ عَلَيكُم بَعدِي، ما يُفتَحُ عَلَيكُم مِن زَهرَةِ الدُّنيا وزِينَتِها». فَقالَ رَجُلٌ: أوَ يَأتِي الخَيرُ بِالشَّرِّ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: فَسَكَتَ عَنهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَقِيلَ لَهُ: ما شَأنُكَ؟ تُكَلِّمُ رَسُولَ اللهِ ﷺ ولا يُكَلِّمُكَ؟ قالَ: ورَأَينا أنَّهُ يُنزَلُ عَلَيهِ، فَأَفاقَ يَمسَحُ عَنهُ الرُّحَضاءَ، وقالَ: «إنَّ هَذا السّائِلَ» وكَأَنَّهُ حَمِدَهُ فَقالَ: «إنَّهُ لا يَأتِي الخَيرُ بِالشَّرِّ، وإنَّ مِمّا يُنبِتُ الرَّبِيعُ يَقتُلُ أو يُلِمُّ، إلّا آكِلَةَ الخَضِر، فَإنَّها أكَلَت، حَتّى إذا امتَلَأَت خاصِرَتاها استَقبَلَت عَينَ الشَّمسِ فَثَلَطَت وبالَت، ثُمَّ رَتَعَت، وإنَّ هَذا المالَ خَضِرٌ حُلوٌ، ونِعمَ صاحِبُ المُسلِمِ هُوَ لِمَن أعطى مِنهُ المِسكِينَ واليَتِيمَ وابنَ السَّبِيلَ أو كَما قالَ رَسُولُ الله ﷺ وإنَّهُ مَن يَأخُذُهُ بِغَيرِ حَقِّهِ كانَ كالَّذِي يَأكُلُ ولا يَشبَعُ، ويَكُونُ عَلَيهِ شَهِيدًا يَومَ القِيامَةِ». وفي رواية: «فَمَن أخَذَهُ بِحَقِّهِ ووَضَعَهُ في حَقِّهِ فَنِعمَ المَعُونَةُ هو ...». وفي رواية: قالُوا: وما زَهرَةُ الدُّنيا يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: «بَرَكاتُ الأَرضِ». وفِي رِوايَةٍ: فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهُ ﷺ: «إنَّ الخَيْرَ لا يَأْتِي إلّا بِخَيْرٍ، أوَ خَيْرٌ هُوَ؟!».
-فيه التحذير من الاغترار بالدنيا والنظر إليها والمفاخرة بها. (النووي).
-فيه مثلان ضربهما النبي ﷺ: أحدهما: للمفرط في جمع الدنيا ومنعها من حقها، والآخر: للمقتصد في أخذها.
-وفيه: جواز ضرب الأمثال.
-وفيه: جواز عرض التلميذ على العالم الأشياء المجملة، وأن للعالم إذا سئل عن شيء أن يؤخر الجواب حتى يتيقن.
-وفيه: أن السؤال إذا لم يكن في موضعه ينكر على سائله.
-وفيه: أن العالم إذا سئل عن شيء ولم يستحضر جوابه أو أشكل عليه يؤخر الجواب حتى يكشف المسألة ممن فوقه من العلماء، كما فعل ﷺ في سكوته حتى استطلعها من قبل الوحي.
-وفيه: أن كسب المال من غير حله غير مبارك فيه، والله تعالى يرفع عنه البركة .
-وفيه: أن للعالم أن يحذر من يجالسه من فتنة المال، وينبههم على مواضع الخوف .
-وفيه: الحض على الاقتصاد في المال والحث على الصدقة وترك الإمساك.
-وفيه: جلوس الإمام على المنبر عند الموعظة وجلوس الناس حوله.
-وفيه: خوف المنافسة على الدنيا الفانية ونسيان الآخرة الباقية لقوله: (إنما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا) .
-وفيه: استفهامهم بضرب المثل.
-وفيه: مسح الرحضاء للشدة الحاصلة.
وفيه: ظهور البشرى لقوله: (وكأنه حمده) أي: لما رأى فيه من البشرى لأنه كان إذا سر برقت أسارير وجهه. (العيني)

٩٠٦. (م) (١٠١٣) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «تَقِيءُ الأَرضُ أفلاذَ كَبِدِها أمثالَ الأُسطُوانِ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، فَيَجِيءُ «القاتِلُ فَيَقُولُ: فِي هَذا قَتَلتُ. ويَجِيءُ القاطِعُ فَيَقُولُ: فِي هَذا قَطَعتُ رَحِمِي. ويَجِيءُ السّارِقُ فَيَقُولُ: فِي هَذا قُطِعَت يَدِي. ثُمَّ يَدَعُونَهُ فَلا يَأخُذُونَ مِنهُ شَيئًا».

باب: إنَّما أنا قاسِمٌ ويُعْطِي اللهُ ﷿


٩٠٧. (خ م) (١٠٣٧) عَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ أبِي سُفيانَ ﵄؛ وهُوَ يَخطُبُ يَقُولُ: إنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «مَن يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيرًا يُفَقِّههُ فِي الدِّينِ، وإنَّما أنا قاسِمٌ ويُعطِي اللهُ». ورَوى (م) عَن مُعاوِيَةَ يَقُولُ: إيّاكُم وأَحادِيثَ إلا حَدِيثًا كانَ فِي عَهدِ عُمرَ، فَإنَّ عُمرَ كانَ يُخِيفُ النّاسَ فِي اللهِ ﷿ ... وفِيها: وسَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إنَّما أنا خازِنٌ، فَمَن أعطَيتُهُ عَن طِيبِ نَفسٍ فَيُبارَكُ لَهُ فيهِ، ومَن أعطَيتُهُ عَن مَسألَةٍ وشَرَهٍ كانَ كالَّذِي يَأكُلُ ولا يَشبَعُ». وفي رواية (م): «لا تُلْحِفُوا فِي المَسأَلَةِ، فَواللهِ لا يَسأَلُنِي أحَدٌ مِنكُم شَيئًا فَتُخْرِجُ لَهُ مَسأَلَتُهُ مِنِّي شَيئًا وأَنا لَهُ كارِهٌ فَيُبارَكَ لَه فِيما أعطَيْتهُ». ورَوى (خ) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «ما أُعطِيكُمْ ولا أمْنَعُكُمْ، أنا قاسِمٌ أضَعُ حيثُ أُمِرْتُ».
فيه فضيلة العلم والتفقه في الدين والحث عليه وسببه أنه قائد إلى تقوى الله. (النووي).

باب: إباحَةُ الأَخْذِ لِمَن أُعْطِيَ مِن غَيْرِ مَسْأَلَةٍ ولا إشْرافٍ


٩٠٨. (١٠٤٥) (م) عَنْ (عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ) ﵄؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كانَ يُعطِي عُمَرَ بنَ الخَطّابِ ﵁ العَطاءَ، فَيَقُولُ لَهُ عُمَرُ: أعطِهِ يا رَسُولَ اللهِ أفقَرَ إلَيهِ مِنِّي. فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «خُذهُ فَتَمَوَّلهُ، أو تَصَدَّق بِهِ، وما جاءَكَ مِن هَذا المالِ وأَنتَ غَيرُ مُشرِفٍ ولا سائِلٍ فَخُذهُ، وما لا فَلا تُتبِعهُ نَفسَكَ». (قالَ سالِمٌ: فَمِن أجلِ ذَلكَ كانَ ابنُ عُمَرَ لا يَسأَلُ أحَدًا شَيئًا، ولا يَرُدُّ شَيئًا أُعطِيَهُ). ولَهُما عَن عُمرَ ﵁ نَحوه. ورَوى (خ) عَن نافعٍ قالَ: ما رَدَّ ابنُ عُمرَ على أحدٍ وصِيَّةً.
ولَهُما عن ابن السّاعدِيِّ قالَ: استَعمَلَنِي عُمرُ بنُ الخَطّابِ عَلى الصَّدَقَةِ، فلمّا فَرَغْتُ مِنها وأدَّيتُها إليهِ أمَرَ لي بِعُمالةٍ، فقلتُ: إنَّما عَمِلتُ للهِ، وأجرِي عَلى اللهِ، فَقالَ: خُذ ما أُعطيتَ، فإني عَمِلتُ عَلى عَهدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَعَمَّلَنِي، فقلتُ مِثلَ قَولِكَ، فقال لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إذا أُعطِيتَ شَيئًا مِن غَيرِ أن تَسألَ فَكُلْ وتَصَدَّقَ».
-فى هذا الحديث الدليل الواضح على أن من شُغل بشيء من أعمال المسلمين أخذ الرزق على عمله ذلك، كالولاة والقضاة وجباة الفيء وعمال الصدقة وشبههم. (ابن بطال).
-هذا الحديث فيه منقبة لعمر رضي الله عنه وبيان فضله وزهده وإيثاره.(النووي).
في هذا الحديث من الفقه أنه لم يكن أصحاب رسول الله ﷺ متهافتين على الدنيا، ولا كانوا يريدون بأعمالهم فيها إلا وجه الله عز وجل ألا ترى إلى عمر رضي الله عنه قال لرسول الله - ﷺ -: ادفعه إلى من هو أفقر مني؟ (ابن هبيرة).

باب: إعْطاءُ مَن يَسْأَلُ بِغِلْظَةٍ


٩٠٩. (خ م) (١٠٥٧) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: كُنتُ أمشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وعَلَيهِ رِداءٌ نَجرانِيٌّ غَلِيظُ الحاشِيَةِ، فَأَدرَكَهُ أعرابِيٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدائِهِ جَبذَةً شَدِيدَةً، نَظَرتُ إلى صَفحَةِ عَنقِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وقَد أثَّرَت بِها حاشِيَةُ الرِّداءِ مِن شِدَّةِ جَبذَتِهِ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ؛ مُر لِي مِن مالِ اللهِ الَّذِي عِندَكَ. فالتَفَتَ إلَيهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَضَحِكَ، ثُمَّ أمَرَ لَهُ بِعَطاءٍ. وفي رواية (م): ثُمَّ جَبَذَهُ إلَيهِ جَبْذَةً رَجَعَ نَبِيُّ اللهِ ﷺ في نَحْرِ الأَعرابِي. وفي رواية لَهُ: فَجاذَبَهُ حَتّى انشَقَّ البُردُ، وحَتّى بَقِيَت حاشِيتُهُ فِي عُنُقِ رَسُولِ اللهِ ﷺ.
-فيه احتمال الجاهلين والإعراض عن مقابلتهم ودفع السيئة بالحسنة وإعطاء من يتألف قلبه والعفو عن مرتكب كبيرة لا حد فيها بجهله.
-وإباحة الضحك عند الأمور التي يتعجب منها في العادة .
- وفيه كمال خلق رسول الله ﷺ وحلمه وصفحه الجميل. (النووي).

٩١٠. (خ م) (١٠٥٨) عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ ﵄ قالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أقبِيَةً، ولَم يُعطِ مَخرَمَةَ شَيئًا، فَقالَ مَخرَمَةُ: يا بُنَيَّ؛ انطَلِق بِنا إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فانطَلَقتُ مَعَهُ، قالَ: ادخُل فادعُهُ لِي. قالَ: فَدَعَوتُهُ لَهُ، فَخَرَجَ إلَيهِ وعَلَيهِ قَباءٌ مِنها، فَقالَ: «خَبَأتُ هَذا لَكَ». قالَ: فَنَظَرَ إلَيهِ، فَقالَ: رَضِيَ مَخرَمَةُ. وفي رواية (خ): أنَّ النَّبِيَّ ﷺ أُهدِيَت لَه أقبِيَةٌ مِن دِيباجٍ مُزَرَّرَةً بِالذَّهَبِ، فَقَسَمَها فِي أُناسٍ مِن أصحابِهِ.
فيه استئلاف القلوب بما يسرها، واستحباب تطييب الخاطر.

٩١١. (م) (١٠٥٦) عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ ﵁ قالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ قَسمًا، فَقُلتُ: واللهِ يا رَسُولَ اللهِ؛ لَغَيرُ هَؤُلاءِ كانَ أحَقَّ بِهِ مِنهُم، قالَ: «إنَّهُم خَيَّرُونِي أن يَسأَلُونِي بِالفُحشِ أو يُبَخِّلُونِي فَلَستُ بِباخِلٍ».
في هذا الحديث من الفقه أن رسول الله - ﷺ - وقى عرضه بعطائه خوفًا من أن يكذب عليه؛ لأنه قال: (أو يبخلوني، ولست بباخل).(ابن هبيرة).

٩١٢. (خ) (٣١٤٨) عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ﵁؛ أنَّهُ بَينا هُوَ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ ومَعَهُ النّاسُ مُقبِلًا مِن حُنَينٍ، عَلِقَت رَسُولَ اللهِ ﷺ الأعرابُ يَسأَلُونَهُ، حَتّى اضطَرُّوهُ إلى سَمُرَةٍ، فَخَطِفَت رِداءَهُ، فَوَقَفَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَقالَ: «أعطُونِي رِدائِي، فَلَو كانَ عَدَدُ هَذِهِ العِضاهِ نَعَمًا لَقَسَمتُهُ بَينَكُم، ثُمَّ لا تَجِدُونِي بَخِيلًا ولا كَذُوبًا ولا جَبانًا».

كِتابُ الصِّيام - 19:50


باب: الـصِّيامُ جُنَّةٌ


٩١٣. (خ م) (١١٥١) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «قالَ اللهُ ﷿: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلا الصِّيامَ، فَإنَّهُ لِي وأَنا أجزِي بِهِ. والصِّيامُ جُنَّةٌ، فَإذا كانَ يَومُ صَومِ أحَدِكُم فَلا يَرفُث يَومَئِذٍ ولا يَسخَب، فَإن سابَّهُ أحَدٌ أو قاتَلَهُ فَليَقُل: إنِّي امرُؤٌ صائِمٌ. والَّذِي نَفسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصّائِمِ أطيَبُ عِندَ اللهِ (يَومَ القِيامَةِ) مِن رِيحِ المِسكِ، ولِلصّائِمِ فَرحَتانِ يَفرَحُهُما، إذا أفطَرَ فَرِحَ بِفِطرِهِ، وإذا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَومِهِ». وفي رواية: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضاعَفُ، الحَسَنَةُ عَشرُ أمثالهِا (إلى سَبعِمائَةِ ضِعفٍ)، قالَ اللهُ ﷿: إلّا الصُّومَ، فَإنَّه لِي وأَنا أجزِي بِهِ، يَدَعُ شَهوَتَهُ وطَعامَهُ مِن أجلِي ...». زادَ (خ): «وشَرابَهُ». وفي رواية (خ): «لِكُلِّ عَمَلٍ كَفّارةٌ، والصُّومُ لِي ..».
-هذا الحديث يدل على فضيلة الصوم، وتقديمه على الأعمال.
-اختلف العلماء في معناه مع كون جميع الطاعات لله تعالى, فقيل : سبب إضافته إلى الله تعالى أنه لم يعبد أحد غير الله تعالى به فلم يعظم الكفار في عصر من الأعصار معبودا لهم بالصيام وإن كانوا يعظمونه بصورة الصلاة والسجود والصدقة والذكر وغير ذلك, وقيل : لأن الصوم بعيد من الرياء لخفائه بخلاف الصلاة والحج والغزو والصدقة وغيرها من العبادات الظاهرة, وقيل : لأنه ليس للصائم ونفسه فيه حظ. (النووي)
-قوله: "أطيب عند الله من ريح المسك " : تفضيل لما يستكره الصائم علي أطيب ما يستلذ من جنسه وهو المسك ليقاس عليه ما فوقه من آثار الصوم ونتائجه. (الطيبي)
-أما فرحته عند لقاء ربه فبينة لما يراه من الثواب وحسن الجزاء، كما قال في الرواية الاخرى: " إذا لقى الله فجزاه فرح "، وأما عند إفطاره فلتمام عبادته وسلامتها من الفساد وما يرجوه من ثوابها، وقد يكون معناه: لما طبعت النفس عليه من الفرح بإباحة لذة الأكل وما منع منه الصائم، وحاجته إلى ذهاب ألم الجوع عنه. (القاضي عياض)
قوله " وأنا أجزي به " : لأن الكريم إذا قال أنا أتولى الإعطاء بنفسي كان في ذلك إشارة إلى تعظيم ذلك العطاء وتفخيمه. (ابن حجر ).

٩١٤. (خ) (١٩٠٣) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن لَم يَدَع قَولَ الزُّورِ والعَمَلَ بِهِ فَلَيسَ للهِ حاجَةٌ فِي أن يَدَعَ طَعامَهُ وشَرابَهُ». زادَ فِي رِوايَةٍ: «والعَمَلَ بِهِ والجَهلَ».
في هذا الحديث من الفقه: أن الصائم مأمور بتنزيه صومه عن أن يجرحه بشيء من فلتات لسانه، حتى إن شهادة تبلغ في إفساد الصوم إلى أن يقول رسول الله - ﷺ - (فليس لله حاجة):فإنه كلام يشير إلى مغاضبة عليه مع العلم بأن الله عز وجل لا حاجة به إلى صيام صائم، وإنما ذكر رسول الله - ﷺ - هذا إعلاماً لمن فعله أن الله سبحانه قد بلغ غضبه على شاهد الزور إلى ألا يراه معدودًا في الصائمين. (ابن هبيرة)

باب: فَضْلُ الصِّيامِ


٩١٥. (خ م) (١١٥٢) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ فِي الجَنَّةِ بابًا يُقالُ لَهُ الرَّيّانُ، يَدخُلُ مِنهُ الصّائِمُونَ يَومَ القِيامَةِ، لا يَدخُلُ مَعَهُم أحَدٌ غَيرُهُم، يُقالُ: أينَ الصّائِمُونَ؟ فَيَدخُلُونَ مِنهُ، فَإذا دَخَلَ آخِرُهُم أُغلِقَ فَلَم يَدخُل مِنهُ أحَدٌ». وفي رواية (خ): «فِي الجَنَّةِ ثمانيةُ أبوابٍ، فِيها بابٌ يُسمّى الرَّيّان، لا يَدخُلُهُ إلّا الصّائِمُونَ».
-الريان: فعلان من الرِيّ بالكسر, هو نقيض العطش، وسمي بذلك لأنه جزاء الصائمين عَلَى عطشهم وجوعهم. واكتفي بذكر الري عن الشبع ؛ لأنه يدل عليه من حيث أنه يستلزمه، وأفرد لهم هذا الباب ليسرعوا إلى الري من عطش الصيام في الدنيا إكرامًا لهم واختصاصًا؛ وليكون دخولهم في الجنة هينًا غير متزاحم عليهم عند أبوابها، فإن الزحام قد يؤدي إلى نوع من العطش . (ابن الملقن )
-وفي هذا الحديث فضيلة الصيام وكرامة الصائمين(النووي).

باب: فَضْلُ شَهْرِ رَمَضانَ


٩١٦. (خ م) (١٠٧٩) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «إذا جاءَ رَمَضانُ فُتِّحَت أبوابُ الجَنَّةِ، وغُلِّقَت أبوابُ النّارِ، وصُفِّدَت الشَّياطِينُ». وفي رواية (م): «فُتِّحت أبوابُ الرَّحمَةِ»، وفي رواية (خ): «أبوابُ السَّماءِ».

باب: الـنَّهْيُ عَنْ تَقَدُّمِ رَمَضانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أوْ يَوْمَيْنِ


٩١٧. (خ م) (١٠٨٢) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لا تَقَدَّمُوا رَمَضانَ بِصَومِ يَومٍ ولا يَومَينِ، إلا رَجُلٌ كانَ يَصُومُ صَومًا فَليَصُمهُ».
-فيه التصريح بالنهي عن استقبال رمضان بصوم يوم ويومين لمن لم يصادف عادة له, فإن لم يصادف عادة فهو حرام. (النووي).

باب: الـصَّوْمُ والفِطْرُ لِرُؤْيَةِ الهِلالِ والعَمَلُ بِاخْتِلافِ الـمَطالِعِ


٩١٨. (خ م) (١٠٨١) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إذا رَأَيتُم الهِلالَ فَصُومُوا، وإذا رَأَيتُمُوهُ فَأَفطِرُوا، فَإن غُمَّ عَلَيكُم فَصُومُوا ثَلاثِينَ يَومًا». لَفظُ (خ): «فَإنَّ غُبِّيَ عَلَيكُم فَأَكمِلُوا عِدَّةَ شَعبانَ ثَلاثِينَ».
ولَهُما عَن ابْنِ عُمَرَ مِثلُهُ وفِيهِ: «... فَإن غُمَّ عَلَيكُم فاقدِرُوا لَهُ».
-في هذا الحديث: دليل على أنه لا يجب صوم رمضان إلا برؤية هلاله، أو إكمال عدة شعبان ثلاثين يومًا.
وجوب الصوم برؤية هلال رمضان. ولا يحل للصائم أن يفطر حتى يرى هلال شوال؛ إلا أنه إذا رأى هلال رمضان عدل واحد، وجب عليه صيامه وعلى الناس بقوله. (ابن هبيرة).

٩١٩. (م) (١٠٨٧) عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلى ابْنِ عَبّاسٍ؛ أنَّ أُمَّ الفَضلِ بِنتَ الحارِثِ بَعَثَتهُ إلى مُعاوِيَةَ بِالشّامِ، قالَ: فَقَدِمتُ الشّامَ فَقَضَيتُ حاجَتَها، واستُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضانُ وأَنا بِالشّامِ، فَرَأَيتُ الهِلالَ لَيلَةَ الجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمتُ المَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهرِ، فَسَأَلَنِي عَبدُ اللهِ بنُ عَبّاسٍ، ثُمَّ ذَكَرَ الهِلالَ فَقالَ: مَتى رَأَيتُمُ الهِلالَ؟ فَقُلتُ: رَأَيناهُ لَيلَةَ الجُمُعَةِ، فَقالَ: أنتَ رَأَيتَهُ؟ فَقُلتُ: نَعَم، ورَآهُ النّاسُ وصامُوا وصامَ مُعاوِيَةُ، فَقالَ: لَكِنّا رَأَيناهُ لَيلَةَ السَّبتِ، فَلا نَزالُ نَصُومُ حَتّى نُكمِلَ ثَلاثِينَ أو نَراهُ. فَقُلتُ: أوَ لا تَكتَفِي بِرُؤيَةِ مُعاوِيَةَ وصِيامِهِ، فَقالَ: لا، هَكَذا أمَرَنا رَسُولُ اللهِ ﷺ.
-في هذا الحديث ما يدل على أن لكل إقليم حُكمه. (ابن هبيرة).

٩٢٠. (م) (١٠٨٨) عَنْ أبِي البَخْتَرِيِّ الطّائِيِّ قالَ: خَرَجنا لِلعُمرَةِ فَلَمّا نَزَلنا بِبَطنِ نَخلَةَ قالَ: تَراءَينا الهِلالَ، فَقالَ بَعضُ القَومِ: هُوَ ابنُ ثَلاثٍ. وقالَ بَعضُ القَومِ: هُوَ ابنُ لَيلَتَينِ. قالَ: فَلَقِينا ابنَ عبّاسٍ فَقُلنا: إنّا رَأَينا الهِلالَ، فَقالَ بَعضُ القَومِ: هُوَ ابنُ ثَلاثٍ، وقالَ بَعضُ القَومِ: هُوَ ابنُ لَيلَتَينِ، فَقالَ: أيَّ لَيلَةٍ رَأَيتُمُوهُ؟ قالَ: فقُلنا: لَيلَةَ كَذا وكَذا، فَقالَ: إنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «إنَّ اللهَ مَدَّهُ لِلرُّؤيَةِ، فَهُوَ لِلَيلَةٍ رَأَيتُمُوهُ». وفي رواية: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ اللهَ قَد أمَدَّهُ لِرُؤيَتِهِ، فَإن أُغمِيَ عَلَيكُم فَأَكمِلُوا العِدَّةَ».

باب: الشَّهْرُ يَكُونُ تِسْعَةً وعِشْرِينَ يَوْمًا


٩٢١. (خ م) (١٠٨٥) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ﵂؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَلَفَ أن لا يَدخُلَ عَلى بَعضِ أهلِهِ شَهرًا، فَلَمّا مَضى تِسعَةٌ وعِشرُونَ يَومًا غَدا عَلَيهِم أو راحَ، فَقِيلَ لَهُ: حَلَفتَ يا نَبِيَّ اللهِ أن لا تَدخُلَ عَلَينا شَهرًا. قالَ: «إنَّ الشَّهرَ يَكُونُ تِسعَةً وعِشرِينَ يَومًا».
٩٢٢. (خ م) (١٠٨٠) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «إنّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لا نَكتُبُ ولا نَحسُبُ، الشَّهرُ هَكَذا وهَكَذا وهَكَذا»، وعَقَدَ الإبهامَ فِي الثّالِثَةِ، «والشَّهرُ هَكَذا وهَكَذا وهَكَذا»، يَعنِي تَمامَ ثَلاثِينَ. وفي رواية (م): سَمِعَ ابنُ عُمَرَ رَجُلًا يَقُولُ: اللَّيلةَ لَيلَةُ النِّصفِ، فَقالَ لَهُ: ما يُدرِيكَ أنَّ اللَّيلَةَ النِّصفُ؟ سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ ... فَذَكَرَهُ.

باب: شَهْرا عِيدٍ لا يَنْقُصانِ


٩٢٣. (خ م) (١٠٨٩) عَنْ أبِي بَكْرَةَ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «شَهرا عِيدٍ لا يَنقُصانِ؛ رَمَضانُ وذُو الحِجَّةِ» لَفظُ (خ): «شَهرانِ لا يَنقُصانِ؛ شَهرا عيدٍ: رَمضانُ وذُو الِحجَّةِ».

باب: فِـي السَّحُورِ بَرَكَتِهِ وفَضْلِهِ


٩٢٤. (خ م) (١٠٩٥) عَنْ أنَسٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «تَسَحَّرُوا، فَإنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً».
-وقيل البركة ما يتضمن من الاستيقاظ والدعاء في السحر, والأولى أن البركة في السحور تحصل بجهات متعددة وهي اتباع السنة ومخالفة أهل الكتاب, والتقوي به على العبادة, والزيادة في النشاط ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع, والتسبب بالصدقة على من يسأل إذ ذاك أو يجتمع معه على الأكل, والتسبب للذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة, وتدارك نية الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام. (ابن حجر).
-البركة يجوز أن تعود إلى الأمور الأخروية فإن إقامة السنة يوجب الأجر وزيادته, ويحتمل أن تعود إلى الأمور الدنيوية كقوة البدن على الصوم, وتيسيره من غير إضعاف الصائم. (ابن دقيق العيد).

٩٢٥. (م) (١٠٩٦) عَنْ عَمْرِو بْنِ العاصِ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «فَصلُ ما بَينَ صِيامِنا وصِيامِ أهلِ الكِتابِ أكلَةُ السَّحَرِ».
-الحث على التسحر وفيه الإعلام بأن هذا الدين يسر لا عسر فيه . (الخطابي)
-دل هذا الحديث على أن السحور سنة مستحبة، لأن النبي - ﷺ - أمر به.

باب: مِنَ السُّنَّةِ تَأْخِيرُ السُّحُورِ وتَعْجِيلُ الفِطْرِ


٩٢٦. (خ م) (١٠٩٧) عَنْ أنَسٍ ﵁؛ عَن زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ ﵁ قالَ: تَسَحَّرنا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، ثُمَّ قُمنا إلى الصَّلاةِ. قُلتُ: كَم كانَ قَدرُ ما بَينَهُما؟ قالَ: خَمسِينَ آيَةً. وفي رواية (خ): قُلتُ: كَم كانَ بَينَ الأَذانِ والسُّحُورِ؟ ورَوى (خ) عَن أنَسٍ نَحوَهُ، وفِيهِ: قُلنا لِأَنَسٍ: كَم كانَ بَينَ فَراغِهِما مِن سَحُورِهُما ودُخُولِهِما فِي الصَّلاةِ؟.
-هذا يدل على تأخير السحور ليتقوى به على الصوم.
-وفيه: دليل على تقدير الأوقات بأعمال الأبدان. (المهلب)
-فيه دليل استحباب تأخير السحور، وتقريبه من الفجر. (ابن دقيق العيد).

٩٢٧. (خ م) (١٠٩٨) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «لا يَزالُ النّاسُ بِخَيرٍ ما عَجَّلُوا الفِطرَ».
-إنما حض عليه السلام على تعجيل الفطر لئلا يزاد فى النهار ساعة من الليل، فيكون ذلك زيادة فى فروض الله، ولأن ذلك أرفق بالصائم وأقوى له على الصيام. (المهلب).
-وهذا لأن إلزام النفس ما لا يلزم شرعا ابتداع يخاف منه الزيغ، كما ابتدع أهل الكتاب في دينهم فزاغوا، وشددوا فشدد الله عليهم. (ابن الجوزي).

٩٢٨. (م) (١٠٩٩) عَنْ أبِي عَطِيَّةَ مالِكِ بْنِ عامِرٍ قالَ: دَخَلتُ أنا ومَسرُوقٌ عَلى عائشة ﵂، فَقالَ لَها مَسرُوقٌ: رَجُلانِ مِن أصحابِ مُحَمَّدٍ ﷺ كِلاهُما لا يَألُو عَنِ الخَيرِ؛ أحَدُهُما يُعَجِّلُ المَغرِبَ والإفطارَ، والآخَرُ يُؤَخِّرُ المَغرِبَ والإفطارَ. فَقالَت: مَن يُعَجِّلُ المَغرِبَ والإفطارَ؟ قالَ: عَبدُ اللهِ. فَقالَت: هَكَذا كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَصنَعُ.

باب: فِـي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ﴾


٩٢٩. (خ م) (١٠٩١) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ﵁ قالَ: لَمّا نَزَلَت هَذِهِ الآيَةُ: ﴿حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ﴾ [البقرة: ١٨٧]، قالَ: فَكانَ الرَّجُلُ إذا أرادَ الصَّومَ رَبَطَ أحَدُهُم فِي رِجلَيهِ الخَيطَ الأَسوَدَ والخَيطَ الأَبيَضَ، فَلا يَزالُ يَأكُلُ ويَشرَبُ حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رِئيُهُما، فَأَنزَلَ اللهُ بَعدَ ذَلكَ: ﴿مِنَ الفَجْرِ﴾، فَعَلِمُوا أنَّما يَعنِي بِذَلكَ اللَّيلَ والنَّهارَ.
٩٣٠. (خ م) (١٠٩٠) عَنْ عَدِيِّ بْنِ حاتِمٍ ﵁ قالَ: لَمّا نَزَلَت: ﴿حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ﴾، قالَ لَهُ عَدِيُّ بنُ حاتِمٍ: يا رَسُولَ اللهِ؛ إنِّي أجعَلُ تَحتَ وِسادَتِي عِقالَينِ؛ عِقالًا أبيَضَ، وعِقالًا أسوَدَ، أعرِفُ اللَّيلَ مِن النَّهارِ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ وِسادَتَكَ لَعَرِيضٌ، إنَّما هُوَ سَوادُ اللَّيلِ وبَياضُ النَّهارِ». وفي رواية (خ): «إنَّ وِسادَكَ إذًا لَعَرِيضٌ؛ أنْ كانَ الخَيطُ الأَبيَضُ والأَسوَدُ تَحتَ وِسادَتِكَ». وفي رواية (خ): «إنَّكَ لَعَرِيضُ القَفا إنْ أبْصَرْتَ الخَيطَينِ».
٩٣١. (خ) (١٩١٥) عَنِ البَراءِ ﵁ قالَ: كانَ أصحابُ مُحَمَّدٍ ﷺ إذا كانَ الرَّجُلُ صائِمًا فَحَضَرَ الإفطارُ فَنامَ قَبلَ أن يُفطِرَ لَم يَأكُل لَيلَتَهُ ولا يَومَهُ حَتّى يُمسِيَ، وإنَّ قَيسَ بنَ صِرمَةَ الأَنْصارِيَّ كانَ صائِمًا، فَلَمّا حَضَرَ الإفطارُ أتى امرَأَتَهُ، فَقالَ لَها: أعِندَكِ طَعامٌ؟ قالَت: لا، ولَكِن أنطَلِقُ فَأَطلُبُ لَكَ. وكانَ يَومَهُ يَعمَلُ، فَغَلَبَتهُ عَيناهُ، فَجاءَتهُ امرَأَتُهُ فَلَمّا رَأَتهُ قالَت: خَيبَةً لَكَ. فَلَمّا انتَصَفَ النَّهارُ غُشِيَ عَلَيهِ، فَذُكِرَ ذَلكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَنَزَلَت هَذِهِ الآيَةُ: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إلى نِسائِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] فَفَرِحُوا بِها فَرَحًا شَدِيدًا، ونَزَلَت: ﴿حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ﴾ [البقرة: ١٨٧].

١ قال ﷺ : "إن اليد (...) خير من اليد (...)"

٥/٠