باب: جَوازُ الأَكْلِ والشُّرْبِ ما لَمْ يُؤَذَّنْ لِلْفَجْرِ الصّادِقِ


٩٣٢. (خ م) (١٠٩٢) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قالَ: (كانَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ مُؤَذِّنانِ؛ بِلالٌ، وابنُ أُمِّ مَكتُومٍ الأَعمى)، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ بِلالًا يُؤَذِّنُ بِلَيلٍ، فَكُلُوا واشرَبُوا حَتّى يُؤَذِّنَ ابنُ أُمِّ مَكتُومٍ». قالَ: ولَم يَكُن بَينَهُما إلا أن يَنزِلَ هَذا ويَرقى هَذا. زادَ (خ): قالَ: وكانَ رَجُلًا أعمى لا يُنادِي حَتى يُقالَ لَه: أصبَحتَ، أصبَحتَ. وزادَ (خ) فِي رِوايةٍ: «... حَتّى يُؤَذِّنَ ابنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإنَّهُ لا يُؤّذِّنُ حَتّى يَطلُعَ الفَجرُ». قالَ القاسِمُ: ولَم يَكُن بَينَ أذانِهِما إلا أن يَرقى ذا ويَنزِلُ ذا.
٩٣٣. (خ م) (١٠٩٣) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لا يَمنَعَنَّ أحَدًا مِنكُم أذانُ بِلالٍ أو قالَ: نِداءُ بِلالٍ مِن سُحُورِهِ، فَإنَّهُ يُؤَذِّنُ أو قالَ: يُنادِي بِلَيلٍ، لِيُرجِعَ قائِمَكُم، ويُوقِظَ نائِمَكُم». وقالَ: «لَيسَ أن يَقُولَ هَكَذا وهَكَذا» وصَوَّبَ يَدَهُ ورَفَعَها «حَتّى يَقُولَ هَكَذا» (وفَرَّجَ بَينَ إصبَعَيهِ). وفي رواية هِيَ لَفظُ (خ): «... ويُنَبِّهُ نائمَكُم». وفي رواية (م): «ولا بَياضُ الأُفُقِ المَستَطِيلِ هَكَذا حتّى يَستَطِيرَ هَكذا».

باب: صَوْمُ مَن أدْرَكَهُ الفَجْرُ وهُوَ جُنُبٌ


٩٣٤. (خ م) (١١٠٩) عَنْ عائِشَةَ وأُمِّ سَلَمَةَ زَوجَيِ النَّبِيِّ ﷺ قالَتا: إن كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لَيُصبِحُ جُنُبًا مِن جِماعٍ غَيرِ احتِلامٍ فِي رَمَضانَ ثُمَّ يَصُومُ.
ولَهُما: عَن أبِي بَكرِ بْنِ عَبْدِ الرحمَنِ بْنِ الحارِثِ قالَ: سَمِعتُ أبا هُرَيْرَةَ يَقُصُّ، يَقُولُ فِي قَصَصِهِ: «مَن أدرَكَهُ الفَجرُ جُنُبًا فَلا يَصُم». قالَ: فَذَكَرتُ ذَلكَ لِعَبدِ الرَّحمنِ بْنِ الحارِثِ -لِأَبِيهِ- فَأَنكَرَ ذَلكَ.
فانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتّى دَخَلْنا عَلى عائِشَةَ وأُمِّ سَلَمَةَ فَسَأَلَهُما عَبْدُ الرَّحْمَنِ... وفِيهِ: قالَ أبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعتُ ذَلكَ مِن الفَضلِ ولَم أسمَعهُ مِن النَّبِيِّ ﷺ. (قالَ: فَرَجَعَ أبُو هُرَيْرَةَ عَمّا كانَ يَقُولُ فِي ذَلكَ).
ورَوى (م) عَن عائِشَةَ؛ أنَّ رَجُلًا جاءَ إلى النَّبيِّ ﷺ يَسْتَفْتِيهِ، وهِيَ تَسمَعُ مِن وراءِ البابِ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ تُدرِكُني الصَّلاةُ وأَنا جُنُبٌ، أفَأَصُومُ؟ فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «وأَنا تُدرِكُني الصَّلاةُ وأَنا جُنُبٌ فَأَصُومُ». فَقالَ: لَستَ مِثلَنا يا رَسُولَ اللهِ، قَد غَفَرَ اللهُ لَكَ ما تَقَدَّم مِن ذَنبِكَ وما تَأَخَّرَ. فَقالَ: «واللهِ إني لَأَرجُو أن أكُونَ أخْشاكُم للهِ، وأَعلَمَكُم بِما أتَّقِي».

باب: فِـي الصّائِمِ يَأْكُلُ أوْ يَشْرَبُ ناسِيًا أوْ يَظُنُّ غُرُوبَ الشَّمْسِ


٩٣٥. (خ م) (١١٥٥) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن نَسِيَ وهُوَ صائِمٌ فَأَكَلَ أو شَرِبَ فَليُتِمّ صَومَهُ، فَإنَّما أطعَمَهُ اللهُ وسَقاهُ».
٩٣٦. (خ) (١٩٥٩) عَن هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَن فاطِمَةَ؛ عَن أسماءَ بِنتِ أبِي بَكرٍ الصِّدِّيقِ ﵄ قالَت: أفطَرنا عَلى عَهدِ النَّبِيِّ ﷺ يَومَ غَيمٍ، ثُمَّ طَلَعَت الشَّمسُ. قِيلَ لِهِشامٍ: فَأُمِرُوا بِالقَضاءِ؟ قالَ: لا بُدَّ مِن قَضاءٍ. وقالَ مَعمَرٌ سَمِعتُ هِشامًا: لا أدرِي أقَضَوا أم لا.

باب: كَفّارَةُ مَن وقَعَ عَلى امْرَأَتِهِ فِـي نَهارِ رَمَضانَ


٩٣٧. (خ م) (١١١١) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ ﷺ فَقالَ: هَلَكتُ يا رَسُولَ اللهِ. قالَ: «وما أهلَكَكَ؟» قالَ: وقَعتُ عَلى امرَأَتِي فِي رَمَضانَ. قالَ: «هَل تَجِدُ ما تُعتِقُ رَقَبَةً؟» قالَ: لا. قالَ: «فَهَل تَستَطِيعُ أن تَصُومَ شَهرَينِ مُتَتابِعَينِ؟» قالَ: لا. قالَ: «فَهَل تَجِدُ ما تُطعِمُ سِتِّينَ مِسكِينًا؟» قالَ: لا. قالَ: ثُمَّ جَلَسَ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمرٌ، فَقالَ: «تَصَدَّق بِهَذا». قالَ: أفقَرَ مِنّا، فَما بَينَ لابَتَيها أهلُ بَيتٍ أحوَجُ إلَيهِ مِنّا. فَضَحِكَ النَّبِيُّ ﷺ حَتّى بَدَت أنيابُه، ثُمَّ قالَ: «اذهَب فَأَطعِمهُ أهلَكَ». وفي رواية (خ): والعَرَقُ المِكتَلُ الضَّخْمُ. وفي رواية (خ): قالَ: «فاعتِق ... فَصُم ... فَأَطعِم». وفي رواية (خ): قالَ: فَوالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مابَينَ طُنُبَيْ المَدِينَةِ أحوَجَ مِنِّي ... وفي رواية (خ): «فَأَنتُم إذًا».
٩٣٨. (خ م) (١١١٢) عَن عائِشَةَ ﵂ قالَت: جاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقالَ: احتَرَقتُ. قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لِمَ؟» قالَ: وطِئتُ امرَأَتِي فِي رَمَضانَ (نَهارًا. قالَ: «تَصَدَّق، تَصَدَّق». قالَ: ما عِندِي شَيءٌ، فَأَمَرَهُ أن يَجلِسَ، فَجاءَهُ عَرَقانِ فِيهِما طَعامٌ)، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ أن يَتَصَدَّقَ بِهِ. لَفظُ (خ): فَأُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِمِكتَلٍ يُدعى العَرَقُ، فَقالَ: «أينَ المُحتَرِق؟» قالَ: أنا. قالَ: تَصَدَّق بِهَذا.
وفي رواية (م) زادَ: فِي المَسْجِدِ ... وفِيها: فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ أغَيْرَنا؟ فَواللهِ إنّا لَجِياعٌ، ما لَنا شَيءٌ. قالَ: «فَكُلُوه».

باب: فِـي القُبْلَةِ لِلصّائِمِ


٩٣٩. (خ م) (١١٠٦) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُقَبِّلُ وهُوَ صائِمٌ، ويُباشِرُ وهُوَ صائِمٌ، ولَكِنَّهُ أملَكُكُم لإربِهِ. وفي رواية: يُقَبِّلُ إحدى نِسائِهِ وهُوَ صائِمٌ، ثُمَّ تَضحَكُ.
ولَهُما عَن أُمِّ سَلَمَةَ نَحوُهُ، ولَفظُ (م): عَن عُمَرَ بْنِ أبِي سَلَمَةَ؛ أنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ ﷺ: أيُقَبِّلُ الصّائِمُ؟ فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «سَلْ هَذِهِ»، لِأُمِّ سَلَمَةَ، فَأَخبَرَتهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَصنَعُ ذَلكَ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ، قَد غَفَرَ اللهُ لَكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وما تَأَخَّرَ. فَقالَ لَهُ: «أما وِاللهِ إنِّي لَأَتقاكُم للهِ، وأَخشاكُم لَهُ».

باب: كَراهَةُ الحِجامَةِ ونَحْوِها لِلصّائِمِ


٩٤٠. (خ) (١٩٤٠) عَنْ ثابِتٍ البُنانِيِّ قالَ: سُئِلَ أنَسُ بنُ مالِكٍ ﵁: أكُنتُم تَكرَهُونَ الحِجامَةَ لِلصّائِمِ؟ قالَ: لا، إلّا مِن أجلِ الضَّعفِ.
ورَوى عن أبي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: إذا قاءَ فَلا يُفطِر، إنَّما يُخرِجُ ولا يُولِجُ. قال البخاري: ويُذكَرُ عن أبي هُرَيْرَةَ؛ أنّهُ يُفطِرُ، والأَوَّلُ أصَحُ.

باب: إذا أقْبَلَ اللَّيْلُ وغَرَبَتِ الشَّمْسُ أفْطَرَ الصّائِمُ


٩٤١. (خ م) (١١٠١) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبِي أوْفى ﵄ قالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي سَفَرٍ، (فِي شَهرِ رَمَضانَ)، فَلَمّا غابَت الشَّمسُ قالَ: «يا فُلانُ؛ انزِل فاجدَح لَنا». قالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ إنَّ عَلَيكَ نَهارًا. قالَ: «انزِل فاجدَح لَنا». قالَ: فَنَزَلَ فَجَدَحَ، فَأَتاهُ بِهِ، فَشَرِبَ النَّبِيُّ ﷺ، ثُمَّ قالَ بِيَدِهِ: «إذا (غابَت الشَّمسُ مِن هاهُنا)، وجاءَ اللَّيلُ مِن ها هُنا فَقَد أفطَرَ الصّائِمُ».

باب: الـنَّهْيُ عَنِ الوِصالِ فِـي الصَّوْمِ


٩٤٢. (خ م) (١١٠٣) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: نَهى رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنِ الوِصالِ، فَقالَ رَجُلٌ مِن المُسلِمِينَ: فَإنَّكَ يا رَسُولَ اللهِ تُواصِلُ. قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «وأَيّكُم مِثلِي؟ إنِّي أبِيتُ يُطعِمُنِي رَبِّي ويَسقِينِي». فَلَمّا أبَوا أن يَنتَهُوا عَنِ الوِصالِ واصَلَ بِهِم يَومًا، ثُمَّ يَومًا، ثُمَّ رَأَوا الهِلالَ، فَقالَ: «لَو تَأَخَّرَ الهِلالُ لَزِدتُكُم». كالمُنَكِّلِ لَهُم حِينَ أبَوا أن يَنتَهُوا.
ولَهُما عَن عائِشَةَ ﵂ قالَت: نَهاهُم النَّبِي ﷺ عَنِ الوِصالِ رَحمَةً لَهُم ... الحديث.
٩٤٣. (خ م) (١١٠٤) عَنْ أنَسٍ ﵁ قالَ: واصَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي آخِرِ شَهرِ رَمَضانَ، فَواصَلَ ناسٌ مِن المُسلِمِين، فَبَلَغَهُ ذَلكَ فَقالَ: «لَو مُدَّ لَنا الشَّهرُ لَواصَلنا وِصالًا يَدَعُ المُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُم، إنَّكُم لَستُم مِثلِي، أو قالَ: إنِّي لَستُ مِثلَكُم، إنِّي أظَلُّ يُطعِمُنِي رَبِّي ويَسقِينِي».
ورَوى (م) عَنهُ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُصَلِّي فِي رَمضانَ، فَجِئتُ فَقُمتُ إلى جَنْبِهِ، وجاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَقامَ أيضًا، حَتّى كُنّا رَهْطًا، فَلَمّا حَسَّ النَّبِيُّ ﷺ أنّا خَلفَهُ جَعَلَ يَتَجَوَّزُ فِي الصَّلاةِ ، ثُمَّ دَخَلَ رَحْلَهُ، فَصَلّى صَلاةً لا يُصَلِّيها عِندَنا، قالَ: قُلنا لَـهُ حِينَ أصبَحنا: أفَطِنتَ لَنا اللَّيلَةَ؟ قالَ: فَقالَ: «نَعَم، ذاكَ الَّذِي حَمَلَني عَلى الَّذِي صَنَعتُ». قالَ: فَأَخَذَ يُواصِلُ ... فَذَكَرَ نَحوَه.
٩٤٤. (خ) (١٩٦٣) عَنْ أبِي سَعِيدٍ ﵁؛ أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «لا تُواصِلُوا، فَأَيُّكُم إذا أرادَ أن يُواصِلَ فَليُواصِل حَتّى السَّحَرِ». قالُوا: فَإنَّكَ تُواصِلُ يا رَسُولَ اللهِ. قالَ: «إنِّي لَستُ كَهَيئَتِكُم، إنِّي أبِيتُ لِي مُطعِمٌ يُطعِمُنِي وساقٍ يَسقِينِ».

باب: الـصِّيامُ فِـي السَّفَرِ والرُّخْصَةُ فِـي الفِطْرِ فِيهِ


٩٤٥. (خ م) (١١١٣) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: سافَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي رَمَضانَ، فَصامَ حَتّى بَلَغَ عُسفانَ، ثُمَّ دَعا بِإناءٍ فِيهِ شَرابٌ، فَشَرِبَهُ نَهارًا لِيَراهُ النّاسُ، ثُمَّ أفطَرَ حَتّى دَخَلَ مَكَّةَ، قالَ ابنُ عَبّاسٍ: فَصامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وأَفطَرَ، فَمَن شاءَ صامَ، ومَن شاءَ أفطَرَ. وفي رواية: خَرَجَ عامَ الفَتحِ في رمَضانَ، فَصامَ حَتّى بَلَغَ الكَدِيدَ ثم أفطَرَ. (وكان صَحابَةُ رَسُولِ اللهِ ﷺ يَتَّبِعُونَ الأحدَثَ فالأحدَثَ مِن أمرِهِ). وفِي رِوايَةٍ (م): قالَ ابنُ شِهابٍ ... نَحوَهُ، وزادَ: ويَرَونَهُ النّاسِخَ المُحكَمَ.
وفي رواية (خ): ومَعَهُ عَشَرَةُ آلافٍ، وذَلِكَ عَلى رَأسِ ثَمانِ سِنِينَ ونِصفٍ مِن مَقدَمِهِ المَدِينَةَ، وفِي رِوايَةِ (خ): فَلَم يَزَل مُفطِرًا حَتّى انسَلَخَ الشَّهرُ. ورَوى (خ) عَن ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ فِي رَمَضانَ إلى حُنَينٍ، والنّاسُ مُختَلِفُونَ، فَصائِمٌ ومُفطِرٌ، فَلَمّا استَوى عَلى راحِلَتِهِ دَعا بِإناءٍ مِن لَبَنٍ أو ماءٍ فَوَضَعَهُ عَلى راحَتِهِ أو عَلى راحِلَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ إلى النّاسِ، فَقالَ المُفطِرُونَ لِلصُّوّامِ: أفطِروا.
٩٤٦. (خ م) (١١٢١) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: سَأَلَ حَمزَةُ بنُ عَمْرٍو الأَسلَمِيُّ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَنِ الصِّيامِ فِي السَّفَرِ، فَقالَ: «إن شِئتَ فَصُم، وإن شِئتَ فَأَفطِر». وفي رواية: قالَ: يا رَسُولَ اللهِ، إنِّي رَجُلٌ أسْرُدُ الصَّومَ ... نَحوَهُ. ورَوى (م) عَنهُ قالَ: يا رَسُولَ اللهِ، أجِدُ بِي قُوَّةً عَلى الصِّيامِ فِي السَّفَرِ؛ فَهَل عَلَيَّ جُناحٌ؟ فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «هِي رُخصَةٌ مِن اللهِ، فَمَن أخَذَ بِها فَحَسَنٌ، ومَن أحَبَّ أن يَصُومَ فَلا جُناحَ عَلَيهِ».
٩٤٧. (خ م) (١١٢٢) عَنْ أبِي الدَّرْداءِ ﵁ قالَ: خَرَجنا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي (شَهرِ رَمَضانَ)، فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، حَتّى إن كانَ أحَدُنا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلى رَأسِهِ مِن شِدَّةِ الحَرِّ، وما فِينا صائِمٌ إلا رَسُولُ اللهِ ﷺ وعَبدُ اللهِ بنُ رَواحَةَ.
٩٤٨. (خ م) (١١١٨) عَنْ أنَسٍ ﵁ قالَ: سافَرنا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ (فِي رَمَضانَ)، فَلَم يَعِب الصّائِمُ عَلى المُفطِرِ، ولا المُفطِرُ عَلى الصّائِمِ.
ورَوى (م) عَن أبِي سَعِيدٍ نَحوَه، وفِيه: يَرونَ أنَّ مَن وجَدَ قوَّةً فَصامَ فإنَّ ذَلكَ حَسَنٌ، ويَرونَ أنّ مَن وجَدَ ضَعفًا فَأَفطَرَ فِإنَّ ذَلكَ حَسَنٌ.
٩٤٩. (خ م) (١١١٩) عَنْ أنَسٍ ﵁ قالَ: كُنّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي السَّفَرِ، فَمِنّا الصّائِمُ، ومِنّا المُفطِرُ، قالَ: فَنَزَلنا مَنزِلًا فِي يَومٍ حارٍّ، أكثَرُنا ظِلًا صاحِبُ الكِساءِ، (ومِنّا مَن يَتَّقِي الشَّمسَ بِيَدِهِ)، قالَ: فَسَقَطَ الصُّوّامُ، وقامَ المُفطِرُونَ فَضَرَبُوا الأَبنِيَةَ، وسَقَوا الرِّكابَ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ذَهَبَ المُفطِرُونَ اليَومَ بِالأَجرِ». لَفظُ (خ): وأَمّا الَّذِينَ أفطَرُوا فَبَعَثُوا الرِّكابَ وامتَهَنُوا وعالَجُوا ...

باب: الفِطْرُ فِـي السَّفَرِ لِـمَن شَقَّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ


٩٥٠. (خ م) (١١١٥) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي سَفَرٍ، فَرَأى رَجُلًا قَد اجتَمَعَ النّاسُ عَلَيهِ، وقَد ظُلِّلَ عَلَيهِ، فَقالَ: «ما لَهُ؟» قالُوا: رَجُلٌ صائِمٌ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَيسَ مِن البِرِّ أن تَصُومُوا فِي السَّفَرِ».
أخذ من هذا أن كراهة الصوم في السفر لمن هو في مثل هذه الحالة، ممن يجهده الصوم ويشق عليه، أو يؤدي إلى ترك ما هو أولى من القربات. (ابن دقيق العيد)

٩٥١. (م) (١١١٤) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ خَرَجَ عامَ الفَتحِ إلى مَكَّةَ فِي رَمَضانَ، فَصامَ حَتّى بَلَغَ كُراعَ الغَمِيمِ، فَصامَ النّاسُ، ثُمَّ دَعا بِقَدَحٍ من ماءٍ فَرَفَعَهُ حَتّى نَظَرَ النّاسُ إلَيهِ، ثُمَّ شَرِبَ فَقِيلَ لَهُ بَعدَ ذَلكَ: إنَّ بَعضَ النّاسِ قَد صامَ. فَقالَ: «أُولَئِك العُصاةُ، أُولَئِكَ العُصاةُ». وزادَ فِي رِوايَةٍ: فَقِيلَ لَهُ: إنَّ النّاسَ قَد شَقَّ عَلَيهِمُ الصِّيامُ ...
-قوله «أُولَئِك العُصَاةُ، أُولَئِكَ العُصَاةُ»: هو أنهم لم يقبلوا رخصة الله عز وجل، ولم يتأسوا برسول الله ﷺ حين شرب، والناس ينظرون بعد العصر. (ابن عثيمين)
- فيه وجوب الفطر على من تضرر به. (محمد بن علي الإتيوبي)
- ما كان عليه النبي ﷺ من الشفقة بأمته. (محمد بن علي الإتيوبي)
- ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم من متابعته، ولو شق عليهم ذلك. (محمد بن علي الإتيوبي)
-سماحة الشريعة، وسهولة تكاليفها، حيث أباحت الفطر للمسافر، وخففت شطر الصلاة، لما يلحقه من التعب بسبب عناء السفر.(محمد بن علي الإتيوبي)

٩٥٢. (م) (١١٢٠) عَنْ قَزَعَةَ وهُوَ ابْنُ يَحْيى قالَ: أتَيتُ أبا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ ﵁ وهُوَ مَكثُورٌ عَلَيهِ، فَلَمّا تَفَرَّقَ النّاسُ عَنهُ قُلتُ: إنِّي لا أسأَلُكَ عَمّا يَسأَلُكَ هَؤُلاءِ عَنهُ، سَأَلتُهُ عَنِ الصَّومِ فِي السَّفَرِ، فَقالَ: سافَرنا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ إلى مَكَّةَ ونَحنُ صِيامٌ، قالَ: فَنَزَلنا مَنزِلًا، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّكُم قَد دَنَوتُم مِن عَدُوِّكُم والفِطرُ أقوى لَكُم». فَكانَت رُخصَةً، فَمِنّا مَن صامَ ومِنّا مَن أفطَرَ، ثُمَّ نَزَلنا مَنزِلًا آخَرَ، فَقالَ: «إنَّكُم مُصَبِّحُو عَدُوِّكُم، والفِطرُ أقوى لَكُم، فَأَفطِرُوا». وكانَت عَزمَةً فَأَفطَرنا، ثُمَّ قالَ: لَقَد رَأَيتُنا نَصُومُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ بَعدَ ذَلكَ فِي السَّفَرِ.
-فيه دليل على أن حفظ القوة بالفطر أفضل لمن هو منتظر للقاء العدو. (القرطبي)
- فيه دليل على أن الصوم هو الأصل والأفضل، وأن الفطر إنما كان لعلة وسبب، ولما زال ذلك رجع إلى الأفضل، والله تعالى أعلم. (القرطبي)
-من دهمه عدو، أو لص، أو فاجر، كان لا يستطيع الدفاع عن نفسه وأهله، إلا بالفطر؛ فإنه يجوز له أن يفطر بلا شك؛ لأن هذا من أبلغ الضرورات. (ابن عثيمين)

باب: قَضاءُ رَمَضانَ فِـي شَعْبانَ


٩٥٣. (خ م) (١١٤٦) عَنْ أبِي سَلَمَةَ قالَ: سَمِعتُ عائِشَةَ تَقُولُ: كانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّومُ مِن رَمَضانَ، فَما أستَطِيعُ أن أقضِيَهُ إلا فِي شَعبانَ؛ الشُّغلُ مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ، أو بِرَسُولِ اللهِ ﷺ. وفي رواية (م): وذَلكَ لِمَكانِ رَسُولِ اللهِ ﷺ. وفي رواية (م): يَحيى يَقُولُهُ. لَفظُ (خ): قالَ يَحيى: الشُّغلُ مِن النَّبِيِّ ﷺ أوْ بِالنَّبِيِّ ﷺ.
-لا يجوز تأخير قضاء رمضان إلى ما بعد رمضان الثاني؛ لأنه لو كان جائز لأخرته عائشة كما أخرته في عام القضاء، ووجهه من النظر والقياس: أنه لا كما لا يجوز تأخير الصلاة حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى، فكذلك لا يجوز تأخير قضاء رمضان حتى يدخل رمضان الثاني. ( ابن عثيمين)
- قضاء رمضان ليس واجبا على الفور، بل للإنسان أن يؤخره ولكن الأفضل أن يقدم لا أن يؤخر؛ لأن عائشة رضي الله عنها ذكرت العذر، وهو: مكانها من الرسول ﷺ وشغلها به؛ لذلك كانت رضي الله عنها تراعي حال النبي ﷺ فلا تصوم، أما من ليس له عذر، فالأولى له المبادرة؛ لأنه دين على الإنسان، وكلما بادر به الإنسان فهو أفضل. (ابن عثيمين)

باب: قَضاءُ الصِّيامِ عَنِ الـمَيِّتِ


٩٥٤. (خ م) (١١٤٧) عَنْ عائِشَةَ ﵂؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «مَن ماتَ وعَلَيهِ صِيامٌ صامَ عَنهُ ولِيُّهُ».
-قوله "وَعَلَيهِ صِيَامٌ": إن هذا عام في الفرض بأصل الشرع والنذر، فيدخل فيه قضاء رمضان، ويدخل فيه قضاء كفارة اليمين، وفدية الأداء، وغير ذلك مما يجب فيه الصوم. (ابن عثيمين)
- قوله "صَامَ عَنهُ وَلِيُّهُ": لا يمكن أن يكون على سبيل الوجوب؛ لأنه لو كان على سبيل الوجوب للزم من ذلك أن يأثم الولي إذا لم يصم، وقد قال الله تعالى}وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ{ وعلى هذا، فيحمل إما على الاستحباب؛ لما فيه من الإحسان إلى الميت، وإما على الإباحة؛ لئلا يظن ظان أن قول الله تعالى }وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى{ يقتضي أن صوم وليه لا ينفعه، أما على الوجوب فلا. (ابن عثيمين)

٩٥٥. (خ م) (١١٤٨) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ ﷺ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ إنَّ أُمِّي ماتَت وعَلَيها صَومُ شَهرٍ؛ أفَأَقضِيهِ عَنها؟ (فَقالَ: «لَو كانَ عَلى أُمِّكَ دَينٌ أكُنتَ قاضِيَهُ عَنها؟») قالَ: نَعَم. قالَ: «فَدَينُ اللهِ أحَقُّ أن يُقضى». وفي رواية (م): جاءت امرَأةٌ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقالَت: يا رَسُولَ اللهِ؛ إنَّ أُمِّي ماتَت وعَلَيها صَومُ نَذرٍ ... وفِيها: «فَصُومِي عَن أُمِّكِ». عَلَّقَها (خ).
-فيه أنه يستحب للمفتي أن ينبه على وجه الدليل إذا كان مختصرا واضحا وبالسائل إليه حاجة، أو يترتب عليه مصلحة؛ لأنه ﷺ قاس على دين الاَدمي، تنبيها على وجه دليل. (النووي)
-قوله "جَاءت امرَأةٌ إِلى رَسُولِ الله ﷺ": دليل على أن النبي ﷺ رخص لهذه المرأة أو أذن لها أن تقضي ما على أمها من الصوم. (ابن عثيمين)
دليل ثبوت القياس؛ لأن النبي ﷺ سأل هذه المرأة لو كان على أمها دين، هل كانت ستقضيه؟ فقالت: نعم. فقال: «فَدَينُ اللهِ أَحَقُّ أَن يُقضَى». (ابن عثيمين)

٩٥٦. (م) (١١٤٩) عَنْ بُرَيْدَةَ ﵁ قالَ: بَينا أنا جالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ إذ أتَتهُ امرَأَةٌ فَقالَت: إنِّي تَصَدَّقتُ عَلى أُمِّي بِجارِيَةٍ، وإنَّها ماتَت. قالَ: فَقالَ: «وجَبَ أجرُكِ، ورَدَّها عَلَيكِ المِيراثُ». قالَت: يا رَسُولَ اللهِ؛ إنَّهُ كانَ عَلَيها صَومُ شَهرٍ؛ أفَأَصُومُ عَنها؟ قالَ: «صُومِي عَنها». قالَت: إنَّها لَم تَحُجَّ قَطُّ؛ أفَأَحُجُّ عَنها؟ قالَ: «حُجِّي عَنها». وفي رواية: عَلَيها صَومُ شَهرَينِ.
ورَوى (خ) عَن ابْنِ عَبّاسٍ؛ أنَّ امْرَأَةً جاءَتْ إلى النَّبِيِّ ﷺ فَقالَتْ: إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أنْ تَحُجَّ فَماتَتْ قَبْلَ أنْ تَحُجَّ؛ أفَأَحُجَّ عَنْها؟ قالَ: «نَعَمْ، حُجِّي عَنْها، أرَأَيْتِ لَوْ كانَ عَلى أُمِّكِ دَيْنٌ أكُنْتِ قاضِيَتَهُ؟» قالَتْ: نَعَمْ. فَقالَ: «اقْضُوا اللَّهَ الَّذِي لَهُ، فَإنَّ اللَّهَ أحَقُّ بِالوَفاءِ». وفي رواية لَـهُ: أنَّ امرَأَةً مِن جُهَينَةَ.
ورَوى (خ) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: أتى رَجُلٌ النَّبِيَّ ﷺ فَقالَ لَهُ: إنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أنْ تَحُجَّ ... بِمِثْلِهِ، وفِيها: قالَ: «فاقْضِ اللَّهَ، فَهُوَ أحَقُّ بِالقَضاءِ».
-أن الإنسان إذا تصدق بمال ثم عاد إليه بسبب شرعي ليس له فيه صنع فلا بأس، فإن هذه المرأة تصدقت على أمها بجارية، ثم ماتت الأم، فقال ﷺ: «وَجَبَ أَجرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيكِ المِيرَاثُ». (ابن عثيمين)

باب: مَن يُباحُ لَهُ الفِطْرُ وعَلَيْهِ الإطْعامُ


٩٥٧. (خ م) (١١٤٥) عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ ﵁ قالَ: لَمّا نَزَلَت هَذِهِ الآيَةُ: ﴿وعَلى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ﴾ [البقرة: ١٨٤]، كانَ مَن أرادَ أن يُفطِرَ ويَفتَدِيَ، حَتّى نَزَلَت الآيَةُ الَّتِي بَعدَها فَنَسَخَتها. رَوى (خ) عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: قَرَأَ ... الآيَةَ، قالَ: هِيَ مَنسُوخَةٌ.
-هذه الآية التي فيها التخيير كانت أول ما نزل من الصيام، فمن شاء صام ومن شاء أفطر وافتدى؛ لقول الله تعالى:﴿وعَلى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ﴾ [البقرة: ١٨٤]. وهذا هو معنى الآية الذي لا ينبغي العدول إلى غيره؛ لأنه ثابت بالصحيحين أنه أول ما فرض الصيام خُير الناس فيه بين الصيام والفدية. (ابن عثيمين)

٩٥٨. (خ) (٤٥٠٥) عَنْ عَطاءٍ؛ سَمِعَ ابنَ عَبّاسٍ يَقرَأُ: «وعَلى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ فِديَةٌ طَعامُ مِسكِينٍ»، قالَ ابنُ عَبّاسٍ: لَيست بِمَنسُوخَةٍ، هُو الشَّيخُ الكَبِيرُ والمَرأَةُ الكَبِيرَةُ لا يَستَطِيعان أن يَصُوما، فَلْيُطعِمانِ مَكانَ كُلِّ يَومٍ مِسكِينًا.
-إن ابن عباس رضي الله عنهما أراد بمعنى نزولها فيهما: أن حكمها يشمل الشيخ والشيخة إذا عجزا عن الصيام. ووجه ذلك: أن الله جعل الفدية معادلة للصوم، لكن على التخيير في أول الأمر، فإذا عجزا الصوم بقي ما يعادله وهو الفدية، فإذا كان الشيخ والشيخة لا يستطيعان الصوم فعليهما الفدية، ولا نقول إنه يسقط عنهما الصوم؛ لأن الآية ظاهرة في أن الفدية جعلت بدلًا عن الصوم. (ابن عثيمين)

باب: فِيمَن أصْبَحَ صائِمًا فِـي التَّطَوُّعِ ثُمَّ أفْطَرَ


٩٥٩. (م) (١١٥٤) عَنْ عائشَةَ ﵂ قالَت: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ ذاتَ يَومٍ فَقالَ: «هَل عِندَكُم شَيءٌ؟» فَقُلنا: لا، قالَ: «فَإنِّي إذَن صائِمٌ». ثُمَّ أتانا يَومًا آخَرَ، فَقُلنا: يا رَسُولَ اللهِ؛ أُهدِيَ لَنا حَيسٌ، فَقالَ: «أرِينِيهِ، فَلَقَد أصبَحتُ صائِمًا»، فَأَكَلَ.
-صوم الفرض لا بد فيه من النية، سواء كان في وقته كصوم رمضان، أو بعده كصوم القضاء. (ابن عثيمين)
- إن النبي ﷺ لا يعلم الغيب، ولذلك لم يكن يعلم ما في بيته، فهو بيته ومع ذلك لا يعلم ما فيه؛ لقول عائشة رضي الله عنها: «هَل عِندَكُم شَيءٌ؟». (ابن عثيمين)
- أنه لما لم يكن في بيته شيء قال: «فَإِنِّي إِذَن صَائِمٌ». فيكون قد أحدث النية؛ أي من الآن أنا صائما. ففيه جواز نية النفل أثناء النهار. (ابن عثيمين)
- جواز النطق بالنية للتعليم، لقول النبي ﷺ: «فَإِنِّي إِذَن صَائِمٌ». ونطق بنيته لا شك أنه تشريع للأمة؛ ليبين للأمة أن النفل تجوز نيته في أثناء النهار، وإلا فإن النية محلها القلب.
- أنه يجوز للرسول ﷺ أكل الهدية، وهو كذلك لكنه لا يجوز أن يأكل الصدقة فرضها ونفلها؛ يعني: لا الزكاة، ولا صدقة التطوع، واَل النبي أيضا لا تجوز لهم الزكاة. (ابن عثيمين)

باب: فَضْلُ الصَّوْمِ فِـي سَبِيلِ اللهِ


٩٦٠. (خ م) (١١٥٣) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ما مِن عَبدٍ يَصُومُ يَومًا فِي سَبِيلِ اللهِ، إلا باعَدَ اللهُ بِذَلكَ اليَومِ وجهَهُ عَنِ النّارِ سَبعِينَ خَرِيفًا».
-فيه فضيلة الصيام في سبيل الله، وهو محمول على من لا يتضرر به ولا يفوت به حقا، ولا غيره من مهمات غزوه، ومعناه المباعدة عن النار والمعافاة منها، والخريف السنة والمراد سبعين سنة. (النووي)
- فقوله "فِي سَبِيلِ الله": أي في شريعته، بحيث يكون مبنيا على الإخلاص التام والمتابعة التامة، ويكون صومًا حقيقيًا جُنة لصاحبه من اللغو والرفث وغيرهما. (ابن عثيمين)

باب: الأَمْرُ بِصِيامِ يَوْمِ عاشُوراءَ حَتّى فُرِضَ رَمَضانَ


٩٦١. (خ م) (١١٣٦) عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْراءَ قالَتْ: أرْسَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ غَداةَ عاشُوراءَ إلى قُرى الأَنصارِ الَّتِي حَولَ المَدِينَةِ: «مَن كانَ أصبَحَ صائِمًا فَليُتِمَّ صَومَهُ، ومَن كانَ أصبَحَ مُفطِرًا فَليُتِمَّ بَقِيَّةَ يَومِهِ». فَكُنّا بَعدَ ذَلكَ نَصُومُهُ، ونُصَوِّمُ صِبيانَنا (الصِّغارَ مِنهُم إن شاءَ اللهُ، ونَذهَبُ إلى المَسْجِدِ)، فَنَجعَلُ لَهُم اللُّعبَةَ مِن العِهنِ، فَإذا بَكى أحَدُهُم عَلى الطَّعامِ أعطَيناها إيّاهُ عِنْدَ الإفطارِ. لَفظُ (خ): حَتّى يَكُونَ عِنْدَ الإفطار.
-مناداة الناس بدخول وقت الصوم. (ابن عثيمين)
-فيه تمرين الصبيان على الطاعات، وتعوديهم العبادات، ولكنهم ليسوا مكلفين. (النووي)
-أنه يشرع تسكيت الصبي إذا صاح؛ لفقد شيء، أو لغير ذلك. (ابن عثيمين).
جواز اتخاذ اللعب من العهن -أي القطن والصوف وشبهها- يتلهى بها الصبيان. (ابن عثيمين)

٩٦٢. (خ م) (١١٢٥) عَنْ عائِشَةَ ﵂؛ أنَّ قُرَيشًا كانَت تَصُومُ عاشُوراءَ فِي الجاهِلِيَّةِ، ثُمَّ أمَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِصِيامِهِ، حَتّى فُرِضَ رَمَضانُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن شاءَ فَليَصُمهُ، ومَن شاءَ فَليُفطِرهُ».
وفي رواية: فَلمّا فُرِضَ شَهرُ رَمضانَ تَرَكَ عاشُوراءَ، وفي رواية (خ): وكانَ يَومًا تُستَرُ فِيهِ الكعَبةُ.
ولَهُما عَن ابْنِ عُمرَ نَحوَ حَدِيثِ عائِشَةَ، وفِي (م): قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ عاشُوراءَ يومٌ مِن أيّام اللهِ ...»، وفِيهِ: قالَ نافعٌ: وكانَ عبدُ اللهِ لا يَصُومُهُ إلاَّ أن يُوافِقَ صِيامَهُ.
ورَوى (م) عَنِ ابْنِ عُمَرَ: ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ يَوْمُ عاشُوراءَ، فَقالَ: «كانَ يَوْمًا يَصُومُهُ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ، فَمَن أحَبَّ أنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ، ومَن كَرِهَ فَلْيَدَعْهُ».
ولَهُما عَن عَلقَمَةَ قالَ: دَخَلَ الأَشعَثُ بنُ قَيسٍ عَلى ابْنِ مَسْعُودٍ وهُو يَأكُلُ يَومَ عاشُوراء، فَقالَ: يا أبا عَبدِ الرَّحمن؛ إنَّ اليَومَ يَومُ عاشُوراء. فَقالَ: قَد كانَ يُصامُ قَبلَ أن يَنزِلَ رَمضانَ، فَلَمّا نَزَلَ رَمضانُ تُرِكَ، (فَإن كُنت مُفطِرًا فاطْعَم). ورَوى (م) عَنهُ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَصُومُهُ، فَلَمّا نَزَلَ رَمَضانَ تَرَكَهُ.
-هذا الحديث دليل على فضل صوم يوم عاشوراء. (ابن عبد البر)
- فيه بيان أن النبي ﷺ كان يوافق قريشا على ما يفعلونه من الخير، كصوم يوم عاشوراء، وكالحج والعمرة. (محمد بن علي الإتيوبي)
- فيه بيان مشروعية شكر الله تعالى بالصوم لمن حصل له خير من تفريج كرب، أو تيسير أمر. (محمد بن علي الإتيوبي)
-فيه بيان أن ما حصل من النعم للأنبياء السابقين- كنجاة نوح عليه السلام، ونجاة موسى عليه السلام، وغرق فرعون- ينبغي لنا أن نفرح به، ونشكر الله تعالى على ذلك. (محمد بن علي الإتيوبي)

٩٦٣. (خ م) (١١٢٩) عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أنَّهُ سَمِعَ مُعاوِيَةَ بنَ أبِي سُفيانَ ﵁ خَطِيبًا بِالمَدِينَةِ، يَعنِي فِي قَدمَةٍ قَدِمَها، خَطَبَهُم يَومَ عاشُوراءَ، فَقالَ: أينَ عُلَماؤُكُم، يا أهلَ المَدِينَةِ؟ سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ لِهَذا اليَومِ: «هَذا يَومُ عاشُوراءَ، ولَم يَكتُب اللهُ عَلَيكُم صِيامَهُ، وأَنا صائِمٌ، فَمَن أحَبَّ مِنكُم أن يَصُومَ فَليَصُم، ومَن أحَبَّ أن يُفطِرَ فَليُفطِر».
-قوله (أين علماؤكم): إنما خص العلماء بالنداء ليلقنوه عنه، وليصدقوه؛ وذلك لأنهم أعلم بأحاديث رسول الله وأحواله من غيرهم. (القرطبي)
- فيه دليل على فضل صوم يوم عاشوراء؛ لأنه لم يخصه بقوله: (وأنا صائم) إلا لفضل فيه، وفي رسول الله أسوة حسنة. (العيني)

٩٦٤. (خ م) (١١٣٠) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَدِمَ المَدِينَةَ، فَوَجَدَ اليَهُودَ صِيامًا يَومَ عاشُوراءَ، فَقالَ لَهُم رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ما هَذا اليَومُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟» فَقالُوا: هَذا يَومٌ عَظِيمٌ أنجى اللهُ فِيهِ مُوسى وقَومَهُ، وغَرَّقَ فِرعَونَ وقَومَهُ، فَصامَهُ مُوسى شُكرًا، فَنَحنُ نَصُومُهُ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «فَنَحن أحَقُّ وأَولى بِمُوسى مِنكُم». فَصامَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ، وأَمَرَ بِصِيامِهِ.
-وجه الأولوية أنه علم من حال موسى وعظيم منزلته عند الله، وصحة رسالته وشريعته، ما لم يعلموه هم، ولا أحد منهم. (القرطبي)

٩٦٥. (خ م) (١١٣١) عَنْ أبِي مُوسى ﵁ قالَ: كانَ يَومُ عاشُوراءَ يَومًا تُعَظِّمُهُ اليَهُودُ، وتَتَّخِذُهُ عِيدًا، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «صُومُوهُ أنتُم».
-قيل: ما وجه التوفيق بين قوله: (عيدا) وبين ما تقدم أن اليهود تصوم يوم عاشوراء، ويوم العيد يوم الإفطار؟ وأجيب: بأنه لا يلزم من عدهم إياه عيدا كونه عيدا، ولا من كونه عيدا الإفطار لاحتمال أن صوم يوم العيد جائز عندهم، أو هؤلاء اليهود غير يهود المدينة، فوافق المدنيين حيث عرف أنه الحق، وخالف غيرهم لخلافه. (العيني)

٩٦٦. (خ م) (١١٣٢) عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أبِي يَزِيدَ؛ أنه سَمِعَ ابنَ عَبّاسٍ ﵄؛ وسُئِلَ عَن صِيامِ يَومِ عاشُوراءَ، فَقالَ: ما عَلِمتُ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ صامَ يَومًا يَطلُبُ فَضلَهُ عَلى الأَيّامِ إلا هَذا اليَومَ، ولا شَهرًا إلا هَذا الشَّهرَ، يَعنِي رَمَضانَ.
ليس من السنة: أن تصوم جميع شهر المحرم، ولكن تكثر من الصوم فيه كما أنه لا يكون كذلك مثل صوم شعبان، بل يكون دونه. (ابن عثيمين)

٩٦٧. (م) (١١٢٨) عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ﵁ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَأمُرُنا بِصِيامِ يَومِ عاشُوراءَ ويَحُثُّنا عَلَيهِ ويَتَعاهَدُنا عِندَهُ، فَلَمّا فُرِضَ رَمَضانُ لَم يَأمُرنا ولَم يَنهَنا ولَم يَتَعاهَدنا عِندَهُ.
٩٦٨. (م) (١١٣٣) عَنِ الحَكَمِ بْنِ الأَعْرَجِ قالَ: انتَهَيتُ إلى ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ وهُوَ مُتَوَسِّدٌ رِداءَهُ فِي زَمزَمَ، فَقُلتُ لَهُ: أخبِرنِي عَن صَومِ عاشُوراءَ؟ فَقالَ: إذا رَأَيتَ هِلالَ المُحَرّمِ فاعدُد، وأَصبِح يَومَ التّاسِعِ صائِمًا، قُلتُ: هَكَذا كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَصُومُهُ؟ قالَ: نَعَم.
٩٦٩. (م) (١١٣٤) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: حِينَ صامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَومَ عاشُوراءَ وأَمَرَ بِصِيامِهِ قالُوا: يارَسُولَ اللهِ؛ إنَّهُ يَومٌ تُعَظِّمُهُ اليَهُودُ والنَّصارى، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «فَإذا كانَ العامُ المُقبِلُ إن شاءَ اللهُ صُمنا اليَومَ التّاسِعَ». قالَ: فَلَم يَأتِ العامُ المُقبِلُ حَتّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ ﷺ. وفي رواية: «لَئِن بَقِيتُ إلى قابِلٍ لأَصُومَنَّ التّاسِعَ». قالَ: يَعنِي يَومَ عاشُوراء.
-ظاهر هذا الحديث: أن الرسول ﷺ لما ذكروا له أن اليهود كانت تعظم يوم عاشوراء أراد أن يعدل عن صوم يوم عاشوراء – أي يوم العاشر- إلى اليوم التاسع؛ من أجل مخالفة اليهود في تعظيم هذا اليوم، لكن قد وردت أحاديث تبين أنه أراد ﷺ أن يصوم التاسع مضافًا إلى العاشر، فتحصل المخالفة في الصفة، ومن ذلك أنه ﷺ أمر أن يصام يوم قبله، أو يوم بعده. (ابن عثيمين)
-الصواب أن معنى قوله ﷺ: «فَإِذَا كَانَ العَامُ المُقبِلُ إِن شَاءَ اللهُ صُمنَا اليَومَ التَّاسِعَ»؛ أي مع العاشر؛ وذلك مخالفة اليهود. (ابن عثيمين)

١ من نسى أنه صائم فأكل أو شرب

٥/٠