باب: فِـي الإهْلالِ بِالحَـجِّ والعُمْرَةِ جَمِيعًا


١٠٣٢. (خ م) (١٢٢٦) عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ ﵁ قالَ: نَزَلَت آيَةُ المُتعَةِ فِي كِتابِ اللهِ، يَعنِي مُتعَةَ الحَجِّ، (وأَمَرَنا بِها) رَسُولُ اللهِ ﷺ، ثُمَّ لَم تَنزِل آيَةٌ تَنسَخُ آيَةَ مُتعَةِ الحَجِّ، ولَم يَنهَ عَنها رَسُولُ اللهِ ﷺ حَتّى ماتَ، قالَ رَجُلٌ بِرَأيِهِ بَعدُ ما شاءَ. وفِي رِوايَةِ (م) هِيَ لَفْظُ (خ): وفَعَلناها مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ. وفي رواية: (تَمَتَّع نَبِيُّ اللهِ ﷺ) وتَمَتَّعنا مَعَهُ. وفي رواية: (أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ جَمَعَ بَينَ حَجَّةٍ وعُمرَةٍ) ... وفِيها: ولَم يَنزِل فِيهِ قُرآنٌ يُحَرِّمُهُ، (وفِيها: وقَد كانَ يُسَلَّمُ عَلَيَّ حَتّى اكتَوَيتُ فَتُرِكتُ، ثُمَّ تَرَكتُ الكَيَّ فَعادَ).
وفي رواية (م): عَن مُطَرِّفٍ قالَ: بَعَثَ إليَّ عِمرانُ بنُ حُصَينٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّي فِيهِ، فَقالَ: إنِّي كُنتُ مُحدِّثَكَ بِأَحادِيثَ لَعَلَّ اللهَ أن يَنفَعَكَ بِها بَعدِي، فَإن عِشتُ فاكتُمْ عَنِّي، وإن مُتُّ فَحدِّث بِها إن شِئتَ ....
- وفي الحديث إشارةٌ إلى جواز نسخ القرآن بالسنة؛ لأن قوله: "ولم يَنْهَ عنها" نفيٌ منه لما يقتضي رفع الحكم بالجواز الثابتِ بالقرآن، فلو لم يكن هذا الرفعُ ممكنًا، لما احتاج إلى قوله: "وَلَمْ يَنْهَ عَنْها"، ومرادُه بنفي نسخ القرآن: الجوازُ، وبنفي ورود السنة بالنهي: تَقَرُّرُ الحكمِ ودوامُه؛ إذ لا طريقَ لرفعه إلا أحدُ هذين الأمرين. (كتاب رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام).

١٠٣٣. (خ م) (١٢٢٣) عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ قالَ: اجتَمَعَ عَلِيٌّ وعُثمانُ ﵄ بِعُسفانَ، فَكانَ عُثْمانُ يَنهى عَنِ المُتعَةِ، أو العُمرَةِ، فَقالَ عَلِيٌّ: ما تُرِيدُ إلى أمرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ تَنهى عَنهُ. (فَقالَ عُثْمانُ: دَعنا مِنكَ. فَقالَ: إنِّي لا أستَطِيعُ أن أدَعَكَ). فَلَمّا أن رَأى عَلِيٌّ ذَلكَ أهَلَّ بِهِما جَمِيعًا.
ورَوى (م) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ قالَ: كانَ عُثمانُ يَنهى عَنِ المُتعَةِ، وكانَ عَلِيٌّ يَأمُرُ بِها، فَقالَ عُثْمانُ لِعَليٍّ كَلِمَةً، ثُمَّ قالَ عَلِيٌّ: لَقَد عَلِمْتَ أنّا قَد تَمَتَّعنا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ. فَقالَ: أجَلْ، ولَكِنّا كُنّا خائِفِينَ.
-فهذا ممّا يبيِّنُ أنَّه -ﷺ- كان قارِنًا.
-أنَّ الجمعَ بينَهما تمتُّع؛ فإنّ عثمانَ ﵁ كان ينهى عن المتعة، وقصدَ عليٌّ ﵁ إظهارَ مخالفتِه؛ تقريرًا لما فعلَه النَّبيُّ -ﷺ- فقرنَ، وإنّما تكون مخالفة إذا كانت المتعة التي نهى عنها عثمان. (كتاب كشف اللثام شرح عمدة الأحكام).

١٠٣٤. (خ م) (١٢٣٢) عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ عَن أنَسٍ ﵁ قالَ: سَمِعتُ النَّبِيَّ ﷺ يُلَبِّي بِالحَجِّ والعُمرَةِ جَمِيعًا، قالَ بَكرٌ: فَحَدَّثتُ بِذَلكَ ابنَ عُمَرَ، فَقالَ: لَبّى بِالحَجِّ وحدَهُ. (فَلَقِيتُ أنَسًا فَحَدَّثتُهُ بِقَولِ ابْنِ عُمَرَ، فَقالَ أنَسٌ: ما تَعُدُّونَنا إلا صِبيانًا، سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «لَبَّيكَ عُمرَةً وحَجًّا»). ورَوى (م) عَن ابْنِ عُمَرَ قالَ: أهلَلنا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ بِالحَجِّ مُفْرَدًا. ورَوى (خ) عَن أنَسٍ قالَ: كُنتُ رَدِيفَ أبِي طَلْحَةَ وإنَّهُم لَيَصرُخُون بِهِما جَمِيعًا؛ الحَجِّ والعُمرَةِ.
-قال النووي: (قدمنا أن الرأي المختار -بل الصحيح- في حجة النبي عليه الصلاة والسلام: أنه كان في أول إحرامه مفرداً، ويحمل عليه حديث عبد الله بن عمر ﵄ ثم أدخل العمرة على الحج فصار قارناً، وهذا حديث أنس وبهذا اتفقت الروايات، وجمعنا بين الأحاديث أحسن جمع، فحديث ابن عمر محمول على أول إحرامه، وحديث أنس محمول على أواخره وأثنائه، وكأنه لم يسمعه أولاً، ولا بد من هذا التأويل أو نحوه؛ لتكون رواية أنس موافقة لرواية الأكثرين كما سبق بيان ذلك).‏ (كتاب شرح صحيح مسلم حسن أبو الأشبال).

١٠٣٥. (خ) (١٥٥١) عَنْ أنَسٍ قالَ: صلّى رَسُولُ اللهِ ﷺ ونَحنُ مَعَه بِالمدينةِ الظُّهرَ أربَعًا، والعَصرَ بِذِي الحُلَيفةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ باتَ بِها حَتّى أصبَحَ، ثُم رَكِبَ حَتّى استَوَت بِهِ عَلى البَيداءِ حَمِدَ اللهَ وسبَّحَ وكَبَّرَ، ثُمَّ أهَلَّ بِحجٍّ وعُمرةٍ، وأَهَلَّ النّاسُ بِهِما، فَلَمّا قَدِمنا أمَرَ النّاسَ فَحَلُّوا، حَتّى كانَ يَومَ التَّرويةِ أهَلُّوا بِالحَجِّ، قالَ: ونَحَرَ النَّبِيُّ ﷺ بَدَناتٍ بِيَدِهِ قِيامًا، وذَبَحَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِالمَدينةِ كَبشَينِ أملَحَينِ.
ورَوى (خ) عَنْ أنَسٍ قالَ: فَلَمّا أصبَحَ رَكِبَ راحِلَتَهُ فَجَعَلَ يُهَلِّلُ ويُسَبِّحُ ... وفِيها: ونَحَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِيَدِهِ سَبْعَ بُدْنٍ قِيامًا، وضَحّى بِالمَدِينَةِ ...
- هذا المبيت ليس هو من سنن الحج، وإنما هو من جهة الرفق بأمته؛ ليلحق به من تأخر عنه في السير، ويدركه من لم يمكنه الخروج معه.
- قوله: (صلى بالمدينة أربعًا وبذي الحليفة ركعتين) يعني: العصر كما بينه في الحديث الآتي، وإنما قصر بها هنا؛ لأنه مسافر، وإن لم يبلغ إلى موضع المشقة منه. فإذا خرج عن مصره قصر.
- وفيه: أن سنة الإهلال أن يكون بعد صلاة.
- قوله: (ثم بات بها حَتَّى أصبح بذي الحليفة، فلما ركب راحلته واستوت به أهل). ظاهره أنه أحرم إثر المكتوبة؛ لأنه إذا صلى الصبح لم يركع بعدها للإحرام؛ لأنه وقت كراهة.
- قوله: (فلما ركب راحلته واستوت به أهل). يريد أن تستقل قائمة، وهذا هو الاستواء، والانبعاث أخذها في القيام، واستواؤها هو كمال القيام. كتاب التوضيح لشرح جامع الصحيح.

١٠٣٦. (خ) (١٥٣٤) عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ ﵁ يَقُولُ: سَمِعتُ النَّبِيَّ ﷺ بِوادِي العَقِيقِ يَقُولُ: «أتانِي اللَّيلَةَ آتٍ مِن رَبِّي فَقالَ: صَلِّ فِي هَذا الوادِي المُبارَكِ، وقُل: عُمرَةً فِي حَجَّةٍ». وفي رواية: «وقُل: عُمرَةٌ وحَجَّةٌ».
-فضل وادي العقيق وبركته ونفعه لأهل المدينة قاطبة وللمسلمين عامة، ومن مزاياه أنه إذا سال ارتفع منسوب المياه بالمدينة.
-مشروعية ركعتي الإِحرام في مسجد ذي الحليفة وهي سنة. لقول جبريل: " صل في هذا الوادي المبارك ".
-أنه - ﷺ - كان قارناً، لأنه أمر أن يقول: "عمرة في حجة" والمطابقة: في قوله ﷺ : "وقل: عمرة في حجة". كتاب منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري.

باب: فِـي مُتْعَةِ الـحَـجِّ


١٠٣٧. (خ م) (١٢٤٢) عَنْ أبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ قالَ: تَمَتَّعتُ؛ فَنَهانِي ناسٌ عَن ذَلكَ، فَأَتَيتُ ابنَ عَبّاسٍ ﵁ فَسَأَلتُهُ عَن ذَلكَ، فَأَمَرَنِي بِها، قالَ: ثُمَّ انطَلَقتُ إلى البَيتِ، فَنِمتُ، فَأَتانِي آتٍ فِي مَنامِي فَقالَ: عُمرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ، وحَجٌّ مَبرُورٌ، قالَ: فَأَتَيتُ ابنَ عَبّاسٍ فَأَخبَرتُهُ بِالَّذِي رَأَيتُ، فَقالَ: اللهُ أكبَرُ، اللهُ أكبَرُ، سُنَّةُ أبِي القاسِمِ ﷺ. زادَ (خ): فَقالَ لي: أقِم عِندِي فَأَجْعَلُ لَكَ سَهمًا مِن مالِي. قالَ شُعبةُ: فَقُلتُ: لِمَ؟ فَقالَ: لِلرُّؤيا الَّتِي رَأَيتُ. زادَ (خ) فِي رِوايةٍ: وسَأَلتُهُ عَنِ الهَديِ، فَقالَ: فِيها جَزُورٌ أو بَقَرةٌ أو شاةٌ أو شِرْكٌ فِي دَمٍ ...
-قوله: (الله أكبر الله أكبر) أي عجبًا لله الذي أراك هذا المنام، يدل على أنه تأيد بالرؤيا واستبشر بها ففيه التكبير عند المسرة.
- وفيه استئناس بالرؤيا فيما يقوم عليه الدليل الشرعي لما دل عليه الشرع من عظم قدرها وأنها جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، وهذا الاستئناس والترجيح لا ينافي الأصول. كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم.
- قد مضى من هذا الحديث ما يرجع إلى المتعة، وفيه أن العبد الصالح إذا قال قولاً فرأى بعض المسلمين منامًا يعضد ذلك القول- قوي قلب قائله، وكان مبشرًا له.
-والهدي: ما أهدي إلى البيت، وإنما يكون من الإبل والبقر والغنم.
-وقوله: (أو شرك في دم) يدل على جواز أن يشترك السبعة في البدنة والبقرة سواء كان هديهم تطوعًا أو واجبًا، وسواء اتفقت جهات قربهم أو اختلفت، وكذلك إن كان بعضهم متطوعًا وبعضهم يؤدي ذلك عن واجب أو كان بعضهم متقربًا وبعضهم يريد اللحم. (كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح).

١٠٣٨. (م) (١٢٢٤) عَنْ أبِي ذَرٍّ ﵁ قالَ: كانَتِ المُتعَةُ فِي الحَجِّ لأَصحابِ مُحَمَّدٍ ﷺ خاصَّةً. وفي رواية: لا تَصلُحُ المُتعَتانِ إلاَّ لَنا خاصَّةً. يَعنِي مُتعَةَ النِّساءِ ومُتعَةَ الحَجِّ.
- قال النووي: معنى هذه الرواية والتي بعدها أن فسخ الحج إلى العمرة كان للصحابة في تلك السنة وهي سنة حجة الوداع ولا يجوز بعد ذلك، وليس مراد أبي ذر إبطال التمتع مطلقًا بل مراده فسخ الحج كما ذكرناه، وحكمته إبطال ما كانت عليه الجاهلية من منع العمرة في أشهر الحج ومعنى فسخ الحج إلى العمرة قلبه عمرةً بأن يحرم به ثم يتحلل منه بعمل عمرة فيصير متمتعًا وجوزه أحمد وطائفة من أهل الظاهر، وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وجماهير العلماء من السلف والخلف: إنه خاص بالصحابة وبتلك السنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج واعتقادهم أن إيقاعها فيه من أفجر الفجور. اهـ قسطلاني. قال الأبي: انظر من أين كان هذا حديثًا ولعله من حيث إنه لا يقول ذلك إلا عن توقيف. اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي وابن ماجه. اهـ تحفة الأشراف. (كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم).

١٠٣٩. (م) (١٢٣٣) عَنْ وبَرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قالَ: كُنتُ جالِسًا عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ، فَجاءَهُ رَجُلٌ فَقالَ: أيَصلُحُ لِي أن أطُوفَ بِالبَيتِ قَبلَ أن آتِيَ المَوقِفَ؟ فَقالَ: نَعَم. فَقالَ: فَإنَّ ابنَ عَبّاسٍ يَقُولُ: لا تَطُف بِالبَيتِ حَتّى تَأتِيَ المَوقِفَ. فَقالَ ابنُ عُمَرَ: فَقَد حَجَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَطافَ بِالبَيتِ قَبلَ أن يَأتِيَ المَوقِفَ، فَبِقَولِ رَسُولِ اللهِ ﷺ أحَقُّ أن تَأخُذَ أو بِقَولِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵁؛ إن كُنتَ صادِقًا؟.
- في هذا الحديث جواز القدوم قبل الإفاضة. (كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح)

١٠٤٠. (م) (١٢٣٨) عَنْ مُسْلِمٍ القُرِّيِّ قالَ: سَأَلتُ ابنَ عَبّاسٍ عَن مُتعَةِ الحَجِّ، فَرَخَّصَ فِيها، وكانَ ابنُ الزُّبَيرِ يَنهى عَنها، فَقالَ: هَذِهِ أُمُّ ابنِ الزُّبَيرِ تُحَدِّثُ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ رَخَّصَ فِيها، فادخُلُوا عَلَيها فاسأَلُوها قالَ: فَدَخَلنا عَلَيها فَإذا امرَأَةٌ ضَخمَةٌ عَمياءُ، فَقالَت: قَد رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِيها.
-وكلامها مع ابنها لما استشارها في قبول الأمان لما حصره الحجاج يدل على عقل كبير ودين متين وقلب صبور. (كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم).

١٠٤١. (م) (١٢٣٦) عَنْ أسْماءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ ﵂ قالَت: خَرَجنا مُحرِمِينَ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن كانَ مَعَهُ هَديٌ فَليَقُم عَلى إحرامِهِ، ومَن لَم يَكُن مَعَهُ هَديٌ فَليَحلِل». فَلَم يَكُن مَعِي هَديٌ فَحَلَلتُ، وكانَ مَعَ الزُّبَيرِ هَديٌ فَلَم يَحلِل، قالَت: فَلَبِستُ ثِيابِي، ثُمَّ خَرَجتُ فَجَلَستُ إلى الزُّبَيرِ، فَقالَ: قُومِي عَنِّي. فَقُلتُ: أتَخشى أن أثِبَ عَلَيكَ.
- قال النووي: إنما أمرها بالقيام مخافةً من عارض قد يندر منه كلمس بشهوة أو نحوه، فإن اللمس بشهوة حرام في الإحرام فاحتاط لنفسه بمباعدتها عنه. (كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم).

١٠٤٢. (م) (١٢٤٩) عَنْ أبِي نَضْرَةَ قالَ: كُنتُ عِنْدَ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، فَأَتاهُ آتٍ فَقالَ: إنَّ ابنَ عَبّاسٍ وابنَ الزُّبَيرِ اختَلَفا فِي المُتعَتَينِ، فَقالَ جابِرٌ: فَعَلناهُما مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، ثُمَّ نَهانا عَنهُما عُمَرُ، فَلَم نَعُد لَهُما.
-متعة النساء، ومتعة فسخ الحج في العمرة، بدليل أن المتعة بالعمرة إلى الحج قد عمل بها الصحابة كثيرًا. (كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار)

١٠٤٣. (م) (١٢١٧) عَنْ أبِي نَضْرَةَ قالَ: كانَ ابنُ عَبّاسٍ ﵄ يَأمُرُ بِالمُتعَةِ، وكانَ ابنُ الزُّبَيرِ يَنهى عَنها، قالَ: فَذَكَرتُ ذَلكَ لِجابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ فَقالَ: عَلى يَدَيَّ دارَ الحَدِيثُ، تَمَتَّعنا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَلَمّا قامَ عُمَرُ قالَ: إنَّ اللهَ كانَ يُحِلُّ لِرَسُولِهِ ما شاءَ بِما شاءَ، وإنَّ القُرآنَ قَد نَزَلَ مَنازِلَهُ فَأَتِمُّوا الحَجَّ والعُمْرَةَ لِلَّهِ، كَما أمَرَكُمُ اللهُ، وأَبِتُّوا نِكاحَ هَذِهِ النِّساءِ، فَلَن أُوتى بِرَجُلٍ نَكَحَ امرَأَةً إلى أجَلٍ إلاَّ رَجَمتُهُ بِالحِجارَةِ. وفي رواية: فافصِلُوا حَجَّكُم مِن عُمرَتِكُم، فَإنَّهُ أتَمُّ لِحَجِّكُم وأَتَمُّ لِعُمرَتِكُم.
- قال القرطبي: أيضًا ولا معنى لقول من قال إن اختلافهما كان في الأفضل بين المتعة التي هي الجمع بين الحج والعمرة في عام واحد وسفر واحد وبين غيرها من الإفراد والقرآن لأنه لو كان اختلافهما في ذلك لكان استدلال عمر ضائعًا إذ كان يكون استدلالًا في غير محله غير أنه لما كان لفظ المتعة يطلق عليهما بالاشتراك خفي على كثير من الناس، وكذلك يصلح هذا اللفظ لمتعة النكاح ولذلك ذكرهما جابر عن عمر في نسق واحد، وكان ابن عباس أيضًا خالف في متعة النكاح ولم يبلغه ناسخها على ما يأتي في النكاح إن شاء الله تعالى اهـ. (كتاب الكوكب الوهاج شرح ‏صحيح مسلم).

باب: مَن أحْرَمَ بِالحَجِّ ومَعَهُ الهَدْيُ


١٠٤٤. (خ م) (١٢١٦) عن مُوسى بن نافِعٍ قالَ: قَدِمتُ مَكَّةَ مُتَمَتِّعًا بِعُمرَةٍ قَبلَ التَّروِيَةِ بِأَربَعَةِ أيّامٍ، فَقالَ النّاسُ: تَصِيرُ حَجَّتُكَ الآنَ مَكِّيَّةً فَدَخَلتُ عَلى عَطاءِ بْنِ أبِي رَباحٍ فاستَفتَيتُهُ، فَقالَ عَطاءٌ: حَدَّثَنِي جابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأنصارِيُّ ﵁؛ أنَّهُ حَجَّ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ عامَ ساقَ الهَديَ مَعَهُ، وقَد أهَلُّوا بِالحَجِّ مُفرَدًا، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أحِلُّوا مِن إحرامِكُم، فَطُوفُوا بِالبَيتِ وبَينَ الصَّفا والمَروَةِ، وقَصِّرُوا، وأَقِيمُوا حَلالًا، حَتّى إذا كانَ يَومُ التَّروِيَةِ فَأَهِلُّوا بِالحَجِّ، واجعَلُوا الَّتِي قَدِمتُم بِها مُتعَةً». قالُوا: كَيفَ نَجعَلُها مُتعَةً وقَد سَمَّينا الحَجَّ؟ قالَ: «افعَلُوا ما آمُرُكُم بِهِ، فَإنِّي لَولا أنِّي سُقتُ الهَديَ لَفَعَلتُ مِثلَ الَّذِي أمَرتُكُم بِهِ، ولَكِن لا يَحِلُّ مِنِّي حَرامٌ حَتّى يَبلُغَ الهَديُ مَحِلَّهُ». فَفَعَلُوا.
-قال النووي: وفي هذا دليل ظاهر لمذهب الشافعي ومالك وموافقيهما في ترجيح الإفراد، وأن غالبهم كانوا محرمين بالحج، ويتأول رواية من روى متمتعين أنه أراد في آخر الأمر صاروا متمتعين كما سبق تقريره في أوائل هذا الباب، وفيه دليل للشافعي وموافقيه في أن من كان بمكة وأراد الحج إنما يحرم به من يوم التروية، وقد ذكرنا المسألة مرات. (كتاب الكوكب الوهاج شرح ‏صحيح مسلم).

١٠٤٥. (خ م) (١٢٢٩) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ﵁؛ أنَّ حَفصَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ قالَت: يا رَسُولَ اللهِ؛ ما شَأنُ النّاسِ حَلُّوا ولَم تَحلِل أنتَ مِن عُمرَتِكَ؟ قالَ: «إنِّي لَبَّدتُ رَأسِي، وقَلَّدتُ هَديِي، فَلا أحِلُّ حَتّى أنحَرَ».
ورَوى (خ) عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: سَمِعتُ عُمَرَ ﵁ يَقُولُ: مَن ضَفَّرَ فَلْيَحْلِق، ولا تَشَبَّهُوا بِالتَّلبِيدِ. وكانَ ابنُ عُمَرَ يَقُولُ: لَقَد رَأَيتُ رَسُولَ الله ﷺ مُلَبِّدًا.
-قال النووي: وهذا دليل للمذهب الصحيح المختار الذي قدمناه واضحًا بدلائله في الأبواب السابقة مرات أن النبي ﷺ كان قارنًا في حجة الوداع فقولها من عمرتك إشارة إلى العمرة المضموم إليها الحج، وفيه أن القارن لا يتحلل بالطواف والسعي ولا بد له في تحلله من الوقوف بعرفات والرمي والحلق والطواف كما في الحاج المفرد، وقد تأوله من يقول بالإفراد تأويلات ضعيفة اهـ. (كتاب الكوكب الوهاج شرح ‏صحيح مسلم).

باب: مَن أحْرَمَ بِالحَجِّ ولَمْ يَسُقْ الهَدِيَ


١٠٤٦. (خ م) (١٢٢١) عَنْ أبِي مُوسى ﵁ قالَ: قَدِمتُ عَلى رَسُولِ اللهِ ﷺ وهُوَ مُنِيخٌ بِالبَطحاءِ، فَقالَ: «بِمَ أهلَلتَ؟» قالَ: قُلتُ: أهلَلتُ بِإهلالِ النَّبِيِّ ﷺ. قالَ: «هَل سُقتَ مِن هَديٍ؟» قُلتُ: لا. قالَ: «فَطُف بِالبَيتِ وبِالصَّفا والمَروَةِ، ثُمَّ حِلَّ». فَطُفتُ بِالبَيتِ وبِالصَّفا والمَروَةِ، ثُمَّ أتَيتُ امرَأَةً مِن قَومِي فَمَشَطَتنِي، وغَسَلَت رَأسِي، فَكُنتُ أُفتِي النّاسَ بِذَلكَ فِي إمارَةِ أبِي بَكرٍ وإمارَةِ عُمَرَ، (فَإنِّي لَقائِمٌ بِالمَوسِمِ، إذ جاءَنِي رَجُلٌ فَقالَ: إنَّكَ لا تَدرِي ما أحدَثَ أمِيرُ المُؤمِنِينَ فِي شَأنِ النُّسُكِ. فَقُلتُ: أيُّها النّاسُ؛ مَن كُنّا أفتَيناهُ بِشَيءٍ فَليَتَّئِد، فَهَذا أمِيرُ المُؤمِنِينَ قادِمٌ عَلَيكُم، فَبِهِ فَأتَمُّوا)، فَلَمّا قَدِمَ قُلتُ: يا أمِيرَ المُؤمِنِينَ؛ ما هَذا (الَّذِي أحدَثتَ فِي شَأنِ النُّسُكِ)؟ قالَ: إن نَأخُذ بِكِتابِ اللهِ فَإنَّ اللهَ ﷿ قالَ: ﴿وأَتِمُّواْ الحَجَّ والعُمْرَةَ لِلّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦]، وإن نَأخُذ بِسُنَّةِ نَبِيِّنا عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلام فَإنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَم يَحِلَّ حَتّى نَحَرَ الهَديَ.
- وَقَوله: أَهلَلْت بإهلال رَسُول الله ﷺ، يدل على جَوَاز إرْسَال النِّيَّة من غير تعْيين النَّوْع الَّذِي يُريدهُ من أَنْوَاع الْحَج، ثمَّ لم تَعْيِينه عِنْد إِرَادَة الشُّرُوع فِي الْأَعْمَال. وَيحْتَمل أَن يكون أَبُو مُوسَى سَأَلَ عَن حَال النَّبِي ﷺ فَأخْبر أَنه قَارن فَنوى الْقرَان، فَلَمَّا سَأَلَهُ قَالَ: أَهلَلْت بِمَا أَهلَلْت بِهِ.
- وَفِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على أَن النَّبِي ﷺ لم يكن مُفردا؛ لِأَن الْهَدْي إِنَّمَا يجب على الْمُتَمَتّع والقارن. (كتاب كشف المشكل من حديث الصحيحين).

١٠٤٧. (خ م) (١٢٢٧) عَنْ سالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أنَّ عَبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ ﵁ قالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي حَجَّةِ الوَداعِ بِالعُمرَةِ إلى الحَجِّ، وأَهدى فَساقَ مَعَهُ الهَديَ مِن ذِي الحُلَيفَةِ، وبَدَأَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَأَهَلَّ بِالعُمرةِ، ثُمَّ أهَلَّ بِالحَجِّ، وتَمَتَّعَ النّاسُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ بِالعُمرَةِ إلى الحَجِّ، فَكانَ مِن النّاسِ مَن أهدى فَساقَ الهَديَ، ومِنهُم مَن لَم يُهدِ، فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مَكَّةَ قالَ لِلنّاسِ: «مَن كانَ مِنكُم أهدى فَإنَّهُ لا يَحِلُّ مِن شَيءٍ حَرُمَ مِنهُ حَتّى يَقضِيَ حَجَّهُ، ومَن لَم يَكُن مِنكُم أهدى فَليَطُف بِالبَيتِ وبِالصَّفا والمَروَةِ، وليُقَصر، وليَحلِل، ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالحَجِّ، وليُهدِ، فَمَن لَم يَجِد هَديًا فَليَصُم ثَلاثَةَ أيّامٍ فِي الحَجِّ، وسَبعَةً إذا رَجَعَ إلى أهلِهِ». وطافَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ، فاستَلَمَ الرُّكنَ أوَّلَ شَيءٍ، ثُمَّ خَبَّ ثَلاثَةَ أطوافٍ مِن السَّبعِ، ومَشى أربَعَةَ أطوافٍ، ثُمَّ رَكَعَ حِينَ قَضى طَوافَهُ بِالبَيتِ عِنْدَ المَقامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فانصَرَفَ فَأَتى الصَّفا، فَطافَ بِالصَّفا والمَروَةِ سَبعَةَ أطوافٍ، ثُمَّ لَم يَحلِل مِن شَيءٍ حَرُمَ مِنهُ حَتّى قَضى حَجَّهُ ونَحَرَ هَديَهُ يَومَ النَّحرِ وأَفاضَ فَطافَ بِالبَيتِ، ثُمَّ حَلَّ مِن كُلِّ شَيءٍ حَرُمَ مِنهُ، وفَعَلَ مِثلَ ما فَعَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مَن أهدى وساقَ الهَديَ مِن النّاسِ. وفي رواية: أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كانَ إذا طافَ بِالبَيتِ الطَّوافَ الأَولَ خَبَّ ثَلاثًا ومَشى أربَعًا، وكانَ يَسعى بِبَطنِ المَسِيلِ إذا طافَ بَينَ الصَّفا والمَروَةِ. وكانَ ابنُ عُمرَ يَفعلُ ذَلكَ. زادَ (خ): فَقُلتُ لِنافعٍ: أكانَ عَبدُ اللهِ يَمشِي إذا بَلَغَ الرُّكنَ اليَماني؟ قالَ: لا، إلا أن يُزاحَمَ عَلى الرُّكنِ، فَإنَّهُ كانَ لا يَدَعُهُ حَتّى يَستَلِمَهُ. وفِي روايةٍ لَـهُ: أكانَ ابنُ عُمَرَ يَمشِي بَينَ الرُّكنَينِ؟ قالَ: إنَّما كانَ يَمشِي لَيَكُونُ أيْسَرَ لاستِلامِهِ.
وفي رواية (م): أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ أهَلَّ بِالحَجِّ مُفْرَدًا.
قال النووي: هو محمول على التلبية في أثناء الإحرام، وليس المراد أنه أحرم في أول أمره بعمرة ثم أحرم بحج اهـ. (كتاب الكوكب الوهاج شرح ‏صحيح مسلم).

باب: مَن صُدَّ عَنِ البَيْتِ ما يَصْنَعُ؟


١٠٤٨. (خ م) (١٢٣٠) عَنْ نافِعٍ؛ أنَّ عَبدَ اللهِ بنَ عَبْدِ اللهِ وسالِمَ بنَ عَبْدِ اللهِ كَلَّما عَبدَ اللهِ ﵁ حِينَ نَزَلَ الحَجّاجُ لِقِتالِ ابْنِ الزُّبَيرِ ﵁، قالا: لا يَضُرُّكَ أن لا تَحُجَّ العامَ، فَإنّا نَخشى أن يَكُونَ بَينَ النّاسِ قِتالٌ يُحالُ بَينَكَ وبَينَ البَيتِ. قالَ: فَإن حِيلَ بَينِي وبَينَهُ فَعَلتُ كَما فَعَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وأَنا مَعَهُ؛ حِينَ حالَت كُفّارُ قُرَيشٍ بَينَهُ وبَينَ البَيتِ، أُشهِدُكُم أنِّي قَد أوجَبتُ عُمرَةً. فانطَلَقَ حَتّى أتى ذا الحُلَيفَةِ، فَلَبّى بِالعُمرَةِ، ثُمَّ قالَ: إن خُلِّيَ سَبِيلِي قَضَيتُ عُمرَتِي، وإن حِيلَ بَينِي وبَينَهُ فَعَلتُ كَما فَعَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وأَنا مَعَهُ، ثُمَّ تَلا: ﴿لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب: ٢١]. ثُمَّ سارَ، حَتّى إذا كانَ بِظَهرِ البَيداءِ قالَ: ما أمرُهُما إلا واحِدٌ، (إن حِيلَ بَينِي وبَينَ العُمرَةِ حِيلَ بَينِي وبَينَ الحَجِّ)، أُشهِدُكُم أنِّي قَد أوجَبتُ حَجَّةً مَعَ عُمرَةٍ. فانطَلَقَ حَتّى ابتاعَ بِقُدَيدٍ هَديًا، ثُمَّ طافَ لَهُما طَوافًا واحِدًا بِالبَيتِ وبَينَ الصَّفا والمَروَةِ، ثُمَّ لَم يَحِلَّ مِنهُما حَتّى حَلَّ مِنهُما بِحَجَّةٍ يَومَ النَّحرِ. وفي رواية (خ): أرادَ الحَجَّ عامَ حَجَّةِ الحَرُوريَّةِ فِي عَهدِ ابْنِ الزُّبَيرِ ﵁ ...
- في هذا الحديث من الفقه أن هذا الحكم باق إلى يوم القيامة في حق من جرى له مثل ما جرى لرسول الله - ﷺ -. (كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح).

١٠٤٩. (خ) (١٨٠٩) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: قَد أُحصِرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَحَلَقَ رَأسَهُ، وجامَعَ نِساءَهُ، ونَحَرَ هَديَهُ، حَتّى اعتَمَرَ عامًا قابِلًا.
- أن المعتمر إذا أحصر ومنع عن أداء عمرته تحلل منها، ونحر هديه، وحلق رأسه حيث أحصر.
- مشروعية قضاء العمرة على من أحصر عنها، لأن النبي - ﷺ – قضاها. (كتاب منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري).

١٠٥٠. (خ) (١٨١٠) عَنْ سالِمٍ قالَ: كانَ ابنُ عُمرَ يَقُولُ: ألَيسَ حَسبُكُم سُنَّةَ رَسُولِ اللهِ ﷺ؟ إن حُبِسَ أحَدُكُم عَنِ الحَجِّ طافَ بِالبَيتِ وبِالصَّفا والمَروَةِ، ثُمَّ حَلَّ مِن كُلِّ شَيءٍ حَتّى يَحُجَّ عامًا قابِلًا، فَيُهدِي أو يَصُومُ إن لَم يَجِد هَديًا.
-أن المحصر عن الوقوف بعرفة إذا بلغ مكة وتمكن من الطواف والسعي فإنه يترتب عليه الأحكام الآتية:
الأول: أن يتحلل بعمرة لا تجزئه عن عمرة الإِسلام.
الثاني: أن يقضي حجه الذي أحصر عنه في العام القابل، وهل يقضيه مطلقاً، فريضة أو تطوعاً، أو يقضي الفريضة فقط. قال أبو حنيفة يقضيه مطلقاً، سواء كان الحج فريضة أو تطوعاً.
الثالث: يجب عليه الهدي لقوله - ﷺ -: " فيهدي ".
-أن من بلغ مكة وتمكن من البيت وحبس عن الوقوف يعد محصراً خلافاً لأبي حنيفة. (كتاب منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري).

باب: الاشْتِراطُ فِـي الـحَـجِّ والعُمْرَةِ


١٠٥١. (خ م) (١٢٠٧) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلى ضُباعَةَ بِنتِ الزُّبَيرِ، فَقالَ لَها: «أرَدتِ الحَجَّ؟» قالَت: واللهِ ما أجِدُنِي إلا وجِعَةً. فَقالَ لَها: «حُجِّي واشتَرِطِي، وقُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيثُ حَبَستَنِي». وكانَت تَحتَ المِقدادِ. وفي رواية (م): فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ إنِّي أُرِيدُ الحَجَّ وأَنا شاكِيةٌ ....
ورَوى (م) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄؛ أنَّ ضُباعَةَ بِنْتَ الزُّبَيرِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلَبِ ﵂ أتَتْ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقالَت: إنِّي امرَأَةٌ ثَقِيلَةٌ، وإني أُرِيدُ الحَجَّ، فَما تَأمُرُني؟ قالَ: «أهِلِّي بِالحَجِّ، واشتَرِطِي أن مَحِلي حَيثُ تَحبِسُني». قالَ: فأدْرَكَتْ.
-في الحديث جواز اليمين في درج الكلام بغير قصد. (ابن حجر).
-فيه دليل أن المرض لا يقع به الإحلال؛ إذ لو وقع به لما احتاجت إلى هذا الشرط، وهذا بخلاف الإحصار بالعدو المانع (الخطابي)
-قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه: (ويستحب للمحرم الاشتراط إن كان خائفاً، وإلا فلا، جمعاً بين الأخبار).

باب: مَن أحْرَمَ وعَلَيْهِ لِباسٌ فِيهِ أثَرُ خَلُوقٍ ونَحْوُهُ


١٠٥٢. (خ م) (١١٨٠) عَنْ يَعْلى بْنِ أُمَيَّةَ ﵁ قالَ: جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ ﷺ وهُوَ بِالجِعرانَةِ، عَلَيهِ جُبَّةٌ، وعَلَيها خَلُوقٌ أو قالَ: أثَرُ صُفرَةٍ، فَقالَ: كَيفَ تَأمُرُنِي أن أصنَعَ فِي عُمرَتِي؟ قالَ: وأُنزِلَ عَلى النَّبِيِّ ﷺ الوَحيُ، فَسُتِرَ بِثَوبٍ، وكانَ يَعلى يَقُولُ: ودِدتُ أنِّي أرى النَّبِيَّ ﷺ وقَد نَزَلَ عَلَيهِ الوَحيُ. قالَ: فَقالَ: أيَسُرُّكَ أن تَنظُرَ إلى النَّبِيِّ ﷺ وقَد أُنزِلَ عَلَيهِ الوَحيُ؟ قالَ: فَرَفَعَ عُمَرُ ﵁ طَرَفَ الثَّوبِ، فَنَظَرتُ إلَيهِ، لَهُ غَطِيطٌ قالَ: وأَحسَبُهُ قالَ: كَغَطِيطِ البَكرِ. قالَ: فَلَمّا سُرِّيَ عَنهُ قالَ: «أينَ السّائِلُ عَنِ العُمرَة؟ اغسِل عَنكَ أثَرَ الصُّفرَةِ أو قالَ: أثَرَ الخَلُوقِ، واخلَع عَنكَ جُبَّتَكَ، واصنَع فِي عُمرَتِكَ ما أنتَ صانِعٌ فِي حَجِّكَ». وفي رواية: وهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِالخَلُوقِ، (فَقالَ: إني أحرَمتُ بِالعُمرَةِ وعَلَيَّ هَذا ... فَقال لَـهُ النَّبِيُّ ﷺ: «ما كُنتَ صانِعًا فِي حَجِّكَ؟» قالَ: أنْزِعُ عَنِّي هَذِهِ الثِّيابَ، وأَغْسِلُ عَني هَذا الخَلُوقَ ...).
وفي رواية: وعَلى النَّبِيِّ ﷺ ثَوبٌ قَد أُظِلَّ بِهِ عَلَيهِ، مَعَهُ ناسٌ مِن أصحابِهِ.
وفي رواية: فَنَظَرَ إلَيهِ النَّبِيُّ ﷺ ساعَةً ثُم سَكَتَ ... وفِيها: فَإذا النَّبِيُّ ﷺ مُحْمَرُّ الوَجهِ يَغِطُّ ساعَةً ... وفِيها: فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أمّا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ فاغسِلهُ ثَلاثَ مَرّاتٍ، وأَمّا الجُبَّةُ فانْزِعْها ...». زادَ (خ) فِي رِوايةٍ: وقالَ ابنُ جُرَيجٍ: قُلتُ لِعَطاءٍ: أرادَ الإنقاءَ حِينَ أمَرَهُ أن يَغسِلَ ثَلاثَ مَرّاتٍ؟ قالَ: نَعَم. وفِي روايةٍ (خ): «... واغْسِل أثَرَ الخَلُوقِ عَنكَ، وأَنْقِ الصُّفرةَ».
-فيه تحريم الطيب على المحرم و أن من أصابه طيب ناسيا أو جاهلا ثم علم وجبت عليه المبادرة إلى إزالته وأن من أصابه في إحرامه طيب ناسيا أو جاهلا لا كفارة عليه. (النووي)
يؤخذ من ستر عمر للنبي ﷺ: استحباب ستر أمور النوم ونحوها مما لا يستحسن ظهوره غالباً. (فتح المنعم)

باب: ما يَجْتَنِبُ الـمُحْرِمُ مِنَ اللِّباسِ


١٠٥٣. (خ م) (١١٧٧) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄؛ أنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ ﷺ: ما يَلبَسُ المُحرِمُ مِن الثِّيابِ؟ فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لا تَلبَسُوا القُمُصَ، ولا العَمائِمَ، ولا السَّراوِيلاتِ، ولا البَرانِسَ، ولا الخِفافَ، إلا أحَدٌ لا يَجِدُ النَّعلَينِ فَليَلبَس الخُفَّينِ، وليَقطَعهُما أسفَلَ مِن الكَعبَينِ، ولا تَلبَسُوا مِن الثِّيابِ شَيئًا مَسَّهُ الزَّعفَرانُ ولا الوَرسُ». زادَ (خ) فِي رِوايَةٍ: «ولا تَنتَقِب المرأةُ المُحرِمَةُ، ولا تَلبَس القُفّازَينِ».
-قال العلماء هذا من بديع الكلام وجزله فإنه ﷺ سئل عما يلبسه المحرم، فقال: لا يلبس كذا وكذا. فحصل في الجواب أنه لا يلبس المذكورات ويلبس ما سوى ذلك، وكان التصريح بما لا يلبس أولى؛ لأنه منحصر. وأما الملبوس الجائز للمحرم فغير منحصر. (النووي)
-قال العلماء والحكمة في تحريم اللباس المذكور على المحرم أن يبعد من الترف ويتصف بصفة الخاشع الذليل، وليتذكر أنه محرم في كل وقت فيكون أقرب إلى كثرة أذكار وأبلغ في مراقبته وصيانته لعبادته وامتناعه من ارتكاب المحظورات، وليتذكر به الموت ولباس الأكفان والبعث يوم القيامة حفاة عراة.(الكواكب الدراري)

١٠٥٤. (خ م) (١١٧٨) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ وهُوَ يَخطُبُ يَقُولُ: «السَّراوِيلُ لِمَن لَم يَجِد الإزارَ، والخُفّانِ لِمَن لَم يَجِد النَّعلَينِ». يَعنِي المُحرِمَ. وفي رواية زادَ: يَخطُبُ بَعَرفاتٍ ...

باب: فِـي الصَّيْدِ يُصادُ لِلْمُحْرِمِ أوْ لِغَيْرِهِ


١٠٥٥. (خ م) (١١٩٣) عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثّامَةَ اللَّيْثِيِّ ﵁؛ أنَّهُ أهدى لِرَسُولِ اللهِ ﷺ حِمارًا وحشِيًّا وهُوَ بِالأبواءِ أو بِوَدّانَ، فَرَدَّهُ عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ، قالَ: فَلَمّا أن رَأى رَسُولُ اللهِ ﷺ ما فِي وجهِي قالَ: «إنّا لَم نَرُدَّهُ عَلَيكَ إلا أنّا حُرُمٌ». وفي رواية (م): عَجُزَ حِمارِ وحْشٍ يَقطُرُ دَمًا.
-أجمع العلماء أنه لا يجوز للمحرم قبول صيدٍ، حتى إذا وُهب له بعد إحرامه، ولا يجوز له شراؤه، ولا إحداث ملكه. (ابن بطال )
-يؤخذ من الحديث جواز رد الهدية لعلة. (فتح المنعم)
-فيه الاعتذار إلى الصديق، وإذهاب ما يخشى أن يقع بنفسه من الوحشة وسوء الظن. (ابن بطال)

١٠٥٦. (خ م) (١١٩٦) عَنْ أبِي قَتادَةَ ﵁ قالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حاجًّا وخَرَجنا مَعَهُ، قالَ: فَصَرَفَ مِن أصحابِهِ فِيهِم أبُو قَتادَةَ، فَقالَ: «خُذُوا ساحِلَ البَحرِ حَتّى تَلقَونِي». قالَ: فَأَخَذُوا ساحِلَ البَحرِ، فَلَمّا انصَرَفُوا قِبَلَ رَسُولِ اللهِ ﷺ أحرَمُوا كُلُّهُم إلا أبا قَتادَةَ فَإنَّهُ لَم يُحرِم، فَبَينَما هُم يَسِيرُونَ إذ رَأَوا حُمُرَ وحشٍ، فَحَمَلَ عَلَيها أبُو قَتادَةَ، فَعَقَرَ مِنها أتانًا، فَنَزَلُوا فَأَكَلُوا مِن لَحمِها، قالَ: فَقالُوا: أكَلنا لَحمًا ونَحنُ مُحرِمُونَ. قالَ: فَحَمَلُوا ما بَقِيَ مِن لَحمِ الأتانِ، فَلَمّا أتَوا رَسُولَ اللهِ ﷺ قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ؛ إنّا كُنّا أحرَمنا وكانَ أبُو قَتادَةَ لَم يُحرِم، فَرَأَينا حُمُرَ وحشٍ، فَحَمَلَ عَلَيها أبُو قَتادَةَ فَعَقَرَ مِنها أتانًا، فَنَزَلنا فَأَكَلنا مِن لَحمِها، فَقُلنا: نَأكُلُ لَحمَ صَيدٍ ونَحنُ مُحرِمُونَ، فَحَمَلنا ما بَقِيَ مِن لَحمِها. فَقالَ: «هَل مِنكُم أحَدٌ أمَرَهُ أو أشارَ إلَيهِ بِشَيءٍ؟» قالَ: قالُوا: لا. قالَ: «فَكُلُوا ما بَقِيَ مِن لَحمِها». وفي رواية: عامَ الحُدَيبِيَةِ. وفي رواية: فَقالَ: «هَل مَعَكُم مِنهُ شَيءٌ؟» فَقالُوا: مَعَنا رِجلُهُ. قالَ: فَأَخَذَها رَسُولُ الله ﷺ فَأَكَلَها. وفِي روايةٍ (خ): فَلَم يَؤذِنُونِي بِهِ، وأَحَبُّوا لَو أنِّي أبصَرتُهُ ... وفِيها: فَناوَلتُهُ العَضُدَ، فَأَكَلَها حَتى نَفَّدَها وهُو مُحرِمٌ.
-قال النووي: أجمعت الأمة على تحريم الصيد على المحرم، وإن اختلفوا في فروع منه. ودليله نص الكتاب والسنة وإجماع الأمة.

١٠٥٧. (م) (١١٩٧) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمانَ التَّيْمِيِّ قالَ: كُنّا مَعَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ ونَحنُ حُرُمٌ، فَأُهدِيَ لَهُ طَيرٌ وطَلحَةُ راقِدٌ، فَمِنّا مَن أكَلَ ومِنّا مَن تَوَرَّعَ، فَلَمّا استَيقَظَ طَلحَةُ وفَّقَ مَن أكَلَهُ، وقالَ: أكَلناهُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ.

باب: ما يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ مِنَ الدَّوابِّ


١٠٥٨. (خ م) (١١٩٨) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «خَمسٌ فَواسِقُ يُقتَلنَ فِي الحَرَمِ: العَقرَبُ، والفَأرَةُ، والحُدَيّا، والغُرابُ، والكَلبُ العَقُورُ». وفي رواية (م): «يُقتَلنَ في الحِلِّ والحَرَمِ ...»، وفِيها: «الحَيَّة» مَكان «العَقرَب»، وفِيها: «والغُرابُ الأَبقَعُ».
ولَهُما عَنِ ابْنِ عُمرَ ﵄؛ عَنِ النبيِّ ﷺ قالَ: «خَمسٌ مِنَ الدَّوابِّ لَيسَ عَلى المُحرِمِ في قتلِهِنَّ جُناحٌ ...». كَحَدِيث البابِ، ولَهُما عَنهُ؛ عَن إحدى نِسوَةِ النبيِّ ﷺ نَحوُهُ، وزادَ (م): وفِي الصَّلاةِ أيضًا.
-سميت فواسق قيل لخروجها عن حكم غيرها بالإيذاء والإفساد وعدم الانتفاع. (ابن حجر).
-قال الإمام مالك المعنى في جواز قتلهن كونهن مؤذيات فكل مؤذ يجوز للمحرم قتله ومالا فلا.
-أنه إذا رخص في قتلهن في الحرم مع قدسيته وتحريم قتل غيرها فيه، رخص في قتلها في الحل من باب أولى. (فتح المنعم)

باب: الـحِـجامَةُ لِلْمُحْرِمِ


١٠٥٩. (خ م) (١٢٠٣) عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ ﵁؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ احتَجَمَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ وهُوَ مُحرِمٌ وسَطَ رَأسِهِ. زادَ (خ) عَنهُ: واحتَجَمَ وهُو صائِمٌ. وفي رواية (خ) مُعَلَّقَةٍ: فِي رَأسِهِ مِن شَقِيقَةٍ كانَت بِهِ.
-واستدل بهذا الحديث على جواز الفصد وبط الجرح والدمل وقطع العرق وقلع الضرس وغير ذلك من وجوه التداوي إذا لم يكن في ذلك ارتكاب ما نهى المحرم عنه (عمدة القاري).

باب: جَوازُ مُداواةِ المُحْرِمِ عَيْنَيْهِ


١٠٦٠. (م) (١٢٠٤) عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وهْبٍ قالَ: خَرَجنا مَعَ أبانَ بْنِ عُثْمانَ حَتّى إذا كُنّا بِمَلَلٍ اشتَكى عُمَرُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ عَينَيهِ، فَلَمّا كُنّا بِالرَّوحاءِ اشتَدَّ وجَعُهُ، فَأَرسَلَ إلى أبانَ بْنِ عُثْمانَ يَسأَلُهُ، فَأَرسَلَ إلَيهِ أنِ اضمِدهُما بِالصَّبِرِ، فَإنَّ عُثْمانَ حَدَّثَ عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي الرَّجُلِ إذا اشتَكى عَينَيهِ وهُوَ مُحرِمٌ ضَمَّدَهُما بِالصَّبِرِ. وفي رواية: أنَّ عُمَرَ بنَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مَعمَرٍ رَمِدَت عَينُهُ، فَأَرادَ أن يَكحُلَها، فَنَهاهُ أبانُ بنُ عُثْمانَ، وأَمَرَهُ أن يُضَمِّدَها بِالصَّبِرِ، وحَدَّثَ عَن عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ؛ أنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ.

باب: غَسْلُ الـمُحْرِمِ رَأْسَهُ


١٠٦١. (خ م) (١٢٠٥) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُنَيْنٍ؛ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ والمِسوَرِ بْنِ مَخرَمَةَ ﵄؛ أنَّهُما اختَلَفا بِالأبواءِ، فَقالَ عَبدُ اللهِ بنُ عَبّاسٍ: يَغسِلُ المُحرِمُ رَأسَهُ. وقالَ المِسوَر: لا يَغسِلُ المُحرِمُ رَأسَهُ. فَأَرسَلَنِي ابنُ عَبّاسٍ إلى أبِي أيُّوبَ الأنصارِيِّ، أسأَلُهُ عَن ذَلكَ، فَوَجَدتُهُ يَغتَسِلُ بَينَ القَرنَينِ وهُوَ يَستَتِرُ بِثَوبٍ، قالَ: فَسَلَّمتُ عَلَيهِ، فَقالَ: مَن هَذا؟ فَقُلتُ: أنا عَبدُ اللهِ بنُ حُنَينٍ، أرسَلَنِي إلَيكَ عَبدُ اللهِ بنُ عَبّاسٍ أسأَلُكَ: كَيفَ كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَغسِلُ رَأسَهُ وهُوَ مُحرِمٌ؟ فَوَضَعَ أبُو أيُّوبَ يَدَهُ عَلى الثَّوبِ فَطَأطَأَهُ حَتّى بَدا لِي رَأسُهُ، ثُمَّ قالَ لإنسانٍ يَصُبُّ: اصبُب. فَصَبَّ عَلى رَأسِهِ، ثُمَّ حَرَّكَ رَأسَهُ بِيَدَيهِ فَأَقبَلَ بِهِما وأَدبَرَ، ثُمَّ قالَ: هَكَذا رَأَيتُهُ ﷺ يَفعَلُ.

باب: فِـي الفِدْيَةِ عَلى الـمُحْرِمِ


١٠٦٢. (خ م) (١٢٠١) عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَعْقِلٍ قالَ: قَعَدتُ إلى كَعبِ بْنِ عُجرَةَ ﵁ وهُوَ فِي المَسْجِدِ فَسَأَلتُهُ عَن هَذِهِ الآيَةِ: ﴿فَفِدْيَةٌ مِّن صِيامٍ أوْ صَدَقَةٍ أوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦]. فَقالَ كَعبٌ: نَزَلَت فِيَّ، كانَ بِي أذىً مِن رَأسِي، فَحُمِلتُ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ والقَملُ يَتَناثَرُ عَلى وجهِي، فَقالَ: «ما كُنتُ أُرى أنَّ الجَهدَ بَلَغَ مِنكَ ما أرى، أتَجِدُ شاةً؟» فَقُلتُ: لا. فَنَزَلَت هَذِهِ الآيَةُ: ﴿فَفِدْيَةٌ مِّن صِيامٍ أوْ صَدَقَةٍ أوْ نُسُكٍ﴾. قالَ: صَومُ ثَلاثَةِ أيّامٍ، أو إطعامُ سِتَّةِ مَساكِينَ؛ نِصفَ صاعٍ طَعامًا لِكُلِّ مِسكِينٍ، قالَ: فَنَزَلَت فِيَّ خاصَّةً، وهِيَ لَكُم عامَّةً. ولَهُما عَن عَبْدِ الرحمن بْنِ أبِي لَيلى؛ عَن كَعبٍ قالَ: أتى عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ زَمَنَ الحُدَيبَيةِ؛ وأَنا أُوقِدُ تَحتَ قِدْرٍ لي، والقَمْلُ يَتَناثَرُ عَلى وجهِي، فَقالَ: «أيُؤذِيكَ هَوامُّ رَأسِكَ؟» قالَ: قُلتُ: نَعَم. قالَ: «فاحلِق وصُم ثَلاثَةَ أيّامٍ أو أطعِم سِتَّةَ مَساكِينَ، أو انسُك نَسِيكَةً». قالَ أيُّوبُ: فَلا أدرِي بِأَي ذَلكَ بَدَأَ.
وفِي روايةٍ (خ): فَأَمَرَهُ أن يَحلِقَ رَأسَهُ وهُو بِالحُدَيبَيةِ، ولَم يَتَبَيَّن لَهُم أنَّهُم يُحِلُّونَ بِها، وهُم عَلى طَمَعٍ أن يَدخُلُوا مَكَّةَ، فَأَنزَلَ اللهُ الفِديةَ ...
وفي رواية (خ): فَدَعا الحَلّاقَ، فَحَلَقَهُ، ثُمَّ أمَرَنِي بِالفِداءِ
-قوله (أيوذيك هوام رأسك) يعني القمل، هذا سؤال عن تحقيق العلة التي يترتب عليها الحكم فلما أخبره بالمشقة التي تألمه خفف عنه. القرطبي
-أن من احتاج إلى حلق الرأس لضرر من قمل أو مرض أو نحوهما فله حلقه في الإحرام، وعليه الفدية، قال تعالى: {فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} وبين النبي ﷺ أن الصيام ثلاثة أيام والصدقة بثلاثة آصع لستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، والنسك شاة تجزئ في الأضحية، ثم إن الآية الكريمة والأحاديث متفقة على أنه مخير بين هذه الأنواع الثلاثة، وهكذا الحكم عند العلماء. (النووي).
-أن السنة مبينة لمجمل القرآن، لإطلاق الفدية في القرآن، وتقييدها بالسنة. (فتح المنعم)
-فيه تلطف الكبير بأصحابه، وعنايته بأحوالهم، وتفقده لهم. (فتح المنعم)

باب: فِـي الـمُحْرِمِ يَمُوتُ ما يُفْعَلُ بِهِ؟


١٠٦٣. (خ م) (١٢٠٦) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: خَرَّ رَجُلٌ مِن بَعِيرِهِ، فَوُقِصَ فَماتَ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اغسِلُوهُ بِماءٍ وسِدرٍ، وكَفِّنُوهُ فِي ثَوبَيهِ، ولا تُخَمِّرُوا رَأسَهُ، فَإنَّ اللهَ يَبعَثُهُ يَومَ القِيامَةِ مُلَبِّيًا».
وفي رواية: قالَ: بَينَما رَجُلٌ واقِفٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ بِعَرَفةَ إذ وقَعَ مِن راحِلَتِهِ ... وفِيها: «ولا تُحَنِّطُوهُ». وفي رواية: «ولا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ» .. وفي رواية: «فَإنَّهُ يَبعَثُ يَومَ القِيامةِ مُلَبِّدًا». وفي رواية (م): «ولا تُخَمِّرُوا رَأسَهُ ولا وجهَهُ». وفي رواية (م): «وأَلْبِسُوهُ ثَوْبَيْهِ ...».
-أن المحرم إذا مات لا يجوز أن يلبس المخيط، ولا تخمر رأسه، ولا يمس طيباً. النووي
-جواز الكفن في ثوبين وأن التكفين في الثياب الملبوسة جائز، قال النووي: وهو مجمع عليه.فتح المنعم

باب: الـمَبِيتُ بِذِي طُوى، والاغْتِسالُ قَبْلَ دُخُولِ مَكَّةَ


١٠٦٤. (خ م) (١٢٥٩) عَنْ نافِعٍ؛ أنَّ ابنَ عُمَرَ ﵄ كانَ لا يَقدَمُ مَكَّةَ إلاَّ باتَ بِذِى طُوىً حَتّى يُصبِحَ ويَغتَسِلَ، ثُمَّ يَدخُلُ مَكَّةَ (نَهارًا)، ويَذكُرُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ فَعَلَهُ. ورَوى (خ) عَن نافعٍ: كانَ ابنُ عُمرَ إذا دَخَلَ أدنى الحَرَمِ أمسَكَ عَنِ التَّلبِيَةِ، ثُمَّ يَبِيتُ بِذِي طُوى ... ويُحدِّث أنَّ نَبِيَّ اللهِ ﷺ كانَ يَفعلُ ذَلكَ. وفي رواية (خ): وإذا نَفَرَ مَرَّ بِذِي طُوىً وباتَ بَها حَتّى يُصبِحَ، وكانَ يَذكُرُ أنَّ النَّبيَّ ﷺ كانَ يَفعَلُ ذَلكَ.
وفي رواية (خ): عَن نافِعٍ؛ أنَّ ابنَ عُمَرَ كانَ يَبِيتُ بِذِي طُوى ... وفِيها: وكانَ إذا قَدِمَ مَكَّةَ حاجًّا أو مُعتَمِرًا لَم يُنِخْ ناقَتَهُ إلا عِنْدَ بابِ المَسْجِدِ، ثُمَّ يَدخُلُ فَيَأتِي الرُّكنَ الأَسوَدَ فَيَبدَأُ بِهِ، ثُمَّ يَطُوفُ ...
-الاغتسال لدخول مكة وأنه يكون بذي طوى لمن كانت في طريقه، ويكون بقدر بعدها لمن لم تكن في طريقه وهذا الغسل سنة. (فتح المنعم)
-قال القرطبي: ولا خلاف في أن المبيت بذي طوى ودخول مكة نهارًا ليس من المناسك لكن إن فعل ذلك اقتداءً بالنبي ﷺ وتتبعًا لمواضعه كان له في ذلك ثواب كثير وخير جزيل.
-استحباب دخول مكة نهاراً، قال الدهلوي: وذلك ليكون دخول مكة في حال اطمئنان القلب دون التعب ليتمكن من استشعار جلال الله وعظمته، وأيضًا ليكون طوافه بالبيت على أعين الناس فإنه أنوه بطاعة الله، وأيضًا فكان ﷺ يريد أن يعلمهم سنة المناسك فأمهلهم حتى يجتمعوا له جامين متهيئين.

١ حكم لبس العمامة للمحرم

٥/٠