باب: دُخُولُ مَكَّةَ والـمَدِينَةِ مِن طَرِيقٍ والخُرُوجُ مِن طَرِيقٍ


١٠٦٥. (خ م) (١٢٥٧) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كانَ يَخرُجُ مِن طَرِيقِ الشَّجَرَةِ، ويَدخُلُ مِن طَرِيقِ المُعَرَّسِ، وإذا دَخَلَ مَكَّةَ دَخَلَ مِن الثَّنِيَّةِ العُليا، ويَخرُجُ مِن الثَّنِيَّةِ السُّفلى.
- قيل الحكمة في ذلك، أنهﷺ كان يفعله تفاؤلا بتغير الحال، أو ليشهد له طريقان كما في العيد، أو لأنه دخل منها يوم الفتح واستمر على ذلك.(النووي)

١٠٦٦. (خ م) (١٢٥٨) عَنْ عائِشَةَ ﵂؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمّا جاءَ إلى مَكَّةَ دَخَلَها مِن أعلاها، وخَرَجَ مِن أسفَلِها. وفي رواية: أنّ رَسُولَ اللهِ ﷺ دَخَلَ عامَ الفتحِ مِن كَداءَ مِن أعلى مَكَّةَ. وزادَ (خ) عَنها: وخَرَجَ مِن كُدًا.
- فيه دليل على استحباب دخول مكة من أعلاها لكل من دخلها، وإن لم يكن محرما لقولها (عام الفتح)؛ لأنه ﷺ لم يقدم مكة محرما عام الفتح، والخروج من أسفلها، وقيل الحكمة في ذلك: المناسبة بجهة العلو عند الدخول تعظيم المكان، وعكسه الإشارة إلى فراقه، وقيل: لأنه ﷺ خرج منها متخفيا في الهجرة، فأراد أن يدخلها ظاهرا عاليا.

باب: فِـي النُّزُولِ بِمَكَّةَ لِلْحاجِّ


١٠٦٧. (خ م) (١٣٥١) عَنْ أُسامَةَ بْنِ زَيْدِ ﵄؛ أنَّهُ قالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ أتَنزِلُ فِي دارِكَ بِمَكَّةَ؟ فَقالَ: «وهَل تَرَكَ لَنا عَقِيلٌ مِن رِباعٍ أو دُورٍ؟!» وكانَ عَقِيلٌ ورِثَ أبا طالِبٍ هُوَ وطالِبٌ، ولَم يَرِثهُ جَعفَرٌ ولا عَلِيٌّ شَيئًا، لأنّهُما كانا مُسلِمَينِ، وكانَ عَقِيلٌ وطالِبٌ كافِرَينِ.
زادَ (خ): فَكانَ عُمَرُ بنُ الخَطّاب ﵁ يقول: لا يَرِثُ المُؤمِنُ الكافِرَ. قالَ ابنُ شَهابٍ: وكانُوا يَتَأَوَّلُونَ قَولَ اللهِ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وهاجَرُواْ وجاهَدُواْ بِأَمْوالِهِمْ وأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ والَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ﴾ [الأنفال: ٧٢] الآية
- فيه دليل على جواز توريث دور مكة وبيعها وشرائها، وهو مذهب الجمهور، خلافا لأبي حنيفة -رحمه الله-.
- قال ابن حجر: وسياق الحديث يقتضي أن عقيلا باعها، ومفهومه أنه لو تركها لنزلها؛ لأن الممنوع هو إقامة المهاجر في البلد الذي هاجر منها لا مجرد النزول.
- بيان أن دور مكة تورث لأهلها.
- بيان جواز بيع دور مكة وإجارتها.
- بيان أن المسلم لا يرث الكافر.

باب: الـرَّمَلُ فِـي الطَّوافِ


١٠٦٨. (خ م) (١٢٦٦) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وأَصحابُهُ مَكَّةَ، وقَد وهَنَتهُم حُمّى يَثرِبَ، قالَ المُشرِكُونَ: إنَّهُ يَقدَمُ عَلَيكُم غَدًا قَومٌ قَد وهَنَتهُم الحُمّى، ولَقُوا مِنها شِدَّةً. (فَجَلَسُوا مِمّا يَلِي الحِجرَ)، وأَمَرَهُم النَّبِيُّ ﷺ أن يَرمُلُوا ثَلاثَةَ أشواطٍ، ويَمشُوا ما بَينَ الرُّكنَينِ، لِيَرى المُشرِكُونَ جَلَدَهُم، (فَقالَ المُشرِكُونَ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ زَعَمتُم أنَّ الحُمّى قَد وهَنَتهُم، هَؤُلاءِ أجلَدُ مِن كَذا وكَذا). قالَ ابنُ عَبّاسٍ: ولَم يَمنَعهُ أن يَأمُرَهُم أن يَرمُلُوا الأشواطَ كُلَّها إلاَّ الإبقاءُ عَلَيهِم.
ورَوى (م) عَنْ أبِي الطُّفَيْلِ قالَ: قُلتُ لابنِ عَبّاسٍ: أرَأَيتَ هَذا الرَّمَلَ بِالبَيتِ ثَلاثَةَ أطوافٍ ومَشْيَ أربَعَةِ أطوافٍ؛ أسُنَّةٌ هُوَ؟ فَإن قَومَكَ يَزعُمُونَ أنَّهُ سُنَّةٌ، قالَ: فَقالَ: صَدَقُوا وكَذَبُوا. قالَ: قُلتُ: ما قَولُكَ: صَدَقُوا وكَذَبُوا؟ قالَ: إَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَدِمَ مَكَّةَ فَقالَ المُشرِكُونَ: إنَّ مُحمدًا وأَصحابَهُ لا يَستَطِيعُونَ أن يَطُوفُوا بِالبَيتِ مِن الهُزالِ، وكانُوا يَحسُدُونَهُ، قالَ: فَأَمَرَهُم رَسُولُ اللهِ ﷺ أن يَرمُلُوا ثَلاثًا ويَمشُوا أربَعًا. قالَ: قُلتُ لَـهُ: أخبِرني عَنِ الطَّوافِ بَينَ الصَّفا والمَروَةِ راكبًا؛ أسُنَّةٌ هُو؟ فَإنَّ قَومَكَ يَزعُمُونَ أنَّهُ سُنَّةٌ، قالَ: صَدَقُوا وكَذَبُوا. قالَ: قُلتُ: وما قَولُكَ: صَدَقُوا وكَذَبُوا؟ قالَ: إنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَثُرَ عَلَيهِ النّاسُ، يَقُولُونَ: هَذا مُحمدٌ، هَذا مُحمدٌ، حَتّى خَرَجَ العَواتِقُ مِن البُيُوتِ، قالَ: وكانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لا يُضْرَبُ النّاسُ بَينَ يَدَيهِ، فَلَمّا كَثُرَ عَلَيهِ رَكِبَ، والمَشيُ والسَّعيُ أفضَلُ. وفي رواية: وكانَ أهلُ مَكَّةَ قَومَ حَسَدٍ.
ورَوى (خ) تَعلِيقًا: عَن ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: لَيسَ السَّعيُ بِبَطنِ الوادِي بَينَ الصَّفا والمَروَةِ سُنَّةً، إنَّما كانَ أهلُ الجاهِلِيَّةِ يَسعَونَها ويَقُولُونَ: لا نُجِيزُ البَطحاءَ إلاَّ شَدًّا.
-فيه دليل على مشروعية الرمل في الأشواط الثلاثة الأُول من الطواف الذي يأتي به القادم إلى مكة.
-فيه الحكمة من مشروعية الرمل وهي إغاظة للمشركين بإظهار القوة، وبقيت مشروعيته وإن كان سببها قد زال، للتذكير بذلك السبب.
-فيه تذكير بنعمة الله -عز وجل- على المسلمين بتمكينهم ونصرهم على عدوه وعدوهم.
-فيه دليل على أنه ينبغي إغاظة المشركين والكفار بكل وسيلة، ويتأكد ذلك في موقف الحرب واللقاء، بإظهار القوة والنشاط والسلاح، وأن يحذروا ما يدل على الضعف؛ لئلا يطمعوا بهم ويتشجعوا على قتالهم.
-جواز المعاريض بالفعل، كما يجوز بالقول.
-جواز إظهار القوة بالعدة والسلاح، ونحو ذلك للكفار إرهابًا لهم، ولا يعتبر هذا من الرياء المذموم
قال النووي: وهذا الذي قاله ابن عباس مجمع عليه، أجمعوا على أن الركوب في السعي بين الصفا والمروة جائز، وأن المشي أفضل منه إلا لعذر. والله أعلم.

باب: تَقْبِيلُ الحَجَرِ الأَسْوَدِ فِـي الطَّوافِ


١٠٦٩. (خ م) (١٢٧٠) عَنْ عابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ ﵁ قالَ: رَأَيتُ عُمَرَ يُقَبِّلُ الحَجَرَ ويَقُولُ: إنِّي لأُقَبِّلُكَ، وأَعلَمُ أنَّكَ حَجَرٌ، ولَولا أنِّي رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يُقَبِّلُكَ لَم أُقَبِّلكَ. زادَ (خ): أنّكَ حَجَرٌ لا تَضُرُّ ولا تَنفَعُ. رَواها (م) مِن حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرجِسَ ﵁.
ولَهُما عَن زَيْدِ بْنِ أسلَمَ عَن أبِيهِ عَن عُمرَ نَحوُهُ. ولَفظُ (خ): ولَولا أنَّي رَأيتُ النَّبيَّ ﷺ استَلَمَكَ ما استَلَمتُكَ، فاستلَمَهُ، ثُمَّ قالَ: فَما لَنا ولِلرَّمَلِ، إنَّما كُنّا راءَينا بِهِ المُشركِينَ، وقَد أهلَكَهُمُ اللهُ، ثُمَّ قالَ: شَيءٌ صَنَعَهُ النَّبِيُّ ﷺ فَلا نُحِبُّ أن نَترُكَهُ. ورَوى (م) عَن سُويدِ بْنِ غَفَلَةَ قالَ: رَأيتُ عُمَرَ قَبَّلَ الحَجَرَ والتَزَمَهُ، وقالَ: رَأيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ بِكَ حَفِيًّا.
-فيه دليل على مشروعية تقبيل الحجر الأسود في الطواف، ويكون التقبيل مرة واحدة لظاهر الخبر، إذ لم ينقل أكثر من ذلك.
-حُسْن الاتباع والتسليم فيما لا يكشف عنه.
-فيه حرص عمر رضي الله عنه على سد ذريعة الشرك، وحماية جناب التوحيد.
-قوله: (وَأَعلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، وَلَولاَ أَنِّي رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يُقَبِّلُكَ لَم أُقَبِّلكَ.) قال النووي: أراد به بيان الحث على الاقتداء برسول الله ﷺ في تقبيله، ونبّـه على أنه لولا الاقتداء به لما فعله.
- وإنما قال: وإنك لا تضر ولا تنفع؛ لئلا يغتر بعض قريبي العهد بالإسلام الذين كانوا ألفوا عبادة الأحجار وتعظيمها ورجاء نفعها، وخوف الضرر بالتقصير في تعظيمها، وكان العهد قريبا بذلك، فخاف عمر - رضي الله عنه - أن يراه بعضهم يقبله، ويعتني به، فيشتبه عليه فيبين أنه لا يضر ولا ينفع بذاته، وإن كان امتثال ما شرع فيه ينفع بالجزاء والثواب فمعناه أنه لا قدرة له على نفع ولا ضر، وأنه حجر مخلوق كباقي المخلوقات التي لا تضر ولا تنفع وأشاع عمر هذا في الموسم؛ ليشهد في البلدان، ويحفظه عنه أهل الموسم المختلفو الأوطان.

باب: اسْتِلامُ الرُّكْنَيْنِ اليَمانِيَّيْنِ فِـي الطَّوافِ


١٠٧٠. (خ م) (١٢٦٨) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قالَ: ما تَرَكتُ استِلامَ هَذَينِ الرُّكنَينِ اليَمانِيَ والحَجَرَ مُذ رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَستَلِمُهُما فِي شِدَّةٍ ولا رَخاءٍ. ورَوى (م) عَنْ نافِعٍ قالَ: رَأيتُ ابنَ عُمرَ يَستلمُ الحَجَرَ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَبَّلَ يَدَهُ، وقالَ: ما تَرَكتُهُ مُنذُ رَأيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَفعَلُهُ.
ورَوى (خ) عَنِ الزُّبَيرِ بْنِ عَرَبيٍّ وفِيهِ: قالَ: قُلتُ: أرَأَيتَ إن زُحِمْتُ؟ أرَأَيتَ إن غُلِبتُ؟ قالَ: اجعَل أرَأَيتَ باليَمَنِ، رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَسْتَلِمُهُ ويقبِّلُهُ.
-الحديث دليل على أنه لا يشرع استلام شيء من أركان الكعبة أو جدرانها سوى الركنين اليمانيين.
- فيه أن استلام الحجر سنة ما لم يؤذِ المسلمين.

باب: الطَّوافُ عَلى الرّاحِلَةِ


١٠٧١. (خ م) (١٢٧٢) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ طافَ فِي حَجَّةِ الوَداعِ عَلى بَعِيرٍ، يَستَلِمُ الرُّكنَ بِمِحجَنٍ.
وفي رواية (خ): كُلّما أتى عَلى الرُّكنِ أشارَ إلَيهِ بِشَيءٍ فِي يَدِهِ وكَبَّرَ.
ورَوى (م) عَن جابِرٍ ﵁ نَحوَهُ، وفِيهِ: لأَن يَراهُ النّاسُ، ولِيُشرِفَ ولِيَسأَلُوهُ، فِإنَّ النّاسَ غَشُوهُ. ورَوى (م) عَن أبِي الطُّفيلِ نَحوَهُ، وزادَ: ويُقبِّل المِحجَنَ. وفي رواية (م) زادَ: بالبَيتِ وبِالصَّفا والمَروَةِ.
ورَوى (م)عَن عائِشَةَ نَحوَهُ، وفِيهِ: كَراهِيَةَ أن يُصْرَفَ عَنهُ النّاسُ.
-فيه دليل على مشروعية استلام الحجر الأسود بالعصا ونحوه، أو الإشارة إليه إذا لم يتمكن من استلامه بيده ولم يؤذ أحدا.
- فيه مشروعية الطواف على الراحلة للحاجة.
- فيه طهارة بول وروث مأكول اللحم حيث جاز دخوله المسجد.
- قال ابن حجر: (قال الجمهور: أن السنة أن يستلم الركن، ويقبل يده، فإن لم يستطع أن يستلمه بيده استلمه بشيء في يده وقبل ذلك الشيء، فإن لم يستطع أشار إليه واكتفى بذلك).

باب: الطَّوافُ راكِبًا لِعُذْرٍ


١٠٧٢. (خ م) (١٢٧٦) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ﵂ قالَت: شَكَوتُ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ أنِّي أشتَكِي، فَقالَ: «طُوفِي مِن وراءِ النّاسِ وأَنتِ راكِبَةٌ». قالَت: فَطُفتُ، ورسُولُ الله ﷺ حِينَئِذٍ يُصَلِّي إلى جَنبِ البَيتِ، وهُوَ يَقرَأُ بِـ: ﴿والطُّورِ (١) وكِتابٍ مَّسْطُورٍ﴾ [الطور: ١، ٢].
قال النووي: إنما أمرها ﷺ بالطواف من وراء الناس لشيئين:
أحدها: أن سنة النساء التباعد عن الرجال في الطواف.
والثاني: أن قربها يخاف منه تأذي الناس بدابتها، وكذا إذا طاف الرجل راكبا، وإنما طافت في حال صلاة النبي ﷺ؛ ليكون أستر لها وكانت هذه الصلاة صلاة الصبح، والله أعلم.

باب: الكَلامُ فِـي الطَّوافِ


١٠٧٣. (خ) (١٦٢٠) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَرَّ وهُوَ يَطُوفُ بِالكَعبَةِ بِإنسانٍ رَبَطَ يَدَهُ إلى إنسانٍ بِسَيرٍ أو بِخَيطٍ أو بِشَيءٍ غَيرِ ذَلكَ، فَقَطَعَهُ النَّبِي ﷺ بِيَدِهِ، ثُمَّ قالَ: «قُدهُ بِيَدِهِ». وفي رواية: يَقُودُ إنسانًا بِخِزامَةٍ فِي أنفِهِ، فَقَطَعَها ...
-فيه إباحة الكلام بالخير في الطواف.
-فيه أنه يجوز للطائف فعل ما خف من الأفعال.
-فيه أنه إذا رأى منكرا فله أن يغيره بيده.
-قال النووي: قطعه ﷺ السير محمول على أنه لم يمكن إزالة هذا المنكر إلا بقطعه.

باب: طَوافُ الـمَرْأَةِ حَجْرَةً مِنَ الرِّجالِ


١٠٧٤. (خ) (١٦١٨) عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قالَ: أخبَرَنِي عَطاءٌ؛ إذ مَنَعَ ابنُ هِشامٍ النِّساءَ الطَّوافَ مَعَ الرِّجالِ، قالَ: كَيفَ يَمنَعُهُنَّ، وقَد طافَ نِساءُ النَّبِيِّ ﷺ مَعَ الرِّجالِ؟ قلت: أبَعدَ الحِجابِ أو قَبلُ؟ قالَ: إي لَعَمرِي؛ لَقَد أدرَكتُهُ بَعدَ الحِجابِ. قلت: كَيفَ يُخالِطنَ الرِّجالَ؟ قالَ: لَم يَكُنَّ يُخالِطنَ، كانَت عائِشَةُ ﵂ تَطُوفُ حَجرَةً مِن الرِّجالِ لا تُخالِطُهُم، فَقالَت امرَأَةٌ: انطَلِقِي نَستَلِم يا أُمَّ المُؤمِنِينَ. قالَت: انطَلِقِي عَنكِ. وأَبَت، يَخرُجنَ مُتَنَكِّراتٍ بِاللَّيلِ، فَيَطُفنَ مَعَ الرِّجالِ، ولَكِنَّهُنَّ كُنَّ إذا دَخَلنَ البَيتَ قُمنَ حَتّى يَدخُلنَ وأُخرِجَ الرِّجالُ، وكُنتُ آتِي عائِشَةَ أنا وعُبَيدُ بنُ عُمَيرٍ وهِيَ مُجاوِرَةٌ فِي جَوفِ ثَبِيرٍ، قلت: وما حِجابُها؟ قالَ: هِيَ فِي قُبَّةٍ تُركِيَّةٍ لَها غِشاءٌ، وما بَينَنا وبَينَها غَيرُ ذَلكَ، ورَأَيتُ عَلَيها دِرعًا مُوَرَّدًا.
-فيه طواف النساء متنكرات، وفيه طواف الليل.
-فيه طواف النساء من وراء الرجال.
- فيه ستر نساء النبيﷺ بعد ذلك وحجبهن.
-فيه رواية المرأة عن المرأة.
-فيه المجاورة بمكة وهو نوع من الاعتكاف.
قال ابن عثيمين: فيه دليل على الاحتجاج بالفعل، أي فعل الصحابة لا سيما مع النبي ﷺ، فإن الفعل في زمن الرسول ﷺ إذا لم ينكره الرسول ولا الله عزو جل فإنه يعتبر جائزا إن كان من غير العبادة، ومشروعًا إن كان من العبادة.

باب: الطَّوافُ بَيْنَ الصَّفا والـمَرْوَةِ


١٠٧٥. (خ م) (١٢٧٧) عَنْ عُرْوَةَ قالَ: قُلتُ لِعائِشَةَ ﵂: ما أرى عَلَيَّ جُناحًا أن لا أتَطَوَّفَ بَينَ الصَّفا والمَروَةِ. قالَت: لِمَ؟ قُلتُ: لأنّ اللهَ ﷿ يَقُولُ: ﴿إنَّ الصَّفا والمَرْوَةَ مِن شَعائِرِ اللَّهِ [البقرة: ١٥٨] الآيَةَ. فَقالَت: لَو كانَ كَما تَقُولُ لَكانَ: فَلا جُناحَ عَلَيهِ أن لا يَطَّوَّفَ بِهِما، إنَّما أُنزِلَ هَذا فِي أُناسٍ مِن الأنصارِ، كانُوا إذا أهَلُّوا أهَلُّوا لِمَناةَ فِي الجاهِلِيَّةِ، فَلا يَحِلُّ لَهُم أن يَطَّوَّفُوا بَينَ الصَّفا والمَروَةِ، فَلَمّا قَدِمُوا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ لِلحَجِّ ذَكَرُوا ذَلكَ لَهُ، فَأَنزَلَ اللهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ، (فَلَعَمرِي ما أتَمَّ اللهُ حَجَّ مَن لَم يَطُف بَينَ الصَّفا والمَروَةِ).
وفي رواية (م) زادَ: ولا عُمرَتَهُ. عَلَّقَها (خ). وفي رواية: قالَ الزُّهرِي: فَذَكَرتُ ذَلكَ لِأَبِي بَكرِ بْنِ عَبْدِ الرحمن بْنِ الحارِثِ بْنِ هِشامٍ فَأَعجَبَهُ ذَلكَ وقالَ: إنَّ هَذا العِلْمُ ... وزادَ (خ) فِي رِوايةٍ: فَقالَ: كُنّا نَرى أنَّهُما مِن أمْرِ الجاهِلِيَّةِ، فَلَمّا كانَ الإسلامُ أمسَكنا عَنهُما، فَأَنزَلَ اللهُ تَعالى ... الآيةُ.
-فيه جواز المحاورة في العلم لإيضاح المشاكل.
-فيه حسن تعليم عائشة رضي الله عنها وسعة علمها وفقهها رضي الله عنها.
-دليل على أن السعي بين الصفا والمروة من أركان الحج والعمرة.
-فيه خشية الصحابة رضي الله عنهم من الوقوع في شيء من أمور الجاهلية بعد أن نجاهم الله منها.
- قال النووي: هذا من دقيق علمها وفهمها الثاقب، وكبير معرفتها بدقائق الألفاظ.

باب: مَتى يَحِلُّ مَن أحْرَمَ بِحَجٍّ أوْ عُمْرَةٍ


١٠٧٦. (خ م) (١٢٣٤) عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ قالَ: سَأَلنا ابنَ عُمَرَ عَن رَجُلٍ قَدِمَ بِعُمرَةٍ فَطافَ بِالبَيتِ ولَم يَطُف بَينَ الصَّفا والمَروةِ؛ أيَأتِي امرَأَتَهُ؟ فَقالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَطافَ بِالبَيتِ سَبعًا، وصَلّى خَلفَ المَقامِ رَكْعَتَيْنِ، وبَينَ الصَّفا والمَروَةِ سَبعًا، وقَد كانَ لَكُم فِي رَسُولِ اللهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ. زادَ (خ): قالَ: وسَألتُ جابرَ بنَ عَبْدِ اللهِ، فَقالَ: لا يَقرَبَنَّها حَتّى يَطُوفَ بَين الصَّفا والمَروَةِ.
-خص إتيان المرأة بالذكر؛ لأنه أعظم الحرمات في الإحرام وغيره من باب أولى، فأجاب ابن عمر رضي الله عنهما بالإشارة إلى وجوب اتباع النبي ﷺ لا سيما في أمر المناسك لقولهﷺ (خذوا عني مناسككم).
-فيه جواز تسمية السعي بين الصفا والمروة طوافا.
-دليل على أن المعتمر لا يحل حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة.
وفيه أن الطواف لا بد فيه من سبعة أشواط.

١٠٧٧. (خ م) (١٢٣٥) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ (أنَّ رَجُلًا مِن أهلِ العِراقِ قالَ لَهُ: سَل لِي عُروَةَ بنَ الزُّبَيرِ؛ عَن رَجُلٍ يُهِلُّ بِالحَجِّ، فَإذا طافَ بِالبَيتِ أيَحِلُّ أم لا؟ فَإن قالَ لَكَ: لا يَحِلُّ. فَقُل لَهُ: إنَّ رَجُلًا يَقُولُ ذَلكَ. قالَ: فَسَأَلتُهُ، فَقالَ: لا يَحِلُّ مَن أهَلَّ بِالحَجِّ إلا بِالحَجِّ. قُلتُ: فَإنَّ رَجُلًا كانَ يَقُولُ ذَلكَ. قالَ: بِئسَ ما قالَ. فَتَصَدّانِي الرَّجُلُ فَسَأَلَنِي، فَحَدَّثتُهُ، فَقالَ: فَقُل لَهُ: فَإنَّ رَجُلًا كانَ يُخبِرُ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَد فَعَلَ ذَلكَ، وما شَأنُ أسماءَ والزُّبَيرِ؟ قَد فَعَلا ذَلكَ. قالَ: فَجِئتُهُ فَذَكَرتُ لَهُ ذَلكَ. فَقالَ: مَن هَذا؟ فَقُلتُ: لا أدرِي. قالَ: فَما بالُهُ لا يَأتِينِي بِنَفسِهِ يَسأَلُنِي، أظُنُّهُ عِراقِيًّا. قُلتُ: لا أدرِي. قالَ: فَإنَّهُ قَد كَذَبَ)، قَد حَجَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ؛ فَأَخبَرَتنِي عائِشَةُ ﵂ أنَّ أوَّلَ شَيءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ أنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طافَ بِالبَيتِ، ثُمَّ حَجَّ أبُو بَكرٍ فَكانَ أوَّلَ شَيءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوافُ بِالبَيتِ، ثُمَّ لَم يَكُن (غَيرُهُ)، ثُمَّ عُمَرُ مِثلُ ذَلكَ، ثُمَّ حَجَّ عُثْمانُ، فَرَأَيتهُ أوَّلُ شَيءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوافُ بِالبَيتِ، ثُمَّ لَم يَكُن (غَيرُهُ)، ثُمَّ مُعاوِيَةُ وعَبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، ثُمَّ حَجَجتُ مَعَ أبِي الزُّبَيرِ بْنِ العَوّامِ، فَكانَ أوَّلَ شَيءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوافُ بِالبَيتِ، ثُمَّ لَم يَكُن (غَيرُهُ)، ثُمَّ رَأَيتُ المُهاجِرِينَ والأنصار يَفعَلُونَ ذَلكَ، ثُمَّ لَم يَكُن (غَيرُهُ)، ثُمَّ آخِرُ مَن رَأَيتُ فَعَلَ ذَلكَ ابنُ عُمَرَ، ثُمَّ لَم يَنقُضها بِعُمرَةٍ، وهَذا ابنُ عُمَرَ عِندَهُم؛ أفَلا يَسأَلُونَهُ؟ ولا أحَدٌ مِمَّن مَضى ما كانُوا يَبدَؤُونَ بِشَيءٍ حِينَ يَضَعُونَ أقدامَهُم أوَّلَ مِن الطَّوافِ بِالبَيتِ، ثُمَّ لا يَحِلُّونَ، وقَد رَأَيتُ أُمِّي وخالَتِي حِينَ تَقدَمانِ لا تَبدَآنِ بِشَيءٍ أوَّلَ مِن البَيتِ، تَطُوفانِ بِهِ، ثُمَّ لا تَحِلانِ، وقَد أخبَرَتنِي أُمِّي؛ أنَّها أقبَلَت هِيَ وأُختُها والزُّبَيرُ وفُلانٌ وفُلانٌ بِعُمرَةٍ قَطُّ، فَلَمّا مَسَحُوا الرُّكنَ حَلُّوا، (وقَد كَذَبَ فِيما ذَكَرَ مِن ذَلكَ). لَفظُ (خ): ثُمَّ لَم تَكُن عُمرَةٌ.
-قال النووي: وفي هذا الحديث استحباب الابتداء بالطواف للقادم لأنه تحية المسجد الحرام.
-(أول شيء بدأ به حين قدم أنه توضأ..) ليس فيه دليل على اشتراط الوضوء للطواف، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم -رحمهما الله- أن الوضوء للطواف سنّة ووافقهما ابن عثيمين -رحمه الله-.

١٠٧٨. (خ م) (١٢٣٧) عَنْ عَبْدِ اللهِ مَوْلى أسْماءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ؛ أنَّهُ كانَ يَسمَعُ أسماءَ ﵂ كُلَّما مَرَّت بِالحَجُونِ تَقُولُ: صَلّى اللهُ عَلى رَسُولِهِ وسَلَّمَ، لَقَد نَزَلنا مَعَهُ هاهُنا، ونَحنُ يَومَئِذٍ خِفافُ الحَقائِبِ، قَلِيلٌ ظَهرُنا، قَلِيلَةٌ أزوادُنا، فاعتَمَرتُ أنا وأُختِي عائِشَةُ والزُّبَيرُ وفُلانٌ وفُلانٌ، فَلَمّا مَسَحنا البَيتَ أحلَلنا، ثُمَّ أهلَلنا مِن العَشِيِّ بِالحَجِّ.
-(فلما مسحنا البيت أحللنا) أي طفنا بالبيت فاستلمنا الركن، وساغ هذا المجاز؛ لأن كل من طاف بالبيت مسح الركن، فصار يطلق على الطواف.
-قال عياض: ويحتمل أن يكون معنى مسحوا طافوا وسعوا، وحذف السعي اختصارا لما كان منوطا بالطواف، قال: ولا حجة في هذا الحديث لمن لم يوجب السعي؛ لأن أسماء أخبرت أن ذلك كان في حجة الوداع، وقد جاء مفسرا من طرق أخرى صحيحة أنهم طافوا معه وسعوا فيحمل ما أجمل على ما بين، والله أعلم.

١٠٧٩. (خ م) (١٢٤٥) عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ؛ أخبَرَنِي عَطاءٌ قالَ: كانَ ابنُ عَبّاسٍ يَقُولُ: لا يَطُوفُ بِالبَيتِ (حاجٌّ ولا غَيرُ حاجٍّ) إلا حَلَّ. قُلتُ لِعَطاءٍ: مِن أينَ يَقُولُ ذَلكَ؟ قالَ: مِن قَولِ اللهِ تَعالى: ﴿ثُمَّ مَحِلُّها إلى البَيْتِ العَتِيقِ [الحج: ٣٣]. قالَ: قُلتُ: فَإنَّ ذَلكَ بَعدَ المُعَرَّفِ. فَقالَ: كانَ ابنُ عَبّاسٍ يَقُولُ: هُوَ بَعدَ المُعَرَّفِ وقَبلَهُ، وكانَ يَأخُذُ ذَلكَ مِن أمرِ النَّبِيِّ ﷺ حِينَ أمَرَهُم أن يَحِلُّوا فِي حَجَّةِ الوَداعِ.
ورَوى (م) عَنْ أبِي حَسّانَ الأَعْرَجِ قالَ: قالَ رَجُلٌ مِن بَنِي الهُجَيمِ لِابنِ عَبّاسٍ: ما هَذا الفُتيا الَّتِي قَد تَشَغَّفَتْ أو تَشَغَّبَتْ بِالنّاسِ؛ أنَّ مَن طافَ بِالبَيتِ فَقَد حَلَّ؟ فَقالَ: سُنَّةُ نَبِيِّكُم ﷺ وإن رَغِمتُم.
وفي رواية (م): إنَّ هَذا الأَمرَ قَد تَفَشَّغَ بِالنّاسِ؛ مَن طافَ بِالبَيتِ فَقَد حَلَّ، الطَّوافُ عُمرَةٌ. فَقالَ: ... مِثلَهُ.

باب: حَـجَّـةُ النَّبِيِّ ﷺ


١٠٨٠. (م) (١٢١٨) عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ، عَن أبِيهِ قالَ: دَخَلنا عَلى جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ فَسَأَلَ عَنِ القَومِ، حَتّى انتَهى إلَيَّ فَقُلتُ: أنا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَينٍ، فَأَهوى بِيَدِهِ إلى رَأسِي، فَنَزَعَ زِرِّي الأَعلى، ثُمَّ نَزَعَ زِرِّي الأَسفَلَ، ثُمَّ وضَعَ كَفَّهُ بَينَ ثَديَيَّ وأَنا يَومَئِذٍ غُلامٌ شابٌّ، فَقالَ: مَرحَبًا بِكَ يا ابنَ أخِي، سَل عَمّا شِئتَ. فَسَأَلتُهُ وهُوَ أعمى، وحَضَرَ وقتُ الصَّلاةِ، فَقامَ فِي نِساجَةٍ مُلتَحِفًا بِها كُلَّما وضَعَها عَلى مَنكِبِهِ رَجَعَ طَرَفاها إلَيهِ مِن صِغَرِها، ورِداؤُهُ إلى جَنبِهِ عَلى المِشجَبِ، فَصَلّى بِنا، فَقُلتُ: أخبِرنِي عَن حَجَّةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقالَ بِيَدِهِ فَعَقَدَ تِسعًا، فَقالَ: إنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ مَكَثَ تِسعَ سِنِينَ لَم يَحُجَّ، ثُمَّ أذَّنَ فِي النّاسِ فِي العاشِرَةِ: أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ حاجٌّ. فَقَدِمَ المَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ كُلُّهُم يَلتَمِسُ أن يَأتَمَّ بِرَسُولِ اللهِ ﷺ، ويَعمَلَ مِثلَ عَمَلِهِ، فَخَرَجنا مَعَهُ حَتّى أتَينا ذا الحُلَيفَةِ، فَوَلَدَت أسماءُ بِنتُ عُمَيسٍ مُحَمَّدَ بنَ أبِي بَكرٍ، فَأَرسَلَت إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ: كَيفَ أصنَعُ؟ فَقالَ: «اغتَسِلِي واستَثفِرِي بِثَوبٍ وأَحرِمِي»، فَصَلّى رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي المَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ القَصواءَ حَتّى إذا استَوَت بِهِ ناقَتُهُ عَلى البَيداءِ، نَظَرتُ إلى مَدِّ بَصَرِي بَينَ يَدَيهِ مِن راكِبٍ وماشٍ، وعَن يَمِينِهِ مِثلَ ذَلكَ، وعَن يَسارِهِ مِثلَ ذَلكَ، ومِن خَلفِهِ مِثلَ ذَلكَ، ورسُولُ اللهِ ﷺ بَينَ أظهُرِنا، وعَلَيهِ يَنزِلُ القُرآنُ، وهُوَ يَعرِفُ تَأوِيلَهُ، وما عَمِلَ بِهِ مِن شَيءٍ عَمِلنا بِهِ، فَأَهَلَّ بِالتَّوحِيدِ: «لَبَّيكَ اللَّهُمَّ لَبَّيكَ، لَبَّيكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيكَ، إنَّ الحَمدَ والنِّعمَةَ لَكَ والمُلكَ، لا شَرِيكَ لَكَ». وأَهَلَّ النّاسُ بِهَذا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ، فَلَم يَرُدَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلَيهِم شَيئًا مِنهُ، ولَزِمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ تَلبِيَتَهُ. قالَ جابِرٌ: لَسنا نَنوِي إلاَّ الحَجَّ، لَسنا نَعرِفُ العُمرَةَ، حَتّى إذا أتَينا البَيتَ مَعَهُ استَلَمَ الرُّكنَ فَرَمَلَ ثَلاثًا، ومَشى أربَعًا، ثُمَّ نَفَذَ إلى مَقامِ إبراهِيمَ ﵇ فَقَرَأَ: ﴿واتَّخِذُواْ مِن مَّقامِ إبْراهِيمَ مُصَلًّى﴾ [البقرة: ١٢٥]، فَجَعَلَ المَقامَ بَينَهُ وبَينَ البَيتِ، فَكانَ أبِي يَقُولُ ولا أعلَمُهُ ذَكَرَهُ إلاَّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: كانَ يَقرَأُ فِي الرَّكعَتَينِ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أحَدٌ﴾ و﴿قُلْ ياأَيُّها الكافِرُونَ﴾، ثُمَّ رَجَعَ إلى الرُّكنِ فاستَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ البابِ إلى الصَّفا، فَلَمّا دَنا مِنَ الصَّفا قَرَأَ: «﴿إنَّ الصَّفا والمَرْوَةَ مِن شَعائِرِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٥٨]، أبدَأُ بِما بَدَأَ اللهُ بِهِ». فَبَدَأَ بِالصَّفا فَرَقِيَ عَلَيهِ حَتّى رَأى البَيتَ، فاستَقبَلَ القِبلَةَ فَوَحَّدَ اللهَ وكَبَّرهُ، وقالَ: «لا إلَهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ ولَهُ الحَمدُ وهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، لا إلَهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ أنجَزَ وعدَهُ ونَصَرَ عَبدَهُ وهَزَمَ الأَحزابَ وحدَهُ»، ثُمَّ دَعا بَينَ ذَلكَ، قالَ مِثلَ هَذا ثَلاثَ مَرّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إلى المَروَةِ حَتّى إذا انصَبَّت قَدَماهُ فِي بَطنِ الوادِي سَعى، حَتّى إذا صَعِدَتا مَشى، حَتّى أتى المَروَةَ فَفَعَلَ عَلى المَروَةِ كَما فَعَلَ عَلى الصَّفا، حَتّى إذا كانَ آخِرُ طَوافِهِ عَلى المَروَةِ فَقالَ: «لَو أنِّي استَقبَلتُ مِن أمرِي ما استَدبَرتُ لَم أسُقِ الهَديَ وجَعَلتُها عُمرَةً، فَمَن كانَ مِنكُم لَيسَ مَعَهُ هَديٌ فَليَحِلَّ وليَجعَلها عُمرَةً». فَقامَ سُراقَةُ بْنِ مالكِ بْنِ جُعشُمٍ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ ألِعامِنا هَذا أم لأَبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أصابِعَهُ واحِدَةً فِي الأُخرى وقالَ: «دَخَلَتِ العُمرَةُ فِي الحَجِّ مَرَّتَينِ، لا بَل لأَبَدٍ أبَدٍ». وقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ اليَمَنِ بِبُدنِ النَّبِيِّ ﷺ، فَوَجَدَ فاطِمَةَ مِمَّن حَلَّ، ولَبِسَت ثِيابًا صَبِيغًا واكتَحَلَت، فَأَنكَرَ ذَلكَ عَلَيها، فَقالَت: إنَّ أبِي أمَرَنِي بِهَذا. قالَ: فَكانَ عَلِيٌّ يَقُولُ بِالعِراقِ: فَذَهَبتُ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ مُحَرِّشًا عَلى فاطِمَةَ لِلَّذِي صَنَعَت، مُستَفتِيًا لِرَسُولِ اللهِ ﷺ فِيما ذَكَرَت عَنهُ، فَأَخبَرتُهُ أنِّي أنكَرتُ ذَلكَ عَلَيها، فَقالَ: «صَدَقَت صَدَقَت، ماذا قُلتَ حِينَ فَرَضتَ الحَجَّ؟» قالَ: قُلتُ: اللَّهُمَّ إنِّي أُهِلُّ بِما أهَلَّ بِهِ رَسُولُك. قالَ: «فَإنَّ مَعِيَ الهَديَ، فَلا تَحِلُّ». قالَ: فَكانَ جَماعَةُ الهَديِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنَ اليَمَنِ والَّذِي أتى بِهِ النَّبِيُّ ﷺ مائَةً، قالَ: فَحَلَّ النّاسُ كُلُّهُم وقَصَّرُوا إلاَّ النَّبِي ﷺ ومَن كانَ مَعَهُ هَديٌ، فَلَمّا كانَ يَومُ التَّروِيَةِ تَوَجَّهُوا إلى مِنًى، فَأَهَلُّوا بِالحَجِّ، فَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَصَلّى بِها الظُّهرَ والعَصرَ والمَغرِبَ والعِشاءَ والفَجرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتّى طَلَعَتِ الشَّمسُ، وأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِن شَعَرٍ تُضرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَسارَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، ولا تَشُكُّ قُرَيشٌ إلاَّ أنَّهُ واقِفٌ عِنْدَ المَشعَرِ الحَرامِ كَما كانَت قُرَيشٌ تَصنَعُ فِي الجاهِلِيَّةِ، فَأَجازَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حَتّى أتى عَرَفَةَ فَوَجَدَ القُبَّةَ قَد ضُرِبَت لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِها، حَتّى إذا زاغَتِ الشَّمسُ أمَرَ بِالقَصواءِ فَرُحِّلَت لَهُ، فَأَتى بَطنَ الوادِي فَخَطَبَ النّاسَ، وقالَ: «إنَّ دِماءَكُم وأَموالَكُم حَرامٌ عَلَيكُم كَحُرمَةِ يَومِكُم هَذا فِي شَهرِكُم هَذا فِي بَلَدِكُم هَذا، ألا كُلُّ شَيءٍ مِن أمرِ الجاهِلِيَّةِ تَحتَ قَدَمَيّ مَوضُوعٌ، ودِماءُ الجاهِلِيَّةِ مَوضُوعَةٌ، وإنَّ أوَّلَ دَمٍ أضَعُ مِن دِمائِنا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الحارِثِ، كانَ مُستَرضِعًا فِي بَنِي سَعدٍ فَقَتَلَتهُ هُذَيلٌ، ورِبا الجاهِلِيَّةِ مَوضُوعٌ، وأَوَّلُ رِبًا أضَعُ رِبانا رِبا عَبّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَإنَّهُ مَوضُوعٌ كُلُّهُ، فاتَّقُوا اللهَ فِي النِّساءِ، فَإنَّكُم أخَذتُمُوهُنَّ بِأَمانِ اللهِ، واستَحلَلتُم فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، ولَكُم عَلَيهِنَّ أن لا يُوطِئنَ فُرُشَكُم أحَدًا تَكرَهُونَهُ، فَإن فَعَلنَ ذَلكَ فاضرِبُوهُنَّ ضَربًا غَيرَ مُبَرِّحٍ، ولَهُنَّ عَلَيكُم رِزقُهُنَّ وكِسوَتُهُنَّ بِالمَعرُوفِ، وقَد تَرَكتُ فِيكُم ما لَن تَضِلُّوا بَعدَهُ إنِ اعتَصَمتُم بِهِ كِتابُ اللهِ، وأَنتُم تُسأَلُونَ عَنِّي؛ فَما أنتُم قائِلُونَ؟» قالُوا: نَشهَدُ أنَّكَ قَد بَلَّغتَ وأَدَّيتَ ونَصَحتَ. فَقالَ بِإصبَعِهِ السَّبّابَةِ يَرفَعُها إلى السَّماءِ، ويَنكُتُها إلى النّاسِ: «اللَّهُمَّ اشهَد، اللَّهُمَّ اشهَد». ثَلاثَ مَرّاتٍ، ثُمَّ أذَّنَ، ثُمَّ أقامَ، فَصَلّى الظُّهرَ، ثُمَّ أقامَ فَصَلّى العَصرَ، ولَم يُصَلِّ بَينَهُما شَيئًا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حَتّى أتى المَوقِفَ، فَجَعَلَ بَطنَ ناقَتِهِ القَصواءِ إلى الصَّخَراتِ، وجَعَلَ حَبلَ المُشاةِ بَينَ يَدَيهِ واستَقبَلَ القِبلَةَ، فَلَم يَزَل واقِفًا حَتّى غَرَبَتِ الشَّمسُ وذَهَبَتِ الصُّفرَةُ قَلِيلًا حَتّى غابَ القُرصُ، وأَردَفَ أُسامَةَ خَلفَهُ، ودَفَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وقَد شَنَقَ لِلقَصواءِ الزِّمامَ حَتّى إنَّ رَأسَها لَيُصِيبُ مَورِكَ رَحلِهِ، ويَقُولُ بِيَدِهِ اليُمنى: «أيُّها النّاسُ؛ السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ». كُلَّما أتى حَبلًا مِنَ الحِبالِ أرخى لَها قَلِيلًا حَتّى تَصعَدَ، حتّى أتى المُزدَلِفَةَ فَصَلّى بِها المَغرِبَ والعِشاءَ بِأَذانٍ واحِدٍ وإقامَتَينِ، ولَم يُسَبِّح بَينَهُما شَيئًا، ثُمَّ اضطَجَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حَتّى طَلَعَ الفَجرُ، وصَلّى الفَجرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبحُ بِأَذانٍ وإقامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ القَصواءَ حَتّى أتى المَشعَرَ الحَرامَ، فاستَقبَلَ القِبلَةَ فَدَعاهُ وكَبَّرَهُ وهَلَّلَهُ ووَحَّدَهُ، فَلَم يَزَل واقِفًا حَتّى أسفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبلَ أن تَطلُعَ الشَّمسُ، وأَردَفَ الفَضلَ بنَ عَبّاسٍ، وكانَ رَجُلًا حَسَنَ الشَّعرِ أبيَضَ وسِيمًا، فَلَمّا دَفَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مَرَّت بِهِ ظُعُنٌ يَجرِينَ، فَطَفِقَ الفَضْلُ يَنظُرُ إلَيهِنَّ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَدَهُ عَلى وجهِ الفَضلِ، فَحَوَّلَ الفَضْلُ وجهَهُ إلى الشِّقِّ الآخَرِ يَنظُرُ، فَحَوَّلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَدَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ عَلى وجهِ الفَضلِ يَصرِفُ وجهَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ يَنظُرُ، حَتّى أتى بَطنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قَلِيلًا، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الوُسطى الَّتِي تَخرُجُ عَلى الجَمرَةِ الكُبرى، حَتّى أتى الجَمرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَماها بِسَبعِ حَصَياتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصاةٍ مِنها؛ حَصى الخَذفِ، رَمى مِن بَطنِ الوادِي، ثُمَّ انصَرَفَ إلى المَنحَرِ فَنَحَرَ ثَلاثًا وسِتِّينَ بِيَدِهِ، ثُمَّ أعطى عَلِيًّا فَنَحَرَ ما غَبَرَ، وأَشرَكَهُ فِي هَديِهِ، ثُمَّ أمَرَ مِن كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضعَةٍ فَجُعِلَت فِي قِدرٍ فَطُبِخَت، فَأَكَلا مِن لَحمِها وشَرِبا مِن مَرَقِها، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَأَفاضَ إلى البَيتِ فَصَلّى بِمَكَّةَ الظُّهرَ، فَأَتى بَنِي عَبدِ المُطَّلِبِ يَسقُونَ عَلى زَمزَمَ، فَقالَ: «انزِعُوا بَنِي عَبدِ المُطَّلِبِ، فَلَولا أن يَغلِبَكُمُ النّاسُ عَلى سِقايَتِكُم لَنَزَعتُ مَعَكُم». فَناوَلُوهُ دَلوًا فَشَرِبَ مِنهُ.
-قال النووي: حديث جابر حديث عظيم مشتمل على جمل من الفوائد، ونفائس من مهمات القواعد، وهو من أفراد مسلم، لم يروه البخاري في صحيحه.
-أنه يستحب لمن ورد عليه زائرون أو ضيفان ونحوهم أن يسأل عنهم لينزلهم منازلهم، كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها: (أمرنا رسول اللهﷺ أن ننزل الناس منازلهم).
-فيه إكرام أهل بيت رسول اللهﷺ، كما فعل جابر رضي الله عنه بمحمد بن علي.
-فيه ملاطفة الزائر بما يليق به، وتأنيسه، وهذا سبب حل جابر رضي الله عنه زري محمد بن علي، ووضع يده بين ثدييه، ونبه محمد بن علي على سبب ذلك التأنيس بأنه كان صغيرًا، وأما الرجل الكبير فلا يحسن إدخال اليد في جيبه والمسح بين ثدييه.
-فيه جواز الصلاة في ثوب واحد مع التمكن من الزيادة عليه.
-فيه إيضاح العدد وتأكيده بعقد الأصابع مع ذكر العدد.
-قوله: (ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول اللهﷺ حاج) قال النووي: معناه أعلمهم بذلك وأشاعه بينهم ليتأهبوا للحج معه، ويتعلموا المناسك والأحكام، ويشهدوا أقواله وأفعاله، ويوصيهم ليبلغ الشاهد الغائب وتشيع دعوة الإسلام، وتبلغ الرسالة القريب والبعيد، وفيه أنه يستحب للإمام إيذان الناس بالأمور المهمة ليتأهبوا لها، القريب والبعيد.
-قوله: (كلهم يلتمس أن يأتم برسول اللهﷺ، ويعمل مثل عمله) حرص الصحابة على التأسي والاقتداء.
-أن ميقات أهل المدينة ذو الحليفة. لقوله: (فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة).
-أن الصحابة - رضي الله عنهم - من أحرص الناس على طلب العلم، ذكورهم وإناثهم، لقوله: (فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله -ﷺ - كيف أصنع).
-أن طلب العلم لا يختص بالرجال؛ فكما أن الرجل يشرع له طلب العلم، بل يتعين عليه، إذا كانت عبادته لا تقوم إلا به فإنه يتعين عليه فكذلك المرأة ولا فرق
-قوله لأسماء (اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي) فيه دلالة على أن اغتسال النفساء للإحرام سنة، وهو للنظافة لا للطهارة، ومثلها في ذلك الحائض.
-فيه أمر الحائض والنفساء والمستحاضة بالاستثفار، وهو اتخاذ خرقة بين الفخذين، وشدها في الحزام.
-قال ابن عثيمين: فيه صحة إحرام الحائض والنفساء والجنب.
-يجوز تعليق الإحرام بإحرام كإحرام فلان.
-(فأهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، وأهل الناس بهذا الذي يهلون به فلم يرد رسول اللهﷺ شيئا..) قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: فيه إشارة إلى ما روي من زيادة الناس في التلبية من الثناء والذكر كما روي في ذلك عن عمر رضي الله عنه أنه كان يزيد (لبيك ذا النعماء والفضل الحسن لبيك مرهوبا منك ومرغوبا إليك) وعن ابن عمر رضي الله عنه: (لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل)، وعن أنس رضي الله عنه: (لبيك حقا تعبدا ورقا). قال القاضي: قال أكثر العلماء: المستحب الاقتصار على تلبية رسول اللهﷺ.
-مشروعية رفع الصوت بالتلبية، وتعيين النسك في التلبية.
-في قوله (حتى أتينا البيت معه استلم الركن) بيان أن السنة للحاج أن يدخلوا مكة قبل الوقوف بعرفات، ليطوفوا للقدوم وغير ذلك.
-وأن المحرم إذا دخل مكة قبل الوقوف بعرفات يسن له طواف القدوم، وهو مجمع عليه.
-مشروعية الاضطباع في جميع الطواف.
-تسن الصلاة خلف المقام بعد الطواف.
-أنه ينبغي المبادرة بالسعي بعد الطواف بدون تأخير، وهذا على سبيل الأفضلية وليس على سبل الوجوب.
-أنه يِنبغي إذا دنا من الصفا أن يتلو الآية ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وليشعر نفسه أنه إنما سعى؛ لأنه من شعائر الله وتعظيمًا لشعائر الله عز وجل وحرماته.
-أن ما بدأ الله به هو أولى بالتقديم، ولهذا بدأ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -بالصفا، لأن الله بدأ به.
-أن الإسراع في كل المسعى ليس بمشروع.
-أنه ينبغي الإسراع في بطن الوادي لفعل الرسولﷺ.
-أن اختتام الأشواط السبعة يكون بالمروة.
-أن الأيدي لا ترفع حال الذكر والدعاء، لا في السعي ولا في الطواف؛ لأن الذين وصفوا طواف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ودعاءه فيه: ((ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)) لم يذكروا رفع اليدين، وكونهم يذكرون رفع اليدين على الصفا وعلى المروة يدل على أن ما عدا ذلك ليس فيه رفع.
-جواز قول (لو) إذا كان لقصد الإخبار. لقوله: (لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت).
-أن الحج يمتاز عن غيره من العبادات بجواز تغيير النية فيه.
-أن من ساق الهدي ليس له إلا القران.
-فيه استحباب تعجيل ذبح الهدايا وإن كانت كثيرة في يوم النحر، ولا يؤخّر بعضها إلى أيام التشريق.
-فيه استحباب الأكل من هدي التطوع وأضحيته.
-أن التعليم يكون بالقول وبالفعل، لقوله: فشبك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أصابعه واحدة في الأخرى، وقال: (دخلت العمرة في الحج).
وأخذ منه بعض المعاصرين التعليم على السبورة؛ لأن السبورة ترسم للإنسان العلم. والعلم إذا رسم للإنسان يكون أدعى لثباته في النفس إذ الإنسان لا يزال يستحضر هذه الصورة فتبقى في ذهنه.
-أن أعمال الحج تبتدئ من ضحى اليوم الثامن.
-حرص النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على تبليغ أمته؛ فإنه كان لا يخفي تبليغ الأحكام، بل يعلنها إعلانًا بواسطة الخطابة.
-استحباب الخطبة يوم عرفة؛ وأن الخطبة يوم عرفة قبل الأذان لقوله: (ثم أذن ثم أقام).
-أن الربا موضوع كله، ولا يؤخذ مهما كان.
-بيان عدل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو ظاهر من قوله: (وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع)، فأول ما قضى عليه من أمر الجاهلية ما كان يتصل بأقاربه.
-فيه الحث على الاعتصام بكتاب الله، والرجوع إليه، وأن به العصمة من كل سوء.
-إثبات علو الله - عز وجل - وجواز الإشارة إلى مكان الله - عز وجل -، وهو في السماء.
-تكرار الأمر الهام ثلاث مرات.
-أنه لا يشرع صعود الجبل، ولا الصلاة فيه، ولا الصلاة عنده، لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يفعل ذلك؛ والأصل في العبادات التوقيف، حتى يقوم دليل على مشروعيتها.
-وجوب الوقوف بعرفة حتى تغرب الشمس.
-أنه ينبغي لإمام الناس أو من ينيبَه أن يحث الناس على السكينة.
-أنه ينبغي للإمام، أن يكون أول من يبادر إلى ما يأمر به.
-أنه لا يشرع ليلة مزدلفة تهجد، ولا قراءة، ولا شيء من العبادات التي تمنع من النوم.
-أنه لا تجوز صلاة الفجر ولا غيرها حتى يتبين دخول الوقت. لقوله: (صلى الفجر حين تبين له الصبح).
-(فوجد فاطمة ممن حل ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت فأنكر ذلك عليها) قال النووي: فيه إنكار الرجل على زوجته ما رآه منها من نقص في دينها؛ لأنه ظن أن ذلك لا يجوز فأنكره.
-(فطفق الفضل ينظر إليهن فوضع رسول الله -ﷺ - يده على وجه الفضل) قال النووي: فيه الحث على غض البصر عن الأجنبيات، وغضهن عن الرجال الأجانب، وهذا معنى قوله: (وكان أبيض وسيما حسن الشعر) يعني أنه بصفة من تفتتن النساء به لحسنه.
-في شربهﷺ من ماء زمزم وثنائه على بني عبد المطلب فضيلة العمل في هذا الاستقاء.
-واستحباب شرب ماء زمزم، واستدل به على أن الذي أرصد للمصالح العامة لا يحرم على النبيﷺ وعلى آله تناوله، فتكون للغني في معنى الهدية، وللفقير صدقة.
-وفيه تواضع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حين شرب من الدلو الذي يشرب منه الناس
-وفيه استحباب تكثير الهدي، وكان هدي النبيﷺ في تلك السنة مائة بدنة.
-وذكر بعض أهل المعاني أن نحر النبيﷺ ثلاثا وستين بدنة إشارة إلى منتهى عمره، ويكون أهدى في كل عام بدنة.
-وفيه استحباب ذبح المهدي هديه بنفسه، وجواز الاستنابة فيه، وذلك جائز بالإجماع إذا كان النائب مسلمًا.
-قولهﷺ: (نحرت ههنا، ومنى كلها منحر، فانحروا في رحالكم، ووقفت ههنا، وعرفة كلها موقف، ووقفت ههنا، وجمع كلها موقف) في هذه الألفاظ بيان رفق النبيﷺ بأمته وشفقته عليهم في تنبيههم على مصالح دينهم ودنياهم فإنهﷺ ذكر الأكمل والجائز.

باب: فِـي دُخُولِ الكَعْبَةِ والصَّلاةُ والدُّعاءُ فِيها


١٠٨١. (خ م) (١٣٢٩) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَومَ الفَتحِ، فَنَزَلَ بِفِناءِ الكَعبَةِ، وأَرسَلَ إلى عُثْمانَ بْنِ طَلْحَةَ فَجاءَ بِالمِفتَحِ فَفَتَحَ البابَ، قالَ: ثُمَّ دَخَلَ النَّبِي ﷺ وبِلالٌ وأُسامَةُ بنُ زَيْدٍ وعُثمانُ بنُ طَلْحَةَ، وأَمَرَ بِالبابِ فَأُغلِقَ، فَلَبِثُوا فِيهِ مَلِيًّا، ثُمَّ فَتَحَ البابَ، فَقالَ عَبدُ اللهِ: فَبادَرتُ النّاسَ، فَتَلَقَّيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ خارِجًا، وبِلالٌ عَلى إثرِهِ، فَقُلتُ لِبِلالٍ: هَل صَلّى فِيهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ؟ قالَ: نَعَم. قُلتُ: أينَ؟ قالَ: بَينَ العَمُودَينِ، (تِلقاءَ وجهِهِ). قالَ: ونَسِيتُ أن أسأَلَهُ؛ كَم صَلّى؟. وفي رواية: وعُثمانُ بنُ طَلْحَةَ الحَجَبي ... وفِيها: جَعَلَ (عَمُودَينِ عَن يَسارِهِ، وعَمُودًا عَن يَمِينِهِ)، وثَلاثَةَ أعمِدَةً وراءَهُ، وكانَ البَيتُ يَومَئِذٍ عَلى سِتَّةِ أعمِدَةٍ. وفي رواية: بَينَ العَمُودَينِ اليَمانِيَينِ. وفي رواية (خ): قالَ [بِلالٌ]: نَعَم، رَكْعَتَيْنِ بَينَ السّارِيَتَينِ اللَّتَينِ عَلى يَسارِهِ إذا دَخَلتَ. ثُمَّ خَرَجَ فَصَلّى فِي وجهِ الكَعبَةَ رَكْعَتَيْنِ. وفي رواية (م): فَذَهَبَ عُثمانُ بنُ طَلْحَةَ إلى أُمِّهِ، فَأَبَت أن تَعطِيَهُ. فَقالَ: واللهِ لَتُعطِينِيهِ أو لَيَخرُجنَّ هَذا السَّيفُ مِن صُلبِي. قالَ: فَأعطَتهُ إيّاهُ.
ورَوى (خ) عَن نافِعٍ؛ أنَّ عَبدَ الله كانَ إذا دَخَلَ الكَعبَةَ مَشى قِبَلَ وجهِهِ حِينَ يَدخُلُ، وجَعَلَ البابَ قِبَلَ ظَهرِهِ، فَمَشى حَتّى يَكُونَ بَينَهُ وبَينَ الجِدارِ الَّذِي قِبَلَ وجهِهِ قَرِيبًا مِن ثَلاثَةِ أذرُعٍ صَلّى، يَتَوَخّى المَكانَ الَّذِي أخبَرَهُ بِهِ بِلالٌ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلّى فِيهِ، قالَ: ولَيسَ عَلى أحَدِنا بَأسٌ إن صَلّى فِي أيِّ نَواحِي البَيتِ شاءَ.
-(وأمر بالباب فأغلق) ليتمكن من الصلاة في جميع جهاتها، وفيه جواز اختصار الإنسان في مكان يتمكن من العبادة فيه إن خاف أن يغشاه الناس.
-فيه الوفاء التام من النبيﷺ حيث أبقى مفتاح الكعبة فيما اقتسم عليه الناس في الجاهلية.
-فيه أن الفاضل من الصحابة رضي الله عنهم قد يغيب عن النبيﷺ في بعض الشواهد الفاضلة ويحضر من هو دونه.
-السؤال عن العلم والحرص فيه.
-فضيلة ابن عمر رضي الله عنهما لشدة حرصه على تتبع سنة النبيﷺ ليعمل بها.
-فيه استحباب دخول الكعبة ما لم يؤذ أحدا بدخوله، واستحباب الصلاة فيها.
-فيه صحة الصلاة في جوف الكعبة.
-فيه جواز الصلاة بين السواري في غير الجماعة.
-مشروعية الغلق والأبواب للمساجد.
-قال في المغني: ويستحب لمن حج أن يدخل البيت ويصلي فيه ركعتين كما فعل النبي -ﷺ - ولا يدخل البيت بنعليه ولا خفيه، ولا يدخل الحجر أيضا لأن الحجر من البيت.
-استحباب إرغام الكفار، حيث قيل أن صلاتهﷺ في الكعبة كان في عام الفتح إرغاما لقريش الذين صدوه عنها، ولذلك لم يصل فيها بعد.
-فيه وصف البيت قبل أن يعيد بناءه ابن الزبير.
-(عثمان بن طلحة الحَجَبي) يقال له ولآل بيته: الحَجَبة، لحجبهم الكعبة؛ ويعرفون الآن بالشَّيبيين، نسبة إلى شيبة بن عثمان بن أبي طلحة ابن عم عثمان هذا لا ولده، وله أيضا صحبة ورواية.
فيه ما يدل على أن سدانة البيت ولاية باقية لعثمان بن طلحة وذويه، فلا تنزع منهم بحال؛ كالسقاية في بني العباس، ولذلك قالﷺ: (كل مأثرة كانت في الجاهلية فهي تحت قدمي إلا سقاية الحاج، وسدانة البيت)، وقال: (يا بني عبد الدار! خذوها خالدة، تالدة) وبذلك قال جميع العلماء. وأعظم مالك أن يشرك غيرهم فيها معهم.

١٠٨٢. (خ م) (١٣٣٢) عَنْ إسْماعِيلَ بْنِ أبِي خالِدٍ قالَ: قُلتُ لِعَبدِ اللهِ بْنِ أبِي أوفى صاحِبِ رَسُولِ اللهِ ﷺ: أدَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ البَيتَ فِي عُمْرَتِهِ؟ قالَ: لا. وفي رواية (خ): فَطافَ بِالبَيتِ وصَلّى خَلفَ المَقامِ رَكْعَتَيْنِ ومَعَهُ مَن يَستُرُهُ مِن النّاسِ..
-سبب عدم دخوله البيت في عمرته هذه - والتي كانت سنة 7من الهجرة قبل فتح مكة- ما كان في البيت من الأصنام والصور، ولم يكن المشركون يتركونه لتغييرها.

١٠٨٣. (خ م) (١٣٣٠) عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قالَ: قُلتُ لِعَطاءٍ: (أسَمِعتَ ابنَ عَبّاسٍ يَقُولُ: إنَّما أُمِرتُم بِالطَّوافِ ولَم تُؤمَرُوا بِدُخُولِهِ؟ قالَ: لَم يَكُن يَنهى عَن دُخُولِهِ)، ولَكِنِّي سَمِعتُهُ يَقُولُ: (أخبَرَنِي أُسامَةُ بنُ زَيْدٍ؛) أنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمّا دَخَلَ البَيتَ دَعا فِي نَواحِيهِ كُلِّها، ولَم يُصَلِّ فِيهِ حَتّى خَرَجَ، فَلَمّا خَرَجَ رَكَعَ فِي قُبُلِ البَيتِ رَكْعَتَيْنِ، وقالَ: «هَذِهِ القِبلَةُ». (قُلتُ لَهُ: ما نَواحِيها؟ أفِي زَواياها؟ قالَ: بَل فِي كُلِّ قِبلَةٍ مِن البَيتِ). وفي رواية (م): أنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ الكَعبةَ وفِيها سِتُّ سَوارٍ، فَقامَ عِنْدَ سارِيةٍ فَدَعا ولَم يُصَلِّ.
-في الحديث استحباب الدعاء في جميع نواحي الكعبة لمن دخلها.

١٠٨٤. (خ) (١٦٠١) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: إنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَمّا قَدِم أبى أن يَدخُلَ البَيتَ وفِيهِ الآلِهَةُ، فَأَمَرَ بِها فَأُخرِجَت، فَأَخرَجُوا صُورَةَ إبراهِيمَ وإسماعِيلَ فِي أيدِيهِما الأَزلامُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «قاتَلَهُمُ اللهُ، أما واللهِ لَقَد عَلِمُوا أنَّهُما لَم يَستَقسِما بِها قَطُّ». فَدَخَلَ البَيتَ فَكَبَّرَ فِي نَواحِيهِ، ولَم يُصلِّ فِيهِ. وفي رواية (خ): حتى أمَرَ بها فَمُحِيت. وفي رواية (خ): قالَ دَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ البَيتَ فَوَجَدَ فِيهِ صُورَةَ إبراهِيمَ وصُورَةَ مَريَمَ فَقالَ: «أما لَهُم؛ فَقَد سَمِعُوا أنَّ المَلائِكَةَ لا تَدخُلُ بَيتًا فِيهِ صُورَةٌ، هَذا إبراهِيمُ مُصَوَّرٌ فَما لَهُ يَستَقسِمُ؟!».
-تحريم تعليق الصور.

باب: الـتَّلْبِيَةُ والتَّكْبِيرُ والتَّهْلِيلُ فِـي الغُدُوِّ مِن مِنى إلى عَرَفَةَ


١٠٨٥. (خ م) (١٢٨٥) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيِّ؛ أنَّهُ سَأَلَ أنَسَ بنَ مالِكٍ ﵁ وهُما غادِيانِ مِن مِنىً إلى عَرَفَةَ؛ كَيفَ كُنتُم تَصنَعُونَ فِي هَذا اليَومِ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ؟ فَقالَ: كانَ يُهِلُّ المُهِلُّ مِنّا فَلا يُنكَرُ عَلَيهِ، ويُكَبِّرُ المُكَبِّرُ مِنّا فَلا يُنكَرُ عَلَيهِ.
-في الحديث جواز الأمرين: التلبية والتكبير، وذلك بإقرار النبيﷺ لهم على ذلك، مع أن التلبية أفضل في الحج والعمرة إلى وقت قطعها.

١٠٨٦. (م) (١٢٨٤) عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: غَدَونا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ مِن مِنىً إلى عَرَفاتٍ، مِنّا المُلبِّي ومِنّا المُكَبِّر. وفي رواية زادَ: فَأَمّا نَحنُ فَنُكَبِّرُ.

١ كان الصحابة يقومون بـ(…) في طريقهم من منى إلى عرفات

٥/٠