باب: فِـي ذِكْرِ سِدْرَةِ الـمُنْتَهى


١١٢. (م) (١٧٣) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قالَ: لَمّا أُسرِيَ بِرَسُولِ اللهِ ﷺ انتُهِيَ بِهِ إلى سِدرَةِ المُنتَهى، وهِيَ فِي السَّماءِ السّادِسَةِ، إلَيها يَنتَهِي ما يُعرَجُ بِهِ مِنَ الأَرضِ فَيُقبَضُ مِنها، وإلَيها يَنتَهِي ما يُهبَطُ بِهِ مِن فَوقِها فَيُقبَضُ مِنها. قالَ: ﴿إذْ يَغْشى السِّدْرَةَ ما يَغْشى﴾ [النجم: ١٦]، قالَ: فَراشٌ مِن ذَهَبٍ. قالَ: فَأُعطِيَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ثَلاثًا: أُعطِيَ الصَّلَواتِ الخَمسَ، وأُعطِيَ خَواتِيمَ سُورَةِ البَقَرَةِ، وغُفِرَ لِمَن لَم يُشرِك بِاللهِ مِن أُمَّتِهِ شَيئًا المُقحِماتُ.
-"فأعطي رسول الله ﷺ تلك الليلة ثلاثًا من الجوائز والعطايا؛ وسميت جائزة باعتبار ما يترتب عليها من الثواب الجسيم" (محمد الأمين الشافعي).
-"وأما خواتيم سورة البقرة فإنها من عتيد النعم، لأنها ليس في القرآن ما اتصلت فيه الأدعية أكثر منها لأنه قال سبحانه فيها:﴿ ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به...﴾ إلى آخر الآية، فجمعت الاستعاذة من النسيان والخطأ وحمل الإصر وإن كان حمله من كان قبلنا، والاستعاذة من تحمل ما لا طاقة لنا به ثم طلب العفو وإرداف ذلك بطلب المغفرة، ثم بسؤال الرحمة ثم ختم ذلك كله بسؤال النصر على القوم الكافرين، وكأن الله تعالى بإنزال هذا علمهم أن ادعوني بكذا وكذا، أفيظن ظانّ أن الله تعالى لقّننا هذا الدعاء لندعوه به إلا وهو سبحانه يجيب حتمًا؟، إن الله على ما يشاء قدير" (يحيى بن هبيرة).

باب: ذِكْرُ النَّبِيِّ ﷺ الأَنْبِياءَ ﵈


١١٣. (خ م) (١٦٥) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَرَرتُ لَيلَةَ أُسرِيَ بِي عَلى مُوسى بْنِ عِمرانَ ﵇؛ رَجُلٌ آدَمُ طُوالٌ جَعدٌ كَأَنَّهُ مِن رِجالِ شَنُوءَةَ، ورَأَيتُ عِيسى ابنَ مَريَمَ مَربُوعَ الخَلقِ إلى الحُمرَةِ والبَياضِ سَبِطَ الرَّأسِ». وأُرِيَ مالِكًا خازِنَ النّارِ والدَّجّال، فِي آياتٍ أراهُنَّ اللهُ إيّاهُ: ﴿فَلا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقائِهِ﴾ [السجدة: ٢٣]. (قالَ: كانَ قَتادَةُ يُفَسِّرُها: أنَّ نَبِيَّ اللهِ ﷺ قَد لَقِيَ مُوسى ﵇.
ولهما عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال: «أمّا إبراهِيمُ فانظُرُوا إلى صاحِبِكُم، وأمّا مُوسى؛ فَرَجُلٌ آدمُ جَعْدٌ عَلى جَمَلٍ أحمَرَ مَخطُومٍ بِخُلْبَةٍ، كَأنِّي أنظُرُ إليهِ إذا انحَدَرَ فِي الوادِي يُلبِّي».
ورَوى (م) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «مَرَرتُ عَلى مُوسى لَيلَةَ أُسرِيَ بِي عِنْدَ الكَثِيبِ الأحمَرِ، وهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبرِهِ».
١١٤. (خ م) (١٦٨) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «حِينَ أُسرِيَ بِي لَقِيتُ مُوسى». فَنَعَتَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «فَإذا رَجُلٌ حَسِبتُهُ قالَ: مُضطَرِبٌ، رَجِلُ الرَّأسِ، كَأَنَّهُ مِن رِجالِ شَنُوءَةَ، قالَ: ولَقِيتُ عِيسى». فَنَعَتَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «فَإذا رَبعَةٌ أحمَرُ كَأَنَّما خَرَجَ مِن دِيماسٍ يَعنِي حَمّامًا، قالَ: ورَأَيتُ إبراهِيمَ صَلَواتُ اللهِ عَلَيهِ وأَنا أشبَهُ ولَدِهِ بِهِ، قالَ: فَأُتِيتُ بِإناءَينِ فِي أحَدِهِما لَبَنٌ وفِي الآخَرِ خَمرٌ؛ فَقِيلَ لِي: خُذ أيَّهُما شِئتَ. فَأَخَذتُ اللَّبَنَ فَشَرِبتُهُ، فَقالَ: هُدِيتَ الفِطرَةَ أو أصَبتَ الفِطرَةَ، أمّا إنَّكَ لَو أخَذتَ الخَمرَ غَوَت أُمَّتُكَ».
ورَوى (خ) عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ النَّبيُّ ﷺ: «رَأيتُ عِيسى ومُوسى وإبراهِيمَ، فَأَمّا عِيسى فَأحمَرُ جَعْدٌ عَرِيضُ الصَّدرِ، وأمّا مُوسى فَآدَمُ جَسِيمٌ سبْطُ كأَنَّهُ مِن رِجالِ الزُّطِّ».
-(لو أخذت الخمر غوت أمتك) دليل على تحريم الخمر؛ لأن الغي محرم، وفى هذا دليل على أن الأقدار عند الله بشروط، متى وقعت الشروط وقعت الأقدار، ومتى لم تقع الشروط لم يوقع الله تلك الأقدار على ما سبق من هدايته لعبده إلى تلك الشروط أو لغيرها من الأفعال التي أراد أن ينفذها عليه من هدى أو ضلال (ابن بطال).
-الحمد لله فيه استحباب حمد الله عند تجدد النعم وحصول ما كان الإنسان يتوقع حصوله واندفاع ما كان يخاف وقوعه (النووي).
-اختار اللبن لكونه مألوفا له سهلا طيبا طاهرا سائغا للشاربين سليم العاقبة بخلاف الخمر في جميع ذلك (ابن حجر).
-يؤخذ من عرض الآنية عليه صلى الله عليه وسلم إرادة إظهار التيسير عليه وإشارة إلى تفويض الأمور إليه (ابن حجر).
-أخذت الفطرة: أي الفطرة الأصلية التي فُطِر الناس عليها، وجعل اللبن علامة لذلك لأنه من أصلح الأغذية وأول ما به حصلت التربية (الطيبي).

١١٥. (خ م) (١٦٩) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ﵄؛ ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَومًا بَينَ ظَهرانَي النّاسِ المَسِيحَ الدَّجّال فَقالَ: «إنَّ اللهَ تَبارَكَ وتَعالى لَيسَ بِأَعوَرَ، ألا إنَّ المَسِيحَ الدَّجّالَ أعوَرُ عَينِ اليُمنى، كَأَنَّ عَينَهُ عِنَبَةٌ طافِيَةٌ». قالَ: وقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أرانِي اللَّيلَةَ فِي المَنامِ عِنْدَ الكَعبَةِ، فَإذا رَجُلٌ آدَمُ كَأَحسَنِ ما تَرى مِن أُدمِ الرِّجالِ، تَضرِبُ لِمَّتُهُ بَينَ مَنكِبَيهِ، رَجِلُ الشَّعرِ يَقطُرُ رَأسُهُ ماءً، واضِعًا يَدَيهِ عَلى مَنكِبَي رَجُلَينِ وهُوَ بَينَهُما يَطُوفُ بِالبَيتِ، فَقُلتُ: مَن هَذا؟ فَقالُوا: المَسِيحُ ابنُ مَريَمَ. ورَأَيتُ وراءَهُ رَجُلًا جَعدًا قَطَطًا، أعوَرَ عَينِ اليُمنى، كَأَشبَهِ مَن رَأَيتُ مِن النّاسِ بِابنِ قَطَنٍ، واضِعًا يَدَيهِ عَلى مَنكِبَي رَجُلَينِ يَطُوفُ بِالبَيتِ، فَقُلتُ: مَن هَذا؟ قالُوا: هَذا المَسِيحُ الدَّجّالُ». وفي رواية: «فَإذا رَجُلٌ أحمَرُ جَسِيمٌ ...». [أي: الدَّجّال].
١١٦. (م) (١٦٦) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ مَرَّ بِوادِي الأَزرَقِ، فَقالَ: «أيُّ وادٍ هَذا؟» فَقالُوا: هَذا وادِي الأَزرَقِ. فقالَ: «كَأَنِّي أنظُرُ إلى مُوسى ﵇ هابِطًا مِنَ الثَّنِيَّةِ ولَهُ جُؤارٌ إلى اللهِ بِالتَّلبِيةِ». ثُمَّ أتى عَلى ثَنِيَّةِ هَرشى، فَقالَ: «أيُّ ثَنِيَّةٍ هَذِهِ؟» قالُوا: ثَنِيَّةُ هَرشى. قالَ: «كَأَنِّي أنظُرُ إلى يُونُسَ بْنِ مَتّى ﵇ عَلى ناقَةٍ حَمراءَ جَعدَةٍ عَلَيهِ جُبَّةٌ مِن صُوفٍ، خِطامُ ناقَتِهِ خُلبَةٌ، وهُوَ يُلَبِّي».
وفي رواية: قالَ: فَقالَ: «أيُّ وادٍ هَذا؟» فَقالُوا: وادِي الأَزرَقِ. فَقالَ: «كَأَنِّي أنظُرُ إلى مُوسى ﵇ واضِعًا إصبَعَيهِ فِي أُذُنَيهِ، لَهُ جُؤارٌ إلى اللهِ بِالتَّلبِيَةِ، مارًّا بِهَذا الوادِي» ....
-فيه من الفقه التلبية ببطن المسيل؛ وأنه من سنن المرسلين وشرائعهم (القاضي عياض).
-وفيه إشعار بأن الحج من شعائر الله، ومن شعائر أنبيائه أحياء وأمواتا، فيفيد الترغيب في قصد الحج وما يتعلق به من التلبية الدالة على التوحيد، والهيئة الإحرامية المشعرة إلى التجريد والتفريد، والله ﷾ أعلم (علي بن الملا القاري).

باب: رُؤْيَةُ النَّبِيِّ ﷺ جِبْرِيلَ ﵇


١١٧. (خ م) (١٧٤) عَنِ الشَّيْبانِيِّ قالَ: سَأَلتُ زِرَّ بنَ حُبَيشٍ عَن قَولِ اللهِ ﷿: ﴿فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنى﴾ [النجم: ٩]. قالَ: أخبَرَنِي ابنُ مَسْعُودٍ؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَأى جِبرِيلَ لَهُ سِتُّ مِائَةِ جَناحٍ.
-لجبريل صورة خاصة خلق عليها لم يره رسول الله ﷺ في تلك الصورة الخلقية إلا هذه المرة، ومرة أخرى أيضا، وأما في غير هذه فكان يتشكل كصورة دحية الكلبي وغيرها (الكرماني).

باب: هَلْ رَأى النَّبِيُّ ﷺ رَبَّهُ؟


١١٨. (خ م) (١٧٧) عَنْ مَسْرُوقٍ قالَ: كُنتُ مُتَّكِئًا عِنْدَ عائِشَةَ ﵂، فَقالَت: يا أبا عائِشَةَ؛ ثَلاثٌ مَن تَكَلَّمَ بِواحِدَةٍ مِنهُنَّ فَقَد أعظَمَ عَلى اللهِ الفِريَةَ. قُلتُ: ما هُنَّ؟ قالَت: مَن زَعَمَ أنَّ مُحَمَّدًا ﷺ رَأى رَبَّهُ فَقَد أعظَمَ عَلى اللهِ الفِريَةَ. (قالَ: وكُنتُ مُتَّكِئًا فَجَلَستُ، فَقُلتُ: يا أُمَّ المُؤمِنِينَ؛ أنظِرِينِي ولا تَعجَلِينِي، ألَم يَقُل اللهُ ﷿: ﴿ولَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ المُبِينِ﴾ [التكوير: ٢٣]، ﴿ولَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى﴾ [النجم: ١٣]؟ فَقالَت: أنا أوَّلُ هَذِهِ الأُمَّةِ سَأَلَ عَن ذَلكَ رَسُولَ اللهِ ﷺ) فَقالَ: «إنَّما هُوَ جِبرِيلُ؛ لَم أرَهُ عَلى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيها غَيرَ هاتَينِ المَرَّتَينِ، رَأَيتُه مُنهَبِطًا مِن السَّماءِ، سادًّا عِظَمُ خَلقِهِ ما بَينَ السَّماءِ إلى الأَرضِ». فَقالَت: أوَلَم تَسمَع أنَّ اللهَ يَقُولُ: ﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصارُ وهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصارَ وهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ﴾ [الأنعام: ١٠٣]، أوَلَم تَسمَع أنَّ اللهَ يَقُولُ: ﴿وما كانَ لِبَشَرٍ أن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلاَّ وحْيًا أوْ مِن وراءِ حِجابٍ أوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإذْنِهِ ما يَشاءُ إنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [الشورى: ٥١]. قالَت: ومَن زَعَمَ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَتَمَ شَيئًا مِن كِتابِ اللهِ فَقَد أعظَمَ عَلى اللهِ الفِريَةَ، واللهُ يَقُولُ: ﴿ياأَيُّها الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنزِلَ إلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وإن لَّمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ﴾ [المائدة: ٦٧]. قالَت: ومَن زَعَمَ أنَّهُ يُخبِرُ بِما يَكُونُ فِي غَدٍ فَقَد أعظَمَ عَلى اللهِ الفِريَةَ، واللهُ يَقُولُ: ﴿قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَواتِ والأَرْضِ الغَيْبَ إلاَّ اللَّهُ﴾ [النمل: ٦٥].
وفي رواية: قالَت: ولَو كانَ مُحَمَّدٌ ﷺ كاتِمًا شَيئًا مِمّا أُنزِلَ عَليهِ لَكَتَمَ هَذهِ الآيةَ: ﴿وإذْ تَقُولُ لِلَّذِي أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ واتَّقِ اللَّهَ وتُخْفِي فِي نَفْسِكَ ما اللَّهُ مُبْدِيهِ وتَخْشى النّاسَ واللَّهُ أحَقُّ أن تَخْشاهُ﴾ [الأحزاب: ٣٧]. رَوى (خ) نَحوُ هَذِهِ الرِّوايةِ عَن أنَسٍ ﵁.
وفي رِوايَةِ (خ): ومَن حَدَّثَكَ أنَّهُ يَعلَمُ ما فِي غَدٍ فَقَد كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَت ﴿وما تَدْرِي نَفْسٌ مّاذا تَكْسِبُ غَدًا﴾ [لقمان: ٣٤].
وفي رواية (م) هِيَ لَفظُ (خ): عَن مَسرُوقٍ قالَ: سَأَلتُ عائِشةَ: هَل رَأى مُحمدٌ ﷺ رَبَّهُ؟ فَقالَت: سُبحانَ الله، لَقَد قَفَّ شَعرِي لِما قُلتَ ... نَحوَ الحَدِيث.
-عظم خلق جبريل ﵇ وأن الرسول ﷺ رآه في صورته التي خلقه الله عليها (موسى لاشين).
-جواز قول المستدل بآية من القرآن: إن الله ﷿ يقول (موسى لاشين).

١١٩. (م) (١٧٦) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: ﴿ما كَذَبَ الفُؤادُ ما رَأى﴾ [النجم: ١١] ﴿ولَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى﴾ [النجم: ١٣] قالَ: رَآهُ بِفُؤادِهِ مَرَّتَين.
١٢٠. (م) (١٧٨) عَنْ أبِي ذَرٍّ ﵁ قالَ: سَأَلتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ: هَل رَأَيتَ رَبَّكَ؟ قالَ: «نُورٌ أنّى أراهُ». وفي رواية: قالَ أبُو ذَرٍّ: قَد سَأَلتُ، فَقالَ: «رَأَيتُ نُورًا».
١٢١. (م) (١٧٩) عَنْ أبِي مُوسى الأَشْعَرِيِّ ﵁ قالَ: قامَ فِينا رَسُولُ اللهِ ﷺ بِخَمسِ كَلِماتٍ فَقالَ: «إنَّ اللهَ ﷿ لا يَنامُ ولا يَنبَغِي لَهُ أن يَنامَ، يَخفِضُ القِسطَ ويَرفَعُهُ، يُرفَعُ إلَيهِ عَمَلُ اللَّيلِ قَبلَ عَمَلِ النَّهارِ، وعَمَلُ النَّهار قَبلَ عَمَلِ اللَّيلِ، حِجابُهُ النُّورُ، لَو كَشَفَهُ لأَحرَقَت سُبُحاتُ وجهِهِ ما انتَهى إلَيهِ بَصَرُهُ مِن خَلقِهِ». وفي رواية: «حِجابُه النّار».
-بيان لمسارعة الملائكة الموكلين برفع أعمال النهار بعد العصر، والليل بعد الصبح، وأنهم يقطعون في هذا الزمن القليل تلك المسافة الطويلة التي تزيد على سبعة آلاف سنة على ما رُوي: أن مسيرة ما بين الأرض والسماء الدنيا خمسمائة سنة، وما بين كل سماءين كذلك، وسمك كل سماء كذلك (ابن حجر).
-وفي هذا إثبات الصراط ومذهب أهل الحق إثباته، وقد أجمع السلف على إثباته، وهو جسر على متن جهنم يمر عليه الناس كلهم؛ فالمؤمنون ينجون على حسب حالهم أي منازلهم، والآخرون يسقطون فيها أعاذنا الله الكريم منها (النووي).
-كمال شفقة الرسل ورحمتهم، حيث تكون دعوتهم: يا رب سلِّم، سلِّم (موسى لاشين).
-وأن الدعوات تكون بحسب المواطن، فيدعي في كل موطن بما يليق به (موسى لاشين).
-إنما خص الشمس والقمر بالذكر مع أن رؤية السماء بغير سحاب أكبر آية وأعظم خلقا من مجرد الشمس والقمر لما خصا به من عظيم النور والضياء بحيث صار التشبيه بهما فيمن يوصف بالجمال والكمال سائغا شائعا في الاستعمال"(الزين بن المنير).
-جواز مخاطبة الشخص بما لا تدرك حقيقته وجواز التعبير عن ذلك بما يفهمه(ابن أبي جمرة).
- أن الأمور التي في الآخرة لا تشبه بما في الدنيا إلا في الأسماء والأصل مع المبالغة في تفاوت الصفة والاستدلال على العلم الضروري بالنظري (ابن أبي جمرة).
-أن التكليف لا ينقطع إلا بالاستقرار في الجنة أو النار، وأن امتثال الأمر في الموقف يقع بالاضطرار (ابن أبي جمرة).
- فيه فضيلة الإيمان لأنه لما تلبس به المنافق ظاهرا بقيت عليه حرمته إلى أن وقع التمييز بإطفاء النور وغير ذلك (ابن أبي جمرة).
-أن الصراط مع دقته وحدته يسع جميع المخلوقين منذ آدم إلى قيام الساعة (ابن أبي جمرة).
-وفيه أن النار مع عظمها وشدتها لا تتجاوز الحد الذي أُمِرت بإحراقه (ابن أبي جمرة).
-الآدمي مع حقارة جرمه يقدم على المخالفة ففيه معنى شديد من التوبيخ (ابن أبي جمرة).
-فيه فضل الدعاء وقوة الرجاء في إجابة الدعوة ولو لم يكن الداعي أهلاً لذلك في ظاهر الحكم لكن فضل الكريم واسع (ابن أبي جمرة).
-في قوله في آخره في بعض طرقه: (ما أغدرك) إشارة إلى أن الشخص لا يوصف بالفعل الذميم إلا بعد أن يتكرر ذلك منه (ابن أبي جمرة).
-وفيه إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة (ابن أبي جمرة).

باب: رُؤْيَةُ اللهِ جَلَّ جَلالُهُ فـِي الآخِرَةِ


١٢٢. (خ م) (١٨٢) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ ناسًا قالُوا لِرَسُولِ اللهِ ﷺ: يا رَسُولَ اللهِ؛ هَل نَرى رَبَّنا يَومَ القِيامَةِ؟ فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «هَل تُضارُّونَ فِي رُؤيَةِ القَمَرِ لَيلَةَ البَدرِ؟» قالُوا: لا يا رَسُولَ اللهِ. قالَ: «هَل تُضارُّونَ فِي الشَّمسِ لَيسَ دُونَها سَحابٌ؟» قالُوا: لا يا رَسُولَ اللهِ. قالَ: «فَإنَّكُم تَرَونَهُ كَذَلكَ، يَجمَعُ اللهُ النّاسَ يَومَ القِيامَةِ فَيَقُولُ: مَن كانَ يَعبُدُ شَيئًا فَليَتَّبِعهُ، فَيَتَّبِعُ مَن كانَ يَعبُدُ الشَّمسَ الشَّمسَ، ويَتَّبِعُ مَن كانَ يَعبُدُ القَمَرَ القَمَرَ، ويَتَّبِعُ مَن كانَ يَعبُدُ الطَّواغِيتَ الطَّواغِيتَ، وتَبقى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيها مُنافِقُوها، فَيَأتِيهِم اللهُ تَبارَكَ وتَعالى فِي صُورَةٍ غَيرِ صُورَتِهِ الَّتِي يَعرِفُون، فَيَقُولُ: أنا رَبُّكُم. فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ باللهِ مِنكَ، هَذا مَكانُنا حَتّى يَأتِيَنا رَبُّنا، فَإذا جاءَ رَبُّنا عَرَفناهُ. فَيَأتِيهِم اللهُ تَعالى فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعرِفُونَ فَيَقُولُ: أنا رَبُّكُم. فَيَقُولُونَ: أنتَ رَبُّنا. فَيَتَّبِعُونَهُ، ويُضرَبُ الصِّراطُ بَينَ ظَهرَي جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أنا وأُمَّتِي أوَّلَ مَن يُجِيزُ، ولا يَتَكَلَّمُ يَومَئِذٍ إلا الرُّسُلُ، ودَعوى الرُّسُلِ يَومَئِذٍ: اللَّهُمّ سَلِّم سَلِّم، وفِي جَهَنَّمَ كَلالِيبُ مِثلُ شَوكِ السَّعدانِ؛ هَل رَأَيتُم السَّعدانَ؟» قالُوا: نَعَم يا رَسُولَ اللهِ. قالَ: «فَإنَّها مِثلُ شَوكِ السَّعدانِ، غَيرَ أنَّهُ لا يَعلَمُ ما قَدرُ عِظَمِها إلا اللهُ، تَخطَفُ النّاسَ بِأَعمالِهِم، فَمِنهُم المُوبَقُ بِعَمَلِهِ، ومِنهُم المُجازى حَتّى يُنَجّى، حَتّى إذا فَرَغَ اللهُ مِن القَضاءِ بَينَ العِبادِ، وأَرادَ أن يُخرِجَ بِرَحمَتِهِ مَن أرادَ مِن أهلِ النّارِ، أمَرَ المَلائِكَةَ أن يُخرِجُوا مِن النّارِ مَن كانَ لا يُشرِكُ باللهِ شَيئًا مِمَّن أرادَ اللهُ تَعالى أن يَرحَمَهُ مِمَّن يَقُولُ لا إلَهَ إلا اللهُ، فَيَعرِفُونَهُم فِي النّار، يَعرِفُونَهُم بِأَثَرِ السُّجُودِ، تَأكُلُ النّارُ مِن ابْنِ آدَمَ إلا أثَرَ السُّجُودِ، حَرَّمَ اللهُ عَلى النّارِ أن تَأكُلَ أثَرَ السُّجُودِ، فَيُخرَجُونَ مِن النّارِ وقَد امتَحَشُوا، فَيُصَبُّ عَلَيهِم ماءُ الحَياةِ، فَيَنبُتُونَ مِنهُ كَما تَنبُتُ الحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيلِ، ثُمَّ يَفرُغُ اللهُ تَعالى مِن القَضاءِ بَينَ العِبادِ، ويَبقى رَجُلٌ مُقبِلٌ بِوَجهِهِ عَلى النّارِ، وهُوَ آخِرُ أهلِ الجَنَّةِ دُخُولًا الجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أي رَبِّ؛ اصرِف وجهِي عَنِ النّارِ، فَإنَّهُ قَد قَشَبَنِي رِيحُها، وأَحرَقَنِي ذَكاؤُها. فَيَدعُو اللهَ ما شاءَ اللهُ أن يَدعُوَهُ، ثُمَّ يَقُولُ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى: هَل عَسَيتَ إن فَعَلتُ ذَلكَ بِكَ أن تَسأَلَ غَيرَهُ؟ فَيَقُولُ: لا أسأَلُكَ غَيرَهُ. ويُعطِي رَبَّهُ مِن عُهُودٍ ومَواثِيقَ ما شاءَ اللهُ، فَيَصرِفُ اللهُ وجهَهُ عَنِ النّارِ، فَإذا أقبَلَ عَلى الجَنَّةِ ورَآها سَكَتَ ما شاءَ اللهُ أن يَسكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أي رَبِّ؛ قَدِّمنِي إلى بابِ الجَنَّةِ. فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: ألَيسَ قَد أعطَيتَ عُهُودَكَ ومَواثِيقَكَ لا تَسأَلُنِي غَيرَ الَّذِي أعطَيتُكَ؛ ويلَكَ يا ابنَ آدَمَ ما أغدَرَكَ! فَيَقُولُ: أي رَبِّ؛ ويَدعُو اللهَ حَتّى يَقُولَ لَهُ: فَهَل عَسَيتَ إن أعطَيتُكَ ذَلكَ أن تَسأَلَ غَيرَهُ؟ فَيَقُولُ: لا وعِزَّتِكَ. فَيُعطِي رَبَّهُ ما شاءَ اللهُ مِن عُهُودٍ ومَواثِيقَ، فَيُقَدِّمُهُ إلى بابِ الجَنَّةِ، فَإذا قامَ عَلى بابِ الجَنَّةِ، انفَهَقَت لَهُ الجَنَّة فَرَأى ما فِيها مِن الخَيرِ والسُّرُورِ، فَيَسكُتُ ما شاءَ اللهُ أن يَسكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أي رَبِّ؛ أدخِلنِي الجَنَّةَ. فَيَقُولُ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى لَهُ: ألَيسَ قَد أعطَيتَ عُهُودَكَ ومَواثِيقَك أن لا تَسأَلَ غَيرَ ما أُعطِيتَ؛ ويلَكَ يا ابنَ آدَمَ ما أغدَرَكَ! فَيَقُولُ: أي رَبِّ؛ لا أكُونُ أشقى خَلقِكَ. فَلا يَزالُ يَدعُو اللهَ حَتّى يَضحَكَ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى مِنهُ، فَإذا ضَحِكَ اللهُ مِنهُ قالَ: ادخُل الجَنَّةَ. فَإذا دَخَلَها قالَ اللهُ لَهُ: تَمَنَّه. فَيَسأَلُ رَبَّهُ ويَتَمَنّى، حَتّى إنَّ اللهَ لَيُذَكِّرُهُ مِن كَذا وكَذا، حَتّى إذا انقَطَعَت بِهِ الأمانِيُّ قالَ اللهُ تَعالى: ذَلكَ لَكَ ومِثلُهُ مَعَهُ». قالَ عَطاءُ بنُ يَزِيدَ: وأَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ مَعَ أبِي هُرَيْرَةَ لا يَرُدُّ عَلَيهِ مِن حَدِيثِهِ شَيئًا، حَتّى إذا حَدَّثَ أبُو هُرَيْرَةَ: إنَّ اللهَ قالَ لِذَلكَ الرَّجُلِ: «ومِثلُهُ مَعَهُ». قالَ أبُو سَعِيدٍ: «وعَشَرَةُ أمثالِهِ مَعَهُ» يا أبا هُرَيْرَةَ. قالَ أبُو هُرَيْرَةَ: ما حَفِظتُ إلا قَولَهُ: «ذَلكَ لَكَ ومِثلُهُ مَعَهُ». قالَ أبُو سَعِيدٍ: أشهَدُ أنِّي حَفِظتُ مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ قَولَهُ: «ذَلكَ لَكَ وعَشَرَةُ أمثالِهِ». قالَ أبُو هُرَيْرَةَ: وذَلكَ الرَّجُلُ آخِرُ أهلِ الجَنَّةِ دُخُولًا الجَنَّةَ.
١٢٣. (خ م) (١٨٠) عَنْ أبِي مُوسى ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «جَنَّتانِ مِن فِضَّةٍ آنِيَتُهُما وما فِيهِما، وجَنَّتان مِن ذَهَبٍ آنِيَتُهُما وما فِيهِما، وما بَينَ القَومِ وبَينَ أن يَنظُرُوا إلى رَبِّهِم إلا رِداءُ الكِبرِياءِ عَلى وجهِهِ فِي جَنَّةِ عَدنٍ».
١٢٤. (م) (١٨١) عَنْ صُهَيْبٍ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «إذا دَخَلَ أهلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، قالَ: يَقُولُ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى: تُرِيدُونَ شَيئًا أزِيدُكُم؟ فَيَقُولُونَ: ألَم تُبَيِّض وُجُوهَنا؟ ألَم تُدخِلنا الجَنَّةَ وتُنَجِّنا مِنَ النّارِ؟ قالَ: فَيَكشِفُ الحِجابَ، فَما أُعطُوا شَيئًا أحَبَّ إلَيهِم مِنَ النَّظَرِ إلى رَبِّهِم ﷿». وفي رواية: ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: ﴿لِّلَّذِينَ أحْسَنُواْ الحُسْنى وزِيادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦].
-قوله:(ألم تبيض وجوهنا؟) تقرير وتعجيب من أنه كيف يمكن الزيادة على ما أعطاهم الله من سعة فضله وكرمه (الطيبي).

باب: الشَّفاعَةُ وخُرُوجُ الـمُوَحِّدِينَ مِنَ النّارِ


١٢٥. (خ م) (١٩١) عَنْ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ قالَ: قُلتُ لِعَمرِو بْنِ دِينارٍ: أسَمِعتَ جابِرَ بنَ عَبْدِ اللهِ ﵄ يُحَدِّثُ عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ: «إنَّ اللهَ يُخرِجُ قَومًا مِن النّارِ بِالشَّفاعَةِ»؟ قالَ: نَعَم. زادَ (خ): «... كَأَنَّهُم الثَّعارِير»، قُلتُ [حَمّادُ]: ما الثَّعارِير؟ قالَ: الضَغابِيس. وكانَ قَد سَقَطَ فَمُهُ.
ورَوى (م) عَنْ يَزِيدَ الفَقِيرِ، عَنْ جابِرٍ ﵁ مَرْفُوعًا: «إنّ قَومًا يَخرُجُونَ مِن النّارِ يَحتَرِقُونَ فِيها إلا داراتِ وجُوهِهِم حَتّى يّدخُلُونَ الجَنَّةَ».
 -(وكان عمرو قد سقط فمه): أي سقطت أسنانه (ابن حجر).
-جاءت الأحاديث بإثبات الشفاعة المحمدية متواترة (العيني).

١٢٦. (خ م) (١٨٦) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنِّي لأعلَمُ آخِرَ أهلِ النّارِ خُرُوجًا مِنها وآخِرَ أهلِ الجَنَّةِ دُخُولًا الجَنَّةَ؛ رَجُلٌ يَخرُجُ مِن النّارِ حَبوًا، فَيَقُولُ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى لَهُ: اذهَب فادخُل الجَنَّةَ. فَيَأتِيها فَيُخَيَّلُ إلَيهِ أنَّها مَلأى، فَيَرجِعُ فَيَقُولُ: يا رَبِّ؛ وجَدتُها مَلأى. فَيَقُولُ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى لَهُ: اذهَب فادخُل الجَنَّةَ. قالَ: فَيَأتِيها فَيُخَيَّلُ إلَيهِ أنَّها مَلأى، فَيَرجِعُ فَيَقُولُ: يا رَبِّ؛ وجَدتُها مَلأى، فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: اذهَب فادخُل الجَنَّةَ، فَإنَّ لَكَ مِثلَ الدُّنيا وعَشَرَةَ أمثالِها أو إنَّ لَكَ عَشَرَةَ أمثالِ الدُّنيا. قالَ: فَيَقُولُ: أتَسخَرُ بِي أو أتَضحَكُ بِي وأَنتَ المَلِكُ؟!» قالَ: لَقَد رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ ضَحِكَ حَتّى بَدَت نَواجِذُهُ، قالَ: فَكانَ يُقالُ: ذاكَ أدنى أهلِ الجَنَّةِ مَنزِلَةً.
ورَوى (م) عَن أبِي سَعِيدٍ نَحوَ حَدِيثِ أنَسٍ عَن ابْنِ مَسْعُودٍ، وفِي آخِرِهِ قالَ: «ثُمَّ يَدخُلُ بَيتَهُ فَتَدخُلُ عَلَيهِ زَوْجَتاهُ مِن الحَوْرِ العَينِ فَتَقُولانِ لَه: الحَمدُ للهِ الَّذِي أحياكَ لَنا وأَحيانا لَكَ، قالَ: فَيَقُولُ: ما أُعطِيَ أحَدٌ مِثلَما أُعطِيتُ».
- قوله: أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ يحتمل أن يكون هذا القول صدر من هذا الرجل عند غلبة الفرح عليه، واستحقاقه إياه فغلط، ويحتمل أن يكون معناه: أتجازيني على ما كان مني في الدنيا من الاستهزاء والسخرية بأعمالي، وقلة احتفالي بها، فيكون هذا على جهة المقابلة، كما قال تعالى:﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ ، ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ﴾ (القرطبي).
-قوله: (ضحك)؛ قيل: إنما ضحك ﷺ استعجابًا وسرورًا بما رأى من كمال رحمته تعالى ولطفه على عبده المذنب وكمال الرضا عنه.

١٢٧. (خ م) (١٨٣) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁؛ أنَّ ناسًا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللهِ ﷺ قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ؛ هَل نَرى رَبَّنا يَومَ القِيامَةِ؟ قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «نَعَم، قالَ: هَل تُضارُّونَ فِي رُؤيَةِ الشَّمسِ بِالظَّهِيرَةِ صَحوًا لَيسَ مَعَها سَحابٌ؟ وهَل تُضارُّونَ فِي رُؤيَةِ القَمَرِ لَيلَةَ البَدرِ صَحوًا لَيسَ فِيها سَحابٌ؟» قالُوا: لا يا رَسُولَ اللهِ. قالَ: «ما تُضارُّونَ فِي رُؤيَةِ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى يَومَ القِيامَةِ إلا كَما تُضارُّونَ فِي رُؤيَةِ أحَدِهِما، إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ أذَّنَ مُؤَذِّنٌ لِيَتَّبِــع كُلُّ أُمَّةٍ ما كانَت تَعبُدُ، فَلا يَبقى أحَدٌ كانَ يَعبُدُ غَيرَ اللهِ سُبحانَهُ مِن الأصنامِ والأنصابِ إلا يَتَساقَطُونَ فِي النّارِ، حَتّى إذا لَم يَبقَ إلا مَن كانَ يَعبُدُ اللهَ مِن بَرٍّ وفاجِرٍ وغُبَّرِ أهلِ الكِتابِ، فَيُدعى اليَهُودُ فَيُقالُ لَهُم: ما كُنتُم تَعبُدُونَ؟ قالُوا: كُنّا نَعبُدُ عُزَيرَ ابنَ اللهِ. فَيُقالُ: كَذَبتُم، ما اتَّخَذَ اللهُ مِن صاحِبَةٍ ولا ولَدٍ، فَماذا تَبغُونَ؟ قالُوا: عَطِشنا يا رَبَّنا؛ فاسقِنا. فَيُشارُ إلَيهِم؛ ألا تَرِدُونَ؟ فَيُحشَرُونَ إلى النّارِ كَأَنَّها سَرابٌ يَحطِمُ بَعضُها بَعضًا، فَيَتَساقَطُونَ فِي النّارِ، ثُمَّ يُدعى النَّصارى فَيُقالُ لَهُم: ما كُنتُم تَعبُدُونَ؟ قالُوا: كُنّا نَعبُدُ المَسِيحَ ابنَ اللهِ. فَيُقالُ لَهُم: كَذَبتُم، ما اتَّخَذَ اللهُ مِن صاحِبَةٍ ولا ولَدٍ. فَيُقالُ لَهُم: ماذا تَبغُونَ؟ فَيَقُولُونَ: عَطِشنا يا رَبَّنا؛ فاسقِنا. قالَ: فَيُشارُ إلَيهِم؛ ألا تَرِدُونَ؟ فَيُحشَرُونَ إلى جَهَنَّمَ كَأَنَّها سَرابٌ يَحطِمُ بَعضُها بَعضًا، فَيَتَساقَطُونَ فِي النّارِ، حَتّى إذا لَم يَبقَ إلا مَن كانَ يَعبُدُ اللهَ تَعالى مِن بَرٍّ وفاجِرٍ أتاهُم رَبُّ العالَمِينَ ﷾ (فِي أدنى صُورَةٍ مِن الَّتِي رَأَوهُ فِيها)، قالَ: فَما تَنتَظِرُونَ؟ تَتبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ ما كانَت تَعبُدُ. قالُوا: يا رَبَّنا؛ فارَقنا النّاسَ فِي الدُّنيا أفقَرَ ما كُنّا إلَيهِم، ولَم نُصاحِبهُم. (فَيَقُولُ: أنا رَبُّكُم. فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ باللهِ مِنكَ)، لا نُشرِكُ باللهِ شَيئًا مَرَّتَينِ أو ثَلاثًا. (حَتّى إنَّ بَعضَهُم لَيَكادُ أن يَنقَلِبَ)، فَيَقُولُ: هَل بَينَكُم وبَينَهُ آيَةٌ فَتَعرِفُونَهُ بِها؟ فَيَقُولُونَ: نَعَم. فَيُكشَفُ عَن ساقٍ، فَلا يَبقى مَن كانَ يَسجُدُ للهِ مِن تِلقاءِ نَفسِهِ إلا أذِنَ اللهُ لَهُ بِالسُّجُودِ، ولا يَبقى مَن كانَ يَسجُدُ اتِّقاءً ورِياءً إلا جَعَلَ اللهُ ظَهرَهُ طَبَقَةً واحِدَةً، كُلَّما أرادَ أن يَسجُدَ خَرَّ عَلى قَفاهُ، (ثُمَّ يَرفَعُونَ رُؤُوسَهُم وقَد تَحَوَّلَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوهُ فِيها أوَّلَ مَرَّةٍ، فَقالَ: أنا رَبُّكُم. فَيَقُولُونَ: أنتَ رَبُّنا.) ثُمَّ يُضرَبُ الجِسرُ عَلى جَهَنَّمَ، (وتَحِلُّ الشَّفاعَةُ)، ويَقُولُونَ: اللَّهُمَّ سَلِّم سَلِّم». قِيلَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ وما الجِسرُ؟ قالَ: «دَحضٌ مَزِلَّةٌ، فِيهِ خَطاطِيفُ وكَلالِيبُ وحَسَكٌ تَكُونُ بِنَجدٍ، فِيها شُوَيكَةٌ يُقالُ لَها: السَّعدانُ، فَيَمُرُّ المُؤمِنُونَ كَطَرفِ العَينِ وكالبَرقِ وكالرِّيحِ وكالطَّيرِ وكَأَجاوِيدِ الخَيلِ والرِّكابِ، فَناجٍ مُسَلَّمٌ، ومَخدُوشٌ مُرسَلٌ، ومَكدُوسٌ فِي نارِ جَهَنَّمَ، حَتّى إذا خَلَصَ المُؤمِنُونَ مِن النّار، فَوالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ ما مِنكُم مِن أحَدٍ بِأَشَدَّ مُناشَدَةً للهِ فِي استِقصاءِ الحَقِّ مِن المُؤمِنِينَ للهِ يَومَ القِيامَةِ لإخوانِهِم الَّذِينَ فِي النّارِ يَقُولُونَ: رَبَّنا؛ كانُوا يَصُومُونَ مَعَنا، ويُصَلُّونَ، ويَحُجُّونَ. فَيُقالُ لَهُم: أخرِجُوا مَن عَرَفتُم، فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُم عَلى النّارِ، فَيُخرِجُونَ خَلقًا كَثِيرًا، قَد أخَذَت النّارُ إلى نِصفِ ساقَيهِ، وإلى رُكبَتَيهِ، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنا؛ ما بَقِيَ فِيها أحَدٌ مِمَّن أمَرتَنا بِهِ. فَيَقُولُ: ارجِعُوا، فَمَن وجَدتُم فِي قَلبِهِ مِثقالَ دِينارٍ مِن خَيرٍ فَأَخرِجُوهُ. فَيُخرِجُونَ خَلقًا كَثِيرًا، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنا لَم نَذَر فِيها أحَدًا مِمَّن أمَرتَنا، ثُمَّ يَقُولُ: ارجِعُوا، فَمَن وجَدتُم فِي قَلبِهِ مِثقالَ نِصفِ دِينارٍ مِن خَيرٍ فَأَخرِجُوهُ. فَيُخرِجُونَ خَلقًا كَثِيرًا، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنا؛ لَم نَذَر فِيها مِمَّن أمَرتَنا أحَدًا، ثُمَّ يَقُولُ: ارجِعُوا، فَمَن وجَدتُم فِي قَلبِهِ مِثقالَ ذَرَّةٍ مِن خَيرٍ فَأَخرِجُوهُ. فَيُخرِجُونَ خَلقًا كَثِيرًا، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنا؛ لَم نَذَر فِيها خَيرًا». وكانَ أبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ يَقُولُ: إن لَم تُصَدِّقُونِي بِهَذا الحَدِيثِ فاقرَؤوا إن شِئتُم: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وإن تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها ويُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٤٠]. «فَيَقُولُ اللهُ ﷿: شَفَعَت المَلائِكَةُ، وشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وشَفَعَ المُؤمِنُونَ، ولَم يَبقَ إلا أرحَمُ الرّاحِمِينَ، فَيَقبِضُ قَبضَةً مِن النّارِ فَيُخرِجُ مِنها قَومًا (لَم يَعمَلُوا خَيرًا قَطُّ)، قَد عادُوا حُمَمًا، فَيُلقِيهِم فِي نَهَرٍ فِي أفواهِ الجَنَّةِ يُقالُ لَهُ: نَهَرُ الحَياةِ فَيَخرُجُونَ كَما تَخرُجُ الحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيلِ، ألا تَرَونَها تَكُونُ إلى الحَجَرِ أو إلى الشَّجَرِ ما يَكُونُ إلى الشَّمسِ أُصَيفِرُ وأُخَيضِرُ، وما يَكُونُ مِنها إلى الظِّلِّ يَكُونُ أبيَضَ». (فَقالُوا: يا رَسُولَ اللهِ؛ كَأَنَّكَ كُنتَ تَرعى بِالبادِيَةِ). قالَ: «فَيَخرُجُونَ كاللُّؤلُؤِ فِي رِقابِهِم الخَواتِمُ، يَعرِفُهُم أهلُ الجَنَّةِ، هَؤُلاءِ عُتَقاءُ اللهِ الَّذِينَ أدخَلَهُم اللهُ الجَنَّة بِغَيرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ ولا خَيرٍ قَدَّمُوهُ، ثُمَّ يَقُولُ: ادخُلُوا الجَنَّةَ، فَما رَأَيتُمُوهُ فَهُوَ لَكُم. (فَيَقُولُونَ: رَبَّنا؛ أعطَيتَنا ما لَم تُعطِ أحَدًا مِن العالَمِينَ. فَيَقُولُ: لَكُم عِندِي أفضَلُ مِن هَذا. فَيَقُولُونَ: يا رَبَّنا؛ أيُّ شَيءٍ أفضَلُ مِن هَذا؟ فَيَقُولُ: رِضايَ، فَلا أسخَطُ عَلَيكُم بَعدَهُ أبَدًا»). وفي رواية (خ): «فَيَقُولُ: هَل بَينَكُم وبَينَهُ آيةٌ تَعرِفُونَهُ؟ فَيقولونَ: السّاقُ. فَيَكشِفُ عَن ساقِهِ، فَيَسجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤمِنٍ».
وفي رواية (م): قالَ أبُو سَعيدٍ: بَلَغَنِي أنَّ الجِسرَ أدَقُّ مِنَ الشَّعرَةِ وأَحَدُّ مِن السَّيفِ. وفي رواية (خ): «فَيَقُولُ الجَبّارُ: بَقِيَتْ شَفاعَتِي».
ورَوى (م) عَن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «أمّا أهلُ النّارِ الذينَ هُم أهلُها فَإنّهُم لا يَمُوتُونَ فِيها ولا يَحيَونَ، ولَكِن ناسٌ أصابَتهُمُ النّارُ بِذُنُوبِهم أو قالَ: بِخَطاياهُم فَأَماتَهُم إماتَةً، حَتّى إذا كانُوا فَحمًا أُذِنَ بِالشَّفاعَةِ فَجِيء بِهِم ضَبائرَ ضَبائرَ فبُثُّوا عَلى أنهارِ الجَنَّةِ، ثُمَّ قِيلَ: يا أهلَ الجَنَّةِ أفِيضُوا عَلَيهِم، فَيَنبُتُونَ نَباتَ الحِبَّةِ تَكُونُ فِي حَمِيلِ السَّيلِ». فَقالَ رَجُلٌ مِنَ القَومِ: كَأنّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَد كانَ بِالبادِيَةِ.
ورَوى (خ) عَن أنسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «يَخرُجُ قَومٌ مِنَ النّارِ بَعدَما مَسَّهُم مِنها سَفعٌ، فَيَدخُلُونَ الجَنَّةَ، فَيُسَمِّيهِم أهلُ الجَنَّةِ الجَهَنَّمِيِّين».
ورَوى (م) عَن أبِي الزُّبَير؛ أنَّهُ سَمِعَ جابِرَ بنَ عَبْدِ اللهِ يُسأَلُ عَنِ الوُرُودِ، فَقالَ: «نَجِيءُ نَحنُ يَومَ القِيامَةِ - عَن كَذا وكَذا، انظُر أيَّ ذَلِكَ - فَوقَ النّاسِ، قالَ: فَتُدعى الأُمَمُ بِأَوثانِها وما كانَت تَعبُدُ الأَوَّلُ فالأَوَّلُ، ثُمَّ يَأتِينا رَبُّنا بَعدَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: مَن تَنظُرُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نَنظُرُ رَبَّنا، فَيَقُولُ: أنا رَبُّكُم. فَيَقُولُونَ: حَتّى نَنظُرَ إلَيكَ، فَيَتَجَلّى لَهُم يَضحَكُ قالَ: فَيَنطَلِقُ بِهِم، ويَتَّبِعُونَهُ، ويُعطى كُلُّ إنسانٍ مِنهُم مُنافِقٍ أو مُؤمِنٍ نُورًا، ثُمَّ يَتَّبِعُونَهُ، وعَلى جِسرِ جَهَنَّمَ كَلالِيبُ وحَسَكٌ تَأخُذُ مَن شاءَ اللهُ، ثُمَّ يُطفَأُ نُورُ المُنافِقِينَ، ثُمَّ يَنجُو المُؤمِنُونَ، فَتَنجُو أوَّلُ زُمرَةٍ وُجُوهُهُم كالقَمَرِ لَيلَةَ البَدرِ سَبعُونَ ألفًا لا يُحاسَبُونَ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم كَأَضوَإ نَجمٍ فِي السَّماءِ، ثُمَّ كَذَلِكَ، ثُمَّ تَحِلُّ الشَّفاعَةُ، ويَشفَعُونَ حَتّى يَخرُجَ مِنَ النّارِ مَن قالَ: لا إلَهَ إلا اللهُ وكانَ فِي قَلبِهِ مِنَ الخَيرِ ما يَزِنُ شَعِيرَةً، فَيُجعَلُونَ بِفِناءِ الجَنَّةِ، ويَجعَلُ أهلُ الجَنَّةِ يَرُشُّونَ عَلَيهِمُ الماءَ حَتّى يَنبُتُوا نَباتَ الشَّيءِ فِي السَّيلِ، ويَذهَبُ حُراقُهُ، ثُمَّ يَسأَلُ حَتّى تُجعَلَ لَهُ الدُّنيا وعَشَرَةُ أمثالِها مَعَها».
-دليل على أن المشركين الذين كانوا يعبدون في الدنيا من دون الله آلهة يتبعون ألهتهم التي كانوا يعبدون يوم القيامة، فيردنهم النار، كما قال تعالى في حق فرعون: ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ﴾ [هود:98] ويبقى من كان يعبد الله وحده ظاهراً، مؤمناً كان أو منافقاً، فهؤلاء ينظرون من كانوا يعبدونه في الدنيا، وهو الله وحده لا شريك له (ابن رجب).
-(بآثار السجود): اختلف في المراد بها، فقيل: هي الأعضاء السبعة، وهذا هو الظاهر، وقال عياض: المراد الجبهة خاصة، ويؤيد هذا ما في رواية مسلم: أن قوما يخرجون من النار يحترقون فيها إلا دارات وجوههم (العيني).

١٢٨. (خ م) (١٩٣) عن مَعبَدِ بْنِ هِلالٍ العَنَزِي قالَ: انطَلَقنا إلى أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁، وتَشَفَّعنا بِثابِتٍ، فانتَهَينا إلَيهِ وهُوَ يُصَلِّي الضُّحى، فاستَأذَنَ لَنا ثابِتٌ فَدَخَلنا عَلَيهِ، وأَجلَسَ ثابِتًا مَعَهُ عَلى سَرِيرِهِ، فَقالَ لَهُ: يا أبا حَمزَةَ؛ إنَّ إخوانَكَ مِن أهلِ البَصرَةِ يَسأَلُونَكَ أن تُحَدِّثَهُم حَدِيثَ الشَّفاعَةِ. قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدٌ ﷺ قالَ: «إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ ماجَ النّاسُ بَعضُهُم إلى بَعضٍ، فَيَأتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ لَهُ: اشفَع لِذُرِّيَّتِكَ. فَيَقُولُ: لَستُ لَها، ولَكِن عَلَيكُم بِإبراهِيمَ ﵇، فَإنَّهُ خَلِيلُ اللهِ. فَيَأتُونَ إبراهِيمَ فَيَقُولُ: لَستُ لَها، ولَكِن عَلَيكُم بِمُوسى ﵇ فَإنَّهُ كَلِيمُ اللهِ. فَيُؤتى مُوسى فَيَقُولُ: لَستُ لَها، ولَكِن عَلَيكُم بِعِيسى ﵇ فَإنَّهُ رُوحُ اللهِ وكَلِمَتُهُ. فَيُؤتى عِيسى فَيَقُولُ: لَستُ لَها، ولَكِن عَلَيكُم بِمُحَمَّدٍ ﷺ. فَأُوتى فَأَقُولُ: أنا لَها، فَأَنطَلِقُ فَأَستَأذِنُ عَلى رَبِّي فَيُؤذَنُ لِي، فَأَقُومُ بَينَ يَدَيهِ فَأَحمَدُهُ بِمَحامِدَ لا أقدِرُ عَلَيهِ الآنَ، يُلهِمُنِيهِ اللهُ، ثُمَّ أخِرُّ لَهُ ساجِدًا، فَيُقالُ لِي: يا مُحَمَّدُ؛ ارفَع رَأسَكَ، وقُل يُسمَع لَكَ، وسَل تُعطَه، واشفَع تُشَفَّع، فَأَقُولُ: رَبِّ؛ أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيُقالُ: انطَلِق فَمَن كانَ فِي قَلبِهِ مِثقالُ حَبَّةٍ مِن بُرَّةٍ أو شَعِيرَةٍ مِن إيمانٍ فَأَخرِجهُ مِنها، فَأَنطَلِقُ فَأَفعَلُ، ثُمَّ أرجِعُ إلى رَبِّي فَأَحمَدُهُ بِتِلكَ المَحامِدِ، ثُمَّ أخِرُّ لَهُ ساجِدًا، فَيُقالُ لِي: يا مُحَمَّدُ؛ ارفَع رَأسَكَ، وقُل يُسمَع لَكَ، وسَل تُعطَه، واشفَع تُشَفَّع، فَأَقُولُ: أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيُقالُ لِي: انطَلِق فَمَن كانَ فِي قَلبِهِ مِثقالُ حَبَّةٍ مِن خَردَلٍ مِن إيمانٍ فَأَخرِجهُ مِنها. فَأَنطَلِقُ فَأَفعَلُ، ثُمَّ أعُودُ إلى رَبِّي فَأَحمَدُهُ بِتِلكَ المَحامِدِ، ثُمَّ أخِرُّ لَهُ ساجِدًا، فَيُقالُ لِي: يا مُحَمَّدُ؛ ارفَع رَأسَكَ، وقُل يُسمَع لَكَ، وسَل تُعطَه، واشفَع تُشَفَّع. فَأَقُولُ: يا رَبِّ؛ أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيُقالُ لِي: انطَلِق فَمَن كانَ فِي قَلبِهِ أدنى أدنى أدنى مِن مِثقالِ حَبَّةٍ مِن خَردَلٍ مِن إيمانٍ فَأَخرِجهُ مِن النّارِ. فَأَنطَلِقُ فَأَفعَلُ». هَذا حَدِيثُ أنَسٍ الَّذِي أنبَأَنا بِهِ، فَخَرَجنا مِن عِندِهِ فَلَمّا كُنّا بِظَهرِ الجَبّانِ قُلنا: لَو مِلنا إلى الحَسَنِ فَسَلَّمنا عَلَيهِ، وهُوَ مُستَخفٍ فِي دارِ أبِي خَلِيفَةَ، قالَ: فَدَخَلنا عَلَيهِ فَسَلَّمنا عَلَيهِ، فَقُلنا: يا أبا سَعِيدٍ؛ جِئنا مِن عِندِ أخِيكَ أبِي حَمزَةَ، فَلَم نَسمَع مِثلَ حَدِيثٍ حَدَّثَناهُ فِي الشَّفاعَةِ. قالَ: هِيَهِ. فَحَدَّثناهُ الحَدِيثَ، فَقالَ: هِيَهِ. قُلنا: ما زادَنا. قالَ: قَد حَدَّثَنا بِهِ مُنذُ عِشرِينَ سَنَةً وهُوَ يَومَئِذٍ جَمِيعٌ، ولَقَد تَرَكَ شَيئًا؛ ما أدرِي أنَسِيَ الشَّيخُ أو كَرِهَ أن يُحَدِّثَكُم فَتَتَّكِلُوا؟ قُلنا لَهُ: حَدِّثنا فَضَحِكَ، وقالَ: ﴿خُلِقَ الإنسانُ مِن عَجَلٍ﴾ [الأنبياء: ٣٧]، ما ذَكَرتُ لَكُم هَذا إلا وأَنا أُرِيدُ أن أُحَدِّثَكُمُوهُ: «ثُمَّ أرجِعُ إلى رَبِّي فِي الرّابِعَةِ فَأَحمَدُهُ بِتِلكَ المَحامِدِ، ثُمَّ أخِرُّ لَهُ ساجِدًا، فَيُقالُ لِي: يا مُحَمَّدُ؛ ارفَع رَأسَكَ، وقُل يُسمَع لَكَ، وسَل تُعطَ، واشفَع تُشَفَّع. فَأَقُولُ: يا رَبِّ؛ ائذَن لِي فِيمَن قالَ لا إلَهَ إلا اللهُ. قالَ: لَيسَ ذاكَ لَكَ، أو قالَ: لَيسَ ذاكَ إلَيكَ، ولَكِن وعِزَّتِي وكِبرِيائِي وعَظَمَتِي (وجِبرِيائِي) لأخرِجَنَّ مَن قالَ: لا إلَهَ إلا اللهُ». زاد (خ): «وعِزَّتي وجَلالِي ...».
-(فأقول يا ربِّ أمتي أمتي)، فيقال: (يا محمد، أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه)، هذا يدل على أنه شُفِّع فيما طلبه من تعجيل حساب أهل الموقفِ، فإنه لما أُمِر بإدخال من لا حساب عليه من أمته، فقد شُرِع في حساب من عليه حِساب من أمته وغيرهم (القرطبي).
-إنما يذكرون الشفاعة في عصاة الأمة وإخراجهم من النار، وكأن مقصود السلف في الاقتصار على هذا المقدار من الحديث: هو الرد على الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة، الذين ينكرون خروج أحد من النار بعد دخولها، فيذكرون هذا القدر من الحديث، الذي فيه النص الصريح في الرد عليهم فيما ذهبوا إليه من البدعة المخالفة للأحاديث " (ابن كثير).

١٢٩. (خ م) (١٩٤) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَومًا بِلَحمٍ فَرُفِعَ إلَيهِ الذِّراعُ وكانَت تُعجِبُهُ، فَنَهَسَ مِنها نَهسَةً، فَقالَ: «أنا سَيِّدُ النّاسِ يَومَ القِيامَةِ؛ وهَل تَدرُونَ بِمَ ذاكَ؟ يَجمَعُ اللهُ يَومَ القِيامَةِ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ واحِدٍ، فَيُسمِعُهُم الدّاعِي، ويَنفُذُهُم البَصَرُ، وتَدنُو الشَّمسُ، فَيَبلُغُ النّاسَ مِن الغَمِّ والكَربِ ما لا يُطِيقُونَ وما لا يَحتَمِلُونَ، فَيَقُولُ بَعضُ النّاسِ لِبَعضٍ: ألا تَرَونَ ما أنتُم فِيهِ؟ ألا تَرَونَ ما قَد بَلَغَكُم؟ ألا تَنظُرُونَ مَن يَشفَعُ لَكُم إلى رَبِّكُم؟ فَيَقُولُ بَعضُ النّاسِ لِبَعضٍ: ائتُوا آدَمَ، فَيَأتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: يا آدَمُ؛ أنتَ أبُو البَشَرِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ، ونَفَخَ فِيكَ مِن رُوحِهِ، وأَمَرَ المَلائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، اشفَع لَنا إلى رَبِّكَ، ألا تَرى إلى ما نَحنُ فِيهِ؟ ألا تَرى إلى ما قَد بَلَغَنا؟ فَيَقُولُ آدَمُ: إنَّ رَبِّي غَضِبَ اليَومَ غَضَبًا لَم يَغضَب قَبلَهُ مِثلَهُ ولَن يَغضَبَ بَعدَهُ مِثلَهُ، وإنَّهُ نَهانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيتُهُ، نَفسِي نَفسِي، اذهَبُوا إلى غَيرِي، اذهَبُوا إلى نُوحٍ. فَيَأتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ: يا نُوحُ؛ أنتَ أوَّلُ الرُّسُلِ إلى الأرضِ، وسَمّاكَ اللهُ عَبدًا شَكُورًا، اشفَع لَنا إلى رَبِّكَ، ألا تَرى ما نَحنُ فِيهِ؟ ألا تَرى ما قَد بَلَغَنا؟ فَيَقُولُ لَهُم: إنَّ رَبِّي قَد غَضِبَ اليَومَ غَضَبًا لَم يَغضَب قَبلَهُ مِثلَهُ، ولَن يَغضَبَ بَعدَهُ مِثلَهُ، وإنَّهُ قَد كانَت لِي دَعوَةٌ دَعَوتُ بِها عَلى قَومِي، نَفسِي نَفسِي، اذهَبُوا إلى إبراهِيمَ ﷺ. فَيَأتُونَ إبراهِيمَ فَيَقُولُونَ: أنتَ نَبِيُّ اللهِ، وخَلِيلُهُ مِن أهلِ الأَرضِ، اشفَع لَنا إلى رَبِّكَ، ألا تَرى إلى ما نَحنُ فِيهِ؟ ألا تَرى إلى ما قَد بَلَغَنا؟ فَيَقُولُ لَهُم إبراهِيمُ: إنَّ رَبِّي قَد غَضِبَ اليَومَ غَضَبًا لَم يَغضَب قَبلَهُ مِثلَهُ، ولا يَغضَبُ بَعدَهُ مِثلَهُ، وذَكَرَ كَذَباتِهِ، نَفسِي نَفسِي، اذهَبُوا إلى غَيرِي اذهَبُوا إلى مُوسى. فَيَأتُونَ مُوسى ﷺ فَيَقُولُونَ: يا مُوسى؛ أنتَ رَسُولُ اللهِ، فَضَّلَكَ اللهُ بِرِسالاتِهِ وبِتَكلِيمِهِ عَلى النّاسِ، اشفَع لَنا إلى رَبِّكَ، ألا تَرى إلى ما نَحنُ فِيه؟ ألا تَرى ما قَد بَلَغَنا؟ فَيَقُولُ لَهُم مُوسى ﷺ: إنَّ رَبِّي قَد غَضِبَ اليَومَ غَضَبًا لَم يَغضَب قَبلَهُ مِثلَهُ ولَن يَغضَبَ بَعدَهُ مِثلَهُ، وإنِّي قَتَلتُ نَفسًا لَم أُومَر بِقَتلِها، نَفسِي نَفسِي، اذهَبُوا إلى عِيسى ﷺ. فَيَأتُونَ عِيسى فَيَقُولُونَ: يا عِيسى؛ أنتَ رَسُولُ اللهِ، وكَلَّمتَ النّاسَ فِي المَهدِ، وكَلِمَةٌ مِنهُ ألقاها إلى مَريَمَ ورُوحٌ مِنهُ، فاشفَع لَنا إلى رَبِّكَ، ألا تَرى ما نَحنُ فِيهِ؟ ألا تَرى ما قَد بَلَغَنا؟ فَيَقُولُ لَهُم عِيسى ﷺ: إنَّ رَبِّي قَد غَضِبَ اليَومَ غَضَبًا لَم يَغضَب قَبلَهُ مِثلَهُ ولَن يَغضَبَ بَعدَهُ مِثلَهُ، ولَم يَذكُر لَهُ ذَنبًا، نَفسِي نَفسِي، اذهَبُوا إلى غَيرِي، اذهَبُوا إلى مُحَمَّدٍ ﷺ. فَيَأتُونِي فَيَقُولُونَ: يا مُحَمَّدُ؛ أنتَ رَسُولُ اللهِ، وخاتَمُ الأَنبِياءِ، وغَفَرَ اللهُ لَكَ ما تَقَدَّم مِن ذَنبِكَ وما تَأَخَّرَ، اشفَع لَنا إلى رَبِّكَ، ألا تَرى ما نَحنُ فِيهِ؟ ألا تَرى ما قَد بَلَغَنا؟ فَأَنطَلِقُ فَآتِي تَحتَ العَرشِ، فَأَقَعُ ساجِدًا لِرَبِّي، ثُمَّ يَفتَحُ اللهُ عَلَيَّ ويُلهِمُنِي مِن مَحامِدِهِ وحُسنِ الثَّناءِ عَلَيهِ شَيئًا لَم يَفتَحهُ لأَحَدٍ قَبلِي، ثُمَّ يُقالُ: يا مُحَمَّدُ، ارفَع رَأسَكَ، سَل تُعطَه، اشفَع تُشَفَّع. فَأَرفَعُ رَأسِي فَأَقُولُ: يا رَبِّ؛ أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيُقالُ: يا مُحَمَّدُ؛ أدخِل الجَنَّةَ مِن أُمَّتِكَ مَن لا حِسابَ عَلَيهِ مِن البابِ الأَيمَنِ مِن أبوابِ الجَنَّةِ، وهُم شُرَكاءُ النّاسِ فِيما سِوى ذَلكَ مِن الأَبوابِ. والَّذِي نَفسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إنَّ ما بَينَ المِصراعَينِ مِن مَصارِيعِ الجَنَّةِ لَكَما بَينَ مَكَّةَ وهَجَرٍ، أو كَما بَينَ مَكَّةَ وبُصرى».
وفي رواية (م): فَلَمّا رَأى أصحابَهُ لا يَسأَلُونَهُ قالَ: «ألا تَقُولُونَ كَيفَه؟» قالُوا: كَيفَه؟ ... وفِيها: زادَ فِي قِصَّةِ إبراهِيمَ فَقالَ: «وذَكَرَ قَولَه فِي الكَوكَبِ: ﴿هَذا رَبِّي﴾، وقَولَه لِآلِهَتِهِم: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذا﴾، وقَولَه: ﴿إنِّي سَقِيمٌ﴾».
ورَوى (م) عَن حُذَيفةَ وأَبِي هُرَيْرَةَ ﵄ قالا: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَجمَعُ اللُه تَبارَكَ وتَعالى النّاسَ، فَيَقُومُ المُؤمِنُونَ حَتى تُزْلَفَ لَهُمُ الجَنَّة، فَيَأتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: يا أبانا؛ اسْتَفْتِحْ لَنا الجَنَّةَ. فَيَقُولُ: وهَل أخرَجَكُم مِنَ الجَنَّةِ إلّا خَطِيئةِ أبِيكُم آدَم ...»، وفِيها عَن إبراهِيمَ: «إنَّما كُنتُ خَلِيلًا مِن وراء وراء، اعمِدُوا إلى مُوسى ﷺ الَّذِي كَلَّمَهُ اللهُ تَكلِيمًا ...». وفِيها: «فَيَأتُونَ مُحَمَّدًا ﷺ فَيَقُومُ فَيُؤذَنُ لَه، وتُرسَلُ الأَمانةُ والرَّحِمُ فَتَقُومانِ جَنَبَتي الصِّراط يَمينًا وشِمالًا، فَيَمُرُّ أوَّلُكُم كالبَرْقِ». قالَ: قُلتُ: بِأَبِي أنتَ وأُمِّي؛ أيُّ شَيءٍ كَمَرِّ البَرقِ؟ قالَ: «ألَم تَرَوا إلى البَرقِ كَيفَ يَمُرُّ ويَرجِعُ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ وشَدِّ الرِّجالِ، تَجْرِي بِهِمْ أعْمالُهُمْ، حَتّى يَجِيءَ الرَّجُلُ فَلا يَسْتَطِيعُ إلّا زَحْفًا ...». وفِيها: «ونَبِيُّكُم قائِمٌ عَلى الصِّراطِ يَقُولُ: رَبِّ سَلِّم سَلِّم. حَتّى تَعجِزَ أعمالُ العِبادِ ...». وفِي آخِرِها: والَّذِي نَفسُ أبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ إنَّ قَعْرَ جَهَنَّمَ لَسَبعُونَ خَرِيفًا.
ولَهُما عَن أنَسٍ نَحوَ حَديثِ أبِي هُرَيْرَةَ، وفِيهِ: «ولكِن ائتُوا مُحَمَّدًا ﷺ عَبدًا قَد غُفِرَ لَه ما تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ وِما تَأَخَّرَ ..»، وفِيها: «فَأَسْتَأْذِنُ عَلى رَبِّي، فَيُؤْذَنُ لِي، فَإذا أنا رَأَيْتُهُ وقَعْتُ ساجِدًا...»، وفِيها: «فَأَرفَعُ رَأسِي فَأَحمَدُ رَبِّي بِتَحمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ رَبِّي، ثُمَّ أشفَعُ، فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُخرِجُهُم مِنَ النّارِ وأُدخِلُهُم الجَنَّةَ، ثُمَّ أعُودُ فَأَقَعُ ساجِدًا فَيَدَعُني ما شاءَ اللهُ أن يَدَعَني ثُمَّ يُقالُ لِي: ارفَع رَأسَك يا مُحمَّدُ، قُل تُسمَع، سَلْ تُعطَ، اشفَع تُشَفَّع ... [وذَكَرَ مِثلَها ثانِيَةً] ..، قالَ: فَلا أدرِي فِي الثّالِثَةِ أو فِي الرّابِعَةِ قالَ: فَأَقُولُ: يا رَبِّ ما بِقِيَ فِي النّارِ إلّا مَن حَبَسَهُ القُرآنُ، أي: وجَبَ عَلَيهِ الخُلُودُ».
وفي رِوايَةِ (خ): عَن ابْنِ عُمَرَ قالَ: إنَّ النّاسَ يَصِيرُونَ يَوْمَ القِيامَةِ جُثًا، كُلُّ أُمَّةٍ تَتْبَعُ نَبِيَّها، يَقُولُونَ: يا فُلانُ اشْفَعْ، يا فُلانُ اشْفَعْ، حَتّى تَنْتَهِيَ الشَّفاعَةُ إلى النَّبِيِّ ﷺ، فَذَلِكَ يَوْمَ يَبْعَثُهُ اللَّهُ المَقامَ المَحْمُودَ.
١٣٠. (خ م) (١٩٩) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعوَةٌ مُستَجابَةٌ، (فَتَعَجَّل كُلُّ نَبِيٍّ دَعوَتَهُ)، وإنِّي اختَبَأتُ دَعوَتِي شَفاعَةً لأُمَّتِي يَومَ القِيامَةِ، (فَهِيَ نائِلَةٌ إن شاءَ اللهُ مَن ماتَ مِن أُمَّتِي لا يُشرِكُ باللهِ شَيئًا)».
- وفي هذا الحديث بيان كمال شفقة النبي ﷺ على أمته ورأفته بهم، واعتنائه بالنظر في مصالحهم المهمة، فأخر النبى صلى الله عليه وسلم دعوته لأمته إلى أهم أوقات حاجاتهم (النووي).

١٣١. (م) (٢٢٧٨) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أنا سَيِّدُ ولَدِ آدَمَ يَومَ القِيامَةِ، وأوَّلُ مَن يَنشَقُّ عَنهُ القَبرُ، وأوَّلُ شافِعٍ، وأوَّلُ مُشَفَّعٍ».
- وهذا الحديث دليل لتفضيله صلى الله عليه وسلم على الخلق كلهم؛ لأن مذهب أهل السنة أن الآدميين أفضل من الملائكة، وهو ﷺ أفضل الآدميين وغيرهم (النووي).

١٣٢. (م) (١٨٩) عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «سَأَلَ مُوسى رَبَّهُ: ما أدنى أهلِ الجَنَّةِ مَنزِلَةً؟ قالَ: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعدَ ما أُدخِلَ أهلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، فَيُقالُ لَهُ: ادخُلِ الجَنَّةَ. فَيَقُولُ: أي رَبِّ؛ كَيفَ وقَد نَزَلَ النّاسُ مَنازِلَهُم، وأَخَذُوا أخَذاتِهِم؟ فَيُقالُ لَهُ: أتَرضى أن يَكُونَ لَكَ مِثلُ مُلكِ مَلِكٍ مِن مُلُوكِ الدُّنيا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ. فَيَقُولُ: لَكَ ذَلكَ ومِثلُهُ، ومِثلُهُ، ومِثلُهُ، ومِثلُهُ. فَقالَ فِي الخامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ. فَيَقُولُ: هَذا لَكَ وعَشَرَةُ أمثالِهِ، ولَكَ ما اشتَهَت نَفسُكَ ولَذَّت عَينُكَ، فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ. قالَ: رَبِّ فَأَعلاهُم مَنزِلَةً؟ قالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ أرَدتُ، غَرَستُ كَرامَتَهُم بِيَدِي، وخَتَمتُ عَلَيها، فَلَم تَرَ عَينٌ، ولَم تَسمَع أُذُنٌ، ولَم يَخطُر عَلى قَلبِ بَشَرٍ. قالَ: ومِصداقُهُ في كِتابِ اللهِ ﷿: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أعْيُنٍ﴾ [السجدة: ١٧]» الآيَةَ.
وفي رواية: «إنَّ مُوسى ﵇ سَأَلَ اللهَ ﷿ عَن أخَسِّ أهلِ الجَنَّةِ مِنها حَظًّا».
-أخفى قوم عملهم فأخفى الله لهم ما لم تر عين، ولم يخطر على قلب بشر (ابن أبي حاتم).
-فلا يعلم أحد عظمة ما أخفى الله لهم في الجنات من النعيم المقيم، واللذات التي لم يطلع على مثلها أحد، لما أخفوا أعمالهم أخفى الله لهم من الثواب، جزاء وفاقا؛ فإن الجزاء من جنس العمل (ابن كثير).

١٣٣. (م) (١٩٠) عَنْ أبِي ذَرٍّ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنِّي لأَعلَمُ آخِرَ أهلِ الجَنَّةِ دُخُولًا الجَنَّة، وآخِرَ أهلِ النّارِ خُرُوجًا مِنها؛ رَجُلٌ يُؤتى بِهِ يَومَ القِيامَةِ، فَيُقالُ: اعرِضُوا عَلَيهِ صِغارَ ذُنُوبِهِ، وارفَعُوا عَنهُ كِبارَها، فَتُعرَضُ عَلَيهِ صِغارُ ذُنُوبِهِ، فَيُقالُ: عَمِلتَ يَومَ كَذا وكَذا كَذا وكَذا، وعَمِلتَ يَومَ كَذا وكَذا كَذا وكَذا، فَيَقُولُ: نَعَم. لا يَستَطِيعُ أن يُنكِرَ، وهُوَ مُشفِقٌ مِن كِبارِ ذُنُوبِهِ أن تُعرَضَ عَلَيهِ، فَيُقالُ لَهُ: فَإنَّ لَكَ مَكانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً، فَيَقُولُ: رَبِّ قَد عَمِلتُ أشياءَ لا أراها ها هُنا». فَلَقَد رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ ضَحِكَ حَتّى بَدَت نَواجِذهُ.
١٣٤. (م) (١٩١) عَنْ يَزِيدَ الفَقِيرِ قالَ: كُنتُ قَد شَغَفَنِي رَأيٌ مِن رَأيِ الخَوارِجِ، فَخَرَجنا فِي عِصابَةٍ ذَوِي عَدَدٍ نُرِيدُ أن نَحُجَّ، ثُمَّ نَخرُجَ عَلى النّاسِ، قالَ: فَمَرَرنا عَلى المَدِينَةِ، فإذا جابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ القَومَ جالِسٌ إلى سارِيَةٍ عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ، قالَ: فَإذا هُوَ قَد ذَكَرَ الجَهَنَّمِيينَ، قالَ: فَقُلتُ لَهُ: يا صاحِبَ رَسُولِ اللهِ؛ ما هَذا الَّذِي تُحَدِّثُونَ واللهُ يَقُولُ: ﴿إنَّكَ مَن تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أخْزَيْتَهُ﴾ [آل عمران: ١٩٢] و﴿كُلَّما أرادُوا أن يَخْرُجُوا مِنها أُعِيدُوا فِيها﴾ [السجدة: ٢٠]، فَما هَذا الَّذِي تَقُولُونَ؟ قالَ: فَقالَ: أتَقرَأُ القُرآنَ؟ قُلتُ: نَعَم، قالَ: فَهَل سَمِعتَ بِمَقامِ مُحَمَّدٍ ﷺ، يَعنِي الَّذِي يَبعَثُهُ اللهُ فِيهِ؟ قُلتُ: نَعَم، قالَ: فَإنَّهُ مَقامُ مُحَمَّدٍ ﷺ المَحمُودُ الَّذِي يُخرِجُ اللهُ بِهِ مَن يُخرِجُ. قالَ: ثُمَّ نَعَتَ وضعَ الصِّراطِ ومَرَّ النّاسِ عَلَيهِ. قالَ: وأَخافُ أن لا أكُونَ أحفَظُ ذاكَ. قالَ: غَيرَ أنَّهُ قَد زَعَمَ أنَّ قَومًا يَخرُجُونَ مِنَ النّارِ بَعدَ أن يَكُونُوا فِيها. قالَ: يَعنِي فَيَخرُجُونَ كَأَنَّهُم عِيدانُ السَّماسِمِ، قالَ: فَيَدخُلُونَ نَهَرًا مِن أنهارِ الجَنَّةِ، فَيَغتَسِلُونَ فِيهِ، فَيَخرُجُونَ كَأَنَّهُم القَراطِيسُ. فَرَجَعنا قُلنا: ويحَكُم؛ أتُرَونَ الشَّيخَ يَكذِبُ عَلى رَسُولِ اللهِ ﷺ؟ فَرَجَعنا فَلا واللهِ ما خَرَجَ مِنّا غَيرُ رَجُلٍ واحِدٍ.
-جاءت الأحاديث بإثبات الشفاعة المحمدية متواترة، ودل عليها قوله تعالى: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ والجمهور على أن المراد به الشفاعة (العيني).

١٣٥. (م) (١٩٢) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «يَخرُجُ مِنَ النّارِ أربَعَةٌ فَيُعرَضُونَ عَلى اللهِ، فَيَلتَفِتُ أحَدُهُم فَيَقُولُ: أي رَبِّ؛ إذ أخرَجتَنِي مِنها فَلا تُعِدنِي فِيها. فَيُنجِيهِ اللهُ مِنها».

١ سدرة المنتهى في السماء

٥/٠