باب: فِـي سِقايَةِ الحاجِّ


١١٣٥. (خ) (١٦٣٥) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ جاءَ إلى السِّقايَةِ فاستَسقى، فَقالَ العَبّاسُ: يا فَضلُ؛ اذهَب إلى أُمِّكَ فَأتِ رَسُولَ اللهِ ﷺ بِشَرابٍ مِن عِندِها. فَقالَ: «اسقِنِي». قالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ إنَّهُم يَجعَلُونَ أيدِيَهُم فِيهِ، قالَ: «اسقِنِي». فَشَرِبَ مِنهُ، ثُمَّ أتى زَمزَمَ وهُم يَسقُونَ ويَعمَلُونَ فِيها، فَقالَ: «اعمَلُوا، فَإنَّكُم عَلى عَمَلٍ صالِحٍ»، ثُمَّ قالَ: «لَولا أن تُغلَبُوا لَنَزَلت حَتّى أضَعَ الحَبلَ عَلى هَذِهِ»، يَعنِي عاتِقَهُ، وأَشارَ إلى عاتِقِهِ.
١١٣٦. (م) (١٣١٦) عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيِّ قالَ: كُنتُ جالِسًا مَعَ ابن عَبّاسٍ عِنْدَ الكَعبَةِ، فَأَتاهُ أعرابِيٌّ فَقالَ: ما لِي أرى بَنِي عَمِّكُم يَسقُونَ العَسَلَ واللَّبَنَ وأَنتُم تَسقُونَ النَّبِيذَ؛ أمِن حاجَةٍ بِكُم أم مِن بُخلٍ؟ فَقالَ ابنُ عباسٍ: الحَمدُ للهِ، ما بِنا مِن حاجَةٍ ولا بُخلٍ، قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ عَلى راحِلَتِهِ وخَلفَهُ أُسامَةُ فاستَسقى، فَأَتَيناهُ بِإناءٍ مِن نَبِيذٍ فَشَرِبَ، وسَقى فَضلَهُ أُسامَةَ، وقالَ: «أحسَنتُم وأَجمَلتُم، كَذا فاصنَعُوا». فَلا نُرِيدُ تَغيِيرَ ما أمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ.
-الحديث دليل على بني العباس كانت لهم السقاية، وأنهم يسقون الناس حسب ما أمر النبي ﷺ فيسقونهم النبيذ بالماء، وأحيانا ماء زمزم فقط. (ابن عثيمين).
-فيه: استعمال التواضع فإنهم كانوا يجعلون أيديهم فيه، وشرب منه ولم يخص بماء، كما أشار إليه العباس تسهيلًا للناس. وفيه: من التواضع أيضًا قوله: "لولا أن تغلبوا لنزلت حَتَّى أضع الحبل عَلَى هذِه" يعني: عاتقه.
-وفيه: رد ما قد يهدى له.
-وفيه: حرص أصحابه وقرابته عَلَى إبراره.
-وفيه: أن أفعاله للوجوب فتركه مع الرغبة في الفضل شفقة أن تتخذ واجبًا للاقتداء.
-وكأن النبي ﷺ قصد التيسير عليهم، وتقليل الكلف، فإن الانتباذ يسير، قليل المؤنة؛ لكثرة التمر عندهم، وليس كذلك العسل، فإن في إحضاره كلفة، وفي ثمنه كثرة. والله تعالى أعلم.(القرطبي).
-وفيه أن السنة أن المبيت بمنى ليلة عرفة بدليل أن الرسول ﷺ بات بها وأن عمه العباس استأذن أن يبيت في مكة من أجل السقاية.
-الواجب في المبيت أن يبيت معظم الليل إما من أوله وإما من آخره.
-فيه دليل على فضل سقاية الحاج؛ لأن النبي ﷺ أقرّ هذا فقال" أحسنتم وأجملتم" (ابن عثيمين).
-وفيه دليل على استحباب الثناء على أصحاب السقاية، وكل صانع جميل. (النووي).

باب: إقامَةُ الـمُهاجِرِ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضاءِ الحَجِّ والعُمْرَةِ


١١٣٧. (خ م) (١٣٥٢) عَنِ العَلاءِ بْنِ الحَضْرَمِيِّ ﵁ قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «ثَلاثُ (لَيالٍ) يَمكُثُهُنَّ المُهاجِرُ بِمَكَّةَ بَعدَ الصَّدَرِ».
-المراد بهذا الحديث من هاجر من مكة إلى المدينة لنصرة النبيّ ﷺ، ولا يُعنى به من هاجر من غيرها؛ لأنه خرج جوابًا عن سؤالهم لمّا تحرّجوا من الإقامة بمكة؛ إذ كانوا قد تركوها لله تعالى، فأجابهم بذلك، وأعلمهم أن إقامة الثلاث ليس بإقامة. (القرطبي).

باب: الـمَرْأَةُ تَحِيضُ قَبْلَ أنْ تُوَدِّعَ


١١٣٨. (خ م) (١٢١١) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: حاضَت صَفِيَّةُ بِنتُ حُيَيٍّ بَعدَ ما أفاضَت، قالَت عائِشَةُ: فَذَكَرتُ حِيضَتَها لِرَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أحابِسَتُنا هِيَ؟» قالَت: فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ إنَّها قَد كانَت أفاضَت وطافَت بِالبَيتِ ثُمَّ حاضَت بَعدَ الإفاضَةِ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «فَلتَنفِر». وفي رواية: قال: «عَقرى، حَلقى، أوَ ما كُنتِ طُفتِ يَومَ النَّحرِ؟» ورَوى (م) عَن طاوُسَ قالَ: كُنتُ مَعَ ابْنِ عَبّاسٍ إذ قالَ زَيدُ بنُ ثابت: تُفتِي أن تَصدُرَ الحائِضُ قَبلَ أن يَكُونَ آخِرُ عَهدِها بِالبَيتِ؟ فَقالَ لَـهُ ابنُ عَبّاسٍ: إمّا لا فَسَلْ فُلانةَ الأَنْصارِيَّةَ؛ هَل أمَرَها بِذَلكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ؟ قالَ: فَرَجَعَ زَيدُ بنُ ثابتٍ إلى ابْنِ عَبّاسٍ يَضحَكُ، وهُو يَقُولُ: ما أراكَ إَلا قَد صَدَقت.
١١٣٩. (خ م) (١٣٢٨) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: أُمِرَ النّاسُ أن يَكُونَ آخِرُ عَهدِهِم بِالبَيتِ، إلا أنَّهُ خُفِّفَ عَنِ المَرأَةِ الحائِضِ. وفي رواية (م): قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لا يَنفِرنَّ أحدٌ حَتّى يَكُونَ آخِرَ عَهدِهِ بِالبَيتِ». وفي رواية (خ): قالَ: رُخِّصَ لِلحائِضِ أن تَنفِرَ إذا حاضت، وفي رواية لَهُ: إذا أفاضَت.
وفي رواية (خ) عَنْ طاوُسٍ قالَ: وكانَ ابنُ عُمَرَ يَقُولُ في أوَّلِ أمرِهِ: إنَّها لا تَنفِرُ، ثُمَّ سمعتهُ يقولُ: تَنفِرُ، إنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ رَخَّصَ لَهُنَّ.
-فيه: توبيخ الرجل أهله على ما يدخل على الناس بسببها، كما وبخ الصديق عائشة في قصة العقد.
-وفي قوله: ("أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ ") دليل على أن طواف الإفاضة يحبس الحائض بمكة لا تبرح حَتَّى تطوف الإفاضة؛ لأنه الركن فيه. وعلى هذا أئمة أهل العلم. (ابن الملقن).
-ودليل على أنه يجب أن ينتظر الناس الحيُّض من النساء، فإذا لم تتمكن من الرجوع ولم ينتظرها رفقتها فأقرب الأقوال للصواب أن تتلجم- تجعل مانعا يمنع وصول الدم إلى ثيابها- وتطوف، ويكون طوافها هنا للضرورة، ولكن لا يتوسع في هذا الأمر.
-يسقط طواف الوداع أيضا عن الحائض. (ابن عثيمين).

باب: فِـي جَوازِ العُمْرَةِ فِـي أشْهُرِ الحَجِّ


١١٤٠. (خ م) (١٢٤٠) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: كانُوا يَرَونَ أنَّ العُمرَةَ فِي أشهُرِ الحَجِّ مِن أفجَرِ الفُجُورِ فِي الأرضِ، ويَجعَلُونَ المُحَرَّمَ صَفَرًا، ويَقُولُونَ: إذا بَرَأَ الدَّبَر، وعَفا الأثَر، وانسَلَخَ صَفَر، حَلَّت العُمرَةُ لِمَن اعتَمَر، فَقَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ وأَصحابُهُ صَبِيحَةَ رابِعَةٍ مُهِلِّينَ بِالحَجِّ، فَأَمَرَهُم أن يَجعَلُوها عُمرَةً، فَتَعاظَمَ ذَلكَ عِندَهُم، فَقالُوا: يا رَسُولَ اللهِ؛ أيُّ الحِلِّ؟ قالَ: «الحِلُّ كُلُّهُ». وفي رواية (خ): وكانُوا يُسَمُّونَ المُحَرَّمَ صَفرًا، ويَقُولُونَ ...
وفي رواية (م) عَنهُ: وقالَ لَمّا صَلّى الصُّبحَ: «مَن شاءَ أن يَجعَلَها عُمرَةً فَليَجعَلها عُمرَةً». وفي رواية لَهُ: فَصَلّى الصُّبْحَ بِالبَطحاءِ. وفي رواية: بِذِي طُوى ... وفي رواية لَهُ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «هَذِهِ عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنا بِها ... فَإنَّ العُمرَةَ قَد دَخَلَت فِي الحَجِّ إلى يَومِ القِيامةِ».
ورَوى (خ) عَنهُ قالَ: انطَلَقَ النَّبِيُّ ﷺ مِن المَدِينةِ بَعدَما تَرَجَّلَ وادَّهنَ، ولَبِسَ إزارَهُ ورِداءَهُ، هُو وأَصحابُهُ، فَلَم يَنهَ عَن شَيء مِن الأرْدِيَةِ والأُزُرِ تُلبسُ إلا المُزَعْفَرَةَ التي تَرْدَعُ عَلى الجِلدِ، فَأَصبَحَ بِذِي الحُلَيفَةِ، رَكِبَ راحِلَتِهِ حَتّى استَوى عَلى البَيداءِ أهَلَّ هُوَ وأَصحابُهُ، وقَلَّدَ بَدَنَتَهُ، وذَلكَ لِخَمسٍ بَقِينَ مِن ذِي القَعدَةِ، فَقَدِمَ مَكَّةَ لِأَربعٍ لَيالٍ خَلَونَ مِن ذِي الحِجَّةِ، فَطافَ بِالبَيتِ وسَعى بَينَ الصَّفا والمَروَةِ، ولَم يَحِلَّ مِن أجلِ بُدْنِهِ؛ لِأَنَّهُ قَلَّدَها، ثُمَّ نَزَلَ بِأَعلى مَكَّةَعِندَ الحُجُونِ، وهُو مُهِلٌّ بِالحَجِّ، ولَم يَقرُبِ الكَعبةَ بَعدَ طَوافِهِ بِها حَتّى رَجَعَ مِن عَرَفَةَ، وأَمَرَ أصحابَهُ أن يَطَّوَّفُوا بِالبَيتِ وبَينَ الصَّفا والمَروَةِ، ثُمَّ يُقَصِّرُوا مِن رُؤُوسِهِم، ثُمَّ يَحِلُّوا، وذَلكَ لِمَن لَم يَكُن مَعَهُ بَدَنَةٌ قَلَّدَها، ومَن كانَت مَعَهُ امرَأَتُهُ فَهِيَ لَه حَلالٌ، والطِّيبُ والثِّيابُ.
-تعاظم الصحابة مخالفة العادة التي كانوا عليها من تأخير العمرة عن أشهر الحج، فسألوه عن الإحلال فقالوا: أي الحل: إحلال الطيب والمخيط كما يحل من رمى جمرة العقبة وطاف للإفاضة، أم غيره؟ فأخبره أنه الحل كله بإصابة النساء. (ابن الملقن).
-لا تعارض، فإن البيداء وذا الحليفة متصلتان بعضهما مع بعض، فصلى الظهر في آخر ذي الحليفة وهو أول البيداء (العيني)
-قام الإجماع كما حكاه المهلب أن المحرم لا يلبس إلا الأزر والأردية، وما ليس بمخيط؛ لأن لبسه من الترفه، فأراد الرب جل جلاله أن يأتوه شعثًا غبرًا عليهم آثار الذلة والخشوع، ولذلك نهى عن الثوب المصبوغ؛ لأنه طيب. ولا خلاف بين العلماء أن لبسه للمحرم لا يجوز. (ابن الملقن).
-أنه ﷺ كان قارنا لأنه جمع بين العمرة والحج في سفرة واحدة، وهو صفة القرآن، وأنه أفضل من الإفراد والتمتع. (العيني).

باب: العُمْرَةُ فِـي رَمَضانَ


١١٤١. (خ م) (١٢٥٦) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ لامرَأَةٍ مِن الأنصارِ يُقالُ لَها: أُمُّ سِنانٍ: «ما مَنَعَكِ أن تَكُونِي حَجَجتِ معنا؟» قالَت: ناضِحانِ كانا لأبِي فُلانٍ زَوجِها حَجَّ هُوَ وابنُهُ عَلى أحَدِهِما، وكانَ الآخَرُ يَسقِي عَلَيهِ غُلامُنا، قالَ: «فَعُمرَةٌ فِي رَمَضانَ تَقضِي حَجَّةً، أو حَجَّةً مَعِي». وفي رواية: «فَإذا جاءَ رَمضانُ فاعتَمِرِي، فَإنَّ عُمرَةً فِيهِ تَعدِلُ حَجَّةً».
-في هذا دليل على أن المرأة تخدم زوجها فيما جرت به العادة: لأن زوجها وابنها حجّا على ناضح، وأبقيا ناضحا لها تنضح عليه الماء.(ابن عثيمين).
-وفيه: دلالة واضحة على فضل الاعتمار في رمضان (ابن الملقن).
-أخذ بعض العلماء من هذا أن ذلك في هذه المرأة، ومن يشبه حالها ممن يتعذر عليه الحج، فيعتمر في رمضان، وليس ذلك على وجه الاطلاق، فالعمرة لا تعدل حجة لكل أحد، بدليل " تعدل حجة معي" يريد أن يعوض تلك المرأة. (ابن عثيمين).

باب: كَمْ حَجَّ النَّبِيُّ ﷺ واعْتَمَرَ


١١٤٢. (خ م) (١٢٥٤) عَنْ أبِي إسْحاقَ قالَ: سَأَلتُ زَيدَ بنَ أرقَمَ ﵁؛ كَم غَزَوتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ؟ قالَ: سَبعَ عَشرَةَ، قالَ: وحَدَّثَنِي زَيدُ بنُ أرقَمَ: أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ غَزا تِسعَ عَشرَةَ، وأَنَّهُ حَجَّ بَعدَ ما هاجَرَ حَجَّةً واحِدَةً؛ حَجَّةَ الوَداعِ، قالَ أبُو إسحاقَ: وبِمَكَّةَ أُخرى. وفي رواية: قُلتُ: فَما أوَّلُ غَزوَةٍ غَزاها؟ قالَ: ذاتُ العُسَيرِ أو العُشيرِ. لَفظُ (خ): العُسَيْرَة أو ...
١١٤٣. (خ م) (١٢٥٣) عَنْ أنَسٍ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ اعتَمَرَ أربَعَ عُمَرٍ، كُلُّهُنَّ فِي ذِي القَعدَةِ إلا الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ: عُمرَةً مِن الحُدَيبِيَةِ (أو زَمَنَ الحُدَيبِيَةِ) فِي ذِي القَعدَةِ، وعُمرَةً مِن العامِ المُقبِلِ فِي ذِي القَعدَةِ، وعُمرَةً مِن جِعرانَةَ حَيثُ قَسَمَ غَنائِمَ حُنَينٍ فِي ذِي القَعدَةِ، وعُمرَةً مَعَ حَجَّتِهِ. وزادَ فِي رِوايةٍ: عَن قَتادَةَ قالَ: سَأَلتُ أنَسًا: كَم حَجَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ؟ قالَ: حَجَّةً واحِدَةً. ورَوى (خ) عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ قالَ: اعتَمَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي ذِي القَعدَةِ قَبلَ أن يَحُجَّ مَرَّتَينِ.
١١٤٤. (خ م) (١٢٥٥) عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: دَخَلتُ أنا وعُروَةُ بنُ الزُّبَيرِ المَسْجِدَ، فَإذا عَبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ جالِسٌ إلى حُجرَةِ عائِشَةَ ﵂، والنّاسُ يُصَلُّونَ الضُّحى فِي المَسْجِدِ، فَسَأَلناهُ عَن صَلاتِهِم، فَقالَ: بِدعَةٌ. فَقالَ لَهُ عُروَةُ: يا أبا عَبدِ الرَّحْمَنِ؛ كَم اعتَمَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ؟ فَقالَ: أربَعَ عُمَرٍ، إحداهُنَّ فِي رَجَبٍ. فَكَرِهنا أن (نُكَذِّبَهُ و) نَرُدَّ عَلَيهِ، وسَمِعنا استِنانَ عائِشَةَ فِي الحُجرَةِ، فَقالَ عُروَةُ: ألا تَسمَعِينَ يا أُمَّ المُؤمِنِينَ إلى ما يَقُولُ أبُو عَبدِ الرَّحْمَنِ؟ فَقالَت: وما يَقُولُ؟ قالَ: يَقُولُ: اعتَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ أربَعَ عُمَرٍ، إحداهُنَّ فِي رَجَبٍ، فَقالَت: يَرحَمُ اللهُ أبا عَبدِ الرَّحْمَنِ، ما اعتَمَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إلا وهُوَ مَعَهُ، وما اعتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ.
وفي رواية: وإنّا لنَسمَعُ ضَرْبَها بِالسِّواكِ ... وفِيها: فَقالَت: يَغفِرُ اللهُ لِأَبِي عَبدِ الرَّحمن، لَعَمْرِي ما اعتَمَرَ فِي رَجَبٍ ... وفِيها: قالَ: وابنُ عُمَرَ يَسمَعُ، فَما قالَ: لا، ولا نَعَم، سَكَتَ.
١١٤٥. (خ) (١٧٧٤) عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خالِدٍ؛ أنَّهُ سَألَ ابنَ عُمرَ عَنِ العُمرَةِ قَبلَ الحَجِّ، فَقالَ: لا بَأسَ. قالَ عِكرِمَةُ: قالَ ابنُ عُمرَ: اعتَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ قَبلَ أن يَحُجَّ.
-في هذا دليل على أن الإنسان مهما بلغت منزلته من العلم أنه قد يهم، كما وهم ابن عمر في اعتمار النبي ﷺ في رجب.
-جواز القسم ب " لعمري". لأن هذا ليس صيغة قسم بالواو، وإنما معناه معنى اليمين.
-فيه دليل على أدب ابن عمر؛ لأنه سكت حين أقسمت عائشة على توهمه.
-فيه دليل على المبالغة في التسوك لأنهم كانوا يسمعون ضرب السواك أي دلكها به أسنانها.

باب: ما يُقالُ عِنْدَ الخُرُوجِ إلى السَّفَرِ وعِنْدَ القُدُومِ


١١٤٦. (م) (١٣٤٢) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كانَ إذا استَوى عَلى بَعِيرِهِ خارِجًا إلى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلاثًا، ثُمَّ قالَ: «﴿سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هَذا وما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) وإنّا إلى رَبِّنا لَمُنقَلِبُونَ﴾ [الزخرف: ١٣، ١٤]، اللَّهُمَّ نَسأَلُكَ فِي سَفَرِنا هَذا البِرَّ والتَّقوى ومِنَ العَمَلِ ما تَرضى، اللَّهُمَّ هَوِّن عَلَينا سَفَرَنا هَذا و اطوِ عَنّا بُعدَهُ، اللَّهُمَّ أنتَ الصّاحِبُ فِي السَّفَرِ والخَلِيفَةُ فِي الأَهلِ، اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِن وعثاءِ السَّفَرِ وكَآبَةِ المَنظَرِ وسُوءِ المُنقَلَبِ فِي المالِ والأَهلِ». وإذا رَجَعَ قالَهُنَّ، وزادَ فِيهِنَّ: «آيِبُونَ تائِبُونَ عابِدُونَ لِرَبِّنا حامِدُونَ». ورَوى (م) عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرجِسَ ﵁ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إذا سافَرَ يَتَعَوَّذُ مِن وعثاءِ السَّفَرِ، وكَآبَةِ المُنقَلَبِ، والحَورِ بَعدَ الكَورِ، ودَعوَةِ المَظلُومِ، وسُوءِ المَنظَرِ فِي الأَهلِ والمالِ.
١١٤٧. (خ م) (١٣٤٤) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ﵄ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إذا قَفَلَ مِن الجُيُوشِ أو السَّرايا أو الحَجِّ أو العُمرَةِ إذا أوفى عَلى ثَنِيَّةٍ أو فَدفَدٍ كَبَّرَ ثَلاثًا، ثُمَّ قالَ: «لا إلَهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلكُ ولَهُ الحَمدُ وهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تائِبُونَ عابِدُونَ ساجِدُونَ لِرَبِّنا حامِدُونَ، صَدَقَ اللهُ وعدَهُ، ونَصَرَ عَبدَهُ، وهَزَمَ الأحزابَ وحدَهُ».
وفي رواية (خ): يُكبِّر عَلى كُلِّ شَرَفٍ مِن الأَرضِ ثَلاثَ تَكبِيراتٍ ... ورَوى (خ) عَن جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قالَ: كُنّا إذا صَعِدنا كَبَّرنا، وإذا نَزَلنا سَبَّحنا.
١١٤٨. (خ م) (١٣٤٥) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: أقبَلنا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ أنا وأَبُو طَلْحَةَ، وصَفِيَّةُ رَدِيفَتُهُ عَلى ناقَتِهِ، حَتّى إذا كُنّا بِظَهرِ المَدِينَةِ قالَ: «آيِبُونَ تائِبُونَ عابِدُونَ لِرَبِّنا حامِدُونَ». فَلَم يَزَل يَقُولُ ذَلكَ حَتّى قَدِمنا المَدِينَةَ. وفي رواية (خ): «آيِبُونَ إن شاءَ اللهُ، تائِبُونَ، عابِدُونَ، حامِدُونَ، لِرَبِّنا ساجِدُونَ ...». وفي رواية (خ): فَلَمّا أشرَفنا عَلى المَدِينَةِ، قالَ: «آيِبُونَ ...».
-فيه بيان أن الآية تقال في كل الركوب، وأما هذا الذكر فهو الخاص في السفر.

باب: فِـي تَحْرِيمِ مَكَّةَ وصَيْدِها وشَجَرِها ولُقَطَتِها


١١٤٩. (خ م) (١٣٥٥) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: لَمّا فَتَحَ اللهُ ﷿ عَلى رَسُولِ اللهِ ﷺ مَكَّةَ، قامَ فِي النّاسِ فَحَمِدَ اللهَ وأَثنى عَلَيهِ ثُمَّ قالَ: «إنَّ اللهَ حَبَسَ عَن مَكَّةَ الفِيلَ، وسَلَّطَ عَلَيها رَسُولَهُ والمُؤمِنِينَ، وإنَّها لَن تَحِلَّ لأحَدٍ كانَ قَبلِي، وإنَّها أُحِلَّت لِي ساعَةً مِن نَهارٍ، وإنَّها لَن تَحِلَّ لأحَدٍ بَعدِي، فَلا يُنَفَّرُ صَيدُها، ولا يُختَلى شَوكُها، ولا تَحِلُّ ساقِطَتُها إلا لِمُنشِدٍ، ومَن قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيرِ النَّظَرَينِ، إمّا أن يُفدى، وإمّا أن يُقتَلَ». فَقالَ العَبّاسُ: إلا الإذخِرَ يا رَسُولَ اللهِ، فَإنّا نَجعَلُهُ فِي قُبُورِنا وبُيُوتِنا. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إلا الإذخِرَ». فَقامَ أبُو شاهٍ رَجُلٌ مِن أهلِ اليَمَنِ فَقالَ: اكتُبُوا لِي يا رَسُولَ اللهِ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اكتُبُوا لأبِي شاهٍ». قالَ الوَلِيدُ: فَقُلتُ لِلأوزاعِيِّ: ما قَولُهُ: اكتُبُوا لِي يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: هَذِهِ الخُطبَةَ الَّتِي سَمِعَها مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ.
وفي رواية عَنهُ قالَ: إنَّ خُزاعَةَ قَتَلُوا رَجُلًا مِن بَنِي لَيْثٍ عامَ فَتحِ مَكَّةَ بِقَتيلٍ مِنهُم قَتَلُوهُ، فَأُخبِرَ بِذَلكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَرَكِبَ راحِلَتَهُ فَخَطَبَ ...
وفي رواية (خ): لِصاغَتِنا وقُبُورِنا. وفي رواية لَهُ: ولِسُقُفِ بُيُوتِنا.
١١٥٠. (خ م) (١٣٥٤) عَنْ أبِي شُرَيْحٍ العَدَوِيِّ ﵁؛ أنَّهُ قالَ لِعَمرِو بْنِ سَعِيدٍ وهُوَ يَبعَثُ البُعُوثَ إلى مَكَّةَ: ائذَن لِي أيُّها الأمِيرُ أُحَدِّثكَ قَولًا قامَ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ الغَدَ مِن يَومِ الفَتحِ، سَمِعَتهُ أُذُنايَ ووَعاهُ قَلبِي وأَبصَرَتهُ عَينايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ؛ أنَّهُ حَمِدَ اللهَ وأَثنى عَلَيهِ ثُمَّ قالَ: «إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَها اللهُ ولَم يُحَرِّمها النّاسُ، فَلا يَحِلُّ لامرِئٍ يُؤمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ أن يَسفِكَ بِها دَمًا، ولا يَعضِدَ بِها شَجَرَةً، فَإن أحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتالِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِيها فَقُولُوا لَهُ: إنَّ اللهَ أذِنَ لِرَسُولِهِ ولَم يَأذَن لَكُم، وإنَّما أذِنَ لِي فِيها ساعَةً مِن نَهارٍ، وقَد عادَت حُرمَتُها اليَومَ كَحُرمَتِها بِالأمسِ، وليُبَلِّغ الشّاهِدُ الغائِبَ». فَقِيلَ لأبِي شُرَيحٍ: ما قالَ لَكَ عَمرٌو؟ قالَ: أنا أعلَمُ بِذَلكَ مِنكَ يا أبا شُرَيحٍ، إنَّ الحَرَمَ لا يُعِيذُ عاصِيًا ولا فارًّا بِدَمٍ ولا فارًّا بِخَربَةٍ..
١١٥١. (م) (١٣٥٦) عَنْ جابِرٍ ﵁ قالَ: سَمِعتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «لا يَحِلُّ لأَحَدِكُم أن يَحمِلَ بِمَكَّةَ السِّلاحَ».
١١٥٢. (خ) (٩٦٦) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: كُنتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ ﵄ حِينَ أصابَهُ سِنانُ الرُّمحِ فِي أخمَصِ قَدَمِهِ، فَلَزِقَت قَدَمُهُ بِالرِّكابِ، فَنَزَلتُ فَنَزَعتُها، وذَلكَ بِمِنًى، فَبَلَغَ الحَجّاجَ فَجَعَلَ يَعُودُهُ، فَقالَ الحَجّاجُ: لَو نَعلَمُ مَن أصابَكَ؟ فَقالَ ابنُ عُمَرَ: أنتَ أصَبتَنِي. قالَ: وكَيفَ؟ قالَ: حَمَلتَ السِّلاحَ فِي يَومٍ لَم يَكُن يُحمَلُ فِيهِ، وأَدخَلتَ السِّلاحَ الحَرَمَ ولَم يَكُن السِّلاحُ يُدخَلُ الحَرَمَ.
-في هذه الأحاديث دليل على تحريم مكة، ومكة حرمها الله ولم يحرمها الناس.
-مشروعية الخطب عند حدوث الأمور الهامة.
-لا هجرة من مكة بعد الفتح أي فتح مكة.
-تحريم قطع الشجر، وتنفير الصيد في الحرم. وجواز قطع الشجر الذي غرسه الآدمي، ولقطة مكة لا تملك أبدا بل ينشدها واجدها أبد الدهر.
-حسن الأدب مع الأمراء وإن كان المخاطب أفضل منه، فأبو شريح أفضل بكثير من عمرو بن سعيد.
- وجوب تبليغ الشاهد الغائب، ووجوب البلاغ ولو كان قليلا. (ابن عثيمين).

باب: دُخُولُ النَّبِيِّ ﷺ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ يَوْمَ الفَتْحِ


١١٥٣. (خ م) (١٣٥٧) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ مَكَّةَ عامَ الفَتحِ وعَلى رَأسِهِ مِغفَرٌ، فَلَمّا نَزَعَهُ جاءَهُ رَجُلٌ فَقالَ: ابنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَستارِ الكَعبَةِ، فَقالَ: «اقتُلُوهُ».
ورَوى (م) عَن جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ دَخَلَ مَكَّةَ وعَلَيهِ عِمامةٌ سَوداءُ بِغَيرِ إحرامٍ. وفي رواية: قد أرخى طرفيها بين كتفيه.
فيه دليل جواز دخول مكة بغير إحرام لحاجة. (ابن عثيمين).
- وقتل ﷺ ابن خطل؛ لأنه كان أسلم، وبعثه رسول الله - ﷺ - مصدقًا، وبعث معه رجلًا من الأنصار، وأمَّر عليه الأنصاري، فلما كان ببعض الطريق وثب على الأنصاري فقتله، وذهب بماله. وعن ابن إسحاق: كان له مولى يخدمه، وكان أيضًا المولى مسلمًا فنزل ابن خطل منزلا، وأمر المولى أن يذبح له تيسًا ويصنع له طعامًا ونام، فاستيقظ ولم يصنع له شيئًا، فعدا عليه فقتله، ثم ارتد مشركًا. (ابن عبدالبر).
- الحرم لا يجير ظالمًا، وأن من لجأ إليه أقيم عليه الحد الواجب عليه، ويشبه أن يكون هذا مذهب عمرو بن سعيد؛ لقوله: إن الحرم لا يعيذ عاصيًا ولا فارًّا، وقال قتادة في قوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}: كان في الجاهلية، فأما اليوم فلو سرق في الحرم قطع، ولو قتل فيه قتل، ولو قدر فيه على المشركين قتلوا، ولا يمنع الحرم من إقامة الحدود عند مالك، واحتج بعض أصحابه بأنه - عليه السلام - قتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة، ولم تعذه الكعبة من القتل، وهذا القول أولى بالصواب؛ لأن الله تعالى أمر بقطع السارق وجلد الزاني، وأوجب القصاص أمرًا مطلقًا ولم يخص به مكانًا دون مكان، فإقامة الحدود تجب في كل مكان على ظاهر الكتاب، ومما يشهد لذلك أمر الشارع بقتل الفواسق المؤذية في الحرم؛ فقام الدليل من هذا أن كل فاسق استعاذ بالحرم أنه يقتل بجريرته ويؤخذ بقصاص جرمه. (ابن الملقن)

باب: فِـي بِناءِ الكَعْبَةِ


١١٥٤. (خ م) (١٣٣٣) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: سَأَلتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَنِ الجَدرِ؛ أمِن البَيتِ هُوَ؟ قالَ: «نَعَم». قُلتُ: فَلِمَ لَم يُدخِلُوهُ فِي البَيتِ؟ قالَ: «إنَّ قَومَكِ قَصَّرَت بِهِم النَّفَقَةُ». قُلتُ: فَما شَأنُ بابِهِ مُرتَفِعًا؟ قالَ: «فَعَلَ ذَلكَ قَومُكِ لِيُدخِلُوا مَن شاؤُوا ويَمنَعُوا مَن شاؤوا، ولَولا أنَّ قَومَكِ حَدِيثٌ عَهدُهُم فِي الجاهِلِيَّةِ، فَأَخافُ أن تُنكِرَ قُلُوبُهُم، لَنَظَرتُ أن أُدخِلَ الجَدرَ فِي البَيتِ، وأَن أُلزِقَ بابَهُ بِالأرضِ». وفي رواية: «لَولا أن َّقَومَكِ حَدِيثُو عَهدٍ بِشِركٍ لهَدَمتُ الكعبَةَ فَألزَقتُها بِالأرضِ، وجَعلتُ لها بابينِ، بابًا شرقيًا وبابًا غربيًا، (وزدت فيها سِتَّةَ أذرُعٍ مِن الحِجرِ» ...). وفي رواية (م): «لَأنَفَقتُ كَنزَ الكَعبَةِ فِي سَبيلِ اللهِ». وفِي رِوايَةٍ لَهُ زادَ: فَقالَ عَبدُ اللهِ بنُ عُمرَ: لَئِن كانَت عائشةُ سَمِعَت هَذا مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ، ما أُرى رَسُولَ اللهِ ﷺ تَرَكَ استِلامَ الرُّكنَينِ اللَّذينِ يَلِيانِ الحِجرَ إلّا أنَّ البَيتَ لَم يُتَمَّم عَلى قَواعِدِ إبراهيمَ.
ورَوى (م) عَن عَطاءٍ قالَ: لَمّا احْتَرَقَ البَيتُ زَمَنَ يزيدَ بْنِ مُعاوِيَةَ حِينَ غَزاها أهلُ الشّامِ، فَكانَ مِن أمْرِهِ ما كانَ، تَرَكَهُ ابنُ الزُّبَيرِ حَتّى قَدِمَ الناسُ الموْسِمَ يُرِيدُ أن يُجَرِّئَهُم -أو يُحَرِّبهم- عَلى أهلِ الشّامِ، فَلَمّا صَدَرَ النّاسُ قالَ: يا أيُّها النّاسُ؛ أشِيرُوا عَلَيَّ فِي الكَعبَةِ؛ أنْقُضُها ثُمَّ أبنِي بِناءَها، أو أُصلِحُ ما وهى مِنها؟ قالَ ابنُ عَبّاسٍ: فَإنِّي قَد فُرِقَ لِي رَأيٌ فِيها؛ أرى أن تُصلِحَ ما وهى مِنها وتَدَعَ بَيتًا أسلَمَ النّاسُ عَلَيهِ، وأَحجارًا أسلَمَ النّاسَ عَلَيها، وبُعِثَ عَلَيها النَّبِيُّ ﷺ. فَقالَ ابنُ الزُّبَيرِ: لَو كانَ أحَدُكُم احتَرَقَ بَيتُهُ ما رَضِيَ حَتى يُجِدَّهُ، فَكَيفَ بَيتُ رَبِّكُم؟ إنِّي مُستَخيرٌ رَبِّي ثَلاثًا، ثُمَّ عازِمٌ عَلى أمرِي، فَلَمّا مَضى الثَّلاثُ أجمَعَ رَأيَهُ عَلى أن يَنْقُضَها، فَتَحاماهُ النّاسُ أن يَنزِلَ بِأَوَّلِ النّاسِ يَصعَدُ فِيهِ أمرٌ مِن السَّماءِ، حَتّى صَعِدَهُ رَجُلٌ فَأَلقى مِنه حِجارَةً، فَلَمّا لَم يَرَهُ النّاسُ أصابَهُ شَيءٌ تَتابَعُوا فَنَقَضُوهُ، حَتى بَلَغُوا بِهِ الأَرضَ، فَجَعَلَ ابنُ الزَّبَيرِ أعْمِدَةً فَسَتَر عَلَيها السُّتُورَ، حَتّى ارتَفَعَ بِناؤُهُ، وقالَ ابنُ الزُّبَيرِ: إني سَمِعتُ عائِشَةَ تَقُولُ: إنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «لَولا أنَّ النّاسَ حَدِيثٌ عَهدُهُم بِكُفرٍ، ولَيسَ عِندِي مِن النَّفَقَةِ ما يُقَوِّي عَلى بِنائِهِ، لَكُنتُ أدخَلتُ فِيهِ مِن الحِجْرِ خَمْسَ أذْرُعٍ، ولَجَعَلتُ لَها بابًا يَدخُلُ النّاسَ مِنهُ، وبابًا يَخرُجُونَ مِنهُ». قالَ: فَأَنا اليَومَ أجِدُ ما أُنْفِقُ، ولَستُ أخافُ النّاسَ. قالَ: فَزادَ فِيهِ خَمسَ أذرُعٍ مِن الحِجْرِ حَتى أبدى أُسًّا نَظَرَ النّاسُ إلَيهِ، فَبَنى عَلَيهِ البِناءَ، وكانَ طُولُ الكَعبَةِ ثَمانِي عَشرةَ ذِراعًا، فَلَمّا زادَ فِيهِ استَقصَرَهُ، فَزادَ فِي طُولِهِ عَشرَ أذرُعٍ، وجَعَلَ لَه بابَينِ، أحَدُهُما يُدخَلُ مِنهُ، والآخَرُ يُخْرَجُ مِنهُ، فَلَمّا قُتِلَ ابنُ الزبير كَتَبَ الحَجّاجُ إلى عَبْدِ المَلِكِ بْنِ مَروانَ يُخبِرُهُ بِذَلكَ، ويُخبِرُهُ أنَّ ابنَ الزُّبَيرَ قَد وضَعَ البِناءَ عَلى أُسٍّ نَظَرَ إلَيهِ العُدُولُ مِن أهلِ مَكَّةَ، فَكَتَبَ إلَيهِ عَبدُ المَلِكِ: إنّا لَسنا مِن تَلْطِيخِ ابْنِ الزُّبَيرِ فِي شَيء، أمّا ما زادَ فِي طُولِهِ فَأَقِرَّهُ، وأَمّا ما زادَ فِيهِ مِن الحِجْرِ فَرُدَّهُ إلى بِنائِهِ، وسُدَّ البابَ الَّذِي فَتَحَهُ. فَنَقَضَهُ وأَعادَهُ إلى بِنائِهِ.
ورَوى (م) عَن أبِي قَزَعَة؛ أنَّ عَبدَ المَلِكِ بْنَ مَروانَ بَينَما هُو يَطُوفُ بِالبَيتِ إذ قالَ: قاتَلَ اللهُ ابنَ الزُّبَيرِ حَيثُ يَكذِبُ عَلى أُمِّ المُؤمِنِينَ ... وفِيها: فَقالَ الحارِثُ بنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبِي رَبِيعَةَ: لا تَقُل هَذا يا أمِيرَ المُؤمِنِينَ، فَأَنا سَمِعتُ أُمَّ المُؤمِنِينَ تُحدِّثُ هَذا. قالَ: لَو كُنتُ سَمِعتُهُ قَبلَ أن أهْدِمَهُ لَتَركتُهُ عَلى ما بَنى ابنُ الزُّبَيرِ.
لَفظُ (خ) فِي هَذِهِ الروايةِ مُختَصَرٌ: عَن يَزِيدَ بْنِ رُومانَ قالَ: وشَهِدتُ ابنَ الزُّبَيرِ حِينَ هَدَمَهُ وبَناهُ، وأَدخَلَ فِيهِ مِن الحِجْرِ، وقَد رَأَيتُ أساسَ إبراهِيمَ حِجارةً كأَسْنِمَةِ الإبِلِ ... ثُمَّ ذَكَرَ ما زادَهُ مِن الِحجرِ سِتَّةَ أذرُعٍ أو نَحوَها.
١١٥٥. (خ) (٣٨٤٨) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ يَقُولُ: يا أيُّها النّاسُ؛ اسمَعُوا مِنِّي ما أقُولُ لَكُم، وأَسمِعُونِي ما تَقُولُونَ، ولا تَذهَبُوا فَتَقُولُوا: قالَ ابنُ عَبّاسٍ، قالَ ابنُ عَبّاسٍ، مَن طافَ بِالبَيتِ فَليَطُف مِن وراءِ الحِجرِ، ولا تَقُولُوا الحَطِيمُ، فَإنَّ الرَّجُلَ فِي الجاهِلِيَّةِ كانَ يَحلِفُ فَيُلقِي سَوطَهُ أو نَعلَهُ أو قَوسَهُ.
١١٥٦. (خ) (٣٨٣٠) عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ وعُبَيْدِ اللهِ بْنِ أبِي يَزِيدَ قالا: لَم يَكُن عَلى عَهدِ النَّبِيِّ ﷺ حَولَ البَيتِ حائِطٌ، كانُوا يُصَلُّونَ حَولَ البَيتِ، حَتّى كانَ عُمَرُ ﵁، فَبَنى حَولَهُ حائِطًا، قالَ عُبَيدُ اللهِ: جَدرُهُ قَصِيرٌ فَبَناهُ ابنُ الزُّبَيرِ.
-درء المفاسد مقدم على جلب المصالح لكون النبي ﷺ ترك هذه المصلحة وهو بناؤها على قواعد إبراهيم خوفا من المفسدة التي ستقع لكون قريش حديثي عهد بكفر.
-إن كانت المصالح أكثر غلّبت، وإن كانت المفاسد أكثر غلّبت، وإن تساويا غلّب جانب الحذر يعني: دفع المفسدة.
-فيه دليل أن من ترك شيئا لله صارت الخيرة فيما ترك. لأن لو أن رسول الله بناها وجعل لها بابين وكلها مسقفة باب يدخلون منه وباب يخرجون لحصل زحام شديد الآن، ولهلك الناس من شدة زحامهم على الكعبة (ابن عثيمين).

باب: دُّعاءُ النَّبِيِّ ﷺ لِلْمَدِينَةِ وتَحْرِيمُ صَيْدِها وشَجَرِها


١١٥٧. (خ م) (١٣٦٠) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عاصِمٍ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «إنَّ إبراهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ ودَعا لأهلِها، وإنِّي حَرَّمتُ المَدِينَةَ كَما حَرَّمَ إبراهِيمُ مَكَّةَ، وإنِّي دَعَوتُ فِي صاعِها ومُدِّها (بِمِثلَي) ما دَعا بِهِ إبراهِيمُ لأهلِ مَكَّةَ». وفي رواية: «مِثلَ ما دَعا ..».
ورَوى (م) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: كانَ النّاسُ إذا رَأَوُا أوَّلَ الثَّمَرِ جاؤُوا بِهِ إلى النَّبِيِّ ﷺ، فَإذا أخَذَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ قالَ: «اللَّهُمَّ بارِك لَنا فِي ثَمَرِنا، وبارِك لَنا فِي مَدِينَتِنا، وبارِك لَنا فِي صاعِنا، وبارِك لَنا فِي مُدِّنا، اللَّهُمَّ إنَّ إبراهِيمَ عَبدُكَ وخَلِيلُكَ ونَبيُّكَ، وِإني عَبدُكَ ونَبيُّكَ، وإنَّه دَعاكَ لِمَكَّةَ، وإني أدعُوكَ لِلمَدِينَةِ بِمِثلِ ما دَعاكَ لِمَكَّةَ ومِثلَهُ مَعَهٌ». قالَ: ثُمَّ يَدعُو أصغَرَ ولِيدٍ لَـهُ فَيُعطِيهِ ذَلكَ الثَّمَرَ. وفِي روايةٍ له: «وفِي صاعِنا بَرَكَةً مَعَ بَرَكَةٍ».
١١٥٨. (خ م) (١٣٧٢) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّهُ كانَ يَقُولُ: لَو رَأَيتُ الظِّباءَ تَرتَعُ بِالمَدِينَةِ ما ذَعَرتُها، قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ما بَينَ لابَتَيها حَرامٌ». وفي رواية (م): قالَ أبُو هُرِيرَةَ: وجَعَلَ اثنَي عَشَرَ مِيلًا حَولَ المَدِينةِ حِمىً.
وفِي روايةٍ (خ): «حُرِّمَ ما بَينَ لابَتَي المَدِينَةِ عَلى لِساني». قالَ: وأَتى النَّبِيُّ ﷺ بَنِي حارِثَةَ فَقالَ: «أراكُم يا بَنِي حارِثَةَ قَد خَرَجتُم مِن الحَرَمَ». ثُمَّ التَفَتَ فَقالَ: «بَل أنتُم فِيهِ».
ورَوى (م) عَن جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وفِيهِ: «لا يُقطَعُ عِضاهُها، ولا يُصادُ صَيدُها». ورَوى (م) عَن سَهْلِ بْنِ حُنَيفٍ قالَ: أهوى رَسُولُ اللهِ ﷺ بِيَدِهِ إلى المَدِينَةِ فَقالَ: «إنَّها حَرَمٌ آمِنٌ».
ورَوى (م) عَنْ نافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، أنَّ مَروانَ بنَ الحَكَمِ خَطَبَ النّاسَ فَذَكَرَ مَكَّةَ وأَهلَها وحُرمَتَها، ولَم يَذكُر المَدِينةَ وأَهلَها وحُرمَتَها، فَناداهُ رافِعُ بنُ خَدِيجِ فَقالَ: مالِي أسمَعُكَ ذَكَرتَ مَكَّةَ وأَهلَها وحُرمَتَها، ولَم تَذكُر المَدِينةَ وأَهلَها وحُرْمَتَها، وقَد حَرَّمَ رَسُولُ الله ﷺ ما بَينَ لابَتَيها، وذَلكَ عِندَنا فِي أدِيمٍ خَوْلانيٍّ، إن شِئتَ أقرَأْتُكَهُ. قالَ: فَسَكَتَ مَروانُ، ثُمَّ قالَ: قَد سَمِعتُ بَعضَ ذَلكَ.
ورَوى (م) عَن عَبْدِ الرَّحمنِ بْنِ أبِي سَعِيدٍ عَن أبِيهِ نَحوَ حَدِيثِ رافِعٍ، قالَ: ثُمَّ كانَ أبُو سَعِيدٍ يَأخُذُ - وفي رواية: يَجِدُ أحَدَنا فِي يَدِهِ الطَّيرُ فَيَفُكُّهُ مِن يَدِهِ، ثُمَّ يُرسِلُهُ.
١١٥٩. (خ م) (١٣٦٥) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لأبِي طَلْحَةَ: «التَمِس لِي غُلامًا مِن غِلمانِكُم يَخدُمُنِي». فَخَرَجَ بِي أبُو طَلْحَةَ يُردِفُنِي وراءَهُ، فَكُنتُ أخدُمُ رَسُولَ اللهِ ﷺ كُلَّما نَزَلَ، وقالَ فِي الحَدِيثِ: ثُمَّ أقبَلَ حَتّى إذا بَدا لَهُ أُحُدٌ قالَ: «هَذا جَبَلٌ يُحِبُّنا ونُحِبُّهُ». فَلَمّا أشرَفَ عَلى المَدِينَةِ قالَ: «اللَّهُمَّ إنِّي أُحَرِّمُ ما بَينَ جَبَلَيها مِثلَ ما حَرَّمَ بِهِ إبراهِيمُ مَكَّةَ، اللَّهُمَّ بارِك لَهُم فِي مُدِّهِم وصاعِهِم». ولَهُما عَن أنَسٍ؛ أنَّ رَسُولَ الله ﷺ قالَ: «اللَّهُمَّ بارِك لَهُم فِي مِكيالِهِم، وبارِك لَهُم فِي صاعِهِم، وبارِك لِهُم فِي مُدِّهِم».
ولَهُما عَن عاصِمٍ الأَحوَلِ قالَ: سَألَتُ أنَسًا؛ أحَرَّمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ المَدِينَةَ؟ قالَ: نَعَم، «هِي حَرامٌ، (لا يُختَلى خَلاها)، فَمَن فَعَلَ ذَلكَ فَعَلَيهِ لَعنَةُ اللهِ والمَلائِكَة والنّاسِ أجمَعِينَ». لَفظُ (خ): «لا يُقطَعُ شَجَرُها».
وفي رواية: «ما بَينَ كَذا إلى كَذا، فَمَن أحدَثَ فِيها حَدَثًا» (قالَ: ثُمَّ قالَ لِي: هَذِهِ شَدِيدَةٌ-): «مَن أحدَث فِيها حَدَثًا فَعَلَيهِ لَعنَةُ اللهِ والمَلائِكةِ والنّاسِ أجمَعِينَ، (لا يَقبَلُ اللهُ مِنهُ يَومَ القِيامةِ صَرْفًا ولا عَدلًا. قالَ: فَقالَ أنَسٌ: «أو آوى مُحْدِثًا».
١١٦٠. (خ م) (١٣٦٩) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اللَّهُمَّ اجعَل بِالمَدِينَةِ ضِعفَي ما بِمَكَّةَ مِن البَرَكَةِ».
-فيه دليل على أن الجماد له شعور لقوله " يحبنا ونحبه" لما حدث حوله من استشهاد كثير من الصحابة، ومعلوم أن الشهادة من أرقى المقامات.
-فيه دليل على ملاطفة الصبيان وإعطائهم أول الثمر الذي كان من عادة الصحابة الاتيان به لرسول الله ﷺ لما فيه من إدخال السرور عليه.
-فيه دليل على أنه ليس فيه جزاء – أي حشيشها وخلاها- لأن الرسول ﷺ رتب عليه عقوبة أخروية. (ابن عثيمين)
-وفيه ما كان عليه ﷺ من الرفق بالصغير والكبير وتخصيصه الصغار بالدفع إليهم إذ هم أولى لشدة حرصهم على ذلك. (القاضي عياض).
-وقد أجاب الله سبحانه دعاء محمد ﷺ وضاعف خير المدينة على خير مكة في زمن الخلفاء بأن جلب إليها من مشارق الأرض ومغاربها كنوز كسرى وقيصر وخاقان ما لا يحصى كثرة، وفي آخر الأمر يأرز الدين إليها من أقصى الأرض وشاسع البلاد. (الأُبّي)

١١٦١. (خ م) (١٣٧٠) عَنْ إبْراهِيمَ التَّيْمِيِّ؛ عَن أبِيهِ قالَ: خَطَبَنا عَلِيُّ بنُ أبِي طالِبٍ ﵁ فَقالَ: مَن زَعَمَ أنَّ عِندَنا شَيئًا نَقرَؤُهُ إلا كِتابَ اللهِ وهَذِهِ الصَّحِيفَةَ -قالَ: وصَحِيفَةٌ مُعَلَّقَةٌ فِي قِرابِ سَيفِهِ- فَقَد كَذَبَ، فِيها أسنانُ الإبِلِ، وأَشياءُ مِن الجِراحاتِ، وفِيها: قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «المَدِينَةُ حَرَمٌ ما بَينَ عَيرٍ إلى ثَورٍ، فَمَن أحدَثَ فِيها حَدَثًا أو آوى مُحدِثًا فَعَلَيهِ لَعنَةُ اللهِ والمَلائِكَةِ والنّاسِ أجمَعِينَ، لا يَقبَلُ اللهُ مِنهُ يَومَ القِيامَةِ صَرفًا ولا عَدلًا، وذِمَّةُ المُسلِمِينَ واحِدَةٌ يَسعى بِها أدناهُم، ومَن (ادَّعى إلى غَيرِ أبِيهِ أو) انتَمى إلى غَيرِ مَوالِيهِ فَعَلَيهِ لَعنَةُ اللهِ والمَلائِكَةِ والنّاسِ أجمَعِينَ، لا يَقبَلُ اللهُ مِنهُ يَومَ القِيامَةِ صَرفًا ولا عَدلًا». وفي رواية: «فَمَن أخفَرَ مُسلِمًا فَعَلَيهِ لَعنَةُ اللهِ والمَلائِكَةِ والنّاسِ أجمَعِين، لا يُقبَلُ منه يوم القيامةِ صرفٌ ولا عَدلٌ». ولَفظُ (خ) فِي أوَّلِهِ: ما عِندَنا شَيءٌ إلا كَتابُ اللهِ وهَذِهِ الصَّحِيفةِ ... وفي رواية (خ): خَطَبَنا عَلِيٌّ ﵁ عَلى مِنبَرٍ مِن آجُرٍّ، وعَلَيهِ سَيفٌ فِيهِ صَحِيفَةٌ مَعَلَّقَةٌ، فَقالَ: واللهِ ما عِندَنا مِن كِتابٍ يُقْرَأُ ... فَذَكَرَهُ وفي رواية (خ): «ومَن والى قَومًا بِغَيرِ إذنِ مَوالِيهِ ...». وفي رواية لَـهُ: «ومَن تَوَلّى ...».
ورَوى (خ) عَن أبِي جُحَيفَةَ قالَ: سَألَتُ عَلِيًّا ﵁: هَل عِندَكُم شَيءٌ مِمّا لَيسَ فِي القُرآنِ؟ وقالَ مَرَّةً: ما لَيسَ عِنْدَ النّاسِ؟ فَقالَ: والَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأ النَّسَمَةَ ما عِندَنا إلّا ما فِي القُرآنِ، إلّا فَهمًا يُعطى رَجُلٌ فِي كِتابِهِ، وما فِي الصَّحِيفَةِ. قُلتُ: وما فِي الصَّحِيفَةِ؟ قالَ: العَقلُ، وفِكاكُ الأَسِيرِ، وأَن لا يُقتَلَ مُسلِمٌ بِكافِرٍ. وفي رواية: هَل عِندَكُم شَيءٌ مِن الوَحْيِ إلا ما فِي كِتابِ اللهِ؟ ... وفي رواية: هَل عِندَكُم كِتابٌ؟ ...
ورَوى (م) عَن جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: كَتَبَ النَّبيُّ ﷺ: عَلى كُلِّ بَطنٍ عُقُولَهُ. ثُمَّ كَتَبَ: «أنَّهُ لا يَحِلُّ لِمُسلِمٍ أن يَتَوالى مَولى رَجُلٍ مُسلِمٍ بِغَيرِ إذنِهِ»، ثُمَّ أُخبِرتُ أنَّهُ لَعَنَ فِي صَحِيفَتِهِ مَن فَعَلَ ذَلكَ.
١١٦٢. (م) (١٣٦٤) عَنْ عامِرِ بْنِ سَعْدٍ، أنَّ سَعْدًا رَكِبَ إلى قَصْرِهِ بِالعَقِيقِ، فَوَجَدَ عَبْدًا يَقْطَعُ شَجَرًا ويَخْبِطُهُ فَسَلَبَهُ، فَلَمّا رَجَعَ سَعْدٌ جاءَهُ أهْلُ العَبْدِ، فَكَلَّمُوهُ أنْ يَرُدَّ عَلى غُلامِهِمْ أوْ عَلَيْهِمْ ما أخَذَ مِن غُلامِهِمْ، فَقالَ: مَعاذَ اللهِ أنْ أرُدَّ شَيْئًا نَفَّلَنِيهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ، وأَبى أنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ.
-وقوله: ((من والي قومًا بغير إذن مواليه)) قيل: أراد به ولاء الموالاة لا ولاء العتق، والظاهر أنه أراد به ولاء العتق؛ لعطفه على قوله: ((من ادعى إلي غير أبيه)) والجمع بينهما بالوعيد في الرواية الأخرى، فإن العتق من حيث إن له لحمة كلحمة النسب، فإذا نسب إلي غير من هو له، كان كالدعي الذي تبرأ عمن هو منه، وألحق نفسه بغيره، فيستحق به الدعاء عليه بالطرد والإبعاد عن الرحمة..(الطيبي).
-فيه تجهيل لمن فارق المدينة وآثر غيرها عليها؛ لتفويته علي نفسه خيرًا عظيمًا. (الطيبي).
-وفيه من الفقه أن ذمة المسلمين واحدة، وأنه إذا أجار أدناهم أو بذل ذمة على البلد العظيم أو الجم الغفير مضت ذمته، ونفذ قوله، ولزم المسلمين كلهم الوفاء بما شرطه.
-وفيه من الفقه أن من والى قوما بغير إذنهم أو انتمى إلى غير مواليه أو ادعى إلى غير أبيه، فإن هذا كله من موجبات سخط الله عز وجل وغضبه، ولعنه الله وملائكته والناس أجمعين.(ابن هبيرة).
-أن الدية في قتل الخطأ وعمد الخطأ تجب على العاقلة وهم العصبات سواء الآباء والأبناء وإن علوا أو سفلوا. (النووي).
-فيه من الفقه أن حرم المدينة لا يعضد شجرة، ولا يخبط، ذلك لأن رسول الله - ﷺ - حرم ما بين لابتيها كما حرم مكة؛ وأخذ سلب العاضد عقوبة، ومعناه أنه قد هجم على حرم الإسلام فأسقط حرمة الحرم، فلذلك عوقب بأخذ السلب.
وفيه من الفقه أن الشجر فيما حول المدينة ومكة مما ينبغي أن يوفر ورقه عليه ليكثر ظله، وليكون القصاد والمسافرون يتفيؤون ظلاله، ولأن خبط الشجر، وإزالة ورقه عنه يسلط عليه من حر الشمس في أماكن كان يقيها من الحر، فيكون أدعى إلي تلف الشجر وسر انجعافه. (ابن هبيرة).

١١٦٣. (خ م) (١٣٧٦) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: قَدِمنا المَدِينَةَ (وهِيَ وبِيئَةٌ)، فاشتَكى أبُو بَكرٍ، واشتَكى بِلالٌ، فَلَمّا رَأى رَسُولُ اللهِ ﷺ شَكوى أصحابِهِ قالَ: «اللَّهُمَّ حَبِّب إلَينا المَدِينَةَ كَما حَبَّبتَ مَكَّةَ أو أشَدَّ، وصَحِّحها، وبارِك لَنا فِي صاعِها ومُدِّها، وحَوِّل حُمّاها إلى الجُحفَةِ». زادَ (خ): عَنها قالَت: لَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ المَدِينَةَ وُعِكَ أبُو بَكرٍ وبِلالٌ، قالَت: فَدَخَلتُ عَلَيهِما، فَقُلتُ: يا أبَتِ؛ كَيفَ تَجِدُكَ؟ ويا بِلالُ كَيفَ تَجِدُكَ؟ قالَت: فَكانَ أبُو بَكرٍ إذا أخَذَتهُ الحُمّى يَقُولُ:
كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أهْلِهِ *** والمَوْتُ أدْنى مِن شِراكِ نَعْلِهِ
وكانَ بِلالٌ إذا أقلَعَ عَنهُ الحُمّى يَرفَعُ عَقِيرَتَهُ ويَقُول:
ألا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أبِيتَنَّ لَيْلَةً *** بِوادٍ وحَوْلِي إذْخِرٌ وجَلِيلُ
وهَلْ أرِدَنْ يَوْمًا مِياهَ مَجَنَّةٍ *** وهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شامَةٌ وطَفِيلُ
قالَت عائِشَةُ: فَجِئتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَأَخبَرتُهُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اللهم حَبِّب ...» الحديث.
١١٦٤. (م) (١٣٦٣) عَنْ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنِّي أُحَرِّمُ ما بَينَ لابَتَيِ المَدِينَةِ أن يُقطَعَ عِضاهُها، أو يُقتَلَ صَيدُها». وقالَ: «المَدِينَةُ خَيرٌ لَهُم لَو كانُوا يَعلَمُونَ، لا يَدَعُها أحَدٌ رَغبَةً عَنها إلاَّ أبدَلَ اللهُ فِيها مَن هُوَ خَيرٌ مِنهُ، ولا يَثبُتُ أحَدٌ عَلى لأوائِها وجَهدِها إلاَّ كُنتُ لَهُ شَفِيعًا أو شَهِيدًا يَومَ القِيامَةِ».
١١٦٥. (م) (١٣٧٤) عَنْ أبِي سَعِيدٍ مَوْلى المَهْرِيِّ؛ أنَّهُ جاءَ إلى أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁ لَيالِيَ الحَرَّةِ، فاستَشارَهُ فِي الجَلاءِ مِنَ المَدِينَةِ، وشَكا إلَيهِ أسعارَها وكَثرَةَ عِيالِه، وأَخبَرَهُ أنَّهُ لا صَبرَ لَهُ عَلى جَهدِ المَدِينَةِ ولأوائِها، فَقالَ له: ويحَكَ لا آمُرُكَ بِذَلكَ، إنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «لا يَصبِرُ أحَدٌ عَلى لأوائِها فَيَمُوتَ إلاَّ كُنتُ لَهُ شَفِيعًا أو شَهِيدًا يَومَ القِيامَةِ إذا كانَ مُسلِمًا».
ورَوى (م) عَن أبِي سَعِيدٍ مَولى المَهْرِيِّ؛ أنَّهُ أصابَهُم بِالمَدِينةِ جَهْدٌ وشِدَّةٌ، وأَنَّهُ أتى أبا سَعِيدٍ الخُدرِي فَقالَ لَهُ: إنِّي كَثِيرُ العِيالِ، وقَد أصابَتنا شِدَّةٌ فَأَردتُ أن أنْقُلَ عِيالِي إلى بَعضِ الرِّيفِ، فَقالَ أبُو سَعِيدٍ: لا تَفعَل، الزَمِ المَدِينَةَ، فَإنّا خَرَجنا مَعَ نَبِيِّ اللهِ ﷺ -أظُنُّ أنَّهُ قالَ:- حَتّى قَدِمنا عُسْفانَ فَأَقامَ بِها لَيالِي، فَقالَ النّاسُ: واللهِ ما نَحنُ هَهُنا فِي شَيء وإنَّ عِيالَنا لَخُلُوفٌ ما نَأمَنُ عَلَيهِم، فَبَلَغَ ذَلكَ النَّبِيَّ ﷺ فَقالَ: «ما هَذا الَّذِي بَلَغَنِي مِن حَدِيثِكُم؟» - ما أدرِي كَيفَ قالَ - «والَّذِي أحْلِفُ بِهِ أو وِالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَقَد هَمَمتُ أو إن شِئتُم» - لا أدرِي أيَّتُهُما قالَ - «لآمُرَنَّ بِناقَتي تُرْحَلُ، ثُمَّ لا أحُلُّ لَها عُقْدَةً حَتى أقدَمَ المَدِينةَ». وقالَ: «اللَّهُمَّ إنَّ إبراهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَها حَرَمًا، وإني حَرَّمتُ المَدِينةَ حَرامًا ما بَينَ مَأْزِمَيْها؛ أن لا يُهْراقَ فِيها دَمٌ، ولا يُحمَلَ فِيها سِلاحٌ لِقِتالٍ، ولا تُخْبَطَ فِيها شَجَرَةٌ إلا لِعَلَفٍ، اللَّهُمَّ بارِك لَنا فِي مَدِينَتِنا، اللَّهُمَّ بارِك لَنا فِي صاعِنا، اللَّهُمَّ بارِك لَنا فِي مُدِّنا، اللَّهُمَّ بارِك لَنا فِي صاعِنا، اللَّهُمَّ بارِك لَنا فِي مُدِّنا، اللَّهُمَّ بارِك لَنا فِي مَدِينَتِنا، اللَّهُمَّ اجعَل مَعَ البَرَكَةِ بَرَكَتَينِ، والَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ ما مِن المَدِينَةِ شِعْبٌ ولا نَقْبٌ إلا عَلَيهِ مَلَكانِ يَحرُسانِها حَتّى تَقْدَمُوا إلَيها»، ثُمَّ قالَ لِلنّاسِ: «ارتَحِلُوا». فارتَحَلنا فَأَقبَلنا إلى المَدِينَةِ، فَوالَّذِي نَحلِفُ بِهِ أو يُحْلَفُ بِهِ - الشَّكُّ مِن حَمّادٍ - ما وضَعنا رِحالَنا حِينَ دَخَلنا المَدِينَةَ حَتى أغارَ عَلَينا بَنُو عَبدِ اللهِ بْنِ غَطَفانَ وما يَهِيجُهُم قَبلَ ذَلكَ شَيءٌ.
-هذه الأحاديث فيها حب النبي ﷺ للمدينة ودعاؤه لها وأمره أصحابه أن يصبروا على ما فيها من الجهد واللأواء.
-أنه يجوز أن يُخبط الشجر لرعي الإبل أو الغنم في حرم المدينة، وبهذا علم أنها أخف من الحرم المكي.
-دعاء النبي ﷺ للمدينة بالبركة، وأن المدينة محروسة من الدجال.
-أن بقاء الإنسان في المدينة أفضل ولكن المجاورة في مكة أفضل؛ لكثرة الحسنات في الصلوات.
-أن الأفضل أن يجاور الإنسان في بلد يزداد فيه إيمانه وتقواه، وعلى هذا ينزّل فعل الصحابة حيث انتشروا في البلاد يدعون الناس إلى التوحيد، فلبوا جانب المصلحة الأولى في نشر التوحيد وتبليع دعوة الرسول ﷺ.
-إنما فيه الحث على الثبات على شدتها، وأنه يكون له شفيعًا، وقد صح أنه شفيع لجميع أمته، وبقوله: "اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد" وإنما هذا دعاء لا تفضيل.(ابن الملقن).

باب: لا يَدْخُلُ الـمَدِينَةَ الطّاعُونُ ولا الدَّجّالُ


١١٦٦. (خ م) (١٣٧٩) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «عَلى أنقابِ المَدِينَةِ مَلائِكَةٌ لا يَدخُلُها الطّاعُونُ ولا الدَّجّالُ». ورَوى (م) عَنهُ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «يَأتِي المَسِيحُ مِن قِبَلِ المَشرِقِ، هِمَّتُهُ المَدِينَةُ، حَتّى يَنزِلَ دُبُرَ أُحَدٍ، ثُمَّ تَصرِفُ المَلائِكةُ وجهَهُ قِبَل الشّامِ، وهُنالِكَ يَهلِكُ».
١١٦٧. (خ) (١٨٧٩) عَنْ أبِي بَكْرَةَ؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «لا يَدخُلُ المَدِينَةَ رُعبُ المَسِيحِ الدَّجّالِ، لَها يَومَئِذٍ سَبعَةُ أبوابٍ، عَلى كُلِّ بابٍ مَلَكانِ».
-الدجال أعظم فتنة، ولهذا أمرنا أن نستعيذ بالله من فتنته في كل صلاة.
-في هذا الحديث ومراجعة الصحابة للرسول ﷺ ما يدل على أن الواجب حمل كلام الله ورسوله على الحقيقة.

باب: تَنْفِي الـمَدِينَةُ خَبَثَها


١١٦٨. (خ م) (١٣٨٢) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أُمِرتُ بِقَريَةٍ تَأكُلُ القُرى، يَقُولُونَ: يَثرِبَ، وهِيَ المَدِينَةُ، تَنفِي النّاسَ كَما يَنفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ».
١١٦٩. (خ م) (١٣٨٣) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄؛ أنَّ أعرابِيّا بايَعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَأَصابَ الأعرابِيَّ وعكٌ بِالمَدِينَةِ، فَأَتى النَّبِيَّ ﷺ فَقالَ: يا مُحَمَّدُ؛ أقِلنِي بَيعَتِي. فَأَبى رَسُولُ اللهِ ﷺ، ثُمَّ جاءَهُ فَقالَ: أقِلنِي بَيعَتِي. فَأَبى، ثُمَّ جاءَهُ فَقالَ: أقِلنِي بَيعَتِي. فَأَبى فَخَرَجَ الأعرابِيُّ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّما المَدِينَةُ كالكِيرِ، تَنفِي خَبَثَها ويَنصَعُ طَيِّبُها».
١١٧٠. (خ م) (١٣٨٤) عَنْ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «إنَّها طَيبَةُ - يَعنِي المَدِينَةَ - وإنَّها تَنفِي الخَبَثَ كَما تَنفِي النّارُ خَبَثَ الفِضَّةِ». وفي رواية (خ): «تَنفِي الرِّجالُ كَما تَنفِي النّارُ خَبَثَ الَحدِيدِ». وفي رواية (خ): «تَنفِي الذُّنُوب ...».
١١٧١. (م) (١٣٨٥) عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إنَّ اللهَ تَعالى سَمّى المَدِينَةَ طابَةَ».
-قوله: (أمرت بقرية)، أي: أمرت بالهجرة إليها والنزول بها، فإن كان قال ذلك بمكة فهو بالهجرة إليها، وإن كان قاله بالمدينة فبسكناها. وقوله: (تأكل القرى)، أي: يغلب أهلها سائر البلاد، وهو كناية عن الغلبة لأن الآكل غالب على المأكول، ومعنى الأكل أنها مركز جيوش الإسلام في أول الأمر فمنها فتحت البلاد فغنمت أموالها. أو أن أكلها يكون من القرى المفتتحة وإليها تساق غنائمه. (النووي).
-قال «تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد» يريد والله أعلم تنفي أهل الخبث من الناس، والخبث الرديء من كل شيء وما يفسده. ( القرطبي).
-فيه دليل على أن المبايعة عقد لازم، ولا يمكن للإمام أن يفسخها.

باب: مَن أرادَ أهْلَ الـمَدِينَةِ بِسُوءٍ أذابَهُ اللهُ


١١٧٢. (خ م) (١٣٨٧) عَنْ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن أرادَ أهلَ المَدِينَةِ بِسُوءٍ أذابَهُ اللهُ كَما يَذُوبُ المِلحُ فِي الماءِ». لَفظُ (خ): «لا يَكِيدُ أهلَ المدينةِ أحَدٌ إلا انْماعَ كَما يَنْماعُ المِلحُ فِي الماءِ».
-يعني من أراد المكر بهم لا يمهله الله تعالى، ولم يمكن له سلطانًا بل يذهبه عن قريب، كما انقضى شأن من حاربها أيام بني أمية مثل مسلم بن عقبة؛ فإنه هلك في منصرفه عنها، ثم هلال بن يزيد بن معاوية وغيرهما ممن صنع صنيعهما. وقيل: المراد من كادها اغتيالًا وطلبًا لغرتها في غفلة، فلا يتم له أمر، بخلاف من أتاها جهارًا. (الطيبي).

باب: الـتَّرْغِيبُ فِـي الـمُقامِ بِالمَدِينَةِ عِنْدَ فَتْحِ الأَمْصارِ


١١٧٣. (خ م) (١٣٨٨) عَنْ سُفْيانَ بْنِ أبِي زُهَيْرٍ ﵁ قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «يُفتَحُ اليَمَنُ، فَيَأتِي قَومٌ يَبُسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهلِيهِم ومَن أطاعَهُم، والمَدِينَةُ خَيرٌ لَهُم لَو كانُوا يَعلَمُونَ، ثُمَّ يُفتَحُ الشّامُ، فَيَأتِي قَومٌ يَبُسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهلِيهِم ومَن أطاعَهُم، والمَدِينَةُ خَيرٌ لَهُم لَو كانُوا يَعلَمُونَ، ثُمَّ يُفتَحُ العِراقُ، فَيَأتِي قَومٌ يَبُسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهلِيهِم ومَن أطاعَهُم، والمَدِينَةُ خَيرٌ لَهُم لَو كانُوا يَعلَمُونَ».
-قوله: "تفتح اليمن فيأتي قوم يبسون" يعنى: يحملون من المدينة إلى هذه البلاد المتفتحة لسعة العيش فيها، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. وفيه برهان جليل بصدق الرسول في إخباره بما يكون قبل وقته، فأنجز الله لرسوله ﷺ ما وعد به أمته فَفُتحت اليمن قبل الشام وفُتحت الشام قبل العراق وكمل ذلك كله. (ابن الملقن).

باب: فِـي الـمَدِينَةِ حِينَ يَتْرُكُها أهْلُها


١١٧٤. (خ م) (١٣٨٩) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «يَترُكُونَ المَدِينَةَ عَلى خَيرِ ما كانَت، لا يَغشاها إلا العَوافِي يُرِيدُ عَوافِيَ السِّباعِ والطَّيرِ، (ثُمَّ يَخرُجُ) راعِيانِ مِن مُزَينَةَ يُرِيدانِ المَدِينَةَ، يَنعِقانِ بِغَنَمِهِما، فَيَجِدانِها وحشًا، حَتّى إذا بَلَغا ثَنِيَّةَ الوَداعِ خَرّا عَلى وُجُوهِهِما». لَفظُ (خ): «وآخِرُ مَن يُحشَرُ راعِيانِ مِن مُزَينةَ يُرِيدانِ المَدِينَةَ».
١١٧٥. (م) (١٣٨١) عنَ أبِي هُرَيْرَةَ؛ أنّ رَسُولَ اللِه ﷺ قالَ: «يَأتي عَلى النّاسِ زَمانٌ يَدعُو الرَّجلُ ابنَ عمِّه وقَرِيبَهُ: هَلُمَّ إلى الرَّخاءِ، هَلُمَّ إلى الرَّخاءِ. والمدينةُ خَيرٌ لَهم لَو كانُوا يَعلَمُونَ، والَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لا يَخرُجُ مِنهُم أحدٌ رغبةً عَنها إلا أخلَفَ اللُه فِيها خَيرًا مِنهُ، ألا إنَّ المدينةَ كالكِيرِ تُخرِجُ الخَبِيثَ، لا تَقُومُ السّاعَةُ حَتّى تَنفِيَ المدينةُ شِرارَها كَما يَنفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ».

باب: ما بَيْنَ القَبْرِ والـمِنبَرِ رَوْضَةٌ مِن رِياضِ الجَنَّةِ


١١٧٦. (خ م) (١٣٩١) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «ما بَينَ بَيتِي ومِنبَرِي رَوضَةٌ مِن رِياضِ الجَنَّةِ، ومِنبَرِي عَلى حَوضِي».
-أي أنه مكان للأعمال الصالحة ترجى فيه الإجابة والقبول، فينبغي للإنسان أن يكثر العمل الصالح في ذلك المكان.
يوضع منبره على حوضه يوم القيامة من أجل أن ينظر إلى الشاربين من هذا الحوض.

باب: لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلّا إلى ثَلاثَةِ مَساجِدَ


١١٧٧. (خ م) (١٣٩٧) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثَلاثَةِ مَساجِدَ: مَسْجِدِي هَذا، ومَسْجِدِ الحَرامِ، ومَسْجِدِ الأقصى». وفي رواية (م): «إنَّما يُسافَرُ إلى ثَلاثةِ مَساجِدَ؛ مَسْجِدَ الكَعبِةِ، ومَسْجِدِي، ومَسْجِدَ إيلِياءَ».

باب: فَضْلُ الصَّلاةِ فِـي الـمَسْجِدِ الحَرامِ ومَسْجِدِ النَّبِيِّ ﷺ


١١٧٨. (خ م) (١٣٩٤) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذا خَيرٌ مِن ألفِ صَلاةٍ فِي غَيرِهِ مِن المَساجِدِ إلا المَسْجِدَ الحَرامَ». وفي رواية (م) زادَ: «فَإنِّي آخِرُ الأَنبِياءِ، وإنَّ مَسْجِدِي آخِرُ المَساجِدِ». ورَوى (م) عَن ابْنِ عَبّاسٍ عَن مَيْمُونَةَ زَوجِ النَّبيِّ ﷺ قالَ: إنَّ امرَأَةً اشتَكَت شَكوى، فَقالَت: إن شَفانِي اللهُ لَأَخرُجَنَّ فَلَأُصَلِّينَّ فِي بَيتِ المَقدِسِ، فَبَرَأَتْ، ثُمَّ تَجَهَّزَت تُرِيدُ الخُرُوجَ، فَجاءَتْ مَيمُونةَ زَوجَ النبيِّ ﷺ تُسَلِّمُ عَلَيها، فَأَخبَرَتها ذَلكَ، فَقالَت: اجلِسِي فَكُلي ما صَنَعْتِ، وصَلِّي فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ ﷺ، فَإني سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «صَلاةٌ فِيهِ أفضَلُ مِن ألفِ صَلاةٍ فِيما سِواهُ مِن المَساجِدِ، إلّا مَسْجِدَ الكَعبَةِ».
-استدل بهذا شيخ الإسلام على أن شد الرحال لزيارة القبور محرم، لأن الشد إلى الأمكنة وليس للأعمال.
-في هذا الحديث دليل أن صيغة النذر لا يلزم أن يقول القائل: لله علي نذر.
-وفيه دليل على ما تقرر أن انتقال الإنسان في النذر من المفضول إلى الفاضل لا بأس به، ولو عيّن المفضول.

١ ماذا تعدل العمرة في رمضان؟

٥/٠