كِتابُ النَفَقاتِ


باب: فِـي الابْتِداءِ بِالنَّفْسِ والأَهْلِ وذِي القَرابَةِ -0:38


١٢٩٨. (خ م) (٩٩٧) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: أعتَقَ رَجُلٌ (مِن بَنِي عُذرَةَ) عَبدًا لَهُ عَن دُبُرٍ، فَبَلَغَ ذَلكَ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقالَ: «ألَكَ مالٌ غَيرُهُ؟» فَقالَ: لا. فَقالَ: «مَن يَشتَرِيهِ مِنِّي؟» فاشتَراهُ نُعَيمُ بنُ عَبْدِ اللهِ العَدَوِيُّ بِثَمانِمائَةِ دِرهَمٍ، فَجاءَ بِها رَسُولَ اللهِ ﷺ فَدَفَعَها إلَيهِ، (ثُمَّ قالَ: «ابدَأ بِنَفسِكَ فَتَصَدَّق عَلَيها، فَإن فَضَلَ شَيءٌ فَلأَهلِكَ، فَإن فَضَلَ عَن أهلِكَ شَيءٌ فَلِذِي قَرابَتِكَ، فَإن فَضَلَ عَن ذِي قَرابَتِكَ شَيءٌ فَهَكَذا وهَكَذا»، يَقُولُ: «فَبَينَ يَدَيكَ، وعَن يَمِينِكَ، وعَن شِمالِكَ»).
وفي رواية (خ): اعتَقَ غُلامًا لَـهُ عَن دُبُرٍ، فاحتاجَ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ ﷺ فَقالَ ... وفي رواية لَهُ: باعَ النَّبيُّ ﷺ المُدَبَّرَ.
ورَوى (م) عَن جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ؛ سَمِعتُهُ يَقُولُ: «إذا أعطى اللهُ أحَدَكُم خَيرًا فَليَبدَأ بِنَفسِهِ وأَهلِ بَيتِهِ».
-جواز بيع المدبر، وأن التدبير ليس بلازم كالوصية.
-الابتداء في النفقة بالمذكور على هذا الترتيب. (ابن حجر)
- في الحديث دليل على مراعاة الحقوق والفضائل، فإذا تزاحمت قدم الأوكد فالأوكد. (ابن حجر)
-الأفضل في صدقة التطوع أن ينوعها في جهات الخير ووجوه البر بحسب المصلحة ولا ينحصر في جهة بعينها. (ابن حجر)
-بيان أفضل الصدقة على النفس، ثم الأهل، ثم الأقرباء.
-أن الدين مقدم بالتبرع بالتدبير.
-أن للإمام أن يبيع أموال الناس بسبب ديونهم.

باب: فَضْلُ النَّفَقَةِ عَلى العِيالِ والأَهْلِ


١٢٩٩. (خ م) (١٠٠٢) عَنْ أبِي مَسْعُودٍ البَدْرِيِّ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «إنَّ المُسلِمَ إذا أنفَقَ عَلى أهلِهِ نَفَقَةً وهُوَ يَحتَسِبُها كانَت لَهُ صَدَقَةً».
١٣٠٠. (م) (٩٩٤) عَنْ ثَوْبانَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أفضَلُ دِينارٍ يُنفِقُهُ الرَّجُلُ دِينارٌ يُنفِقُهُ عَلى عِيالِهِ، ودِينارٌ يُنفِقُهُ الرَّجُلُ عَلى دابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، ودِينارٌ يُنفِقُهُ عَلى أصحابِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ». قالَ أبُو قِلابَةَ: وبَدَأَ بِالعِيالِ، ثُمَّ قالَ أبُو قِلابَةَ: وأَيُّ رَجُلٍ أعظَمُ أجرًا مِن رَجُلٍ يُنفِقُ عَلى عِيالٍ صِغارٍ يُعِفُّهُم أو يَنفَعُهُمُ اللهُ بِهِ ويُغنِيهِم.
١٣٠١. (م) (٩٩٥) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «دِينارٌ أنفَقتَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، ودِينارٌ أنفَقتَهُ فِي رَقَبَةٍ، ودِينارٌ تَصَدَّقتَ بِهِ عَلى مِسكِينٍ، ودِينار أنفَقتَهُ عَلى أهلِكَ، أعظَمُها أجرًا الَّذِي أنفَقتَهُ عَلى أهلِكَ».
-يؤخذ من الأحاديث تقديم الأولويات في الحياة، وذلك من أسباب استقامة حال العبد وسعادته.

باب: مِنَ الإثْمِ أنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ


١٣٠٢. (م) (٩٩٦) عَنْ خَيْثَمَةَ قالَ: كُنّا جُلُوسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ﵁ إذ جاءَهُ قَهرَمانٌ لَهُ، فَدَخَلَ فَقالَ: أعطَيتَ الرَّقِيقَ قُوتَهُم؟ قالَ: لا. قالَ: فانطَلِق فَأَعطِهِم، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «كَفى بِالمَرءِ إثمًا أن يَحبِسَ عَمَّن يَملِكُ قُوتَهُ».
-الحث على النفقة على العيال. (النووي)
-بيان عظم الثواب في إعطاء المال مستحقه؛ لأن منهم من تجب نفقته بالقرابة، ومنهم من تكون مندوبة وتكون صدقته صلة، ومنهم من تكون واجبة بملك النكاح أو ملك اليمين، وهذا كله فاضل محثوث عليه. (النووي)

باب: لِلْمَرْأَةِ أنْ تَأْخُذَ مِن مالِ زَوْجِها وتُنْفِقَ عَلى عِيالِهِ بِالـمَعْرُوفِ


١٣٠٣. (خ م) (١٧١٤) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: جاءَت هِندٌ إلى النَّبِيِّ ﷺ فَقالَت: يا رَسُولَ اللهِ؛ واللهِ ما كانَ عَلى ظَهرِ الأرضِ أهلُ خِباءٍ أحَبَّ إلَيَّ مِن أن يُذِلَّهُم اللهُ مِن أهلِ خِبائِكَ، وما عَلى ظَهرِ الأرضِ أهلُ خِباءٍ أحَبَّ إلَيَّ مِن أن يُعِزَّهُم اللهُ مِن أهلِ خِبائِكَ. فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «وأَيضًا والَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ». ثُمَّ قالَت: يا رَسُولَ اللهِ؛ إنَّ أبا سُفيانَ رَجُلٌ مُمسِكٌ؛ فَهَل عَلَيَّ حَرَجٌ أن أُنفِقَ عَلى عِيالِهِ مِن مالِهِ بِغَيرِ إذنِهِ؟ فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لا حَرَجَ عَلَيكِ أن تُنفِقِي عَلَيهِم بِالمَعرُوفِ».
وفي رواية: رَجُلٌ شَحِيحٌ، لا يُعطِينِي مِن النَّفَقَةِ ما يَكفِينِي ويَكفِي بَنِيَّ إلا ما أخَذتُ مِن مالِهِ بِغَيرِ عِلمِهِ، فَهَل عَلَيَّ فِي ذَلكَ مِن جُناحٍ؟ فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «خُذِي مِن مالِهِ بِالمَعرُوفِ ما يَكفِيكِ ويَكفِي بَنِيكِ».
-في الحديث دلالة على وفور عقل هند، وحسن تأتيها في المخاطبة. (ابن حجر)
-يؤخذ منه الحديث أن صاحب الحاجة يستحب له أن يقدم بين يدي نجواه اعتذارا إذا كان في نفس الذي يخاطبه عليه موجدة، وأن المعتذر يستحب له أن يقدم ما يتأكد به صدقه عند من يعتذر إليه؛ لأن هندا قدمت الاعتراف بذكر ما كانت عليه من البغض ليعلم صدقها فيما ادعته من المحبة. (ابن حجر)

باب: فِـي الـمُطَلَّقَةِ ثَلاثًا لا نَفَقَةَ لَها ولا سُكْنى


١٣٠٤. (خ م) (١٤٨١) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: ما لِفاطِمَةَ خَيرٌ أن تَذكُرَ هَذا، قالَ: تَعنِي قَولَها: لا سُكنى ولا نَفَقَةَ.
وروى (م) عن عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتبَةَ؛ أنَّ أبا عَمرِو بنَ حَفصِ ابْنِ المُغِيرَةِ خَرَجَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ إلى اليَمَنِ، فَأَرسَلَ إلى امرَأَتِهِ فاطِمَةَ بِنتِ قَيسٍ بِتَطلِيقَةٍ كانَت بَقِيَت مِن طَلاقِها، وأَمَرَ لَها الحارِثَ بنَ هِشامٍ، وعَيّاشَ بنَ أبِي رَبِيعَةَ بِنَفَقَةٍ، فَقالا لَها: واللهِ ما لَكِ نَفَقَةٌ إلاَّ أن تَكُونِي حامِلًا. فَأَتَتِ النَّبِيَّ ﷺ فَذَكَرَت لَهُ قَولَهُما، فَقالَ: «لا نَفَقَةَ لَكِ». فاستَأذَنَتهُ فِي الانتِقالِ، فَأَذِنَ لَها، فَقالَت: أينَ يا رَسُولَ اللهِ؟ فَقالَ: «إلى ابْنِ أُمِّ مَكتُومٍ». وكانَ أعمى تَضَعُ ثِيابَها عِندَهُ ولا يَراها، فَلَمّا مَضَت عِدَّتُها أنكَحَها النَّبِيُّ ﷺ أُسامَةَ بنَ زَيْدٍ، فَأَرسَلَ إلَيها مَروانُ قَبِيصَةَ بنَ ذُؤَيبٍ يَسأَلُها عَنِ الحَدِيثِ، فَحَدَّثَتهُ بِهِ، فَقالَ مَروانُ: لَم نَسمَع هَذا الحَدِيثَ إلاَّ مِنِ امرَأَةٍ، سَنَأخُذُ بِالعِصمَةِ الَّتِي وجَدنا النّاسَ عَلَيها. فَقالَت فاطِمَةُ حِينَ بَلَغَها قَولُ مَروانَ: فَبَينِي وبَينَكُمُ القُرآنُ، قالَ اللهُ ﷿: ﴿لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ﴾ [الطلاق: ١] الآيَةَ. قالَت: هَذا لِمَن كانَت لَهُ مُراجَعَةٌ؛ فَأَيُّ أمرٍ يَحدُثُ بَعدَ الثَّلاثِ؟ فَكَيفَ تَقُولُونَ: لا نَفَقَةَ لَها إذا لَم تَكُن حامِلًا؟ فَعَلامَ تَحبِسُونَها؟
ورَوى (م) عَن عُروَةَ قالَ: تَزَوَّجَ يَحيى بنُ سَعِيدِ بْنِ العاصِ بِنتَ عَبْدِ الرَّحمنِ بْنِ الحَكَمِ، فَطَلَّقَها، فَأَخرَجَها مِن عِندِهِ، فَعابَ ذَلكَ عَلَيهِم عُروَةُ، فَقالُوا: إنَّ فاطِمَةَ قَد خَرَجَت. قالَ عُروَةُ: فَأَتَيتُ عائِشَةَ فَأَخبَرتُها بِذَلكَ، فَقالَت: ما لِفاطِمَةَ ... نَحوَهُ.
لَفظُ (خ): فانْتَقَلَها عَبدُ الرَّحمنِ، فَأَرسَلَت عائِشَةُ أُمُّ المُؤمِنِينَ إلى مَروانَ بْنِ الحَكَمِ وهُو أمِير المَدِينةِ: اتَّقِ اللهَ واردُدْها إلى بَيتَها. قالَ مَروانُ: إنَّ عَبدَ الرَّحمنِ بْنِ الحَكَم غَلَبَني، وقالَ القاسِمُ بنُ مُحمدٍ: أوَما بَلَغَكِ شَأنُ فاطِمَةَ بِنتِ قَيسٍ؟ قالَت: لا يَضُرُّكَ ألا تَذكُرَ حَدِيثَ فاطِمَةَ. فَقالَ مَروانُ بنُ الحَكَمِ: إن كانَ بِكِ شَرٌّ، فَحَسبُكِ ما بَينَ هَذَينِ مِن الشَّرِّ.
وفي رواية: قالَ عُروَةُ بنُ الزُّبَيرِ لِعائِشَةَ: ألَم تَرَي إلى فُلانةَ بِنتِ الحَكَمِ؟ طَلَّقَها زَوجُها البَتَّةَ فَخَرَجَت، فَقالَت: بِئسَما صَنَعَتْ. فَقالَ: ألَم تَسمَعِي إلى قَولِ فاطِمَةَ؟ فَقالَت: أما إنَّهُ لا خَيرَ لَها فِي ذِكرِ ذَلكَ.
ورَوى (م) عَن فاطِمَةَ بِنتِ قَيسٍ قالَت: قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ زَوجِي طَلَّقني ثَلاثًا، وأَخافُ أن يُقْتَحَمَ عَلَيَّ. قالَ: فَأَمَرَها فَتَحَوَّلتْ. وفي رواية (خ) مُعَلَّقةٍ: عابَتْ عائِشَةُ أشَدَّ العَيبِ، وقالَت: إنَّ فاطِمَةَ كانَت فِي مَكانٍ وحْشٍ، فَخِيفَ عَلى ناحِيَتِها، فَلِذَلكَ أرْخَصَ لَها النَّبيُّ ﷺ.
١٣٠٥. (م) (١٤٨٠) عَنْ فاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ ﵂؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي المُطَلَّقَةِ ثَلاثًا قالَ: «لَيسَ لَها سُكنى ولا نَفَقَةً».
١٣٠٦. (م) (١٤٨٠) عَنْ فاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ ﵂؛ أنَّ أبا عَمرِو بنَ حَفصٍ طَلَّقَها البَتَّةَ وهُوَ غائِبٌ، فَأَرسَلَ إلَيها وكِيلُهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتهُ، فَقالَ: واللهِ ما لَكِ عَلَينا مِن شَيءٍ. فَجاءَت رَسُولَ اللهِ ﷺ فَذَكَرَت ذَلكَ لَهُ، فَقالَ: «لَيسَ لَكِ عَلَيهِ نَفَقَةٌ». فَأَمَرَها أن تَعتَدَّ فِي بَيتِ أُمِّ شَرِيكٍ، ثُمَّ قالَ: «تِلكِ امرَأَةٌ يَغشاها أصحابِي اعتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكتُومٍ، فَإنَّهُ رَجُلٌ أعمى تَضَعِينَ ثِيابَكِ، فَإذا حَلَلتِ فَآذِنِينِي». قالَت: فَلَمّا حَلَلتُ ذَكَرتُ لَهُ أنَّ مُعاوِيَةَ بنَ أبِي سُفيانَ وأَبا جَهمٍ خَطَبانِي، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أمّا أبُو جَهمٍ فَلا يَضَعُ عَصاهُ عَن عاتِقِهِ، وأَمّا مُعاوِيَةُ فَصُعلُوكٌ لا مالَ لَهُ، انكِحِي أُسامَةَ بنَ زَيْدٍ». فَكَرِهتُهُ، ثُمَّ قالَ: «انكِحِي أُسامَةَ». فَنَكَحتُهُ، فَجَعَلَ اللهُ فِيهِ خَيرًا واغتَبَطتُ.
وفِي رِوايَةٍ: «أمّا مُعاوِيَةُ فَرَجُلٌ تَرِبٌ لا مالَ لَهُ، وأَمّا أبُو جَهْمٍ فَرَجُلٌ ضَرّابٌ لِلنِّساءِ». وفِيها: فَقالَ لَها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «طاعَةُ اللَّهِ وطاعَةُ رَسُولِهِ خَيْرٌ لَكِ». فَتَزَوَّجْتُهُ فاغْتَبَطْتُ.
-يؤخذ من الحديث أن المطلقة ثلاث طلقات ليس لها حق في طلب نفقة أو سكن من طليقها، وفي هذا يتبين كمال عدل الشريعة، وعدم بخسها حق أحد، بل لكل شيء قدره وحقه.
-ويؤخذ من الحديث جواز ذكر المعايب إن وجدت للمصلحة، كأن يكون السؤال عن خاطب.

١٣٠٧. (م) (١٤٨٠) عَنْ أبِي إسْحاقَ قالَ: كُنتُ مَعَ الأَسوَدِ بْنِ يَزِيدَ جالِسًا فِي المَسْجِدِ الأَعظَمِ ومَعَنا الشَّعبِيُّ، فَحَدَّثَ الشَّعبِيُّ بِحَدِيثِ فاطِمَةَ بِنتِ قَيسٍ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَم يَجعَل لَها سُكنى ولا نَفَقَةً، ثُمَّ أخَذَ الأَسوَدُ كَفًّا مِن حَصًى فَحَصَبَهُ بِهِ، فَقالَ: ويلَكَ؛ تُحَدِّثُ بِمِثلِ هَذا؟ قالَ عُمَرُ: لا نَترُكُ كِتابَ اللهِ وسُنَّةَ نَبِيِّنا ﷺ لِقَولِ امرَأَةٍ لا نَدرِي لعلها حَفِظَت أو نَسِيَت، لَها السُّكنى والنَّفَقَةُ، قالَ اللهُ ﷿: ﴿لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ ولا يَخْرُجْنَ إلاَّ أن يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ﴾ [الطلاق: ١].

كِتابُ الـعِـتْـقِ


باب: فَضْلُ العِتْقِ والـمُسارَعَةُ فِـي ذَلِكَ


١٣٠٨. (خ م) (١٥٠٩) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «مَن أعتَقَ رَقَبَةً مُؤمِنَةً أعتَقَ اللهُ بِكُلِّ عُضوٍ مِنهُ عُضوًا مِن النّارِ، حَتّى يُعتِقَ فَرجَهُ بِفَرجِهِ». وفي رواية: قالَ سَعِيدُ ابنُ مُرْجانَةَ: فانطَلَقتُ حِينَ سَمِعتَ الحَدِيثَ مِن أبِي هُرَيْرَةَ فَذَكَرتُهُ لِعَليِّ بْنِ الحُسَينِ، فَأَعْتَقَ عَبدًا لَهُ قَد أعطاهُ بِهِ ابنُ جَعْفَرٍ عَشرَةَ آلافِ دِرهَمٍ، أو ألفِ دِينارٍ.
-في قوله (أعتق الله بكل عضو منه عضوا) إشارة إلى أنه لا ينبغي أن يكون في الرقبة نقصان ليحصل الاستيعاب.(ابن حجر)
-قد لا يوجد في أزماننا هذه عتق الرقاب، ومن رجا نيل هذا الثواب فدونه حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه" متفق عليه

١٣٠٩. (خ) (٢٥٣٠) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّهُ لَمّا أقبَلَ يُرِيدُ الإسلامَ ومَعَهُ غُلامُهُ ضَلَّ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما مِن صاحِبِه، فَأَقبَلَ بَعدَ ذَلكَ وأَبُو هُرَيْرَةَ جالِسٌ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «يا أبا هُرَيْرَةَ؛ هَذا غُلامُكَ قَد أتاكَ». فَقالَ: أما إنِّي أُشهِدُكَ أنَّهُ حُرٌّ. قالَ: فَهُوَ حِينَ يَقُولُ:
يا لَيْلَةً مِن طُولِها وعَنائِها *** عَلى أنَّها مِن دارَةِ الكُفْرِ نَجَّتِ

باب: فَضْلُ عِتْقِ الوالِدِ


١٣١٠. (م) (١٥١٠) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لا يَجزِي ولَدٌ والِدًا إلاَّ أن يَجِدَهُ مَملُوكًا فَيَشتَرِيَهُ فَيُعتِقَهُ». وفي رواية: «ولَدٌ والِدَهُ».

باب: ذِكْرُ السِّرايَةِ والسِّعايَةِ فِـي العِتْقِ


١٣١١. (خ م) (١٥٠١) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن أعتَقَ شِركًا لَهُ فِي عَبدٍ، فَكانَ لَهُ مالٌ يَبلُغُ ثَمَنَ العَبدِ قُوِّمَ عَلَيهِ قِيمَةَ العَدلِ، فَأَعطى شُرَكاءَهُ حِصَصَهُم، وعَتَقَ عَلَيهِ العَبدُ، وإلا فَقَد عَتَقَ مِنهُ ما عَتَقَ».
١٣١٢. (خ م) (١٥٠٣) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «مَن أعتَقَ شِقصًا لَهُ فِي عَبدٍ فَخَلاصُهُ فِي مالِهِ إن كانَ لَهُ مالٌ، فَإن لَم يَكُن لَهُ مالٌ استُسعِيَ العَبدُ غَيرَ مَشقُوقٍ عَلَيهِ».
ورَوى (م) عَنهُ؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ فِي المَملُوكِ بَينَ الرَّجُلَينِ فَيُعْتِقُ أحَدُهُما قالَ: «يَضْمَنُ».
-قال العلماء ومعنى الاستسعاء في هذا الحديث أن العبد يكلف الاكتساب والطلب حتى تحصل قيمة نصيب الشريك الآخر فإذا دفعها إليه عتق هكذا فسره جمهور القائلين بالاستسعاء، وقال بعضهم هو أن يخدم سيده الذي لم يعتق بقدر ماله فيه من الرق فعلى هذا تتفق الأحاديث. (النووي)

باب: الوَلاءُ لِـمَن أعْتَقَ


١٣١٣. (خ م) (١٥٠٤) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: دَخَلَت عَلَيَّ بَرِيرَة فَقالَت: إنَّ أهلِي كاتَبُونِي عَلى تِسعِ أواقٍ فِي تِسعِ سِنِينَ، فِي كُلِّ سَنَةٍ أُوقِيَّةٌ، فَأَعِينِينِي. فَقُلتُ لَها: إن شاءَ أهلُكِ أن أعُدَّها لَهُم عَدَّةً واحِدَةً وأُعتِقَكِ ويَكُونَ الوَلاءُ لِي فَعَلتُ. فَذَكَرَت ذَلكَ لأهلِها، فَأَبَوا إلا أن يَكُونَ الوَلاءُ لَهُم، فَأَتَتنِي فَذَكَرَت ذَلكَ، (قالَت: فانتَهَرتُها، فَقالَت: لا ها اللهِ إذًا). قالَت: فَسَمِعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَسَأَلَنِي فَأَخبَرتُهُ، فَقالَ: «اشتَرِيها وأَعتِقِيها، واشتَرِطِي لَهُم الوَلاءَ، فَإنَّ الوَلاءَ لِمَن أعتَقَ». فَفَعَلتُ، قالَت: ثُمَّ خَطَبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَشِيَّةً، فَحَمِدَ اللهَ وأَثنى عَلَيهِ بِما هُوَ أهلُهُ، ثُمَّ قالَ: «أمّا بَعدُ؛ فَما بالُ أقوامٍ يَشتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيسَت فِي كِتابِ اللهِ، ما كانَ مِن شَرطٍ لَيسَ فِي كِتابِ اللهِ ﷿ فَهُوَ باطِلٌ، وإن كانَ مِائَةَ شَرطٍ، (كِتابُ اللهِ) أحَقُّ، وشَرطُ اللهِ أوثَقُ، ما بالُ رِجالٍ مِنكُم يَقُولُ أحَدُهُم: أعتِق فُلانًا والوَلاءُ لِي، إنَّما الوَلاءُ لِمَن أعتَقَ». لَفظُ (خ): «قَضاءُ اللهِ أحَقُّ». وفي رواية: ولَم تَكُن قَضَت مِن كِتابَتِها شيئًا. وفي رواية: «الوَلاءُ لِمَن ولِيَ النِّعْمَةَ». زادَ (خ): «الوَلاءُ لِمَن أعطى الوَرِقَ ...». فِي رِوايَةِ (خ) زادَ: «ودَعِيهِم يَشتَرِطُونَ ما شاؤُوا».
-في قوله (فأيما شرط ليس في كتاب الله) يعني في حكمه، وليس المراد به القرآن وإنما هو أعم من ذلك مما يشمل الكتاب والسنة. (عبد الكريم الخضير)
- (قضاء الله أحق) يعني حكم الله أحق من حكم الناس. (عبد الكريم الخضير)
-لو قيل كيف الجمع ما بين أن تملك عائشة رضي الله عنها تسع أواق في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقد جاء في عيشه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يمر به الهلال والثاني والثالث في شهرين لا يوقد في بيته نار، فهل في مثل هذا تعارض؟
الجواب: أحيانا النبي صلى الله عليه والسلام تأتيه الأموال الطائلة، لكنه كما قال عليه الصلاة والسلام: "ما يسرني أن لي مثل أحد ذهبا تأتي علي ثالثة وعندي منه دينار إلا دينار أرصده لدين إلا أن أقول به هكذا وهكذا وهكذا". فقد يجتمع المال في لحظة أو في وقت، ويعدم ويفقد في أوقات. (عبد الكريم الخضير)

١٣١٤. (خ م) (١٥٠٤) عَنْ عائِشَةَ ﵂ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ قالَت: كانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلاثُ سُنَنٍ: خُيِّرَت عَلى زَوجِها حِينَ عَتَقَت، وأُهدِيَ لَها لَحمٌ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ والبُرمَةُ عَلى النّارِ فَدَعا بِطَعامٍ، فَأُتِيَ بِخُبزٍ وأُدُمٍ مِن أُدُمِ البَيتِ، فَقالَ: «ألَم أرَ بُرمَةً عَلى النّارِ فِيها لَحمٌ؟» فَقالُوا: بَلى يا رَسُولَ اللهِ؛ ذَلكَ لَحمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلى بَرِيرَةَ فَكَرِهنا أن نُطعِمَكَ مِنهُ. فَقالَ: «هُوَ عَلَيها صَدَقَةٌ، وهُوَ مِنها لَنا هَدِيَّةٌ». وقالَ النَّبِيُّ ﷺ فِيها: «إنَّما الوَلاءُ لِمَن أعتَقَ».
وفي رواية: فَخَيَّرَها رَسُولُ اللهِ ﷺ فاختارَت نَفسَها. وفي رواية (م): كانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلاثُ قَضَيّاتٍ ... وفي رواية لَهُ: وكانَ زَوجُها عَبْدًا، فَخَيَّرَها رَسُولُ اللهِ ﷺ فاختارَت نَفْسَها، ولَو كانَ حُرًّا لَم يُخيِّرها.
-دخلت بريرة في بيت النبوة وصار لها شأن وهي مولاة فالنسب لا يقدس صاحبه. (عبد الكريم الخضير)

باب: الـنَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الوَلاءِ وعَنْ هِبَتِهِ


١٣١٥. (خ م) (١٥٠٦) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ نَهى عَن بَيعِ الوَلاءِ، وعَن هِبَتِهِ.

باب: الـتَّغْلِيظُ عَلى مَن قَذَفَ مَمْلُوكَهُ بِالزِّنا


١٣١٦. (خ م) (١٦٦٠) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ أبُو القاسِمِ ﷺ: «مَن قَذَفَ مَملُوكَهُ بِالزِّنا يُقامُ عَلَيهِ الحَدُّ يَومَ القِيامَةِ، إلا أن يَكُونَ كَما قالَ». وفي رواية (م): سَمِعتُ أبا القاسِمِ ﷺ نَبيَّ التَّوبَةِ يَقُولُ ...
-قوله (إلا أن يكون كما قال) أي فلا يجلد. (ابن حجر)

باب: الإحْسانُ إلى الـمَمْلُوكِينَ ولا يُكَلَّفُونَ ما لا يُطِيقُونَ


١٣١٧. (خ م) (١٦٦١) عَنِ المَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قالَ: مَرَرنا بِأَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وعَلَيهِ بُردٌ، وعَلى غُلامِهِ مِثلُهُ، فَقُلنا: يا أبا ذَرٍّ؛ لَو جَمَعتَ بَينَهُما كانَت حُلَّةً، فَقالَ: إنَّهُ كانَ بَينِي وبَينَ رَجُلٍ مِن إخوانِي كَلامٌ، وكانَت أُمُّهُ أعجَمِيَّةً، فَعَيَّرتُهُ بِأُمِّهِ، فَشَكانِي إلى النَّبِيِّ ﷺ، فَلَقِيتُ النَّبِيَّ ﷺ فَقالَ: «يا أبا ذَرٍّ؛ إنَّكَ امرُؤٌ فِيكَ جاهِلِيَّةٌ». (قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ مَن سَبَّ الرِّجالَ سَبُّوا أباهُ وأُمَّهُ). قالَ: «يا أبا ذَرٍّ؛ إنَّكَ امرُؤٌ فِيكَ جاهِلِيَّةٌ، هُم إخوانُكُم، جَعَلَهُم اللهُ تَحتَ أيدِيكُم، فَأَطعِمُوهُم مِمّا تَأكُلُونَ، وأَلبِسُوهُم مِمّا تَلبَسُونَ، ولا تُكَلِّفُوهُم ما يَغلِبُهُم، فَإن كَلَّفتُمُوهُم فَأَعِينُوهُم». وفي رواية: «إخوانُكُم وخَوَلُكُم ...». لَفظُ (خ): «إخوانُكُم خَوَلُكُم». وفي رواية: رَأَيتَ أبا ذَرٍّ وعَلَيهِ حُلَّةٌ وعَلى غُلامِهِ مِثلُها ... وفي رواية زادَ: بَعدَ قَولِهِ: «إنَّكَ امرُؤٌ فِيكَ جاهِلِيَّةٌ». قالَ: قُلتُ: عَلى حالِ ساعَتِي مِن الكِبَرِ؟ قالَ: «نَعَم». لَفظُ (خ): مِن كِبَرِ السِّنِّ؟
وفي رِوايَةٍ (م): «فَإن كَلَّفَهُ ما يَغلِبُهُ فَلْيَبِعْهُ».
-قوله (لو جمعت بينهما كانت حلة) إنما قال ذلك لأن الحلة عند العرب ثوبان ولا تطلق على ثوب واحد. (النووي)
-قوله (رجل من إخواني) فمعناه رجل من المسلمين والظاهر أنه كان عبدا، وإنما قال من إخواني؛ لأن النبي ﷺ قال له: (إخوانكم خولكم فمن كان أخوه تحت يده). (النووي)
-قوله ﷺ (فيك جاهلية) وهو التعيير بالتنقيص من الآباء والأمهات، وهذا مما مقته الإسلام وعده من أخلاق الجاهلية.
- النهي عن التعيير بالوالدين، وعن الفخر بالآباء، والحثُّ على الإحسان بالأجير، والضعفة والرفق بهم، فلا يجوز لأحد تعيير أحد بشيء من المكروه يعرفه في آبائه، وخاصة نفسه، ولا يكلفون من العمل ما لا يطيقون الدوام عليه، فإن كلفه ذَلِكَ لزمه إعانته عليه بنفسه أو بغيره. ( ابن الملقن )
- عدم الترفع على المسلم، وإن كان عبدًا أو نحوه من الضعفة؛ لأن الله تعالى قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] وقد تظاهرت الدلائل على الأمر باللطف بالضعفة، وخفض الجناح لهم، وعلى النهي عن احتقارهم والترفع عليهم. ( ابن الملقن )
-يباح للمسبوب أن يسب الساب نفسه بقدر ما سبه، ولا يتعرض لأبيه ولا لأمه. (النووي)
-يجب على السيد نفقة المملوك وكسوته بالمعروف بحسب البلدان والأشخاص، سواء كان من جنس نفقة السيد ولباسه، أو دونه أو فوقه، حتى لو قتر السيد على نفسه تقتيرا خارجا عن عادة أمثاله إما زهدا وإما شحا لا يحل له التقتير على المملوك وإلزامه وموافقته إلا برضاه. (النووي)
- أجمع العلماء على أنه لا يجوز أن يكلف السيد مملوكه من العمل ما لا يطيقه فإن كان ذلك لزمه إعانته بنفسه أو بغيره. (النووي)

١٣١٨. (خ م) (١٦٦٣) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إذا صَنَعَ لأحَدِكُم خادِمُهُ طَعامَهُ، ثُمَّ جاءَهُ بِهِ وقَد ولِيَ حَرَّهُ ودُخانَهُ فَليُقعِدهُ مَعَهُ فَليَأكُل، فَإن كانَ الطَّعامُ مَشفُوهًا قَلِيلًا فَليَضَع فِي يَدِهِ مِنهُ أُكلَةً أو أُكلَتَينِ». قالَ داوُدُ: يَعنِي لُقمَةً أو لُقمَتَينِ .. زادَ (خ) فِي آخِرِهِ: «فَليُناوِلهُ أُكلَةً أو أُكلَتَينِ أو لُقمَةً أو لُقمَتَينِ فَإنَّهُ ولِيَ حَرَّهُ وعِلاجَهُ».
-في هذا الحديث الحث على مكارم الأخلاق والمواساة في الطعام لا سيما في حق من صنعه أو حمله؛ لأنه ولي حره ودخانه وتعلقت به نفسه وشم رائحته، وهذا كله محمول على الاستحباب. (النووي)
ويدخل في هذا الاستحباب الخادم الذي يجلب الطعام لأهل البيت، فيستحب أن يُطعم منه ولو قليلاً.

باب: مَن ضَرَبَ مَمْلُوكَهُ فَكَفّارَتُهُ أنْ يُعْتِقَهُ


١٣١٩. (م) (١٦٥٧) عَنْ زاذانَ أبِي عُمَرَ قالَ: أتَيتُ ابنَ عُمَرَ وقَد أعتَقَ مَملُوكًا، قالَ: فَأَخَذَ مِنَ الأَرضِ عُودًا أو شَيئًا، فَقالَ: ما فِيهِ مِنَ الأَجرِ ما يَسوى هَذا، إلا أنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «مَن لَطَمَ مَملُوكَهُ أو ضَرَبَهُ فَكَفّارَتُهُ أن يُعتِقَهُ».
-قال العلماء في هذا الحديث الرفق بالمماليك، وحسن صحبتهم، وكف الأذى عنهم، وأجمع المسلمون على أن عتقه بهذا ليس واجبا وإنما هو مندوب رجاء كفارة ذنبه فيه إزالة إثم ظلمه. (النووي)

١٣٢٠. (م) (١٦٥٨) عَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ قالَ: لَطَمتُ مَولًى لَنا فَهَرَبتُ، ثُمَّ جِئتُ قُبَيلَ الظُّهرِ فَصَلَّيتُ خَلفَ أبِي، فَدَعاهُ ودَعانِي، ثُمَّ قالَ: امتَثِل مِنهُ. فَعَفا، ثُمَّ قالَ: كُنّا بَنِي مُقَرِّنٍ عَلى عَهدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ لَيسَ لَنا إلا خادِمٌ واحِدَةٌ، فَلَطَمَها أحَدُنا، فَبَلَغَ ذَلكَ النَّبِيَّ ﷺ فَقالَ: «أعتِقُوها». قالُوا: لَيسَ لَهُم خادِمٌ غَيرُها. قالَ: «فَليَستَخدِمُوها، فَإذا استَغنَوا عَنها فَليُخَلُّوا سَبِيلَها».
وروى (م) عن هِلالِ بْنِ يَسافٍ قالَ: عَجِلَ شَيخٌ فَلَطَمَ خادِمًا لَهُ، فَقالَ لَهُ سُوَيدُ بنُ مُقَرِّنٍ: عَجَزَ عَلَيكَ إلا حُرُّ وجهِها، لَقَد رَأَيتُنِي سابِعَ سَبعَةٍ مِن بَنِي مُقَرِّنٍ ما لَنا خادِمٌ إلا واحِدَةٌ، لَطَمَها أصغَرُنا، فَأَمَرَنا رَسُولُ اللهِ ﷺ أن نُعتِقَها. وفي رواية: وإنِّي لَسابِعُ إخوَةٍ لِي ...
١٣٢١. (م) (١٦٥٩) عَنْ أبِي مَسْعُودٍ البَدْرِيِّ ﵁ قالَ: كُنتُ أضرِبُ غُلامًا لِي بِالسَّوطِ، فَسَمِعتُ صَوتًا مِن خَلفِي: «اعلَم أبا مَسْعُودٍ». فَلَم أفهَمِ الصَّوتَ مِنَ الغَضَبِ، قالَ: فَلَمّا دَنا مِنِّي إذا هُوَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَإذا هُوَ يَقُولُ: «اعلَم أبا مَسْعُودٍ، اعلَم أبا مَسْعُودٍ». قالَ: فَأَلقَيتُ السَّوطَ مِن يَدِي، فَقالَ: «اعلَم أبا مَسْعُودٍ أنَّ اللهَ أقدَرُ عَلَيكَ مِنكَ عَلى هَذا الغُلامِ». قالَ: فَقُلتُ: لا أضرِبُ مَملُوكًا بَعدَهُ أبَدًا. وفي رواية: قالَ: ... فالتَفَتُّ فَإذا هُوَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ هُوَ حُرٌّ لِوَجهِ اللهِ، فَقالَ: «أما لَو لَم تَفعَل لَلَفَحَتكَ النّارُ، أو لَمَسَّتكَ النّارُ».
وفي رواية: فَسَقَطَ مِن يَدِي السَّوطُ مِن هَيبَتِهِ.
وفي رواية: أنَّهُ كانَ يَضرِبُ غُلامَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: أعُوذُ بِاللهِ. فَجَعَلَ يَضرِبُهُ، فَقالَ: أعُوذُ بِرَسُولِ اللهِ. فَتَرَكَهُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «واللهِ لَلَّهُ أقدَرُ عَلَيكَ مِنكَ عَلَيهِ». قالَ: فَأَعتَقَهُ.

باب: ثَوابُ العَبْدِ إذا نَصَحَ لِسَيِّدِهِ وأَحْسَنَ عِبادَةَ اللهِ


١٣٢٢. (خ م) (١٦٦٥) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لِلعَبدِ المَملُوكِ المُصلِحِ أجرانِ». والَّذِي نَفسُ أبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ لَولا الجِهادُ فِي سَبِيلِ اللهِ والحَجُّ وبِرُّ أُمِّي لأحبَبتُ أن أمُوتَ وأَنا مَملُوكٌ. (قالَ سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ: وبَلَغَنا أنَّ أبا هُرَيْرَةَ لَم يَكُن يَحُجُّ حَتّى ماتَت أُمُّهُ، لِصُحبَتِها).
-قوله : " والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله، والحج وبر أمي، لأحببت أن أموت وأنا مملوك " : هذه من كلام أبي هريرة، واستثنى هذه الأشياء ؛ لأن الجهاد والحج يشترط فيهما إذن السيد, وكذلك بر الأم فقد يحتاج فيه إلى إذن السيد في بعض وجوهه بخلاف بقية العبادات البدنية، ولم يتعرض للعبادات المالية إما لكونه كان إذ ذاك لم يكن له مال يزيد على قدر حاجته فيمكنه صرفه في القربات بدون إذن السيد، وإما لأنه كان يرى أن للعبد أن يتصرف في ماله بغير إذن السيد. (ابن حجر)
-ولما كان للعبد في عبادة ربه أجر, كذلك له في نصح السيد أجر، وفيه أنه ليس على العبد جهاد ولا حج، وأما بر الوالدين فالمراد منه السعي عليهما بالنفقة والكسوة ؛ لأن كسبه لمولاه بخلاف خفض الجناح ولين القول ونحوهما فإنه لازم على العبد كما في الحر. (الكرماني)
-قال ابن عبد البر : معنى هذا الحديث عندي أن العبد لما اجتمع عليه أمران واجبان طاعة ربه في العبادات، وطاعة سيده في المعروف فقام بهما جميعا كان له ضعف أجر الحر المطيع لطاعة ربه؛ لأنه قد ساواه في طاعة الله وفضل عليه بطاعة من أمره الله بطاعته، قال ومن هنا أقول إن من اجتمع عليه فرضان فأداهما أفضل ممن ليس عليه إلا فرض واحد فأداه، كمن وجب عليه صلاة وزكاة فقام بهما فهو أفضل ممن وجبت عليه صلاة فقط، ومقتضاه أن من اجتمعت عليه فروض فلم يؤد منها شيئا كان عصيانه أكثر من عصيان من لم يجب عليه إلا بعضها. (ابن حجر)
-الذي يظهر أن مزيد الفضل للعبد الموصوف بالصفة ؛ لما يدخل عليه من مشقة الرق وإلا فلو كان التضعيف بسبب اختلاف جهة العمل لم يختص العبد بذلك. (ابن حجر)

١٣٢٣. (خ م) (١٦٦٧) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ قالَ: «نِعِمّا لِلمَملُوكِ (أن يُتَوَفّى) يُحسِنُ عِبادَةَ اللهِ وصَحابَةَ سَيِّدِهِ، نِعِمّا لَه».

١ أول من تتصدق عليه نفسك ثم

٥/٠