كِتابُ الـمُزارَعَةِ


باب: النَّهْيُ عَنْ كِراءِ الأَرْضِ بِجُزْءٍ مُعَيَّنٍ مِنها


١٤١١. (خ م) (١٥٣٦) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: كُنّا فِي زَمانِ رَسُولِ اللهِ ﷺ نَأخُذُ الأرضَ بِالثُّلُثِ أو الرُّبُعِ (بِالماذِياناتِ)، فَقامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي ذَلكَ فَقالَ: «مَن كانَت لَهُ أرضٌ فَليَزرَعها، فَإن لَم يَزرَعها فَليَمنَحها أخاهُ، فَإن لَم يَمنَحها أخاهُ فَليُمسِكها».
-فيه أنه ينبغي لصاحب الأرض إن رأى أحدًا من إخوانه محتاجًا أن يمنحه أرضه للزراعة من غير أجرة, ويواسيه بأرضه وهذا وإن لم يكن واجبًا عليه تشريعًا ولكنه مما حث عليه رسول الله ﷺ, ومن المؤسف أن هذه السُنة أصبحت متروكة اليوم, ولا يُرى أحد من ملاك الأرض يمنح أرضه لغيره من غير أجرة ويواسيه بأرضه مهما كثرت أراضيه أو عظمت أمواله, فمن الواجب على العلماء أن يبلغوا عامة المسلمين هذا الحديث, وما فيه من حث وترغيب, وإنه لا يلزم من كون الشيء غير واجب أن يهجر أصلًا. (الهرري).

١٤١٢. (خ م) (١٥٤٨) عَنْ رافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ﵁؛ أنَّ ظُهَيرَ بنَ رافِعٍ وهُوَ عَمُّهُ، قالَ: أتانِي فَقالَ: لَقَد نَهى رَسُولُ اللهِ ﷺ عَن أمرٍ كانَ بِنا رافِقًا، فَقُلتُ: وما ذاكَ؟ ما قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَهُوَ حَقٌّ. قالَ: سَأَلَنِي: «كَيفَ تَصنَعُونَ بِمَحاقِلِكُم؟» فَقُلتُ: نُؤاجِرُها يا رَسُولَ اللهِ عَلى (الرَّبِيعِ) أو الأوسُقِ مِن التَّمرِ أو الشَّعِيرِ. قالَ: «فَلا تَفعَلُوا، ازرَعُوها، أو أزرِعُوها، أو أمسِكُوها». زادَ (خ) فِي آخِرِهِ: قالَ رافِعٌ: قُلتُ: سَمعًا وطاعةً. وفي رواية (م): فَقالَ: نَهانا رَسُولُ اللهِ ﷺ عَن أمرٍ كانَ لَنا نافِعًا، وطَواعِيةُ اللهِ ورَسُولُهُ ﷺ أنْفَعُ لَنا، نَهانا أن نُحاقِلَ ... الحديث.
-فيه بيان ما كانت الصحابة عليه رضوان الله تعالى عليهم من أنهم كانوا يخضعون لأمر الله ورسوله ويؤثرونه على جميع مصالحهم سواء عرفوا حكمة ذلك الأمر أو لم يعرفوا، وكذلك ينبغي لكل مسلم أن يكون كذلك. (الهرري).
-هذا الحديث صريح في أن النهي عن المزارعة لم يكن عامًا لكل مزارعة وإنما كان مخصوصًا بهذه الصورة التي يشترط فيها ما ينبت على الربيع أو تشترط الأوسق المسماة من الخارج وكلاهما فاسد لتضمنه الغرر, قال لي رسول الله ﷺ: (فلا تفعلوا) تلك المؤاجرة يعني المؤاجرة على الربيع أو على الأوسق المعينة, "ازرعوها بأنفسكم أو أزرعوها لغيركم ببعض ما يخرج منها أو اجعلوها مزرعة لغيركم منيحة, أو أمسكوها في ملككم معطلة فارغة. (الهرري).

١٤١٣. (خ م) (١٥٤٧) عَنْ نافِعٍ؛ أنَّ ابنَ عُمَرَ كانَ يُكرِي مَزارِعَهُ عَلى عَهدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وفِي إمارَةِ أبِي بَكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ وصَدرًا مِن خِلافَةِ مُعاوِيَةَ، حَتّى بَلَغَهُ فِي آخِرِ خِلافَةِ مُعاوِيَةَ أنَّ رافِعَ بنَ خَدِيجٍ يُحَدِّثُ فِيها بِنَهيٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، فَدَخَلَ عَلَيهِ وأَنا مَعَهُ، فَسَأَلَهُ فَقالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَنهى عَن كِراءِ المَزارِعِ. فَتَرَكَها ابنُ عُمَرَ بَعدُ. (وكانَ إذا سُئِلَ عَنها بَعدُ قالَ: زَعَمَ) رافِعُ بنُ خَدِيجٍ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ نَهى عَنها. وفي رواية: قالَ رافِعُ بنُ خَدِيجٍ لِعَبدِ اللهِ: سَمِعتُ عَمَّيَّ وكانا قَد شَهِدا بَدْرًا يُحدِّثانِ أهلَ الدّارِ: وفِيها: ثُمَّ خَشِيَ عَبدُ اللهِ أن يَكُونَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أحْدَثَ فِي ذَلكَ شَيئًا لَم يَكُن عَلِمَهُ ...
وفي رواية: نَهى عَن كِراءِ المَزارِعِ. وفي رواية (خ): فَقالَ ابنُ عُمَرَ: قَد عَلِمتَ أنا كُنّا نُكرِي مَزارِعَنا عَلى عَهدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ بِما عَلى الأَربِعاءِ وبِشَيءٍ مِن التِّبْنِ. وفي رواية (خ): قالَ الزُّهرِيُ: قُلتُ لِسالمٍ: فَتُكرِيها أنتَ؟ قالَ: نَعَم، إنَّ رافِعًا أكثَرَ عَلى نَفسِهِ.

باب: جَوازُ كِراءِ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ والوَرِقِ


١٤١٤. (خ م) (١٥٤٧) عَنْ حَنْظَلةَ بْنِ قَيْسٍ الأَنْصارِيِّ قالَ: سَأَلتُ رافِعَ بنَ خَدِيجٍ عَن كِراءِ الأرضِ بِالذَّهَبِ والوَرِقِ، فَقالَ: لا بَأسَ بِهِ، إنَّما كانَ النّاسُ يُؤاجِرُونَ عَلى عَهدِ النَّبِيِّ ﷺ (عَلى الماذِياناتِ وأَقبالِ الجَداوِلِ وأَشياءَ مِن الزَّرعِ)، فَيَهلِكُ هَذا ويَسلَمُ هَذا، ويَسلَمُ هَذا ويَهلِكُ هَذا، فَلَم يَكُن لِلنّاسِ كِراءٌ إلا هَذا، فَلِذَلكَ زُجِرَ عَنهُ، (فَأَمّا شَيءٌ مَعلُومٌ مَضمُونٌ فَلا بَأسَ بِهِ).
ورَوى (م) عَن ثابِتِ بْنِ الضَّحّاكِ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ نَهى عَنِ المُزارَعَة، وأَمَرَ بِالمُؤاجَرَةِ، وقالَ: «لا بَأسَ بِها».
وفي رواية (خ): وفِيها: وأَمّا الذَّهَبُ والوَرِقُ فَلَم يَكُن يَومَئِذٍ.
-والمعنى أنهم كانوا يدفعون الأرض إلى من يزرعها ببذر من عنده، على أن يكون لمالك الأرض ما ينبت على الماذيانات وأقبال الجداول، أو هذه القطعة من الأرض، والباقي للعامل، فنهوا عن ذلك، لما فيه من الغرر، فربما هلك هذا دون ذلك، أو عكسه. (موسى شاهين).

باب: فِـي مَنحِ الأَرْضِ


١٤١٥. (خ م) (١٥٥٠) عَنْ طاوُسٍ؛ أنَّهُ كانَ يُخابِرُ، قالَ عَمرٌو: فَقُلتُ لَهُ: يا أبا عَبدِ الرَّحْمَنِ؛ لَو تَرَكتَ هَذِهِ المُخابَرَةَ، فَإنَّهُم يَزعُمُونَ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهى عَنِ المُخابَرَةِ، فَقالَ: أي عَمرُو؛ أخبَرَنِي أعلَمُهُم بِذَلكَ -يَعنِي ابنَ عَبّاسٍ- أنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَم يَنهَ عَنها، إنَّما قالَ: «يَمنَحُ أحَدُكُم أخاهُ خَيرٌ لَهُ مِن أن يَأخُذَ عَلَيها خَرجًا مَعلُومًا».

باب: جَوازُ الـمُساقاةِ ومُعامَلَةُ الأَرْضِ بِجُزْءٍ مُشاعٍ مِنَ الثَّمَرِ والزَّرْعِ


١٤١٦. (خ م) (١٥٥١) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قالَ: أعطى رَسُولُ اللهِ ﷺ خَيبَرَ بِشَطرِ ما يَخرُجُ مِن ثَمَرٍ أو زَرعٍ، فَكانَ يُعطِي أزواجَهُ كُلَّ سَنَةٍ مِائَةَ وسقٍ؛ ثَمانِينَ وسقًا مِن تَمرٍ، وعِشرِينَ وسقًا مِن شَعِيرٍ، فَلَمّا ولِيَ عُمَرُ قَسَمَ خَيبَرَ خَيَّرَ أزواجَ النَّبِيِّ ﷺ أن يُقطِعَ لَهُنَّ الأرضَ والماءَ أو يَضمَنَ لَهُنَّ الأوساقَ كُلَّ عامٍ، فاختَلَفنَ، فَمِنهُنَّ مَن اختارَ الأرضَ والماءَ، ومِنهُنَّ مَن اختارَ الأوساقَ كُلَّ عامٍ، فَكانَت عائِشَةُ (وحَفصَةُ) مِمَّن اختارَتا الأرضَ والماء.
وفي رواية (م): عَلى أن يَعْتَمِلُوها مِن أموالِهِم ... وفي رواية (م) زادَ: وكانَ الثَّمَرُ يُقسَمُ عَلى السُّهْمانِ من نِصفِ خَيبَر، فَيَأخُذُ رَسُولُ اللهِ ﷺ الخُمُسَ.
-من قوله "بشطر ما يخرج منها" أن الجزء المتفق عليه في المساقاة يكون معلومًا، من نصف وربع وغيرهما، من الأجزاء المعلومة، فلا يجوز على مجهول، كقوله: على أن لك بعض الثمر. قال النووي: واتفق المجوزون للمساقاة على جوازها بما اتفق عليه المتعاقدان من قليل أو كثير. (موسى شاهين).

١٤١٧. (خ) (٢٣٢٥) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَت الأنصارُ لِلنَّبِيِّ ﷺ: اقسِم بَينَنا وبَينَ إخوانِنا النَّخِيلَ. قالَ: «لا». فَقالُوا: تَكفُونا المَئُونَةَ ونُشرِكُكُم فِي الثَّمَرَةِ؟ قالُوا: سَمِعنا وأَطَعنا.
-قول النبي ﷺ: (لا) أي: لا اقسم وإنما أبى ذلك ؛ لأنه علم أن الفتوح ستفتح عليهم فكره أن يخرج عنهم شيئًا من رقبة نخيلهم التي بها قوام أمرهم شفقة عليهم فلما فهم الأنصار ذلك جمعوا بين المصلحتين امتثال ما أمرهم به عليه الصلاة والسلام, وتعجيل مواساة إخوانهم المهاجرين, فقالوا أي الأنصار للمهاجرين أيها المهاجرون (" تكفونا المؤونة "في النخل بتعهده بالسقي والتربية (ونشرككم في الثمرة) أي ويكون المتحصل من الثمرة مشتركًا بيننا وبينكم, وهذه عين المساقاة لكن لم يبينوا مقدار الأنصباء التي وقعت والمقرّر أن الشركة إذا أبهمت ولم يكن فيها جزء معلوم كانت نصفين أو كان نصيب العامل في المساقاة معلومًا بالعرف المنضبط فتركوا النص عليه اعتمادًا على ذلك العرف. (القسطلاني).

باب: الـنَّهْيُ عَنْ مَنعِ فَضْلِ الـماءِ


١٤١٨. (خ م) (١٥٦٦) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لا تَمنَعُوا فَضلَ الماءِ لِتَمنَعُوا بِهِ الكَلأَ».
-قد يملك الإنسان ما لا غنى لغيره عنه، وقد يملك ما لا جهد له فيه، وما منحه الله له، وقد يفيض هذا عما يحتاجه، فيكون من مكارم الأخلاق بذل هذا الفاضل، فإن كانت هذه السلعة ضرورية لحياة الآخرين، أو لحياة دوابهم ومواشيهم وجب بذل الفاضل منها بدون مقابل، فمن أخرج الله له عينًا في أرضه، أو حفر بئرًا في ملكه، فاحتاج آخرون ما زاد عن حاجته وجب عليه بذله، ونهي عن بيعه. ومن خير الصدقات الماء الجاري، وشر الذنوب والآثام رجل له فضل ماء بالطريق يمنعه ابن السبيل والمحتاج, وقد كان أهل الجاهلية يبيعون ويؤجرون، فنهوا عن ذلك.

باب: فِيمَن غَرَسَ غَرْسًا


١٤١٩. (خ م) (١٥٥٢) عَنْ أنَسٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ما مِن مُسلِمٍ يَغرِسُ غَرسًا، أو يَزرَعُ زَرعًا، فَيَأكُلُ مِنهُ طَيرٌ أو إنسانٌ أو بَهِيمَةٌ إلا كانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ».
ورَوى (م) عَن جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ نَحوَهُ، وفِيهِ: «وما سُرِقَ مِنهُ لَهُ صَدَقَةٌ ... ولا يَرزَؤُهُ أحَدٌ إلا كانَ لَهُ صَدَقَةٌ».
-فيه دليل على أن الرجل كل ما أصيب في ماله كان مأجورًا عليه, (الهرري).
-فيه سعة كرم الله أن يثيب على ما بعد الحياة كما كان يثيب ذلك في الحياة, وذلك في ستة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، أو غرس، أو زرع، أو رباط فللمرابط ثواب عمله إلى يوم القيامة (القسطلاني).
-فيه أن حصول هذه الصدقة المذكورة يتناول حتى من غرسه لعياله أو لنفقته لأن الإنسان يُثاب على ما سرق له وإن لم ينوِ ثوابه ولا يختصّ حصول ذلك بمن يباشر الغراس أو الزراعة بل يتناول من استأجر لعمل ذلك, والصدقة حاصلة حتى فيما عجز عن جمعه, كالسنبل المعجوز عنه بالحصيدة, فيأكل منه حيوان فإنه مندرج تحت مدلول الحديث. (القسطلاني).
-واستدلّ به على أن الزراعة أفضل المكاسب وقال به كثيرون، وقيل الكسب باليد، وقيل التجارة، وقد يقال كسب اليد أفضل من حيث الحلّ والزرع من حيث عموم الانتفاع، وحينئذٍ فينبغي أن يختلف ذلك باختلاف الحال فحيث احتيج إلى الأقوات أكثر تكون الزراعة أفضل للتوسعة على الناس، وحيث احتيج إلى المتجر لانقطاع الطرق تكون التجارة أفضل، وحيث احتيج إلى الصنائع تكون أفضل, والله أعلم (القسطلاني).
فيه دليل على أن الغراس واتخاذ الضياع مباح, وغير قادح في الزهد وقد فعله كثير من الصحابة (الهرري)

باب: لا حِمى إلّا للهِ ولِرَسُولِهِ ﷺ


١٤٢٠. (خ) (٢٣٧٠) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄؛ أنَّ الصَّعبَ بنَ جَثّامَة ﵁ قالَ: إنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «لا حِمى إلا للهِ ولِرَسُولِهِ». وقالَ ابنُ شهاب الزهريُّ: بَلَغَنا أنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَمى النَّقِيعَ، وأَنَّ عُمَرَ حَمى السَّرَفَ والرَّبَذَةَ.
١٤٢١. (خ) (٣٠٥٩) عَنْ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ؛ عَن أبِيهِ، أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطّاب ﵁ استَعمَلَ مَولًى لَهُ يُدعى هُنَيًّا عَلى الحِمى، فَقالَ: يا هُنَيُّ؛ اضمُم جَناحَكَ عَنِ المُسلِمِينَ، واتَّقِ دَعوَةَ المَظلُومِ، فَإنَّ دَعوَةَ المَظلُومِ مُستَجابَةٌ، وأَدخِل رَبَّ الصُّرَيمَةِ ورَبَّ الغُنَيمَةِ، وإيّايَ ونَعَمَ ابْنِ عَوفٍ ونَعَمَ ابْنِ عَفّانَ، فَإنَّهُما إن تَهلِك ماشِيَتُهُما يَرجِعا إلى نَخلٍ وزَرعٍ، وإنَّ رَبَّ الصُّرَيمَةِ ورَبَّ الغُنَيمَةِ إن تَهلِك ماشِيَتُهُما يَأتِنِي بِبَنِيهِ فَيَقُولُ: يا أمِيرَ المُؤمِنِينَ. أفَتارِكُهُم أنا لا أبا لَكَ؟ فالماءُ والكَلأُ أيسَرُ عَلَيَّ مِن الذَّهَبِ والوَرِقِ، وايمُ اللهِ إنَّهُم لَيَرَونَ أنِّي قَد ظَلَمتُهُم، إنَّها لَبِلادُهُم، فَقاتَلُوا عَلَيها فِي الجاهِلِيَّةِ، وأَسلَمُوا عَلَيها فِي الإسلامِ، والَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَولا المالُ الَّذِي أحمِلُ عَلَيهِ فِي سَبِيلِ اللهِ ما حَمَيتُ عَلَيهِم مِن بِلادِهِم شِبرًا.
-ونعم ابن عفان عثمان كان القياس أن يقول: وإياك لأن هذه الكلمة للتحذير وتحذير المتكلم نفسه قليل كما مرّ ولكنه بالغ فيه من حيث أنه حذّر نفسه, ومراده تحذير من يخاطبه وهو أبلغ ؛ لأنه ينهى نفسه ومراده نهي من يخاطبه عن إيثار ابن عوف وابن عفان على غيرهما في الرعي, أو تقديمهما على الغير, وخصّهما بالذكر على طريق المثال ؛ لأنهما كانا من مياسير الصحابة ولم يرد بذلك منعهما البتّة, وإنما أراد أنه إذا لم يسع المرعى إلا نعم أحد الفريقين فنعم المقلين أولى, وقد بين وجه ذلك بقوله: "فإنهما " أي ابن عوف وابن عفان "أن تهلك " (ماشيتهما يرجعان إلى) عوض ذلك من أموالهما من (نخل وزرع) وغيرهما (وإن رب الصريمة) القليلة (ورب الغنيمة) القليلة اللذين ليس لهما إلا ذاك (أن تهلك ماشيتهما يأتني ببنيه) أي بأولاده، فيقول أفتاركهم أنا بهمزة الاستفهام الإنكاري أي أنا لا أتركهم محتاجين ولا أجوّز ذلك, فلا بدّ لي من إعطاء الذهب والفضة لهم بدل الماء والكلأ من بيت المال, (لا أبا لك) ظاهره الدعاء عليه لكنه على المجاز لا الحقيقة (فالماء والكلأ أيسر عليّ من الذهب والورق) أي من إنفاقهما من بيت المال (وإيم الله إنهم) أي أرباب المواشي القليلة من أهل المدينة وقراها (ليرون) أي ليظنون (أني قد ظلمتهم أنها) أي هذه الأراضي (لبلادهم فقاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام) فكانت أموالهم لهم, وهذا بخلاف من أسلم من أهل العنوة فإن أرضه فيء للمسلمين؛ لأنهم غلبوا على بلادهم كما غلبوا على أموالهم, بخلاف أهل الصلح في ذلك، وإنما ساع لعمر -رضي الله عنه- ذلك، لأنه كان مواتًا فحماه لنعم الصدقة ومصلحة المسلمين.(القسطلاني).
في الحديث ما كان فيه عمر من القوة, وجودة النظر, والشفقة على المسلمين. (ابن حجر)

باب: فِـي القَطائِعِ


١٤٢٢. (خ) (٢٣٧٦) عَنْ أنَسٍ ﵁ قالَ: أرادَ النَّبِيُّ ﷺ أن يُقطِعَ مِن البَحرَينِ، فَقالَت الأنصارُ: حَتّى تُقطِعَ لِإخوانِنا مِن المُهاجِرِينَ مِثلَ الَّذِي تُقطِعُ لَنا. قالَ: «سَتَرَونَ بَعدِي أثَرَةً، فاصبِرُوا حَتّى تَلقَونِي»
-فيه الحديث أن للإمام أن يقطع من الأراضي التي تحت يده لمن يراه أهلاً لذلك. (القسطلاني).

باب: مَن أعْمَرَ أرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أحَقُّ


١٤٢٣. (خ) (٢٣٣٥) عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عائِشَةَ ﵂؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «مَن أعمَرَ أرضًا لَيسَت لأَحَدٍ فَهُوَ أحَقُّ». قالَ عُروَةُ: قَضى بِهِ عُمَرُ ﵁ فِي خِلافَتِهِ.
-فيه أن من عمر أرضا بيضاء أو أرضا خالية من العمران، فأحياها بزراعتها, ولم يعرف لها مالك قبله، فهو أحق بملكيتها من غيره. (منار القاري)

باب: ما يُحْذَرُ مِن مُجاوَزَةِ الحَدِّ فِـي الاشْتِغالِ بِالحَرْثِ والتَّعَلُّقِ بِهِ


١٤٢٤. (خ) (٢٣٢١) عَنْ أبِي أُمامَةَ الباهِلِيِّ ﵁ قالَ ورَأى سِكَّةً وشَيئًا مِن آلَةِ الحَرثِ فَقالَ: سَمِعتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «لا يَدخُلُ هَذا بَيتَ قَومٍ إلا أدخَلَهُ اللهُ الذُّلَّ». قالَ أبُو عَبدِ اللهِ: واسمُ أبِي أُمامَةَ صُدَيُّ بنُ عَجلانَ.
-كيف الجمع بين هذا الحديث الذي ورد فيه النهي عن الحرث, وحديث فضل الغرس قوله ﷺ ( ما من مسلم يغرس غرسا..) ؟
الجواب: إذا اشتغل به فضيّع بسببه ما أمر به, أو مجاوزة الحد، وقال الداودي: هذا لمن يقرب من العدو فإنه إذا اشتغل بالحرث لا يشتغل بالفروسية ويتأسد عليه العدو، وأما غيرهم فالحرث محمود لهم. وقال عز وجل: {وأعدوا لهم ما استطعتم. .} (الأنفال: 06) . الآية، ولا يقوم إلا بالزراعة, ومن هو بالثغور المتقاربة للعدو لا يشتغل بالحرث، فعلى المسلمين أن يمدوهم بما يحتاجون إليه. (العيني)

١٤٢٥. (خ) (٢٣٤٨) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ يَومًا يُحَدِّثُ وعِندَهُ رَجُلٌ مِن أهلِ البادِيَةِ: «أنَّ رَجُلًا مِن أهلِ الجَنَّةِ استَأذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرعِ، فَقالَ لَهُ: ألَستَ فِيما شِئتَ؟ قالَ: بَلى، ولَكِنِّي أُحِبُّ أن أزرَعَ. قالَ: فَبَذَرَ فَبادَرَ الطَّرفَ نَباتُهُ واستِواؤُهُ واستِحصادُهُ فَكانَ أمثالَ الجِبالِ، فَيَقُولُ اللهُ: دُونَكَ يا ابنَ آدَمَ؛ فَإنَّه لا يُشبِعُكَ شَيءٌ». فَقالَ الأَعرابِيُّ: واللهِ لا تَجِدُهُ إلا قُرَشِيًّا أو أنصارِيًّا، فَإنَّهُم أصحابُ زَرعٍ، وأَمّا نَحنُ فَلَسنا بِأَصحابِ زَرعٍ. فَضَحِكَ النَّبِيُُّّ ﷺ.
-فبادر الطرف نباته واستواؤه وحصاده: أي فأذن الله له أن يمارس هوايته في الجنة فما كاد يبذر بذره حتى نبت الزرع ونضج, واستحصد في أسرع من طرفة عين ولمحة بصر. ( مناري القاري)
- دل هذا الحديث على أن الجنة دار تحقيق الأمنيات فلو كان للمؤمن (هواية محبوبة) واستأذن ربه فيها أجيب لها .

كِتابُ الوَصايا والصَّدَقَةِ والنُّحَلِ والعُمْرى


باب: الحَثُّ عَلى الوَصِيَّةِ لِـمَن لَهُ ما يُوصِي فِيهِ


١٤٢٦. (خ م) (١٦٢٧) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «ما حَقُّ امرِئٍ مُسلِمٍ لَهُ شَيءٌ يُرِيدُ أن يُوصِيَ فِيهِ يَبِيتُ لَيلَتَينِ إلا ووَصِيَّتُهُ مَكتُوبَةٌ عِندَهُ». وفي رواية (م): «يَبِيتُ ثَلاثَ لَيالٍ ...»، وفِيها: قالَ عَبدُ اللهِ بنُ عُمرَ: ما مَرَّت عَلَيَّ لَيلَةٌ مُنذُ سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ ذَلكَ إلاَّ وعِندِي وصِيَّتِي.
-واستدل بقوله "له شيء يوصي فيه" على صحة الوصية بالمنافع، وهو قول الجمهور (موسى شاهين).
-فيه الحض على الوصية، ومطلقها يتناول الصحيح، لكن السلف خصوها بالمريض، وإنما لم يقيد الحديث بالمريض، لاطراد العادة، كذا قيل، والحق تناول الحض للصحيح، وإن اختلفت درجة الحض بين الصحيح والمريض. ويؤكد ذلك فعل ابن عمر رضي الله عنهما (موسى شاهين).
-فيه أن الأشياء المهمة ينبغي أن تضبط بالكتابة، لأنها أثبت من الضبط بالحفظ، لأنه يخون غالبًا (موسى شاهين).
-فيه منقبة لابن عمر، رضي الله عنهما، لمبادرته الامتثال لقول الشارع، ومواظبته عليه (موسى شاهين).
- وفيه الندب إلى التأهب للموت، والاحتراز قبل الفوات، لأن الإنسان لا يدري متى يفجؤه الموت، لأنه ما من سن يفرض، إلا وقد مات فيه جمع كبير، وكل واحد بعينه معرض للموت في الحال، فينبغي أن يكون متأهبًا لذلك، فيكتب وصيته، ويجمع فيها ما يحصل له به الأجر، ويحبط عنه الوزر من حقوق الله، وحقوق عباده (موسى شاهين).

باب: ما يَلْحَقُ الإنْسانُ مِنَ الثَّوابِ بَعْدَ وفاتِهِ


١٤٢٧. (م) (١٦٣١) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «إذا ماتَ الإنسانُ انقَطَعَ عَنهُ عَمَلُهُ إلا مِن ثَلاثَةٍ؛ إلا مِن صَدَقَةٍ جارِيَةٍ، أو عِلمٍ يُنتَفَعُ بِهِ، أو ولَدٍ صالِحٍ يَدعُو لَهُ».
-قال العلماء : معنى الحديث أن عمل الميت ينقطع بموته، وينقطع تجدد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة؛ لكونه كان سببها: فإن الولد من كسبه، وكذلك العلم الذي خلفه من تعليم أو تصنيف، وكذلك الصدقة الجارية، وهي الوقف. (النووي)
-وكذلك حكم كل ما سنّه الإنسان من الخير، فتكرر بعده، بدليل قوله ﷺ: (من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) (القرطبي)
-فيه فضيلة الزواج لرجاء ولد صالح. (النووي)
-فيه دليل لصحة أصل الوقف، وعظيم ثوابه، وبيان فضيلة العلم، والحث على الاستكثار منه، والترغيب في توريثه بالتعليم والتصنيف والإيضاح، وأنه ينبغي أن يختار من العلوم الأنفع فالأنفع . (النووي)
-فيه أن الدعاء يصل ثوابه إلى الميت ، وكذلك الصدقة ، وهما مجمع عليهما. (النووي).
-خصَّ هذه الثلاثة بالذكر في هذا الحديث، لأنَّها أصول الخير، وأغلب ما يقصد أهل الفضل بقاءه بعدهم. (القرطبي)
-فيه ما يدل على الحضِّ على تخليد العلوم الدينية بالتعليم والتصنيف، وعلى الاجتهاد في حمل الأولاد على طريق الخير والصلاح، ووصيتهم بالدعاء عند موته وبعد الموت . (القرطبي)
-(وعلم ينتفع به) هو ما خلفه من تعليم أو تصنيف ورواية، وربما دخل في ذلك نسخ كتب العلم، وتسطيرها، وضبطها، ومقابلتها، وتحريرها، والإتقان لها بالسماع، وكتابة الطبقات، وشراء الكتب المشتملة على ذلك، ولكن شرطه أن يكون منتفعا به . (السيوطي)
-فيه الحثُّ على الإحسان إلى الوالدين بعد موتهما.
-قال ابن جماعة الكناني: وأنا أقول: إذا نظرت؛ وجدت معاني الثلاثة موجودة في معلم العلم: أما الصدقة: فاقراؤه إياه العلم وإفادته إياه.
وأما العلم المنتفع به: فظاهر؛ لأنه كان سببا لإيصال ذلك العلم إلى كل من انتفع به.
وأما الدعاء الصالح له: فالمعتاد المستقرأ على ألسنة أهل العلم والحديث قاطبة من الدعاء لمشايخهم وأئمتهم، وبعض أهل العلم يدعون لكل من يُذكر عنه شيء من العلم، وربما يقرأ
بعضهم الحديث بسنده، فيدعو لجميع رجال السند، فسبحان من اختص من شاء من عباده بما شاء من جزيل عطاءه.
-العلم ثلاثة أقسام: علم نافع، وعلم ضار، وعلم لا خير فيه -لا نافع ولا ضار- . (ابن عثيمين)

باب: الوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ وهُوَ كَثِيرٌ


١٤٢٨. (خ م) (١٦٢٨) عَنْ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ ﵁ قالَ: عادَنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي حَجَّةِ الوَداعِ مِن وجَعٍ أشفَيتُ مِنهُ عَلى المَوتِ، فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ بَلَغَنِي ما تَرى مِن الوَجَعِ، وأَنا ذُو مالٍ، ولا يَرِثُنِي إلا ابنَةٌ لِي واحِدَةٌ؛ أفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَي مالِي؟ قالَ: «لا». قالَ: قُلتُ: أفَأَتَصَدَّقُ بِشَطرِهِ؟ قالَ: «لا، الثُّلُثُ والثُّلُثُ كَثِيرٌ، إنَّكَ أن تَذَرَ ورَثَتَكَ أغنِياءَ خَيرٌ مِن أن تَذَرَهُم عالَةً يَتَكَفَّفُونَ النّاسَ، ولَستَ تُنفِقُ نَفَقَةً تَبتَغِي بِها وجهَ اللهِ إلا أُجِرتَ بِها، حَتّى اللُّقمَةُ تَجعَلُها فِي فِي امرَأَتِكَ». قالَ: قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ أُخَلَّفُ بَعدَ أصحابِي؟ قالَ: «إنَّكَ لَن تُخَلَّفَ فَتَعمَلَ عَمَلًا تَبتَغِي بِهِ وجهَ اللهِ إلا ازدَدتَ بِهِ دَرَجَةً ورِفعَةً، ولَعَلَّكَ تُخَلَّفُ حَتّى يُنفَعَ بِكَ أقوامٌ ويُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أمضِ لأصحابِي هِجرَتَهُم، ولا تَرُدَّهُم عَلى أعقابِهِم، لَكِن البائِسُ سَعدُ بنُ خَولَةَ». قالَ: رَثى لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِن أن تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ. وفي رواية: وكانَ يَكرَهُ أن يمُوتَ بِالأَرضِ الَّتِي هاجَرَ مِنها.
وفي رواية: فَقُلتُ: أُوصِي بِمالِي كُلِّهِ، قالَ: «لا» ...
وفِي رِوايَة (م): أنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ عَلى سَعْدٍ يَعُودُهُ بِمَكَّةَ فَبَكى، قالَ: «ما يُبكِيكَ؟» فَقُلتُ: قَد خَشِيتُ أن أمُوتَ بِالأَرضِ الَّتِي هاجَرتُ مِنها ... وفِيها: فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا، اللَّهُمَّ اشفِ سَعْدًا»، ثَلاثَ مِرارٍ ... وفِيها: «... إنَّ صَدَقَتَكَ مِن مالِكَ صَدَقَةٌ، وإن نَفَقَتَكَ عَلى عِيالَكَ صَدَقةٌ، وإن ما تَأكُلُ امرَأَتُكَ مِن مالِكَ صَدَقَةٌ، وإنَّكَ أنْ تَدَعَ أهلَكَ بخَيْرٍ أو قالَ: بِعَيشٍ خَيرٌ مِن ...» الحديث. زادَ (خ) فِي رِوايَةٍ: ثُمَّ وضَعَ يَدَهُ عَلى جَبهَتِهِ، ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلى وجهِي وبَطنِي، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ اشفِ سَعدًا وأَتمِم لَهُ هِجرَتَهُ». فَما زِلتُ أجِدُ بَردَهُ عَلى كَبِدِي فِيما يُخالُ إلَيَّ حَتّى السّاعَةِ. وفي رواية (خ): فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ ادعُ اللهَ أن لا يَرُدَّنِي عَلى عَقِبِي. وفي رواية (خ): «يَرحَمُ اللهُ ابنَ عَفْراء» ...
١٤٢٩. (خ م) (١٦٢٩) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: لَو أنَّ النّاسَ غَضُّوا مِن الثُّلُثِ إلى الرُّبُعِ، فَإنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «الثُّلُثُ والثُّلُثُ كَثِيرٌ». وفي رواية: «كَبِيرٌ أو كَثِيرٌ».
-(من وجع أشفيت منه على الموت) فيه جواز ذكر المريض ما يجده لغرض صحيح من مداواة, أو دعاء صالح, أو وصية, أو استفتاء عن حاله ونحو ذلك، وإنما يكره من ذلك ما كان على سبيل التسخط ونحوه فإنه قادح في أجر مرضه . (النووي)
-( وأنا ذو مال ) دليل على إباحة جمع المال، لأن هذه الصيغة لا تستعمل في العرف إلا لمال كثير. (النووي)
-قال ابن عثيمين: وكان في الأول ليس عنده إلا بنت واحدة ولكنه بقي وطال عمره، ورزق أولادا: سبعة عشر ابنـا، واثنتي عشرة ابنة.
-فيه مراعاة العدل بين الورثة والوصية. (النووي)
-قال بعض العلماء: إن كانت الورثة أغنياء استحب أن يوصي بالثلث تبرعا، وإن كانوا فقراء استحب أن ينقص من الثلث. (النووي)
-( أفأتصدق بثلثي مالي ؟) يحتمل أنه أراد بالصدقة: الوصية، ويحتمل أنه أراد الصدقة المنجزة. (النووي)
-فيه الحث على صلة الأرحام ، والإحسان إلى الأقارب، والشفقة على الورثة، وأن صلة القريب الأقرب والإحسان إليه أفضل من الأبعد. (النووي)
-(ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله تعالى إلا أجرت بها، حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك) فيه استحباب الإنفاق في وجوه الخير. وفيه أن الأعمال بالنيات، وأنه إنما يثاب على عمله بنيته، وفيه أن الإنفاق على العيال يثاب عليه إذا قصد به وجه الله تعالى .
-وفيه أن المباح إذا قصد به وجه الله تعالى صار طاعة، ويثاب عليه. (النووي)
-( إنك لن تخلف فتعمل ) فيه طول العمر، للازدياد من العمل الصالح، والحث على إرادة وجه الله تعالى بالأعمال . (النووي)
-(ولعلك تخلف حتى ينفع بك أقوام ويضر بك آخرون) هذا الحديث من المعجزات ، فإن سعدا رضي الله عنه عاش حتى فتح العراق وغيره، وانتفع به أقوام في دينهم ودنياهم، وتضرر به الكفار في دينهم ودنياهم فإنهم قتلوا وصاروا إلى جهنم، وسبيت نساؤهم وأولادهم، وغنمت أموالهم وديارهم، وولي العراق فاهتدى على يديه خلائق، وتضرر به خلائق بإقامته الحق فيهم من الكفار ونحوهم. (النووي)
-(الثلث والثلث كثير) قال ابن عباس: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع لقول النبي ﷺ (الثلث, والثلث كثير)
وأن أبا بكر رضي الله عنه اختار أن يوصي بالخمس وعليه اعتمد الفقهاء رحمهم الله وقالوا: الأفضل أن يوصي بالخمس؛ لأن الله تعالى اختاره لرسوله ﷺ.(ابن عثيمين)
-فيه أن عيادة المريض قربة وسنة. (ابن عثيمين)
-حُسن خلق النبي ﷺ وتواضعه في عيادة المرضى. (ابن عثيمين)
-فيه أنه لا يجوز للإنسان أن يتصدق بما زاد على الثلث، سواء كان عطية أو وصية. (ابن عثيمين)
-فيه مشاورة أهل العلم والإيمان والأمن والأمانة؛ لأن سعد استشار النبي ﷺ في هذا. (ابن عثيمين)
-أن ما يخلفه الإنسان بعد موته من المال للورثة يستغنون به، له فيه أجر؛ لأن النبي ﷺ فضله على الصدقة. (ابن عثيمين)
-فيه الإشارة إلى ذم تكفف الناس. (ابن عثيمين)
جواز التوجع لمن فاته الخير، ولو كان لا يذم عليه، لقوله ﷺ (لكن البائس سعد بن خولة) فقد رثى له ﷺ أن مات بمكة. (مات بأرض هاجر منها). (ابن عثيمين)

باب: الـتَّصَرُّفُ فِـي الـمالِ عِنْدَ الـمَوْتِ


١٤٣٠. (م) (١٦٦٨) عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ ﵁؛ أنَّ رَجُلًا أعتَقَ سِتَّةَ مَملُوكِينَ لَهُ عِنْدَ مَوتِهِ لَم يَكُن لَهُ مالٌ غَيرُهُم، فَدَعا بِهِم رَسُولُ اللهِ ﷺ فَجَزَّأَهُم أثلاثًا، ثُمَّ أقرَعَ بَينَهُم فَأَعتَقَ اثنَينِ، وأَرَقَّ أربَعَةً، وقالَ لَهُ قَولًا شَدِيدًا. وفي رواية: أنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنصارِ أوصى عِنْدَ مَوتِهِ، فَأَعتَقَ سِتَّةَ مَملُوكِينَ.
-(وقال له قولا شديدا) أي قال في شأنه قولا شديدا كراهية لفعله، وتغليظا عليه.(النووي)
-وقد جاء في رواية أخرى تفسير هذا القول الشديد : قال: (لو علمنا ما صلينا عليه) وهذا محمول على أن النبي ﷺ وحده كان يترك الصلاة عليه تغليظا وزجرا لغيره على مثل فعله . (النووي)
-في إثبات القرعة في العتق ونحوه. (النووي)
-ففيه دليل على أن المريض محجور عليه في ماله. (القرطبي)

باب: وصِيَّةُ النَّبِيِّ ﷺ بِكِتابِ اللهِ


١٤٣١. (خ م) (١٦٣٤) عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ قالَ: سَأَلتُ عَبدَ اللهِ بنَ أبِي أوفى ﵁؛ هَل أوصى رَسُولُ اللهِ ﷺ؟ فَقالَ: لا. قُلتُ: فَلِمَ كُتِبَ عَلى المُسلِمِينَ الوَصِيَّةُ، أو فَلِمَ أُمِرُوا بِالوَصِيَّةِ؟ قالَ: أوصى بِكِتابِ اللهِ ﷿.
ورَوى (خ) عَن عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ رُفَيعٍ قالَ: دَخَلتُ أنا وشَدّادُ بنُ مَعقِلٍ عَلى ابْنِ عَبّاسٍ، فَقالَ لَهُ شَدّادُ: أتَرَكَ النَّبِيُّ ﷺ مِن شَيءٍ؟ قالَ: ما تَرَكَ إلّا ما بَينَ الدَّفَّتينِ. قالَ: ودَخَلنا عَلى مُحَمدٍ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، فَسَأَلناهُ، فَقالَ: ما تَرَكَ إلّا ما بَينَ الدَّفَّتَينِ.
-(فلم أمروا بالوصية ) أي كيف يؤمر المسلمون بشيء ولا يفعله النبي ﷺ؟ (ابن حجر)
-أي إذا كان الوصية مما يجوز تركه فكيف جاء فيها من الحث والتأكيد؟ وظهر له من هذا الكلام أن مقصود السائل مطلق الوصية، فقال: أوصى بكتاب الله، أي بدينه أو به وبنحوه، ليشمل السنة، والله تعالى أعلم . (السيوطي)
-قال النووي: لعل ابن أبي أوفى أراد لم يوص بثلث ماله؛ لأنه لم يترك بعده مالا، وأما الأرض فقد سبلها في حياته، وأما السلاح والبغلة ونحو ذلك فقد أخبر بأنها لا تورث عنه بل جميع ما يخلفه صدقة، فلم يبق بعد ذلك ما يوصي به من الجهة المالية.
(أوصى بكتاب الله) أي بالعمل بما فيه، وقد قال الله تعالى : {ما فرطنا في الكتاب من شيء} ومعناه: أن من الأشياء ما يعلم منه نصا، ومنها ما يحصل بالاستنباط (النووي)

١٤٣٢. (خ م) (١٦٣٦) عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قالَ: ذَكَرُوا عِنْدَ عائِشَةَ ﵂ أنَّ عَلِيًّا ﵁ كانَ وصِيًّا، فَقالَت: مَتى أوصى إلَيهِ؟ فَقَد كُنتُ مُسنِدَتَهُ إلى صَدرِي أو قالَت: حَجرِي، فَدَعا بِالطَّستِ، فَلَقَد انخَنَثَ فِي حَجرِي، وما شَعَرتُ أنَّهُ ماتَ، فَمَتى أوصى إلَيهِ؟!.
١٤٣٣. (م) (١٦٣٥) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: ما تَرَكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ دِينارًا ولا دِرهَمًا ولا شاةً ولا بَعِيرًا، ولا أوصى بِشَيءٍ. لَفظُ (خ): عَن عَمروٍ بْنِ الحارِثِ خَتَنِ رَسُولِ اللهِ ﷺ أخِي جُوَيرِيَةَ بِنتِ الحارِثِ قالَ: ما تَرَكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عِنْدَ مَوتِهِ دِرهَمًا ولا دِينارًا، ولا عَبدًا ولا أمَةً، ولا شَيئًا إلا بَغلَتَهُ البَيضاءَ، وسِلاحَهُ، وأَرضًا جَعَلَها صَدَقَةً. وفي رواية (خ) زاد: لِابنِ السَّبِيلِ صَدَقةً.
-في الحديث تركُ الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه.
-فيه زهد النبي ﷺ.
فيه دلالة على أن من ذكر من رقيق النبي ﷺ في جميع الأخبار كان إما مات وإما أعتقه. (ابن حجر)

١٤٣٤. (خ) (٤٤٤٧) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ ﵄؛ أنَّ عَلِيَّ بنَ أبِي طالِبٍ ﵁ خَرَجَ مِن عِندِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي وجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَقالَ النّاسُ: يا أبا حَسَنٍ؛ كَيفَ أصبَحَ رَسُولُ اللهِ ﷺ؟ فَقالَ: أصبَحَ بِحَمدِ اللهِ بارِئًا. فَأَخَذَ بِيَدِهِ عَبّاسُ بنُ عَبْدِ المُطَّلبِ ﵁ فَقالَ لَهُ: أنتَ واللهِ بَعدَ ثَلاثٍ عَبدُ العَصا، وإنِّي واللهِ لأرى رَسُولَ اللهِ ﷺ سَوفَ يُتَوَفّى مِن وجَعِهِ هَذا، إنِّي لأَعرِفُ وُجُوهَ بَنِي عَبدِ المُطَّلِبِ عِنْدَ المَوتِ، اذهَب بِنا إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَلنَسأَلهُ؛ فِيمَن هَذا الأَمرُ؟ إن كانَ فِينا عَلِمنا ذَلكَ، وإن كانَ فِي غَيرِنا عَلِمناهُ، فَأَوصى بِنا. فَقالَ عَلِيٌّ: إنّا واللهِ لَئِن سَأَلناها رَسُولَ اللهِ ﷺ فَمَنَعَناها لا يُعطِيناها النّاسُ بَعدَهُ، وإنِّي واللهِ لا أسأَلُها رَسُولَ اللهِ ﷺ.
-(إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت) هذا قاله العباس مستندا إلى التجربة (ابن حجر)

باب: وصِيَّةُ النَّبِيِّ ﷺ


١٤٣٥. (خ م) (١٦٣٧) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: قالَ ابنُ عَبّاسٍ ﵁: يَومُ الخَمِيسِ؛ وما يَومُ الخَمِيسِ؟ ثُمَّ بَكى حَتّى بَلَّ دَمعُهُ الحَصى، فَقُلتُ: يا ابنَ عَبّاسٍ؛ وما يَومُ الخَمِيسِ؟ قالَ: اشتَدَّ بِرَسُولِ اللهِ ﷺ وجَعُهُ، فَقالَ: «ائتُونِي أكتُب لَكُم كِتابًا لا تَضِلُّوا بَعدِي». فَتَنازَعُوا وما يَنبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنازُعٌ، وقالُوا: ما شَأنُهُ؟ أهَجَرَ؟ استَفهِمُوهُ. قالَ: «دَعُونِي، فالَّذِي أنا فِيهِ خَيرٌ، أُوصِيكُم بِثَلاثٍ؛ أخرِجُوا المُشرِكِينَ مِن جَزِيرَةِ العَرَبِ، وأَجِيزُوا الوَفدَ بِنَحوِ ما كُنتُ أُجِيزُهُم». قالَ: وسَكَتَ عَنِ الثّالِثَةِ، أو قالَها فَأُنسِيتُها. وفي رواية: فَقالَ عُمَرُ: إنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَد غَلَبَ عَلَيهِ الوَجَعُ وعِندَكُمُ القُرآنُ، حَسبُنا كِتابُ اللهِ، فاختَلَفَ أهلُ البَيتِ، فاختَصَمُوا، فَمِنهُم مَن يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكتُبُ لَكُم رَسُولُ اللهِ ﷺ كِتابًا لَن تَضِلُّوا بَعدَهُ، ومِنهُم مَن يَقُولُ ما قالَ عُمَرُ، فَلَمّا أكثَرُوا اللَّغوَ والاختِلافَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «قُومُوا». قالَ عُبِيدُ اللهِ: فَكانَ ابنُ عَبّاسٍ يَقُولُ: إنَّ الرَّزِيَّة كُلَّ الرَّزِيَّةِ ما حالَ بَينَ رَسُولِ اللهِ ﷺ وبَينَ أن يَكتُبَ لَهُم ذَلِكَ الكِتابَ، مِن اختِلافِهم ولَغَطِهِم.
وذَكَرَ (خ) - تَعلِيقًا ـ: وقالَ يَعقُوبُ بنُ مُحمدٍ: سَأَلتُ المُغِيرَةَ بنَ عَبْدِ الرَّحمنِ عَن جَزِيرةِ العَربِ؟ فَقالَ: مَكَّةُ والمَدِينَةُ واليَمامَةُ واليَمَنُ. وقالَ يَعقُوبُ: والعَرْجُ؛ أوَّلُ تِهامَةَ.
-(يوم الخميس ! وما يوم الخميس) تعظيم وتفخيم لذلك اليوم على جهة التفجع على ما فاتهم في ذلك من كتب الكتاب (القرطبي)
-( ائتوني أكتب لكم كتابا) قال القرطبي وغيره: ائتوني أمر، وكان حق المأمور أن يبادر للامتثال، لكن ظهر لعمر رضي الله عنه مع طائفة أنه ليس على الوجوب، وأنه من باب الإرشاد إلى الأصلح, فكرهوا أن يكلفوه من ذلك ما يشق عليه في تلك الحالة مع استحضارهم قوله تعالى: { ما فرطنا في الكتاب من شيء } وقوله تعالى: { تبيانا لكل شيء } ، ولهذا قال عمر: حسبنا كتاب الله, وظهر لطائفة أخرى أن الأولى أن يكتب لما فيه من امتثال أمره وما يتضمنه من زيادة الإيضاح، ودل أمره لهما بالقيام على أن أمره الأول كان على الاختيار، ولهذا عاش ﷺ بعد ذلك أياما ولم يعاود أمرهم بذلك، ولو كان واجبا لم يتركه لاختلافهم؛ لأنه لم يترك التبليغ لمخالفة من خالف، وقد كان الصحابة يراجعونه في بعض الأمور ما لم يجزم بالأمر، فإذا عزم امتثلوا.(ابن حجر)
-( ولا ينبغي عند نبي التنازع ) فيه إشعار بأن الأولى كان المبادرة إلى امتثال الأمر، وإن كان ما اختاره عمر صوابا إذ لم يتدارك ذلك النبي ﷺ بعد. (ابن حجر)
-فيه دليل على جواز كتابة العلم والحديث. (القرطبي)
- أن الاختلاف قد يكون سببا في حرمان الخير، كما وقع في قصة الرجلين اللذين تخاصما فرفع تعيين ليلة القدر بسبب ذلك (ابن حجر)
وفيه وقوع الاجتهاد بحضرة النبي ﷺ فيما لم ينزل عليه فيه. (ابن حجر)

باب: الـنَّهْيُ أنْ يَعُودَ فِـي صَدَقَتِهِ أوْ هِبَتِهِ


١٤٣٦. (خ م) (١٦٢٠) عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ ﵁ قالَ: حَمَلتُ عَلى فَرَسٍ (عَتِيقٍ) فِي سَبِيلِ اللهِ، فَأَضاعَهُ صاحِبُهُ، فَظَنَنتُ أنَّهُ بائِعُهُ بِرُخصٍ، فَسَأَلتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَن ذَلكَ، فَقالَ: «لا تَبتَعهُ، ولا تَعُد فِي صَدَقَتِكَ، فَإنَّ العائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كالكَلبِ يَعُودُ فِي قَيئِهِ». وفي رواية زادَ: «لا تَبْتَعْهُ، وإن أعْطاكَهُ بِدِرهَمٍ ...». وفي رواية: ثُمَّ رَآها تُباعُ فَأَرادَ أن يَشتَرِيها.
ورَوى (خ) عَن سالمٍ: فَبِذَلِكَ كانَ ابنُ عُمَرَ ﵄ لا يَترُكُ أن يَبتاعَ شَيئًا تَصَدَّقَ بِهِ إلّا جَعَلَهُ صَدَقَةً.
١٤٣٧. (خ م) (١٦٢٢) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄؛ عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ قالَ: «العائِدُ فِي هِبَتِهِ كالكَلبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيئِهِ». وفي رواية (خ) زادَ: «لَيسَ لَنا مَثَلُ السَّوءِ، الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ ...».
-قال ابن بطال : كره أكثر العلماء شراء الرجل صدقته.
هذا ظاهر في تحريم الرجوع في الهبة والصدقة بعد إقباضهما، وهو محمول على هبة الأجنبي, أما إذا وهب لولده وإن سفل، فله الرجوع فيه كما صرح به في حديث النعمان بن بشير، ولا رجوع في هبة الإخوة والأعمام وغيرهم من ذوي الأرحام. (النووي)

باب: مَن نَحَلَ بَعْضَ ولَدِهِ دُونَ سائِرِ بَنِيهِ


١٤٣٨. (خ م) (١٦٢٣) عَنِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ ﵄ قالَ: (تَصَدَّقَ) عَلَيَّ أبِي بِبَعضِ مالِهِ، فَقالَت أُمِّي عَمْرَةُ بِنتُ رَواحَةَ: لا أرضى حَتّى تُشهِدَ رَسُولَ اللهِ ﷺ. فانطَلَقَ أبِي إلى النَّبِيِّ ﷺ لِيُشهِدَهُ عَلى صَدَقَتِي، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أفَعَلتَ هَذا بِوَلَدِكَ كُلِّهِم؟» قالَ: لا. قالَ: «اتَّقُوا اللهَ، واعدِلُوا فِي أولادِكُم». فَرَجَعَ أبِي فَرَدَّ تِلكَ (الصَّدَقَة). لَفظُ (خ): أعطانِي أبِي. وفي رواية (م): «وإنيِّ لا أشهَدُ إلا عَلى حَقٍّ». وفي رواية (م): قالَ: «فَأَشهِد عَلى هَذا غَيرِي»، ثُمَّ قالَ: «أيَسُرُّكَ أن يَكُونُوا إلَيكَ فِي البِرِّ سَواءً؟» قالَ: بَلى. قالَ: «فَلا إذًا». وفي رواية: فَقالَ: إني نَحَلْتُ ابنِي هَذا غُلامًا كانَ لِي ... وفي رواية: أنَّ أُمَّهُ بِنتَ رَواحَةَ سَأَلَت أباهُ بَعضَ المُوهِبَةِ مِن مالِهِ لِابنِها، فالتَوى بِها سَنَةً ثُمَّ بَدا لَهُ ... وفِيها: وأَنا يَومَئِذٍ غُلامٌ ... وفِيها: «فَلا تُشْهِدْني إذًا، فَإني لا أشهَدُ عَلى جَوْرٍ». وفي رواية (م): «ألَكَ بَنُونَ سِواهُ؟» قالَ: نَعَم.
-فيه الندب إلى التأليف بين الإخوة وترك ما يوقع بينهم الشحناء، ويورث العقوق للآباء.
-فيه أنه ينبغي على كل راع أن يعدل بين رعيته، والوالد راع ورعيته هم أهله من زوجته وأولاده، ومن تمام العدل ألا يفرّق بين أولاده في العطية.
-فيه جواز رجوع الوالد في هبته للولد. (النووي)
-فيه أنه ينبغي أن يسوي بين أولاده في الهبة ، ويهب لكل واحد منهم مثل الآخر ولا يفضل. (النووي)
-فيه دليل على تحريم الشهادة على شيء محرم. (ابن عثيمين)
دليل على عقل عَمرة رضي الله عنها، حيث طلبت أن يشهد على ذلك رسول الله ﷺ، لئلا يأتيها أحد فيما بعد، وهذا من نعمة الله عليها, على الأمة إلى يوم القيامة، أنه لم يُنفِذ هذه العطية إلا بعد مشاورة الرسول ﷺ. (ابن عثيمين)

باب: فِـي الهَدِيَّةِ


١٤٣٩. (خ) (٢٥٨٥) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَقبَلُ الهَدِيَّةَ، ويُثِيبُ عَلَيها.
-بيان إباحة الهدية للنبي ﷺ وآله.

١٤٤٠. (خ) (٢٥٩٥) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: قلت: يا رَسُولَ اللهِ؛ إنَّ لِي جارَينِ؛ فَإلى أيِّهِما أُهدِي قالَ: «إلى أقرَبِهِما مِنكِ بابًا».

باب: العُمْرى جائِزَةٌ


١٤٤١. (خ م) (١٦٢٦) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «العُمرى جائِزَةٌ».
١٤٤٢. (خ م) (١٦٢٥) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «العُمرى لِمَن وُهِبَت لَهُ».
وفي رواية (م): قَضى فِيمَن أُعمِرَ عُمرى لَهُ ولِعَقِبِهِ؛ فَهِي لَهُ بَتلَةً، لا يَجُوزُ لِلمُعطِي فِيها شَرطٌ ولا ثُنيا. قالَ أبُو سَلَمَةَ: لِأَنَّهُ أعطى عَطاءً وقَعَت فِيهِ المَوارِيثُ، فَقَطَعَت المَوارِيثُ شَرطَهُ. وفي رواية (م): «أمسِكُوا عَلَيكُم أموالَكُم ولا تُفسِدُوها، فَإنَّهُ مَن أعمرَ عُمَرى فَهِي لِلَّذِي أُعمِرَها حَيًّا ومَيِّتًا ولِعَقِبِهِ». وفي رواية (م): قالَ جابِرٌ: إنَّما العُمرى الَّتي أجازَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أن يَقُولَ: هِي لَكَ ولِعَقِبِكَ، فَأَمّا إذا قالَ: هِي لَكَ ما عِشتَ، فَإنَّها تَرجِعُ إلى صاحِبِها. قالَ مَعمَرٌ: وكانَ الزُّهرِيُّ يُفتِي بِهِ.
-العمرى لها ثلاثة أقسام:
الأول: أن يقول: هي لك ولعقبك (أي لورثتك)
الثاني: أن يقول: هي لك ما عشْتَ، فإذا مت فهي لي أو لعقبي.
الثالث: أن يقول (أعمرتك هذه الدار) فقط. (ابن عثيمين)

١ نهى النبي ﷺ عن (...) وأمر بـ(...) .

٥/٠