باب: قَوْلُهُ ﷺ: «أنا أوَّلُ شَفِيعٍ فِـي الَجَنَّةِ»


١٣٦. (م) (١٩٦) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أنا أكثَرُ الأَنبِياءِ تَبَعًا يَومَ القِيامةِ، وأَنا أوَّلُ مَن يَقرَعُ بابَ الجَنَّةِ».
- جزمه ﷺ هنا بأنه أكثر تبعًا لا ينافيه حديث: «إني لأرجو أن أكون أكثرهم تبعًا» فإنه يحتمل أنه قال ذلك قبل أن يُعلمه الله أنه الأكثر تبعًا، ثم أن رجاؤه لذلك وإعلامه به إعلام بأنه أكثر الرسل أجرًا؛ لأنه يؤجر بأعمال من اتبعه الصالحة لأحاديث: «من سن سنة حسنة» (الصّنعاني).

١٣٧. (م) (١٩٦) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أنا أوَّلُ شَفِيعٍ فِي الجَنَّةِ، لَم يُصَدَّق نَبِيٌّ مِنَ الأَنبِياءِ ما صُدِّقتُ، وإنَّ مِنَ الأَنبِياءِ نَبِيًّا ما يُصَدِّقُهُ مِن أُمَّتِهِ إلا رَجُلٌ واحِدٌ».
-قوله: «ما صُدِّقت» كلمة «ما» مصدرية، أي: مقدار تصديق أمتي إياي، أو كالتصديق بي، فعلى الأول: المقصود بيان كثرة الأمة، وعلى الثاني: بيان قوة إيمانهم وزيادة محبتهم وعقيدتهم برسولهم ﷺ وثباتهم على الدين، وعلى المعنيين يحمل قوله: «كنتم خير أمة»، والمعنى الأول أنسب بسياق الحديث، ولكنه لا ينافي الثاني (عبدالحق الدهلوي).

١٣٨. (م) (١٩٧) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «آتِي بابَ الجَنَّةِ يَومَ القِيامَةِ فَأَستَفتِحُ، فَيَقُولُ الخازِنُ: مَن أنتَ؟ فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرتُ لا أفتَحُ لأَحَدٍ قَبلَكَ».
- سمي الموكل لحفظ الجنة خازنا؛ لأن الجنة خزانة الله تعالى أعدها الله للمؤمنين، وهو حافظها. (مرقاة المفاتيح).

باب: دُعاءُ النَّبِيِّ ﷺ لِأُمَّتِهِ وشَفَقَتُهِ عَلَيْهِمْ


١٣٩. (م) (٢٠٢) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ ﵄؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ تَلا قَولَ اللهِ ﷿ فِي إبراهِيمَ: «﴿رَبِّ إنَّهُنَّ أضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإنَّهُ مِنِّي﴾ الآيَةَ، وقالَ عِيسى: ﴿إن تُعَذِّبْهُمْ فَإنَّهُمْ عِبادُكَ وإن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإنَّكَ أنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾»، فَرَفَعَ يَدَيهِ وقالَ: «اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي»، وبَكى، «فَقالَ اللهُ ﷿: يا جِبرِيلُ؛ اذهَب إلى مُحَمَّدٍ ورَبُّكَ أعلَمُ فَسَلهُ ما يُبكِيكَ؟ فَأَتاهُ جِبرِيلُ ﵇ فَسَأَلَهُ، فَأَخبَرَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِما قالَ وهُوَ أعلَمُ، فَقالَ اللهُ: يا جِبرِيلُ؛ اذهَب إلى مُحَمَّدٍ فَقُل: إنّا سَنُرضِيكَ فِي أُمَّتِكَ ولا نَسُوؤكَ».
-بيان كمال شفقة النبي ﷺ على أمته واعتنائه بمصالحهم واهتمامه بأمرهم.
-استحباب رفع اليدين في الدعاء.
-البشارة العظيمة لهذه الأمة زادها الله تعالى شرفا بما وعدها الله تعالى بقوله: «سنرضيك في أمتك ولا نسوءك»، وهذا من أرجى الأحاديث لهذه الأمة أو أرجاها.
-قوله: «ولا نسوءُك»؛ قال صاحب التحرير: هو تأكيد للمعنى أي لا نحزنك لأن الإرضاء قد يحصل في حق البعض بالعفو عنهم، ويدخل الباقي النار فقال تعالى نرضيك ولا ندخل عليك حزنا بل ننجي الجميع، والله أعلم (النووي).

باب: قَوْلُهُ ﷺ: «لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا»


١٤٠. (خ م) (٢٠٦) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حِينَ أُنزِلَ عَلَيهِ: ﴿وأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: ٢١٤]: «يا مَعشَرَ قُرَيشٍ؛ اشتَرُوا أنفُسَكُم مِن اللهِ لا أُغنِي عَنكُم مِن اللهِ شَيئًا، يا بَنِي عَبدِ المُطَّلِبِ لا أُغنِي عَنكُم مِن اللهِ شَيئًا، يا عَبّاسَ بنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ؛ لا أُغنِي عَنكَ مِن اللهِ شَيئًا، يا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ لا أُغنِي عَنكِ مِن اللهِ شَيئًا، يا فاطِمَةُ بِنتَ رَسُولِ اللهِ سَلِينِي بِما شِئتِ لا أُغنِي عَنكِ مِن اللهِ شَيئًا».
وفي رواية (م): فاجتَمَعُوا فَعَمَّ وخَصَّ، فَقالَ: «يا بَني كَعبِ بْنِ لُؤَي أنقِذُوا أنفُسَكُم مِنَ النّارِ، يا بَنِي مُرَّةَ بْنِ كَعب أنقِذُوا أنفُسَكُم مِنَ النّارِ، يا بَني عَبْدِ شَمس أنقِذُوا أنفُسَكُم مِنَ النّارِ، يا بَني عَبْدِ مَناف أنقِذُوا أنفُسَكُم مِنَ النّارِ، يا بَني هاشِمٍ أنقِذُوا أنفُسَكُم مِنَ النّارِ، يا بَني عَبْدِ المُطَّلِبِ أنقِذُوا أنفُسَكُم مِنَ النّارِ، يا فاطِمةُ أنقِذِي نَفسَكِ مِنَ النّارِ، فَإني لا أملِكُ لَكُم مِنَ اللهِ شَيئًا، غَيرَ أنَّ لَكُم رَحِمًا سَأَبُلُّها بِبَلالِها».
وفي رواية (خ): فَجَعَلَ يُنادِي: «يا بَني فِهْرٍ؛ يا بَني عَدِيٍ». لِبُطُونِ قُرَيشٍ حَتى اجتَمَعُوا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ إذا لَم يَستَطِـع أن يَخرُجَ أرسَلَ رَسُولًا لِيَنظُرَ ما هُو ...
-"سأبلها ببلالها": البلال جمع بلل، والعرب يطلقون النداوة على الصلة كما يطلق اليبس على القطيعة؛ لأنهم لما رأوا بعض الأشياء يتصل بالنداوة، ويحصل بينهما التجافي والتفرق باليبس، استعاروا البلل بمعنى الوصل واليبس بمعنى القطيعة، والمعنى أصِلَكم في الدنيا ولا أغني عنكم من الله شيئا (الطّيبي).
-ينْهَى عَن اغترار الْقَرِيب بقرابته من أهل الصّلاح، فَإِنَّهُ إِنَّمَا فضل الصَّالح بصلاحه، وَإِنَّمَا قَالَ: "سلاني من مَالِي"؛ لِأَنَّهُ يملك مَاله، وَلَو ملك نجاة شخص لأنجى أمه وأباه وَعَمه (الجوزي).
-المؤمن في الدنيا كالأسير، يسعى في فكاك رقبته، لا يأمن شيئا حتى يلقى الله عز وجل. وقال: ابن آدم، إنك تغدو وتروح في طلب الأرباح، فليكن همك نفسك، فإنك لن تربح مثلها أبدا (ابن رجب).
-قال أبو بكر بن عياش: قال لي رجل مرة وأنا شاب: خلص رقبتك ما استطعت في الدنيا من رق الآخرة، فإن أسير الآخرة غير مفكوك أبدا، قال: فو الله ما نسيتها بعد (ابن رجب).

باب: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾


١٤١. (خ م) (٢٠٨) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: لَمّا نَزَلَت هَذِهِ الآيَةُ: ﴿وأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾، «ورَهطَكَ مِنهُم المُخلَصِينَ»، خَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حَتّى صَعِدَ الصَّفا فَهَتَفَ: «يا صَباحاه». فَقالُوا: مَن هَذا الَّذِي يَهتِفُ؟ قالُوا: مُحَمَّدٌ. فاجتَمَعُوا إلَيهِ، فَقالَ: «يا بَنِي فُلانٍ؛ يا بَنِي فُلانٍ؛ يا بَنِي فُلانٍ؛ يا بَنِي عَبدِ مَنافٍ؛ يا بَنِي عَبدِ المُطَّلِبِ». فاجتَمَعُوا إلَيهِ فَقالَ: «أرَأَيتَكُم لَو أخبَرتُكُم أنَّ خَيلًا تَخرُجُ بِسَفحِ هَذا الجَبَلِ؛ أكُنتُم مُصَدِّقِيَّ؟» قالُوا: ما جَرَّبنا عَلَيكَ كَذِبًا. قالَ: «فَإنِّي نَذِيرٌ لَكُم بَينَ يَدَي عَذابٍ شَدِيدٍ». قالَ: فَقالَ أبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ، أما جَمَعتَنا إلا لِهَذا. ثُمَّ قامَ، فَنَزَلَت هَذِهِ السُّورَةُ: «تَبَّت يَدا أبِي لَهَبٍ وقَد تَبَّ»، كَذا قَرَأَ الأَعمَشُ، إلى آخِرِ السُّورَةِ.

باب: مَن ماتَ عَلى الكُفْرِ فَهُوَ فِـي النّارِ


١٤٢. (م) (٢٠٣) عَنْ أنَسٍ ﵁؛ أنَّ رَجُلًا قالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ أينَ أبِي؟ قالَ: «فِي النّارِ». فَلَمّا قَفّى دَعاهُ فَقالَ: «إنَّ أبِي وأَباكَ فِي النّارِ».
-وقوله ﷺ: إن أبي وأباك في النار هو من حسن العشرة للتسلية بالاشتراك في المصيبة (النووي).

١٤٣. (م) (٢١٤) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ ابنُ جُدعانَ كانَ فِي الجاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، ويُطعِمُ المِسكِينَ، فَهَل ذاكَ نافِعُهُ؟ قالَ: «لا يَنفَعُهُ، إنَّهُ لَم يَقُل يَومًا: رَبِّ اغفِر لِي خَطِيئَتِي يَومَ الدِّين».

باب: بَلاغُ الرِّسالَةِ يَحْصُلُ بِسَماعِها سَماعًا تامًّا


١٤٤. (م) (١٥٣) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ قالَ: «والَّذِي نَفسُ محمَّدٍ بِيَدِهِ؛ لا يَسمَعُ بِي أحَدٌ مِن هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ ولا نَصرانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ ولَم يُؤمِن بِالَّذِي أُرسِلتُ بِهِ إلا كانَ مِن أصحابِ النّارِ».
-فيه دليل على أن من في أطراف الأرض وجزائر البحر المقطعة ممن لم تبلغه دعوة الإسلام ولا أمر النبي ﷺ أن الحرج عنه في عدم الإيمان به ساقط؛ لقوله: "لا يسمع بي"، إذ طريق معرفته والإيمان به ﷺ مشاهدة معجزته وصدقه أيام حياته، أو صحة النقل بذلك، والخبر لمن لم يشاهده وجاء بعد (القاضي عياض).
-فيه الانتفاع بالإسلام قبيل الموت، ولو في المرض الشديد ما لم يصل إلى معاينة موت.
-وجوب اتباعه ﷺ، ونسخ جميع الشرائع بشرعه، فمن كفر به؛ لم ينفعه إيمانه بغيره من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين. (ابن هبيرة).
-"الأمة " جمع لهم جامع من دين أو زمان أو مكان أو غير ذلك، فأمة محمد تطلق تارة ويراد بها: كل من كان مبعوثاً إليهم وآمن به أو لم يؤمن، ويسمون: أمة الدعوة، وتطلق أخرى ويراد بها: المؤمنون به والمذعنون له، وهم أمة الإجابة، وهي ها هنا بالمعنى الأول بدليل قوله: «ولم يؤمن بي» واللام فيها للاستغراق، أو للجنس (البيضاوي).

باب: شَفاعَةُ النَّبِيِّ ﷺ لِعَمِّهِ أبِي طالِبٍ


١٤٥. (خ م) (٢١٠) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ ذُكِرَ عِندَهُ عَمُّهُ أبُو طالِبٍ فَقالَ: «لَعَلَّهُ تَنفَعُهُ شَفاعَتِي يَومَ القِيامَةِ، فَيُجعَلُ فِي ضَحضاحٍ مِن نارٍ يَبلُغُ كَعبَيهِ، يَغلِي مِنهُ دِماغُهُ».
-خَصَائِص النَّبِي ﷺ، وَقيل: جَزَاء الْكَافِر من الْعَذَاب يَقع على كفره وعَلى مَعَاصيه، فَيجوز أَن الله تَعَالَى يضع عَن بعض الْكفَّار بعض جَزَاء مَعَاصيه تطييباً لقلب الشافع لَا ثَوابًا للْكَافِرِ؛ لِأَن حَسَنَاته صَارَت بِمَوْتِهِ على كفره هباء منثوراً (العيني).

١٤٦. (خ م) (٢١٣) عَنِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ ﵄ يَخطُبُ يَقُولُ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إنَّ أهوَنَ أهلِ النّارِ عَذابًا يَومَ القِيامَةِ لَرَجُلٌ تُوضَعُ فِي أخمَصِ قَدَمَيهِ جَمرَتانِ يَغلِي مِنهُما دِماغُهُ». وفي رواية (م): «ما يَرى أنَّ أحَدًا أشدُّ مِنهُ عَذابًا، وإنَّهُ لَأَهوَنُهُم عَذابًا»
-ثبوت الشفاعة لأبي طالب خاصة من بين الكفار (موسى لاشين).
-أن عذاب الكفار متفاوت، وأقله لا تطيقه الجبال (فتح المنعم شرح صحيح مسلم).

باب: يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِن أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ سَبْعُونَ ألْفًا بِغَيْرِ حِسابٍ


١٤٧. (خ م) (٢٢٠) عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قالَ: كُنتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ فَقالَ: (أيُّكُم رَأى الكَوكَبَ الَّذِي انقَضَّ البارِحَةَ؟ قُلتُ: أنا، ثُمَّ قُلتُ: أما إنِّي لَم أكُن فِي صَلاةٍ، ولَكِنِّي لُدِغتُ. قالَ: فَماذا صَنَعتَ؟ قُلتُ: استَرقَيتُ. قالَ: فَما حَمَلَكَ عَلى ذَلكَ؟ قُلتُ: حَدِيثٌ حَدَّثَناهُ الشَّعبِيُّ. فَقالَ: وما حَدَّثَكم الشَّعبِيُّ؟ قُلتُ: حَدَّثَنا عَن بُرَيدَةَ بْنِ حُصَيبٍ الأَسلَمِيِّ أنَّهُ) قالَ: لا رُقيَةَ إلا مِن عَينٍ أو حُمَةٍ. فَقالَ: (قَد أحسَنَ مَن انتَهى إلى ما سَمِعَ)، ولَكِن حَدَّثَنا ابنُ عَبّاسٍ؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «عُرِضَت عَلَيَّ الأُمَمُ، فَرَأَيتُ النَّبِيَّ ومَعَهُ الرُّهَيطُ، والنَّبِيَّ ومَعَهُ الرَّجُلُ والرَّجُلانِ، والنَّبيَّ لَيسَ مَعَهُ أحَدٌ، إذ رُفِعَ لِي سَوادٌ عَظِيمٌ، فَظَنَنتُ أنَّهُم أُمَّتِي، فَقِيلَ لِي: هَذا مُوسى ﷺ وقَومُهُ، ولَكِن انظُر إلى الأُفُقِ، فَنَظَرتُ فَإذا سَوادٌ عَظِيمٌ، فَقِيلَ لِي: انظُر إلى الأُفُقِ الآخَرِ، فَإذا سَوادٌ عَظِيمٌ، فَقِيلَ لِي: هَذِهِ أُمَّتُكَ، ومَعَهُم سَبعُونَ ألفًا يَدخُلُونَ الجَنَّةَ بِغَيرِ حِسابٍ ولا عَذابٍ». ثُمَّ نَهَضَ فَدَخَلَ مَنزِلَهُ، فَخاضَ النّاسُ فِي أُولَئِك الَّذِينَ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ بِغَيرِ حِسابٍ ولا عَذابٍ، فَقالَ بَعضُهُم: فَلَعَلَّهُم الَّذِينَ صَحِبُوا رَسُولَ اللهِ ﷺ، وقالَ بَعضُهُم: فَلَعَلَّهُم الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الإسلامِ ولَم يُشرِكُوا باللهِ، وذَكَرُوا أشياءَ، فَخَرَجَ عَلَيهِم رَسُولُ اللهِ ﷺ فَقالَ: «ما الَّذِي تَخُوضُونَ فِيه؟ِ» فَأَخبَرُوهُ فَقالَ: «هُم الَّذِينَ (لا يَرقُونَ)، ولا يَستَرقُونَ، ولا يَتَطَيَّرُونَ، وعَلى رَبِّهِم يَتَوَكَّلُونَ». فَقامَ عُكّاشَةُ بنُ مِحصَنٍ فَقالَ: ادعُ اللهَ أن يَجعَلَنِي مِنهُم. فَقالَ: «أنتَ مِنهُم». ثُمَّ قامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقالَ: ادعُ اللهَ أن يَجعَلَنِي مِنهُم. فَقالَ: «سَبَقَكَ بِها عُكّاشَةُ». لَفظُ (خ): فَقالُوا: أمّا نَحْنُ فَوُلِدْنا فِي الشِّرْكِ، ولَكِنّا آمَنّا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ، ولَكِنْ هَؤُلاءِ هُمْ أبْناؤُنا.
وفي رواية (خ): وقالُوا: نَحْنُ الَّذِينَ آمَنّا بِاللَّهِ واتَّبَعْنا رَسُولَهُ فَنَحْنُ هُمْ أوْ أوْلادُنا ... وفي رواية (خ): قالَ: «اللَّهمَّ اجعلهُ مِنهُم». وفي رواية (خ): «ولا يَكتَوُونَ». زادَها (م) مِن حَدِيثِ عِمرانَ بْنِ حُصَينٍ.
-مدح هؤلاء بأنهم لا يسترقون أي لا يطلبون من أحد أن يرقيهم، والرقية من جنس الدعاء فلا يطلبون من أحد ذلك (ابن تيمية).
-الناس إنما يؤتون من قلة تحقيق التوكل، ووقوفهم مع الأسباب الظاهرة بقلوبهم ومساكنتهم لها، فلو حققوا التوكل على الله بقلوبهم، مع الاجتهاد في بذل الأسباب لساق الله إليهم أرزاقهم مع أدنى سبب، كما يسوق إلى الطير أرزاقها بمجرد الغدو والرواح، وهو نوع من الطلب والسعي لكنه سعي يسير من هذه الطيور بمقابل ما يغدق عليهم من رزق. (ابن رجب).

١٤٨. (خ م) (٢١٩) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «لَيَدخُلَنَّ الجَنَّةَ مِن أُمَّتِي سَبعُونَ ألفًا أو سَبعُ مِائَةِ ألفٍ لا يَدرِي أبُو حازِمٍ أيَّهُما قالَ مُتَماسِكُونَ، آخِذٌ بَعضُهُم بَعضًا، لا يَدخُلُ أوَّلُهُم حَتّى يَدخُلَ آخِرُهُم، وُجُوهُهُم عَلى صُورَةِ القَمَرِ لَيلَةَ البَدرِ».

باب: قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: «إنِّي لَأَرْجُو أنْ تَكُونُوا نِصْفَ أهْلِ الجَنَّةِ»


١٤٩. (خ م) (٢٢١) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي قُبَّةٍ (نَحوًا مِن أربَعِينَ رَجُلًا) فَقالَ: «أتَرضَونَ أن تَكُونُوا رُبُعَ أهلِ الجَنَّةِ؟» قالَ: قُلنا: نَعَم. فَقالَ: «أتَرضَونَ أن تَكُونُوا ثُلُثَ أهلِ الجَنَّةِ؟» فَقُلنا: نَعَم. فَقالَ: «والَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إنِّي لأَرجُو أن تَكُونُوا نِصفَ أهلِ الجَنَّةِ، وذاكَ أنَّ الجَنَّةَ لا يَدخُلُها إلا نَفسٌ مُسلِمَةٌ، وما أنتُم فِي أهلِ الشِّركِ إلا كالشَّعرَةِ البَيضاءِ فِي جِلدِ الثَّورِ الأَسوَدِ، أو كالشَّعرَةِ السَّوداءِ فِي جِلدِ الثَّورِ الأَحمَرِ».
-والحكمة في قوله: «ربع أهل الجنة، ثم ثلث أهل الجنة، ثم الشطر» ولم يقل أولاً شطر أهل الجنة أن ذلك أوقع في نفوسهم وأبلغ في إكرامهم، فإن إعطاء الإنسان مرة بعد أخرى دليل على الاعتناء به ودوام ملاحظته، وأن ذلك فيه تكرير البشارة مرة بعد أخرى، وفيه حملهم على تجديد شكره تعالى وحمده عل كثرة نعمه (دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين).
النواحي البيانية:
- ذكره بلفظ الاستفهام لإرادة تقرير البشارة بذلك وذكره بالتدريج ليكون أعظم لسرورهم (ابن التين).
-فيه أن "بلى" يجاب بها في الاستفهام... قال: "أنت الذي لقيتني بمكة؟ فقال له المجيب "بلى". (ابن التين).

١٥٠. (خ م) (٢٢٢) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَقُولُ اللهُ ﷿: يا آدَمُ. فَيَقُولُ: لَبَّيكَ وسَعدَيكَ، والخَيرُ فِي يَدَيكَ. قالَ: يَقُولُ: أخرِج بَعثَ النّارِ. قالَ: وما بَعثُ النّارِ؟ قالَ: مِن كُلِّ ألفٍ تِسعَ مِائَةٍ وتِسعَةً وتِسعِينَ. قالَ: فَذاكَ حِينَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَملٍ حَملَها، وتَرى النّاسَ سُكارى وما هُم بِسُكارى ولَكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ». قالَ: فاشتَدَّ ذَلكَ عَلَيهِم. قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ؛ أيُّنا ذَلكَ الرَّجُلُ؟ فَقالَ: «أبشِرُوا، فَإنَّ مِن يَأجُوجَ ومَأجُوجَ ألفًا ومِنكُم رَجُلٌ». قالَ: ثُمَّ قالَ: «والَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إنِّي لأَطمَعُ أن تَكُونُوا رُبُعَ أهلِ الجَنَّةِ». فَحَمِدنا اللهَ وكَبَّرنا، ثُمَّ قالَ: «والَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إنِّي لأَطمَعُ أن تَكُونُوا ثُلُثَ أهلِ الجَنَّةِ». فَحَمِدنا اللهَ وكَبَّرنا، ثُمَّ قالَ: «والَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إنِّي لأَطمَعُ أن تَكُونُوا شَطرَ أهلِ الجَنَّةِ، إنَّ مَثَلَكُم فِي الأُمَمِ كَمَثَلِ الشَّعرَةِ البَيضاءِ فِي جِلدِ الثَّورِ الأَسوَدِ، أو كالرَّقمَةِ فِي ذِراعِ الحِمارِ».
وفي رِوايَةِ (خ): «يَقُولُ اللَّهُ يَوْمَ القِيامَةِ: يا آدَمُ. فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ. فَيُنادى بِصَوْتٍ: إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أنْ تُخْرِجَ مِن ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إلى النّار ...».
ورَوى (خ) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «أوَّلُ مَن يُدْعى يَوْمَ القِيامَةِ آدَمُ، فَتَراءى ذُرِّيَّتُهُ، فَيُقالُ: هَذا أبُوكُمْ آدَمُ...» نَحْوُهُ مُخْتَصَرًا.
-ينبغي للإنسان أن يستعمل البشرى لإخوانه ما استطاع، ولكن أحياناً يكون الإنذار خيراً لأخيه المسلم، بحسب حاله، فقد يكون أخوك المسلم في جانب تفريط في واجب، أو انتهاك لمحرم فيكون من المصلحة أن تحذره، فينبغي أن تستعمل الحكمة في ذلك، ولكن يغلب جانب البشرى. (ابن عثيمين).
-مشروعية الحمد والتكبير عند الفرح والسرور، وعند استعظام الأمور (موسى لاشين).
-حرص آدم على رعاية الأدب مع ربه، حيث نسب الخير إلى الله بقوله "والخير في يديك" مع أن كل ما يجري من أقدار خيرها وشرها بتقدير الله، لكن في ذلك استعطاف عظيم يناسب المقام.

كِتابُ الطَّهارَةِ


باب: الوُضُوءُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلاةِ


١٥١. (خ م) (٢٢٥) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ قالَ: «لا تُقبَلُ صَلاةُ أحَدِكُم إذا أحدَثَ حَتّى يَتَوَضَّأَ».
١٥٢. (م) (٢٢٤) عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قالَ: دَخَلَ عَبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ ﵁ عَلى ابْنِ عامِرٍ يَعُودُهُ وهُوَ مَرِيضٌ، فَقالَ: ألا تَدعُو اللهَ لِي يا ابنَ عُمَرَ؟ قالَ: إنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «لا تُقبَلُ صَلاةٌ بِغَيرِ طُهُورٍ، ولا صَدَقَةٌ مِن غُلُولٍ». وكُنتَ عَلى البَصرَةِ.
-المراد بالقبول: وقوع الصلاة مجزئة بمطابقتها للأمر، فعلى هذا يلزم من القبول الصحة ظاهرًا وباطنًا، وكذا العكس (التوضيح لشرح الجامع الصحيح).
-فيه شدة ابن عمر في الدين، وقيامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خير قيام. (موسى لاشين).

١٥٣. (م) (٢٢٣) عَنْ أبِي مالِكٍ الأَشْعَرِيِّ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الطُّهُورُ شَطرُ الإيمانِ، والحَمدُ للهِ تَملأُ المِيزانَ، وسُبحانَ اللهِ والحَمدُ للهِ تَملآنِ، أو تَملأُ ما بَينَ السَّمَواتِ والأَرضِ، والصَّلاةُ نُورٌ، والصَّدَقَةُ بُرهانٌ، والصَّبرُ ضِياءٌ، والقُرآنُ حُجَّةٌ لَكَ أو عَلَيكَ، كُلُّ النّاسِ يَغدُو فَبايِعٌ نَفسَهُ فَمُعتِقُها أو مُوبِقُها».
-بيانُ أجر الحمد إذا أضيف إلى التسبيح وقُرن به على إفراده؛ لأنه ملأ الميزان - أي من الأجر - وإذا قُرِن بالتسبيح كان أجره بقدر ملء ما بين السماوات والأرض.
وذهب بعضهم إلى أن ثناء العبودية على شيئين: المعرفة بالله، والافتقار إلى الله، فصفاء معرفة الله بتنزيهه، وكمال الافتقار إليه: أن ترى نفسك في تصريفه كيف شاء، فغاية التنزيه سبحان الله، وفي الحمد لله الافتقار إلى الله (القاضي عياض).
-«ضياء» فمعناه الصبر المحبوب في الشرع، وهو الصبر على طاعة الله تعالى والصبر عن معصيته والصبر أيضا على النائبات وأنواع المكاره في الدنيا، والمراد أن الصبر محمود ولا يزال صاحبه مستضيئا مهتديا مستمرا على الصواب، قال إبراهيم الخواص: "الصبر هو الثبات على الكتاب والسنة". (النووي).

باب: الأَمْرُ بغَسْلِ اليَدِ عِنْدَ القِيامِ مِنَ النَّوْمِ قَبْلَ إدْخالِها فِـي الإناءِ


١٥٤. (خ م) (٢٧٨) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «إذا استَيقَظَ أحَدُكُم مِن نَومِهِ فَلا يَغمِس يَدَهُ فِي الإناءِ حَتّى يَغسِلَها (ثَلاثًا)، فَإنَّهُ لا يَدرِي أينَ باتَت يَدُهُ». وفي رواية (م): «فِيمَ باتَت يَدُهُ».
-قوله: «فإن أحدكم» قال البيضاوي: فيه إيماء إلى أن الباعث على الأمر بذلك احتمال النجاسة؛ لأن الشارع إذا ذكر حكما وعقبه بعلة دل على أن ثبوت الحكم لأجلها، ومثله قوله في حديث المحرم الذي سقط فمات «فإنه يبعث ملبيا»، بعد نهيهم عن تطييبه فنبه على علة النهي وهي كونه محرما (ابن حجر).
- قوله: «لا يدري» فيه أن علة النهي احتمال هل لاقت يده ما يؤثر في الماء أو لا، ومقتضاه إلحاق من شك في ذلك ولو كان مستيقظا، ومفهومه: أن من درى أين باتت يده كمن لف عليها خرقة مثلا فاستيقظ وهي على حالها أن لا كراهة وإن كان غسلها مستحبا على المختار (ابن حجر).

باب: ماذا يَقُولُ إذا دَخَلَ الخَلاءَ


١٥٥. (خ م) (٣٧٥) عَنْ أنَسٍ ﵁ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إذا دَخَلَ الخَلاءَ قالَ: «اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِن الخُبثِ والخَبائِثِ».
وفِي رِوايَةِ (م): إذا دَخَلَ الكَنِيفَ ... وفِي رِوايَةِ (خ) مُعَلَّقَةً: إذا أرادَ أنْ يَدْخُلَ.
-في الحديث دليل على مراقبته - ﷺ - لربه ومحافظته على ضبط أوقاته وحالاته، واستعاذاته عندما ينبغي أن يستعاذ منه، ونطقه عندما ينبغي أن ينطق به، وسكوته عندما ينبغي أن يسكت عنده.

باب: النَّهْيُ عَنِ اسْتِقْبالِ القِبْلَةِ بِغائِطٍ أوْ بَوْلٍ


١٥٦. (خ م) (٢٦٤) عَنْ أبِي أيُّوبَ ﵁؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «إذا أتَيتُم الغائِطَ فَلا تَستَقبِلُوا القِبلَةَ ولا تَستَدبِرُوها بِبَولٍ ولا غائِطٍ، ولَكِن شَرِّقُوا أو غَرِّبُوا». قالَ أبُو أيُّوبَ: فَقَدِمنا الشّامَ فَوَجَدنا مَراحِيضَ قَد بُنِيَت قِبَلَ القِبلَةِ فَنَنحَرِفُ عَنها، ونَستَغفِرُ اللهَ.
-«ولكن شرقوا أو غربوا» محمول على محل يكون التشريق والتغريب فيه مخالفا لاستقبال القبلة واستدبارها، كالمدينة التي هي مسكن رسول الله وما في معناها من البلاد، ولا يدخل تحته ما كانت القبلة فيه إلى المشرق أو المغرب (ابن دقيق العيد).
-«لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها» استنبط الغزالي رحمه الله من حديث الباب أن الواجب في الصلاة إدراك جهة القبلة لا عينها؛ لأنه عليه الصلاة والسلام ذكر أربع جوانب، وإدراك الجهة يتحقق بإمكان الخط المستقيم بين بيت الله وصدر المصلي.

باب: الرُّخْصَةُ فِـي ذَلِكَ فِـي الأَبْنِيَةِ


١٥٧. (خ م) (٢٦٦) عَنْ واسِعِ بْنِ حَبّانَ قالَ: (كُنتُ أُصَلِّي فِي المَسْجِدِ وعَبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ مُسنِدٌ ظَهرَهُ إلى القِبلَةِ، فَلَمّا قَضَيتُ صَلاتِي انصَرَفتُ إلَيهِ مِن شِقِّي)، فَقالَ عَبدُ اللهِ: يَقُولُ ناسٌ: إذا قَعَدتَ لِلحاجَةِ تَكُونُ لَكَ فَلا تَقعُد مُستَقبِلَ القِبلَةِ ولا بَيتِ المَقدِسِ. قالَ عَبدُ اللهِ: ولَقَد رَقِيتُ عَلى ظَهرِ بَيتٍ فَرَأَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ قاعِدًا عَلى لَبِنَتَينِ مُستَقبِلًا بَيتَ المَقدِسِ لِحاجَتِه.
-يؤخذ منه تتبع أحواله كلها ﷺ ونقلها، وأنها أحكام شرعية.
-استعمال الكناية بالحاجة عن البول والغائط، وجواز الإخبار عن مثل ذَلِكَ للاقتداء والعمل (ابن الملقن).
-أما استقبال بيت المقدس واستدباره، فيحتمل أنه على معنى الاحترام له؛ لأنه موضع شريف وكان قبلة في أول الإسلام، ويحتمل لأنه إذا استقبل البيت المقدس استدبر الكعبة، وإذا استدبره استقبلها، فنهي عن ذلك (ابن الأثير).

باب: النَّهْيُ أنْ يُبالَ أوْ يُغْتَسَلَ مِنَ الجَنابَةِ فِـي الـماءِ الرّاكِدِ


١٥٨. (خ م) (٢٨٢) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «لا يَبُولَنَّ أحَدُكُم فِي الماءِ الدّائِمِ ثُمَّ يَغتَسِلُ (مِنهُ)». لَفظُ (خ): «ثُمَّ يَغتَسِلُ فِيهِ»، وفِي رِوايَةٍ هِيَ لَفْظُ (خ) زادَ: «الدّائِمِ الَّذِي لا يَجْرِي».
-في هذا الحديث دليل على أن حكم الماء الجاري بخلاف الراكد، لأن الشيء إذا ذكر بأَخَصِّ أَوْصَافِه، كان حكم ما عداه بخلافه. (ابن الأثير).
-هذا تفسير منه ﷺ على طريق التنزيه والإرشاد إلى مكارم الأخلاق والاحتياط على دين الأمةِ، وهو في الماء القليل آكد منه في الكثير لإفساده له، بل ذكر بعضُهم أنه على الوجوب فيه. (القاضي عياض).

١٥٩. (م) (٢٨٣) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ يَقُولُ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لا يَغتَسِلُ أحَدُكُم فِي الماءِ الدّائِمِ وهُوَ جُنُبٌ». فَقِيلَ: كَيفَ يَفعَلُ يا أبا هُرَيْرَةَ؟ قالَ: يَتَناولُهُ تَناولًا.
ورَوى (م) عَن جابرٍ؛ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ؛ أنَّهُ نَهى أن يُبالَ فِي الماءِ الرّاكِدِ.

باب: فِـي الاسْتِتارِ مِنَ البَوْلِ


١٦٠. (خ م) (٢٩٢) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلى قَبرَينِ فَقالَ: «أما إنَّهُما لَيُعَذَّبانِ، وما يُعَذَّبانِ فِي كَبِيرٍ، أمّا أحَدُهُما فَكانَ يَمشِي بِالنَّمِيمَةِ، وأَمّا الآخَرُ فَكانَ لا يَستَتِرُ مِن بَولِهِ». قالَ: فَدَعا بِعَسِيبٍ رَطبٍ فَشَقَّهُ بِاثنَينِ، ثُمَّ غَرَسَ عَلى هَذا واحِدًا وعَلى هَذا واحِدًا، ثُمَّ قالَ: «لَعَلَّهُ أن يُخَفَّف عَنهُما ما لَم يَيبَسا». وفي رواية (م): «لا يَسْتَنْزِهُ عَنِ البَولِ». وفي رواية (خ) زادَ: «فِي كَبِيرٍ وإنَّهُ لَكَبِيرٌ».
- قوله: " ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً ": والجريد: سعف النخل. الواحدة: جريدة، سميت بذلك؛ لأنه قد جرد عنها خوصها.
-قيل ليس ذلك بكبير بمجرده، وإنما صار كبيرًا بالمواظبة عليه ويرشد إلى ذلك السياق فإنه وقع التعبير عن كل منهما بما يدل على تجدد ذلك منه واستمراره عليه للإتيان بصيغة المضارعة بعد كان (القسطلاني).
- وإنما خصَّ الجريدتين للغرز على القبر من دون سائر النبات والثمار؛ لأنهما أطول الثمار بقاء، فتطول مدة التخفيف عنهما، وهي شجرة طيبة كما سماها الله، وهي شجرة شبهها النبي ﷺ بالمؤمن (ابن الملقن).
- فيه الحض على ترك النميمة والتحرز من البول، والإيمان بعذاب القبر، وإنما ترجم له فيما سيأتي باب: عذاب القبر من الغيبة والبول. وذكر فيه النميمة فقط، ولعلها كانت معها غيبة وهما محرمتان وهما في النهي عنهما سواء. (ابن الملقن).
- وقوله: «وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ» أي: عندهما، ولذلك قَالَ: «بلى» في موضع آخر في البخاري: «يعذبان وما يعذبان في كبير »، ثم قال: «بلى، كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة»(ابن الملقن).
- وفيه: دلالة على أنهما كانا مسلمين؛ لأنه لا يذكر أنهما يعذبان على ما دون الشرك، ولا يذكر هو، وعذابهما يجوز أن يكون سمعه أو أخبر به، وموجبه أخبر به، والتخفيف يجوز أن يكون بدعاءٍ منه (ابن الملقن).

باب: ما يَسْتَتِرُ بِهِ لِقَضاءِ الحاجَةِ


١٦١. (م) (٣٤٢) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ ﵄ قالَ: أرْدَفَنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ ذاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ، فَأَسَرَّ إلَيَّ حَدِيثًا لا أُحَدِّثُ بِهِ أحَدًا مِنَ النّاسِ، وكانَ أحَبَّ ما اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِحاجَتِهِ هَدَفٌ أوْ حائِشُ نَخْلٍ. قالَ ابْنُ أسْماءَ فِي حَدِيثِهِ: يَعْنِي حائِطَ نَخْلٍ.
- فيه الاستتار عند قضاء الحاجة بحائط أو هدف أو وَهْدة أو نحو ذلك بحيث يغيب جميعُ شخصِ الإنسان عن أعين الناظرين. (النووي).
-بيان ما كان عليه النبيّ ﷺ من التواضع وحسن الخلق، حيث كان يُردف خلفه الصبيان.
-بيان ما كان عليه الصحابي عبد الله بن جعفر من كمال الأدب، وحسن الوفاء بالعهد، حيث كتم سرّ النبيّ ﷺ حتى يموت، مع أن أصحابه ناشدوه أن يُحدّثهم به.

باب: البَوْلُ قائِمًا


١٦٢. (خ م) (٢٧٣) عَنْ أبِي وائِلٍ قالَ: كانَ أبُو مُوسى يُشَدِّدُ فِي البَولِ (ويَبُولُ فِي قارُورَةٍ)، ويَقُولُ: إنَّ بَنِي إسرائِيلَ كانَ إذا أصابَ جِلدَ أحَدِهِم بَولٌ قَرَضَهُ بِالمَقارِيضِ. فَقالَ حُذَيْفَةُ: لَوَدِدتُ أنَّ صاحِبَكُم لا يُشَدِّدُ هَذا التَّشدِيدَ، فَلَقَد رَأَيتُنِي أنا ورسُولُ الله ﷺ نَتَماشى، فَأَتى سُباطَةً خَلفَ حائِطٍ فَقامَ كَما يَقُومُ أحَدُكُم فَبالَ، فانتَبَذتُ مِنهُ، فَأَشارَ إلَيَّ فَجِئتُ فَقُمتُ عِنْدَ عَقِبِهِ حَتّى فَرَغَ.
وفِي رِوايَةِ (م): فَتَوَضَّأَ فَمَسَحَ عَلى خُفَّيْهِ.
-جواز البول قائماً، وجواز قرب الإنسان من البائل، وجواز طلب البائل من صاحبة الذي يدل عليه القرب منه ليستره.
-جواز البول بقرب الديار.
-إثبات المسح على الخفين في الحضر (أبو الطيب).

باب: النَّهْيُ عَنِ الاسْتِنْجاءِ بِرَجِيعٍ أوْ عَظْمٍ


١٦٣. (م) (٢٦٣) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: نَهى رَسُولُ اللهِ ﷺ أن يُتَمَسَّحَ بِعَظمٍ أو بِبَعرٍ.
-عُلِّلَ منع العظم بأنه زاد الجن، والرجيع وهو الروث بأنه علف دوابهم، وقيل؛ لأن العظم لا ينقي، والرجيع يزيد المحل نجاسةً.

١٦٤. (م) (٢٦٢) عن سَلمانَ ﵁ قالَ: قِيل لَهُ: قَد عَلَّمَكُم نبيُّكُم كُلَّ شيءٍ حَتّى الخِراءةَ. قال: فَقالَ: أجَل، لَقَد نَهانا أن نستَقبِلَ القبلةَ لِغائطٍ أو بَولٍ، أو أنْ نَستَنجِي باليَمِين أو أن نَستَنجِي بِأَقَلَّ مِن ثَلاثةِ أحجارٍ، أو أن نَستَنجِي بِرَجِيعٍ أو عَظمٍ.
-لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها في حال قضاء حاجته بالبول أو الغائط بل تكون القبلة عن يمينه أو شماله إلا إذا كان في البناء فلا حرج. (ابن باز)
-دليل على النهي عن الاستنجاء باليمين من البول والغائط سواء بالأحجار أو بالماء، وهل النهي للتحريم أو للكراهة؟
القول الأول: أنه للكراهة وهو قول جمهور العلماء.
والقول الثاني: أنه للتحريم، وهو قول بعض الظاهرية وبعض الشافعية.
والأحوط ألا يستنجي المسلم بيمينه إلا إذا احتاج لذلك لعموم قول النبي ﷺ: «وما نهيتكم عنه فاجتنبوه» متفق عليه، فإن احتاج لذلك كأن تكون اليسرى مشلولة أو بها جرح فلا بأس.
-النهي عن الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار (الراجحي).

١٦٥. (خ) (١٥٥) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: اتَّبَعتُ النَّبِيَّ ﷺ وخَرَجَ لِحاجَتِهِ، فَكانَ لا يَلتَفِتُ، فَدَنَوتُ مِنهُ، فقالَ: «ابغِنِي أحجارًا أستَنفِض بِها أو نحوه، ولا تَأتِنِي بِعَظمٍ ولا رَوثٍ». فَأَتَيتُهُ بِأحجارٍ بِطَرَفِ ثِيابِي فَوَضَعتُها إلى جَنبِهِ وأَعرَضتُ عَنهُ، فَلَمّا قَضى أتبَعَهُ بِهِنَّ.
-دل الحديث على أن الاستجمار بالحجارة يكفي عن الاستنجاء بالماء: لهذا قال النبي ﷺ لأبي هريرة: «ابغني أحجارا» (الراجحي).

١٦٦. (خ) (١٥٦) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قالَ: أتى النَّبِيُّ ﷺ الغائِطَ فَأَمَرَنِي أن آتِيَهُ بِثَلاثَةِ أحجارٍ، فَوَجَدتُ حَجَرَينِ والتَمَستُ الثّالِثَ فَلَم أجِدهُ، فَأَخَذتُ رَوثَةً فَأَتَيتُهُ بِها، فَأَخَذَ الحَجَرَينِ وأَلقى الرَّوثَةَ، وقالَ: «هَذا رِكسٌ».
-لا بأس بالاستجمار بالحجارة وما يقوم مقامها من الأشياء اليابسة الطاهرة المـُنقية للنجاسة، كالطين المتحجر باستثناء الروث والعظم؛ لأنهما منهي عنهما (الراجحي).

باب: النَّهْيُ عَنِ الاسْتِنْجاءِ بِاليَمِينِ


١٦٧. (خ م) (٢٦٧) عَنْ أبِي قَتادَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لا يُمسِكَنَّ أحَدُكُم ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وهُوَ يَبُولُ، ولا يَتَمَسَّح مِن الخَلاءِ بِيَمِينِهِ، ولا يَتَنَفَّس فِي الإناءِ». وفي رواية: «إذا دَخَلَ أحَدُكُم الخَلاءَ فَلا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ».
فالواجب على المؤمن عند قضاء الحاجة أن يستعمل اليسار، لا اليمين، تكريمًا لليمين؛ لأنَّ اليمين بها الأخذ والعطاء، والمصافحة، والأكل والشرب، فيُبعدها عن مسِّ الذكر، فقد ينالها شيءٌ من البول، ولا يتمسَّح بها من الخلاء.

باب: الاسْتِنْجاءُ بِالـماءِ


١٦٨. (خ م) (٢٧٠) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ دَخَلَ حائِطًا، وتَبِعَهُ غُلامٌ مَعَهُ مِيضَأَةٌ، هُوَ أصغَرُنا، فَوَضَعَها عِنْدَ سِدرَةٍ، فَقَضى رَسُولُ اللهِ ﷺ حاجَتَهُ، فَخَرَجَ عَلَينا وقَد استَنجى بِالماءِ. وفي رواية (خ): كانَ يَتَبَرَّزُ لِحاجَتِهِ فَآتِيهِ بِالماءِ فَيَتَغَسَّلُ بِهِ.
جواز استخدام الرجل الفاضل بعض أصحابه في حاجته.

باب: يَقْطَعُ الاسْتِجْمارَ عَلى وِتْرٍ


١٦٩. (خ م) (٢٣٧) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ يَبلُغُ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «إذا استَجمَرَ أحَدُكُم فَليَستَجمِر وِترًا، وإذا تَوَضَّأَ أحَدُكُم فَليَجعَل فِي أنفِهِ ماءً ثُمَّ لِيَنتَثِر».
-جواز الاستنجاء بالماء، ورجحانه على الاقتصار على الحجر.

باب: النَّهْيُ عَنِ التَّخَلِّي فِـي الطُّرُقِ والظِّلالِ


١٧٠. (م) (٢٦٩) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «اتَّقُوا اللَّعّانَينِ». قالُوا: وما اللَّعّانانِ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: «الَّذِي يَتَخَلّى فِي طَرِيقِ النّاسِ أو فِي ظِلِّهِم».
-فلا يجوز للمسلم أن يتخلَّى في الطريق، ولا في الظلّ الذي ينتفع به الناسُ؛ لأنَّ هذا يُؤذي الناس، ويشقّ عليهم، والمسلم أخو المسلم، لا يُؤذيه، ولا يضرُّه، ولا شكَّ أن التَّخلي في الطريق وفي الظلّ الذي يُستظل به يُؤذي الناس.

باب: يَذْكُرُ اللهَ عَلى كُلِّ أحْيانِهِ ولا يَذْكُرُهُ وهُوَ عَلى حاجَتِهِ


١٧١. (م) (٣٧٠) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄، أنَّ رَجُلًا مَرَّ ورسُولُ اللهِ ﷺ يَبُولُ، فَسَلَّمَ عَلَيهِ فَلَم يَرُدَّ عَلَيهِ.
-ويكره الكلام أثناء قضاء الحاجة، كما يكره ذكر الله ولو كان واجبا، قال العلماء: ولا يستحق المسلم في تلك الحال جوابا، قال النووي: وهذا متفق عليه. ثم قال: ويكره أن يسلم على المشتغل بقضاء حاجة البول والغائط، "فإن سلم عليه كره رد السلام، وكذا يكره الكلام على قضاء الحاجة بأي نوع كان من أنواع الكلام، ويستثنى من هذا كله موضع الضرورة (موسى لاشين).

١٧٢. (م) (٣٧٣) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: كانَ النَّبِيُّ ﷺ يَذكُرُ اللهَ عَلى كُلِّ أحيانِهِ.

باب: جَوازُ الانْتِفاعِ بِجِلْدِ الـمَيْتَةِ بَعْدَ الدَّبْغِ


١٧٣. (خ م) (٣٦٣) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: تُصُدِّقَ عَلى مَولاةٍ لِمَيْمُونَةَ بِشاةٍ فَماتَت، فَمَرَّ بِها رَسُولُ اللهِ ﷺ فَقالَ: «هَلاَّ أخَذتُم إهابَها (فَدَبَغتُمُوهُ) فانتَفَعتُم بِهِ». فَقالُوا: إنَّها مَيتَةٌ. فَقالَ: «إنَّما حَرُمَ أكلُها».
ورَوى (خ) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄؛ عَن سَودَةَ زَوجِ النَّبِيِّ ﷺ قالَت: ماتَت لَنا شاةٌ، فَدَبَغنا مَسكَها، ثُمَّ ما زِلنا نَنبِذُ فِيهِ حَتّى صارَ شَنًّا.
-دلالة على تحريم أكل جلد الميتة، وهو الصحيح (أبو الطيب).
-فيه دليل على أن جلود الميتة لا يجوز الانتفاع بها أي: انتفاع كان إلا بعد الدباغ، وأما قبل الدباغ فلا يجوز الانتفاع كالبيع وغيره، وهو القول الراجح المعول عليه (المباركفوري).

١٧٤. (م) (٣٦٦) عَنْ أبِي الخَيْرِ قالَ: رَأَيتُ عَلى ابْنِ وعلَةَ السَّبَئِيّ فَروًا فَمَسِستُهُ، فَقالَ: ما لَكَ تَمَسُّهُ؟ قَد سَأَلتُ عبدَ اللهِ بنَ عَبّاسٍ؛ قُلتُ: إنّا نَكُونُ بِالمَغرِبِ ومَعَنا البَربَرُ والمَجُوسُ نُؤتى بِالكَبشِ قَد ذَبَحُوهُ ونَحنُ لا نَأكُلُ ذَبائِحَهُم، ويَأتُونا بِالسِّقاءِ يَجعَلُونَ فِيهِ الوَدَكَ، فَقالَ ابنُ عباسٍ ﵁: قَد سَأَلنا رَسُولَ اللهِ ﷺ عَن ذَلكَ فَقالَ: «دِباغُهُ طَهُورُهُ».
وروى عنه قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إذا دُبِغَ الإهابُ فَقَد طَهُرَ».
-فيه لغة قليلة أنه يقال: " فروه" بالهاء كلمة تقولها العامة.
-دلالة مذهب الأكثرين، أنه يطهر ظاهره وباطنه فيجوز استعماله في المائعات؛ فإن جلود ما ذكاه المجوس نجسة، وقد نص على طهارتها بالدباغ واستعمالها في الماء، والودك. والله أعلم.
-فيه أن "الإهاب" إذا طهر بالدباغ؛ جاز الانتفاع به، بلا خلاف وجاز بيعه. (أبو الطيب).

باب: إذا ولَـغَ الكَلْبُ فِـي الإناءِ وجَبَ غَسْلُهُ سَبْعًا


١٧٥. (خ م) (٢٧٩) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «إذا شَرِبَ الكَلبُ فِي إناءِ أحَدِكُم فَليَغسِلهُ سَبعَ مَرّاتٍ».
وفي رواية (م): «طُهُورُ إناءِ أحَدِكُم إذا ولَغَ فِيهِ الكَلبُ أن يَغسِلَهُ سَبعَ مَرّاتٍ، أُولاهُنَّ بِالتُّرابِ».
-وجوب غسل الإناء من ولوغ الكلب سبع مرات، وان التسبيع أمر لا بد منه، وهو مذهب الجمهور (منار القاري).

١٧٦. (م) (٢٨٠) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ المُغَفَّلِ قالَ: أمَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِقتلِ الكِلابِ، ثمَّ قالَ: «ما بالُهُم وبالُ الكِلابِ؟» ثُمَّ رَخَّصَ فِي كَلبِ الصَّيدِ وكَلبِ الغَنَمِ، وقالَ: «إذا ولَغَ الكلبُ فِي الإناءِ، فاغسِلُوهُ سَبعَ مرّاتٍ، وعَفِّرُوه الثّامِنَةَ فِي التُّرابِ».
-نهي عن اقتنائها، وقد اتفق أصحابنا وغيرهم على أنه يحرم اقتناء الكلب لغير حاجة مثل أن يقتني كلبًا إعجابًا بصورته، أو للمفاخرة به، أو للعداوة على الجيران فهذا حرام بلا خلاف، وأما الحاجة التي يجوز الاقتناء لها فقد ورد هذا الحديث بالترخيص لأحد ثلاثة أشياء: " وهي الزرع، والماشية، والصيد"، وهذا جائز بلا خلاف (محمد الأمين الهرري).

باب: فِـيما يَتَأَكَّدُ فِيهِ السِّواكُ


١٧٧. (خ م) (٢٥٤) عَنْ أبِي مُوسى ﵁ قالَ: دَخَلتُ عَلى النَّبِيِّ ﷺ وطَرَفُ السِّواكِ عَلى لِسانِهِ. لَفظُ (خ): أتَيتُ النَّبيَّ ﷺ فَوَجَدتُّهُ يَستَنُّ بِسِواكٍ بِيَدِهِ، يَقُولُ: «أُع أُع»، والسِّواكُ فِي فِيهِ، كَأَنَّهُ يَتَهوَّعُ.
-من باب التفعل الذي للتكلف، يقال: هاع يهوع إذا قاء من غير تكلف، فإذا تكلف يقال تهوع. (عمدة القاري).

١٧٨. (خ م) (٢٥٥) عَنْ حُذَيْفَةَ ﵁ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إذا قامَ لِيَتَهَجَّدَ يَشُوصُ فاهُ بِالسِّواكِ.
-والتهجد الصَّلاة بالليل بعد النوم، يقال هجد الرجل إذا نام، وتهجد إذا خرج من الهجود وهو النوم بالصلاة، كما يقال تحنث وتأثم وتحرج إذا اجتنب الحنث والإثم والحرج (محمد الأمين الهرري).

١٧٩. (م) (٢٥٣) عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هانِىءٍ قالَ: سَأَلتُ عائِشَةَ ﵂ قُلتُ: بِأَيِّ شَيءٍ كانَ يَبدَأُ النَّبِيُّ ﷺ إذا دَخَلَ بَيتَهُ؟ قالَت: بِالسِّواكِ.
-وفيه بيان فضيلة السواك في جميع الأوقات، وشدة الإهتمام به وتكراره لعدم تقييده بوقت الصلاة والوضوء؛ لأن دخول البيت لا يختص بوقت دون وقت فكذا السواك، ولعله إذا انقطع عن الناس يستعد للوحي، وقيل: كان ذلك لاشتغاله بالصلاة النافلة في البيت، وقيل: لأنه ربما يتغير رائحة الفم بمحادثة الناس فمن حسن معاشرة الأهل إزالته (المباركفوري).

باب: اسْتِحْبابُ التَّيَمُّنِ فِـي الطُّهُورِ وغَيْرِهِ


١٨٠. (خ م) (٢٦٨) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: إنْ كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لَيُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي طُهُورِهِ إذا تَطَهَّرَ، وفِي تَرَجُّلِهِ إذا تَرَجَّلَ، وفِي انتِعالِهِ إذا انتَعَلَ.
وفي رواية: يُحِبُّ التيمُّنَّ فِي شَأنِهِ كُلِّهِ. وفي رواية (خ) زادَ: يُحِبُّ التَّيَمُّنَ ما اسْتَطاعَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ.
-والتيمن قاعدة مستمرة في الشرع فيما كان من باب التكريم والتشريف، كلبس الثوب والسراويل، والخف ودخول المسجد، والسواك، والاكتحال، وتقليم الأظفار، وقص الشارب وترجيل الشعر، ونتف الإبط، وحلق الرأس، والسلام من الصلاة، والخروج من الخلاء، والأكل والشرب، والمصافحة، واستلام الركنين، وغير ذلك من كل ما كان من التكريم، وأما ما كان بضده كدخول الخلاء، والخروج من المسجد، والامتخاط، والاستنجاء، وخلع الثوب والسراويل، والخف وما أشبه ذلك فيستحب التياسر فيه (النووي).

باب: وُضُوءُ رَسُولِ اللهِ ﷺ ثَلاثًا ومَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ ومَرَّةً مَرَّةً


١٨١. (خ م) (٢٣٥) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عاصِمٍ الأَنْصارِيِّ ﵁ وكانَت لَهُ صُحبَةٌ قالَ: قِيلَ لَهُ: تَوَضَّأ لَنا وُضُوءَ رَسُولِ اللهِ ﷺ. فَدَعا بِإناءٍ فَأَكفَأَ مِنها عَلى يَدَيهِ فَغَسَلَهُما ثَلاثًا، ثُمَّ أدخَلَ يَدَهُ فاستَخرَجَها فَمَضمَضَ واستَنشَقَ مِن كَفٍّ واحِدَةٍ فَفَعَلَ ذَلكَ ثَلاثًا، ثُمَّ أدخَلَ يَدَهُ فاستَخرَجَها فَغَسَلَ وجهَهُ ثَلاثًا، ثُمَّ أدخَلَ يَدَهُ فاستَخرجَها فَغَسَلَ يَدَيهِ إلى المِرفَقَينِ مَرَّتَينِ مَرَّتَينِ، ثُمَّ أدخَلَ يَدَهُ فاستَخرَجَها فَمَسَحَ بِرَأسِهِ فَأَقبَلَ بِيَدَيهِ وأَدبَر، ثُمَّ غَسَلَ رِجلَيهِ إلى الكَعبَينِ، ثُمَّ قالَ: هَكَذا كانَ وُضُوءُ رَسُولِ اللهِ ﷺ.
وفي رواية: بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأسِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِما إلى قَفاهُ، ثُمَّ رَدَّهُما حَتى رَجَعَ إلى المَكانِ الَّذِي بَدَأَ مِنهُ. وفي رواية (م): ومَسَحَ بِرَأسِهِ بِماءٍ غَيرِ فَضْلِ يَدِهِ، وغَسَلَ رِجلَيهِ حَتى أنقاهُما.
-(وكانت له) ولأبيه ولأمه نسيبة بنت كعب (صحبة) من النبي ﷺ وملازمة له يشير بذلك إلى تحقيق ما رواه من صفة الوضوء لأن الصاحب أقعد بمعرفة الفعل (محمد الأمين الهرري).
-وقيل في تأويله: إن المراد أدبر بيديه وأقبل، والواو بين الإقبال والإدبار لا تقتضي ترتيبا، ويعضده أنه جاء كذلك في رواية للبخاري. (موسى لاشين).

١٨٢. (خ) (١٥٨) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ ﵁؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ تَوَضَّأَ مَرَّتَينِ مَرَّتَينِ.
-مشروعية الوضوء مرتين مرتين وجوزاه (منحة الملك الجليل).

١٨٣. (خ) (١٤٠) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄، أنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وجهَهُ؛ أخَذَ غَرفَةً مِن ماءٍ فَمَضمَضَ بِها واستَنشَقَ، ثُمَّ أخَذَ غَرفَةً مِن ماءٍ فَجَعَلَ بِها هَكَذا أضافَها إلى يَدِهِ الأُخرى فَغَسَلَ بِهِما وجهَهُ، ثُمَّ أخَذَ غَرفَةً مِن ماءٍ فَغَسَلَ بِها يَدَهُ اليُمنى، ثُمَّ أخَذَ غَرفَةً مِن ماءٍ فَغَسَلَ بِها يَدَهُ اليُسرى، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأسِهِ، ثُمَّ أخَذَ غَرفَةً مِن ماءٍ فَرَشَّ عَلى رِجلِهِ اليُمنى حَتّى غَسَلَها، ثُمَّ أخَذَ غَرفَةً أُخرى فَغَسَلَ بِها رِجلَهُ يَعنِي اليُسرى ثُمَّ قالَ: هَكَذا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَتَوَضَّأُ. وفي رواية: قالَ: تَوَضَّأَ النَّبِي ﷺ مَرَّةً مَرَّةً.
-أولا: جواز غسل الوجه مرة واحدة، وهي الفرض، أمّا الغسلة الثانية والثالثة فهما سنتان، وكذلك الحكم في سائر الأعضاء المغسولة. ثانياً: الجمع بين المضمضة والاستنشاق في غرفة واحدة، وهو حجة للشافعية كما أفاده العيني. (منار القاري).

١ من أول من يقرع باب الجنة فيفتح له ؟

٥/٠