كِتابُ تَحْرِيمِ الدِّماءِ وذِكْرِ القِصَــاصِ والدِّيَةِ


باب: تَحْرِيمُ الدِّماءِ والأَمْوالِ والأَعْراضِ


١٤٧١. (خ م) (١٦٧٩) عَنْ أبِي بَكْرَةَ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «إنَّ الزَّمانَ قَد استَدارَ كَهَيئَتِهِ يَومَ خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ والأرضَ، السَّنَةُ اثنا عَشَرَ شَهرًا، مِنها أربَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثَةٌ مُتَوالِياتٌ؛ ذُو القَعدَةِ، وذُو الحِجَّةِ، والمُحَرَّمُ، ورَجَبٌ شَهرُ مُضَرَ الَّذِي بَينَ جُمادى وشَعبانَ»، ثُمَّ قالَ: «أيُّ شَهرٍ هَذا؟» قُلنا: اللهُ ورَسُولُهُ أعلَمُ. قالَ: فَسَكَتَ حَتّى ظَنَنّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيرِ اسمِهِ، قالَ: «ألَيسَ ذا الحِجَّةِ؟» قُلنا: بَلى. قالَ: «فَأَيُّ بَلَدٍ هَذا؟» قُلنا: اللهُ ورَسُولُهُ أعلَمُ. قالَ: فَسَكَتَ حَتّى ظَنَنّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيرِ اسمِهِ، قالَ: «ألَيسَ البَلدَةَ؟» قُلنا: بَلى. قالَ: «فَأَيُّ يَومٍ هَذا؟» قُلنا: اللهُ ورَسُولُهُ أعلَمُ. قالَ: فَسَكَتَ حَتّى ظَنَنّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيرِ اسمِهِ، قالَ: «ألَيسَ يَومَ النَّحرِ؟» قُلنا: بَلى يا رَسُولَ اللهِ. قالَ: «فَإنَّ دِماءَكُم وأَموالَكُم وأَعراضَكُم حَرامٌ عَلَيكُم، كَحُرمَةِ يَومِكُم هَذا، فِي بَلَدِكُم هَذا، فِي شَهرِكُم هَذا، وسَتَلقَونَ رَبَّكُم فَيَسأَلُكُم عَن أعمالِكُم، فَلا تَرجِعُنَّ بَعدِي كُفّارًا أو ضُلاَّلًا يَضرِبُ بَعضُكُم رِقابَ بَعضٍ، ألا لِيُبَلِّغ الشّاهِدُ الغائِبَ، فَلَعَلَّ بَعضَ مَن يُبَلَّغُهُ يَكُونُ أوعى لَهُ مِن بَعضِ مَن سَمِعَهُ»، ثُمَّ قالَ: «ألا هَل بَلَّغتُ؟».
وفي رواية: قالَ: لمّا كانَ ذَلكَ اليَومُ قَعَدَ عَلى بَعِيرِهِ، وأَخَذَ إنسانٌ بِخِطامِهِ، فَقالَ ... زادَ (م) فِي آخِرِها: قالَ: ثُمَّ انكَفَأَ إلى كَبشَينِ أملَحَينِ فَذَبَحَهُما، وإلى جُزَيعَةٍ مِن الغَنَمِ فَقَسَمَها بَينَنا.
وفي رواية: ورَجَبُ مُضَرٍ.
وفي رواية (خ) زادَ: «وأَعراضَكُم وأَبشارَكم ...».
وزادَ فِيها: فَلَمّا كانَ يَومُ حُرِّق ابنُ الحَضْرمي حِينَ حَرَّقَهُ جارِيةُ بنُ قُدامَةَ قالَ: أشرِفُوا عَلى أبِي بَكْرَةَ. فَقالُوا: هَذا أبُو بَكرةَ يَراكَ. قالَ عَبدُ الرَّحمنِ [بنُ أبِي بَكْرَةَ]: فَحَدَّثَتنِي أُمِّي عَن أبِي بَكْرَةَ أنَّهُ قالَ: لَو دَخَلُوا عَلَيَّ ما بَهَشْتُ بِقَصَبَةٍ.
ورَوى (خ) عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي حَجَّةِ الوَداعِ: «ألا أيُّ شَهرٍ تَعلَمُونَهُ أعظَمُ حُرمةً؟» ... نَحوَهُ.
ورَوى (خ) عَنهُ -مُعَلَّقًا-: وقَفَ النَّبِيُّ ﷺ يَومَ النَّحْرِ بَينَ الجَمَراتِ فِي الحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ بِهَذا وقالَ: «هَذا يَومُ الحَجِّ الأَكبَرِ». فَطِفِقَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اشْهَد». ووَدَّعَ النّاسَ فَقالُوا: هَذِهِ حَجَّةُ الوَداعِ.
ورَوى (خ) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ خَطَبَ النّاسَ يَومَ النَّحْرِ، فَقالَ: «يا أيُّها النّاسُ أيُّ يَوْمٍ هَذا؟ قالُوا: يَوْمٌ حَرامٌ» وذكر نحوه.
قوله:(الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَةِ )يقال: إن بدء ذلك كان - والله أعلم - أن العرب كانت تحرم الشهور الأربعة، وكان هذا مما تمسكت به من ملة إبراهيم، فربما احتاجوا إلى تحليل المحرم للحرب تكون بينهم؛ فيكرهون أن يستحلوه ويكرهون تأخير حربهم، فيؤخرون تحريم المحرم إلى صفر، فيحرمونه ويستحلون المحرم، وهذا هو النسيء الذى قال الله تعالى:﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا﴾ [التوبة: 37]الآية.وكان ذلك في كتابه. والنسيء هو التأخير. (ابن بطال).
- قوله: (وَرَجَبُ مُضَرَ، الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ) وإنما قيده هذا التقييد مبالغة في إيضاحه وإزالة للبس عنه، قالوا: وقد كان بين بني مضر وبين ربيعة اختلاف في رجب، فكانت مضر تجعل رجبا هذا الشهر المعروف الآن، وهو الذي بين جمادى وشعبان، وكانت ربيعة تجعله رمضان، فلهذا أضافه النبي ﷺ إلى مضر، وقيل: لأنهم كانوا يعظمونه أكثر من غيرهم.
- قوله:(أَيُّ شَهْرٍ هَذَا "، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ ذُو الحِجَّةِ»، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا». قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ):هذا السؤال والسكوت والتفسير أراد به التفخيم والتقرير والتنبيه على عظم مرتبة هذا الشهر والبلد واليوم، وقولهم: (الله ورسوله أعلم)؛ هذا من حسن أدبهم، وأنهم علموا أنه ﷺ لا يخفى عليه ما يعرفونه من الجواب فعرفوا أنه ليس المراد مطلق الإخبار بما يعرفون. ( النووي)
- فيه تغليظ حرمة الدماء، والذنب يعظم بحسب عظم المفسدة، المترتبة عليه، وتفويت المصلحة الناتج عنه، وإراقة دم الإنسان غاية في ذلك. (موسى شاهين).
- قوله: (وَأَعرَاضَكُم حَرَامٌ عَلَيكُم) هل الأعراض معناها الغيبة، أو انتهاك الرضى بالزنا، وما أشبه ذلك؟ الظاهر أنه يشمل هذا وهذا فكله حرام. (ابن عثيمين).
- ويتخلص الإنسان من الدماء بتسليم نفسه لمن له الحق، أما الأموال فبردها إلى صاحبها فإن مات صاحبها لورثته، أما الأعراض إن علم أن صاحبه علم بذلك فهنا لابد أن يذهب إليه ويتحلله، وإن لم يعلم استغفر له، وأثنى عليه بما يستحق في المجالس التي كان يغتابه فإن الحسنات يذهبن السيئات. (ابن عثيمين).
قوله(فَلا تَرجِعُنَّ بَعدِي كُفَّارًا ) وأتبعه(يَضْرِب ُبَعْضُكُم رقاب بَعْض) علمنا أنه أراد الكفر الذي لا يخرج الإنسان من الملة. (ابن عثيمين).
- قوله (لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الغَائِبَ)؛ قال النووي: فيه وجوب تبليغ العلم، وهو فرض كفاية، فيجب تبليغه بحيث ينتشر.
-قال المهلب: فيه أنه يأتي في آخر الزمان من يكون له من الفهم في العلم، ما ليس لمن تقدمه، إلا أن ذلك يكون في الأقل.
- ومن خطبة الرسول ﷺ على بعيره استحباب الخطبة على موضع عال، من منبر وغيره، سواء خطبة الجمعة والعيدين وغيرهما، وحكمته أنه أبلغ في إسماعه الناس، ورؤيتهم إياه، ووقوع كلامه في نفوسهم. (موسى شاهين).
- وفيه مشروعية ضرب المثل، وإلحاق النظير بالنظير، ليكون أوضح للسامع. وإنما شبه حرمة الدم والعرض والمال بحرمة اليوم والشهر والبلد، لأن المخاطبين بذلك كانوا يعظمون هذه الأشياء، ولا يرون هتك حرمتها، ويعيبون على من فعل ذلك أشد العيب، فقدم السؤال عنها تذكيرًا لحرمتها، وتقريرًا لما ثبت في نفوسهم، ليبني عليه ما أراد تقريره على سبيل التأكيد(موسى شاهين).
(ابن الحضرمي): قال المهلب: هو رجل امتنع من الطاعة، فأخرج إليه جاريةُ -أي: بالجيم- ابنُ قُدامةَ جيشًا، فظفروا به في ناحية من العراق كان أبو بكرة يسكنها، فأمر جاريةُ بصلبه، فصُلب، ثم أُلقي في النار في الجذع الذي صُلب فيه، ثم أمر جاريةُ جيشَه أن يُشرفوا على أبي بكرةَ، هل هو على الاستسلام والانقياد؟ فقالوا له: إنه يراك وما صنعتَ بابن الحَضْرَمِيّ، وما أنكر عليك بكلام ولا سلاح، فلما سمع أبو بكرة ذلك، وهو في غرفة له، قال: لو دخلوا عليّ، ما بَهَشْتُ بِقَصَبَةٍ؛ فكيف أقاتلهم؛ لأني ما أرى الفتنة في الإسلام، ولا التحركَ فيها مع إحدى الطائفتين.

باب: تَعْظِيمُ شَأْنِ الدِّماءِ


١٤٧٢. (خ م) (١٦٧٨) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أوَّلُ ما يُقضى بَينَ النّاسِ (يَومَ القِيامَةِ) فِي الدِّماءِ».
- فيه تغليظ أمر الدماء وأنها أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة, وهذا لعظم أمرها وكثير خطرها وليس هذا الحديث مخالفًا للحديث المشهور في السنن (أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ صَلَاتُهُ) لأن هذا الحديث الثاني فيما بين العبد وبين الله تعالى، وأما حديث الباب فهو فيما بين العباد -والله أعلم بالصواب- (النووي).

١٤٧٣. (خ) (٦٨٦٢) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَن يَزالَ المُؤمِنُ فِي فُسحَةٍ مِن دِينِهِ ما لَم يُصِب دَمًا حَرامًا».
- فيه تحذير شديد وأن الإنسان لايزال في فسحة من دينه، أي أن الله يحفظه به ويحفظه عليه ما لم يصب دمًا حرامًا فإن أصاب دمًا فهو على خطر عظيم.
- وفي هذا دليلٌ على أن إصابة الدم بالحرام من كبائر الذنوب، ولا شك في هذا، فإن قتل النفس التي حرم الله بغير حق من كبائر الذنوب(ابن عثيمين).

١٤٧٤. (خ) (٦٨٦٣) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ﵄ قالَ: إنَّ مِن ورَطاتِ الأُمُورِ الَّتِي لا مَخرَجَ لِمَن أوقَعَ نَفسَهُ فِيها: سَفكَ الدَّمِ الحَرامِ بِغَيرِ حِلِّهِ.
-هذا على عمومه، والصواب أن له مخرجًا، وذلك بالتوبة وأداء مايلزمه من قصاص أو دية فهذا مخرج، فيكون كلام ابن عمر هنا: إما لأنه لا يرى قبول توبة القاتل وهو قول مرجوح، وإما إنه من باب التحذير، وباب التحذير يصح فيه الإطلاقات بدون تقييد، ويكون التقييد معلومًا من نصوص أخرى، ذلك لأن باب التحذير ينبغي فيه الإتيان بأشد مايحذر الناس فيه. (ابن عثيمين) .

باب: إثْمُ مَن سَنَّ القَتْلَ


١٤٧٥. (خ م) (١٦٧٧) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لا تُقتَلُ نَفسٌ ظُلمًا إلا كانَ عَلى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفلٌ مِن دَمِها؛ لأَنَّهُ كانَ أوَّلَ مَن سَنَّ القَتلَ».
-"ظُلمًا" يعني أنه إذا كان بحق فليس فيه إثم أصلاً حتى يكون عليه كفل من إثمها، ولكن إذا قتل ظلمًا فإن على القاتل الأول كفل من دمها، أي من إثم دمها.
ابن آدم الأول: هو قابيل الذي قتل هابيل.
فلو قال قائل أن ابن آدم القاتل ندم على فعله فكيف يحمل هذا الوزر لمن قتل من بعده؟
الجواب: هو لم يندب على قتله لأخيه بل على التعب الذي حصل له، وإلا فلو ندم توبة إلى الله لتاب الله عليه. (ابن عثيمين).
- هنا فائدة عظيمة هي أن من سن إثمًا فإن عليه إثم من استن به(ابن عثيمين).
- ظاهر الحديث أن من فعل هذا وإن لم يعتقد أنه مستن بالأول فعلى الأول نصيب من الإثم حتى وإن لم ينوِ الاستنان به. (ابن عثيمين).
- وفيه الحذر من أن يسن الإنسان للناس من الآثام مالم يكن يعرفونه. (ابن عثيمين).

باب: ما يُحِلُّ دَمَ الرَّجُلِ الـمُسْلِمِ


١٤٧٦. (خ م) (١٦٧٦) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لا يَحِلُّ دَمُ امرِئٍ مُسلِمٍ يَشهَدُ أن لا إلَهَ إلا اللهُ وأَنِّي رَسُولُ اللهِ إلا بِإحدى ثَلاثٍ: الثَّيِّبُ الزّانِي، والنَّفسُ بِالنَّفسِ، والتّارِكُ لِدِينِهِ المُفارِقُ لِلجَماعَةِ». لَفظُ (خ): «والمُفارِقُ لِدِينِهِ التّارِكُ لِلجَماعَةِ».
قوله ﷺ: (لا يَحِلُّ دَمُ امرِئٍ مُسلِمٍ )يعني قتله.
قوله(يَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلا اللهُ )هذه صفة تفصيل، فهي صفة كاشفة؛ يعني: أن إسلامه: أن يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله, يشهد بلسانه وبقلبه جميعًا، فمن شهد بلسانه دون قلبه فهو منافق، ومن شهد بقلبه دون لسانه، فهو غير مسلم، ولابد أن ينطق؛ ولهذا قال -- "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" لا إله إلا الله: أي لا معبود بحق إلا الله(ابن عثيمين).
قوله:(وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ )أي أن محمد رسول الله إلى الناس كافة الجن والإنس(ابن عثيمين).
(الثيب): هو الذي جامع زوجته بنكاح صحيح، وهما بالغان عاقلان حران. (ابن عثيمين) .
قوله:(وَالنَّفسُ بِالنَّفسِ)أي: أن من قتل شخصا قتل وهذا العموم لايمكن أن يخرج شيء من أفراده إلا بدليل، وهو مطابق لقوله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)(ابن عثيمين).
قوله:(وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ المُفَارِقُ لِلجَمَاعَةِ) إذا اجتمع الوصفان فلا شك أنه حلال الدم.

باب: الحُكْمُ فِيمَن يَقْتُلُ ويُحارِبُ


١٤٧٧. (خ م) (١٦٧١) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁؛ أنَّ نَفَرًا مِن عُكلٍ ثَمانِيَةً قَدِمُوا عَلى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَبايَعُوه عَلى الإسلامِ، فاستَوخَمُوا الأرضَ وسَقِمَت أجسامُهُم، فَشَكَوا ذَلكَ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقالَ: «ألا تَخرُجُونَ مَعَ راعِينا فِي إبِلِهِ فَتُصِيبُونَ مِن أبوالِها وأَلبانِها». فَقالُوا: بَلى. فَخَرَجُوا فَشَرِبُوا مِن أبوالِها وأَلبانِها فَصَحُّوا، فَقَتَلُوا الرّاعِيَ، وطَرَدُوا الإبِلَ، فَبَلَغَ ذَلكَ رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَبَعَثَ فِي آثارِهِم، فَأُدرِكُوا، فَجِيءَ بِهِم، فَأَمَرَ بِهِم فَقُطِعَت أيدِيهِم وأَرجُلُهُم، وسُمِرَ أعيُنُهُم، ثُمَّ نُبِذُوا فِي الشَّمسِ حَتّى ماتُوا.
وفي رواية: مِن عُكْلٍ وعُرَينَةَ.
وزادَ فِي رِوايةٍ: وارتَدُّوا عَنِ الإسْلامِ.
وفي رواية: وسُمِرَتْ أعيُنُهُم، وأُلقُوا فِي الحَرَّةِ يَسْتَسقُون فَلا يُسقَونَ. وفي رواية زادَ: ولم يَحْسِمْهُم.
وفي رواية (م): قالَ أنَسٌ: إنَّما سَمَلَ النَّبِيُّ ﷺ أعْيُنَ أُولئِكَ؛ لِأَنَّهُم سَمَلُوا أعيُنَ الرِّعاءِ.
وفي رواية (م): وقَد وقَعَ بِالمَدِينَةِ المُومُ - وهُو البِرْسامُ ـ، وفِيها: وعِندَهُ شَبابٌ مِن الأَنصارِ قَرِيبٌ مِن عِشرِينَ، فَأَرسَلَهُم إلَيهِم، وبَعَثَ مَعَهُم قائِفًا يَقتَصُّ أثَرَهُم.
وفي رواية (خ): فَما تَرَجَّلَ النَّهارَ حَتّى أُتِيَ بِهِم ... وفِيها: ثُمَّ أمَر بِمَسامِيرَ فَأُحمِيَتْ، فَكَحَلَهُم بِها، وطَرَحَهُم بِالحَرَّةِ ...
وفي رواية (خ): قالَ أبُو قِلابَةَ: فَهَؤُلاءِ سَرَقُوا، وقَتَلُوا، وكَفَرُوا بَعدَ إيمانِهِم، وحارَبُوا اللهَ ورَسُولَهُ. وفي رواية لَهُ: وسَعَوا فِي الأَرضِ فَسادًا.
وفي رواية (خ): قالَ قَتادَةُ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سِيرِينَ: أنَّ ذَلِكَ كانَ قَبلَ أن تَنزِلَ الحُدُودُ. وفي رواية (خ): قالَ قَتادَةُ: بَلَغَنا أنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعدَ ذَلِكَ كانَ يَحُثُّ عَلى الصَّدَقَةِ ويَنهى عَنِ المُثلَةِ. وفي رواية (خ): قالَ سَلاَّمُ بنَ مِسكِينَ: فَبَلَغَنِي أنَّ الحَجّاجَ قالَ لِأَنسٍ: حَدِّثنِي بَأَشَدِّ عُقُوبَةٍ عاقَبَهُ النَّبِيُّ ﷺ، فَحَدَّثَهُ بِهَذا، فَبَلَغَ الحَسَنَ فَقالَ: ودِدتُ أنَّهُ لَم يُحَدِّثُهُ بِهَذا.
قال النووي: هذا الحديث أصل في عقوبة المحاربين، وهو موافق لقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ﴾[المائدة: 33]
- فيه أن أبوال الإبل طاهرة، وهكذا بول كل مايؤكل لحمه وروثه وريقه وعرقه، كله طاهر، إلا الدم فإنه نجس. (ابن عثيمين).
- جواز التطبب، وأن يطبب كل جسم بما اعتاد، فإن هؤلاء القوم-أعراب البادية-عادتهم شرب أبوال الإبل وألبانها، وملازمتهم الصحاري فلما دخلوا القرى وفارقوا أغذيتهم وعادتهم مرضوا فأرشدهم النبي ﷺ إلى ذلك، فلما رجعوا لعادتهم صحوا وسمنوا. (ابن عثيمين).
- القصاص من العين بمثل مافقئت به، سمل النبي-ﷺ- أعينهم كما سملوا أعين الرعاء، وقطع أيديهم وأرجلهم كما فعلوا بالراعي، كما حكاه التاريخ والسير قالوا: كان هذا الفعل من المرتدين سنة 6 هـ، اسم الراعي يسار، وكان نوبيا فقطعوا يديه ورجليه، وغرزوا الشوك في عينيه حتى مات، ففعل بهم النبي-ﷺ- مثل مافعلوا به، ففيه دليل على القصاص من الجماعة بالواحد في النفس والأطراف. (ابن عثيمين).
- وفيه قدوم الوفود على الإمام، ونظره في مصالحهم. (موسى شاهين).
- وفيه الحزم والشدة مع أعداء الله، واستبعاد الرحمة في تنفيذ الحدود، ففي ذلك مصلحة المجتمع. (موسى شاهين).
- وفيه أن المدينة تنفي خبثها، كما جاء في الحديث.

باب: الإقْرارُ بِالقَتْلِ


١٤٧٨. (م) (١٦٨٠) عَنْ وائِلِ بْنِ حُجْرٍ ﵁ قالَ: إنِّي لَقاعِدٌ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ إذ جاءَ رَجُلٌ يَقُودُ آخَرَ بِنِسعَةٍ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ هَذا قَتَلَ أخِي. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أقَتَلتَهُ؟» فَقالَ: إنَّهُ لَو لَم يَعتَرِف أقَمتُ عَلَيهِ البَيِّنَةَ. قالَ: نَعَم قَتَلتُهُ. قالَ: «كَيفَ قَتَلتَهُ؟» قالَ: كُنتُ أنا وهُوَ نَختَبِطُ مِن شَجَرَةٍ فَسَبَّنِي فَأَغضَبَنِي، فَضَرَبتُهُ بِالفَأسِ عَلى قَرنِهِ فَقَتَلتُهُ. فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «هَل لَكَ مِن شَيءٍ تُؤَدِّيهِ عَن نَفسِكَ؟» قالَ: ما لِي مالٌ إلا كِسائِي وفَأسِي. قالَ: «فَتَرى قَومَكَ يَشتَرُونَكَ؟» قالَ: أنا أهوَنُ عَلى قَومِي مِن ذاكَ. فَرَمى إلَيهِ بِنِسعَتِهِ وقالَ: «دُونَكَ صاحِبَكَ». فانطَلَقَ بِهِ الرَّجُلُ، فَلَمّا ولّى قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إن قَتَلَهُ فَهُوَ مِثلُهُ». فَرَجَعَ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ إنَّهُ بَلَغَنِي أنَّكَ قُلتَ: «إن قَتَلَهُ فَهُوَ مِثلُهُ»، وأَخَذتُهُ بِأَمرِكَ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أما تُرِيدُ أن يَبُوءَ بِإثمِكَ وإثمِ صاحِبِكَ؟» قالَ: يا نَبِيَّ اللهِ؛ لَعَلَّهُ قالَ: بَلى. قالَ: «فَإنَّ ذاكَ كَذاكَ». قالَ: فَرَمى بِنِسعَتِهِ وخَلّى سَبِيلَهُ. وفي رواية: فَلَمّا أدْبَرَ قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «القاتِلُ والمَقْتُولُ فِي النّارِ» ... وفيها: قالَ إسماعِيلُ بنُ سالِمٍ: فَذَكَرتُ ذَلكَ لِحَبِيبِ بْنِ أبِي ثابِتٍ، فَقالَ: حَدَّثَنَي ابنُ أشوَعَ؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ إنَّما سَأَلَهُ أن يَعفُوَ عَنهُ فَأَبى.
- فيه أن الغضب قد يؤدي بصاحبه إلا ما لا تحمد عقباه. (ابن عثيمين).
- تأكد الشفاعة في رفع العقاب عن القتال؛ لاسيما في مثل هذه الحالة فالقاتل غضبان ولعله تصرف تصرفًا كالمكره عليه, وهذا يدل على قول النبي- ﷺ - (إِنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ) يريد أن يرفع عن هذا الرجل العقاب لعلمه بأنه قتله وهو غضبان فهو كالمكره. (ابن عثيمين).
- أن الإقرار بالقتل مقبول، ويعمل به (النووي).
- جواز سؤال المدعى عليه، قبل مطالبة المدعي بالبينة، فلعل المدعى عليه يقر، فيستغني المدعي والقاضي عن التعب في إحضار الشهود وتعديلهم. (موسى شاهين).
- الإغلاظ على الجناة، وربطهم، واقتيادهم، وإحضارهم إلى ولي الأمر، إذ أقر الرسول ﷺ ربط القاتل، وسلم حبله لولي القتيل. (موسى شاهين).
- وفيه سؤال الحاكم وغيره، ولي الدم العفو عن الجاني. (موسى شاهين).
- وجواز العفو بعد بلوغ الأمر إلى الحاكم. (موسى شاهين).
- وجواز أخذ الدية في قتل العمد، لقوله ﷺ في تمام الحديث "هل لك من شيء تؤديه عن نفسك"؟ وأن ولي المقتول بخير النظرين: إما أن يقتص، وإما أن يأخذ الدية. (موسى شاهين)

باب: فِـي قَتْلِ الغِيلَةِ


١٤٧٩. (خ) (٦٨٩٦) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄؛ أنَّ غُلامًا قُتِلَ غِيلَةً فَقالَ عُمَرُ: لَو اشتَرَكَ فِيها أهلُ صَنعاءَ لَقَتَلتُهُم.
- في هذا الحديث من الفقه أن يقتل الجماعة بالواحد. (ابن هبيرة).

باب: مَن قَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِـي النّارِ يُعَذَّبُ بِما قَتَلَ بِهِ نَفْسَهُ


١٤٨٠. (خ م) (١٠٩) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن قَتَلَ نَفسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِها فِي بَطنِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدًا مُخَلَّدًا فِيها أبَدًا، ومَن شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفسَهُ فَهُوَ يَتَحَسّاهُ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدًا مُخَلَّدًا فِيها أبَدًا، ومَن تَرَدّى مِن جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفسَهُ فَهُوَ يَتَرَدّى فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدًا مُخَلَّدًا فِيها أبَدًا».
- تحريم الانتحار، وأن الإنسان لايجوز أبدًا أن يقتل نفسه بأي حال من الأحوال. (ابن عثيمين).
- أن الله تعالى أرحم بالإنسان من نفسه، ولهذا توعده بهذا الوعيد إن قتل نفسه لئلا يقتل نفسه. (ابن عثيمين).
- أن الجزاء من جنس العمل. (ابن عثيمين).
- وجوب الصبر على الآلام، وعدم السخط والجزع، والرضا بالقضاء، وتسليم قبض الروح لواهب الحياة. (موسى شاهين).
- وفيه أن جناية الإنسان على نفسه كجنايته على غيره في الإثم؛ لأن نفسه ليست ملكا له مطلقا، بل هي لله تعالى: فلا يتصرف فيها إلا بما أذن له فيه. (موسى شاهين).
- وفيه إثبات عقوبة بعض أصحاب المعاصي، ففيه رد على المرجئة القائلين بأن المعاصي لا تضر. (موسى شاهين).

١٤٨١. (خ م) (١١٢) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السّاعِدِيِّ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ التَقى هُوَ والمُشرِكُونَ فاقتَتَلُوا، فَلَمّا مالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إلى عَسكَرِهِ ومالَ الآخَرُونَ إلى عَسكَرِهِم، وفِي أصحابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ رَجُلٌ لا يَدَعُ لَهُم شاذَّةً إلا اتَّبَعَها يَضرِبُها بِسَيفِهِ، فَقالُوا: ما أجزَأَ مِنّا اليَومَ أحَدٌ كَما أجزَأَ فُلانٌ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أما إنَّهُ مِن أهلِ النّارِ». فَقالَ رَجُلٌ مِن القَومِ: أنا صاحِبُهُ أبَدًا. قالَ: فَخَرَجَ مَعَهُ، كُلَّما وقَفَ وقَفَ مَعَهُ، وإذا أسرَعَ أسرَعَ مَعَهُ، قالَ: فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرحًا شَدِيدًا، فاستَعجَلَ المَوتَ، فَوَضَعَ نَصلَ سَيفِهِ بِالأرضِ وذُبابَهُ بَينَ ثَديَيهِ، ثُمَّ تَحامَلَ عَلى سَيفِهِ فَقَتَلَ نَفسَهُ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقالَ: أشهَدُ أنَّكَ رَسُولُ اللهِ. قالَ: «وما ذاكَ؟» قالَ: الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرتَ آنِفًا أنَّهُ مِن أهلِ النّارِ، فَأَعظَمَ النّاسُ ذَلكَ، فَقُلتُ: أنا لَكُم بِهِ، فَخَرَجتُ فِي طَلَبِهِ حَتّى جُرِحَ جُرحًا شَدِيدًا، فاستَعجَلَ المَوتَ، فَوَضَعَ نَصلَ سَيفِهِ بِالأرضِ وذُبابَهُ بَينَ ثَديَيهِ، ثُمَّ تَحامَلَ عَلَيهِ فَقَتَلَ نَفسَهُ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عِنْدَ ذَلكَ: «إنَّ الرَّجُلَ لَيَعمَلُ عَمَلَ أهلِ الجَنَّةِ فِيما يَبدُو لِلنّاسِ وهُوَ مِن أهلِ النّارِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَعمَلُ عَمَلَ أهلِ النّارِ فِيما يَبدُو لِلنّاسِ، وهُوَ مِن أهلِ الجَنَّةِ». زادَ (خ) فِي رِوايَةٍ: «... وإنَّما الأَعمالُ بِخَواتِيمِها».
ولَهُما عَن أبِي ُهرَيرةَ ﵁ قالَ: شَهِدنا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ (حُنَينًا)، فَقالَ لِرَجُلٍ مِمَّن يُدعى بِالإسلامِ: «هَذا مِن أهلِ النّارِ» ... وفِيهِ: فَكادَ بَعضُ المُسلِمِينَ أن يَرتابَ ... وفِيهِ: فَلَمّا كانَ مِن اللَّيلِ لَم يَصبِر عَلى الجِراحِ فَقَتَلَ نَفسَهُ، فَأُخبِرَ النَّبِيُّ ﷺ بِذَلكَ فَقالَ: «اللهُ أكبرُ، أشهَدُ أنِّي عَبدُ اللهِ ورَسُولُهُ». ثُمَّ أمَرَ بِلالًا فَنادى فِي النّاسِ: «إنَّهُ لا يَدخُلُ الجَنَّةَ إلّا نَفسٌ مُسلِمَةٌ، وأَنَّ اللهَ يُؤَيِّدُ هَذا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الفاجِرِ». لَفظُ (خ): شَهِدنا خَيبَر.
-وأما قوله ﷺ : ( إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار ، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار وهو من أهل الجنة ) ‏‏ففيه التحذير من الاغترار بالأعمال ، وأنه ينبغي للعبد أن لا يتكل عليها ، ولا يركن إليها مخافة من انقلاب الحال. ( النووي)
-وكذا ينبغي للعاصي أن لا يقنط ، ولغيره أن لا يقنطه من رحمة الله تعالى .(النووي)

١٤٨٢. (خ م) (١١٣) عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵁؛ عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ قالَ: «إنَّ رَجُلًا مِمَّن كانَ قَبلَكُم خَرَجَت بِهِ قُرحَةٌ، فَلَمّا آذَتهُ انتَزَعَ سَهمًا مِن كِنانَتِهِ فَنَكَأَها، فَلَم يَرقَأ الدَّمُ حَتّى ماتَ، قالَ رَبُّكُم: قَد حَرَّمتُ عَلَيهِ الجَنَّةَ». لَفظُ (خ): «فَجَزِعَ، فَأَخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بِها يَدَهُ»، وزادَ: «قالَ اللهُ تَعالى: بادَرَنِي عَبدِي بِنَفسِهِ؛ حَرَّمتُ عَلَيهِ الجَنَّةَ».
-من أحكام الحديث بيان غلظ تحريم قتل نفسه. (النووي)

باب: مَن قَتَلَ بِحَجَرٍ قُتِلَ بِمِثْلِهِ


١٤٨٣. (خ م) (١٦٧٢) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁؛ أنَّ جارِيَةً وُجِدَ رَأسُها قَد رُضَّ بَينَ حَجَرَينِ، فَسَأَلُوها؛ مَن صَنَعَ هَذا بِكِ؟ فُلانٌ، فُلانٌ، حَتّى ذَكَرُوا يَهُودِيًّا، فَأَومَت بِرَأسِها، فَأُخِذَ اليَهُودِيُّ فَأَقَرَّ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ أن يُرَضَّ رَأسُهُ بِالحِجارَةِ. وفي رواية (م): جارِيةً مِن الأَنصارِ عَلى حُلِيٍّ لَها، ثُمَّ ألقاها فِي القَلِيبِ، ورَضَخَ رَأسَها بِالحِجارَةِ، فَأُخِذَ فَأُتي بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَأمَرَ بِهِ أن يُرجَمَ حَتّى يَمُوتَ، فَرُجِمَ حَتّى ماتَ.
وفي رواية (خ): فَلَم يَزَل حَتّى اعتَرَفَ.
- أن الجاني عمدا يقتل قصاصا على الصفة التي قتل، فإن بسيف قتل هو بالسيف ، وإن قتل بحجر أو خشب أو نحوهما قتل بمثله ؛ لأن اليهودي رضخها فرضخ هو . (النووي)
- ثبوت القصاص في القتل بالمثقلات، ولا يختص بالمحددات ، وهذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد وجماهير العلماء.(النووي)
- وجوب القصاص على الذي يقتل المسلم . (النووي)
- جواز سؤال الجريح : من جرحك ؟ وفائدة السؤال : أن يعرف المتهم ليطالب ، فإن أقر ثبت عليه القتل ، وإن أنكر فالقول قوله مع يمينه. (النووي)

باب: دَفْعُ الصّائِلِ


١٤٨٤. (خ م) (١٦٧٣) عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ ﵁ قالَ: قاتَلَ (يَعلى بنُ مُنيَةَ أو ابنُ أُمَيَّةَ) رَجُلًا، فَعَضَّ أحَدُهُما صاحِبَه، فانتَزَعَ يَدَهُ مِن فَمِهِ فَنَزَعَ ثَنِيَّتَهُ، فاختَصَما إلى النَّبِيِّ ﷺ فَقالَ: «أيَعَضُّ أحَدُكُم كَما يَعَضُّ الفَحلُ؟ لا دِيَةَ لَهُ».
-وهذا الحديث دلالة لمن قال : إنه إذا عض رجل يد غيره فنزع المعضوض يده فسقطت أسنان العاض أو فك لحيته لا ضمان عليه. (النووي)

باب: القِصاصُ مِنَ الجِراحِ إلّا أنْ يَرْضَوا بِالدِّيَةِ


١٤٨٥. (خ م) (١٦٧٥) عَنْ أنَسٍ ﵁؛ أنَّ (أُختَ الرُّبَيِّعِ أُمَّ حارِثَةَ جَرَحَت إنسانًا)، فاختَصَمُوا إلى النَّبِيِّ ﷺ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «القِصاصَ، القِصاصَ». فَقالَت (أُمُّ الرُّبَيِّعِ): يا رَسُولَ اللهِ؛ أيُقتَصُّ مِن فُلانَةَ؟ واللهِ لا يُقتَصُّ مِنها. فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «(سُبحان اللهِ، يا أُمَّ الرُّبَيِّعِ)؛ القِصاصُ كِتابُ اللهِ». قالَت: لا، واللهِ لا يُقتَصُّ مِنها أبَدًا. قالَ: فَما زالَت حَتّى قَبِلُوا الدِّيَةَ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ مِن عِبادِ اللهِ مَن لَو أقسَمَ عَلى اللهِ لأبَرَّهُ». لَفظُ (خ): أنَّ الرُّبَيِّعَ عَمَّتَهُ كَسَرَت ثَنيَّةَ جاريةٍ ... وفِيهِ: فَقالَ أنَسُ بنُ النَّضرِ: يا رَسُولَ اللهِ؛ أتُكسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبيِّعِ؟ لا والَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ ... وفِيهِ: فَرَضِي القَومُ فَعَفَوا ... وفي رواية (خ): وقَبِلُوا الأرشَ ...
- جواز الحلف فيما يظنه الإنسان . ‏‏(النووي)
- جواز الثناء على من لا يخاف الفتنة بذلك. ‏(النووي)
- استحباب العفو عن القصاص . ‏(النووي)
- استحباب الشفاعة في العفو . ‏‏(النووي)
-أن الخيرة في القصاص ، والدية إلى مستحقه لا إلى المستحق عليه . ‏‏(النووي)

باب: دِيَةُ الجَنِينِ


١٤٨٦. (خ م) (١٦٨١) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: اقتَتَلَت امرَأَتان مِن هُذَيلٍ، فَرَمَت إحداهُما الأخرى بِحَجَرٍ، فَقَتَلَتها وما فِي بَطنِها، فاختَصَمُوا إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَضى رَسُولُ اللهِ ﷺ أنَّ دِيَةَ جَنِينِها غُرَّةٌ عَبدٌ أو ولِيدَةٌ، وقَضى بِدِيَةِ المَرأَةِ عَلى عاقِلَتِها، (ووَرَّثَها ولَدَها ومَن مَعَهُم)، فَقالَ (حَمَلُ بنُ النّابِغَةِ الهُذَلِيُّ): يا رَسُولَ اللهِ؛ كَيفَ أغرَمُ مَن لا شَرِبَ ولا أكَلَ، ولا نَطَقَ ولا استَهَلَّ، فَمِثلُ ذَلكَ يُطَلُّ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّما هَذا مِن إخوانِ الكُهّانِ». (مِن أجلِ سَجعِهِ الَّذِي سَجَعَ). لَفظُ (خ): فَقالَ وليُّ المَرأَةِ الَّتِي غَرِمَت ...
وفي رواية: قَضى رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي جَنِينِ امرَأَةٍ مِن بَنِي لِحيانَ سَقَطَ ميِّتًا بِغُرَّةٍ عَبدٍ أو أمَةٍ، ثُمَّ إنَّ المَرأَةَ الَّتِي قُضِيَ عَلَيها بِالغُرَّةِ تُوُفِّيَت، فَقَضى رَسُولُ اللهِ ﷺ بِأَنَّ مِيراثَها لِبَنِيها وزَوجِها، وأَن العَقْلَ عَلى عَصَبَتِها.
وفي رواية (خ): الَّتِي قَضى لَها بِالغُرَّةِ تُوُفِّيَت ...
ولَهُما عَن عُروَةَ عَن المِسْورِ بْنِ مَخْرَمَةَ قالَ: استَشارَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ النّاسَ فِي مِلاصِ المَرأَةِ، فَقالَ المُغِيرَةُ بنُ شُعبَةَ: شَهِدْتُ النَّبِيَّ ﷺ قَضى فِيهِ بِغُرَّةٍ؛ عَبدٍ أو أمَةٍ. قالَ: فَقالَ عُمَرُ: ائتِني بِمَن يَشهَدُ مَعَكَ، قالَ: فَشَهِدَ مُحمدُ بنُ مَسلَمَةَ.
لَفظُ (خ) عَن عَروَةَ عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعبَةَ عَن عُمَرَ ... نَحوَهُ، وفِيهِ: إملاصُ المَرأَةِ.
-واتفق العلماء على أن دية الجنين هي الغرة، سواء كان الجنين ذكرا أو أنثى، قال العلماء : وإنما كان كذلك ؛ لأنه قد يخفى فيكثر فيه النزاع فضبطه الشرع بضابط يقطع النزاع ، وسواء كان خلقه كامل الأعضاء أو ناقصها أو كان مضغة تصور فيها خلق آدمي ، ففي كل ذلك الغرة بالإجماع .(النووي)
-فقال العلماء : إنما ذم سجعه لوجهين : أحدهما : أنه عارض به حكم الشرع ورام إبطاله. ‏
‏والثاني : أنه تكلفه في مخاطبته، وهذان الوجهان من السجع مذمومان . ‏
‏وأما السجع الذي كان النبي ﷺ يقوله في بعض الأوقات وهو مشهور في الحديث فليس من هذا ؛ لأنه لا يعارض به حكم الشرع، ولا يتكلفه، فلا نهي فيه، بل هو حسن، ويؤيد ما ذكرنا من التأويل قوله ﷺ : " كسجع الأعراب " ، فأشار إلى أن بعض السجع هو المذموم. والله أعلم .( النووي)

باب: فِـي دِيَةِ الأصابِعِ


١٤٨٧. (خ) (٦٨٩٥) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «هَذِهِ وهَذِهِ سَواءٌ». يَعنِي الخِنصَرَ والإبهامَ.
-قال الخطابي: هذا أصل في كل جناية لا تضبط كميتها، فإذا فاق ضبطها من جهة المعنى اعتبرت من حيث الاسم فتتساوى ديتها، وإن اختلف حالها ومنفعتها ومبلغ فعلها، فإن للإبهام من القوة ما ليس للخنصر ومع ذلك فديتهما سواء. (ابن حجر)

باب: الجُبارُ الَّذِي لا ضَمانَ عَلَيْهِ


١٤٨٨. (خ م) (١٧١٠) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ قالَ: «العَجماءُ جَرحُها جُبارٌ، والبِئرُ جُبارٌ، والمَعدِنُ جُبارٌ، وفِي الرِّكازِ الخُمسُ».
-قال القاضي : أجمع العلماء على أن جناية البهائم بالنهار لا ضمان فيها إذا لم يكن معها أحد، فإن كان معها راكب أو سائق أو قائد فجمهور العلماء على ضمان ما أتلفته. (النووي)

كِتابُ القَسامَةِ


١٤٨٩. (خ م) (١٦٦٩) عَنْ سَهْلِ بْنِ أبِي حَثْمَةَ ﵁، عَن رِجالٍ مِن كُبَراءِ قَومِهِ؛ أنَّ عَبدَ اللهِ بنَ سَهلٍ ومُحَيِّصَةَ خَرَجا إلى خَيبَرَ مِن جَهدٍ أصابَهُم، فَأَتى مُحَيِّصَةُ فَأَخبَرَ أنَّ عَبدَ اللهِ بنَ سَهلٍ قَد قُتِلَ وطُرِحَ فِي عَينٍ أو فَقِيرٍ، فَأَتى يَهُودَ فَقالَ: أنتُم واللهِ قَتَلتُمُوهُ. قالُوا: واللهِ ما قَتَلناهُ. ثُمَّ أقبَلَ حَتّى قَدِمَ عَلى قَومِهِ، فَذَكَرَ لَهُم ذَلكَ، ثُمَّ أقبَلَ هُوَ وأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ وهُوَ أكبَرُ مِنهُ وعَبدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَهلٍ، فَذَهَبَ مُحَيِّصَةُ لِيَتَكَلَّمَ، وهُوَ الَّذِي كانَ بِخَيبَرَ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِمُحَيِّصَةَ: «كَبِّر، كَبِّر». يُرِيدُ السِّنَّ، فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إمّا أن يَدُوا صاحِبَكُم، وإمّا أن يُؤذِنُوا بِحَربٍ». فَكَتَبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إلَيهِم فِي ذَلكَ، فَكَتَبُوا: إنّا واللهِ ما قَتَلناهُ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِحُوَيِّصَةَ ومُحَيِّصَةَ وعَبدِ الرَّحْمَنِ: «أتَحلِفُونَ وتَستَحِقُّونَ دَمَ صاحِبِكُم». قالُوا: لا. قالَ: «فَتَحلِفُ لَكُم يَهُودُ؟» قالُوا: لَيسُوا بِمُسلِمِينَ. فَوَداهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِن عِندِهِ، فَبَعَثَ إلَيهِم رَسُولُ اللهِ ﷺ مِائَةَ ناقَةٍ، حَتّى أُدخِلَت عَلَيهِم الدّارَ، فَقالَ سَهلٌ: فَلَقَد رَكَضَتنِي مِنها ناقَةٌ حَمراءُ. وفي رواية: فَقالَ لَهُم: «أتَحلِفُونَ خَمسِينَ يَمِينًا فَتَستَحِقُّونَ صاحِبَكُم، أو قاتِلَكُم؟» قالُوا: وكَيفَ نَحلِفُ ولَم نَشهَد؟ قالَ: «فَتُبرِئُكُم يَهُودُ بِخَمسِينَ يَمِينًا؟» قالُوا: وكَيفَ نَقبَلُ أيمانَ قَومٍ كُفّارٍ ...
-أنه ينبغي للإمام مراعاة المصالح العامة ، والاهتمام بإصلاح ذات البين . ‏
‏-وفيه : إثبات القسامة .
-وفيه : الابتداء بيمين المدعي في القسامة .
-وفيه : رد اليمين على المدعي عليه إذا نكل المدعي في القسامة .
-وفيه جواز الحكم على الغائب ، وسماع الدعوى في الدماء من غير حضور الخصم .
-وفيه : جواز اليمين بالظن وإن لم يتيقن .
-وفيه : أن الحكم بين المسلم والكافر يكون بحكم الإسلام .(النووي)

١٤٩٠. (م) (١٦٧٠) عَنْ أبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وسُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ؛ عَن رَجُلٍ مِن أصحابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ مِن الأَنصارِ: أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ أقَرَّ القَسامَةَ عَلى ما كانَت عَلَيهِ فِي الجاهِلِيَّةِ.
ولَهُما عَن أبِي قِلابَةَ قالَ: كُنتُ جالِسًا خَلفَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، فَقالَ لِلنّاسِ: ما تَقُولُونَ فِي القَسامَةِ؟ فَقالَ عَنْبَسَةُ: قَد حَدَّثَنا أنَسُ بنُ مالِكٍ كَذا وكَذا ... لفظ (خ): عَن أبِي قِلابَةَ؛ أنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيزِ أبْرَزَ سَرِيرَهُ يَومًا لِلنّاسِ، ثُمَّ أذِنَ لَهُم فَدَخَلُوا، فَقالَ: ما تَقُولُونَ فِي القَسامَةِ؟ قالَ: نَقُولُ: القَسامَةُ القَوَدُ بِها حَقٌّ، وقَد أقادَتْ بِها الخُلَفاءُ. قالَ لِي: ما تَقُولُ يا أبا قِلابَةَ؟ ونَصَبَنِي لِلنّاسِ، فَقُلتُ: يا أمِيرَ المُؤمِنِينَ؛ عِندَكَ رُؤُوسُ الأَجنادِ وأَشرافُ العَرَبِ، أرَأَيتَ لَو أنَّ خَمسِينَ مِنهُم شَهِدوا عَلى رَجُلٍ مُحْصَنٍ بِدَمِشقَ أنَّهُ قَد زَنى، لَم يَرَوهُ، أكُنتَ تَرجُمُهُ؟ قالَ: لا. قُلتُ: أرَأَيتَ لَو أنَّ خَمسِينَ مِنهُم شَهِدوا عَلى رَجُلٍ بِحِمصَ أنَّهُ سَرَقَ؛ أكُنتَ تَقطَعُهُ ولَم يَرَوهُ؟ قالَ: لا. قُلتُ: فَواللهِ ما قَتَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أحَدًا قَطُّ إلا فِي إحدى ثَلاثَ خِصالَ: رَجُلٌ قَتَل بِجَرِيرَةِ نَفسِهِ فَقُتِلَ، أو رَجُلٌ زَنى بَعدَ إحصانٍ، أو رَجُلٌ حارَبَ اللهَ ورَسُولَهُ وارتَدَّ عَنِ الإسْلامِ.
فَقالَ القَومُ: أو لَيسَ قَد حَدَّثَ أنَسُ بْنُ مالِكٍ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَطَعَ فِي السَّرَقِ، وسَمَرَ الأَعيُنَ، ثُمَّ نَبَذَهُم فِي الشَّمسِ. فَقُلتُ: أنا أُحَدِّثُكُم حَدِيثَ أنَسٍ ... فَذَكَرَهُ، قُلتُ: وأَيُّ شَيءٍ أشَدُّ مِمّا صَنَعَ هَؤُلاءِ، ارتَدُّوا عَنِ الإسلامِ وقَتَلُوا وسَرَقُوا. فَقالَ عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ: واللهِ إن سَمِعتُ كاليَومِ قَطُّ. فَقُلتُ: أتَرُدُّ عَلَيَّ حَدِيثِي يا عَنبَسَةُ؟ قالَ: لا، ولَكِن جِئتَ بِالحَدِيثِ عَلى وجهِهِ، واللهِ لا يَزالُ هَذا الجُندُ بِخَيرٍ ما عاشَ هَذا الشَّيخُ بَينَ أظهُرِهِم.
قُلتُ: وقَد كانَ فِي هَذا سُنَّةٌ مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ ... فذكره. قُلْتُ: وقَدْ كانَتْ هُذَيْلٌ خَلَعُوا خَلِيعًا لَهُمْ فِي الجاهِلِيَّةِ ... فَذَكَرَ القِصَّةَ.
ورَوى (خ) عَن ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: إنَّ أوَّلَ قَسامَةٍ كانَت فِي الجاهِلِيَّةِ لَفِينا بَنِي هاشِمٍ ... فَذَكَرَ القِصَّةَ بِطُولِها.

١ قال ﷺ : "أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في (...)"

٥/٠