باب: ثُبُوتُ الجَنَّةِ لِلشَّهِيدِ


١٥٥٨. (م) (١٩٠١) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بُسَيسَةَ عَينًا يَنظُرُ ما صَنَعَت عِيرُ أبِي سُفيانَ، فَجاءَ وما فِي البَيتِ أحَدٌ غَيرِي وغَيرُ رَسُولِ اللهِ ﷺ قالَ: لا أدرِي ما استَثنى بَعضَ نِسائِهِ قالَ: فَحَدَّثَهُ الحَدِيثَ، قالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَتَكَلَّمَ فَقالَ: «إنَّ لَنا طَلِبَةً فَمَن كانَ ظَهرُهُ حاضِرًا فَليَركَب مَعَنا». فَجَعَلَ رِجالٌ يَستَأذِنُونَهُ فِي ظُهرانِهِم فِي عُلوِ المَدِينَةِ، فَقالَ: «لا، إلا مَن كانَ ظَهرُهُ حاضِرًا». فانطَلَق رَسُولُ اللهِ ﷺ وأَصحابُهُ حَتّى سَبَقُوا المُشرِكِينَ إلى بَدرٍ، وجاءَ المُشرِكُونَ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لا يُقَدِّمَنَّ أحَدٌ مِنكُم إلى شَيءٍ حَتّى أكُونَ أنا دُونَهُ». فَدَنا المُشرِكُونَ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «قُومُوا إلى جَنَّةٍ عَرضُها السَّمَواتُ والأَرضُ». قالَ: يَقُولُ عُمَيرُ بنُ الحُمامِ الأَنْصارِيُّ: يا رَسُولَ اللهِ؛ جَنَّةٌ عَرضُها السَّمَواتُ والأَرضُ؟ قالَ: «نَعَم». قالَ: بَخٍ بَخٍ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ما يَحمِلُكَ عَلى قَولِكَ بَخٍ بَخٍ؟» قالَ: لا واللهِ يا رَسُولَ اللهِ إلا رَجاءَ أن أكُونَ مِن أهلِها. قالَ: «فَإنَّكَ مِن أهلِها». فَأَخرَجَ تَمَراتٍ مِن قَرَنِهِ، فَجَعَلَ يَأكُلُ مِنهُنَّ، ثُمَّ قالَ: لَئِن أنا حَيِيتُ حَتّى آكُلَ تَمَراتِي هَذِهِ إنَّها لَحَياةٌ طَوِيلَةٌ، قالَ: فَرَمى بِما كانَ مَعَهُ مِنَ التَّمرِ، ثُمَّ قاتَلَهُم حَتّى قُتِلَ.
-شبَّه الجنة بسعة السماوات والأرض، وإن كانت الجنةُ أوسعَ، مخاطبةً لنا بما شاهدنا؛ إذ لم نشاهد أوسعَ من السماوات والأرض. وهذا أشبهُ ما قيل في هذا المعنى. (القرطبي)
-" لا يتقدمن أحد منكم إلى شئ حتى أكون أنا دونه" أي قدامه، متقدما في ذلك الشيء؛ لئلا يفوت شيء من المصالح التي لا تعلمونها. (النووي)
-"فمن كان ظهره حاضرا فليركب معنا ": فيه كتم أمور الحرب، وأن الحزم ترك إنشائها والتورية بهم؛ لئلا يطلع العدو عليها ولتؤخذ على غرة. ( القاضي عياض)
-فيه جواز الاستقتال في الحرب، ومنية الشهادة، وحمل الإنسان وحده على الكفار إن علم أنهم يقتلونه في حملته تلك، وليس هو من إلقاء اليد إلى التهلكة، وقد فعله كثير من الصحابة والسلف. (القاضي عياض)

باب: فَضْلُ الجِهادِ فِـي البَحْرِ


١٥٥٩. (خ م) (١٩١٢) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كانَ يَدخُلُ عَلى أُمِّ حَرامٍ بِنتِ مِلحانَ فَتُطعِمُهُ، وكانَت أُمُّ حَرامٍ تَحتَ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ، فَدَخَلَ عَلَيها رَسُولُ اللهِ ﷺ يَومًا فَأَطعَمَتهُ، ثُمَّ جَلَسَت تَفلِي رَأسَهُ، فَنامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ثُمَّ استَيقَظَ وهُوَ يَضحَكُ، قالَت: فَقُلتُ: ما يُضحِكُكَ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: «ناسٌ مِن أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزاةً فِي سَبِيلِ اللهِ يَركَبُونَ ثَبَجَ هَذا البَحرِ، مُلُوكًا عَلى الأسِرَّةِ أو مِثلَ المُلُوكِ عَلى الأسِرَّةِ». يَشُكُّ أيَّهُما قالَ: قالَت: فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ ادعُ اللهَ أن يَجعَلَنِي مِنهُم. فَدَعا لَها، ثُمَّ وضَعَ رَأسَهُ فَنامَ، ثُمَّ استَيقَظَ وهُوَ يَضحَكُ، قالَت: فَقُلتُ: ما يُضحِكُكَ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: «ناسٌ مِن أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزاةً فِي سَبِيلِ اللهِ»، كَما قالَ فِي الأولى، قالَت: فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ ادعُ اللهَ أن يَجعَلَنِي مِنهُم. قالَ: «أنتِ مِن الأوَّلِينَ». فَرَكِبَت أُمُّ حَرامٍ بِنتُ مِلحانَ البَحرَ فِي زَمَنِ مُعاوِيَةَ، فَصُرِعَت عَن دابَّتِها حِينَ خَرَجَت مِن البَحرِ فَهَلَكَت. ورَوى (خ) عَنها قالَت: سَمِعتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «أوَّلُ جَيشٍ مِن أُمَّتِي يَغزُونَ البَحرَ قَد أوجَبُوا». قالَت أُمُّ حَرامٍ: قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ أنا فِيهِم؟ قالَ: «أنتِ فِيهِم». ثُمَّ قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أوَّلُ جَيشٍ مِن أُمَّتِي يَغزُونَ مَدِينةَ قَيصَرَ مَغفُورٌ لَهُم». فَقُلتُ: أنا فِيهِم يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: «لا». وفي رواية: «يَركَبُونَ ظَهرَ هَذا البَحرِ الأَخضَرِ».
وفي رواية: فَتَزَوَّجَها عُبادَةُ بنُ الصّامِتِ بَعدُ، فَغَزا فِي البَحرِ فَحَمَلَها مَعَهُ ...
وفي رواية (خ): كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إذا ذَهَبَ إلى قُباءٍ يَدخُلُ عَلى أُمِّ حَرامٍ بِنتِ مِلحانَ فَتُطعِمُهُ ...
-أم حرام: قال المهلب: كانت أم حرام خالة النبي (ﷺ) من الرضاعة، فلذلك كان ينام في حجرها، وتفلى رأسه، قال غيره: إنما كانت خالة لأبيه أو لجده؛ لأن أم عبد المطلب كانت من بنى النجار، وكان يأتيها زائرًا لها، والزيارة من صلة الرحم. (ابن بطال)
-" أنت من الأولين ": يدل أن رؤياه الثانية غير الأولى، وأنه فى كل نومه عرض عليه صنف غير الآخر. (عياض)
-قوله: " أنه ﷺ كان يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه وتفلى رأسه ": وفيه جواز مثل هذا من ذوى المحارم، وأنه لا يجوز مثله إلا لذوى المحارم. والنبي ﷺ وإن كان معصوما، فإنه يقتدى به في مثل هذا من أفعاله. (عياض)
-وفيه جواز إذن ذوات المحارم محارمهن، وإن لم يحضر الزوج. (عياض)
-وفيه إباحة أكل ما قدمته المرأة لضيفها في بيتها من مالها ومال زوجها؛ لأن الأغلب أن ما في البيت من الطعام للزوج، إذا علم أنه ممن لا يكره أن يؤكل ما في بيته. (عياض)
-وفيه جواز مثل هذا للوكيل والمتصرف للرجل إذا علم من صاحب المال الإذن والسرور بذلك. ومعلوم من سرور زوج أم حرام إن كانت تحت زوج حنيئذ، وغيرة المسلمين ومحبتهم لدخول النبي ﷺ بيوتهم وأكله طعامهم. (عياض)
-وقوله: " فاستيقظ وهو يضحك ": ضحكه لما بشر به من أمر أمته، وغزوهم في البحر، وسروره بما يفتح الله عليهم في الدنيا، ويدخله عليهم من الأجر في الأخرى. (عياض)
-فيه جواز ركوب البحر للجهاد لسرور النبي ﷺ بما عرض عليه من ذلك، وكذلك ينبغي للحج. وفيه جواز ركوب النساء فيه. (عياض)
-وفيه إباحة الجهاد للنساء في البحر. (ابن بطال)
-وهذا الحديث من أعلام النبوة وذلك أنه أخبر فيه بضروب من الغيب قبل وقوعها، فمنها: جهاد أمته في البحر، وضحكه دليل على أن الله يفتح لهم ويغنمهم، ومنها: الإخبار بصفة أحوالهم في جهادهم وهو قوله: (يركبون ثبج هذا البحر ملوكً وذلك على الأسرة), ومنها قوله لأم حرام: (أنت من الأولين) فكان كذلك، غزت مع زوجها في أول غزوة كانت إلى الروم في البحر مع معاوية، وفيه: هلكت، وهذا كله لا يعلم إلا بوحى من الله تعالى على ما أوحى إليه به في نومه. (ابن بطال)
-فيه فضيلة لتلك الجيوش وأنهم غزاة في سبيل الله. (النووي)
-وفيه: أن رؤيا الأنبياء وحي. (ابن بطال)
-وفيه ضحك المبشر إذا بشر بما يسره كما فعل ﷺ. (ابن بطال)
-وفيه دليل على أن من مات في طريق الجهاد من غير مشاهدته ومباشرته؛ له من الأجر والرتبة مثل ما للمباشر. (القرطبي)

باب: غَدْوَةٌ فِـي سَبِيلِ اللهِ أوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيا وما فِيها


١٥٦٠. (خ م) (١٨٨٠) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَغَدوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أو رَوحَةٌ خَيرٌ مِن الدُّنيا وما فِيها». زادَ (خ): «ولَقابُ قَوسِ أحَدِكُم مِن الجَنَّةِ، أو مَوضِعُ قِيدٍ يَعنِي سَوطَهُ خَيرٌ مِن الدُّنيا وما فِيها، ولَو أنَّ امرَأَةً مِن أهلِ الجَنَّةِ اطَّلَعَت إلى أهلِ الأَرضِ لَأَضاءَت ما بَينَهُما، ولَمَلَأَتهُ رِيحًا، ولَنَصِيفُها عَلى رَأسِها خَيرٌ مِن الدُّنيا وما فِيها»
ولَهُما عَن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مِثلُ حَدِيثِ البابِ. وزادَ (خ) فِيهِ: «رِباطُ يَومٍ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيرٌ مِن الدُّنيا وما عَلَيها، ومَوضِعُ سَوطِ أحَدِكُم مِن الجَنَّةِ خَيرٌ مِن الدُّنيا وما عَلَيها ...».
-قال المهلب: إنما ذكر حديث أنس في هذا الباب؛ لأن المعنى الذى يتمنى الشهيد من أجله أن يرجع إلى الدنيا فيقتل هو مما يرى مما يعطى الله الشهيد من النعيم. (ابن بطال)
-وفى ذلك حض على طلب الشهادة وترغيب فيها. (ابن بطال)
والنكتة في ذلك أن سبب التأخير عن الجهاد الميل إلى سبب من أسباب الدنيا. (المباركفوري)

باب: ما يَعْدِلُ الجِهادَ


١٥٦١. (خ م) (١٨٧٨) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: ما يَعدِلُ الجِهادَ فِي سَبِيلِ اللهِ ﷿؟ قالَ: «لا تَستَطِيعُونَهُ». قالَ: فَأَعادُوا عَلَيهِ مَرَّتَينِ أو ثَلاثًا، كُلُّ ذَلكَ يَقُولُ: «لا تَستَطِيعُونَهُ». وقالَ فِي الثّالِثَةِ: «مَثَلُ المُجاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ الصّائِمِ القائِمِ القانِت بِآياتِ اللهِ، لا يَفتُرُ مِن صِيامٍ ولا صَلاةٍ حَتّى يَرجِعَ المُجاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعالى». رَوى (خ) مَعناهُ ولَفظُهُ: عَنهُ قالَ: جاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقالَ: دُلَّنِي عَلى عَمَلٍ يَعدِلُ الجِهادَ. قالَ: «لا أجِدُهُ»، قالَ: «هَل تَستَطِيعُ إذا خَرَجَ المُجاهِدُ أن تَدخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ ولا تَفْتُرَ، وتَصُومَ ولا تُفطِرَ؟» قالَ: ومَن يَستَطِيعُ ذَلكَ؟ قالَ أبُو هُرَيْرَةَ: إنَّ فَرسَ المُجاهِدِ لَيَسْتَنُّ فِي طِوَلِهِ، فَيُكتَبَ لَهُ حَسَناتٌ.
-ووجهه: أن كل ما يصدر من المجاهد في حالتي نومه ويقظته، وسكونه وحركته هو عمل صالح يكتب له ثوابه دائمًا، بدوام أفعاله، إذ لا يتأتى لغيره فيه؛ لأنه على كل حال في الجهاد، وملابس أحواله، وذلك: أن المجاهد إما أن ينال من العدو، أو يغيظه، أو يروّعه، أو يكثر سواد المسلمين، أو يصيبه نصب أو مخمصة. وكل ذلك أعمال كثيرة لها أجور عظيمة. (القرطبي)
-قول أبي هريرة: (إن فرس المجاهد ليستن في طوله)، المعنى: إذا كانت فرسه تتحرك لنفسها في طولها من غير تحريك المجاهد لها، فتكتب له بذلك حسنات، وما له في ذلك فعل، فكيف بما له فيه فعل من تحريكها والإسراع بها، والجهاد عليها. والمراد: أن هذا العمل يحتسب فيه بما ليس من فعل العامل، وليس غيره من الأعمال كذلك، فلذلك فضل. (ابن هبيرة)
-وفي هذا الحديث عظيم فضل الجهاد؛ لأن الصلاة والصيام والقيام بآيات الله أفضل الأعمال، وقد جعل المجاهد مثل من لايفتر عن ذلك في لحظة من اللحظات، ومعلوم أن هذا لايتأتى لأحد؛ ولهذا قال ﷺ لاتستطيعونه. (النووي)
-وفيه أن الفضائل لا تدرك بالقياس، وإنما هي عطاء من الله وإحسان. (عياض)
-هذه فضيلة ظاهرة للمجاهد في سبيل الله تقتضي أن لا يعدل الجهاد شيء من الأعمال. (ابن حجر)
-في هذا الحديث من الفقه: أن الجهاد إذا تعين لا يعدله غيره؛ كالحج إذا وجب، وصوم رمضان لمن حضر، والصلاة إذا دخل وقتها. (ابن هبيرة)
وقوله للرجل: (هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك، فتقوم ولا تفتر)، فيه إشارة إلى فضل المجاهدين عن المصلين ما قدر المصلي على صلاته، ولا المتعبد على عبادته، ولأنهم بجهادهم يدفعون عن دار الإسلام.

باب: فَضْلُ الشَّهادَةِ فِـي سَبيلِ اللهِ تَعالى


١٥٦٢. (خ م) (١٨٧٧) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «ما مِن أحَدٍ يَدخُلُ الجَنَّةَ يُحِبُّ أن يَرجِعَ إلى الدُّنيا وأَنَّ لَهُ ما عَلى الأرضِ مِن شَيءٍ غَيرُ الشَّهِيدِ، فَإنَّهُ يَتَمَنّى أن يَرجِعَ فَيُقتَلَ عَشرَ مَرّاتٍ، لِما يَرى مِن الكَرامَةِ».
-هذا الحديث أجل ما جاء في فضل الشهادة والحض عليها والترغيب فيها، وإنما يتمنى أن يقتل عشر مرات والله أعلم؛ لعلمه بأن ذلك مما يرضى الله ويقرب منه؛ لأن من بذل نفسه ودمه في إعزاز دين الله ونصرة دينه ونبيه، فلم تبق غاية وراء ذلك وليس في أعمال البر ما تبذل فيه النفس غير الجهاد، فلذلك عظم الثواب عليه. (ابن بطال)
-وفي هذا الحديث من الفائدة أن الله تعالى أعلمنا أن الشهداء أعطوا حتى لم يبق لواحد منهم في الوجود أمنية لها منفذ. (ابن هبيرة)

١٥٦٣. (خ م) (١٨٩٩) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: قالَ رَجُلٌ: أينَ أنا يا رَسُولَ اللهِ إن قُتِلتُ؟ قالَ: «فِي الجَنَّةِ». فَأَلقى تَمَراتٍ كُنَّ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قاتَلَ حَتّى قُتِلَ. وفي رواية: يومَ أحدٍ.
-فيه المبادرة بالخير وأنه لايشتغل عنه بحظوظ النفوس. (النووي)

باب: رِضا اللهِ عَنِ الشُّهَداءِ ورِضاهُمْ عَنْهُ


١٥٦٤. (خ م) (٦٧٧) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: جاءَ ناسٌ إلى النَّبِيِّ ﷺ فَقالُوا: (أن ابعَث مَعَنا رِجالًا يُعَلِّمُونا القُرآنَ والسُّنَّةَ). فَبَعَثَ إلَيهِم سَبعِينَ رَجُلًا مِن الأنصارِ يُقالُ لَهُم: القُرّاءُ، فِيهِم خالِي حَرامٌ، يَقرَؤونَ القُرآنَ ويَتَدارَسُونَ بِاللَّيلِ يَتَعَلَّمُونَ، وكانُوا بِالنَّهارِ يَجِيئُونَ بِالماءِ فَيَضَعُونَهُ فِي المَسْجِدِ، ويَحتَطِبُونَ فَيَبِيعُونَهُ ويَشتَرُونَ بِهِ الطَّعامَ لأهلِ الصُّفَّةِ ولِلفُقَراءِ، فَبَعَثَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ إلَيهِم، فَعَرَضُوا لَهُم فَقَتَلُوهُم قَبلَ أن يَبلُغُوا المَكانَ، فَقالُوا: اللَّهُمَّ بَلِّغ عَنّا نَبِيَّنا أنّا قَد لَقِيناكَ فَرَضِينا عَنكَ ورَضِيتَ عَنّا. قالَ: وأَتى رَجُلٌ حَرامًا خالَ أنَسٍ مِن خَلفِهِ فَطَعَنَهُ بِرُمحٍ حَتّى أنفَذَهُ، فَقالَ حَرامٌ: فُزتُ ورَبِّ الكَعبَةِ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لأصحابِهِ: «إنَّ إخوانَكُم قَد قُتِلُوا، وإنَّهُم قالُوا: اللَّهُمَّ بَلِّغ عَنّا نَبِيَّنا أنّا قَد لَقِيناكَ فَرَضِينا عَنكَ ورَضِيتَ عَنّا». لَفظُ (خ): أنَّ النَّبِيَّ ﷺ أتاهُ رِعلٌ وذَكوانُ وعُصَيَّةُ وبَنُو لِحيانَ، فَزَعَمُوا أنَّهُم قَد أسلَمُوا، واستَمَدُّوهُ عَلى قَومِهِم ... وفِيهِ: فانطَلَقُوا بِهِم حَتّى بَلَغُوا بِئرَ مَعُونَةَ غَدَرُوا بِهِم ... وفِيها: «فَرَضِي عَنّا وأَرضانا». وفي رواية (خ): وكانَ رَئِيسُ المُشرِكِينَ عامِرُ بنُ الطُّفَيلِ خَيَّر بَينَ ثَلاثِ خِصالٍ، فَقالَ: يَكُونُ لَكَ أهلُ السَّهلِ ولِي أهلُ المَدَرِ، أو أكُونُ خَلِيفَتَكَ، أو أغزُوكَ بِأَهلِ غَطَفانَ بِأَلفٍ وأَلفٍ. فَطُعِنَ عامِرٌ فِي بَيتِ أُمِّ فُلانٍ، فَقالَ: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ البَكْرِ، فِي بَيتِ امرَأَةٍ مِن آلِ فلانٍ، ائتُونِي بِفَرَسِي، فَماتَ عَلى ظَهرِ فَرَسِهِ ...
ورَوى (خ) [مُرسَلًا]: عَن عُروَةَ قالَ: لمّا قُتِلَ الَّذِينَ بِبِئرِ مَعُونَةَ، وأُسِرَ عَمرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمريُّ، قالَ لَهُ عامِرُ بنُ الطُّفَيلِ: مَن هَذا؟ فَأَشارَ إلى قَتِيلٍ، فَقالَ لَهُ عَمرُو بْنُ أُمَيَّةَ: هَذا عامِرُ بنُ فُهَيْرةَ. فَقالَ: لَقَد رَأَيتُهُ بَعدَما قُتِلَ رُفِعَ إلى السَّماءِ، حَتّى إني لَأَنظُرُ إلى السَّماءِ بَينَهُ وبَينَ الأَرضِ، ثُمَّ وُضِعَ، وفيها: وأُصِيبَ يَومَئِذٍ فِيهِم عُروَةُ بنُ أسماءَ بْنِ الصَّلتِ، فَسُمِّيَ عُروَةُ بِهِ، ومُنذِرُ بنُ عَمْرٍو، سُمِّيَ بِهِ مُنذِرًا.
-وقوله: (فبعث إليهم سبعين رجلًا)؛ هؤلاء السبعون هم الذين استشهدوا ببئر معونة، غَدَرَ بهم قبائلُ من سليم مع عدوِّ الله عامر بن الطفيل، فاستصرخوا عليهم، فقتلوهم عن آخرهم إلا رجلين، ولم يُصَب النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ولا المسلمون بمثلهم رضي الله عنهم. (القرطبي)
-(ائتوني بفرسي فمات على ظهر فرسه) قال الداودي: وكانت هذه من حماقات عامر فأماته الله بذلك ليصغر إليه نفسه.
-وفيه جواز وضعه في المسجد وقد كانوا يضعون أيضا أعذاق التمر لمن أرادها في المسجد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، و لاخلاف في جواز هذا وفضله. (النووي)
-فيه فضيلة الصدقة وفضيلة الاكتساب من الحلال لها. (النووي)
-وفيه جواز الصفة في المسجد.
-وفيه دليل على جواز استيطان الغرباء والفقراء مكانًا من المسجد. (القرطبي)
-وفيه دليل على جواز الاجتماع على قراءة القرآن ومدارسة العِلم. (القرطبي)
-وفيه دليل على أنَّ المتفرغ للعبادة وطَلَب العلم لا يُخِل بحاله، ولا ينقصُ توكلَه اشتغالُه بالنظر في مطعمه، ومشربه، وحاجته. (القرطبي)
-فيه دليل على أن أيدي الفقراء غير المتفرغين للعبادة فيما يكسبه بعضهم ينبغي أن تكون واحدة، ولا يستأثر بعضهم على الآخر بشيءٍ. (القرطبي)
-قوله (اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا) فيه فضيلة ظاهرة للشهداء وثبوت الرضا منهم ولهم وهو موافق لقوله تعالى رضي الله عنهم ورضوا عنه. (النووي)
-في هذا الحديث دليل على استحباب الدعاء وتكريره وإظهاره؛ لأنه دال على يقين العبد المسلم بربه، ودال على أن العبد المؤمن إذا انتظر النصر على عدوه من الله سبحانه، ودال على أن ما كان يراه الجاهلية من الأنفة من الدعاء ويرونه ذلًا مما قد كانوا مخطئين فيه ليكون إذا أجيب الدعاء مما يحتج رسول الله - ﷺ - على منكري الحق به. (ابن هبيرة)
-وأما قول حرام بن ملحان حين طعن: (فزت ورب الكعبة) فإنه كلام يدل على أن قائله قد كان حريصًا على الشهادة؛ فلما قضيت له تحقق الفوز بها فقال: فزت، وقوله: ورب الكعبة: يمين نشأت عن إيمان منه، بأن الشهادة في سبيل الله فوز، وعلى أن الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى هو من أقوى الأدلة على وجوده جل جلاله لقوله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان}. ( ابن هبيرة)
-قال المهلب: فيه أن السنة مضت من النبي، (صلى الله عليه وسلم) ، في أن يمد ثغوره بمدد من عنده، وجرى بذلك العمل من الأئمة بعده. (ابن بطال)
(إِني لَأَنظُرُ إِلَى السَّمَاءِ بَينَهُ وَبَينَ الأَرضِ، ثُمَّ وُضِعَ) وفي ذلك تعظيم لعامر بن فهيرة وترهيب للكفار وتخويف. (ابن حجر)

باب: فِـي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ [الأحزاب: ٢٣]


١٥٦٥. (خ م) (١٩٠٣) عَنْ ثابِتٍ قالَ: قالَ أنَسٌ ﵁: عَمِّيَ (الَّذِي سُمِّيتُ بِهِ) لَم يَشهَد مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ بَدرًا، قالَ: فَشَقَّ عَلَيهِ، قالَ: أوَّلُ مَشهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ غُيِّبتُ عَنهُ، وإن أرانِيَ اللهُ مَشهَدًا فِيما بَعدُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ لَيَرانِي اللهُ ما أصنَعُ. (قالَ: فَهابَ أن يَقُولَ غَيرَها)، قالَ: فَشَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ يَومَ أُحُدٍ، قالَ: فاستَقبَلَ سَعدَ بنَ مُعاذٍ، فَقالَ لَهُ أنَسٌ: يا أبا عَمرٍو؛ أينَ؟ فَقالَ: واهًا لِرِيحِ الجَنَّةِ أجِدُهُ دُونَ أُحُدٍ. قالَ: فَقاتَلَهُم حَتّى قُتِلَ، قالَ: فَوُجِدَ فِي جَسَدِهِ بِضعٌ وثَمانُونَ مِن بَينِ ضَربَةٍ وطَعنَةٍ ورَميَة، قالَ: فَقالَت أُختُهُ عَمَّتِيَ الرُّبَيِّعُ بِنتُ النَّضرِ: فَما عَرَفتُ أخِي إلا بِبَنانِهِ. ونَزَلَت هَذِهِ الآيَةُ: ﴿رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنهُم مَّن قَضى نَحْبَهُ ومِنهُم مَّن يَنتَظِرُ وما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب: ٢٣]. قالَ: فَكانُوا يُرَونَ أنَّها نَزَلَت فِيهِ وفِي أصحابِهِ. وفي رواية (خ): فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ غِبْتُ عَن أوَّلِ قِتالٍ ... وفِيها زادَ: قالَ: اللَّهُمَّ إني أعتَذِرُ إلَيكَ مِمّا صَنَعَ هَؤُلاءِ، يَعنِي أصحابَهُ، وأَبْرَأُ إلَيكَ مِمّا صَنَعَ هَؤُلاءِ، يَعنِي الُمشرِكِينَ. ثُمَّ تَقَدَّم فاستَقبَلَهُ سَعدُ بنُ مُعاذٍ ... وفِيها: قالَ سَعدٌ: فَما استَطَعتَ يا رَسُولَ اللهِ ما صَنَعَ ... وفِيها: وقَد مَثَّلَ بِهِ المُشرِكُونَ.
وفي رواية (خ): عَرَفَتْهُ أُختُهُ بِشامَةٍ ...
-قال الزين بن المنير من أبلغ الكلام وأفصحه قول أنس بن النضر في حق المسلمين "أعتذر إليك", وفي حق المشركين " أبرأ إليك " فأشار إلى أنه لم يرض الأمرين جميعا مع تغايرهما في المعنى. (ابن حجر)
-من الفوائد جواز بذل النفس في الجهاد. (ابن حجر)
-فضل الوفاء بالعهد – لله- ولو شق على النفس حتى يصل إلى إهلاكها. (ابن حجر)
-فيه فضيلة ظاهرة لأنس بن النضر وما كان عليه من صحة الإيمان وكثرة التوقي والتورع وقوة اليقين. (ابن حجر)
-وفيه أيضًا أن الله سبحانه وتعالى قد يبلغ من لطفه بعبده المؤمن إلى أن يرزقه الله زيادة الحرص على الخير بأن يفوته من شيء من الخير قد كان أدركه غيره، فإن أنس بن النضر حين فاتته بدر أزاد حرصه حتى بات الناس في يوم أحد فاستدرك ما فاته, وجعل حسن بلائه مقتدى لكل من أراد أن يستدرك فائتًا من أمره أن يفعل كفعله. (ابن هبيرة)
-وفيه أيضًا مما يدل على إيمانه أنه قال: ليرين الله، ولم يقل ليرين غيره، فدل قوله هذا على لباب إخلاصه، وأنه لم يرد أن يرى ما فعله غير الله عز وجل ولا جرم أن الله سبحانه وتعالى أظهر بركة إخلاصه عليه. (ابن هبيرة)

١٥٦٦. (خ) (٢٨٤٥) عَنْ مُوسى بْنِ أنَسٍ قالَ وذَكَرَ يَومَ اليَمامَةِ قالَ: أتى أنَسٌ ثابِتَ بنَ قَيسٍ وقَد حَسَرَ عَن فَخِذَيهِ وهُوَ يَتَحَنَّطُ فَقالَ: يا عَمِّ؛ ما يَحبِسُكَ أن لا تَجِيءَ؟ قالَ: الآنَ يا ابنَ أخِي. وجَعَلَ يَتَحَنَّطُ يَعنِي مِن الحَنُوطِ ثُمَّ جاءَ فَجَلَسَ، فَذَكَرَ فِي الحَدِيثِ انكِشافًا مِن النّاسِ، فَقالَ: هَكَذا عَن وُجُوهِنا حَتّى نُضارِبَ القَومَ، ما هَكَذا كُنّا نَفعَلُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، بِئسَ ما عَوَّدتُم أقرانَكُم.
-(عن فخذيه) واستدلّ به على أن الفخذ ليس بعورة. ( ابن بطال )
-وفيه أن التطيب للحرب سنة من أجل مباشرة الملائكة للميت. (ابن بطال)
-وفيه اليقين بصحة ما هو عليه من الدين، وصحة النية بالاغتباط في استهلاك نفسه في طاعة الله. (ابن بطال)
-وفيه التداعي للقتال؛ فإن أنسًا قال لعمه: ما يحبسك ألا تجيء. (ابن بطال)

باب: الـنِّيَّةُ فِـي الأَعْمالِ


١٥٦٧. (خ م) (١٩٠٧) عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّما الأَعمالُ بِالنِّيَّةِ، وإنَّما لاِمرِئٍ ما نَوى، فَمَن كانَت هِجرَتُهُ إلى اللهِ ورَسُولِهِ فَهِجرَتُه إلى اللهِ ورَسُولِهِ، ومَن كانَت هِجرَتُهُ لِدُنيا يُصِيبُها أوِ امرَأَةٍ يَتَزَوَّجُها فَهِجرَتُهُ إلى ما هاجَرَ إلَيهِ».
وفي رواية (خ): سَمِعتُ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ ﵁ عَلى المِنبَرِ قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إنَّما الأَعمالُ بِالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امرِئٍ ما نَوى، فَمَن ...»، مِثلَهُ.
وفي رواية (خ): «يا أيُّها النّاسُ؛ إنَّما الأَعمالُ بِالنِّيَةِ ...».
-قال بعض شيوخنا: قوله: " إنما الأعمال بالنيات " يرجع إلى معنيين: أحدهما: تجريد العمل من الشرك بالله بخالص التوحيد، والآخر: تجريده بخالص السنة. (عياض)
-ذكر الأئمة أن هذا الحديث ثلث الإسلام، وقيل: ربعه، وأن أصول الدين وعمدة من عمل الطاعات، ومفسر لقوله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين}. (عياض)
-فضل هذا الحديث وشرفه فإن العلماء كانوا يستحبون تقديمه في التصانيف لعموم الحاجة إليه؛ إذ النية أصل العمل. (ابن الجوزي)
-وقد أفاد هذا الحديث أن الشرع إنما يعتد بالعمل الذي فيه النية. (ابن الجوزي)
-وفيه دليل على أن الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج والاعتكاف وسائر العبادات لا تصح إلا بالنية (النووي)
-من فوائد الحديث: أنه يجب تمييز العبادات بعضها عن بعض، والعبادات عن المعاملات. (ابن عثيمين)
-من فوائد الحديث: الحثّ على الإخلاص لله عزّ وجل، لأن النبي ﷺ قسّم الناس إلى قسمين: قسم: أراد بعمله وجه الله والدار الآخرة، وقسم: بالعكس، وهذا يعني الحث على الإخلاص لله عزّ وجل. (ابن عثيمين)
-أن المسلم ينبغي أن يصفي موارد نيته؛ بأن يبني أمره على أسس محرزة ناظرًا إلى قلبه بعينه؛ فإنه سريع التقلب، وإنه غير مستغن عن تكرير الحق عليه، وتأنيه به، واعتبار إيمانه، وأن ينوي في كل حركة وسكون إرادة وجه الله عز وجل، وأن ينوي حياته لله ومماته لله. ( ابن هبيرة)
-ومن فوائد الحديث: حسن تعليم النبي ﷺ وذلك بتنويع الكلام وتقسيم الكلام، لأنه قال: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) وهذا للعمل، (وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) وهذا للمعمول له.
ثانيهما: تقسيم الهجرة إلى قسمين: شرعية وغير شرعية، وهذا من حسن التعليم، ولذلك ينبغي للمعلم أن لايسرد المسائل على الطالب سرداً لأن هذا يُنْسِي، بل يجعل أصولاً، وقواعد وتقييدات، لأن ذلك أقرب لثبوت العلم في قلبه، أما أن تسرد عليه المسائل فما أسرع أن ينساها.. (ابن عثيمين)
-ومن فوائد الحديث: أن الهجرة هي من الأعمال الصالحة لأنها يقصد بها الله ورسوله، وكل عمل يقصد به الله ورسوله فإنه من الأعمال الصالحة لأنك قصدت التقرّب إلى الله والتقرب إلى الله هو العبادة. (ابن عثيمين)

باب: مَن قاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيا


١٥٦٨. (خ م) (١٩٠٤) عَنْ أبِي مُوسى الأَشْعَرِيِّ ﵁؛ أنَّ رَجُلًا أعرابِيًّا أتى النَّبِيَّ ﷺ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ الرَّجُلُ يُقاتِلُ لِلمَغنَمِ، والرَّجُلُ يُقاتِلُ لِيُذكَرَ، والرَّجُلُ يُقاتِلُ لِيُرى مَكانُهُ، فَمَن فِي سَبِيلِ اللهِ؟ فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن قاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ أعلى فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ».
-يفهم من هذا الحديث: اشتراط الإخلاص في الجهاد، وكذلك هو شرط في جميع العبادات؛ لقوله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين}. (القرطبي)
- بيان فضل من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى. (الإتيوبي)
-أن فيه بيان أن الأعمال إنما تُحسب بالنيّة الصالحة، فهو شاهد لحديث: "إنما الأعمال بالنيات. . ." الحديث. (الإتيوبي)
-أن الفضل الذي ورد في المجاهدين في سبيل الله - عز وجل - يختصّ بمن قاتل لإعلاء كلمة الله تعالى. (الإتيوبي)
-جواز السؤال عن العلّة. (الإتيوبي)
-أن العلم يتقدّم العمل. (الإتيوبي)
-ذمّ الحرص على الدنيا. (الإتيوبي)
ذمّ القتال لحظّ النفس في غير طاعة الله تعالى. (الإتيوبي)

باب: مَن قاتَلَ رِياءً وسُمْعَةً


١٥٦٩. (م) (١٩٠٥) عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ قالَ: تَفَرَّقَ النّاسُ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ فَقالَ لَهُ ناتِلُ أهلِ الشّامِ: أيُّها الشَّيخُ؛ حَدِّثنِي حَدِيثًا سَمِعتَهُ مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ، قالَ: نَعَم، سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إنَّ أوَّلَ النّاسِ يُقضى يَومَ القِيامَةِ عَلَيهِ رَجُلٌ استُشهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلتَ فِيها؟ قالَ: قاتَلتُ فِيكَ حَتّى استُشهِدتُ. قالَ: كَذَبتَ، ولَكِنَّكَ قاتَلتَ لأَن يُقالَ: جَرِيءٌ، فَقَد قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلى وجهِهِ حَتّى أُلقِيَ فِي النّارِ، ورَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلمَ وعَلَّمَهُ وقَرَأَ القُرآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلتَ فِيها؟ قالَ: تَعَلَّمتُ العِلمَ وعَلَّمتُهُ، وقَرَأتُ فِيكَ القُرآنَ. قالَ: كَذَبتَ، ولَكِنَّكَ تَعَلَّمتَ العِلمَ لِيُقالَ: عالِمٌ، وقَرَأتَ القُرآنَ لِيُقالَ: هُوَ قارِئٌ، فَقَد قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلى وجهِهِ حَتّى أُلقِيَ فِي النّارِ، ورَجُلٌ وسَّعَ اللهُ عَلَيهِ وأَعطاهُ مِن أصنافِ المالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلتَ فِيها؟ قالَ: ما تَرَكتُ مِن سَبِيلٍ تُحِبُّ أن يُنفَقَ فِيها إلا أنفَقتُ فِيها لَكَ؟ قالَ: كَذَبتَ، ولَكِنَّكَ فَعَلتَ لِيُقالَ هُوَ جَوادٌ فَقَد قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلى وجهِهِ، ثمَّ أُلقِيَ فِي النّارِ».
-أن الإخلاص في الطاعات واجب، وأن الرياء يفسدها. (القرطبي)
-وهذا دليل على أنه يجب على طالب العلم في طلب العلم أن يخلص نيته لله عز وجل وألا يبالي أقال الناس أنه عالم أو شيخ أو أستاذ أو مجتهد أو ما أشبه ذلك لا يهمه هذا الأمر، لا يهمه إلا رضا الله عز وجل حفظ الشريعة, وتعليمها, ورفع الجهل عن نفسه, ورفع الجهل عن عباد الله حتى يكتب من الشهداء الذين مرتبتهم بعد مرتبة الصديقين. (ابن عثيمين)
-وفي هذا دليل على أنه يجب على الإنسان أن يخلص النية لله في جميع ما يبذله من مال أو بدن أو علم أو غيره، وأنه إذا فعل شيئاً مما يبتغي به وجه الله تعالى وصرفه إلى غير ذلك، فإنه آثم به. (ابن عثيمين)

باب: مَن غَزا ولَمْ يَغْنَم


١٥٧٠. (م) (١٩٠٦) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ ﵄؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «ما مِن غازِيَةٍ تَغزُو فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُصِيبُونَ الغَنِيمَةَ إلا تَعَجَّلُوا ثُلُثَي أجرِهِم مِنَ الآخِرَةِ، ويَبقى لَهُمُ الثُّلُثُ، وإن لَم يُصِيبُوا غَنِيمَةً تَمَّ لَهُم أجرُهُم». وفي رواية: «ما مِن غازِيَةٍ أو سَرِيَّةٍ تَغزُو فَتَغنَمُ وتَسلَمُ إلا كانُوا قَد تَعَجَّلُوا ثُلُثَي أُجُورِهِم، وما مِن غازِيَةٍ أو سَرِيَّةٍ تُخفِقُ وتُصابُ إلا تَمَّ أُجُورُهُم».
-أن الغزاة إذا سلموا أو غنموا يكون أجرهم أقل من أجر من لم يسلم أو سلم ولم يغنم, وأن الغنيمة هي في مقابلة جزء من أجر غزوهم, فإذا حصلت لهم فقد تعجلوا ثلثي أجرهم المترتب على الغزو, وتكون هذه الغنيمة من جملة الأجر وهذا موافق للأحاديث الصحيحة المشهورة عن الصحابة. (النووي)

باب: اسْتِحْبابُ طَلَبِ الشَّهادَةِ فِـي سَبِيلِ اللهِ


١٥٧١. (م) (١٩٠٨) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن طَلَبَ الشَّهادَةَ صادِقًا أُعطِيَها ولَو لَم تُصِبهُ».
-دل ذَلِكَ على أنه قد يعطي الله لمن لم يجاهد قريبًا من درجة المجاهد. (العيني)
-من نوى خيرا واعتقد فعله أجر ما نواه وإن عاقه عنه عائق، تفضلا من الله وأجرا على نيته. (عياض)

١٥٧٢. (م) (١٩٠٩) عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ ﵁؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «مَن سَأَلَ اللهَ الشَّهادَةَ بِصِدقٍ بَلَّغَهُ اللهُ مَنازِلَ الشُّهَداءِ وإن ماتَ عَلى فِراشِهِ».
-أنه من نوى شيئا من أعمال البر، ولم يتفق له عمله لعذر، كان بمنزلة من باشر ذلك العمل، وعمله. (القرطبي)

١٥٧٣. (م) (١٩١٠) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن ماتَ ولَم يَغزُ ولَم يُحَدِّث بِهِ نَفسَهُ ماتَ عَلى شُعبَةٍ مِن نِفاقٍ». قالَ عَبدُ اللهِ بنُ المُبارَكِ: فَنُرى أنَّ ذَلكَ كانَ عَلى عَهدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ.
-في هذا الحديث من الفقه الحث على الجهاد أو تمنيه؛ لمن لم يمكنه النهوض إليه، فإن لم ينهض فهو على شعبة من النفاق. (ابن هبيرة)
-وقوله: " من مات ولم يغزو ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق ": بين في أن من منعه مانع من أداء فرض أو مسارعة إلى ركن من أركان الشرع أو سننه المشهورة، أن يكون على نيته فيه متى أمكنه فعل ذلك، وأن العزم على الشيء بدل من فعله إذا لم يتعين وقت فعله. (عياض)
-وفي هذا الحديث أن من نوى فعل عبادة فمات قبل فعلها لا يتوجه عليه من الذم ما يتوجه على من مات ولم ينوها. (النووي)

١٥٧٤. (خ) (١٨٩٠) عَنْ عُمَرَ ﵁ قالَ: اللَّهُمَّ ارزُقنِي شَهادَةً فِي سَبِيلِكَ، واجعَل مَوتِي فِي بَلَدِ رَسُولِكَ ﷺ.
-في هذا الحديث من الفقه أن العبد إذا دعا الله عز وجل بالشيء الممتنع على غير الله فإنه مستحب وأولى من الدعاء الشيء المعهود المألوف، وأجدر بالإجابة من غيره إذا دعا به الداعي وهو موقن بالإجابة. (ابن هبيرة)

باب: فِـي فَضْلِ الحِراسَةِ والرِّباطِ


١٥٧٥. (م) (١٩١٣) عَنْ سَلْمانَ ﵁ قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «رِباطُ يَومٍ ولَيلَةٍ خَيرٌ مِن صِيامِ شَهرٍ وقِيامِهِ، وإن ماتَ جَرى عَلَيهِ عَمَلُهُ الَّذِي كانَ يَعمَلُهُ، وأُجرِيَ عَلَيهِ رِزقُهُ، وأَمِنَ الفَتّانَ».
-وقوله في فضل الرباط: " وإن مات جرى عليه عمله الذى كان يعمله ": فضيلة مختصة به، أن عمله يجرى له أجره بعد موته. (عياض)

١٥٧٦. (خ) (٢٨٨٦) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «تَعِسَ عَبدُ الدِّينارِ وعَبدُ الدِّرهَمِ وعَبدُ الخَمِيصَةِ، إن أُعطِيَ رَضِيَ وإن لَم يُعطَ سَخِطَ، تَعِسَ وانتَكَسَ، وإذا شِيكَ فَلا انتَقَشَ، طُوبى لِعَبدٍ آخِذٍ بِعِنانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، أشعَثَ رَأسُهُ، مُغبَرَّةٌ قَدَماهُ، إن كانَ فِي الحِراسَةِ، كانَ فِي الحِراسَةِ، وإن كانَ فِي السّاقَةِ كانَ فِي السّاقَةِ، إن استَأذَنَ لَم يُؤذَن لَهُ، وإن شَفَعَ لَم يُشَفَّع».
-فيه ترك حب الرياسة والشهرة، وفضل الخمول ولزوم التواضع لله، بأن يجهل المؤمن في الدنيا ولا تعرف عينه فيشار إليه بالأصابع، وبهذا أوصى (صلى الله عليه وسلم) ابن عمر فقال له: (يا عبد الله، كن فى الدنيا كأنك غريب) والغريب مجهول العين في الأغلب فلا يؤبه لصلاحه فيكرم من أجله ويبجل. (ابن بطال)
-وقوله: ((إن كان في الحراسة، وإن كان في الساقة)) المعنى أنه خامل الذكر لا يقصد السمو، فأين اتفق له كان فيه. (ابن الجوزي)
-وجماع معنى الحديث الحث على مجاهدة النفس والشيطان والإعراض عن استيفاء اللذات العاجلة. (الطيبي)

باب: فِـي فَضْلِ الرَّمْيِ


١٥٧٧. (م) (١٩١٧) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ ﵁ قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ وهُوَ عَلى المِنبَرِ يَقُولُ: «﴿وأَعِدُّواْ لَهُم مّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾ [الأنفال: ٦٠]، ألا إنَّ القُوَّةَ الرَّميُ، ألا إنَّ القُوَّةَ الرَّميُ، ألا إنَّ القُوَّةَ الرَّميُ».
- القوة : التقوي بما يحتاج إليه من الدروع ، والمجان ، والسيوف ، والرماح ، والرمي وسائل آلات الحرب ، إلا أنه لما كان الرمي أنكاها في العدو ، وأنفعها فسرها وخصصها بالذكر وأكدها ثلاثا ، ولم يرد أنها كل العدة ، بل أنفعها .
ووجه نفعها : أن النكاية بالسهام تبلغ العدو من الشجاع وغيره ، بخلاف السيف والرمح ، فإنه لا تحصل النكاية بهما إلا من الشجعان الممارسين للكر والفر ، وليس كل أحد كذلك . ثم إنها أقرب مؤونة ، وأيسر محاولة وإنكاء ، ألا ترى أنه قد يرمى رأس الكتيبة فينهزم أصحابه ، إلى غير ذلك مما يحصل منه من الفوائد ، والله تعالى أعلم .
- قال النووي : فيه فضيلة الرمي والمناضلة والاعتناء بذلك بنية الجهاد في سبيل الله تعالى ، وكذلك المشاجعة وسائر أنواع استعمال السلاح ، وكذا المسابقة بالخيل وغيرها ، والمراد بهذا كله التمرن على القتال والتدرب ، والتحذق فيه ، ورياضة الأعضاء بذلك .

١٥٧٨. (م) (١٩١٨) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ ﵁ قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «سَتُفتَحُ عَلَيكُم أرَضُونَ، ويَكفِيكُم اللهُ، فَلا يَعجِزُ أحَدُكُم أن يَلهُوَ بِأَسهُمِهِ».
١٥٧٩. (م) (١٩١٩) عَنِ الحارِثِ بْنِ يَعْقُوبَ؛ عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُماسَةَ، أنَّ فُقَيمًا اللَّخمِيَّ قالَ لِعُقبَةَ بْنِ عامِرٍ: تَختَلِفُ بَينَ هَذَينِ الغَرَضَينِ وأَنتَ كَبِيرٌ يَشُقُّ عَلَيكَ؟ قالَ عُقبَةُ: لَولا كَلامٌ سَمِعتُهُ مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ لَم أُعانِه. قالَ الحارِثُ بنُ يَعقُوبَ: فَقُلتُ لابنِ شُماسَةَ: وما ذاكَ؟ قالَ إنَّهُ قالَ: «مَن عَلِمَ الرَّميَ ثُمَّ تَرَكَهُ فَلَيسَ مِنّا، أو قَد عَصى».
- جواز المناضلة ، والمسابقة بالسهام ، والحض على ذلك ، وأن لا يترك ، وإن استغني عنه بما كفى الله من الفتح على الأعداء ، وظهور الدين.
- جواز اللعب بالسلاح ، والمثاقفة ،وإجراء الخيل ، وأشباه ذلك ، إذ في كل ذلك التمرن ، والاستعداد ، ومعاهدة الجسم ، ورياضة الأعضاء بها ، قاله القاضي عياض رحمه الله .
- ( من علم الرمي ثم تركه فليس منا أو قد عصى ) : هذا تشديد عظيم في نسيان الرمي بعد علمه ، وهو مكروه كراهة شديدة لمن تركه بلا عذر ." النووي"

١٥٨٠. (خ) (٢٨٩٩) عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ ﵁ قالَ: مَرَّ النَّبِيُّ ﷺ عَلى نَفَرٍ مِن أسلَمَ يَنتَضِلُونَ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «ارمُوا بَنِي إسماعِيلَ، فَإنَّ أباكُم كانَ رامِيًا، ارمُوا وأَنا مَعَ بَنِي فُلانٍ». قالَ: فَأَمسَكَ أحَدُ الفَرِيقينِ بِأَيدِيهِم، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ما لَكُم لا تَرمُونَ؟» قالُوا: كَيفَ نَرمِي وأَنتَ مَعَهُم؟ قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «ارمُوا فَأَنا مَعَكُم كُلِّكُم».
- حسن خلق النبي ﷺ ومعرفته بأمور الحرب .
- قال ابن حجر : " في الحديث التنويه بذكر الماهر في صناعته ببيان فضله وتطييب قلوب من هم دونه ".
- قوله : ( فإن أباكم كان رامياً ) ، قال ابن حجر : " فيه الندب إلى اتباع خصال الآباء المحمودة والعمل بمثلها ".
- قوله : ( كيف نرمي وأنت معهم ؟) ، قال ابن حجر : " فيه حسن أدب الصحابة رضي الله عنه مع النبي ﷺ ".
من الفوائد السلوكية :
- التشجيع باعث لحسن العمل .
- الكلمة الطيبة لها أثر عظيم على قدرات الإنسان .

باب: كَثْرَةُ الأَجْرِ عَلى القِتالِ


١٥٨١. (خ م) (١٩٠٠) عَنِ البَراءِ ﵁ قالَ: جاءَ رَجُلٌ مِن بَنِي النَّبِيتِ قَبِيلٍ مِن الأنصارِ فَقالَ: أشهَدُ أن لا إلَهَ إلا اللهُ، وأَنَّكَ عَبدُهُ ورَسُولُهُ. ثُمَّ تَقَدَّمَ فَقاتَلَ حَتّى قُتِلَ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «عَمِلَ هَذا يَسِيرًا وأُجِرَ كَثِيرًا». لفظ (خ) عنه قال: أتى النَّبِيَّ ﷺ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ بِالحَدِيدِ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ؛ أُقاتِلُ أو أُسلِمُ؟ قالَ: أسلِم ثُمَّ قاتِل. فَأَسلَمَ ثُمَّ قاتَلَ فَقُتِلَ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «عَمِلَ قَلِيلًا وأُجِرَ كَثِيرًا».
- هذا الرجل الذي أسلم ( الأصرم ) لم يسجد لله سجده واحدة ، واستحق بهذا العمل القليل ، نعيم الأبد في الجنة بإسلامه .
- أن الشهيد يدخل الجنة من غير حساب .
- قال ابن حجر : " في هذا الحديث أن الأجر الكثير قد يحصل بالعمل اليسير فضلا من الله وإحسانا .

باب: لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتِي ظاهِرِينَ


١٥٨٢. (خ م) (١٠٣٧) عَنْ مُعاوِيَةَ ﵁ قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتِي قائِمَةً بِأَمرِ اللهِ، لا يَضُرُّهُم مَن خَذَلَهُم أو خالَفَهُم، حَتّى يَأتِيَ أمرُ اللهِ وهُم ظاهِرُونَ عَلى النّاسِ». لَفظُ (خ): «لا يَزالُ مِن أُمَّتِي أُمَّةٌ قائِمَةٌ ...». وزادَ: قالَ عُميرُ بنُ هانِيء: فَقالَ مالكُ بنُ يُخامِرَ: قالَ مُعاذٌ: وهُم بِالشّامِ. فَقالَ مُعاوِيَةُ: هَذا مالِكٌ يَزعُمُ أنَّهُ سَمِعَ مُعاذًا يَقُولُ: وهُم بِالشّامِ. وفي رواية (خ): «ما يَضُرُّهُم مَن كَذَّبَهُم ولا مَن خالَفَهم». وفي ِروايةٍ (خ): «ولَن يَزالَ أمرُ هَذِهِ الأُمَّةِ مُستَقِيمًا حَتّى تَقُومَ السّاعَةُ أو حَتّى يَأتِيَ أمرُ الله». وفي رواية (م): «ولا تَزالُ عِصابةٌ مِن المُسلِمِينَ يُقاتِلُونَ عَلى الحَقِّ ظاهِرِينَ عَلى مَن ناوَأَهُم إلى يَومِ القِيامَةِ». ولَهُما عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ نَحْوُ حَدِيثِ البابِ، وفِيهِ: «لَنْ يَزالَ قَوْمٌ مِن أُمَّتِي ظاهِرِينَ عَلى النّاسِ ...».
- أن فيه بيان فضل هذه الأمة ، حيث إن الله عز وجل أجارها عن الاتفاق على الضلال ، فلا تزال جماعة مؤمنة بربها أي إيمان ، متبعة لسنة نبيها صلى الله عليه وسلم، لا يغيرها حوادث الزمان ، ولا مضايقة أهل المكان .
- فيه دلالة على صحة الإجماع ، لأن الأمة إذا اجتمعت على شيء ، فقد دخلت فيهم هذه الطائفة المختصة بهذا الفخر العظيم.
- فيه معجزة ظاهرة للنبي ﷺ ، فإن هذا الوصف مازال – بحمد الله تعالى – من زمن النبي ﷺ إلى الآن ، ولا يزال – بفضل الله تعالى – حتى يأتي أمر الله .
- في الحديث آية على صدق النبي ﷺ ، لأنه منذ أخبر بذلك وهذه الطائفة لا تزال موجودة في الأمة لم تنقطع في زمان من الأزمنة.
- وفيه : فضل الثبات على الحق والعمل به .
- وفيه : فضل لزوم هذه الطائفة ، فإنهم منصورون معانون .

١٥٨٣. (م) (١٩٢٤) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُماسَةَ المَهْرِيِّ قالَ: كُنتُ عِنْدَ مَسْلَمَةَ بْنِ مُخَلَّدٍ، وعِندَهُ عَبدُ اللهِ بْنُ عَمروٍ بْنِ العاصِ، فَقالَ عَبدُ اللهِ: لا تَقُومُ السّاعةُ إلا عَلى شِرارِ الخَلقِ، هُم شَرٌّ مِن أهلِ الجاهِلِيَّةِ، لا يَدعُونَ اللهَ بِشَيءٍ إلا رَدَّهُ عَلَيهِم. فَبَينَما هُم عَلى ذَلكَ أقبَلَ عُقبَةُ بنُ عامِرٍ، فَقالَ لَهُ مَسلَمَةُ: يا عُقبَةُ؛ اسمَع ما يَقُولُ عَبدُ اللهِ. فَقالَ عُقبَةُ: هُو أعلَمُ، وأَمّا أنا فَسَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «لا تَزالُ عِصابَةٌ مِن أُمَّتِي يُقاتِلُونَ عَلى أمرِ اللهِ، قاهِرِينَ لِعَدُوِّهِم، لا يَضُرُّهُم مَن خالَفَهُم، حَتّى تَأتِيهُمُ السّاعَةُ وهُم عَلى ذَلكَ». فَقالَ عَبدُ اللهِ: أجَلْ، ثُمَّ يَبعَثُ اللهُ رِيحًا كَرِيحِ المِسكِ، مَسُّها مَسُّ الحَرِيرِ، فَلا تَتركُ نَفْسًا فِي قَلبِهِ مِثقالُ حَبَّةٍ مِن الِإيمانِ إلا قَبَضَتْهُ، ثُمَّ يَبقى شِرارُ النّاسِ، عَلَيهِم تَقُومُ السّاعَةُ.
- بيان ذهاب الإيمان عن أهل الأرض آخر الزمان .
- بيان فضل المؤمنين ، حيث إن الله سبحانه وتعالى أكرمهم ، ولم يهنهم بإقامة الساعة عليهم ، وهم أحياء ، بل أكرمهم ببعث ريح لينة تقبض أرواحهم ، فتريحهم من تعب الدنيا ،وشدائدها ، وأهوال القيامة ، وفزعها ، فأبعدهم عن ما يحزنهم ، أو يهمهم ، كما وعدهم بذلك حيث قال : " لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون "

١٥٨٤. (م) (١٩٢٥) عَنْ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ ﵁؛ أن رسول الله ﷺ قال: «لا يَزالُ أهلُ الغَربِ ظاهِرِينَ على الحَقِّ حَتّى تَقوُمَ السّاعةُ».
قال علي بن المديني : المراد بأهل الغرب العرب ، والمراد بالغرب الدلو الكبير ، لاختصاصهم بها غالبا .
قال القاضي : وقيل : المراد بأهل الغرب أهل الشدة والجلد ، وغرب كل شيء حده . ( النووي )

باب: فِـي رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أحَدُهُما الآخَرَ يَدْخُلانِ الجَنَّةَ


١٥٨٥. (خ م) (١٨٩٠) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «يَضحَكُ اللهُ إلى رَجُلَينِ يَقتُلُ أحَدُهُما الآخَرَ، كِلاهُما يَدخُلُ الجَنَّةَ». فَقالُوا: كَيفَ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: «يُقاتِلُ هَذا فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُستَشهَدُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ عَلى القاتِلِ فَيُسلِمُ، فَيُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُستَشهَدُ».
١٥٨٦. (خ) (٢٨٢٧) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: أتَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ وهُوَ بِخَيبَرَ بَعدَ ما افتَتَحُوها فَقلت: يا رَسُولَ اللهِ؛ أسهِم لِي، فَقالَ بَعضُ بَنِي سَعِيدِ بْنِ العاصِ: لا تُسهِم لَهُ يا رَسُولَ اللهِ. فَقالَ أبُو هُرَيْرَةَ: هَذا قاتِلُ ابْنِ قَوقَلٍ، فَقالَ ابنُ سَعِيدِ بْنِ العاصِ: واعَجَبًا لِوَبرٍ تَدَلّى عَلَينا مِن قَدُومِ ضَأنٍ، يَنعى عَلَيَّ قَتلَ رَجُلٍ مُسلِمٍ أكرَمَهُ اللهُ عَلى يَدَيَّ، ولَم يُهِنِّي عَلى يَدَيهِ. قالَ: فَلا أدرِي؛ أسهَمَ لَهُ أم لَم يُسهِم لَهُ.
- عظم شأن الإسلام وأنه يجبّ ما قبله من الذنوب .
- سعة رحمة الله لعباده .
- " أكرمه الله على يدي ولم يهني على يديه " : أراد بذلك أن النعمان استشهد بيد أبان فأكرمه الله بالشهادة ولم يقتل أبان على كفره فيدخل النار ، وهو المراد بالإهانة ، بل عاش أبان حتى تاب وأسلم .( ابن حجر)

باب: الخَيْلُ فِـي نَواصِيها الخَيْرُ إلى يَوْمِ القِيامَةِ


١٥٨٧. (خ م) (١٨٧٣) عَنْ عُرْوَةَ البارِقِيِّ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الخَيلُ مَعقُودٌ فِي نَواصِيها الخَيرُ إلى يَومِ القِيامَةِ؛ الأَجرُ والمَغنَمُ». ورَوى (خ) عَن شَبِيبِ بْنِ غَرقَدَةَ قالَ: سَمِعتُ الحَيَّ يُحَدِّثُونَ عَن عُروَةَ بْنِ الجَعدِ؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ أعطاهُ دِينارًا يَشتَرِي لَهُ بِهِ شاةً، فاشتَرى لَهُ بِهِ شاتَينِ، فَباعَ إحداهُما بِدِينارٍ وجاءَهُ بِدِينارٍ وشاةٍ، فَدَعا لَهُ بِالبَرَكَةِ فِي بَيعِهِ، وكانَ لَو اشتَرى التُّراب لَرَبِحَ فِيهِ، قالَ سُفيانُ: كانَ الحَسَنُ بنُ عُمارَةَ جاءَنا بِهَذا الحَدِيثِ عَنهُ قالَ: سَمِعَهُ شَبِيبٌ مِن عُروَةَ، فَأَتَيتُهُ فَقالَ شَبِيبٌ: إنِّي لَم أسمَعهُ مِن عُروَةَ قالَ: سَمِعتُ الحَيَّ يُخبِرُونَهُ عَنهُ، ولَكِن سَمِعتُهُ يَقُولُ: سَمِعتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «الخَيرُ مَعقُودٌ بِنَواصِي الخَيلِ إلى يَومِ القِيامَةِ». قالَ: وقَد رَأَيتُ فِي دارِهِ سَبعِينَ فَرَسًا. قالَ سُفيانُ: يَشتَرِي لَهُ شاةً؛ كَأَنَّها أُضحِيَّةٌ.
١٥٨٨. (خ م) (١٨٧٤) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «البَرَكَةُ فِي نَواصِي الخَيلِ».
- قوله : ( الخيل معقود في نواصيها الخير ) ، هذا الكلام جمع من أصناف البديع ما يعجز عنه كل بليغ ، ومن سهولة الألفاظ ما يعجب ، ويستطاب.
- أحاديث الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة مقصود بها الخيل المعدة لطاعة الله ، والجهاد في سبيله ، والدفاع عن دينه ، وقد ربط الحديثان في رواية أحمد ، وفيها (الخيل في نواصيها الخير معقود إلى يوم القيامة ، فمن ربطها عدة في سبيل الله ، وأنفق عليها احتسابا كان شبعها وجوعها وريها وظمؤها وأوراثها وأبوالها فلاحا في موازينه يوم القيامة).
- إن الخيل مصدر رزق في الدنيا ، ومصدر أجر يوم القيامة .
- قال ابن عبد البر :" فيه إشارة إلى تفضيل الخيل على غيرها من الدواب ، لأنه لم يأت عنه ﷺ في شيء غيرها مثل هذا القول ".
- قال الخطابي :" في الحديث إشارة إلى أن المال الذي يكتسب باتخاذ الخيل من خير وجوه الأموال وأطيبها ".
- في الحديث الترغيب في اتخاذ الخيل للجهاد في سبيل الله عز وجل .
- أن الخيل آلة الحرب ، في كل زمان ومكان .
- أن هذه الحسنات تقبل من صاحبها لتنصيص الشارع على أنها في ميزانه .
- في هذا الحديث جواز وقف الخيل للمجاهدين ، للدفاع عن المسلمين .
- أن المرء يؤجر بنيته ، كما يؤجر بعمله .

١٥٨٩. (خ) (٢٨٥٥) عَنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ قالَ: كانَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فِي حائِطِنا فَرَسٌ يُقالُ لَهُ: اللُّحَيفُ.
- دلالة واضحة على أن الرسول ﷺ قد اتخذ بعض الخيل ، وحبسها للجهاد في سبيل الله ، وهذا منه ﷺ تشريع للأمة ليقتدوا به ﷺ للاستعداد للجهاد.

باب: الـمُسابَقَةُ بَيْنَ الخَيْلِ وتَضْمِيرُها


١٥٩٠. (خ م) (١٨٧٠) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ سابَقَ بِالخَيلِ الَّتِي قَد أُضمِرَت مِن الحَفياءِ، وكانَ أمَدُها ثَنِيَّةَ الوَداعِ، وسابَقَ بَينَ الخَيلِ الَّتِي لَم تُضمَر مِن الثَّنِيَّةِ إلى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيقٍ، وكانَ ابنُ عُمَرَ فِيمَن سابَقَ بِها.
- المسابقة بالخيل من باب تدريبها للجري وإعدادها لحاجتها .
- قوله (سابق بالخيل التي قد أضمرت)، والمراد به : أن تعلف الخيل ، حتى تسمن وتقوى ، ثم يقلل علفها بقدر القوت ، وتدخل بيتا ، وتغطي فيه بالجلال، لتحمي فيه ،فتعرق ، فإذا جف عرقها جف لحمها ، وقويت على الجري .
- مشروعية المسابقة ، وأنه ليس من العبث بل من الرياضة المحمودة الموصلة إلى تحصيل المقاصد والانتفاع بها عند الحاجة ، وهي دائرة بين الاستحباب والإباحة بحسب الباعث على ذلك .( ابن حجر )
- لا خلاف في جواز المسابقة على الخيل وغيرها من الدواب وعلى الأقدام ، وكذا الترامي بالسهام واستعمال الأسلحة لما في ذلك من التدريب على الحرب . (القرطبي)
- جواز إضمار الخيل ، ولا يخفى اختصاص استحبابها بالخيل المعدة للغزو . .(ابن حجر )
- مشروعية الإعلام بالابتداء والانتهاء عند المسابقة . ( ابن حجر )
- نسبة الفعل إلى الآمر به لأن قوله : "سابق " أي أمر أو أباح. (ابن حجر )
- جواز إضافة المسجد إلى قوم مخصوصين. (ابن حجر )
- جواز معاملة البهائم عند الحاجة بما يكون تعذيبا لها في غير الحاجة كالإجاعة والإجراء . ( ابن حجر )
- تنزيل الخلق منازلهم ، لأنه ﷺ غاير بين منزلة المضمر وغير المضمر ولو خلطهما لأتعب غير المضمر . (ابن حجر )

باب: ما يُكْرَهُ مِن صِفاتِ الخَيْلِ


١٥٩١. (م) (١٨٧٥) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَكرَهُ الشِّكالَ مِنَ الخَيلِ. وفي رواية: والشِّكالُ أن يَكُونَ الفَرَسُ فِي رِجلِهِ اليُمنى بَياضٌ وفِي يَدِهِ اليُسرى، أو في يَدِهِ اليُمنى ورِجلِهِ اليُسرى.
- يحتمل أن يكرهه لما يقال : إن حوافر المشكل وأعضاءه ليس فيها من القوة ما في ما ليس كذلك .
- قال النووي : وقال العلماء : إنما كرهه لأنه على صورة المشكول – أي المقيد بالشكال وهو القيد – وقيل : يحتمل أن يكون قد جرب ذلك الجنس ، فلم يكن فيه نجابة ، وقال بعض العلماء : إذا كان مع ذلك أغر – والغرة بياض في جبهة الفرس – زالت الكراهة .

باب: فِـي حِلْيَةِ السِّيُوفِ


١٥٩٢. (خ) (٣٩٧٤) عَنْ هِشامٍ؛ عَن أبِيهِ قالَ: كانَ سَيفُ الزُّبَيرِ بْنِ العَوّامِ مُحَلًّى بِفِضَّةٍ. قالَ هِشامٌ: وكانَ سَيفُ عُروَةَ مُحَلًّى بِفِضَّة.
- جواز تحلي سيوف الحرب بالذهب والفضة ، لتبرق في وجوه الإعداء ، لإرهابهم.

١٥٩٣. (خ) (٢٩٠٩) عَنْ أبِي أُمامَةَ ﵁ يَقُولُ: لَقَد فَتَحَ الفُتُوحَ قَومٌ ما كانَت حِليَةُ سُيُوفِهِم الذَّهَبَ ولا الفِضَّةَ، إنَّما كانَت حِليَتُهُم العَلابِيَّ والآنُكَ والحَدِيدَ.
- فيه أن تحلية السيوف وغيرها من آلات الحر بغير الفضة والذهب أولى . ( ابن حجر )
- أجاب من أباحها بأن تحلية السيوف بالذهب والفضة إنما شرع لإرهاب العدو ، وكان لأصحاب رسول الله ﷺ عن ذلك غنية لشدتهم في أنفسهم وقوتهم في إيمانهم. (ابن حجر)

باب: مُراعاةُ مَصْلَحَةِ الدَّوابِ فِـي السَّيْرِ


١٥٩٤. (م) (١٩٢٦) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إذا سافَرتُم فِي الخِصبِ فَأَعطُوا الإبِلَ حَظَّها مِنَ الأَرضِ، وإذا سافَرتُم فِي السَّنَةِ فَأَسرِعُوا عَلَيها السَّيرَ، وإذا عَرَّستُم بِاللَّيلِ فاجتَنِبُوا الطَّرِيقَ فَإنَّها مَأوى الهَوامِّ بِاللَّيلِ».
- بيان الحث على الرفق بالدواب ، ومراعاة مصلحتها ، فإن سافروا في الخصب قللوا السير ، وتركوها ترعى في بعض النهار ، وفي أثناء السير ، فتأخذ حظها من الأرض ، بما ترعاه منها ، وإن سافروا في القحط عجلوا السير ، ليصلوا المقصد ، وفيها بقية من قوتها ، ولا يقللوا السير فيلحقها الضرر ، لأنها لا تجد ما ترعى ، فتضعف ، ويذهب نقيها ، وربما كلت ، ووقفت .
- أن من آداب السير والنزول اجتناب الطريق .
- شدة عناية النبي ﷺ في إرشاد أمته إلى ما يصلحها ، وإبعادها عما يضرها ، ويؤذيها ، فهو ﷺ في أعلى القمة من الشفقة والرأفة.
- في الحديث حرصه ﷺ على أمته ، وأنه رحيم بهم ، ورحمته ﷺ ورفقه بالدواب والحيوان كذلك

باب: أُولِي الضَّرَرِ ومَن تَخَلَّفَ لِعُذْرٍ


١٥٩٥. (خ م) (١٨٩٨) عَنْ أبِي إسْحَقَ؛ أنَّهُ سَمِعَ البَراءَ ﵁ يَقُولُ فِي هَذِهِ الآيَةِ: «لا يَستَوِي القاعِدُونَ مِنَ المُؤمِنِينَ والمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ»، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ زَيدًا فَجاءَ بِكَتِفٍ يَكتُبُها، فَشَكا إلَيهِ ابنُ أُمِّ مَكتُومٍ ضَرارَتَهُ، فَنَزَلَت: ﴿لاَّ يَسْتَوِي القاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾.
- في الحديث أن النبي ﷺ كان له كتّاب يكتبون له ما ينزل من القرآن ، منهم زيد بن ثابت رضي الله عنه.
- فيه مشروعية اتخاذ الكاتب وتقريبه.
- فيه تقييد العلم بالكتابة .
- فيه جواز كتابة القرآن في الألواح والأكتاف.
-أن من أراد الجهاد في سبيل الله وحبسه العذر فله أجره.

١٥٩٦. (م) (١٩١١) عَنْ جابِرٍ ﵁ قالَ: كُنّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي غَزاةٍ، فَقالَ: «إنَّ بِالمَدِينَةِ لَرِجالًا ما سِرتُم مَسِيرًا ولا قَطَعتُم وادِيًا إلا كانُوا مَعَكُم، حَبَسَهُم المَرَضُ». رَواه (خ) عَن أنَسِ بْنِ مالكٍ؛ وفِيهِ: «حَبَسَهُمُ العُذرُ».
- أن المرء يبلغ بنيته الصادقة أجر العامل المنفق المجاهد إذا تخلف عن ذلك لعذر .
- إن الناوي لأعمال البر ، الصادق النية فيها ، إذا منعه من ذلك عذر كان له مثل أجر المباشر مضاعفا . ( القرطبي )

باب: الـشُّـهَـداءُ


١٥٩٧. (خ م) (١٩١٤) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «الشُّهَداءُ خَمسَةٌ: المَطعُونُ، والمَبطُونُ، والغَرِقُ، وصاحِبُ الهَدمِ، والشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللهِ».
ورَوى (م) عَن أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ما تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُم؟» قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ؛ مَن قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ شَهِيدٌ. قالَ: «إنَّ شُهَداءَ أُمَّتِي إذًا لَقَلِيلٌ». قالُوا: فَمَن هُم يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: «مَن قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، ومَن ماتَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، ومَن ماتَ فِي الطّاعُونِ فَهُوَ شَهِيدٌ، ومَن ماتَ فِي البَطنِ فَهُوَ شَهِيدٌ».
١٥٩٨. (خ م) (١٩١٦) عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ قالَت: قالَ لِي أنَسُ بنُ مالِكٍ ﵁: بِمَ ماتَ يَحيى بنُ أبِي عَمْرَةَ؟ قالَت: قُلتُ: بِالطّاعُونِ. قالَت: فَقالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الطّاعُونُ شَهادَةٌ لِكُلِّ مُسلِمٍ».
- وإنما حصلت لهم مرتبة الشهادة لأجل تلك الأسباب ، لأنهم لم يغرروا بنفوسهم ، ولا فرطوا في التحرز، ولكن أصابتهم تلك الأسباب بقضاء الله وقدره. فأما من غرر ، أو فرط في التحرز حتى أصابه شيء من ذلك فمات ، فهو عاص ، وأمره إلى الله ، إن شاء عذب ، وإن شاء عفا .
- قال ابن باز : والمصدوم بالسيارة يدخل ضمن الشهداء إن شاء الله ، هو من جنس صاحب الهدم أو أشد.
- الشهداء قسمان : شهيد الدنيا ، وشهيد الآخرة وهو من يقتل في حرب الكفار مقبلا غير مدبر مخلصا ، وشهيد الآخرة وهو من ذكر ، بمعنى أنهم يعطون من جنس أجر الشهداء ولا تجري عليهم أحكامهم في الدنيا . (ابن حجر )
- قال العلماء : وإنما كانت هذه الموتات شهادة بتفضل الله تعالى بسبب شدتها وكثرة ألمها . ( النووي )
- قال العلماء : المراد بشهادة هؤلاء كلهم غير المقتول في سبيل الله أنهم يكون لهم في الآخرة ثواب الشهداء ، وأما في الدنيا فيغسلون ويصلى عليهم . ( النووي )
- أن الشهداء ثلاثة أقسام : شهيد في الدنيا والآخرة وهو المقتول في حرب الكفار ، وشهيد في الآخرة دون أحكام الدنيا ، وهم هؤلاء المذكورون هنا ، وشهيد في الدنيا دون الآخرة وهو من غلَّ في الغنيمة ، أو قتل مدبرا .

١٥٩٩. (خ م) (١٤١) عَنْ (ثابِتٍ مَوْلى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أنَّهُ لَمّا كانَ بَينَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو وبَينَ عَنبَسَةَ بْنِ أبِي سُفيانَ ما كانَ تَيَسَّرُوا لِلقِتالِ، فَرَكِبَ خالِدُ بنُ العاصِ إلى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، فَوَعَظَهُ خالِدٌ)، فَقالَ عَبدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو: أما عَلِمتَ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «مَن قُتِلَ دُونَ مالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ». ورَوى (م) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: جاء رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ أرَأَيتَ إن جاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أخذَ مالِي؟ قالَ: «فَلا تُعطِهِ مالَكَ». قالَ: أرَأَيتَ إن قاتَلَنِي؟ قالَ: «قاتِلهُ». قالَ: أرَأَيتَ إن قَتَلَنِي؟ قالَ: «فَأَنتَ شَهِيدٌ». قالَ: أرَأَيتَ إن قَتَلتُهُ؟ قالَ: «هُو فِي النّارِ».
- جواز قتل القاصد لأخذ المال بغير حق ، سواء كان المال قليلا أو كثيرا لعموم الحديث ، وهذا قول الجماهير من العلماء . ( النووي )
- جواز مدافعة الإنسان عن ماله .
- المقتول دون ماله ظلما له أجر شهيد .
- أنه لا يلام الإنسان على المدافعة عن ماله, وذلك لقوله ﷺ : " فأنت شهيد " .
- الوعيد الشديد للمعتدي على أموال المسلمين وأنفسهم ظلما .
- حرمة مال المسلم ودمه .
- للإنسان أن يدفع عن نفسه وماله ولا شيء عليه ، فإنه إذا كان شهيدا إذا قتل في ذلك فلا قود عليه, ولا دية إذا كان هو القاتل . ( ابن بطال )

١ الصحابي الذي قال "بَخٍ بَخٍ" تعظيماً للجنة ورجاء أن يكون من أهلها هو :

٥/٠