باب: الأَكْلُ مِن طَعامِ الغَنِيمَةِ فِـي دارِ الحَرْبِ


١٦٢٨. (خ م) (١٧٧٢) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ ﵁ يَقُولُ: رُمِيَ إلَينا جِرابٌ فِيهِ طَعامٌ وشَحمٌ يَومَ خَيبَرَ، فَوَثَبتُ لآخُذَهُ، قالَ: فالتَفَتُّ فَإذا رَسُولُ اللهِ ﷺ، فاستَحيَيتُ مِنهُ. وفي رواية (م) عَنهُ قالَ: أصَبتُ جِرابًا مِن شَحمٍ يَومَ خَيبَرَ، قالَ: فالتَزَمتُهُ، فَقُلتُ: لا أُعطِي اليَومَ أحَدًا مِن هَذا شَيئًا، قالَ: فالتَفَتُّ فَإذا رَسُولُ اللهِ ﷺ مُتَبَسِّمًا.
١٦٢٩. (خ) (٣١٥٤) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قالَ: كُنّا نُصِيبُ فِي مَغازِينا العَسَلَ والعِنَبَ فَنَأكُلُهُ ولا نَرفَعُهُ.
- فيه إشارة إلى ما كانوا عليه من توقير النبي ﷺ، ومن الإعراض عن خوارم المروءة.( العيني)
- الجمهور على جواز أخذ الغانمين من القوت وما يصلح به وكل طعام يعتاد أكله عموما.( ابن حجر)
- دليل على جواز أكل ما ذبحه اليهود، وأنه لا يحتاج أن نسأل.( ابن عثيمين)
- الجمهور على جواز الأخذ ولو لم تكن الضرورة ناجزة.( ابن حجر)

باب: تَنْفِيلُ السَّرايا


١٦٣٠. (خ م) (١٧٤٩) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ ﷺ سَرِيَّةً إلى نَجدٍ، فَخَرَجتُ فِيها، فَأَصَبنا إبِلًا (وغَنَمًا)، فَبَلَغَت سُهمانُنا اثنَي عَشَرَ بَعِيرًا، اثنَي عَشَرَ بَعِيرًا، ونَفَّلَنا (رَسُولُ اللهِ ﷺ) بَعِيرًا بَعِيرًا.
-لكن يجب أن يكون هذا التنفيل، لا من أجل المحاباة لقريب، أو غني، أو ما أشبه ذلك، بل يكون سببه الغناء؛ يعني المنفعة التي تحصل من هذا المقاتل الذي نفل.(ابن عثيمين)

باب: تَخْمِيسُ الأَنْفالِ


١٦٣١. (خ م) (١٧٥٠) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَد كانَ يُنَفِّلُ بَعضَ مَن يَبعَثُ مِن السَّرايا لأنفُسِهم خاصَّةً، سِوى قَسمِ عامَّةِ الجَيشِ، (والخُمسُ فِي ذَلكَ واجِبٌ كُلِّهِ).
-دليل على أن لا نفل إلا بعد الخمس.( العيني)
-إن أراد الإمام تفضيل بعض الجيش لمعنى فيه فذلك من الخمس لا من رأس الغنيمة وإن انفردت قطعة فأراد أن ينفلها مما غنمت دون سائر الجيش فذلك من غير الخمس بشرط أن لا يزيد على الثلث.( ابن عبد البر)

باب: إعْطاءُ القاتِلِ سَلَبَ الـمَقْتُولِ


١٦٣٢. (خ م) (١٧٥١) عَنْ أبِي قَتادَةَ ﵁ قالَ: خَرَجنا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ عامَ حُنَينٍ، فَلَمّا التَقَينا كانَت لِلمُسلِمِينَ جَولَةٌ، قالَ: فَرَأَيتُ رَجُلًا مِن المُشرِكِينَ قَد عَلا رَجُلًا مِن المُسلِمِينَ، فاستَدَرتُ إلَيهِ حَتّى أتَيتُهُ مِن ورائِهِ فَضَرَبتُهُ عَلى حَبلِ عاتِقِهِ، وأَقبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وجَدتُ مِنها رِيحَ المَوتِ، ثُمَّ أدرَكَهُ المَوتُ فَأَرسَلَنِي، فَلَحِقتُ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ فَقالَ: ما لِلنّاسِ؟ فَقُلتُ: أمرُ اللهِ، ثُمَّ إنَّ النّاسَ رَجَعُوا، وجَلَسَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَقالَ: «مَن قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ». قالَ: فَقُمتُ فَقُلتُ: مَن يَشهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَستُ، ثُمَّ قالَ مِثلَ ذَلكَ، فَقالَ: فَقُمتُ فَقُلتُ: مَن يَشهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَستُ، ثُمَّ قالَ ذَلكَ الثّالِثَةَ، فَقُمتُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ما لَكَ يا أبا قَتادَةَ؟» فَقَصَصتُ عَلَيهِ القِصَّةَ، فَقالَ رَجُلٌ مِن القَومِ: صَدَقَ يا رَسُولَ اللهِ سَلَبُ ذَلكَ القَتِيلِ عِندِي، فَأَرضِهِ مِن حَقِّهِ. وقالَ أبُو بَكرٍ الصِّدِّيقُ: لا ها اللهِ إذًا، لا يَعمِدُ إلى أسَدٍ مِن أُسدِ اللهِ يُقاتِلُ عَن اللهِ وعَن رَسُولِهِ فَيُعطِيكَ سَلَبَهُ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «صَدَقَ، فَأَعطِهِ إيّاهُ». فَأَعطانِي، قالَ: فَبِعتُ الدِّرعَ، فابتَعتُ بِهِ مَخرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ، فَإنَّهُ لأوَّلُ مالٍ تَأَثَّلتُهُ فِي الإسلامِ. وفي رواية: فَقالَ أبُو بَكرٍ: كَلاَّ، لا يُعطِيهِ أُضَيبِعَ مِن قُرَيشٍ، ويَدعُ أسَدًا مِن أُسدِ اللهِ.
وفي رواية (خ): فَقامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَأَدّاهُ إلَيَّ.
- دليل على استعمال بذل المال في التنشيط على الخير؛ لأن هذا لا شك أنه ينشط المجاهد إذا كان يؤمل السلب.(ابن عثيمين)
- ويؤخذ منه: أن ما يبذل للأئمة والمؤذنين والمعلمين والدارسين من بيت المال جائز، ولا شبهة فيه.( ابن عثيمين)
- وفيه منقبة وفضيلة ظاهرة لأبي قتادة فإن أبا بكر سماه أسدا من أسد الله تعالى يقاتل عن الله ورسوله وصدقه النبي ﷺ بقوله "صدق" (موسى لا شين)
- وينبغي أن لا يحتقر أحد فقد يكون بعض من يستصغر عن القيام بأمر أكبر مما في النفوس وأحق بذلك الأمر كما جرى لهذين الغلامين. ( موسى لا شين)

١٦٣٣. (خ م) (١٧٥٢) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ﵁؛ أنَّهُ قالَ: بَينا أنا واقِفٌ فِي الصَّفِّ يَومَ بَدرٍ نَظَرتُ عَن يَمِينِي وشِمالِي، فَإذا أنا بَينَ غُلامَينِ مِن الأنصارِ، حَدِيثَةٍ أسنانُهُما، تَمَنَّيتُ لَو كُنتُ بَينَ أضلَعَ مِنهُما، فَغَمَزَنِي أحَدُهُما فَقالَ: يا عَمِّ؛ هَل تَعرِفُ أبا جَهلٍ؟ قالَ: قُلتُ: نَعَم، وما حاجَتُكَ إلَيهِ يا ابنَ أخِي؟ قالَ: أُخبِرتُ أنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، والَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَئِن رَأَيتُهُ لا يُفارِقُ سَوادِي سَوادَهُ حَتّى يَمُوتَ الأعجَلُ مِنّا. قالَ: فَتَعَجَّبتُ لِذَلكَ، فَغَمَزَنِي الآخَرُ فَقالَ مِثلَها، قالَ: فَلَم أنشَب أن نَظَرتُ إلى أبِي جَهلٍ يَزُولُ فِي النّاسِ، فَقُلتُ: ألا تَرَيانِ؟ هَذا صاحِبُكُما الَّذِي تَسأَلانِ عَنهُ. قالَ: فابتَدَراهُ، فَضَرَباهُ بِسَيفَيهِما حَتّى قَتَلاهُ، ثُمَّ انصَرَفا إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَأَخبَراهُ، فَقالَ: «أيُّكُما قَتَلَهُ؟» فَقالَ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما: أنا قَتَلتُ. فَقالَ: «هَل مَسَحتُما سَيفَيكُما؟» قالا: لا. فَنَظَرَ فِي السَّيفَينِ فَقالَ: «كِلاكُما قَتَلَهُ». وقَضى بِسَلَبِهِ لِمُعاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ، والرَّجُلانِ: مُعاذُ بنُ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ، ومُعاذُ بنُ عَفراءَ. زادَ (خ) في رِوايةٍ: فَكَأنِّي لَم آمَن بِمَكانِهِما، إذ قالَ لِي أحَدُهُما سِرًّا مِن صاحِبِهِ: يا عَمِّ؛ أرِنِي أبا جَهلٍ. فَقُلتُ: يا ابنَ أخِي، وما تَصنَعُ بِهِ؟ قالَ: عاهَدتُ اللهَ إن رَأَيتُهُ أن أقتُلَهُ أو أمُوتَ دُونَهُ. فَقالَ لِي الآخَرُ سِرًّا مِن صاحِبهِ مِثلَهُ ... وفِيها: فَشَدّا عَلَيهِ مِثلَ الصَّقْرَينِ حَتّى ضَرَباه، وهُما ابنا عَفْراءَ.
-بيان شجاعة هذين الغلامين، والتعبير ب( الغلامين) يدل على أنهما صغار لكن لا بد أن يكونا قد بلغا؛ لأنه لا يمكن أن يدخل في القتال إلا البالغ.( ابن عثيمين)
-أن الإنسان قد يحتقر الشيء، ولكنه يكون على خلاف ظنه، وعلى هذا؛ فلا يحكم على الشيء حتى يتبين أمر؛ فكم من مسألة قد يعرفها الأستاذ من تلميذ في المتوسط. ( ابن عثيمين)
- بلاغة الغلامين؛ فانظر كيف أقسم أنه لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا؛ يعني: حتى أقتله أو يقتلني. ( ابن عثيمين)
-بيان غيرة الغلامين؛ لأن الذي حملهما على قتله أنه كان يسب النبي ﷺ. وسب الرسول ﷺ لا شك أنه ردة، ومخرج عن الإسلام. ( ابن عثيمين)
-من فوائد هذا الحديث العمل بالقرنية. ووجه ذلك: أن النبي ﷺ طلب أن يحضر الغلامان سيفيهما. ( ابن عثيمين)
-فيه حسن خلق النبي ﷺ في تطيب القلوب مع الصدق. ( ابن عثيمين)

١٦٣٤. (م) (١٧٥٣) عَنْ عَوْفِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: قَتَلَ رَجُلٌ مِن حِميَرَ رَجُلًا مِنَ العَدُوِّ فَأَرادَ سَلَبَهُ، فَمَنَعَهُ خالِدُ بنُ الوَلِيدِ، وكانَ والِيًا عَلَيهِم، فَأَتى رَسُولَ اللهِ ﷺ عَوفُ بنُ مالِكٍ فَأَخبَرَهُ، فَقالَ لِخالِدٍ: «ما مَنَعَكَ أن تُعطِيَهُ سَلَبَهُ؟» قالَ: استَكثَرتُهُ يا رَسُولَ اللهِ. قالَ: «ادفَعهُ إلَيهِ». فَمَرَّ خالِدٌ بِعَوفٍ فَجَرَّ بِرِدائِهِ ثم قالَ: هَل أنجَزتُ لَكَ ما ذَكَرتُ لَكَ مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ؟ فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ فاستُغضِبَ، فَقالَ: «لا تُعطِهِ يا خالِدُ، لا تُعطِهِ يا خالِدُ، هَل أنتُم تارِكُونَ لِي أُمَرائِي؟ إنَّما مَثَلُكُم ومَثَلُهُم كَمَثَلِ رَجُلٍ استُرعِيَ إبِلًا أو غَنَمًا فَرَعاها، ثُمَّ تَحَيَّنَ سَقيَها فَأَورَدَها حَوضًا فَشَرَعَت فِيهِ، فَشَرِبَت صَفوَهُ وتَرَكَت كَدرَهُ، فَصَفوُهُ لَكُم وكَدرُهُ عَلَيهِم». وفي رواية: قالَ عَوفٌ: فَقُلتُ: يا خالِدُ؛ أما عَلِمتَ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَضى بِالسَّلَبِ لِلقاتِلِ؟ قالَ: بَلى، ولَكِنِّي استَكثَرتُهُ.
-أن الرعية يأخذون صفو الأمور، فتصلهم أعطياتهم بغير نكد، وتبتلى الولاة بمقاساة الأمور، وجمع الأموال على وجوهها، وصرفها في وجوهها، وحفظ الرعية والشفقة عليهم، والذب عنهم، وإنصاف بعضهم من بعض، ثم متى وقع علقة أو عتب في بعض ذلك توجه على الأمراء دون الناس.( النووي)
-دليل على أنه يجب على ولي الأمر أن يدافع عمن تحت يده من الأمراء والولاة.( ابن عثيمين)

باب: فِكاكُ الأَسِيرِ


١٦٣٥. (م) (١٧٥٥) عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ ﵁ قالَ: غَزَونا فَزارَةَ وعَلَينا أبُو بَكرٍ أمَّرَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلَينا، فَلَمّا كانَ بَينَنا وبَينَ الماءِ ساعَةٌ أمَرَنا أبُو بَكرٍ فَعَرَّسنا، ثُمَّ شَنَّ الغارَةَ فَوَرَدَ الماءَ فَقَتَلَ مَن قَتَلَ عَلَيهِ وسَبى، وأَنظُرُ إلى عُنُقٍ مِنَ النّاسِ فِيهِمُ الذَّرارِيُّ، فَخَشِيتُ أن يَسبِقُونِي إلى الجَبَل، فَرَمَيتُ بِسَهمٍ بَينهُم وبَينَ الجَبَلِ، فَلَمّا رَأَوُا السَّهمَ وقَفُوا، فَجِئتُ بِهِم أسُوقُهُم، وفِيهِمُ امرَأَةٌ مِن بَنِي فَزارَةَ عَلَيها قَشعٌ مِن أدَمٍ قالَ: القَشعُ النِّطَعُ مَعَها ابنَةٌ لَها مِن أحسَنِ العَرَبِ، فَسُقتُهُم حَتّى أتَيتُ بِهِم أبا بَكرٍ، فَنَفَّلَنِي أبُو بَكرٍ ابنَتَها، فَقَدِمنا المَدِينَةَ وما كَشَفتُ لَها ثَوبًا، فَلَقِيَني رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي السُّوقِ فَقالَ: «يا سَلَمَةُ؛ هَب لِيَ المَرأَةَ». فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ واللهِ لَقَد أعجَبَتنِي وما كَشَفتُ لَها ثَوبًا، ثُمَّ لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ مِنَ الغَدِ فِي السُّوقِ فَقالَ لِي: «يا سَلَمَةُ؛ هَب لِيَ المَرأَةَ للهِ أبُوكَ». فَقُلتُ: هِيَ لَكَ يا رَسُولَ اللهِ، فَواللهِ ما كَشَفتُ لَها ثَوبًا، فَبَعَثَ بِها رَسُولُ اللهِ ﷺ إلى أهلِ مَكَّةَ فَفَدى بِها ناسًا مِنَ المُسلِمِينَ كانُوا أُسِرُوا بِمَكَّةَ.
- فيه جواز المفاداة، وجواز فداء الرجال بالنساء الكافرات.( النووي)
-وفيه جواز التفريق بين الأم وولدها البالغ، ولا خلاف في جوازه عندنا.( النووي)
-وفيه جواز استيهاب الإمام أهل جيشه بعض ما غنموه ليفادي به مسلما، أو يصرفه في مصالح المسلمين، أو يتألف به من في تألفه مصلحة، كما فعل ﷺ هنا، وفي غنائم حنين.( النووي)
- وفيه جواز قول الإنسان للآخر: لله أبوك ولله درك.(النووي)
-دليل على جواز السؤال إذا كان لمصلحة المسلمين، حتى من أشراف القوم.(ابن عثيمين)

١٦٣٦. (خ) (٣٠٤٦) عَنْ أبِي مُوسى ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «فُكُّوا العانِيَ يَعنِي الأَسِيرَ، وأَطعِمُوا الجائِعَ، وعُودُوا المَرِيضَ».
-فكاك الأسير واجب على الكفاية.( ابن بطال)

باب: قَتْلُ الجاسُوسِ


١٦٣٧. (خ م) (١٧٥٤) عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ ﵁ قالَ: غَزَونا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ هَوازِنَ، فَبَينا نَحنُ نَتَضَحّى مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، إذ جاءَ رَجُلٌ عَلى جَمَلٍ أحمَرَ فَأَناخَهُ، ثُمَّ انتَزَعَ طَلَقًا مِن حَقَبِهِ فَقَيَّدَ بِهِ الجَمَلَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ يَتَغَدّى مَعَ القَومِ، وجَعَلَ يَنظُرُ، وفِينا ضَعفَةٌ ورِقَّةٌ فِي الظَّهرِ، وبَعضُنا مُشاةٌ، إذ خَرَجَ يَشتَدُّ، فَأَتى جَمَلَهُ فَأَطلَقَ قَيدَهُ، ثُمَّ أناخَهُ وقَعَدَ عَلَيهِ، فَأَثارَهُ فاشتَدَّ بِهِ الجَمَلُ، فاتَّبَعَهُ رَجُلٌ عَلى ناقَةٍ ورقاءَ، قالَ سَلَمَةُ: وخَرَجتُ أشتَدُّ، فَكُنتُ عِنْدَ ورِكِ النّاقَةِ، ثُمَّ تَقَدَّمتُ حَتّى كُنتُ عِنْدَ ورِكِ الجَمَلِ، ثُمَّ تَقَدَّمتُ حَتّى أخَذتُ بِخِطامِ الجَمَلِ، فَأَنَختُهُ، فَلَمّا وضَعَ رُكبَتَهُ فِي الأرضِ اختَرَطتُ سَيفِي، فَضَرَبتُ رَأسَ الرَّجُلِ فَنَدَرَ، ثُمَّ جِئتُ بِالجَمَلِ أقُودُهُ عَلَيهِ رَحلُهُ وسِلاحُهُ، فاستَقبَلَنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ والنّاسُ مَعَهُ، فَقالَ: «مَن قَتَلَ الرَّجُلَ؟» قالُوا: ابنُ الأَكوَعِ. قالَ: «لَهُ سَلَبُهُ أجمَعُ». رَواهُ (خ) عَنهُ مُختَصَرًا.
-شجاعة عظيمة من الصحابة رضي الله عنهم فابن الأكوع جعل يعدو، حتى لحق بالناقة، ثم لحق بالجمل، وأتاه من الإمام، إلى آخر ذلك، فسبحان الله العظيم!والله المستعان.( ابن عثيمين)

باب: لا يُسْتَعانُ بِالـمُشْرِكِينَ فِـي قِتالِ العَدُوِّ


١٦٣٨. (م) (١٨١٧) عَنْ عائِشَةَ ﵂ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ قالَت: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ قِبَلَ بَدرٍ، فَلَمّا كانَ بِحَرَّةِ الوَبَرَةِ أدرَكَهُ رَجُلٌ قَد كانَ يُذكَرُ مِنهُ جُرأَةٌ ونَجدَةٌ، فَفَرِحَ أصحابُ رَسُولِ اللهِ ﷺ حِينَ رَأَوهُ، فَلَمّا أدرَكَهُ قالَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ: جِئتُ لأَتَّبِعَكَ وأُصِيبَ مَعَكَ. قالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «تُؤمِنُ بِاللهِ ورَسُولِهِ؟» قالَ: لا. قالَ: «فارجِع فَلَن أستَعِينَ بِمُشرِكٍ». قالَت: ثُمَّ مَضى حَتّى إذا كُنّا بِالشَّجَرَةِ أدرَكَهُ الرَّجُلُ، فَقالَ لَهُ كَما قالَ أوَّلَ مَرَّةٍ، فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ كَما قالَ أوَّلَ مَرَّةٍ، قالَ: «فارجِع فَلَن أستَعِينَ بِمُشرِكٍ». قالَ: ثُمَّ رَجَعَ، فَأَدرَكَهُ بِالبَيداءِ فَقالَ لَهُ كَما قالَ أوَّلَ مَرَّةٍ: «تُؤمِنُ بِاللهِ ورَسُولِهِ؟» قالَ: نَعَم. فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «فانطَلِق».
-إن كان الكافر حسن الرأي في المسلمين، ودعت الحاجة إلى الاستعانة به أستعين به، وإلا فيكره.( النووي)
-وإذا حضر الكافر بالإذن رضخ له، ولا يسهم له.( النووي)
-استعانة بالمشرك نوعان:
-استعانة بالقتل، واستعانة بالأموال والسلاح، أما الأول فلا يجوز أن يستعين الإنسان بمشرك إلا بشرطين: الشرط الأول عند الضرورة. والشرط الثاني: الأمن منه. (ابن عثيمين)
-استعانة بالمال والسلاح أهون من الاستعانة بالقتال وأقل خطرا.(ابن عثيمين)

باب: الاسْتِشارَةُ فـي الـمَغازِي


١٦٣٩. (خ) (٣١٥٩) عَنْ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ قالَ: بَعَثَ عُمَرُ النّاسَ فِي أفناءِ الأمصارِ يُقاتِلُونَ المُشرِكِينَ، فَأَسلَمَ الهُرمُزانُ، فَقالَ: إنِّي مُستَشِيرُكَ فِي مَغازِيَّ هَذِهِ. قالَ: نَعَم؛ مَثَلُها ومَثَلُ مَن فِيها مِن النّاسِ مِن عَدُوِّ المُسلِمِينَ مَثَلُ طائِرٍ لَهُ رَأسٌ، ولَهُ جَناحانِ، ولَهُ رِجلانِ، فَإن كُسِرَ أحَدُ الجَناحَينِ نَهَضَت الرِّجلانِ بِجَناحٍ والرَّأسُ، فَإن كُسِرَ الجَناحُ الآخَرُ نَهَضَت الرِّجلانِ والرَّأسُ، وإن شُدِخَ الرَّأسُ ذَهَبَت الرِّجلانِ والجَناحانِ والرَّأسُ، فالرَّأسُ كِسرى، والجَناحُ قَيصَرُ، والجَناح الآخَرُ فارِسُ، فَمُر المُسلِمِينَ فَليَنفِرُوا إلى كِسرى، قالَ جُبَيرُ بنُ حَيَّةَ: فَنَدَبَنا عُمَرُ، واستَعمَلَ عَلَينا النُّعْمانَ بنَ مُقَرِّنٍ، حَتّى إذا كُنّا بِأَرضِ العَدُوِّ، وخَرَجَ عَلَينا عامِلُ كِسرى فِي أربَعِينَ ألفًا، فَقامَ تَرجُمانٌ فَقالَ: لِيُكَلِّمني رَجُلٌ مِنكُم. فَقالَ المُغِيرَةُ: سَل عَمّا شِئتَ. قالَ: ما أنتُم؟ قالَ: نَحنُ أُناسٌ مِن العَرَبِ، كُنّا فِي شَقاءٍ شَدِيدٍ وبَلاءٍ شَدِيدٍ، نَمَصُّ الجِلدَ والنَّوى مِن الجُوعِ، ونَلبَسُ الوَبَرَ والشَّعَرَ، ونَعبُدُ الشَّجَرَ والحَجَرَ، فَبَينا نَحنُ كَذَلكَ إذ بَعَثَ رَبُّ السَّمَواتِ ورَبُّ الأرَضِينَ تَعالى ذِكرُهُ وجَلَّت عَظَمَتُهُ إلَينا نَبِيًّا مِن أنفُسِنا، نَعرِفُ أباهُ وأُمَّهُ، فَأَمَرَنا نَبِيُّنا رَسُولُ رَبِّنا ﷺ أن نُقاتِلَكُم حَتّى تَعبُدُوا اللهَ وحدَهُ أو تُؤَدُّوا الجِزيَةَ، وأَخبَرَنا نَبِيُّنا ﷺ عَن رِسالَةِ رَبِّنا؛ أنَّهُ مَن قُتِلَ مِنّا صارَ إلى الجَنَّةِ فِي نَعِيمٍ لَم يَرَ مِثلَها قَطُّ، ومَن بَقِيَ مِنّا مَلَكَ رِقابَكُم. فَقالَ النُّعْمانُ: رُبَّما أشهَدَكَ اللهُ مِثلَها مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَلَم يُنَدِّمكَ ولَم يُخزِكَ، ولَكِنِّي شَهِدتُ القِتالَ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، كانَ إذا لَم يُقاتِل فِي أوَّلِ النَّهارِ انتَظَرَ حَتّى تَهُبَّ الأرواحُ وتَحضُرَ الصَّلَواتُ.
-قوله" إني أستشيرك في مغازي" وهذا يشعر بأن المراد أنه استشاره في جهات مخصوصة، والهرمزان كان من أهل تلك البلاد وكان أعلم بأحوالها من غيره.( ابن حجر)
-منقبة النعمان ومعرفة المغيرة بن شعبة بالحرب وقوة نفسه وشهامته وفصاحته وبلاغته واشتمال كلامه على بيان أحوالهم الدينية والدنيوية.( ابن حجر)
-بيان معجزات الرسول ﷺ وأخباره عن المغيبات ووقوعها كما أخبر.( ابن حجر)
-وفيه: فضل المشورة وأن الكبير لا نقص عليه في مشاورة من هو دونه، وأن المفضول قد يكون أميرا على الأفضل.( ابن حجر)
- وفيه: ضرب المثل وجودة تصور الهرمزان.( ابن حجر)
-وفيه: الإرسال إلى الإمام بالبشارة. وفيه: فضل القتال بعد زوال الشمس على ما قبله.( ابن حجر)

باب: فِـي أرْضِ الصُّلْحِ والعَنْوَةِ


١٦٤٠. (م) (١٧٥٦) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أيُّما قَريَةٍ أتَيتُمُوها وأَقَمتُم فِيها فَسَهمُكُم فِيها، وأَيُّما قَريَةٍ عَصَتِ اللهَ ورَسُولَهُ فَإنَّ خُمُسَها للهِ ولِرَسُولِهِ، ثُمَّ هِيَ لَكُم».
- فيه دليل على أن أرض العنوة حُكمها حُكم سائر الأموال التي تُغْنَم، وأن خمسها لأهل الخمس، وأربعة أخماسها للغانمين.(الخطابي)
- الشاهد: أن الفيء يكون لمصالح المسلمين، أما الغنيمة، فإنها تقسم، وتكون على خمسة أسهم، ثم إن أحد هذه الأسهم يقسم أيضا على خمسة أسهم يكون فيئا لله ولرسوله، والأربعة أخماس تكون لمن ذكرهم الله: ذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل.( ابن عثيمين)

١٦٤١. (خ) (٤٢٣٥) عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ ﵁ يَقُولُ: أما والَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ؛ لَولا أن أترُكَ آخِرَ النّاسِ بَبّانًا لَيسَ لَهُم شَيءٌ ما فُتِحَت عَلَيَّ قَريَةٌ إلا قَسَمتُها، كَما قَسَمَ النَّبِيُّ ﷺ خَيبَرَ، ولَكِنِّي أترُكُها خِزانَةً لَهُم يَقتَسِمُونها.
-قوله" لولا أن أترك اَخر الناس ببانا" الببان في المعدم الذي لا شيء له، فالمعنى لولا أن أتركهم فقراء معدمين لا شيء لهم أي متساوين في الفقر. ( الطبري)
-وغرضه أني لا أقسمها على الغانمين كما قسم رسول الله، ﷺ نظرا إلى المصلحة العامة للمسلمين، وذلك كان بعد استرضائه لهم، كما فعل عمر بن الخطاب بأرض العراق.( العيني)

باب: فِـي الجِزْيَةِ والعَهْدِ


١٦٤٢. (خ) (٣١٥٦) عَنْ بَجالَةَ [ابْنِ عَبْدَةَ المَكِّيِّ] قالَ: كُنتُ كاتِبًا لِجَزءِ بْنِ مُعاوِيَةَ عَمِّ الأحنَفِ، فَأَتانا كِتابُ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ ﵁ قَبلَ مَوتِهِ بِسَنَةٍ: فَرِّقُوا بَينَ كُلِّ ذِي مَحرَمٍ مِن المَجُوسِ. ولَم يَكُن عُمَرُ أخَذَ الجِزيَةَ مِن المَجُوسِ حَتّى شَهِدَ عَبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوفٍ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ أخَذَها مِن مَجُوسِ هَجَرَ.
- وفي الحديث قبول خبر الواحد.( ابن حجر)
- أن الصحابي الجليل قد يغيب عنه علم ما اطلع عليه غيره من أقوال النبي ﷺ وأحكامه، وأنه لا نقص عليه في ذلك.( ابن حجر)
- وفيه التمسك بالمفهوم لأن عمر فهم من قوله" أهل الكتاب " اختصاصهم بذلك حتى حدثه عبدالرحمن بن عوف بإلحاق المجوس بهم فرجع إليه.( ابن حجر)

١٦٤٣. (خ) (٣١٦٢) عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ قُدامَةَ التَّمِيمِيِّ قالَ: سَمِعتُ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ ﵁؛ قُلنا: أوصِنا يا أمِيرَ المُؤمِنِينَ، قالَ: أُوصِيكُم بِذِمَّةِ اللهِ، فَإنَّهُ ذِمَّةُ نَبِيِّكُم ورِزقُ عِيالِكُم.
- الحض على الوفاء بالعهد.( ابن حجر)
- وحسن النظر في عواقب الأمور.( ابن حجر)
- والإصلاح لمعاني المال وأصول الاكتساب.( ابن حجر)

١٦٤٤. (خ) (٣١٦٦) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ﵄؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «مَن قَتَلَ مُعاهَدًا لَم يَرِح رائِحَةَ الجَنَّةِ، وإنَّ رِيحَها تُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ أربَعِينَ عامًا».
-أما الأربعون فهي أقصى أشد العمر في قول الأكثرين، فإذا بلغها ابن آدم زاد عمله ويقينه واستحكمت بصيرته في الخشوع لله تعالى على الطاعة والندم على ما سلف.(ابن بطال)
-أنه يُفهم منه مدح من وفى بالعهد، كما جاء صريحًا في قوله عز وجل: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} [البقرة: 177].( محمد بن علي الاتيوبي)
-بيان ما عليه الشريعة السمحة من العدالة، ومراعاة حقوق العباد، ولو كانوا غير مسلمين، فإنّ غَدْر الكافر المعاهد، أو الذمّيّ مثل غدر المسلم في التحريم.( محمد بن علي الإتيوبي)

باب: فِيما يُصْرَفُ الفَيْءُ إذا لَمْ يُوجَبْ عَلَيْهِ بِقِتالٍ؟


١٦٤٥. (خ م) (١٧٥٧) عَنْ مالِكِ بْنِ أوْسٍ قالَ: أرسَلَ إلَيَّ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ، فَجِئتُهُ حِينَ تَعالى النَّهارُ، قالَ: فَوَجَدتُه فِي بَيتِهِ جالِسًا عَلى سَرِيرٍ مُفضِيًا إلى رِمالِهِ، مُتَّكِئًا عَلى وِسادَةٍ مِن أدَمٍ، فَقالَ لِي: يا مالُ؛ إنَّهُ قَد دَفَّ أهلُ أبياتٍ مِن قَومِكَ، وقَد أمَرتُ فِيهِم بِرَضخٍ، فَخُذهُ فاقسِمهُ بَينَهُم، قالَ: قُلتُ: لَو أمَرتَ بِهَذا غَيرِي، قالَ: خُذهُ يا مالُ، قالَ: فَجاءَ يَرفا، فَقالَ: هَل لَكَ يا أمِيرَ المُؤمِنِينَ فِي عُثْمانَ وعَبدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوفٍ والزُّبَيرِ وسَعدٍ؟ فَقالَ عُمَرُ: نَعَم. فَأَذِنَ لَهُم فَدَخَلُوا، ثُمَّ جاءَ فَقالَ: هَل لَكَ فِي عَبّاسٍ وعَلِيٍّ؟ قالَ: نَعَم، فَأَذِنَ لَهُما، فَقالَ عَبّاسٌ: يا أمِيرَ المُؤمِنِينَ؛ اقضِ بَينِي وبَينَ هَذا (الكاذِبِ الآثِمِ الغادِرِ الخائِن). فَقالَ القَومُ: أجَل يا أمِيرَ المُؤمِنِينَ فاقضِ بَينَهُم وأَرِحهُم. (فَقالَ مالِكُ بنُ أوسٍ: يُخَيَّلُ إلَيَّ أنَّهُم قَد كانُوا قَدَّمُوهُم لِذَلكَ)، فَقالَ عُمَرُ: اتَّئِدا، أنشُدُكُم باللهِ الَّذِي بِإذنِهِ تَقُومُ السَّماءُ والأرضُ؛ أتَعلَمُونَ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «لا نُورَثُ، ما تَرَكنا صَدَقَةٌ»؟ قالُوا: نَعَم. ثُمَّ أقبَلَ عَلى العَبّاسِ وعَلِيٍّ فَقالَ: أنشُدُكُما باللهِ الَّذِي بِإذنِهِ تَقُومُ السَّماءُ والأرضُ؛ أتَعلَمانِ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «لا نُورَثُ، ما تَرَكناهُ صَدَقَةٌ»؟ قالا: نَعَم. فَقالَ عُمَرُ: إنَّ اللهَ جَلَّ وعَزَّ كانَ خَصَّ رَسُولَهُ ﷺ بِخاصَّةٍ لَم يُخَصِّص بِها أحَدًا غَيرَهُ، قالَ: ﴿مّا أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِن أهْلِ القُرى فَلِلَّهِ ولِلرَّسُولِ﴾ [الحشر: ٧]، (ما أدرِي هَل قَرَأَ الآيَةَ الَّتِي قَبلَها أم لا؟) قالَ: فَقَسَمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بَينَكُم أموالَ بَنِي النَّضِيرِ، فَوالله ما استَأثَرَ عَلَيكُم ولا أخَذَها دُونَكُم، حَتّى بَقِيَ هَذا المالُ، فَكانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَأخُذُ مِنهُ نَفَقَةَ سَنَةٍ، ثُمَّ يَجعَلُ ما بَقِيَ أُسوَةَ المالِ. ثُمَّ قالَ: أنشُدُكُم باللهِ الَّذِي بِإذنِهِ تَقُومُ السَّماءُ والأرضُ؛ أتَعلَمُونَ ذَلكَ؟ قالُوا: نَعَم. ثُمَّ نَشَدَ عَبّاسًا وعَلِيًّا بِمِثلِ ما نَشَدَ بِهِ القَومَ؛ أتَعلَمانِ ذَلكَ؟ قالا: نَعَم. قالَ: فَلَمّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ ﷺ قالَ أبُو بَكرٍ: أنا ولِيُّ رَسُولِ اللهِ ﷺ. فَجِئتُما، تَطلُبُ مِيراثَكَ مِن ابْنِ أخِيكَ، ويَطلُبُ هَذا مِيراثَ امرَأَتِهِ مِن أبِيها، فَقالَ أبُو بَكرٍ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ما نُورَثُ، ما تَرَكناهُ صَدَقَةٌ». (فَرَأَيتُماهُ كاذِبًا آثِمًا غادِرًا خائِنًا)، واللهُ يَعلَمُ إنَّهُ لَصادِقٌ بارٌّ راشِدٌ تابِعٌ لِلحَقِّ، ثُمَّ تُوُفِّيَ أبُو بَكرٍ وأَنا ولِيُّ رَسُولِ اللهِ ﷺ ووَلِيُّ أبِي بَكرٍ، (فَرَأَيتُمانِي كاذِبًا آثِمًا غادِرًا خائِنًا)، واللهُ يَعلَمُ إنِّي لَصادِقٌ بارٌّ راشِدٌ تابِعٌ لِلحَقِّ، فَوَلِيتُها، ثُمَّ جِئتَنِي أنتَ وهَذا وأَنتُما جَمِيعٌ وأَمرُكُما واحِدٌ فَقُلتُما: ادفَعها إلَينا. فَقُلتُ: إن شِئتُم دَفَعتُها إلَيكُما، عَلى أنَّ عَلَيكُما عَهدَ اللهِ أن تَعمَلا فِيها بِالَّذِي كانَ يَعمَلُ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَأَخَذتُماها بِذَلكَ، قالَ: أكَذَلكَ؟ قالا: نَعَم. قالَ: ثُمَّ جِئتُمانِي لأقضِيَ بَينَكُما، ولا واللهِ لا أقضِي بَينَكُما بِغَيرِ ذَلكَ حَتّى تَقُومَ السّاعَةُ، فَإن عَجَزتُما عَنها فَرُدّاها إلَيَّ. لَفظُ (خ): اقضِ بَينِي وبَينَ الظّالِمِ. اسْتَبّا ... وفِيهِ: وأَنتُم حِينَئِذٍ - وأَقبَلَ عَلى عَلِيٍّ وعَبّاسٍ - تَزعُمانِ أنَّ أبا بَكرٍ كَذا.
زادَ (خ) فِي رِوايَةٍ: وهُما يَختَصِمانِ فِيما أفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِن مالِ بَنِي النَّضِيرِ.
وفي رواية -مِن طِريقِ مَعمَرٍ-: يَحْبِسُ قَوْتَ أهلِهِ مِنهُ سَنَةً، ثُمَّ يَجعَلُ ما بَقِيَ مِنهُ مَجْعَلَ مالِ اللهِ. زادَ (خ): كانَ يَبِيعُ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ ويَحْبِسُ لِأَهلِهِ قُوتَ ... ذَكَرَ نَحْوَهُ.
وفي رواية (خ): فَقَبَضَها أبُو بَكرٍ فَعَمِلَ فِيها بِما عَمِلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ... وفِيها: فَقَبَضتُها سَنَتَينِ مِن إمارَتِي أعمَلُ فِيها بِما عَمِلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وما عَمِلَ فِيها أبُو بَكرٍ، واللهُ يَعلَمُ إني فِيها لَصادِقٌ ... وفِيها: ثُمَّ جِئتُمانِي تُكَلِّماني وكَلِمَتُكُما واحِدَةٌ ... وفِيها: فَلَمّا بَدا لِي أن أدفَعَهُ إلَيكُما قُلتُ: إن شِئتُما ... وفِيها: فَتَلْتَمِسانِ مِنِّي قَضاءً غَيرَ ذَلكَ؟ فَواللهِ الَّذِي بِإذنِهِ تَقُومُ السَّماءُ والأَرضُ لا أقضِي ... وفِيها: فَإن عَجَزْتُما عَنها فادفَعاها إليَّ فَإني أكفَيكُماها.
- فيه: أن عليا والعباس اختصما في ما أفاء الله على رسوله من مال بني النضير ولم يتنازعا في الخمس، وإنما تنازعا فيما كان خاصا للنبي ﷺ وهو الفيء، فتركه صدقة بعد وفاته.( العيني)
- أنه يجب أن يولي أمر كل قبيلة سيدها لأنه أعرف باستحقاق كل رجل منهم لعلمه بهم. وفيه: الترخيم له، ولا عار على المنادى بذلك ولا نقيصة.( العيني)
- استعفاؤه مما يوليه الإمام بألين الكلام لقول مالك لعمر رضي الله تعالى عنه حين أمره بقسمة المال بين قومه: لو أمرت به غيري.( العيني)
- وفيه: الحجابة للإمام وأن لا يصل إليه شريف ولا غيره إلا بإذنه.( العيني)
- وفيه: الجلوس بين يدي السلطان بغير إذنه.( العيني)
- وفيه: الشفاعة عند الإمام في إنفاذ الحكم إذا تفاقمت الأمور وخشي الفساد بين المتخاصمين، لقول عثمان، رضي الله تعالى عنه: اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر.( العيني)
وفيه: أنه لا بأس أن يمدح الرجل نفسه ويطريها إذا قال الحق.( العيني)
وفيه: جواز ادخار الرجل لنفسه وأهله قوت سنة.( العيني)
- وفيه: إباحة اتخاذ العقار التي يبتغي بها الفضل والمعاش.( العيني)
وفيه: أن الصديق رضي الله تعالى عنه قضى على العباس وفاطمة، رضي الله تعالى عنهما، بحديث: (لا نورث) ولم يحاكمهما في ذلك إلى أحد غيره، فكذلك الواجب أن يكون للحكام والأئمة الحكم بعلومهم، لأنفسهم كان ذلك أو لغيرهم، بعد أن يكون ما حكموا فيه بعلومهم مما يعلم صحة أمره رعيتهم.( العيني)
- وفيه: قبول خبر الواحد، فإن أبا بكر، رضي الله تعالى عنه، لم يستشهد بأحد كما استشهد عمر، بل أخبر بذلك عنه ﷺ فقبل ذلك منه.( العيني)
وفيه: أنه لا ينكر أن يخفى على الفقيه والعالم بعض الأمور مما علمه غيره، كما خفي على فاطمة التخصيص في ذلك.( العيني)

١٦٤٦. (خ م) (١٧٥٧) عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ ﵁ قالَ: كانَت أموالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمّا أفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ، مِمّا لَم يُوجِف عَلَيهِ المُسلِمُونَ بِخَيلٍ ولا رِكابٍ، فَكانَت لِلنَّبيِّ ﷺ خاصَّةً، فَكانَ يُنفِقُ عَلى أهلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ، وما بَقِي يَجعَلُهُ فِي الكُراعِ والسِّلاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللهِ.
-في هذا الحديث جواز ادخار قوت سنة، وجواز الادخار للعيال، وأن هذا لا يقدح في التوكل، وأجمع العلماء على جواز الادخار فيما يستغله الإنسان من قريته.( النووي)
-وقد اتفق المسلمون على أن الكافر إذا أسلم وبيده مال غير متعين للمسلمين كان له، لا ينتزعه أحد منه بوجه من الوجوه.( محمد بن علي الإتيوبي)

١٦٤٧. (خ) (٤٢٢٩) عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ﵁ قالَ: مَشَيتُ أنا وعُثمانُ بنُ عَفّانَ إلى النَّبِيِّ ﷺ، فَقُلنا: أعطَيتَ بَنِي المُطَّلِبِ مِن خُمسِ خَيبَرَ وتَرَكتَنا، ونَحنُ بِمَنزِلَة واحِدَةٍ مِنكَ، فَقالَ: «إنَّما بَنُو هاشِمٍ وبَنُو المُطَّلِبِ شَيءٌ واحِدٌ». قالَ جُبَيرٌ: ولَم يَقسِم النَّبِيُّ ﷺ لِبَنِي عَبْدِ شَمسٍ وبَنِي نَوفَلٍ شَيئًا.
-وهذا دليل على الاختلاط والامتزاج كالشيء الواحد، لا على التمثيل والتنظير.(العيني)

باب: لا نُورَثُ، ما تَرَكْنا فَهُوَ صَدَقَةٌ


١٦٤٨. (خ م) (١٧٥٨) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: إنَّ أزواجَ النَّبِيِّ ﷺ حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أرَدنَ أن يَبعَثنَ عُثْمانَ بنَ عَفّانَ إلى أبِي بَكرٍ فَيَسأَلنَهُ مِيراثَهُنَّ مِن النَّبِيِّ ﷺ، قالَت عائِشَةُ لَهُنَّ: ألَيسَ قَد قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لا نُورَثُ، ما تَرَكنا فَهُوَ صَدَقَةٌ».
-في هذا الحديث دليل على فضل عائشة رضي الله عنها وورعها وعلمها، فكان عندها من العلم ما ليس عند زوجات النبي ﷺ ؛ ولهذا ذكرت لهن هذا الحديث؛ من أجل أن يمتنعن عن المطالبة بالميراث.
-وهذا – لا شك – من حكمة الله عز وجل: أن الأنبياء لا يورثون؛ ولأنهم إذا ورثوا، وصار هناك شيء كثير من الغنائم، لاتهمهم الناس وقالوا: إنما هؤلاء يجمعون لأنفسهم وذريتهم وورثتهم، فصارت الحكمة: أن لا يورث الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام -؛ يعني: لا يورثون المال، ولكنهم يورثون العلم. (ابن عثيمين)

١٦٤٩. (خ م) (١٧٥٩) عَنْ عائِشَةَ ﵁؛ أنَّ فاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ ﷺ أرسَلَت إلى أبِي بَكرٍ الصِّدِّيقِ تَسأَلُهُ مِيراثَها مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ مِمّا أفاءَ اللهُ عَلَيهِ بِالمَدِينَةِ وفَدَكٍ وما بَقِيَ مِن خُمسِ خَيبَرَ، فَقالَ أبُو بَكرٍ: إنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «لا نُورَثُ، ما تَرَكنا صَدَقَةٌ، إنَّما يَأكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ ﷺ فِي هَذا المالِ». وإنِّي واللهِ لا أُغَيِّرُ شَيئًا مِن صَدَقَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ عَن حالِها الَّتِي كانَت عَلَيها فِي عَهدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، ولَأَعمَلَنَّ فِيها بِما عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ. فَأَبى أبُو بَكرٍ أن يَدفَعَ إلى فاطِمَةَ شَيئًا، فَوَجَدَت فاطِمَةُ عَلى أبِي بَكرٍ فِي ذَلكَ، قالَ: فَهَجَرَتهُ فَلَم تُكَلِّمهُ حَتّى تُوُفِّيَت، وعاشَت بَعدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ سِتَّةَ أشهُرٍ، فَلَمّا تُوُفِّيَت دَفَنَها زَوجُها عَلِيُّ بنُ أبِي طالِبٍ لَيلًا، ولَم يُؤذِن بِها أبا بَكرٍ، وصَلّى عَلَيها عَلِيٌّ، وكانَ لِعَلِيٍّ مِن النّاسِ وِجهَةٌ حَياةَ فاطِمَةَ، فَلَمّا تُوُفِّيَت استَنكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النّاسِ، فالتَمَسَ مُصالَحَةَ أبِي بَكرٍ ومُبايَعَتَهُ، ولَم يَكُن بايَعَ تِلكَ الأشهُرَ، فَأَرسَلَ إلى أبِي بَكرٍ: أن ائتِنا ولا يَأتِنا مَعَكَ أحَدٌ، كَراهِيَةَ مَحضَرِ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ، فَقالَ عُمَرُ لأبِي بَكرٍ: واللهِ لا تَدخُل عَلَيهِم وحدَكَ. فَقالَ أبُو بَكرٍ: وما عَساهُم أن يَفعَلُوا بِي؟ إنِّي واللهِ لآتِيَنَّهُم. فَدَخَلَ عَلَيهِم أبُو بَكرٍ، فَتَشَهَّدَ عَلِيُّ بنُ أبِي طالِبٍ ثُمَّ قالَ: إنّا قَد عَرَفنا يا أبا بَكرٍ فَضِيلَتَكَ وما أعطاكَ اللهُ، ولَم نَنفَس عَلَيكَ خَيرًا ساقَهُ اللهُ إلَيكَ، ولَكِنَّكَ استَبدَدتَ عَلَينا بِالأمرِ، وكُنّا نَحنُ نَرى لَنا حَقًّا لِقَرابَتِنا مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ. فَلَم يَزَل يُكَلِّمُ أبا بَكرٍ حَتّى فاضَت عَينا أبِي بَكرٍ، فَلَمّا تَكَلَّمَ أبُو بَكرٍ قالَ: والَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَقَرابَةُ رَسُولِ اللهِ ﷺ أحَبُّ إلَيَّ أن أصِلَ مِن قَرابَتِي، وأَمّا الَّذِي شَجَرَ بَينِي وبَينَكُم مِن هَذِهِ الأموالِ فَإنِّي لَم آلُ فِيها عَنِ الحَقِّ، ولَم أترُك أمرًا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَصنَعُهُ فِيها إلا صَنَعتُهُ. فَقالَ عَلِيٌّ لأبِي بَكرٍ: مَوعِدُكَ العَشِيَّةُ لِلبَيعَةِ. فَلَمّا صَلّى أبُو بَكرٍ صَلاةَ الظُّهرِ رَقِيَ عَلى المِنبَرِ فَتَشَهّدَ، وذَكَرَ شَأنَ عَلِيٍّ وتَخَلُّفَهُ عَنِ البَيعَةِ وعُذرَهُ بِالَّذِي اعتَذَرَ إلَيهِ، ثُمَّ استَغفَرَ وتَشَهَّدَ عَلِيُّ بنُ أبِي طالِبٍ، فَعَظَّمَ حَقَّ أبِي بَكرٍ، وأَنَّهُ لَم يَحمِلهُ عَلى الَّذِي صَنَعَ نَفاسَةً عَلى أبِي بَكرٍ، ولا إنكارًا لِلَّذِي فَضَّلَهُ اللهُ بِهِ، ولَكِنّا كُنّا نَرى لَنا فِي الأمرِ نَصِيبًا فاستُبِدَّ عَلَينا بِهِ، فَوَجَدنا فِي أنفُسِنا، فَسُرَّ بِذَلكَ المُسلِمُونَ، وقالُوا: أصَبتَ. فَكانَ المُسلِمُونَ إلى عَلِيٍّ قَرِيبًا حِينَ راجَعَ الأمرَ المَعرُوفَ. وفِي نُسخَةِ (خ): بِالمَعرُوفِ. وفي رواية (خ): «إنَّما يَأكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِن هَذا المالِ يَعنِي مالَ اللَّهِ لَيسَ لَهُم أن يَزِيدُوا عَلى المَأكَلِ». وفي رواية: أنَّ فاطِمَةَ والعَبّاسَ أتَيا أبا بَكرٍ يَلْتَمِسانِ مِيراثَهُما مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ.
وفي رواية: ... نَصِيبَها مِمّا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِن خَيبَر وفَدَكٍ وصَدَقَتَهُ بِالمَدِينَةِ، فَأَبى أبُو بَكرٍ عَلَيها ذَلكَ، وقالَ: لَستُ تارِكًا شَيئًا كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَعمَلُ بِهِ إلا عَمِلتُ بِهِ، إني أخشى إن تَرَكتُ شَيئًا مِن أمرِهِ أن أزِيغَ. فَأَمّا صَدَقَتُهُ بِالمَدِينَةِ فَدَفَعَها عُمَرُ إلى عَلِيٍّ وعَبّاسٍ، فَغَلَبَهُ عَلَيها عَلِيٌّ، وأَمّا خَيبَرُ وفَدَكُ فَأَمْسَكَهُما عُمَرُ، وقالَ: هُما صَدقَةُ رَسُولِ اللهِ ﷺ، كانَتا لِحُقُوقِهِ الَّتِي تَعْرُوهُ ونَوائِبِهِ، وأَمرُهُما إلى مَن وليَ الأَمرَ، قالَ [الزُّهرِيُّ]: فَهُما عَلى ذَلكَ إلى اليَومِ.
١٦٥٠. (خ م) (١٧٦٠) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «لا يَقتَسِمُ ورَثَتِي دِينارًا، ما تَرَكتُ بَعدَ نَفَقَةِ نِسائِي ومَؤُونَةِ عامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ».

باب: سَهْمُ الفارِسِ والرّاجِلِ


١٦٥١. (خ م) (١٧٦٢) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ﵄؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَسَمَ لِلفَرَسِ سَهمَينِ، ولِلرَّجُلِ سَهمًا. لَفظُ (خ): ولِلرّاجِلِ سَهمًا. وفي رواية (خ): يَومَ خَيبَرَ.
-هذه عند قسمة الغنيمة؛ فيجعل للراجل سهما واحدا، وللفارس سهمين.
والفرق واضح؛ لأن الفارس يدرك من العدو ما لا يدركه الراجل؛ ولأن الفارس إذا قُدّر أن المصلحة تقتضي أن يكر ويفر، حصلت به مصلحة عظيمة، بخلاف الراجل. (ابن عثيمين)
-قال المهلب: وفى قسمته (ﷺ) للفرس سهمين حض على اكتساب الخيل واتخاذها؛ لما جعل الله فيها من البركة في اعتلاء كلمته وإعزاز حزبه ولتعظم شوكة المسلمين بالخيل الكثيرة، والله أعلم.(ابن بطال)

باب: فِـي تَرْكِ الأُسارى والـمَنِّ عَلَيْهِمْ


١٦٥٢. (خ م) (١٧٦٤) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ ﷺ خَيلًا قِبَلَ نَجدٍ، فَجاءَت بِرَجُلٍ مِن بَنِي حَنِيفَةَ يُقالُ لَهُ: ثُمامَةُ بنُ أُثالٍ، سَيِّدُ أهلِ اليَمامَةِ، فَرَبَطُوهُ بِسارِيَةٍ مِن سَوارِي المَسْجِدِ، فَخَرَجَ إلَيهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَقالَ: «ماذا عِندَكَ يا ثُمامَةُ؟» فَقالَ: عِندِي يا مُحَمَّدُ خَيرٌ، إن تَقتُل تَقتُل ذا دَمٍ، وإن تُنعِم تُنعِم عَلى شاكِرٍ، وإن كُنتَ تُرِيدُ المالَ فَسَل تُعطَ مِنهُ ما شِئتَ. فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ، حَتّى كانَ بَعدَ الغَدِ فَقالَ: «ما عِندَكَ يا ثُمامَةُ؟» قالَ: ما قُلتُ لَكَ؛ إن تُنعِم تُنعِم عَلى شاكِرٍ، وإن تَقتُل تَقتُل ذا دَمٍ، وإن كُنتَ تُرِيدُ المالَ فَسَل تُعطَ مِنهُ ما شِئتَ. فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ، حَتّى كانَ مِن الغَدِ فَقالَ: «ماذا عِندَكَ يا ثُمامَةُ؟» فَقالَ: عِندِي ما قُلتُ لَكَ؛ إن تُنعِم تُنعِم عَلى شاكِرٍ، وإن تَقتُل تَقتُل ذا دَمٍ، وإن كُنتَ تُرِيدُ المالَ فَسَل تُعطَ مِنهُ ما شِئتَ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أطلِقُوا ثُمامَةَ». فانطَلَقَ إلى نَخلٍ قَرِيبٍ مِن المَسْجِدِ، فاغتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ فَقالَ: أشهَدُ أن لا إلَهَ إلا اللهُ، وأَشهَدُ أنَّ مُحَمَّدا عَبدُهُ ورَسُولُهُ، يا مُحَمَّدُ؛ واللهِ ما كانَ عَلى الأرضِ وجهٌ أبغَضَ إلَيَّ مِن وجهِكَ، فَقَد أصبَحَ وجهُكَ أحَبَّ الوُجُوهِ كُلِّها إلَيَّ، واللهِ ما كانَ مِن دِينٍ أبغَضَ إلَيَّ مِن دِينِكَ، فَأَصبَحَ دِينُكَ أحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إلَيَّ، واللهِ ما كانَ مِن بَلَدٍ أبغَضَ إلَيَّ مِن بَلَدِكَ، فَأَصبَحَ بَلَدُكَ أحَبَّ البِلادِ كُلِّها إلَيَّ، وإنَّ خَيلَكَ أخَذَتنِي وأَنا أُرِيدُ العُمرَةَ؛ فَماذا تَرى؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ، وأَمَرَهُ أن يَعتَمِرَ، فَلَمّا قَدِمَ مَكَّةَ قالَ لَهُ قائِلٌ: أصَبَوتَ؟ فَقالَ: لا، ولَكِنِّي أسلَمتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، ولا واللهِ لا يَأتِيكُم مِن اليَمامَةِ حَبَّةُ حِنطَةٍ حَتّى يَأذَنَ فِيها رَسُولُ اللهِ ﷺ.
-قَالَ الْمُهلب: السّنة فِي مثل قَضِيَّة ثُمَامَة أَن يقتل أَو يستعبد أَو يفادى بِهِ، أَو يمنَّ عَلَيْهِ، فحبسه النَّبِي، ﷺ، حَتَّى يرى الْوُجُوه أصلح للْمُسلمين فِي أمره.(العيني)
-يحتمل أنه عليه الصلاة والسلام أطلق ثُمامة لمَّا علم أنه آمن بقلبه، وسيظهر بكلمة الشهادة. وفيه الملاطفة بمن يرجى إسلامه من الأُسارى، إذا كان في ذلك مصلحة للإسلام، ولاسيما من يتبعه على إسلامه العدد الكثير من قومه. وفيه جواز ربط الأسير في المسجد.(الكرمانيّ).
-وفيه جواز ربط الأسير في المسجد، ولو كان كافرا؛ وذلك لأن نجاسة المشرك ليست نجاسة حسية حتى نقول: كيف يُمَكَّنُ الكافر من أن يَبْقَى في المسجد، ولكن نجاسة المشرك نجاسة معنوية. (ابن عثيمين).

باب: مَن يَدْخُلُ الجَنَّةَ فـِي السَّلاسِلِ


١٦٥٣. (خ) (٣٠١٠) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «عَجِبَ اللهُ مِن قَومٍ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ فِي السَّلاسِل».
ورَوى عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ﴾ [آل عمران: ١١٠] قال: خَيرُ النّاسِ لِلنّاسِ تَأتُونَ بِهِم فِي السَّلاسِلِ فِي أعناقِهِم حَتّى يَدخُلُوا فِي الإسلامِ.
-وَقَالَ الْمُهلب: يَعْنِي أَنهم يدْخلُونَ الْجنَّة فِي الْإِسْلَام مكرهين، وسمى الْإِسْلَام باسم الْجنَّة لِأَنَّهُ سَببهَا، وَمن دخله دخل الْجنَّة.(العيني)

باب: إجْلاءُ اليَهُودِ مِنَ الـمَدِينَةِ


١٦٥٤. (خ م) (١٧٦٥) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: بَينا نَحنُ فِي المَسْجِدِ إذ خَرَجَ إلَينا رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَقالَ: «انطَلِقُوا إلى يَهُودَ». فَخَرَجنا مَعَهُ حَتّى جِئناهُم، فَقامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَناداهُم، فَقالَ: «يا مَعشَرَ يَهُودَ؛ أسلِمُوا تَسلَمُوا». فَقالُوا: قَد بَلَّغتَ يا أبا القاسِمِ. فَقالَ لَهُم رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ذَلكَ أُرِيدُ، أسلِمُوا تَسلَمُوا». فَقالُوا: قَد بَلَّغتَ يا أبا القاسِمِ. فَقالَ لَهُم رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ذَلكَ أُرِيدُ». فَقالَ لَهُم الثّالِثَةَ، فَقالَ: «اعلَمُوا أنَّما الأرضُ للهِ ورَسُولِهِ، وأَنِّي أُرِيدُ أن أُجلِيَكُم مِن هَذِهِ الأرضِ، فَمَن وجَدَ مِنكُم بِمالِهِ شَيئًا فَليَبِعهُ، وإلا فاعلَمُوا أنَّ الأرضَ للهِ ورَسُولِهِ».
-في هذا الحديث حسن سياسة النبي ﷺ ، فإنه لم يباغت اليهود بالإجلاء، بل أنذرهم أولا.
-وفيه أيضا: دليل على عُتُّوِّ اليهود؛ فإن النبي ﷺ لما قام فيهم وناداهم: "يا معشر يهود، أسلموا تسلموا"، ولكنهم مع ذلك كان ردهم سيئا؛ فقالوا: "قد بلغت يا أبا القاسم"؛ يعني أنك قد بلغت وأديت، ولكنا لا نوافق. (ابن عثيمين).

١٦٥٥. (خ م) (١٧٦٦) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄؛ أنَّ يَهُودَ بَنِي النَّضِيرِ وقُرَيظَةَ حارَبُوا رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَأَجلى رَسُولُ اللهِ ﷺ بَنِي النَّضِيرِ، وأَقَرَّ قُرَيظَةَ ومَنَّ عَلَيهِم، حَتّى حارَبَت قُرَيظَةُ بَعدَ ذَلكَ، فَقَتَلَ رِجالَهُم وقَسَمَ نِساءَهُم وأَولادَهُم وأَموالَهُم بَينَ المُسلِمِينَ، إلا أنَّ بَعضَهُم لَحِقُوا بِرَسُولِ اللهِ ﷺ فَآمَنَهُم وأَسلَمُوا، وأَجلى رَسُولُ اللهِ ﷺ يَهُودَ المَدِينَةِ كُلَّهُم؛ بَنِي قَينُقاعَ، وهُم قَومُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلامٍ، ويَهُودَ بَنِي حارِثَةَ، وكُلَّ يَهُودِيٍّ كانَ بِالمَدِينَةِ.
١٦٥٦. (خ م) (٢٧٩٣) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَو تابَعَني عَشَرَةٌ مِن اليَهُودِ لَم يَبقَ عَلى ظَهرِها يَهُودِيٌّ إلا أسلَمَ». لَفظُ (خ): «لَو آمَنَ بِي عَشَرَةٌ مِن اليَهُودِ لَآمَنَ بِي اليَهُودُ».

باب: إخْراجُ اليَهُودِ والنَّصارى مِن جَزِيرَةِ العَرَبِ


١٦٥٧. (خ م) (١٥٥١) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄؛ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ ﵁ أجلى اليَهُودَ والنَّصارى مِن أرضِ الحِجازِ، وأَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَمّا ظَهَرَ عَلى خَيبَرَ أرادَ إخراجَ اليَهُودِ مِنها، وكانَت الأرضُ حِينَ ظُهِرَ عَلَيها للهِ ولِرَسُولِهِ ولِلمُسلِمِينَ، فَأَرادَ إخراجَ اليَهُودِ مِنها، فَسَأَلَت اليَهُودُ رَسُولَ اللهِ ﷺ أن يُقِرَّهُم بِها عَلى أن يَكفُوا عَمَلَها، ولَهُم نِصفُ الثَّمَرِ، فَقالَ لَهُم رَسُولُ اللهِ ﷺ: «نُقِرُّكُم بِها عَلى ذَلكَ ما شِئنا». فَقَرُّوا بِها حَتّى أجلاهُم عُمَرُ إلى تَيماءَ وأَرِيحاءَ.
١٦٥٨. (م) (١٧٦٧) عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ ﵁؛ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «لَأُخرِجَنَّ اليَهُودَ والنَّصارى مِن جَزِيرَةِ العَرَبِ حَتّى لا أدَعَ إلا مُسلِمًا».
-فيه: دليل على عدم جواز أن يسكن اليهود والنصارى في جزيرة العرب كلها؛ فهذا ممنوع، ولكن إذا دخلوا لتجارة أو عمل غير مقيمين دائما؛ فهذا لا بأس فيه. (ابن عثيمين).

١٦٥٩. (خ) (٢٧٣٠) عَنْ نافِعٍ؛ عَن ابْنِ عُمرَ ﵄ قالَ: لمّا فَدَعَ أهلُ خَيبَرَ عَبدَ اللهِ بنَ عُمرَ قامَ عُمرُ خَطِيبًا فَقالَ: إنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كانَ عامَلَ يَهُودَ خَيبَرَ عَلى أموالِهِم، وقالَ: «نُقِرُّكُم ما أقرَّكُمُ اللهُ». وإنَّ عَبدَ اللهِ بنَ عُمرَ خَرَجَ إلى مالِهِ هُناكَ، فَعُدِيَ عَلَيهِ مِن اللَّيلِ، فَفُدِعَت يَداهُ ورِجلاهُ، ولَيسَ لَنا هُناكَ عَدُوٌّ غَيرَهُم، هُم عَدُوُّنا وتُهمَتُنا، وقَد رَأَيتُ إجلاءَهُم، فَلَمّا أجمَعَ عُمرُ عَلى ذَلكَ أتاهُ أحَدُ بَنِي أبِي الحُقَيقِ فَقالَ: يا أمِيرَ المُؤمِنينَ؛ أتُخرِجُنا وقَد أقَرَّنا مُحَمَّدٌ ﷺ، وعامَلَنا عَلى الأَموالِ، وشَرَطَ ذَلكَ لَنا. فَقالَ عُمرُ: أظَنَنتَ أنِّي نَسِيتُ قَولَ رَسُولِ اللهِ ﷺ: «كَيفَ بِكَ إذا أُخرِجتَ مِن خَيبَرَ، تَعدُو بِكَ قَلُوصُكَ لَيلَةً بَعدَ لَيلَةٍ». فَقالَ: كانَت هَذِهِ هُزَيلَةً مِن أبِي القاسِمِ. قالَ: كَذَبتَ يا عَدُوَّ اللهِ. فَأَجلاهُم عُمرُ، وأَعطاهُم قِيمَةَ ما كانَ لَهُم مِن الثَّمَرِ مالًا وإبِلًا وعُرُوضًا مِن أقتابٍ وحِبالٍ وغَيرِ ذَلكَ.
-قال المهلب: وفيه دليل على أن العداوة توجب المطالبة بالجنايات كما طالبهم عمر بفدعهم ابنه ورجح ذلك بأن قال: ليس لنا عدو غيرهم، فعلق المطالبة بشاهد العداوة، فأخرجهم من الأرض على ما كان أوصى به النبى (ﷺ)، وإنما ترك عمر مطالبة اليهود بالقصاص في فدع ابنه؛ لأنه فدع ليلا وهو نائم، فلم يعرف ابن عمر أشخاص من فدعه. (ابن بطال).

باب: الحُكْمُ فِيمَن حارَبَ ونَقَضَ العَهْدَ


١٦٦٠. (خ م) (١٧٦٨) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁ قالَ: نَزَلَ أهلُ قُرَيظَةَ عَلى حُكمِ سَعدِ بْنِ مُعاذٍ، فَأَرسَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إلى سَعدٍ، فَأَتاهُ عَلى حِمارٍ، فَلَمّا دَنا قَرِيبًا مِن المَسْجِدِ قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِلأنصارِ: «قُومُوا إلى سَيِّدِكُم، أو خَيرِكُم». ثُمَّ قالَ: «إنَّ هَؤُلاءِ نَزَلُوا عَلى حُكمِكَ». قالَ: تَقتُلُ مُقاتِلَتَهُم، وتَسبِي ذُرِّيَّتَهُم. قالَ: فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «قَضَيتَ بِحُكمِ اللهِ»، ورُبَّما قالَ: «قَضَيتَ بِحُكمِ المَلِكِ».
١٦٦١. (خ م) (١٧٦٩) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: أُصِيبَ سَعدٌ يَومَ الخَندَقِ، رَماهُ رَجُلٌ مِن قُرَيشٍ يُقالُ لَهُ: ابنُ العَرِقَةِ، رَماهُ فِي الأكحَلِ، فَضَرَبَ عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ خَيمَةً فِي المَسْجِدِ يَعُودُهُ مِن قَرِيبٍ، فَلَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِن الخَندَقِ وضَعَ السِّلاحَ فاغتَسَلَ، فَأَتاهُ جِبرِيلُ وهُوَ يَنفُضُ رَأسَهُ مِن الغُبارِ، فَقالَ: «وضَعتَ السِّلاحَ؟ واللهِ ما وضَعناهُ، اخرُج إلَيهِم». فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «فَأَينَ؟» فَأَشارَ إلى بَنِي قُرَيظَةَ، فَقاتَلَهُم رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَنَزَلُوا عَلى حُكمِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَرَدَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ الحُكمَ فِيهِم إلى سَعدٍ، قالَ: فَإنِّي أحكُمُ فِيهِم أن تُقتَلَ المُقاتِلَةُ، وأَن تُسبى الذُّرِّيَّةُ والنِّساءُ، وتُقسَمَ أموالُهُم. ورَوى (خ) عَن أنَسٍ بْنِ مالِكٍ قالَ: كَأَنِّي أنظُرُ إلى الغُبارِ ساطِعًا فِي زُقاقِ بَنِي غَنمٍ، مَوكِبَ جِبرِيلَ صَلَواتُ اللهِ عَلَيهِ حِينَ سارَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إلى بَنِي قُرَيظَةَ.
١٦٦٢. (خ م) (١٧٦٩) عَنْ عائِشَةَ ﵂؛ أنَّ سَعدًا قالَ (وتَحَجَّر كَلمُهُ لِلبُرءِ) فَقالَ: اللَّهُمَّ إنَّكَ تَعلَمُ أن لَيسَ أحَدٌ أحَبَّ إلَيَّ أن أُجاهِدَ فِيكَ مِن قَومٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ ﷺ وأَخرَجُوهُ، اللَّهُمَّ فَإن كانَ بَقِيَ مِن حَربِ قُرَيشٍ شَيءٌ فَأَبقِنِي أُجاهِدهُم فِيكَ، اللَّهُمَّ فَإنِّي أظُنُّ أنَّكَ قَد وضَعتَ الحَربَ بَينَنا وبَينَهُم، فَإن كُنتَ وضَعتَ الحَربَ بَينَنا وبَينَهُم فافجُرها، واجعَل مَوتِي فِيها. فانفَجَرَت مِن لَبَّتِهِ، فَلَم يَرُعهُم وفِي المَسْجِدِ مَعَهُ خَيمَةٌ مِن بَنِي غِفارٍ إلا والدَّمُ يَسِيلُ إلَيهِم. فَقالُوا: يا أهلَ الخَيمَةِ؛ ما هَذا الَّذِي يَأتِينا مِن قِبَلِكُم؟ فَإذا سَعدٌ جُرحُهُ يَغِذُّ دَمًا، فَماتَ مِنها.
وفي رواية (م): فانفَجَرَ مِن لَيلَتِهِ، فَما زالَ يَسِيلُ حَتّى ماتَ، فَذاكَ حِينَ يَقُولُ الشّاعِرُ:
ألا يا سَعْدُ سَعْدَ بَنِي مُعاذٍ *** فَما فَعَلَتْ قُرَيْظَةُ والنَّضِيرُ
لَعَمْرُكَ إنَّ سَعْدَ بَنِي مُعاذٍ *** غَداةَ تَحَمَّلُوا لَهُوَ الصَّبُورُ
تَرَكْتُمْ قِدْرَكُمْ لا شَيْءَ فِيها *** وقِدْرُ القَوْمِ حامِيَةٌ تَفُورُ
وقَدْ قالَ الكَرِيمُ أبُو حُبابٍ *** أقِيمُوا قَيْنُقاعُ ولا تَسِيرُوا
وقَدْ كانُوا بِبَلْدَتِهِمْ ثِقالًا *** كَما ثَقُلَتْ بِمَيْطانَ الصُّخُورُ.
-في دعاء سعد ﵁ هذا: مناشدة الله عز وجل أنه إن كان بقي حرب مع قريش، أنه لا يتوفاه حتى يشارك فيه، ولكن بعد الخندق – والحمد لله – لم يكن حربٌ؛ إذ أن النبي ﷺ فتح مكة بدون قتال، وإن كان أبيح له في أن يقاتل.

١٦٦٣. (خ م) (١٧٧٠) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ﵄ قالَ: نادى فِينا رَسُولُ اللهِ ﷺ يَومَ انصَرَفَ عَنِ الأحزابِ: «أن لا يُصَلِّيَنَّ أحَدٌ (الظُّهَرَ) إلا فِي بَنِي قُرَيظَةَ». فَتَخَوَّف ناسٌ فَوتَ الوَقتِ فَصَلَّوا دُونَ بَنِي قُرَيظَةَ، وقالَ آخَرُونَ: لا نُصَلِّي إلا حَيثُ أمَرَنا رَسُولُ اللهِ ﷺ، وإن فاتَنا الوَقتُ. قالَ: فَما عَنفَ واحِدًا مِن الفَرِيقَينِ. لَفظُ (خ): «العَصرَ».

١ شابّان تسابقا في قتل رأس المشركين أبي جهل، هما:

٥/٠