باب: ذِكْرُ النَّبِيِّ ﷺ مَقْتَلَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ


١٦٨٠. (خ) (٣٩٥٠) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁؛ حَدَّثَ عَن سَعدِ بْنِ مُعاذٍ ﵁ أنَّهُ قالَ: كانَ صَدِيقًا لأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وكانَ أُمَيَّةُ إذا مَرَّ بِالمَدِينَةِ نَزَلَ عَلى سَعدٍ، وكانَ سَعدٌ إذا مَرَّ بِمَكَّةَ نَزَلَ عَلى أُمَيَّةَ، فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ المَدِينَةَ انطَلَقَ سَعدٌ مُعتَمِرًا، فَنَزَلَ عَلى أُمَيَّةَ بِمَكَّةَ، فَقالَ لأُمَيَّةَ: انظُر لِي ساعَةَ خَلوَةٍ لَعَلِّي أن أطُوفَ بِالبَيتِ. فَخَرَجَ بِهِ قَرِيبًا مِن نِصفِ النَّهارِ، فَلَقِيَهُما أبُو جَهلٍ، فَقالَ: يا أبا صَفوانَ؛ مَن هَذا مَعَكَ؟ فَقالَ: هَذا سَعدٌ. فَقالَ لَهُ أبُو جَهلٍ: ألا أراكَ تَطُوفُ بِمَكَّةَ آمِنًا، وقَد أوَيتُم الصُّباةَ، وزَعَمتُم أنَّكُم تَنصُرُونَهُم وتُعِينُونَهُم، أما واللهِ لَولا أنَّكَ مَعَ أبِي صَفوانَ ما رَجَعتَ إلى أهلِكَ سالِمًا. فَقالَ لَهُ سَعدٌ ورَفَعَ صَوتَهُ عَلَيهِ: أما واللهِ لَئِن مَنَعتَنِي هَذا لأمنَعَنَّكَ ما هُوَ أشَدُّ عَلَيكَ مِنهُ؛ طَرِيقَكَ عَلى المَدِينَةِ. فَقالَ لَهُ أُمَيَّةُ: لا تَرفَع صَوتَكَ يا سَعدُ عَلى أبِي الحَكَمِ سَيِّدِ أهلِ الوادِي. فَقالَ سَعدٌ: دَعنا عَنكَ يا أُمَيَّةُ، فَواللهِ لَقَد سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إنَّهُم قاتِلُوكَ». قالَ: بِمَكَّةَ؟ قالَ: لا أدرِي. فَفَزِعَ لِذَلكَ أُمَيَّةُ فَزَعًا شَدِيدًا، فَلَمّا رَجَعَ أُمَيَّةُ إلى أهلِهِ قالَ: يا أُمَّ صَفوانَ؛ ألَم تَرَي ما قالَ لِي سَعدٌ؟ قالَت: وما قالَ لَكَ؟ قالَ: زَعَمَ أنَّ مُحَمَّدًا أخبَرَهُم أنَّهُم قاتِلِيَّ، فَقلت لَهُ: بِمَكَّةَ؟ قالَ: لا أدرِي. فَقالَ أُمَيَّةُ: واللهِ لا أخرُجُ مِن مَكَّةَ. فَلَمّا كانَ يَومُ بَدرٍ استَنفَرَ أبُو جَهلٍ النّاسَ، قالَ: أدرِكُوا عِيرَكُم. فَكَرِهَ أُمَيَّةُ أن يَخرُجَ، فَأَتاهُ أبُو جَهلٍ فَقالَ: يا أبا صَفوانَ؛ إنَّكَ مَتى ما يَراكَ النّاسُ قَد تَخَلَّفتَ وأَنتَ سَيِّدُ أهلِ الوادِي تَخَلَّفُوا مَعَكَ. فَلَم يَزَل بِهِ أبُو جَهلٍ حَتّى قالَ: أمّا إذ غَلَبتَنِي؛ فَواللهِ لأشتَرِيَنَّ أجوَدَ بَعِيرٍ بِمَكَّة. ثُمَّ قالَ أُمَيَّةُ: يا أُمَّ صَفوانَ؛ جَهِّزِينِي. فَقالَت لَهُ: يا أبا صَفوانَ؛ وقَد نَسِيتَ ما قالَ لَكَ أخُوكَ اليَثرِبِيُّ؟ قالَ: لا، ما أُرِيدُ أن أجُوزَ مَعَهُم إلا قَرِيبًا. فَلَمّا خَرَجَ أُمَيَّةُ أخَذَ لا يَنزِلُ مَنزِلًا إلا عَقَلَ بَعِيرَهُ، فَلَم يَزَل بِذَلكَ حَتّى قَتَلَهُ اللهُ ﷿ بِبَدرٍ.
- قوله لأشترين أجود بعير بمكة: يعني فأستعد عليه للهرب إذا خفت شيئا. (ابن حجر)
-(إنهم قاتلوك) المراد المسلمون أو النبي ﷺ، وذكره بهذه الصيغة تعظيما. (ابن حجر)
- (أخوك اليثربي) ذكر الأخوة باعتبار ما كان بينهما من المؤاخاة في الجاهلية، ونسبه إلى يثرب وهو اسم المدينة قبل الإسلام. (ابن حجر)
- في الحديث معجزات للنبي ﷺ ظاهرة وما كان عليه سعد بن معاذ من قوة النفس واليقين. (ابن حجر)
-وفيه أن شأن العمرة كان قديما وأن الصحابة كان مأذونا لهم في الاعتمار من قبل أن يعتمر النبي ﷺ بخلاف الحج. (ابن حجر).

باب: غَزْوَةُ بَدْرٍ


١٦٨١. (م) (١٧٧٩) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ شاوَرَ حِينَ بَلَغَهُ إقبالُ أبِي سُفيانَ قالَ: فَتَكَلَّمَ أبُو بَكرٍ فَأَعرَضَ عَنهُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ عُمَرُ فَأَعرَضَ عَنهُ، فَقامَ سَعدُ بنُ عُبادَةَ فَقالَ: إيّانا تُرِيدُ يا رَسُولَ اللهِ؟ والَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أمَرتَنا أن نُخِيضَها البَحرَ لأَخَضناها، ولَو أمَرتَنا أن نَضرِبَ أكبادَها إلى بَرْكِ الغِمادِ لَفَعَلنا. قالَ: فَنَدَبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ النّاسَ فانطَلَقُوا حَتّى نَزَلُوا بَدرًا، ووَرَدَت عَلَيهِم رَوايا قُرَيشٍ، وفِيهِم غُلامٌ أسوَدُ لِبَنِي الحَجّاجِ فَأَخَذُوهُ، فَكانَ أصحابُ رَسُولِ اللهِ ﷺ يَسأَلُونَهُ عَن أبِي سُفيانَ وأَصحابِهِ فَيَقُولُ: ما لِي عِلمٌ بِأبِي سُفيانَ، ولَكِن هَذا أبُو جَهلٍ وعُتبَةُ وشَيبَةُ وأُمَيَّةُ بنُ خَلَفٍ. فَإذا قالَ ذَلكَ ضَرَبُوهُ، فَقالَ: نَعَم، أنا أُخبِرُكُم؛ هَذا أبُو سُفيانَ. فَإذا تَرَكُوهُ فَسَأَلُوهُ فَقالَ: ما لِي بِأبِي سُفيانَ عِلمٌ، ولَكِن هَذا أبُو جَهلٍ وعُتبَةُ وشَيبَةُ وأُمَيَّةُ بنُ خَلَفٍ فِي النّاسِ. فَإذا قالَ هَذا أيضًا ضَرَبُوهُ، ورسُولُ الله ﷺ قائِمٌ يُصَلِّي، فَلَمّا رَأى ذَلكَ انصَرَفَ، قالَ: «والَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَتَضرِبُوهُ إذا صَدَقَكُم، وتَترُكُوهُ إذا كَذَبَكُم». قالَ: فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «هَذا مَصرَعُ فُلانٍ». قالَ: ويَضَعُ يَدَهُ عَلى الأَرضِ هاهُنا وهاهُنا، قالَ: فَما ماطَ أحَدُهُم عَن مَوضِعِ يَدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ.
-(لو أمرتنا أن نخيضها لأخضناها) قال العلماء إنما قصد ﷺ اختبار الأنصار لأنه لم يكن بايعهم على أن يخرجوا معه للقتال وطلب العدو، وإنما بايعهم على أن يمنعوه ممن يقصده فلما عرض الخروج لعير أبي سفيان أراد أن يعلم أنهم يوافقون على ذلك فأجابوه أحسن جواب بالموافقة التامة في هذه المرة وغيرها. (النووي)
- وفيه استشارة الأصحاب وأهل الرأي والخبرة. (النووي)

١٦٨٢. (خ) (٣٩٥٢) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قالَ: شَهِدتُ مِن المِقدادِ بْنِ الأسوَدِ مَشهَدًا لأن أكُونَ صاحِبَهُ أحَبُّ إلَيَّ مِمّا عُدِلَ بِهِ، أتى النَّبِيَّ ﷺ وهُوَ يَدعُو عَلى المُشرِكِينَ، فَقالَ: لا نَقُولُ كَما قالَ قَومُ مُوسى: اذهب أنتَ ورُبُكَ فَقاتِلا، ولَكِنّا نُقاتِلُ عَن يَمِينِكَ، وعَن شِمالِكَ، وبَينَ يَدَيكَ، وخَلفَكَ. فَرَأَيتُ النَّبِيَّ ﷺ أشرَقَ وجهُهُ وسَرَّهُ، يَعنِي قَولَهُ.
-حسن صحبة أصحاب رسول الله ﷺ ووقوفهم مع رسول الله عليه الصلاة والسلام.

١٦٨٣. (خ) (٣٩٨٥) عَنْ أبِي أُسَيْدٍ ﵁ قالَ: قالَ لَنا رَسُولُ اللهِ ﷺ يَومَ بَدرٍ: «إذا أكثَبُوكُم يَعنِي كَثَرُوكُم فارمُوهُم واستَبقُوا نَبلَكُم».
- هو كالبيان للمراد بالأمر بتأخير الرمي حتى يقربوا منهم أي إنهم إذا كانوا بعيدا لا تصيبهم السهام غالبا فالمعنى استبقوا نبلكم في الحالة التي إذا رميتم بها لا تصيب غالبا وإذا صاروا إلى الحالة التي يمكن فيها الإصابة غالبا فارموا.

باب: فِـي الإمْدادِ بِالـمَلائِكَةِ وفِداءِ الأُسارى


١٦٨٤. (م) (١٧٦٣) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: (حَدَّثَنِي عُمَرُ بنُ الخَطّابِ ﵁ قالَ: لَمّا كانَ يَومُ بَدرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إلى المُشرِكِينَ وهُم ألفٌ) وأَصحابُهُ ثَلاثُ مِائَةٍ وتِسعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فاستَقبَلَ نَبِيُّ اللهِ ﷺ القِبلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيهِ فَجَعَلَ يَهتِفُ بِرَبِّهِ: «اللَّهُمَّ أنجِز لِي ما وعَدتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ ما وعَدتَنِي، اللَّهُمَّ إن تُهلِك هَذِهِ العِصابَةَ مِن أهلِ الإسلامِ لا تُعبَد فِي الأرضِ». فَما زالَ يَهتِفُ بِرَبِّهِ مادًّا يَدَيهِ، مُستَقبِلَ القِبلَةِ، حَتّى سَقَطَ رِداؤُهُ عَن مَنكِبَيهِ، فَأَتاهُ أبُو بَكرٍ فَأَخَذَ رِداءَهُ فَأَلقاهُ عَلى مَنكِبَيهِ، ثُمَّ التَزَمَهُ مِن ورائِه، وقالَ: يا نَبِيَّ اللهِ؛ كَفاكَ مُناشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإنَّهُ سَيُنجِزُ لَكَ ما وعَدَكَ. (فَأَنزَلَ اللهُ ﷿: ﴿إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فاسْتَجابَ لَكُمْ أنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال: ٩]، فَأَمَدَّهُ اللهُ بِالمَلائِكَةِ. قالَ أبُو زُمَيلٍ: فَحَدَّثَنِي ابنُ عَبّاسٍ قالَ: بَينَما رَجُلٌ مِن المُسلِمِينَ يَومَئِذٍ يَشتَدُّ فِي أثَرِ رَجُلٍ مِن المُشرِكِينَ أمامَهُ إذ سَمِعَ ضَربَةً بِالسَّوطِ فَوقَهُ وصَوتَ الفارِسِ يَقُولُ: أقدِم حَيزُومُ. فَنَظَرَ إلى المُشرِكِ أمامَه فَخَرَّ مُستَلقِيًا، فَنَظَرَ إلَيهِ فَإذا هُوَ قَد خُطِمَ أنفُهُ وشُقَّ وجهُهُ، كَضَربَةِ السَّوطِ، فاخضَرَّ ذَلكَ أجمَعُ، فَجاءَ الأنصارِيُّ فَحَدَّثَ بِذَلكَ رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَقالَ: «صَدَقتَ، ذَلكَ مِن مَدَدِ السَّماءِ الثّالِثَةِ». فَقَتَلُوا يَومَئِذٍ سَبعِينَ، وأَسَرُوا سَبعِينَ، قالَ أبُو زُمَيلٍ: قالَ ابنُ عَبّاسٍ: فَلَمّا أسَرُوا الأسارى قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لأبِي بَكرٍ وعُمَرَ: «ما تَرَونَ فِي هَؤُلاءِ الأسارى؟» فَقالَ أبُو بَكرٍ: يا نَبِيَّ اللهِ؛ هُم بَنُو العَمِّ والعَشِيرَةِ، أرى أن تَأخُذَ مِنهُم فِديَةً فَتَكُونُ لَنا قُوَّةً عَلى الكُفّارِ، فَعَسى اللهُ أن يَهدِيَهُم لِلإسلامِ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ما تَرى يا ابنَ الخَطّابِ؟» قُلتُ: لا، واللهِ يا رَسُولَ اللهِ ما أرى الَّذِي رَأى أبُو بَكرٍ، ولَكِنِّي أرى أن تُمَكِّنّا فَنَضرِبَ أعناقَهُم، فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِن عَقِيلٍ فَيَضرِبَ عُنُقَهُ، وتُمَكِّنّي مِن فُلانٍ نَسِيبًا لِعُمَرَ فَأَضرِبَ عُنُقَهُ، فَإنَّ هَؤُلاءِ أئِمَّةُ الكُفرِ وصَنادِيدُها. فَهَوِيَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ما قالَ أبُو بَكرٍ ولَم يَهوَ ما قُلتُ، فَلَمّا كانَ مِن الغَدِ جِئتُ فَإذا رَسُولُ اللهِ ﷺ وأَبُو بَكرٍ قاعِدَينِ يَبكِيانِ، قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ أخبِرنِي؛ مِن أيِّ شَيءٍ تَبكِي أنتَ وصاحِبُكَ؟ فَإن وجَدتُ بُكاءً بَكَيتُ، وإن لَم أجِد بُكاءً تَباكَيتُ لِبُكائِكُما. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أبكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أصحابُكَ مِن أخذِهِم الفِداءَ، لَقَد عُرِضَ عَلَيَّ عَذابُهُم أدنى مِن هَذِهِ الشَّجَرَةِ». شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِن نَبِيِّ اللهِ ﷺ، وأَنزَلَ اللهُ ﷿: ﴿ما كانَ لِنَبِيٍّ أن يَكُونَ لَهُ أسْرى حَتّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ﴾ إلى قَولِهِ: ﴿فَكُلُواْ مِمّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّبًا﴾ [الأنفال: ٦٧، ٦٩]، فَأَحَلَّ اللهُ الغَنِيمَةَ لَهُم).
رَوى (خ) أوَّلَهُ مُختَصَرًا عَن ابنِ عَبّاسٍ ﵄ وفِيهِ: فَخَرَجَ وهُو يَقُولُ: ﴿سَيُهْزَمُ الجَمْعُ ويُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥) بَلِ السّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ والسّاعَةُ أدْهى وأَمَرُّ﴾ [القمر: ٤٥، ٤٦]. وفي رواية لَهُ: يَومَ بَدرٍ. ورَوى (خ) عَنِ البَراء بْنِ عازِبٍ قالَ: حَدَّثَنِي أصحابُ مُحمَّدٍ ﷺ مِمَّن شَهِدَ بَدرًا؛ أنَّهم كانُوا عِدَّةَ أصحابِ طالُوتَ الَّذِينَ جازُوا مَعَهُ النَّهرَ؛ بِضعَةَ عَشَرَ وثَلاثمائةٍ، قالَ البَراءُ: لا واللهِ ما جاوَزَ مَعَهُ النَّهرَ إلا مُؤمِنٌ. ورَوى (خ) عَنِ البَراءِ قالَ: استُصغِرتُ أنا وابنُ عُمرَ يَومَ بَدرٍ، وكانَ المُهاجِرُونَ يَومَ بَدرٍ نيِّفًا عَلى سِتِّينَ، والأَنصارُ نَيِّفًا وأَربَعِينَ ومِائَتَينِ.
-استحباب استقبال القبلة في الدعاء ورفع اليدين فيه وأنه لا بأس برفع الصوت في الدعاء (النووي)
- قال العلماء هذه المناشدة إنما فعلها النبي ﷺ ليراه أصحابه بتلك الحال فتقوى قلوبهم بدعائه وتضرعه، وقد كان وعده الله تعالى إحدى الطائفتين إما العير، وإما الجيش وكانت العير قد ذهبت وفاتت فكان على ثقة من حصول الأخرى لكن سأل تعجيل ذلك وتنجيزه من غير أذى يلحق المسلمين. (النووي)
-مشاورة رسول الله ﷺ لأصحابه.
-حسن خلق عمر بن الخطاب، ومشاركته لمشاعر رسول الله ﷺ حيث قال: " يا رسول الله، أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما". فلم يتباهى برأيه ويتكبر.
- العتاب على الأخذ ففيه إشارة إلى ذم من آثر شيئا من الدنيا على الآخرة، ولو قل. (ابن حجر)

١٦٨٥. (خ) (٢٥٣٧) عَنْ أنَسٍ ﵁؛ أنَّ رِجالًا مِن الأَنصارِ استَأذَنُوا رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقالُوا: ائذَن لَنا فَلنَترُك لابنِ أُختِنا عَبّاسٍ فِداءَهُ. فَقالَ: «لا تَدَعُونَ مِنهُ دِرهَمًا».
١٦٨٦. (خ) (٤٠٢٤) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ؛ عَن أبِيهِ؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ فِي أُسارى بَدرٍ: «لَو كانَ المُطعِمُ بنُ عَدِيٍّ حَيًّا ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاءِ النَّتنى لَتَرَكتُهُم لَهُ».
-ليتركنهم له: أي بغير فداء وبين ابن شاهين من وجه آخر السبب في ذلك وأن المراد باليد المذكورة ما وقع منه حين رجع النبي ﷺ من الطائف ودخل في جوار المطعم بن عدي، وقد ذكر ابن إسحاق القصة في ذلك مبسوطة، وكذلك أوردها الفاكهي بإسناد حسن مرسل وفيه أن المطعم أمر أربعة من أولاده فلبسوا السلاح وقام كل واحد منهم عند ركن من الكعبة فبلغ ذلك قريشا فقالوا له أنت الرجل الذي لا تخفر ذمتك، وقيل المراد باليد المذكورة أنه كان من أشد من قام في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم ومن معهم من المسلمين حين حصروهم في الشعب وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في أوائل السيرة، وروى الطبراني من طريق محمد بن صالح التمار عن الزهري عن محمد بن جبير عن أبيه قال: قال المطعم بن عدي لقريش: إنكم قد فعلتم بمحمد ما فعلتم فكونوا أكف الناس عنه. وذلك بعد الهجرة، ثم مات المطعم بن عدي قبل وقعة بدر، وله بضع وتسعون سنة، وذكر الفاكهي بإسناد مرسل أن حسان بن ثابت رثاه لما مات مجازاة له على ما صنع للنبي ﷺ. (ابن حجر)

باب: قَتْلُ أبِي جَهْلٍ


١٦٨٧. (خ م) (١٨٠٠) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن يَنظُرُ لَنا ما صَنَعَ أبُو جَهلٍ؟» فانطَلَقَ ابنُ مَسْعُودٍ فَوَجَدَهُ قَد ضَرَبَهُ ابنا عَفراءَ حَتّى بَرَكَ، قالَ: فَأَخَذَ بِلِحيَتِهِ فَقالَ: آنتَ أبُو جَهلٍ؟ فَقالَ: وهَل فَوقَ رَجُلٍ قَتَلتُمُوهُ، أو قالَ: قَتَلَهُ قَومُهُ؟! قالَ: وقالَ أبُو مِجلَزٍ: قالَ أبُو جَهلٍ: فَلَو غَيرُ أكّارٍ قَتَلَنِي.
-(من ينظر إلينا ما صنع أبو جهل) سبب السؤال عنه أن يعرف أنه مات ليستبشر المسلمون بذلك وينكف شره عنهم. (النووي)
-(وهل فوق رجل قتلتموه) أي لا عار علي في قتلكم إياي. (النووي)

باب: مَن شَهِدَ بَدْرًا وفَضْلُهُ


١٦٨٨. (خ) (٣٩٩٢) عَنْ مُعاذِ بْنِ رِفاعَةَ بْنِ رافِعٍ الزُّرَقِيِّ؛ عَن أبِيهِ ﵁؛ وكانَ أبُوهُ مِن أهلِ بَدرٍ، قالَ: جاءَ جِبرِيلُ إلى النَّبِيِّ ﷺ فَقالَ: ما تَعُدُّونَ أهلَ بَدرٍ فِيكُم؟ قالَ: «مِن أفضَلِ المُسلِمِينَ»، أو كَلِمَةً نَحوَها. قالَ: وكَذَلكَ مَن شَهِدَ بَدرًا مِن المَلائِكَةِ.
١٦٨٩. (خ) (٣٩٩٣) عَنْ مُعاذِ بْنِ رِفاعَةَ بْنِ رافِعٍ؛ وكانَ رِفاعَةُ ﵁ مِن أهلِ بَدرٍ، وكانَ رافِعٌ ﵁ مِن أهلِ العَقَبَةِ، فَكانَ يَقُولُ لابنِهِ: ما يَسُرُّنِي أنِّي شَهِدتُ بَدرًا بِالعَقَبَة، قالَ: سَأَلَ جِبرِيلُ النَّبِيَّ ﷺ بِهَذا.
-قوله بدرا بالعقبة: أي بدل العقبة يريد أن شهود العقبة عنده أفضل من شهود بدر. (ابن حجر)

١٦٩٠. (خ) (٣٩٩٨) عَنْ عُرْوَةَ قالَ: قالَ الزُّبَيرُ ﵁: لَقِيتُ يَومَ بَدرٍ عُبَيدَةَ بنَ سَعِيدِ بْنِ العاصِ وهُوَ مُدَجَّجٌ لا يُرى مِنهُ إلا عَيناهُ، وهُوَ يُكنى أبُو ذاتِ الكَرِشِ، فَقالَ: أنا أبُو ذاتِ الكَرِشِ. فَحَمَلتُ عَلَيهِ بِالعَنَزَةِ، فَطَعَنتُهُ فِي عَينِهِ فَماتَ، قالَ هِشامٌ: فَأُخبِرتُ؛ أنَّ الزُّبَيرَ قالَ: لَقَد وضَعتُ رِجلِي عَلَيهِ، ثُمَّ تَمَطَّأتُ فَكانَ الجَهدَ أن نَزَعتُها، وقَد انثَنى طَرَفاها. قالَ عُروَةُ: فَسَأَلَهُ إيّاها رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَأَعطاهُ، فَلَمّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أخَذَها، ثُمَّ طَلَبَها أبُو بَكرٍ فَأَعطاهُ، فَلَمّا قُبِضَ أبُو بَكرٍ سَأَلَها إيّاهُ عُمَرُ فَأَعطاهُ إيّاها، فَلَمّا قُبِضَ عُمَرُ أخَذَها، ثُمَّ طَلَبَها عُثْمانُ مِنهُ فَأَعطاهُ إيّاها، فَلَمّا قُتِلَ عُثْمانُ وقَعَت عِنْدَ آلِ عَلِيٍّ، فَطَلَبَها عَبدُ اللهِ بنُ الزُّبَيرِ فَكانَت عِندَهُ حَتّى قُتِلَ.
١٦٩١. (خ) (٣٩٧٠) عَنْ أبِي إسْحاقَ: سَأَلَ رَجُلٌ البَراءَ ﵁ وأَنا أسمَعُ، قالَ: أشَهِدَ عَلِيٌّ بَدرًا؟ قالَ: بارَزَ وظاهَرَ.
١٦٩٢. (خ) (٣٩٧٥) عَنْ عُرْوَةَ؛ أنَّ أصْحابَ رَسُولِ اللهِ ﷺ قالُوا لِلزُّبَيرِ يَومَ اليَرمُوكِ: ألا تَشُدُّ فَنَشُدَّ مَعَكَ؟ فَقالَ: إنِّي إن شَدَدتُ كَذَبتُم. فَقالُوا: لا نَفعَلُ. فَحَمَلَ عَلَيهِم حَتّى شَقَّ صُفُوفَهُم، فَجاوَزَهُم وما مَعَهُ أحَدٌ، ثُمَّ رَجَعَ مُقبِلًا، فَأَخَذُوا بِلِجامِهِ فَضَرَبُوهُ ضَربَتَينِ عَلى عاتِقِه بَينَهُما ضَربَةٌ ضُرِبَها يَومَ بَدرٍ، قالَ عُروَةُ: كُنتُ أُدخِلُ أصابِعِي فِي تِلكَ الضَّرَباتِ ألعَبُ وأَنا صَغِيرٌ، قالَ عُروَةُ: وكانَ مَعَهُ عَبدُ اللهِ بنُ الزُّبَيرِ يَومَئِذٍ وهُوَ ابنُ عَشرِ سِنِينَ، فَحَمَلَهُ عَلى فَرَسٍ ووَكَّلَ بِهِ رَجُلًا.
- (إن شددت كذبتم) أي تتأخرون عما أقدم عليه فيختلف موعدكم هذا، وأهل الحجاز يطلقون الكذب على ما يذكر على خلاف الواقع. (ابن حجر)

١٦٩٣. (خ) (٤٠٠٤) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْقِلٍ؛ أنَّ عَلِيًّا ﵁ كَبَّرَ عَلى سَهْلِ بْنِ حُنَيفٍ، فَقالَ: إنَّهُ شَهِدَ بَدرًا.
-قول علي رضي الله عنه لقد شهد بدرا يشير إلى أن لمن شهدها فضلا على غيرهم في كل شيء حتى في تكبيرات الجنازة. (ابن حجر)

١٦٩٤. (خ) (٤٠١١) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ وكانَ مِن أكبَرِ بَنِي عَدِيٍّ، وكانَ أبُوهُ شَهِدَ بَدرًا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ أنَّ عُمَرَ استَعمَلَ قُدامَةَ بنَ مَظعُونٍ عَلى البَحرَين، وكانَ شَهِدَ بَدرًا، وهُوَ خالُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ وحَفصَةَ.

باب: عَطاءُ البَدْرِيِّينَ والـمُهاجِرِينَ


١٦٩٥. (خ) (٤٠٢٢) عَنْ قَيْسِ بْنِ أبِي حازِمٍ: كانَ عَطاءُ البَدرِيِّينَ خَمسَةَ آلافٍ خَمسَةَ آلافٍ، وقالَ عُمَرُ: لأفَضِّلَنَّهُم عَلى مَن بَعدَهُم.
-فيه فضل ظاهر لمن شهد بدراً (ابن الملقن).
-في تفضيلهم في العطاء مع كونهم أهل زهد في الدنيا وتفان عن الأموال معنيان:
أحدهما: أنهم أهل أمن على ما يكون في أيديهم فلا يستجف لهم حصاة ولا يدخرون من فوق كفاف.
والثاني: أنهم بعرضة أن يخرجوه صدقة وفي سبيل البر عن كثب فيصير بإخراجهم له فيما يخرجونه فيه مضاعفًا إن شاء الله تعالى. (ابن هبيرة)

١٦٩٦. (خ) (٣٩١٢) عَنْ نافِعٍ -يَعنِي عَن ابْنِ عُمَرَ عَن عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ ﵄ قالَ: كانَ فَرَضَ لِلمُهاجِرِينَ الأوَّلِينَ أربَعَةَ آلافٍ فِي أربَعَةٍ، وفَرَضَ لابنِ عُمَرَ ثَلاثَةَ آلافٍ وخَمسَ مِائَةٍ، فَقِيلَ لَهُ: هُوَ مِن المُهاجِرِينَ؛ فَلِمَ نَقَصتَهُ مِن أربَعَةِ آلافٍ؟ فَقالَ: إنَّما هاجَرَ بِهِ أبَواهُ؛ يَقُولُ: لَيسَ هُوَ كَمَن هاجَرَ بِنَفسِهِ.
- كان عمر رضي الله عنه يقسم للناس من بيت مال المسلمين على حسب مراتبهم.
- شدة ورع عمر رضي الله عنه ومحاسبته لنفسه. (ابن هبيرة)

١٦٩٧. (خ) (٤٠٢٧) عَنِ الزُّبَيْرِ ﵁ قالَ: ضُرِبَت يَومَ بَدرٍ لِلمُهاجِرِينَ بِمِائَةِ سَهمٍ.

باب: كَلامُ النَّبِيِّ ﷺ لِقَتْلى بَدْرٍ بَعْدَ مَوْتِهِمْ


١٦٩٨. (خ م) (٢٨٧٤) عن قَتادَةَ؛ قالَ: ذَكَرَ لَنا أنَسُ بنُ مالِكٍ عَن أبي طَلْحَةَ قالَ: لَمّا كانَ يَومُ بَدرٍ وظَهَرَ عَلَيهِم نَبِيُّ اللهِ ﷺ؛ أمَرَ بِبِضعَةٍ وعِشرِينَ رَجُلًا مِن صَنادِيدِ قُرَيش، فَأُلقُوا فِي طَوِيٍّ مِن أطواءِ بَدرٍ. زادَ (خ): خَبِيثٍ مُخبِثٍ، وكانَ إذا ظَهَرَ عَلى قَومٍ أقامَ بِالعَرصَةِ ثَلاثَ لَيالٍ.
ورَوى (م) عَن أنَسٍ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ تَرَكَ قَتلى بَدرٍ ثَلاثًا، ثُمَّ أتاهُم فَقامَ عَلَيهِم، فَناداهُم فَقالَ: «يا أبا جَهلِ بنَ هِشامٍ؛ يا أُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ؛ يا عُتبَةَ بنَ رَبِيعَةَ؛ يا شَيبَةَ بنَ رَبِيعَةَ؛ ألَيسَ قَد وجَدتُم ما وعَدَ رَبُّكُم حَقًّا؟ فَإنِّي قَد وجَدتُ ما وعَدَنِي رَبِّي حَقًّا». فَسَمِعَ عُمَرُ قَولَ النَّبِيِّ ﷺ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ كَيفَ يَسمَعُوا؟ وأَنّى يُجِيبُوا وقَد جَيَّفُوا؟ قالَ: «والَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ ما أنتُم بِأَسمَعَ لِما أقُولُ مِنهُم، ولَكِنَّهُم لا يَقدِرُونَ أن يُجِيبُوا». ثُمَّ أمَرَ بِهِم فَسُحِبُوا، فَأُلقُوا فِي قَلِيبِ بَدرٍ. رَوى (خ) مَعناها.
ورَوى (م) عَنْ أنَسٍ قالَ: كُنّا مَعَ عُمَرَ بَينَ مَكَّةَ والمَدِينَةَ، فَتَراءَينا الهِلالَ، وكُنتُ رَجُلًا حَدِيدَ البَصرِ فَرَأَيتُهُ، ولَيسَ أحَدٌ يَزعُمُ أنَّهُ رَآهُ غَيرِي، قالَ: فَجَعَلتُ أقُولُ لِعُمَرَ: أما تَراهُ؟ فَجَعَلَ لا يَراه، قالَ: يَقُولُ عُمَرُ: سَأَراهُ وأَنا مُسْتَلْقٍ عَلى فَراشِي.
ثُمَّ أنشَأَ يُحَدِّثنا عَن أهلِ بَدرٍ، فَقالَ: إنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كانَ يُرِينا مَصارعَ أهلَ بَدرٍ بالأَمسِ، يَقُولُ: «هَذا مَصْرَعُ فُلانٍ غَدًا، إن شاءَ اللهِ». قالَ: فَقالَ عُمَرُ: فَوالَّذِي بَعَثَهُ بِالحَقِّ ما أخطَؤُوا الحُدُودَ الَّتِي حَدَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ، قالَ: فَجُعِلُوا فِي بِئرٍ ...
-الذي عليه المحققون أن الله - تعالى - خرق العادة بأن أعاد الحياة إلى هؤلاء الموتى ليفزعهم. (المازري)
-إثبات عذاب القبر. (الإتيوبي)
-استفهام التابع متبوعه إذا لم يظهر له وجه ما فعله.(الإتيوبي)
-إلقاء هؤلاء الصناديد في القليب تحقيراً لهم ولئلا يتأذى الناس برائحتهم. (النووي)
-فيه إحدى دعوات النبي ﷺ المجابة. (النووي)
-فيه: علَمٌ من أعلامِ نُبوَّةِ محمَّدٍ ﷺ؛ لِإخبارِه بِمَصارِعِ المشركينَ الَّذينَ قُتلوا في يومِ بدْرٍ مِن قبْلِ ذلك، وعلْمِه بمصرَعِ كلِّ واحدٍ وبُقعَتِه مِنَ الأرضِ.

باب: قَتلُ كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ وأَبِي رافِعٍ اليَهُودِيَّيْنِ


١٦٩٩. (خ م) (١٨٠١) عَنْ جابِرٍ ﵁ يَقُولُ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن لِكَعبِ بْنِ الأشرَفِ؟ فَإنَّهُ قَد آذى اللهَ ورَسُولَهُ». فَقالَ مُحَمَّدُ بنُ مَسلَمَةَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ أتُحِبُّ أن أقتُلَهُ؟ قالَ: «نَعَم». قالَ: ائذَن لِي فَلأَقُل. قالَ: «قُل». فَأَتاهُ فَقالَ لَهُ وذَكَرَ ما بَينَهُما، وقالَ: إنَّ هَذا الرَّجُل قَد أرادَ صَدَقَةً، وقَد عَنّانا، فَلَمّا سَمِعَهُ قالَ: وأَيضًا واللهِ لَتَمَلُّنَّهُ. قالَ: إنّا قَد اتَّبَعناهُ الآنَ، ونَكرَهُ أن نَدَعَهُ حَتّى نَنظُرَ إلى أيِّ شَيءٍ يَصِيرُ أمرُهُ، قالَ: وقَد أرَدتُ أن تُسلِفَنِي سَلَفًا، قالَ: فَما تَرهَنُنِي؟ قالَ: ما تُرِيدُ؟ قالَ: تَرهَنُنِي نِساءَكُم. قالَ: أنتَ أجمَلُ العَرَبِ، أنَرهَنُكَ نِساءَنا؟ قالَ لَهُ: تَرهَنُونِي أولادَكُم. قالَ: يُسَبُّ ابنُ أحَدِنا، فَيُقالُ: رُهِنَ فِي وسقَينِ مِن تَمرٍ، ولَكِن نَرهَنُكَ اللأَمَةَ، يَعنِي السِّلاحَ، قالَ: فَنَعَم. وواعَدَهُ أن يَأتِيَهُ بِالحارِثِ وأَبِي عَبسِ بْنِ جَبرٍ وعَبّادِ بْنِ بِشرٍ، قالَ: فَجاءُوا فَدَعَوهُ لَيلًا فَنَزَلَ إلَيهِم، قالَ سُفيانُ: قالَ غَيرُ عَمْرٍو: قالَت لَهُ امرَأَتُهُ: إنِّي لأسمَعُ صَوتًا كَأَنَّهُ صَوتُ دَمٍ. قالَ: إنَّما هَذا مُحَمَّدُ بنُ مَسلَمَةَ، (ورَضِيعُهُ، وأَبُو نائِلَةَ)، إنَّ الكَرِيمَ لَو دُعِيَ إلى طَعنَةٍ لَيلًا لأجابَ. قالَ مُحَمَّدٌ: إنِّي إذا جاءَ فَسَوفَ أمُدُّ يَدِي إلى رَأسِهِ، فَإذا استَمكَنتُ مِنهُ فَدُونَكُم، قالَ: فَلَمّا نَزَلَ نَزَلَ وهُوَ مُتَوَشِّحٌ، فَقالُوا نَجِدُ مِنكَ رِيحَ الطِّيبِ، قالَ: نَعَم، تَحتِي فُلانَةُ، هِيَ أعطَرُ نِساءِ العَرَبِ، قالَ: فَتَأذَنُ لِي أن أشُمَّ مِنهُ، قالَ: نَعَم، فَشُمَّ. فَتَناوَلَ فَشَمَّ، ثُمَّ قالَ: أتَأذَنُ لِي أن أعُودَ، قالَ: فاستَمكَنَ مِن رَأسِهِ، ثُمَّ قالَ: دُونَكُم، قالَ: فَقَتَلُوهُ. لَفظُ (خ): ورَضِيعِي أبُو نائِلَةَ.
- إنما قتل كعب بن الأشرف على هذه الصفة؛ لأنه نقض عهد النبي ﷺ وهجاه وسبه، وكان عاهده ألا يعين عليه أحداً، ثم جاء مع أهل الحرب معيناً عليه. (المازري)
- في هذا من الفقه إسقاط الحرج عمن تأول الكلام فأخبر عن الشيء بما لم يكن إذا كان يريد بذلك استصلاح أمر دينه أو الذب عن نفسه وذويه. (الخطابي)
- لا يجوز الكذب الحقيقي في شيء من الدين أصلا، وقول محمد بن مسلمة: (قد عنانا وسألنا الصدقة) يحتمل أن يتأول منه أن اتباعهم له إنما هو للدنيا على نية كعب بن الأشرف، وليس هو بكذب محض بل هو تورية ومن معاريض الكلام؛ لأنه ورى له عن الحق الذي اتبعوه له بالآخرة، وذكر العناء الذي يصيبهم في الدنيا والنصب. (ابن بطال)
- قولهم:(نرهنك اللأمة)، لا يدل على جواز رهن الحربيين السلاح، وإنما كان ذلك من معاريض الكلام المباحة في الحرب وغيره. (ابن بطال)

١٧٠٠. (خ) (٤٠٣٩) عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ ﵁ قالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إلى أبِي رافِعٍ اليَهُودِيِّ رِجالًا مِن الأَنصارِ، فَأَمَّرَ عَلَيهِم عَبدَ اللهِ بنَ عَتِيكٍ، وكانَ أبُو رافِعٍ يُؤذِي رَسُولَ اللهِ ﷺ ويُعِينُ عَلَيهِ، وكانَ فِي حِصنٍ لَهُ بِأَرضِ الحِجازِ، فَلَمّا دَنَوا مِنهُ وقَد غَرَبَت الشَّمسُ وراحَ النّاسُ بِسَرحِهِم، فَقالَ عَبدُ اللهِ لأَصحابِهِ: اجلِسُوا مَكانَكُم، فَإنِّي مُنطَلِقٌ ومُتَلَطِّفٌ لِلبَوّابِ لَعَلِّي أن أدخُلَ. فَأَقبَلَ حَتّى دَنا مِن البابِ، ثُمَّ تَقَنَّعَ بِثَوبِهِ كَأَنَّهُ يَقضِي حاجَةً، وقَد دَخَلَ النّاسُ، فَهَتَفَ بِهِ البَوّابُ: يا عَبدَ اللهِ، إن كُنتَ تُرِيدُ أن تَدخُلَ فادخُل، فَإنِّي أُرِيدُ أن أُغلِقَ البابَ. فَدَخَلتُ فَكَمَنتُ، فَلَمّا دَخَلَ النّاسُ أغلَقَ البابَ، ثُمَّ عَلَّقَ الأَغالِيقَ عَلى وتَدٍ، قالَ: فَقُمتُ إلى الأَقالَيدِ فَأَخَذتُها، فَفَتَحتُ البابَ، وكانَ أبُو رافِعٍ يُسمَرُ عِندَهُ، وكانَ فِي عَلالِيَّ لَهُ، فَلَمّا ذَهَبَ عَنهُ أهلُ سَمَرِهِ صَعِدتُ إلَيهِ، فَجَعَلتُ كُلَّما فَتَحتُ بابًا أغلَقتُ عَلَيَّ مِن داخِلٍ، قلت: إن القَومُ نَذِرُوا بِي لَم يَخلُصُوا إلَيَّ حَتّى أقتُلَهُ، فانتَهَيتُ إلَيهِ فَإذا هُوَ فِي بَيتٍ مُظلِمٍ وسطَ عِيالِهِ، لا أدرِي أينَ هُوَ مِن البَيتِ، فَقلت: يا أبا رافِعٍ، قالَ: مَن هَذا؟ فَأَهوَيتُ نَحوَ الصَّوتِ، فَأَضرِبُهُ ضَربَةً بِالسَّيفِ وأَنا دَهِشٌ، فَما أغنَيتُ شَيئًا، وصاحَ، فَخَرَجتُ مِن البَيتِ فَأَمكُثُ غَيرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ دَخَلتُ إلَيهِ فَقلت: ما هَذا الصَّوتُ يا أبا رافِعٍ؟ فَقالَ: لأمِّكَ الوَيلُ، إنَّ رَجُلًا فِي البَيتِ ضَرَبَنِي قَبلُ بِالسَّيفِ قالَ: فَأَضرِبُهُ ضَربَةً أثخَنَتهُ ولَم أقتُلهُ ثُمَّ وضَعتُ ظُبَةَ السَّيفِ فِي بَطنِهِ حَتّى أخَذَ فِي ظَهرِهِ، فَعَرَفت أنِّي قَتَلتُهُ، فَجَعَلتُ أفتَحُ الأبوابَ بابًا بابًا، حَتّى انتَهَيتُ إلى دَرَجَةٍ لَهُ، فَوَضَعتُ رِجلِي وأَنا أُرى أنِّي قَد انتَهَيتُ إلى الأرضِ، فَوَقَعتُ فِي لَيلَةٍ مُقمِرَةٍ، فانكَسَرَت ساقِي، فَعَصَبتُها بِعِمامَةٍ، ثُمَّ انطَلَقتُ حَتّى جَلَستُ عَلى البابِ، فَقلت: لا أخرُجُ اللَّيلَةَ حَتّى أعلَمَ؛ أقَتَلتُهُ؟ فَلَمّا صاحَ الدِّيكُ قامَ النّاعِي عَلى السُّورِ، فَقالَ: أنعى أبا رافِعٍ تاجِرَ أهلِ الحِجازِ. فانطَلَقتُ إلى أصحابِي فَقلت: النَّجاءَ، فَقَد قَتَلَ اللهُ أبا رافِعٍ، فانتَهَيتُ إلى النَّبِيِّ ﷺ فَحَدَّثتُهُ، فَقالَ: «ابسُط رِجلَكَ». فَبَسَطتُ رِجلِي فَمَسَحَها، فَكَأَنَّها لَم أشتَكِها قَطُّ.
-جَوَازُ اغْتِيَالِ الْمُشْرِكِ الَّذِي بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ وَأَصَرَّ وَقَتْلُ مَنْ أَعَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِيَدِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ لِسَانِهِ. (ابن حجر)
-جَوَازُ التَّجسِيسِ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ وَتَطَلُّبُ غِرَّتِهِمْ. (ابن حجر)
-جواز الأَخْذُ بِالشِّدَّةِ فِي مُحَارَبَةِ الْمُشْرِكِينَ. (ابن حجر)
-جَوَازُ إِبْهَامِ الْقَوْلِ لِلْمَصْلَحَةِ. (ابن حجر)
-جواز تَعَرُّضِ الْقَلِيلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِلْكَثِيرِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. (ابن حجر)
-جواز الْحكم بِالدَّلِيلِ والعلامة لاستدلال ابن عَتِيكٍ عَلَى أَبِي رَافِعٍ بِصَوْتِهِ وَاعْتِمَادِهِ عَلَى صَوت الناعي بِمَوْتِهِ. (ابن حجر)
-بيانُ عَداوةِ اليَهودِ المُستمرَّةِ للنبي ﷺ ولِلإسْلامِ وأهلِه، وجبنهم وخورهم فهم لا يقاتلون المسلمين إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر.
-فيه فضيلةٌ ظاهرةٌ لعبدِ اللهِ بنِ عَتيك رضِي اللهُ عنه، وبيانُ فِطنتِه وذكائه الذي يحركه الإيمان، وأنه بلغ الغاية في التخطيط لتنفيذ ما امر به النبي ﷺ.
-التزام الصحابة بأمر النبي -ﷺ- بعدم قتل النساء.
-تكرار المحاولة وعدم اليأس؛ فإن عبد الله بن عتيك لم ينجح في قتل أبي رافع من أول مرة بل استمر في المحاولة حتى تمكن من قتله.
-ضعف الإنسان لا يمنع من القيام بالمهمة؛ فعبد الله بن عتيك كان ضعيف البصر.
-شدة امتثال الصحابة رضي الله عنهم لأمر النبي ﷺ وقوة صبرهم وتحملهم؛ فإنهم لم يخرجوا من الحصن حتى تأكدوا من تنفيذ المهمة التي أوكلت إليهم مع خطورة البقاء.
-البشارة بالخبر السار.
-تواضع عبد الله بن عتيك -رضي الله عنه-، حيث قال: "قتل الله فلانا" وما قال: أنا قتلته، وإنما قال: "قتل الله أبا رافع".
-فيه مُعجزةٌ ظاهِرةٌ لِلنَّبيِّ ﷺ بِشِفاءِ رِجلِ ابنِ عَتيكٍ المَكسورَةِ بَعدَ مَسحِها.

باب: غَزْوَةُ أُحُدٍ وما أصابَ الـمُسْلِمِينَ مِن جِراحاتٍ


١٧٠١. (خ م) (١٧٩٠) عَنْ أبِي حازِمٍ؛ أنَّهُ سَمِعَ سَهلَ بنَ سَعدٍ ﵁ يُسأَلُ عَن جُرحِ رَسُولِ اللهِ ﷺ يَومَ أُحُدٍ، فَقالَ: جُرِحَ وجهُ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وكُسِرَت رَباعِيَتُهُ، وهُشِمَت البَيضَةُ عَلى رَأسِهِ، فَكانَت فاطِمَةُ بِنتُ رَسُولِ اللهِ ﷺ تَغسِلُ الدَّمَ، وكانَ عَلِيُّ بنُ أبِي طالِبٍ يَسكُبُ عَلَيها بِالمِجَنِّ، فَلَمّا رَأَت فاطِمَةُ أنَّ الماءَ لا يَزِيدُ الدَّمَ إلا كَثرَةً أخَذَت قِطعَةَ حَصِيرٍ فَأَحرَقَتهُ حَتّى صارَ رَمادًا، ثُمَّ ألصَقَتهُ بِالجُرحِ فاستَمسَكَ الدَّمُ.
ورَوى (م) عَن أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كُسِرت رَباعِيَتُهُ يَومَ أُحُدٍ، وشُجَّ فِي رَأسِهِ، فَجَعَلَ يَسلُتَ الدَّمَ عَنهُ ويَقُولُ: «كَيفَ يَفلَحُ قَومٌ شَجُّوا نَبِيَّهُم، وكَسَرُوا رَباعِيَتَه، وهُو يَدعُوهُم إلى اللهِ؟» فَأَنزَلَ اللهُ ﷿: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ﴾ [آل عمران: ١٢٨]. علَّقَ (خ) بَعضَ هَذِهِ الرِّوايةِ.
-ما ابتلى به الأنبياء وأهل الفضل لينالوا جزيل الأجر، وليعلم أنهم من البشر يصيبهم محن الدنيا، ليتحققوا أنهم مخلوقون مربون، ولا يدخل اللبس في المفعول بسبب ما ظهر على أيديهم من العجائب والآيات ما يشكك في بشريتهم. (القاضي عياض)
-فيه استعمال السلاح في مصالح المسلمين وإن كان في غير ما وضعت له. (القاضي عياض)
-فيه ما كانوا عليه صلوات الله عليهم من الحلم والصبر والشفقة على قومهم وأممهم، وأنهم مع فعلهم بهم وأذاهم لهم دعوا بالغفران، وعذروهم بالجهل وقلة العلم بما أتوه. (القاضي عياض)
-من الحكم في امتحان الأنبياء وإيلامهم؛ ليكونوا أسوة لمن ناله جرح وألم من أتباعهم، فلا يجدون في أنفسهم مما نالهم غضاضة. (ابن بطال)
-فيه أن النساء قمن على معالجة الجرحى. (ابن بطال)
-فِيهِ اسْتِحْبَابُ لُبْسِ الْبَيْضَةِ وَالدُّرُوعِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَسْبَابِ التَّحَصُّنِ فِي الْحَرْبِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِقَادِحٍ فِي التَّوَكُّلِ. (النووي)
-إِثْبَاتُ الْمُدَاوَاةِ وَمُعَالَجَةِ الْجِرَاحِ وَأَنَّهُ لَا يَقْدَحُ فِي التَّوَكُّلِ. (النووي)

١٧٠٢. (خ) (٣٠٣٩) عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ ﵄ قالَ: جَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ عَلى الرَّجّالَةِ يَومَ أُحُدٍ وكانُوا خَمسِينَ رَجُلًا عَبدَ اللهِ بنَ جُبَيرٍ ﵁، فَقالَ: «إن رَأَيتُمُونا تَخطَفُنا الطَّيرُ فَلا تَبرَحُوا مَكانَكُم هَذا حَتّى أُرسِلَ إلَيكُم، وإن رَأَيتُمُونا هَزَمنا القَومَ وأَوطَأناهُم فَلا تَبرَحُوا حَتّى أُرسِلَ إلَيكُم». فَهَزَمُوهُم، قالَ: فَأَنا واللهِ رَأَيتُ النِّساءَ يَشتَدِدنَ، قَد بَدَت خَلاخِلُهُنَّ وأَسوُقُهُنَّ رافِعاتٍ ثِيابَهُنَّ، فَقالَ أصحابُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُبَيرٍ: الغَنِيمَةَ أي قَومِ الغَنِيمَةَ، ظَهَرَ أصحابُكُم فَما تَنتَظِرُونَ. فَقالَ عَبدُ اللهِ بنُ جُبَيرٍ: أنَسِيتُم ما قالَ لَكُم رَسُولُ اللهِ ﷺ؟ قالُوا: واللهِ لَنَأتِيَنَّ النّاسَ فَلَنُصِيبَنَّ مِن الغَنِيمَةِ. فَلَمّا أتَوهُم صُرِفَت وُجُوهُهُم فَأَقبَلُوا مُنهَزِمِين، فَذاكَ إذ يَدعُوهُم الرَّسُولُ فِي أُخراهُم، فَلَم يَبقَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ غَيرُ اثنَي عَشَرَ رَجُلًا، فَأَصابُوا مِنّا سَبعِينَ، وكانَ النَّبِيُّ ﷺ وأَصحابُهُ أصابُوا مِن المُشرِكِين يَومَ بَدرٍ أربَعِينَ ومِائَةً؛ سَبعِينَ أسِيرًا وسَبعِينَ قَتِيلًا، فَقالَ أبُو سُفيانَ: أفِي القَومِ مُحَمَّدٌ؟ ثَلاثَ مَرّاتٍ، فَنَهاهُم النَّبِيُّ ﷺ أن يُجِيبُوهُ، ثُمَّ قالَ: أفِي القَومِ ابنُ أبِي قُحافَةَ؟ ثَلاثَ مَرّاتٍ، ثُمَّ قالَ: أفِي القَومِ ابنُ الخَطّابِ؟ ثَلاثَ مَرّاتٍ، ثُمَّ رَجَعَ إلى أصحابِهِ فَقالَ: أمّا هَؤُلاءِ فَقَد قُتِلُوا. فَما مَلَكَ عُمَرُ نَفسَهُ فَقالَ: كَذَبتَ واللهِ يا عَدُوَّ اللهِ، إنَّ الَّذِينَ عَدَدتَ لأَحياءٌ كُلُّهُم، وقَد بَقِيَ لَكَ ما يَسُوءُكَ. قالَ: يَومٌ بِيَومِ بَدرٍ، والحَربُ سِجالٌ، إنَّكُم سَتَجِدُونَ فِي القَومِ مُثلَةً لَم آمُر بِها ولَم تَسُؤنِي. ثُمَّ أخَذَ يَرتَجِزُ: أُعلُ هُبَل، أُعلُ هُبَل. قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «ألا تُجِيبُوا لَهُ؟» قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ؛ ما نَقُولُ؟ قالَ: قُولُوا: «اللهُ أعلى وأَجَلُّ». قالَ: إنَّ لَنا العُزّى ولا عُزّى لَكُم. فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «ألا تُجِيبُوا لَهُ؟» قالَ: قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ؛ ما نَقُولُ؟ قالَ: قُولُوا: «اللهُ مَولانا ولا مَولى لَكُم».
ورَوى (م) عَن أنَسِ بْنِ مالكٍ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كانَ يَقُولُ يَومَ أُحُدٍ: «اللَّهُمَّ؛ إنَّكَ إن تَشَأْ لا تُعْبَدْ فِي الأَرضِ».
-التنازع والاختلاف هو سبب التشتت والتفرق. (ابن الملقن)
-فيه بيان أنه لم ينهزم كل أصحابه ﷺ، ونهيه عن جواب أبي سفيان تصاون عن الخوض فيما لا فائدة فيه، وعن خصام مثله. (ابن بطال)
-إجابة عمر بعد نهيه إنما هي حماية للظن برسول الله - ﷺ - أنه قتل، وأن بأصحابه الوهن، فكانت إجابته لإنكار الباطل.
-شؤم الخلاف، وما يوقعه من هزيمة وضعف.
-في قوله: (تخطفنا الطير) دليل على جواز الإغياء فى الكلام. (ابن بطال)
-منْزِلَةُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ وَخُصُوصِيَّتُهُمَا بِهِ بِحَيْثُ كَانَ أَعْدَاؤُهُ لَا يَعْرِفُونَ بِذَلِكَ غَيْرَهُمَا. (ابن حجر)
-أنه يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَتَذَكَّرَ نِعْمَةَ اللَّهِ، وَيَعْتَرِفَ بِالتَّقْصِيرِ عَنْ أَدَاءِ شُكْرِهَا. (ابن حجر)
-فيهِ شُؤْمُ ارْتِكَابِ النَّهْيِ وَأَنَّهُ يَعُمُّ ضَرَرُهُ مَنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}. (ابن حجر)
-أَنَّ مَنْ آثَرَ دُنْيَاهُ أَضَرَّ بِأَمْرِ آخِرَتِهِ وَلَمْ تَحْصُلْ لَهُ دُنْيَاهُ. (ابن حجر)
-أن الذنوب والمعاصي سبب كل شر وبلاء.
-أَنَّ عَادَةَ الرُّسُلِ أَنْ تُبْتَلَى وَتَكُونَ لَهَا الْعَاقِبَةُ. (ابن حجر)
-أن المسلمين لَوِ انْتَصَرُوا دَائِمًا دَخَلَ فِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ وَلَمْ يَتَمَيَّزِ الصَّادِقُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوِ انْكَسَرُوا دَائِمًا لَمْ يَحْصُلِ الْمَقْصُودُ مِنَ الْبَعْثَةِ؛ فَاقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ لِتَمْيِيزِ الصَّادِقِ مِنَ الْكَاذِبِ.
-أَنَّ فِي تَأْخِيرِ النَّصْرِ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ تربية لِلنَّفْسِ وَكَسْرًا لِشَمَاخَتِهَا. (ابن حجر)
-أَنَّ اللَّهَ هَيَّأَ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مَنَازِلَ فِي دَارِ كَرَامَتِهِ لَا تَبْلُغُهَا أَعْمَالُهُمْ فَقَيَّضَ لَهُمْ أَسْبَابَ الِابْتِلَاءِ وَالْمِحَنِ لِيَصِلُوا إِلَيْهَا.

١٧٠٣. (خ) (٦٨٩٠) عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: لَمّا كانَ يَومُ أُحُدٍ هُزِمَ المُشرِكُونَ، فَصاحَ إبلِيسُ: أي عِبادَ اللهِ؛ أُخراكُم. فَرَجَعَت أُولاهُم فاجتَلَدَت هِيَ وأُخراهُم، فَنَظَرَ حُذَيْفَة، فَإذا هُوَ بِأبِيهِ اليَمانِ، فَقالَ: أي عِبادَ اللهِ؛ أبِي أبِي. قالَت: فَوَ اللهِ ما احتَجَزُوا حَتّى قَتَلُوهُ، قالَ حُذَيْفَةُ: غَفَرَ اللهُ لَكُم. قالَ عُروَةُ: فَما زالَت فِي حُذَيْفَةَ مِنهُ بَقِيَّةٌ حَتّى لَحِقَ بِاللهِ.
-هزيمة المشركين في بداية غزوة أحد.
-قال الشافعي: ولو اختلطوا في القتال فقتل بعض المسلمين بعضاً فادعى القاتل أنه لم يعرف المقتول، فالقول قوله مع يمينه ولا قود عليه وعليه الكفارة، ويدفع إلى أولياء المقتول ديته.
-قوله: (بقية خير) يؤخذ منه أن فعل الخير تعود بركته على صاحبه في طول حياته؛ لأن حذيفة رضي الله عنه قال للمسلمين الذين قتلوا أباه خطأ (غفر الله لكم)، واستمر ذلك الخير فيه إلى أن مات رضي الله عنه. (ابن حجر)
-فِيهِ: أَن الْمُسلم إِذا قتل صَاحبه خطأ عِنْد اشتباك الْحَرْب لَا شَيْء عَلَيْهِ، إلاَّ إِذا فعله قَاصِدا لهلاكه. (الخطابي)

باب: قِتالُ جِبْرِيلَ ومِيكائِيلَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ أحُدٍ


١٧٠٤. (خ م) (٢٣٠٦) عَنْ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ ﵁ قالَ: لَقَد رَأَيتُ يَومَ أُحُدٍ عَن يَمِينِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وعَن يَسارِهِ رَجُلَينِ عَلَيهِما ثِيابٌ بِيضٌ، يُقاتِلانِ عَنهُ كَأَشَدِّ القِتالِ، ما رَأَيتُهُما قَبلُ ولا بَعدُ. زادَ (م) فِي رِوايَةٍ: يَعنِي جِبرِيلَ ومِيكائِيلَ.
- بيان كرامة النبي ﷺ على الله تعالى، وإكرامه إياه بإنزال الملائكة تقاتل معه. (النووي)
- بيان أن الملائكة تقاتل. (النووي)
- أن قتال الملائكة لم يختص بيوم بدر. (النووي)
- فيه فضيلة الثياب البيض. (النووي)
- أن رؤية الملائكة لا تختص بالأنبياء بل يراهم الصحابة والأولياء. (النووي)
- فيه منقبة لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه الذي رأى الملائكة. (النووي)
- تقوية قلوب المؤمنين بما أراهم الله من ذلك، ورعبًا لقلوب المشركين. (القاضي عياض)

باب: اشتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلى مَن قَتَلَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ


١٧٠٥. (خ م) (١٧٩٣) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ قالَ: «اشتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلى قَومٍ فَعَلُوا هَذا بِرَسُولِ اللهِ ﷺ». وهُوَ حِينَئِذٍ يُشِيرُ إلى رَباعِيَتِهِ، وقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اشتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلى رَجُلٍ يَقتُلُهُ رَسُولُ اللهِ فِي سَبِيلِ اللهِ».
-فيه أن الرَّسُول ﷺ يُرْجَى مِنْهُ الرَّحْمَة، فَإِذا اشْتَدَّ غَضَبه وَأخرج إِلَى الْقَتْل دلّ على أَن الْمَقْتُول فِي غَايَة الشَّقَاء، وأنه مستحق للعقوبة غير أهل للرحمة، وَقد قتل عَلَيْهِ السَّلَام أبي بن خلف يَوْم أحد. (ابن الجوزي)

باب: قَتْلُ حَمْزَةَ عَمِّ النَّبِيِّ ﷺ


١٧٠٦. (خ) (٤٠٧٢) عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمَرِيِّ قالَ: خَرَجتُ مَعَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الخِيارِ، فَلَمّا قَدِمنا حِمصَ قالَ لِي عُبَيدُ الله: هَل لَكَ فِي وحشِيٍّ نَسأَلُهُ عَن قَتلِ حَمزَةَ؟ قلت: نَعَم، وكانَ وحشِيٌّ يَسكُنُ حِمصَ، فَسَأَلنا عَنهُ، فَقِيلَ لَنا: هُوَ ذاكَ فِي ظِلِّ قَصرِهِ، كَأَنَّهُ حَمِيتٌ، قالَ: فَجِئنا حَتّى وقَفنا عَلَيهِ بِيَسِيرٍ، فَسَلَّمنا فَرَدَّ السَّلامَ، قالَ: وعُبَيدُ اللهِ مُعتَجِرٌ بِعِمامَتِهِ ما يَرى وحشِيٌّ إلا عَينَيهِ ورِجلَيهِ، فَقالَ عُبَيدُ اللهِ: يا وحشِيُّ؛ أتَعرِفُنِي؟ قالَ: فَنَظَرَ إلَيهِ، ثُمَّ قالَ: لا واللهِ، إلا أنِّي أعلَمُ أنَّ عَدِيَّ بنَ الخِيارِ تَزَوَّجَ امرَأَةً يُقالُ لَها أُمُّ قِتالٍ بِنتُ أبِي العِيصِ، فَوَلَدَت لَهُ غُلامًا بِمَكَّةَ فَكُنتُ أستَرضِعُ لَهُ، فَحَمَلتُ ذَلكَ الغُلامَ مَعَ أُمِّهِ فَناوَلتُها إيّاهُ، فَلَكَأَني نَظَرتُ إلى قَدَمَيكَ، قالَ: فَكَشَفَ عُبَيدُ اللهِ عَن وجهِهِ، ثُمَّ قالَ: ألا تُخبِرُنا بِقَتلِ حَمزَةَ؟ قالَ: نَعَم، إنَّ حَمزَةَ قَتَلَ طُعَيمَةَ بنَ عَدِيِّ بْنِ الخِيارِ بِبَدرٍ، فَقالَ لِي مَولايَ جُبَيرُ بنُ مُطعِمٍ: إن قَتَلتَ حَمزَةَ بِعَمِّي فَأَنتَ حُرٌّ. قالَ: فَلَمّا أن خَرَجَ النّاسُ عامَ عَينَينِ، وعَينَينِ جَبَلٌ بِحِيالِ أُحُدٍ بَينَهُ وبَينَهُ وادٍ، خَرَجتُ مَعَ النّاسِ إلى القِتالِ، فَلَمّا أن اصطَفُّوا لِلقِتالِ خَرَجَ سِباعٌ فَقالَ: هَل مِن مُبارِزٍ؟ قالَ: فَخَرَجَ إلَيهِ حَمزَةُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَقالَ: يا سِباعُ، يا ابنَ أُمِّ أنمارٍ مُقَطِّعَةِ البُظُورِ، أتُحادُّ اللهَ ورَسُولَهُ ﷺ؟ قالَ: ثُمَّ شَدَّ عَلَيهِ فَكانَ كَأَمسِ الذّاهِبِ، قالَ: وكَمَنتُ لِحَمزَةَ تَحتَ صَخرَةٍ، فَلَمّا دَنا مِنِّي رَمَيتُهُ بِحَربَتِي، فَأَضَعُها فِي ثُنَّتِهِ حَتّى خَرَجَت مِن بَينِ ورِكَيهِ، قالَ: فَكانَ ذاكَ العَهدَ بِهِ، فَلَمّا رَجَعَ النّاسُ رَجَعتُ مَعَهُم، فَأَقَمتُ بِمَكَّةَ حَتّى فَشا فِيها الإسلامُ، ثُمَّ خَرَجتُ إلى الطّائِفِ، فَأَرسَلُوا إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ رَسُولًا، فَقِيلَ لِي: إنَّهُ لا يَهِيجُ الرُّسُلَ. قالَ: فَخَرَجتُ مَعَهُم حَتّى قَدِمتُ عَلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَلَمّا رَآنِي قالَ: «آنتَ وحشِيٌّ؟» قلت: نَعَم، قالَ: «أنتَ قَتَلتَ حَمزَةَ؟» قلت: قَد كانَ مِن الأمرِ ما بَلَغَكَ، قالَ: «فَهَل تَستَطِيعُ أن تُغَيِّبَ وجهَكَ عَنِّي؟» قالَ: فَخَرَجتُ، فَلَمّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَخَرَجَ مُسَيلِمَةُ الكَذّابُ قلت: لأخرُجَنَّ إلى مُسَيلِمَةَ لَعَلِّي أقتُلُهُ، فَأُكافِئَ بِهِ حَمزَةَ، قالَ: فَخَرَجتُ مَعَ النّاسِ، فَكانَ مِن أمرِهِ ما كانَ، قالَ: فَإذا رَجُلٌ قائِمٌ فِي ثَلمَةِ جِدارٍ كَأَنَّهُ جَمَلٌ أورَقُ، ثائِرُ الرَّأسِ، قالَ: فَرَمَيتُهُ بِحَربَتِي فَأَضَعُها بَينَ ثَديَيهِ حَتّى خَرَجَت مِن بَينِ كَتِفَيهِ، قالَ: ووَثَبَ إلَيهِ رَجُلٌ مِن الأنصارِ فَضَرَبَهُ بِالسَّيفِ عَلى هامَتِهِ، قالَ: قالَ عَبدُ اللهِ بنُ الفَضلِ: فَأَخبَرَنِي سُلَيمانُ بنُ يَسارٍ؛ أنَّهُ سَمِعَ عَبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ يَقُولُ: فَقالَت جارِيَة عَلى ظَهرِ بَيتٍ: وا أمِيرَ المُؤمِنِينَ؛ قَتَلَهُ العَبدُ الأَسوَدُ.
-فيه منقبة لحمزة رضي الله عنه وشجاعته وقوته في القتال.
-جواز سب المشركين سباً مذقعاً في الحرب، وأن ذلك من باب إيقاع الهزيمة النفسية في قلوبهم.
-شدة تأثر النبي ﷺ لمقتل حمزة رضي الله عنه؛ فهو عمه وأخوه من الرضاعة، وقد نصر الله تعالى به الدين.
-تألم الإنسان لمن أوصل أذى لقريبه، وأن هذا الألم لا ينافي الهجر المذموم، وما كان عليه ﷺ من الرفق، وأن المرء يتوجع أن يرى قاتل وليه.
-أن الإسلام يهدم ما قبله؛ ولذلك فإن النبي ﷺ ما قتل وحشياً ولا اقتص منه.
-فيه منقبة لوحشي رضي الله عنه، لقتله مسيلمة الكذاب؛ والله يغفر لوحشي فالإسلام يجب ما قبله.
-ينبغي للعبد أن يتبع السيئة بالحسنة، ويسعى لتعويض ما فاته، ولذلك فإن وحشي لما قتل حمزة رضي الله عنه أراد أن يقتل شخصاً يكافئ بقتله حمزة لعله تكون له عند الله سابقة تنفعه ويعالج بها ما حصل من الندم في نفسه.

١ من الذي قال: "ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك" ؟

٥/٠