باب: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا﴾


١٧١٨. (خ م) (١٧٨٦) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: لَمّا نَزَلَت: ﴿إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ﴾ إلى قَولِهِ ﴿فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الفتح: ١٥] مَرجِعَهُ مِن الحُدَيبِيَةِ، (وهُم يُخالِطُهُم الحُزنُ والكَآبَةُ، وقَد نَحَرَ الهَديَ بِالحُدَيبِيَةِ،) فَقالَ: «لَقَد أُنزِلَت عَلَيَّ آيَةٌ هِيَ أحَبُّ إلَيَّ مِن الدُّنيا جَمِيعًا».
رَوى (خ) آخره عَن زَيْدِ بْنِ أسلَمَ عَن أبِيهِ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كانَ يَسِيرُ فِي َبعضِ أسفارِهِ، وعُمرُ بنُ الخطابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيلًا ... وفِيها: فَقالَ: «لَقَد أُنزِلت عَليَّ اللَّيلةَ سُورةٌ، لَهِي أحَبُّ إليَّ مِمّا طَلَعت عَلَيهِ الشَّمسُ»، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا﴾.
-في هذا الحديث أن سورة الفتح نزلت مبشرة رسول الله - ﷺ - بالفتح من قبل كونه، وفيه أيضًا أن الله تعالى بشر المؤمنين بما وعدهم به في الجنة. (ابن هبيرة)
-أن صلح الحديبية هو الفتح الذي بيّنه الله تعالى بقوله: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}، وذلك؛ لأنه مقدّمة الفتوحات الكبرى؛ كفتح مكة، وفتح خيبر، ومن ثمّ جُعلت غنائم خيبر لأهل الحديبية. (الإتيوبي).
-(لقد أنزلت عليَّ آية هي أحب إليَّ من الدنيا) وما فيها، (جميعًا): قال الأبيّ: إما باعتبار كونها قرآنًا؛ فآية واحدة خير من الدنيا وما فيها، الأظهر أنه يريد لما اشتملت عليه من الفتح الذي نزل الإعلام به وأصحابه في حال شدة، قلت: وتضمنت الآية أيضًا المغفرة العامة لرسول الله ﷺ وإتمام نعمة الله عليه ونصره نصرًا عزيزًا، وكل ذلك فيه بشارة موجبة للفرج. (الهرري)
-قوله (لهي أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس) أي لما فيها من البشارة بالمغفرة والفتح. (ابن حجر)
-وفيه أن غفران الذنوب خير للمؤمنين مما طلعت عليه الشمس، لو أعطي ذلك. (ابن عبدالبر)
-(أَحَبُّ إِليَّ مِمَّا طَلَعت عَلَيهِ الشَّمسُ): وذلك تحقير منه ﷺ بالدنيا وتعظيم للآخرة، وهكذا ينبغي للعالم أن يحقر ما حقر الله ويعظم ما عظم الله، وإذا كان غفران الذنوب كما وصف فمعلوم أنه (عليه الصلاة والسلام) لم يكفر عنه إلا الصغائر؛ لأنه لا يأتي كبيرة أبدا، لا هو ولا أحد من الأنبياء لأنهم معصومون من الكبائر صلوات الله عليهم. (ابن عبدالبر)

١٧١٩. (خ) (٤١٥٠) عَنِ البَراءِ ﵁ قالَ: تَعُدُّونَ أنتُم الفَتحَ فَتحَ مَكَّةَ، وقَد كانَ فَتحُ مَكَّةَ فَتحًا، ونَحنُ نَعُدُّ الفَتحَ بَيعَةَ الرِّضوانِ يَومَ الحُدَيبِيَةِ، كُنّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ أربَعَ عَشرَةَ مِائَةً، والحُدَيبِيَةُ بِئرٌ فَنَزَحناها فَلَم نَترُك فِيها قَطرَةً، فَبَلَغَ ذَلكَ النَّبِيَّ ﷺ، فَأَتاها فَجَلَسَ عَلى شَفِيرِها، ثُمَّ دَعا بِإناءٍ مِن ماءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ مَضمَضَ ودَعا، ثُمَّ صَبَّهُ فِيها، فَتَرَكناها غَيرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ إنَّها أصدَرَتنا ما شِئنا نَحنُ ورِكابَنا. وفي رواية: وقَعَدَ عَلى شَفِيرِها، ثُمَّ قالَ: «ائتُونِي بِدَلوٍ مِن مائِها». فأُتيَ بِهِ، فَبَصَق فَدَعا، ثُمَّ قالَ: «دَعُوها ساعَةً». فَأَروَوا أنفُسَهُم ورِكابَهُم حَتّى ارتَحَلُوا.
-وَنَحنُ نَعُدُّ الفَتحَ بَيعَةَ الرِّضوَانِ: يعني قوله تعالى "إنا فتحنا لك فتحا مبينا"، وهذا موضع وقع فيه اختلاف قديم، والتحقيق أنه: يختلف ذلك باختلاف المراد من الآيات؛ فقوله تعالى "إنا فتحنا لك فتحا مبينا" المراد بالفتح هنا: الحديبية؛ لأنها كانت مبدأ الفتح المبين على المسلمين لما ترتب على الصلح الذي وقع منه الأمن، ورفع الحرب، وتمكن من يخشى الدخول في الإسلام، والوصول إلى المدينة من ذلك،كما وقع لخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهما، ثم تبعت الأسباب بعضها بعضا إلى أن كمل الفتح.
وقد ذكر ابن إسحاق في المغازي عن الزهري: قال لم يكن في الإسلام فتح قبل فتح الحديبية أعظم منه، إنما كان الكفر حيث القتال فلما أمن الناس كلهم كلم بعضهم بعضا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة ولم يكن أحد في الإسلام يعقل شيئا إلا بادر إلى الدخول فيه فلقد دخل في تلك السنتين مثل من كان دخل في الإسلام قبل ذلك أو أكثر. قال ابن هشام: ويدل عليه أنه ﷺ خرج في الحديبية في ألف وأربعمائة ثم خرج بعد سنين إلى فتح مكة في عشرة آلاف انتهى، وهذه الآية نزلت منصرفه ﷺ من الحديبية...
وأما قوله تعالى في هذه السورة "وأثابهم فتحا قريبا"؛ فالمراد بها فتح خيبر على الصحيح؛ لأنها هي التي وقعت فيها المغانم الكثيرة للمسلمين.. وأما قوله تعالى: "فجعل من دون ذلك فتحا قريبا"؛ فالمراد الحديبية، وأما قوله تعالى: "إذا جاء نصر الله والفتح"؛ وقوله ﷺ: (لا هجرة بعد الفتح)؛ فالمراد به فتح مكة باتفاق فبهذا يرتفع الإشكال وتجتمع الأقوال بعون الله تعالى. (ابن حجر)
-تفقد القائد لأحوال جنده والعمل على مصالحهم ومساعدة المحتاج منهم للسلاح. (موسى لاشين)
-جواز المصالحة مع العدو. (موسى لاشين)

باب: عِدَّةُ أصْحابِ الشَّجَرَةِ ومَن شَهِدَ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ


١٧٢٠. (خ م) (١٨٥٦) عَنْ سالِمِ بْنِ أبِي الجَعْدِ قالَ: سَأَلتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ اللهِ ﵁ عَن أصحابِ الشَّجَرَةِ فَقالَ: لَو كُنّا مِائَةَ ألفٍ لَكَفانا، كُنّا ألفًا وخَمسَ مِائَةٍ.
وفي رواية (خ) زادَ: قالَ: قَد رَأَيتُنِي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وقَد حَضَرَت العَصرُ، ولَيسَ مَعَنا ماءٌ غَيرَ فَضلَةٍ، فَجُعِلَ فِي إناءٍ فَأُتِي النَّبِيُّ ﷺ بِهِ، فَأَدخَلَ يَدَهُ فِيهِ وفَرَّجَ أصابِعَهُ، ثُمَّ قالَ: «حَيَّ عَلى أهلِ الوُضُوءِ، البَرَكَةُ مِن اللهِ». فَلَقَد رَأَيتُ الماءَ يَتَفَجَّرُ مِن بَينِ أصابِعِهِ، فَتَوَضَّأَ النّاسُ وشَرِبُوا، فَجَعَلتُ لا آلُو ما جَعَلتُ فِي بَطنِي مِنهُ، فَعَلِمتُ أنَّه بَرَكَةٌ. قُلتُ لِجابرٍ: كَم كُنتُم يَومَئِذٍ؟ قالَ: ألفًا وأَربَعَ مِائَةٍ. وفِي نُسخَةٍ: «حَيَّ عَلى الوُضُوءِ». [صَوَّبَها ابنُ حَجَرٍ].
-قوله (سألت جابرا عن أصحاب الشجرة؛ فقال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا ألفا وخمسمائة) هذا مختصر من الحديث الصحيح في بئر الحديبية؛ ومعناه: أن الصحابة لما وصلوا الحديبية وجدوا بئرها إنما تنزه مثل الشراك، فبصق النبي ﷺ فيها ودعا فيها بالبركة فجاست فهي إحدى المعجزات لرسول الله ﷺ فكأن السائل في هذا الحديث علم أصل الحديث والمعجزة في تكثير الماء وغير ذلك مما جرى فيها، ولم يعلم عددهم فقال جابر كنا ألفا وخمسمائة ولو كنا مائة ألف أو أكثر لكفانا. (النووي)

١٧٢١. (خ م) (١٨٥٧) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبِي أوْفى ﵁ قالَ: كانَ أصحابُ الشَّجَرَةِ ألفًا وثَلاثَ مِائَةٍ، وكانَت أسلَمُ ثُمُنَ المُهاجِرِينَ.
-قوله "ثمن المهاجرين": ولم أعرف عدد من كان بها من المهاجرين خاصة ليعرف عدد الأسلميين إلا أن الواقدي جزم بأنه كان مع النبي ﷺ في غزوة الحديبية من أسلم مائة رجل فعلى هذا كان المهاجرون ثمانمائة. (ابن حجر)

١٧٢٢. (خ م) (١٨٥٩) عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ قالَ: كانَ أبِي مِمَّن بايَعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ عِنْدَ الشَّجَرَةِ، قالَ: فانطَلَقنا فِي قابِلٍ حاجِّينَ، فَخَفِيَ عَلَينا مَكانُها. فَإن كانَت تَبَيَّنت لَكُم فَأَنتُم أعلَمُ.
- (إنها خفي عليهم مكانها في العام المقبل) قال العلماء: سبب خفائها أن لا يفتتن الناس بها لما جرى تحتها من الخير ونزول الرضوان والسكينة وغير ذلك، فلو بقيت ظاهرة معلومة لخيف تعظيم الأعراب والجهال إياها وعبادتهم لها، فكان خفاؤها رحمة من الله تعالى. (النووي)

١٧٢٣. (خ) (٤١٦٠) عَنْ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ؛ عَن أبِيهِ قالَ: خَرَجتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ ﵁ إلى السُّوقِ، فَلَحِقَت عُمَرَ امرَأَةٌ شابَّةٌ فَقالَت: يا أمِيرَ المُؤمِنِينَ؛ هَلَكَ زَوجِي وتَرَكَ صِبيَةً صِغارًا، واللهِ ما يُنضِجُونَ كُراعًا، ولا لَهُم زَرعٌ ولا ضَرعٌ، وخَشِيتُ أن تَأكُلَهُم الضَّبُعُ، وأَنا بِنتُ خُفافِ بْنِ إيماءَ الغِفارِيِّ، وقَد شَهِدَ أبِي الحُدَيبِيَةَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ. فَوَقَفَ مَعَها عُمَرُ ولَم يَمضِ، ثُمَّ قالَ: مَرحَبًا بِنَسَبٍ قَرِيبٍ. ثُمَّ انصَرَفَ إلى بَعِيرٍ ظَهِيرٍ كانَ مَربُوطًا فِي الدّارِ، فَحَمَلَ عَلَيهِ غِرارَتَينِ مَلأهُما طَعامًا، وحَمَلَ بَينَهُما نَفَقَةً وثِيابًا، ثُمَّ ناوَلَها بِخِطامِهِ، ثُمَّ قالَ: اقتادِيهِ، فَلَن يَفنى حَتّى يَأتِيَكُم اللهُ بِخَيرٍ. فَقالَ رَجُلٌ: يا أمِيرَ المُؤمِنِينَ؛ أكثَرتَ لَها. قالَ عُمَرُ: ثَكِلَتكَ أُمُّكَ؛ واللهِ إنِّي لأرى أبا هَذِهِ وأَخاها قَد حاصَرا حِصنًا زَمانًا فافتَتَحاهُ، ثُمَّ أصبَحنا نَستَفِيءُ سُهمانَهُما فِيهِ.
-فيه من الفقه جواز أن تكلم المرأة الشابة الإمام في حاجتها؛ إلا أني أستحب أن يكون ذلك في السوق ونحوه لا في خلوة. (ابن هبيرة)
-وفيه أيضًا أني يفصح السائل عن حاله ونسبه؛ كما سألت هذه المرأة، وأخبرت أن أباها خفاف بن إيماء الغفاري. (ابن هبيرة)
-وفيه أيضًا استحباب لقاء السائل بانطلاق وانشراح لقول عمر: (مرحبا بنسب قريب). (ابن هبيرة)
-وفيه أيضًا استحباب إغناء السائل في دفعة واحدة. (ابن هبيرة)
-وفيه إكبار عمر - ﵁ - لأبناء السابقين الأولين. (ابن الملقن)
-وفيه أيضًا اعتراف عمر بما كان لأبيها وأخيها من غنائهما في محاصرة الحصن حتى قال: (فأصبحنا نستفيء سهمانهما)، أي نتخذها فيئًا. (ابن هبيرة)

١٧٢٤. (خ) (٤١٧٠) عَنِ العَلاءِ بْنِ المُسَيَّبِ؛ عَن أبِيهِ قالَ: لَقِيتُ البَراءَ بنَ عازِبٍ ﵄ فَقلت: طُوبى لَكَ، صَحِبْتَ النَّبِيَّ ﷺ وبايَعتَهُ تَحتَ الشَّجَرَةِ، فَقالَ: يا ابنَ أخِي؛ إنَّكَ لا تَدرِي ما أحدَثنا بَعدَهُ.
-قوله "فقال يا بن أخي": وهي على عادة العرب في المخاطبة أو أراد أخوة الإسلام. (ابن حجر)
-قوله: "إنك لا تدري ما أحدثناه بعده"؛ يشير إلى ما وقع لهم من الحروب وغيرها فخاف غائلة ذلك وذلك من كمال فضله. (ابن حجر)
-وفيه فضل ظاهر للبراء، والتحرز مما قد يحدثه الشخص. (ابن الملقن)

١٧٢٥. (خ) (٤١٧٤) عَنْ مَجْزَأَةَ؛ عَن رَجُلٍ مِنهُم مِن أصحابِ الشَّجَرَةِ اسمُهُ أُهبانُ بنُ أوسٍ؛ وكانَ اشتَكى رُكبَتَهُ، وكانَ إذا سَجَدَ جَعَلَ تَحتَ رُكبَتِهِ وِسادَةً.
-"جعل تحت ركبته وسادة" ولعله كان كبر فكان يشق عليه تمكين ركبته من الأرض فوضع تحتها وسادة لينة لا تمنع اعتماده عليها من التمكين لاحتمال أن يبس الأرض كان يضر ركبته. (ابن حجر)

باب: غَزْوَةُ ذِي قَرَد


١٧٢٦. (خ م) (١٨٠٦) عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ ﵁ يَقُولُ: خَرَجتُ قَبلَ أن يُؤَذَّنَ بِالأُولى، وكانَت لِقاحُ رَسُولِ اللهِ ﷺ تَرعى بِذِي قَرَدٍ، قالَ: فَلَقِيَنِي غُلامٌ لِعَبدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوفٍ، فَقالَ: أُخِذَت لِقاحُ رَسُولِ اللهِ ﷺ. فَقُلتُ: مَن أخَذَها؟ قالَ: غَطَفانُ. قالَ: فَصَرَخْتُ ثَلاثَ صَرَخاتٍ؛ يا صَباحاه، قالَ: فَأَسمَعتُ ما بَينَ لابَتَيِ المَدِينَةِ، ثُمَّ اندَفَعتُ عَلى وجهِي حَتّى أدرَكتُهُم بِذِي قَرَدٍ، وقَد أخَذُوا يَسقُونَ مِن الماءِ، فَجَعَلتُ أرمِيهِم بِنَبلِي وكُنتُ رامِيًا، وأَقُول: أنا ابنُ الأَكوَعِ، واليَومُ يَومُ الرُّضَّعِ، فَأَرتَجِزُ، حَتّى استَنقَذتُ اللِّقاحَ مِنهُم، واستَلَبتُ مِنهُم ثَلاثِينَ بُردَةً، قالَ: وجاءَ النَّبِيُّ ﷺ والنّاسُ، فَقُلتُ: يا نَبِيَّ اللهِ؛ إنِّي قَد حَمَيتُ القَومَ الماءَ وهُم عِطاشٌ، فابعَث إلَيهِم السّاعَةَ، فَقالَ: «يا ابنَ الأَكوَعِ؛ مَلَكتَ فَأَسجِح». قالَ: ثُمَّ رَجَعنا، ويُردِفُنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلى ناقَتِهِ، حَتّى دَخَلنا المَدِينَةَ.
ورَوى (م) عنه [في سياق طويل] قالَ:... ثُمَّ خَرَجنا راجِعِينَ إلى المَدِينَةِ، فَنَزَلنا مَنزِلًا بَينَنا وبَينَ بَنِي لِحيانَ جَبَلٌ، وهُمُ المُشرِكُونَ، فاستَغفَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِمَن رَقِيَ هَذا الجَبَلَ اللَّيلَةَ كَأَنَّهُ طَلِيعَةٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ وأَصحابِهِ، قالَ سَلَمَةُ: فَرَقِيتُ تِلكَ اللَّيلَةَ مَرَّتَينِ أو ثَلاثًا، ثُمَّ قَدِمنا المَدِينَةَ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِظَهرِهِ مَعَ رَباحٍ غُلامِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وأَنا مَعَهُ، وخَرَجتُ مَعَهُ بِفَرَسِ طَلحَةَ أُنَدِّيهِ مَعَ الظَّهرِ، فَلَمّا أصبَحنا إذا عَبدُ الرَّحمَنِ الفَزارِيُّ قَد أغارَ عَلى ظَهرِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فاستاقَهُ أجمَعَ، وقَتَلَ راعِيَهُ، قالَ: فَقُلتُ: يا رَباحُ؛ خُذ هَذا الفَرَسَ فَأَبلِغهُ طَلحَةَ بنَ عُبَيدِ اللهِ، وأَخبِر رَسُولَ اللهِ ﷺ أنَّ المُشرِكِينَ قَد أغارُوا عَلى سَرحِهِ، قالَ: ثُمَّ قُمتُ عَلى أكَمَةٍ فاستَقبَلتُ المَدِينَةَ فَنادَيتُ ثَلاثًا: يا صَباحاه؛ ثُمَّ خَرَجتُ فِي آثارِ القَومِ أرمِيهِم بِالنَّبلِ، وأَرتَجِزُ أقُولُ: أنا ابنُ الأَكوَعِ، واليَومُ يَومُ الرُّضَّعِ. فَأَلحَقُ رَجُلًا مِنهُم فَأَصُكُّ سَهمًا فِى رَحلِهِ حَتّى خَلَصَ نَصلُ السَّهمِ إلى كَتِفِهِ، قالَ: قُلتُ: خُذها وأَنا ابنُ الأَكوَعِ، واليَومُ يَومُ الرُّضَّعِ، قالَ: فَواللهِ ما زِلتُ أرمِيهِم وأَعقِرُ بِهِم، فَإذا رَجَعَ إلَيَّ فارِسٌ أتَيتُ شَجَرَةً فَجَلَستُ فِي أصلِها، ثُمَّ رَمَيتُهُ فَعَقَرتُ بِهِ، حَتّى إذا تَضايَقَ الجَبَلُ فَدَخَلُوا فِي تَضايُقِهِ عَلَوتُ الجَبَلَ فَجَعَلتُ أُرَدِّيهِم بِالحِجارَةِ، قالَ: فَما زِلتُ كَذَلِكَ أتبَعُهُم حَتّى ما خَلَقَ اللهُ مِن بَعِيرٍ مِن ظَهرِ رَسُولِ اللهِ ﷺ إلاَّ خَلَّفتُهُ وراءَ ظَهرِي، وخَلَّوا بَينِي وبَينَهُ، ثُمَّ اتَّبَعتُهُم أرمِيهِم، حَتّى ألقَوا أكثَرَ مِن ثَلاثِينَ بُردَةً وثَلاثِينَ رُمحًا يَستَخِفُّونَ، ولا يَطرَحُونَ شَيئًا إلاَّ جَعَلتُ عَلَيهِ آرامًا مِنَ الحِجارَةِ يَعرِفُها رَسُولُ اللهِ ﷺ وأَصحابُهُ، حَتّى أتَوا مُتَضايِقًا مِن ثَنِيَّةٍ فَإذا هُم قَد أتاهُم فُلانُ بنُ بَدرٍ الفَزارِيُ، فَجَلَسُوا يَتَضَحَّونَ - يَعنِي يَتَغَدَّونَ ـ، وجَلَستُ عَلى رَأسِ قَرنٍ، قالَ الفَزارِيُّ: ما هَذا الَّذِي أرى؟ قالُوا: لَقِينا مِن هَذا البَرحَ، واللهِ ما فارَقَنا مُنذُ غَلَسٍ يَرمِينا حَتّى انتَزَعَ كُلَّ شَيءٍ فِي أيدِينا. قالَ: فَليَقُم إلَيهِ نَفَرٌ مِنكُم أربَعَةٌ. قالَ: فَصَعِدَ إلَيَّ مِنهُم أربَعَةٌ فِي الجَبَلِ، قالَ: فَلَمّا أمكَنُونِي مِنَ الكَلامِ، قالَ: قُلتُ: هَل تَعرِفُونِي؟ قالُوا: لا، ومَن أنتَ؟ قالَ: قُلتُ: أنا سَلَمَةُ بنُ الأَكوَعِ، والَّذِي كَرَّمَ وجهَ مُحَمَّدٍ ﷺ لا أطلُبُ رَجُلًا مِنكُم إلاَّ أدرَكتُهُ، ولا يَطلُبُنِي رَجُلٌ مِنكُم فَيُدرِكَنِي، قالَ أحَدُهُم: أنا أظُنُّ. قالَ: فَرَجَعُوا، فَما بَرِحتُ مَكانِي حَتّى رَأَيتُ فَوارِسَ رَسُولِ اللهِ ﷺ يَتَخَلَّلُونَ الشَّجَرَ، قالَ: فَإذا أوَّلُهُمُ الأَخرَمُ الأَسَدِيُّ، عَلى إثرِهِ أبُو قَتادَةَ الأَنصارِيُّ، وعَلى إثرِهِ المِقدادُ بنُ الأَسوَدِ الكِنْدِيُّ، قالَ: فَأَخَذتُ بِعِنانِ الأَخرَمِ، قالَ: فَوَلَّوا مُدبِرِينَ، قُلتُ: يا أخرَمُ؛ احذَرهُم، لا يَقتَطِعُوكَ حَتّى يَلحَقَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وأَصحابُهُ. قالَ: يا سَلَمَةُ؛ إن كُنتَ تُؤمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ وتَعلَمُ أنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ والنّارَ حَقٌّ فَلا تَحُل بَينِي وبَينَ الشَّهادَةِ. قالَ: فَخَلَّيتُهُ، فالتَقى هُوَ وعَبدُ الرَّحمَنِ، قالَ: فَعَقَرَ بِعَبدِ الرَّحمَنِ فَرَسَهُ، وطَعَنَهُ عَبدُ الرَّحمَنِ فَقَتَلَهُ، وتَحَوَّلَ عَلى فَرَسِهِ، ولَحِقَ أبُو قَتادَةَ فارِسُ رَسُولِ اللهِ ﷺ بِعَبدِ الرَّحمَنِ فَطَعَنَهُ فَقَتَلَهُ، فَوالَّذِي كَرَّمَ وجهَ مُحَمَّدٍ ﷺ لَتَبِعتُهُم أعدُو عَلى رِجليَّ حَتّى ما أرى ورائِى مِن أصحابِ مُحَمَّدٍ ﷺ ولا غُبارِهِم شَيئًا، حَتّى يَعدِلُوا قَبلَ غُرُوبِ الشَّمسِ إلى شِعبٍ فِيهِ ماءٌ يُقالُ لَهُ: ذُو قَرَدٍ، لِيَشرَبُوا مِنهُ وهُم عِطاشٌ، قالَ: فَنَظَرُوا إلَيَّ أعدُو وراءَهُم، فَخَلَّيتُهُم عَنهُ - يَعنِي أجلَيتُهُم عَنهُ - فَما ذاقُوا مِنهُ قَطرَةً، قالَ: ويَخرُجُونَ فَيَشتَدُّونَ فِي ثَنِيَّةٍ، قالَ: فَأَعدُو فَأَلحَقُ رَجُلًا مِنهُم فَأَصُكُّهُ بِسَهمٍ فِى نُغضِ كَتِفِهِ، قالَ: قُلتُ: خُذها وأَنا ابنُ الأَكوَعِ، واليَومُ يَومُ الرُّضَّعِ، قالَ: يا ثَكِلَتهُ أُمُّهُ أكوَعُهُ بُكرَةَ. قالَ: قُلتُ: نَعَم يا عَدُوَّ نَفسِهِ، أكوَعُكَ بُكرَةَ، قالَ: وأَردَوا فَرَسَينِ عَلى ثَنِيَّةٍ، قالَ: فَجِئتُ بِهِما أسُوقُهُما إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، قالَ: ولَحِقَنِى عامِرٌ بِسَطِيحَةٍ فِيها مَذقَةٌ مِن لَبَنٍ، وسَطِيحَةٍ فِيها ماءٌ، فَتَوَضَّأتُ وشَرِبتُ، ثُمَّ أتَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ وهُوَ عَلى الماءِ الَّذِي حَلَّيتُهُم عَنهُ، فَإذا رَسُولُ اللهِ ﷺ قَد أخَذَ تِلكَ الإبِلَ وكُلَّ شَيءٍ استَنقَذتُهُ مِنَ المُشرِكِينَ وكُلَّ رُمحٍ وبُردَةٍ، وإذا بِلالٌ نَحَرَ ناقَةً مِنَ الإبِلِ الَّذِي استَنقَذتُ مِنَ القَومِ، وإذا هُوَ يَشوِي لِرَسُولِ اللهِ ﷺ مِن كَبِدِها وسَنامِها، قالَ: قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ خَلِّنِي فَأَنتَخِبُ مِنَ القَومِ مِائَةَ رَجُلٍ، فَأَتَّبِعُ القَومَ فَلا يَبقى مِنهُم مُخبِرٌ إلاَّ قَتَلتُهُ، قالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حَتّى بَدَت نَواجِذُهُ فِي ضَوءِ النّارِ، فَقالَ: «يا سَلَمَةُ؛ أتُراكَ كُنتَ فاعِلًا؟» قُلتُ: نَعَم والَّذِي أكرَمَكَ، فَقالَ: «إنَّهُمُ الآنَ لَيُقرَونَ فِي أرضِ غَطَفانَ». قالَ: فَجاءَ رَجُلٌ مِن غَطَفانَ، فَقالَ: نَحَرَ لَهُم فُلانٌ جَزُورًا، فَلَمّا كَشَفُوا جِلدَها رَأَوا غُبارًا، فَقالُوا: أتاكُمُ القَومُ فَخَرَجُوا هارِبِينَ. فَلَمّا أصبَحنا قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «كانَ خَيرَ فُرسانِنا اليَومَ أبُو قَتادَةَ، وخَيرَ رَجّالَتِنا سَلَمَةُ». قالَ: ثُمَّ أعطانِي رَسُولُ اللهِ ﷺ سَهمَينِ؛ سَهمُ الفارِسِ وسَهمُ الرّاجِلِ، فَجَمَعَهُما لِي جَمِيعًا، ثُمَّ أردَفَنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ وراءَهُ عَلى العَضباءِ راجِعِينَ إلى المَدِينَةِ، قالَ: فَبَينَما نَحنُ نَسِيرُ، قالَ: وكانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنصارِ لا يُسبَقُ شَدًّا، قالَ: فَجَعَلَ يَقُولُ: ألا مُسابِقٌ إلى المَدِينَةِ؟ هَل مِن مُسابِقٍ؟ فَجَعَلَ يُعِيدُ ذَلِكَ، قالَ: فَلَمّا سَمِعتُ كَلامَهُ قُلتُ: أما تُكرِمُ كَرِيمًا ولا تَهابُ شَرِيفًا! قالَ: لا، إلاَّ أن يَكُونَ رَسُولُ اللهِ ﷺ. قالَ: قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ بِأَبِي وأُمِّي ذَرنِي فَلأُسابِقَ الرَّجُلَ. قالَ: «إن شِئتَ». قالَ: قُلتُ: اذهَب إلَيكَ، وثَنَيتُ رِجليَّ، فَطَفَرتُ فَعَدَوتُ، قالَ: فَرَبَطتُ عَلَيهِ شَرَفًا أو شَرَفَينِ أستَبقِى نَفَسِي، ثُمَّ عَدَوتُ فِي إثرِهِ، فَرَبَطتُ عَلَيهِ شَرَفًا أو شَرَفَينِ، ثُمَّ إنِّي رَفَعتُ حَتّى ألحَقَهُ، قالَ: فَأَصُكُّهُ بَينَ كَتِفَيهِ، قالَ: قُلتُ: قَد سُبِقتَ واللهِ، قالَ: أنا أظُنُّ. قالَ: فَسَبَقتُهُ إلى المَدِينَةِ. قالَ: فَواللهِ ما لَبِثْنا إلّا ثَلاثَ لَيالٍ حَتّى خَرَجْنا إلى خَيْبَرَ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ ...
-وفى قول سلمة: "صرخت ثلاث صرخات: يا صباحاه": جواز قول هذا لإنذار الناس وإشعارهم بالعدو.
-وقوله: "فجعلت أرميهم وأقول: أنا ابن الأكوع.. واليوم يوم الرضع": فيه جواز مثل هذا عند الرمي والطعن، وتعريف الإنسان مثله في الحرب، وكذلك الإعلام بعلامة يميز بها في الحرب، وكرهه آخرون في الاعلام لإخفاء أعمال البر، وقد روى من فعل ذلك عن الصحابة - رضى الله عنهم - ما لا يخفى. (القاضي عياض)
-استحباب الثناء على الشجاع ومن فيه فضيلة لا سيما عند الصنع الجميل ليستزيد من ذلك ومحله حيث يؤمن الافتتان. (ابن حجر)
-وفيه المسابقة على الأقدام ولا خلاف في جوازه بغير عوض، وأما بالعوض فالصحيح لا يصح. (ابن حجر)
-استحباب العفو عند المقدرة، فقد قال - ﷺ - لمسلمة - رضي الله عنه -: "ملكت، فأسجح". (الإتيوبي)
-جواز الإرداف خلفه على الدابّة، إذا كانت تُطيق ذلك. (الإتيوبي)

باب: غَزْوَةُ خَيْبَرٍ


١٧٢٧. (خ م) (١٨٠٢) عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ ﵁ قالَ: خَرَجنا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ إلى خَيبَرَ، فَتَسَيَّرنا لَيلًا، فَقالَ رَجُلٌ مِن القَومِ لِعامِرِ بْنِ الأكوَعِ: ألا تُسمِعُنا مِن هُنَيهاتِكَ. وكانَ عامِرٌ رَجُلًا شاعِرًا، فَنَزَلَ يَحدُو بِالقَومِ، يَقُولُ:
اللَّهُمَّ لَوْلا أنْتَ ما اهْتَدَيْنا *** ولا تَصَدَّقْنا ولا صَلَّيْنا
فاغْفِرْ فِداءً لَكَ ما اقْتَفَيْنا *** وثَبِّتِ الأَقْدامَ إنْ لاقَيْنا
وأَلْقِيَنْ سَكِينَةً عَلَيْنا *** إنّا إذا صِيحَ بِنا أتَيْنا
*** وبِالصِّياحِ عَوَّلُوا عَلَيْنا
فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن هَذا السّائِقُ؟» قالُوا: عامِرٌ. قالَ: «يَ﵀». فَقالَ رَجُلٌ مِن القَومِ: وجَبَت يا رَسُولَ اللهِ، لَولا أمتَعتَنا بِهِ. قالَ: فَأَتَينا خَيبَرَ، فَحاصَرناهُم، حَتّى أصابَتنا مَخمَصَةٌ شَدِيدَةٌ، ثُمَّ قالَ: «فإنَّ اللهَ فَتَحَها عَلَيكُم». قالَ: فَلَمّا أمسى النّاسُ مَساءَ اليَومِ الَّذِي فُتِحَت عَلَيهِم أوقَدُوا نِيرانًا كَثِيرَةً، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ما هَذِهِ النِّيرانُ؟ عَلى أيِّ شَيءٍ تُوقِدُونَ؟» فَقالُوا: عَلى لَحمٍ. قالَ: «أيُّ لَحمٍ؟» قالُوا: لَحمُ حُمُرِ الإنسِيَّةِ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أهرِيقوها، واكسِرُوها». فَقالَ رَجُلٌ: أو يُهرِيقُوها ويَغسِلُوها؟ فَقالَ: «أو ذاكَ». قالَ: فَلَمّا تَصافَّ القَومُ كانَ سَيفُ عامِرٍ فِيهِ قِصَرٌ، فَتَناوَلَ بِهِ ساقَ يَهُودِيٍّ لِيَضرِبَهُ، ويَرجِعُ ذُبابُ سَيفِهِ فَأَصابَ رُكبَةَ عامِرٍ، فَماتَ مِنهُ، قالَ: فَلَمّا قَفَلُوا، قالَ سَلَمَةُ وهُوَ آخِذٌ بِيَدِي، قالَ: فَلَمّا رَآنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ ساكِتًا قالَ: «ما لَكَ؟» قُلتُ لَهُ: فَداكَ أبِي وأُمِّي؛ زَعَمُوا أنَّ عامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ، قالَ: «مَن قالَهُ؟» قُلتُ: فُلانٌ وفُلانٌ وأُسَيدُ بنُ حُضَيرٍ الأنصارِيُّ. فَقالَ: «كَذَبَ مَن قالَهُ، إنَّ لَهُ لأَجرَينِ وجَمَعَ بَينَ إصبَعَيه، إنَّهُ لَجاهِدٌ مُجاهِدٌ، قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشى بِها مِثلَهُ». وفي رواية (م): قالَ: ثُمَّ أرسَلَنِي إلى عَليٍّ وهُو أرمَدُ، فَقالَ: «لَأُعطِيَنَّ الرّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ ورَسُولَهُ أو يُحِبُّهُ اللهُ ورَسُولُهُ». قالَ: فَأَتَيتُ عَلِيًا، فَجِئتُ بِهِ أقُودُهُ وهُو أرمَدُ، حَتى أتَيتُ بِهِ رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَبَسَقَ فِي عَينَيهِ فَبَرَأَ، وأَعطاهُ الرّايَةَ، وخَرَجَ مَرحَبٌ فَقالَ: قَد عَلِمَت خَيبَرُ أنِّي مَرحَبُ، شاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ، إذا الحُرُوبُ أقبَلَت تَلَهَّبُ. فَقالَ عَليٌّ: أنا الَّذِي سَمَّتنِي أُمِّي حَيدَرَه، كَلَيثِ غاباتٍ كَرِيهِ المنظَرَه، أُوفِيهِمُ بالصّاعِ كَيلَ السَّندَرَه. قالَ: فَضَرَبَ رَأسَ مَرحَبٍ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ كان الفَتحُ عَلى يَدَيهِ. وفي رواية (خ): فَلَمّا قَفَلُوا قالَ سَلَمَةُ: رَآنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ شاحِبًا ... وفي رواية (خ): «إنَّهُ لَجاهِدٌ مُجاهِدٌ وأَيُّ قَتْلٍ يَزِيدُهُ عَلَيْهِ».
وفي رواية (م): عَن سَلَمَةَ قالَ: لَمّا كانَ يَومَ خَيبَرَ قاتَل أخِي قِتالًا شَدِيدًا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فارْتَدَّ عَلَيهِ سَيفُهُ فَقَتَلَهُ، فَقالَ أصحابُ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي ذَلكَ، وشَكُّوا فِيهِ؛ رَجُلٌ ماتَ فِي سِلاحِهِ، وشَكُّوا فِي بَعضِ أمرِهِ، وفِيها: قالَ: فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ إنَّ ناسًا لَيَهابُونَ الصَّلاةَ عَلَيهِ، يَقُولُونَ: رَجُلٌ ماتَ بِسِلاحِهِ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ماتَ جاهِدًا مُجاهِدًا».
وفي رواية: فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن هَذا؟» قالَ: أنا عامِرٌ. قالَ: «غَفَرَ لَكَ رَبُّكَ». قالَ: وما استَغفَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِإنسانٍ يَخُصُّهُ إلا استُشهِدَ، قالَ: فَنادى عُمَرُ بنُ الخَطّابِ وهُو عَلى جَمَلٍ لَهُ: يا نَبِيَّ اللهِ؛ لَولا ما مَتَّعْتَنا بِعامِرٍ. قالَ: فَلَمّا قَدِمنا خَيبَرَ قالَ: خَرَجَ مَلِكُهُم مَرْحَبٌ يَخْطِرُ بِسَيفِهِ ويَقُولُ: قَد عَلِمَت خَيبَرُ أنِّي مَرحَبُ، شاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ، إذا الحُرُوبُ أقبَلَت تَلَهَّبُ.
قالَ: وبَرَزَ لَهُ عَمِّي عامِرٌ فَقالَ: قَد عَلِمَت خَيبَرُ أنِّي عامِرٌ، شاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مُغامِرٌ. قالَ: فاختَلَفا ضَربَتَينِ، فَوَقَعَ سَيفُ مَرْحَبٍ فِي تُرْسِ عامِرٍ، وذَهَبَ عامِرٌ يَسْفُلُ لَهُ، فَرَجَعَ سَيفُهُ عَلى نَفسِهِ فَقَطَعَ أكْحَلَهُ، فَكانَت فِيها نَفسُهُ ... فَذَكَرَ نَحوَهُ، قالَ: ثُمَّ أرسَلَنِي إلى عَلِيٍّ وهُو أرْمَدُ، ثُمَّ كانَ الفَتْحُ عَلى يَدَيهِ.
- بيان جواز إنشاد الأراجيز وغيرها من الشعر وسماعها، ما لم يكن فيه كلام مذموم.
- استحباب الحداء في الأسفار، لتنشيط النفوس والدواب على قطع الطريق، وإشغالها بسماعه عن الإحساس بألم المسير.
- بيان حكم من قاتل في سبيل الله، ثم ارتد عليه سيفه، فقتله، وهو أنه لا ينقص ذلك من أجره شيئا، بل له أجره كاملا.
- بيان فضل عامر بن الأكوع، حيث شهد له رسول الله ﷺ بأنه مات جاهدا مجاهدا.
- جواز استعمال الإشارة توضيحا للمقصود، فقد أشار ﷺ بأصبعيه إلى مضاعفة أجر عامر.
- قال النووي: هذا الحديث يدل على نجاسة لحوم الحمر الأهلية، وهو مذهب الجمهور.
- يؤخذ من التقييد (الإنسية) جواز أكل الحمر (الوحشية).
- وجوب غسل الإناء الذي طبخت به النجاسة.
- بركة دعاء النبي ﷺ حيث قال لعامر بن الأكوع: "يرحمه الله" فاستشهد بذلك.
- ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم من اعتقادهم في النبي ﷺ، واستيقانهم أن الله يستجيب دعاءه.
- فيه معجزات لرسول الله ﷺ: إبراء عين علي رضي الله عنه، والإخبار بأنه يفتح الله على يديه.
- بيان فضيلة الشجاعة والقوة.
- ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم من حب الشهادة، والحرص عليها.
- أن من مات في حرب الكفار بسبب القتال، يكون شهيدا، سواء مات بسلاحهم، أو رمته دابة أو غيرها، أو عاد عليه سلاحه.

١٧٢٨. (خ م) (١١٥) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: خَرَجنا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ إلى خَيبَرَ، فَفَتَحَ اللهُ عَلَينا، فَلَم نَغنَم ذَهَبًا ولا ورِقًا، غَنِمنا المَتاعَ والطَّعامَ والثِّيابَ، ثُمَّ انطَلَقنا إلى الوادِي، ومَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ عَبدٌ لَهُ، وهَبَهُ لَهُ رَجُلٌ مِن جُذامَ يُدعى رِفاعَةَ بنَ زَيْدٍ مِن بَنِي الضُّبَيبِ، فَلَمّا نَزَلنا الوادِي قامَ عَبدُ رَسُولِ اللهِ ﷺ يَحُلُّ رَحلَهُ، فَرُمِيَ بِسَهمٍ فَكانَ فِيهِ حَتفُهُ، فَقُلنا: هَنِيئًا لَهُ الشَّهادَةُ يا رَسُولَ اللهِ. قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «كَلاَّ، والَّذِي نَفسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إنَّ الشَّملَةَ لَتَلتَهِبُ عَلَيهِ نارًا، أخَذَها مِن الغَنائِمِ يَومَ خَيبَرَ، لَم تُصِبها المَقاسِمُ». قالَ: فَفَزِعَ النّاسُ، فَجاءَ رَجُلٌ بِشِراكٍ أو شِراكَينِ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ أصَبتُ يَومَ خَيبَرَ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «شِراكٌ مِن نارٍ، أو شِراكانِ مِن نارٍ». زاد (خ): ومَعَهُ عَبْدٌ يُقالُ لَهُ: مِدْعَمٌ.
ورَوى (خ) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ﵄ قالَ: كانَ عَلى ثَقَلِ النَّبِيِّ ﷺ رَجُلٌ يُقالُ لَهُ: كِرْكِرَةُ، فَماتَ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «هُوَ فِي النّارِ». فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إلَيْهِ فَوَجَدُوا عَباءَةً قَدْ غَلَّها.
ورَوى (م) عَن عُمرَ بْنِ الخَطّابِ قالَ: لمّا كانَ يَومُ خَيبرَ أقبلَ نَفَرٌ مِن صَحابَةِ النبيِّ ﷺ، فَقالُوا: فَلانٌ شَهِيدٌ، فُلانٌ شَهِيدٌ. حَتى مَرُّوا عَلى رَجُلٍ فَقالُوا: فُلانٌ شَهِيدٌ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «كَلاَّ، إنِّي رَأَيتُهُ فِي النّارِ فِي بُردَةٍ غَلَّها، أو عَباءةٍ». ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يا ابنَ الخَطّاب؛ اذهَب فَنادِ فِي النّاسِ: أنَّهُ لا يَدخُلُ الجَنَّةَ إلّا المُؤمِنُونَ». قالَ: فَخَرجتُ فَنادَيتُ: ألا إنَّه لا يَدخُلُ الجَنَّةَ إلّا المُؤمِنُونَ.
- قال ابن قتيبة: سمي بذلك (الغلول) لأن آخذه يغله في متاعه أي يخفيه فيه. ونقل النووي الإجماع على أنه من الكبائر. (ابن حجر)
- تعظيم أمر الغلول، قليله وكثيره، وهو الأخذ من الغنيمة قبل قسمتها، لأنها خيانة للمجاهدين، وهي من الكبائر.
- قبول الإمام الهدية، فإن كان الأمر يختص به في نفسه أن لو كان غير وال فله التصرف فيها بما أراد، وإلا فلا يتصرف فيها إلا للمسلمين.
- من استأثر بأمر لنفسه وهو حق للجماعة عاد عليه بالسوء. (ابن حجر)
- أن الغلول يمنع من إطلاق اسم الشهادة على من غلَّ إذا قتل. (النووي)
- أنه لا يدخل الجنة أحد ممن مات على الكفر، وهذا بإجماع المسلمين. (النووي)
- جواز الحلف بالله تعالى من غير ضرورة ؛ لقوله ﷺ: "والذي نفس محمد بيده". (النووي)
- أن من غلَّ شيئا من الغنيمة يجب عليه رده وأنه إذا رده يقبل منه، ولا يحرق متاعه، سواء رده أو لم يرده، فإنه ﷺ لم يحرق متاع صاحب الشملة، وصاحب الشراك، ولو كان واجبا لفعله، ولو فعله لنقل. (النووي)

١٧٢٩. (خ) (٤٢٠٦) عَنْ يَزِيدَ بْنِ أبِي عُبَيْدٍ قالَ: رَأَيتُ أثَرَ ضَربَةٍ فِي ساقِ سَلَمَةَ، فَقلت: يا أبا مُسلِمٍ؛ ما هَذِهِ الضَّربَةُ؟ فَقالَ: هَذِهِ ضَربَةٌ أصابَتنِي يَومَ خَيبَرَ، فَقالَ النّاسُ: أُصِيبَ سَلَمَةُ. فَأَتَيتُ النَّبِيَّ ﷺ فَنَفَثَ فِيهِ ثَلاثَ نَفَثاتٍ، فَما اشتَكَيتُها حَتّى السّاعَةِ.
- خاصية فضل ريق النبي ﷺ، وأنه فيه شفاء للعليل، ورواء لغليل، وغذاء وقوة وبركة.

١٧٣٠. (خ) (٤٢٠٨) عَنْ أبِي عِمْرانَ قالَ: نَظَرَ أنَسٌ إلى النّاسِ يَومَ الجُمُعَةِ، فَرَأى طَيالِسَةً فَقالَ: كَأَنَّهُم السّاعَةَ يَهُودُ خَيبَرَ.
- قال ابن حجر: والذي يظهر أن يهود خيبر كانوا يكثرون من لبس الطيالسة، وكان غيرهم من الناس الذين شاهدهم أنس لا يكثرون منها، فلما قدم البصرة رآهم يكثرون من لبس الطيالسة فشبههم بيهود خيبر، ولا يلزم من هذا كراهية لبس الطيالسة، وإنما أنكر ألوانها لأنها كانت صفراء.

باب: رَدُّ الـمُهاجِرِينَ عَلى الأَنْصارِ الـمَنائِحَ بَعْدَ خَيْبَرَ


١٧٣١. (خ م) (١٧٧١) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: لَمّا قَدِمَ المُهاجِرُونَ مِن مَكَّةَ المَدِينَةَ قَدِمُوا ولَيسَ بِأَيدِيهِم شَيءٌ، وكانَ الأنصارُ أهلَ الأرضِ والعَقارِ، فَقاسَمَهُم الأنصارُ عَلى أن أعطَوهُم أنصافَ ثِمارِ أموالِهِم كُلَّ عامٍ، ويَكفُونَهُم العَمَلَ والمَؤُونَةَ، وكانَت أُمُّ أنَسِ بْنِ مالِكٍ وهِيَ تُدعى أُمُّ سُلَيمٍ، وكانَت أُمُّ عَبدِ اللهِ بْنِ أبِي طَلْحَةَ كانَ أخًا لأنَسٍ لأُمِّهِ، وكانَت أعطَت أُمُّ أنَسٍ رَسُولَ اللهِ ﷺ عِذاقًا لَها، فَأَعطاها رَسُولُ اللهِ ﷺ أُمَّ أيمَنَ مَولاتَهُ أُمَّ أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قالَ ابنُ شِهابٍ: فَأَخبَرَنِي أنَسُ بنُ مالِكٍ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَمّا فَرَغَ مِن قِتالِ أهلِ خَيبَرَ، وانصَرَفَ إلى المَدِينَةِ رَدَّ المُهاجِرُونَ إلى الأَنصارِ مَنائِحَهُم الَّتِي كانُوا مَنَحُوهُم مِن ثِمارِهِم، قالَ: فَرَدَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ إلى أُمِّي عِذاقَها، وأَعطى رَسُولُ اللهِ ﷺ أُمَّ أيمَنَ مَكانَهُنَّ مِن حائِطِهِ، (قالَ ابنُ شِهابٍ: وكانَ مِن شَأنِ أُمِّ أيمَنَ أُمِّ أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ أنَّها كانَت وصِيفَةً لِعَبدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وكانَت مِن الحَبَشَةِ، فَلَمّا ولَدَت آمِنَةُ رَسُولَ اللهِ ﷺ بَعدَ ما تُوُفِّيَ أبُوهُ فَكانَت أُمُّ أيمَنَ تَحضُنُهُ، حَتّى كَبِرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَأَعتَقَها، ثُمَّ أنكَحَها زَيدَ بنَ حارِثَةَ، ثُمَّ تُوُفِّيَت بَعدَ ما تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِخَمسَةِ أشهُرٍ). وفي رواية (خ) أنَّ أُمَّ أيمَنَ: وكانَت حاضِنَةَ النبيِّ ﷺ ...
- فضيلة ظاهرة للأنصار في مواساتهم وإيثارهم وما كانوا عليه من حب الإسلام وإكرام أهله، وأخلاقهم الجميلة ونفوسهم الطاهرة. (النووي)
- لم يكن كل ما أعطت الأنصار على المساقاة، بل كان فيه ما هو منيحة ومواساة وهذا منه، وهو محمول على أنها أعطته ﷺ ثمارها يفعل فيها ما شاء من أكله بنفسه وعياله وضيفه وإيثاره بذلك لمن شاء، فلهذا آثر بها أم أيمن. (النووي)
- (رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم....) هذا دليل على أنها كانت منائح ثمار، أي إباحة للثمار لا تمليك لأرقاب النخل. (النووي)
- فيه تصريح من ابن شهاب أن أم أيمن أم أسامة بن زيد حبشية، وكذا قاله الواقدي وغيره. (النووي)

١٧٣٢. (خ م) (١٧٧١) عَنْ أنَسٍ ﵁؛ أنَّ الرَّجُلَ كانَ يَجعَلُ لِلنَّبِيِّ ﷺ النَّخَلاتِ مِن أرضِهِ، حَتّى فُتِحَت عَلَيهِ قُرَيظَةُ والنَّضِيرُ، فَجَعَلَ بَعدَ ذَلكَ يَرُدُّ عَلَيهِ ما كانَ أعطاهُ، قالَ أنَسٌ: وإنَّ أهلِي أمَرُونِي أن آتِيَ النَّبِيَّ ﷺ فَأَسأَلَهُ ما كانَ أهلُهُ أعطَوهُ أو بَعضَهُ، وكانَ نَبِيُّ اللهِ ﷺ قَد أعطاهُ أُمَّ أيمَنَ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَأَعطانِيهِنَّ، فَجاءَت أُمُّ أيمَنَ فَجَعَلَت الثَّوبَ فِي عُنُقِي، وقالَت: واللهِ لا نُعطِيكاهُنَّ وقَد أعطانِيهِنَّ، فَقالَ نَبِيُّ اللهِ ﷺ: «يا أُمَّ أيمَنَ؛ اترُكِيهِ ولَكِ كَذا وكَذا». وتَقُولُ: كَلا، والَّذِي لا إلَهَ إلا هُوَ. فَجَعَلَ يَقُولُ: «كَذا»، حَتّى أعطاها عَشرَةَ أمثالِهِ، أو قَرِيبًا مِن عَشرَةِ أمثالِهِ.
- إنما فعلت هذا لأنها ظنت أنها كانت هبة مؤبدة وتمليكا لأصل الرقبة، وأراد النبي ﷺ استطابة قلبها في استرداد ذلك، فما زال يزيدها في العوض حتى رضيت، وكل هذا تبرع منه ﷺ وإكرام لها لما لها من حق الحضانة والتربية. (النووي)

باب: غَزْوَةُ الرِّقاعِ


١٧٣٣. (خ م) (١٨١٦) عَنْ أبِي مُوسى ﵁ قالَ: خَرَجنا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي غَزاةٍ، ونَحنُ سِتَّةُ نَفَرٍ، بَينَنا بَعِيرٌ نَعتَقِبُهُ، قالَ: فَنَقِبَت أقدامُنا، فَنَقِبَت قَدَمايَ وسَقَطَت أظفارِي، فَكُنّا نَلُفُّ عَلى أرجُلِنا الخِرَقَ، فَسُمِّيَت غَزوَةَ ذاتِ الرِّقاعِ، لِما كُنّا نُعَصِّبُ عَلى أرجُلِنا مِن الخِرَقِ. قالَ أبُو بُردَةَ: فَحَدَّثَ أبُو مُوسى بِهَذا الحَدِيثِ، ثُمَّ كَرِهَ ذَلكَ، قالَ: كَأَنَّهُ كَرِهَ أن يَكُونَ شَيئًا مِن عَمَلِهِ أفشاهُ.
- ( بيننا بعير نعتقبه ): جواز مثل هذا إذا لم يضر بالمركوب. (النووي)
- فيه أن كتمان العمل الصالح أفضل من إظهاره، إلا لمصلحة راجحة كمن يكون ممن يقتدى به. (ابن حجر)
- فيه استحباب إخفاء الأعمال الصالحة، وما يكابده العبد من المشاق في طاعة الله تعالى، ولا يظهر شيئا من ذلك إلا لمصلحة مثل بيان حكم ذلك الشيء، والتنبيه على الاقتداء به فيه ونحو ذلك، وعلى هذا يحمل ما وجد للسلف من الأخبار بذلك. (النووي)

باب: غَزْوَةِ مُؤْتَةَ


١٧٣٤. (خ) (٤٢٦١) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ﵄ قالَ: أمَّرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي غَزْوَةِ مُؤتَةَ زَيدَ بنَ حارِثَةَ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إن قُتِلَ زَيدٌ فَجَعفَرٌ، وإن قُتِلَ جَعفَرٌ فَعَبدُ اللهِ بنُ رَواحَةَ». قالَ عَبدُ اللهِ: كُنتُ فِيهِم فِي تِلكَ الغَزوَةِ، فالتَمَسنا جَعفَرَ بنَ أبِي طالِبٍ، فَوَجَدناهُ فِي القَتلى، ووَجَدنا ما فِي جَسَدِهِ بِضعًا وتِسعِينَ مِن طَعنَةٍ ورَميَةٍ.
- فيه بسالة المسلمين وشجاعتهم، فلم ينهزموا أمام المشركين، مع أن عددهم ثلاثة آلاف، والمشركين مائة ألف.
- فيه علم ظاهر من أعلام النبوة؛ حيث أخبر الرسول ﷺ باستشهادهم، قبل أن يصله خبرهم.
- قال ابن هبيرة: في الحديث ما يدل على شجاعة جعفر، فانظر إلى عزم ثبت عليه قلبه حتى صبر على مثل هذا فما انثنى ولا انهزم.

١٧٣٥. (خ) (٤٢٦٥) عَنْ قَيْسِ بْنِ أبِي حازِمٍ قالَ: سَمِعتُ خالِدَ بنَ الوَلِيدِ ﵁ يَقُولُ: لَقَد انقَطَعَت فِي يَدِي يَومَ مُؤتَةَ تِسعَةُ أسيافٍ، فَما بَقِيَ فِي يَدِي إلا صَفِيحَةٌ يَمانِيَةٌ.
- فيه جواز تولي قيادة الجيش في الحرب، من غير تأمير، لأن خالدا استلم القيادة، دون تولية من رسول الله ﷺ للمصلحة العامة.
- بطولة خالد رضي الله عنه وشجاعته وحنكته الحربية.
- فيه دلالة واضحة على قوة المعركة.

١٧٣٦. (خ) (٣٠٦٣) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَقالَ: «أخَذَ الرّايَةَ زَيدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أخَذَها جَعفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أخَذَها عَبدُ اللهِ بنُ رَواحَةَ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أخَذَها خالِدُ بنُ الوَلِيدِ عَن غَيرِ إمرَةٍ فَفُتِحَ عَلَيهِ، وما يَسُرُّنِي أو قالَ ما يَسُرُّهُم أنَّهُم عِندَنا». وقالَ: وإنَّ عَينَيهِ لَتَذرِفانِ. وفي رواية: أنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَعى زَيدًا وجَعفَرًا وابنَ رَواحَةَ لِلنّاسِ قَبلَ أن يَأتِيَهُم خَبَرُهُم ... وفِيها: «حَتّى أخَذَ الرّايَةَ سَيفٌ مِن سُيُوفِ اللهِ حَتّى فَتَحَ اللهُ عَلَيهِم».
- جواز الإعلام بموت الميت ولا يكون ذلك من النعي المنهي عنه. (ابن حجر)
- جواز تعليق الإمارة بشرط، وتولية عدة أمراء بالترتيب. (ابن حجر)
- جواز التأمر في الحرب بغير تأمير، قال الطحاوي: هذا أصل يؤخذ منه أن على المسلمين أن يقدموا رجلا إذا غاب الإمام يقوم مقامه إلى أن يحضر. (ابن حجر)
- علم ظاهر من أعلام النبوة، وفضيلة ظاهرة لخالد بن الوليد رضي الله عنه لمن ذكر من الصحابة رضوان الله عليهم. (ابن حجر)

١ المقصود بالفتح في قوله تعالى:( إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا )؟

٥/٠