باب: غَزْوَةُ تَبُوكَ


١٧٥٧. (خ) (٤٤٢٧) عَنِ السّائِبِ بْنِ يَزِيدَ ﵁ قالَ: أذكُرُ أنِّي خَرَجتُ مَعَ الصِّبيانِ نَتَلَقّى النَّبِي ﷺ إلى ثَنِيَّةِ الوَداعِ مَقدَمَهُ مِن غَزوَةِ تَبُوكَ.
--"ثنية الوداع" بفتح الواو: هي ما ارتفع من الأرض أو هي الطريق في الجبل، وسميت بذلك لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودّعه بها بعض المقيمين بالمدينة في بعض أسفار.(ابن حجر)

باب: وفاةُ النَّبِيِّ ﷺ


١٧٥٨. (خ) (٤٤٤٩) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: إنَّ مِن نِعَمِ اللهِ عَلَيَّ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ تُوُفِّيَ فِي بَيتِي، وفِي يَومِي، وبَينَ سَحرِي ونَحرِي، وأَنَّ اللهَ جَمَعَ بَينَ رِيقِي ورِيقِهِ عِنْدَ مَوتِهِ، دَخَلَ عَلَيَّ عَبدُ الرَّحْمَنِ وبِيَدِهِ السِّواكُ، وأَنا مُسنِدَةٌ رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَرَأَيتُهُ يَنظُرُ إلَيهِ، وعَرَفتُ أنَّهُ يُحِبُّ السِّواكَ، فَقلت: آخُذُهُ لَكَ؟ فَأَشارَ بِرَأسِهِ أن نَعَم، فَتَناوَلتُهُ، فاشتَدَّ عَلَيهِ، وقلت: أُلَيِّنُهُ لَكَ؟ فَأَشارَ بِرَأسِهِ أن نَعَم، فَلَيَّنتُهُ، فَأَمَرَّهُ وبَينَ يَدَيهِ رَكوَةٌ أو عُلبَةٌ -يَشُكُّ عُمَرُ- فِيها ماءٌ، فَجَعَلَ يُدخِلُ يَدَيهِ فِي الماءِ فَيَمسَحُ بِهِما وجهَهُ، يَقُولُ: «لا إلَهَ إلا اللهُ، إنَّ لِلمَوتِ سَكَراتٍ». ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ، فَجَعَلَ يَقُولُ: «فِي الرَّفِيقِ الأَعلى». حَتّى قُبِضَ، ومالَت يَدُهُ.
-في الحديث أن شدة الموت لا تدل على نقص في المرتبة بل هي للمؤمن إما زيادة في حسناته وإما تكفير.( ابن حجر)
-بيان اشتداد مرضه -صلى الله عليه وسلم-، وذلك لتضعيف درجاته، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ما رأيت الوجع على أحد أشد منه على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-". متفق عليه.( محمد علي الاتيوبي)
-فضل عائشة رضي الله عنها.

١٧٥٩. (خ) (٤٤٦٢) عَنْ أنَسٍ ﵁ قالَ: لَمّا ثَقُلَ النَّبِيُّ ﷺ جَعَلَ يَتَغَشّاهُ، فَقالَت فاطِمَةُ ﵂: وا كَربَ أباهُ. فَقالَ لَها: «لَيسَ عَلى أبِيكِ كَربٌ بَعدَ اليَومِ». فَلَمّا ماتَ قالَت: يا أبَتاهُ؛ أجابَ رَبًّا دَعاهُ، يا أبَتاه مَن جَنَّةُ الفِردَوسِ مَأواه، يا أبَتاه إلى جِبرِيلَ نَنعاه، فَلَمّا دُفِنَ قالَت فاطِمَةُ ﵂: يا أنَسُ؛ أطابَت أنفُسُكُم أن تَحثُوا عَلى رَسُولِ اللهِ ﷺ التُّرابَ؟
- قوله: "ليس على أبيك كرب بعد اليوم" وهذا يدل أنها لم ترفع صوتها بذلك وإلا لكان ينهاها، قولها: "يا أبتاه" كأنها قالت: يا أبي، والمثناة بدل من التحتانية والألف للندبة ولمد الصوت والهاء للسكت.(ابن حجر)
- قالت: (أطابت أنفسكم) الخ معناه: كيف طابت أنفسكم على حثو التراب عليه مع شدة محبتكم له؟ وسكت أنس عن الجواب لها رعاية وتأدبا، ولكنه أجاب بلسان الحال: قلوبنا لم تطب بذلك ولكن فعلناه امتثالا لأمره، والله أعلم.(العيني)

١٧٦٠. (خ) (٤٤٧٠) عَنْ أبِي الخَيْرِ؛ عَنِ الصُّنابِحِيِّ؛ أنَّهُ قالَ لَهُ: مَتى هاجَرتَ؟ قالَ: خَرَجنا مِن اليَمَنِ مُهاجِرِينَ، فَقَدِمنا الجُحفَةَ، فَأَقبَلَ راكِبٌ فَقلت لَهُ الخَبَرَ، فَقالَ: دَفَنّا النَّبِيَّ ﷺ مُنذُ خَمسٍ. قلت: هَل سَمِعتَ فِي لَيلَةِ القَدرِ شَيئًا؟ قالَ: نَعَم، أخبَرَنِي بِلالٌ مُؤَذِّنُ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ فِي السَّبعِ فِي العَشرِ الأواخِرِ.
- قوله: (في العشر الأواخر) من رمضان، وليس هو بدلا من السبع، بل التقدير: السبع الكائن في العشر، أو كلمة: "في" بمعنى: من، وجمع الأواخر باعتبار أيام العشر.( العيني)
- قوله: ( الأواخر)، صفة للسبع وللعشر كليهما فاكتفى بأحدهما عن الآخر، وهو نوع من باب التنازع.(العيني)

١٧٦١. (خ) (٤٣٥٩) عَنْ جَرِيرٍ قالَ: كُنتُ بِاليَمَنِ، فَلَقِيتُ رَجُلَينِ مِن أهلِ اليَمَنِ: ذا كَلاعٍ وذا عَمْرٍو، فَجَعَلتُ أُحَدِّثُهُم عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقالَ لَهُ ذُو عَمرٍو: لَئِن كانَ الَّذِي تَذكُرُ مِن أمرِ صاحِبِكَ لَقَد مَرَّ عَلى أجَلِهِ مُنذُ ثَلاثٍ، وأَقبَلا مَعِي حَتّى إذا كُنّا فِي بَعضِ الطَّرِيقِ رُفِعَ لَنا رَكبٌ مِن قِبَلِ المَدِينَةِ، فَسَأَلناهُم فَقالُوا: قُبِضَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، واستُخلِفَ أبُو بَكرٍ، والنّاسُ صالِحُونَ. فَقالا: أخبِر صاحِبَكَ أنّا قَد جِئنا ولَعَلَّنا سَنَعُودُ إن شاءَ اللهُ. ورَجَعا إلى اليَمَنِ، فَأَخبَرتُ أبا بَكرٍ بِحَدِيثِهِم، قالَ: أفَلا جِئتَ بِهِم؟ فَلَمّا كانَ بَعدُ قالَ لِي ذُو عَمرٍو: يا جَرِيرُ؛ إنَّ بِكَ عَلَيَّ كَرامَةً، وإنِّي مُخبِرُكَ خَبَرًا: إنَّكُم مَعشَرَ العَرَبِ لَن تَزالُوا بِخَيرٍ ما كُنتُم إذا هَلَكَ أمِيرٌ تَأَمَّرتُم فِي آخَرَ، فَإذا كانَت بِالسَّيفِ، كانُوا مُلُوكًا يَغضَبُونَ غَضَبَ المُلُوكِ، ويَرضَونَ رِضا المُلُوكِ.

باب: عَدَدُ غَزَواتِ رَسُولِ اللهِ ﷺ


١٧٦٢. (خ م) (١٨١٤) عَنْ بُرَيْدَةَ ﵁ قالَ: غَزا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ سِتَّ عَشرَةَ غَزوَةً. ورَوى (م) عَنْ بُرَيْدَةَ قالَ: غَزا رَسُولُ اللهِ ﷺ تِسعَ عَشرَةَ غَزوَةً، قاتَلَ فِي ثمانٍ مِنهُنَّ.
- (قاتل في ثمان منهن) وهن: بدر، وأحد، والأحزاب، والمريسيع، وقديد، وخيبر، ومكة، وحنين.
وقيل: قاتل في تسع، فزاد الطائف، وبعضهم لم يعد مكة، على أنها فتحت صلحا.(موسى لاشين)
-مدى حرص الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- على حضور الغزوات.( موسى لاشين)
-تفاخرهم بالاشتراك فيها.( موسى لاشين)
-حفظهم لها واهتمامهم بها.( موسى لاشين)

١٧٦٣. (خ م) (١٨١٥) عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ ﵁ يَقُولُ: غَزَوتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ سَبعَ غَزَواتٍ، وخَرَجتُ فِيما يَبعَثُ مِن البُعُوثِ تِسعَ غَزَواتٍ، مَرَّةً عَلَينا أبُو بَكرٍ، ومَرَّة عَلَينا أُسامَةُ بنُ زَيْدٍ. وفي رواية (خ): سَبعَ غَزَواتٍ، فَذَكَرَ: خَيبَرَ، والحُدَيبِيَةَ، ويَومَ حُنَينٍ، ويَوم القَرَدِ. قالَ يَزِيدُ: ونَسِيتُ بَقِيَّتَهُم.
-فيه: فضل ظاهر لأسامة الحب ابن الحب رضوان الله عليه.( ابن الملقن)

١٧٦٤. (م) (١٨١٣) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: غَزَوتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ تِسعَ عَشرَةَ غَزوَةً، قالَ جابِرٌ: لَم أشهَد بَدرًا ولا أُحُدًا، مَنَعَنِي أبِي، فَلَمّا قُتِلَ عَبدُ اللهِ يَومَ أُحُدٍ لَم أتَخَلَّف عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي غَزوَةٍ قَطُّ.
-قوله (لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة قط) في الصحيح أنه كان قد تزوج بعد وفاة أبيه ثيبا كبيرة، ترعى أخواته في غيبته.(موسى لاشين)
-وتخلف جابر رضي الله عنه عن بدر وأحد أن الأعذار عن الغزو كانت مقبولة.( موسى لاشين)
-مدى حرص الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- على حضور الغزوات.( موسى لاشين)

١٧٦٥. (خ) (٤٤٧٢) عَنِ البَراءِ ﵁ قالَ: غَزَوتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ خَمسَ عَشرَةَ.

كِتابُ الإمارَةِ


باب: الخُلَفاءُ مِن قُرَيْشٍ


١٧٦٦. (خ م) (١٨٢٠) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ﵄ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لا يَزالُ هَذا الأَمرُ فِي قُرَيشٍ ما بَقِيَ مِن النّاسِ اثنانِ». لَفظُ (خ): «ما بَقِيَ مِنهُم اثنانِ». ورَوى (خ) عَن مُحمَّدِ بْنِ جُبَيرِ بْنِ مُطعِمٍ؛ عَن مُعاوِيةَ ﵁؛ سَمعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إنَّ هَذا الأَمرَ فيِ قُرَيشٍ، لا يُعادِيهِم أحَدٌ إلّا كَبَّهُ اللهُ فِي النّارِ عَلى وجهِهِ، ما أقامُوا الدِّينَ».
- هذه الأحاديث -وما فى معناها فى هذا الباب- حجة أن الخلافة لقريش، وهو مذهب كافة المسلمين وجماعتهم. وبهذا احتج أبو بكر وعمر على الأنصار يوم السقيفة، فلم يدفعه أحد عنه.( القاضي عياض)
- قوله: "ما بقي من الناس اثنان" وليس المراد حقيقة العدد، وإنما المراد به انتفاء أن يكون الأمر في غير قريش.( ابن حجر)

١٧٦٧. (خ م) (١٨١٨) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ قالَ: «النّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيشٍ فِي هَذا الشَّأنِ، مُسلِمُهُم تَبَعٌ لِمُسلِمِهِم، وكافِرُهُم تَبَعٌ لِكافِرِهِم». ورَوى (م) عَن جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قالَ: قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «النّاسُ تَبَعٌ لِقَرَيشٍ فِي الخَيرِ والشَّرِّ».
- إشارة لقوله في الرواية: "في الخير والشر"؛ لأنهم كانوا فى الجاهلية رؤساء العرب وأصحاب حرم الله وحج البيت، وكانت الجاهلية تنتظر إسلامهم واتباعهم النبي صلى الله عليه وسلم. فلما أسلموا وفتحت مكة اتبعهم الناس، وجاءت وفود العرب من كل جهة. كذلك حكمهم في الإسلام في تقديمهم للخلافة، فنبه النبي صلى الله عليه وسلم أنه كما كان كفار الناس تبعا لقريش فى الجاهلية فى الخير والشر، كذلك يجب أن يتبع مسلمهم لمسلمهم، فيكون المقدم عليهم.( القاضي عياض)

١٧٦٨. (خ م) (١٨٢١) عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ﵁ قالَ: سَمِعتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «لا يَزالُ أمرُ النّاسِ ماضِيًا ما ولِيَهُمُ اثنا عَشَرَ رَجُلًا». ثُمَّ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ ﷺ بِكَلِمَةٍ خَفِيَت عَلَيَّ، فَسَأَلتُ أبِي؛ ماذا قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ؟ فَقالَ: «كُلُّهُم مِن قُرَيشٍ». لَفظُ (خ): «يَكُونُ اثنا عَشَرَ أمِيرًا ...» الحديث.
وفي رواية (م): «لا يَزالُ هَذا الدِّينُ عَزِيزًا مَنِيعًا إلى اثنَي عَشَرَ ...». مِثلَهُ. ورَوى (م) عَن عامِرِ بْنِ سَعدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ قالَ: كَتَبتُ إلى جابِرِ بْنِ سَمُرةَ مَعَ غُلامِي نافِعٍ: أنْ أخْبِرْنِي بِشَيءٍ سَمِعتَهُ مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ، قالَ: فَكَتَبَ إليَّ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَومَ جُمُعةٍ، عَشِيَّةَ رُجِمَ الأَسلَمِيُّ يَقُولُ: «لا يَزالُ الدِّينُ قائِمًا حَتّى تَقُومَ السّاعَةُ، أو يَكُونُ عَلَيكُم اثنا عَشَرَ خَلِيفَةً، كُلُّهُم مِن قُرَيشٍ» ...
-قوله: "لا يزال هذا الأمر عزيزا إلى اثني عشر خليفة، كلهم من قريش"؛ يعني به: أنه لا تزال عزة دين الإسلام قائمة إلى اثني عشر خليفة من قريش، وقد اختلف فيهم على ثلاثة أقوال:
-أحدها: أنهم خلفاء العدل؛ كالخلفاء الأربعة، وعمر بن عبد العزيز. ولا بد من ظهور من يتنزل منزلتهم في إظهار الحق والعدل، حتى يكمل ذلك العدد، وهو أولى الأقوال عندي.
-وثانيها: أن هذا إخبار عن الولايات الواقعة بعده وبعد أصحابه، وكأنه أشار بذلك إلى مدة ولاية بني أمية، ويعني بالدّين: الملك والولاية، وهوشرح الحال في استقامة السلطنة لهم، لا على طريق المدح.( محمد بن علي الاتيوبي)
-وثالثها: أن هذا خبر عن اثني عشر خليفة من قريش، مجتمعين في زمان واحد في آفاق مختلفة؛ كما قد وقع، فقد كان بالأندلس منهم في عصر واحد بعد أربعمائة وثلاثين سنة ثلاثة كلهم يدعيها، وتلقب بها. ومعهم صاحب مصر، وخليفة بغداد، فكذلك يجوز أن يجتمع الاثنا عشر خليفة في العصر الواحد، وقد دل على هذا قوله: "سيكون خلفاء، فيكثرون .... "، متفق عليه، وكل محتمل، والأول أولاها؛ لبعده عن الاعتراض. (القرطبي)

باب: الاسْتِخْلافُ وتَرْكُهُ


١٧٦٩. (خ م) (١٨٢٣) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قالَ: حَضَرتُ أبِي حِينَ أُصِيبَ، فَأَثنَوا عَلَيهِ (وقالُوا: جَزاكَ اللهُ خَيرًا). فَقالَ: راغِبٌ وراهِبٌ. قالُوا: استَخلِف. فَقالَ: أتَحَمَّلُ أمرَكُم حَيًّا ومَيِّتًا؟ لَوَدِدتُ أنَّ حَظِّي مِنها الكَفافُ، لا عَلَيَّ ولا لِي، فَإن أستَخلِف فَقَد استَخلَفَ مَن هُوَ خَيرٌ مِنِّي يَعنِي أبا بَكرٍ، وإن أترُككُم فَقَد تَرَكَكُم مَن هُوَ خَيرٌ مِنِّي رَسُولُ اللهِ ﷺ. (قالَ عَبدُ اللهِ: فَعَرَفتُ أنَّهُ حِينَ ذَكَرَ رَسُولَ اللهِ ﷺ غَيرُ مُستَخلِفٍ).
وفي رواية (م): قال: ثم قُلتُ لَهُ: إنِّي سَمِعتُ الناسَ يقولونَ مَقالةً، فآليتُ أن أقولَها لكَ، زَعَمُوا أنكَ غيرُ مُستَخلِفٍ، وإنَّهُ لو كانَ لكَ راعِي إبلٍ أو راعِي غَنَمٍ ثُمَّ جاءكَ وتَرَكَها رأيتَ أن قد ضَيَّعَ، فَرِعايَةُ النّاسِ أشدُّ. قال: فَوافَقَهُ قَولِي، فَوَضَعَ رأسَهُ ساعةً، ثمَّ رَفَعَهُ إليَّ، فقال: إنَّ اللَه يحفَظُ دِينَهُ، وإنِّي لَئِن لا أستخلِف، فإنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لم يَستَخلِف، وإن أستَخلِف فإنَّ أبا بكرٍ قد استَخلَفَ.
- فيه أن الاستخلاف غير لازم؛ إذ لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم.( القاضي عياض)
- وفيه جواز انعقاد الخلافة بالوجهين بالتقديم والعقد من المتولى كفعل أبى بكر لعمر، أو بعقد أهل الحل والعقد والاختيار كفعل الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مما أجمع المسلمون عليه.( القاضي عياض)

١٧٧٠. (خ) (٧٢٢١) عَنْ طارِقِ بْنِ شِهابٍ؛ عَن أبِي بَكرٍ ﵁ قالَ لِوَفدِ بُزاخَةَ: تَتبَعُونَ أذنابَ الإبِلِ حَتّى يُرِيَ اللهُ خَلِيفَةَ نَبِيِّهِ ﷺ والمُهاجِرِينَ أمرًا يَعذِرُونَكُم بِهِ.
- وفي هذا كله دليل على جواز عقد الخلافة من الإمام لغيره بعده، وأن أمره في ذلك على عامة المسلمين جائز.( ابن بطال)

١٧٧١. (خ) (٧١٩٨) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «ما بَعَثَ اللهُ مِن نَبِيٍّ ولا استَخلَفَ مِن خَلِيفَةٍ إلا كانَت لَهُ بِطانَتانِ؛ بِطانَةٌ تَأمُرُهُ بِالمَعرُوفِ وتَحُضُّهُ عَلَيهِ، وبِطانَةٌ تَأمُرُهُ بِالشَّرِّ وتَحُضُّهُ عَلَيهِ، فالمَعصُومُ مَن عَصَمَ اللهُ تَعالى».
-ينبغي لمن سمع هذا الحديث أن يتأدب به، ويسأل الله العصمة من بطانة الشر وأهله، ويحرض على بطانة الخير وأهله.( ابن بطال)
- الإشارة إلى سلامة النبي من بطانة الشر.( العيني)

باب: يَأْكُلُ الخَلِيفَةُ مِن بَيْتِ الـمالِ


١٧٧٢. (خ) (٢٠٧٠) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: لَمّا استُخلِفَ أبُو بَكرٍ الصِّدِّيقُ قالَ: لَقَد عَلِمَ قَومِي أنَّ حِرفَتِي لَم تَكُن تَعجِزُ عَن مَؤُنَةِ أهلِي، وشُغِلتُ بِأَمرِ المُسلِمِينَ، فَسَيَأكُلُ آلُ أبِي بَكرٍ مِن هَذا المالِ، ويَحتَرِفُ لِلمُسلِمِينَ فِيهِ.
-وخص الأكل من بين المنافع بالذكر لكونه أعظمها وأهمها.( الطيبي)
-وفيه بيان أن للعامل أن يأخذ من عرض المال الذي يعمل فيه قدر ما يستحقه لعمالته، إذا لم يكن فوقه إمام يقطع له أجرة معلومة.( الطيبي)
-فقوله: ((آل أبي بكر)) من باب التجريد، جرد من نفسه شخصا متصفا بصفة أبي بكر من كونه كسوبا محصلا لمؤنة الأهل بالتجارة، ثم تكفل بهذا الأمر العظيم من تولي أمور المسلمين وامتنع من الاكتساب لمؤنة أهله وجعله غيره، وهو هو. وفيه: إشعار بالعلية وأن من اتصف بتلك الصفات حقيق بأن يأكل هو وأهله من بيت المال.( الطيبي)

باب: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ ولَّوْا أمْرَهُمُ امْرَأَةً»


١٧٧٣. (خ) (٤٤٢٥) عَنْ أبِي بَكْرَةَ َ ﵁ قالَ: لَقَد نَفَعَنِي اللهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعتُها مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ أيّامَ الجَمَلِ، بَعدَ ما كِدتُ أن ألحَقَ بِأَصحابِ الجَمَلِ فَأُقاتِلَ مَعَهُم، قالَ: لَمّا بَلَغَ رَسُولَ اللهِ ﷺ أنَّ أهلَ فارِسَ قَد مَلَّكُوا عَلَيهِم بِنتَ كِسرى قالَ: «لَن يُفلِحَ قَومٌ ولَّوا أمرَهُم امرَأَةً».
-( لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة) ومذهب الجمهور أن المرأة لا تلي الإمارة ولا القضاء.(القسطلاني)
-والغرض من ذكر هذا الحديث هنا بيان أن كسرى لما مزّق كتابه صلى الله عليه وسلم ودعا عليه سقط الله عليه ابنه فمزقه وقتله ثم قتل إخوته حتى أفضى الأمر بهم إلى تأمير المرأة فجرّ ذلك إلى ذهاب ملكهم ومزقوا واستجاب الله دعاءه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (القسطلاني)
-واستنبط منه الخطابي أن المرأة لا تلي النكاح لنفسها ولا لغيرها.( ابن الملقن)

باب: الأَمْرُ بِالوَفاءِ بِبَيْعَةِ الخُلَفاءِ الأَوَّلِ فالأَوَّلِ


١٧٧٤. (خ م) (١٨٤٢) عَنْ أبِي حازِمٍ قالَ: قاعَدتُ أبا هُرَيْرَةَ ﵁ خَمسَ سِنِينَ، فَسَمِعتُهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «كانَت بَنُو إسرائِيلَ تَسُوسُهُم الأَنبِياءُ، كُلَّما هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وإنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدِي، وسَتَكُونُ خُلَفاءُ تَكثُرُ». قالُوا: فَما تَأمُرُنا؟ قالَ: «فُوا بِبَيعَةِ الأَوَّلِ فالأَوَّلِ، وأَعطُوهُم حَقَّهُم، فَإنَّ اللهَ سائِلُهُم عَمّا استَرعاهُم».
-في هذا الحديث حكم بيعة الأول وأنه يجب الوفاء بها.( القرطبي)
-وفي هذا الحديث جواز قول هلك فلان إذا مات.(النووي)
-وفيه: معجزة ظاهرة بإخباره عن الغيب، فقد بويع لابن الزبير بالخلافة، وبويع لعبد الملك بالشام.( ابن الملقن)
-أن فيه تقديم أمر الدين على أمر الدنيا؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- أمر بتوفية حق السلطان؛ لما فيه من إعلاء كلمة الدين، وكف الفتنة والشر.( محمد الاتيوبي)

باب: خِيارُ الأَئِمَّةِ وشِرارُهُمْ


١٧٧٥. (م) (١٨٥٥) عَنْ عَوْفِ بْنِ مالِكٍ ﵁؛ عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ قالَ: «خِيارُ أئِمَّتِكُمِ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُم ويُحِبُّونَكُم، ويُصَلُّونَ عَلَيكُم وتُصَلُّونَ عَلَيهِم، وشِرارُ أئِمَّتِكُمِ الَّذِينَ تُبغِضُونَهُم ويُبغِضُونَكُم، وتَلعَنُونَهُم ويَلعَنُونَكُم». قِيلَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ أفَلا نُنابِذُهُم بِالسَّيفِ؟ فَقالَ: «لا ما أقامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ، وإذا رَأَيتُم مِن وُلاتِكُم شَيئًا تَكرَهُونَهُ فاكرَهُوا عَمَلَهُ، ولا تَنزِعُوا يَدًا مِن طاعَةٍ».
-وقوله: ((ويصلون عليكم، وتصلون عليهم)) الصلاة هنا بمعنى الدعاء، يعني تدعون لهم ويدعون لكم، تدعون لهم بأن الله يهديهم ويصلح بطانتهم، ويوفقهم للعدل إلى غير ذلك من الدعاء الذي يدعى به للسلطان، وهم يدعون لكم: اللهم أصلح رعيتنا، اللهم اجعلهم قائمين بأمرك، وما أشبه ذلك.( النووي)

باب: وُجُوبُ الإنْكارِ عَلى مَن خالَفَ الشَّرْعَ


١٧٧٦. (م) (١٨٥٤) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ﵂؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «إنَّهُ يُستَعمَلُ عَلَيكُم أُمَراءُ فَتَعرِفُونَ وتُنكِرُونَ، فَمَن كَرِهَ فَقَد بَرِئَ، ومَن أنكَرَ فَقَد سَلِمَ، ولَكِن مَن رَضِيَ وتابَعَ». قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ؛ ألا نُقاتِلُهُم؟ قالَ: «لا ما صَلَّوا»؛ أي: مَن كَرِهَ بِقَلبِهِ، وأَنكَرَ بِقَلبِهِ. وفي رواية: «سَتَكُونُ أُمَراءُ فَتَعرِفُونَ وتُنكِرُونَ، فَمَن عَرَفَ بَرِئَ، ومَن أنكَرَ سَلِمَ، ولَكِن مَن رَضِيَ وتابَعَ» ... وفي رواية: «فَمَن أنكَرَ فَقَد بَرِئَ، ومَن كَرِهَ فَقَد سَلِمَ».
أن من عجز عن إزالة المنكر؛ لا يأثم بمجرد السكوت، وإنما يأثم بالرضى به، أو بألا يكرهه بقلبه.

باب: مَسْؤُولِيَّةُ إنْكارِ المُنْكَرِ


١٧٧٧. (خ) (٢٤٩٣) عَنِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ ﵄ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «مَثَلُ القائِمِ عَلى حُدُودِ اللهِ والواقِعِ فِيها كَمَثَلِ قَومٍ استَهَمُوا عَلى سَفِينَةٍ، فَأَصابَ بَعضُهُم أعلاها وبَعضُهُم أسفَلَها، فَكانَ الَّذِينَ فِي أسفَلِها إذا استَقَوا مِن الماءِ مَرُّوا عَلى مَن فَوقَهُم، فَقالُوا: لَو أنّا خَرَقنا فِي نَصِيبِنا خَرقًا ولَم نُؤذِ مَن فَوقَنا. فَإن يَترُكُوهُم وما أرادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وإن أخَذُوا عَلى أيدِيهِم نَجَوا ونَجَوا جَمِيعًا». وفي رواية: «مَثَلُ المُدهِنِ فِي حُدُودِ اللهِ والواقِعِ فِيها مَثَلُ قَومٍ استَهَمُوا سَفِينَةً ...»

باب: كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ


١٧٧٨. (خ م) (١٨٢٩) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «ألا كُلُّكُم راعٍ وكُلُّكُم مَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، فالأَمِيرُ الَّذِي عَلى النّاسِ راعٍ وهُوَ مَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ راعٍ عَلى أهلِ بَيتِهِ وهُوَ مَسؤُولٌ عَنهُم، والمَرأَةُ راعِيَةٌ عَلى بَيتِ بَعلِها ووَلَدِهِ وهِيَ مَسؤُولَةٌ عَنهُم، والعَبدُ راعٍ عَلى مالِ سَيِّدِهِ وهُوَ مَسؤُولٌ عَنهُ، ألا فَكُلُّكُم راعٍ وكُلُّكُم مَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ». وفي رواية زادَ: وحَسِبتُ أنَّهُ قَد قالَ: «الرَّجُلُ راعٍ فِي مالِ أبِيهِ، ومَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ». وفي رواية (خ): «والخادِمُ راعٍ فِي مالِ سَيِّدِهِ ...».
-أصل الرِّعَايَة حفظ الشَّيْء وَحسن التعهد فِيهِ لَكِن تخْتَلف، فرعاية الإِمَام هِيَ ولَايَة أُمُور الرّعية وَإِقَامَة حُقُوقهم، ورعاية الْمَرْأَة حسن التعهد فِي أَمر بَيت زَوجهَا، ورعاية الْخَادِم هُوَ حفظ مَا فِي يَده وَالْقِيَام بِالْخدمَةِ وَنَحْوهَا، وَمن لم يكن إِمَامًا وَلَا لَهُ أهل وَلَا سيد وَلَا أَب وأمثال ذَلِك، فرعايته على أصدقائه وَأَصْحَاب معاشرته (العيني).

باب: فِيمَن سَأَلَ الإمارَةَ وحَرِصَ عَلَيْها


١٧٧٩. (خ م) (١٧٣٣) عَنْ أبِي بُرْدَةَ قالَ: قالَ أبُو مُوسى ﵁: أقبَلتُ إلى النَّبِيِّ ﷺ ومَعِي رَجُلانِ مِن الأشعَرِيِّينَ، أحَدُهُما عَن يَمِينِي والآخَرُ عَن يَسارِي، فَكِلاهُما سَأَلَ العَمَلَ، والنَّبِيُّ ﷺ يَسْتاكُ، فَقالَ: «ما تَقُولُ يا أبا مُوسى أو يا عَبدَ اللهِ بنَ قَيسٍ؟» قالَ: فَقُلتُ: والَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ ما أطلَعانِي عَلى ما فِي أنفُسِهِما، وما شَعَرتُ أنَّهُما يَطلُبانِ العَمَلَ، قالَ: وكَأَنِّي أنظُرُ إلى سِواكِهِ تَحتَ شَفَتِهِ وقَد قَلَصَت، فَقالَ: «لَن أو لا نَستَعمِل عَلى عَمَلِنا مَن أرادَهُ، ولَكِن اذهَب أنتَ يا أبا مُوسى أو يا عَبدَ اللهِ بنَ قَيسٍ». فَبَعَثَهُ عَلى اليَمَنِ، ثُمَّ أتبَعَهُ مُعاذَ بنَ جَبَلٍ، فَلَمّا قَدِمَ عَلَيهِ قالَ: انزِل. وأَلقى لَهُ وِسادَةً، وإذا رَجُلٌ عِندَهُ مُوثَقٌ، قالَ: ما هَذا؟ قالَ: هَذا كانَ يَهُودِيًّا فَأَسلَمَ، (ثُمَّ راجَعَ دِينَهُ دِينَ السَّوءِ) فَتَهَوَّدَ، قالَ: لا أجلِسُ حَتّى يُقتَلَ، قَضاءُ اللهِ ورَسُولِهِ. فَقالَ: اجلِس، نَعَم، قالَ: لا أجلِسُ حَتّى يُقتَلَ، قَضاءُ اللهِ ورَسُولِهِ، ثَلاثَ مَرّاتٍ. فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ، ثُمَّ تَذاكَرا القِيامَ مِن اللَّيلِ، فَقالَ أحَدُهُما (مُعاذٌ): أمّا أنا فَأَنامُ وأَقُومُ، وأَرجُو فِي نَومَتِي ما أرجُو فِي قَومَتِي.
وفي رواية: قالَ: «إنّا واللهِ لا نُوَلِّي عَلى هَذا العَمَلِ أحَدًا سَأَلَهُ، ولا أحَدًا حَرَصَ عَلَيهِ». وفي رواية (خ): فَقالَ مُعاذٌ لِأَبِي مُوسى: كَيفَ تَقرَأُ القُرآنَ؟ قالَ: قائِمًا، وقاعِدًا، وعَلى راحِلَتِي، وأَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا ... وفِيها: وضَرَب فُسطاطًا، فَجَعَلا يَتَزاورانِ ...
فيه: أن الإنسان الذي يطلب الولاية لا يولاَّها؛ لأن الغالب أن الذي يطلبها إنما يريد السلطة والإمرة والكلمة، فلا يولاها، لكن لو تأخر الأمر ثم رأى ولي الأمر أن هذا كفء فلا بأس. (ابن عثيمين).

١٧٨٠. (م) (١٨٢٥) عَنْ أبِي ذَرٍّ ﵁ قالَ: قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ ألا تَستَعمِلُنِي؟ قالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلى مَنكِبِي ثُمَّ قالَ: «يا أبا ذَرٍّ؛ إنَّكَ ضَعِيفٌ، وإنَّها أمانَةٌ، وإنَّها يَومَ القِيامَةِ خِزيٌ ونَدامَةٌ، إلا مَن أخَذَها بِحَقِّها، وأَدّى الَّذِي عَلَيهِ فِيها».
١٧٨١. (خ) (٧١٤٨) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «إنَّكُم سَتَحرِصُونَ عَلى الإمارَةِ، وسَتَكُونُ نَدامَةً يَومَ القِيامَةِ، فَنِعمَ المُرضِعَةُ، وبِئسَت الفاطِمَةُ».

باب: فَضِيلَةُ الإمامِ العادِلِ والرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ


١٧٨٢. (م) (١٨٢٧) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ﵄ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ المُقسِطِينَ عِندَ اللهِ عَلى مَنابِرَ مِن نُورٍ عَن يَمِينِ الرَّحْمَنِ، وكِلتا يَدَيهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعدِلُونَ فِي حُكمِهِم وأَهلِيهِم وما ولُوا».
١٧٨٣. (م) (١٨٢٨) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُماسَةَ قالَ: أتَيتُ عائشة ﵂ أسأَلُها عَن شَيءٍ، فَقالَت: مِمَّن أنتَ؟ فَقُلتُ: رَجُلٌ مِن أهلِ مِصرَ، فَقالَت: كَيفَ كانَ صاحِبُكُم لَكُم فِي غَزاتِكُم هَذِهِ؟ فَقالَ: ما نَقِمنا منه شَيئًا، إن كانَ لَيَمُوتُ لِلرَّجُلِ مِنّا البَعِيرُ فَيُعطِيهِ البَعِيرَ، والعَبدُ فَيُعطِيهِ العَبدَ، ويَحتاجُ إلى النَّفَقَةِ فَيُعطِيهِ النَّفَقَةَ، فَقالَت: أما إنَّهُ لا يَمنَعُنِي الَّذِي فَعَلَ فِي مُحَمَّدِ بْنِ أبِي بَكرٍ أخِي أن أُخبِرَكَ ما سَمِعتُ مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ يقولُ فِي بَيتِي هَذا: «اللَّهُمَّ مَن ولِيَ مِن أمرِ أُمَّتِي شَيئًا فَشَقَّ عَلَيهِم فاشقُق عَلَيهِ، ومَن ولِيَ مِن أمرِ أُمَّتِي شَيئًا فَرَفَقَ بِهِم فارفُق بِهِ».
- تحذير الوالي من الجور على الرعية.
- حث الوالي على الرفق بالرعية.
- تحريم إدخال المشقة على المسلمين.

١٧٨٤. (م) (١٨٣٠) عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ؛ أنَّ عائِذَ بنَ عَمْرٍو ﵁ وكانَ مِن أصحابِ النَّبِيِّ ﷺ دَخَلَ عَلى عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيادٍ، فَقالَ: أي بُنَيَّ؛ إنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إنَّ شَرَّ الرِّعاءِ الحُطَمَةُ». فَإيّاكَ أن تَكُونَ مِنهُم. فَقالَ لَهُ: اجلِس، فَإنَّما أنتَ مِن نُخالَةِ أصحابِ مُحَمَّدٍ ﷺ. فَقالَ: وهَل كانَت لَهُم نُخالَةٌ؟ إنَّما كانَتِ النُّخالَةُ بَعدَهُم، وفِي غَيرِهِم.
- قوله: "وهل كانت لهم نُخالة؟ إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم" رد صحيح وكلام حق، فإن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلهم صفوة الناس وفضلاؤهم، وأفضل من يأتي بعدهم، كلهم معدلون قدوة، وإنما جاء التخليط والفساد فيمن بعدهم. (القاضي عياض).

باب: الإمامُ إذا أمَرَ بِتَقْوى اللهِ وعَدَلَ كانَ لَهُ بِذَلِكَ أجْرٌ


١٧٨٥. (خ م) (١٨٤١) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «إنَّما الإمامُ جُنَّةٌ، يُقاتَلُ مِن ورائِهِ، ويُتَّقى بِهِ، فَإن أمَرَ بِتَقوى اللهِ ﷿ وعَدَلَ كانَ لَهُ بِذَلكَ أجرٌ، وإن يَأمُر بِغَيرِهِ كانَ عَلَيهِ مِنهُ».

باب: مَن غَشَّ رَعِيَّتَهُ ولَمْ يَنْصَح لَهُمْ


١٧٨٦. (خ م) (١٤٢) عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ قالَ: عادَ عُبَيدُ اللهِ بنُ زِيادٍ مَعقِلَ بنَ يَسارٍ المُزَنِيَّ ﵁ فِي مَرَضِهِ الَّذِي ماتَ فِيهِ، فَقالَ مَعقِلٌ: إنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعتُهُ مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ، (لَو عَلِمتُ أنَّ لِي حَياةً ما حَدَّثتُكَ،) إنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «ما مِن عَبدٍ يَستَرعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَومَ يَمُوتُ وهُوَ غاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إلا حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الجَنَّةَ». وفي رواية (خ): «فَلَم يَحُطها بِنَصِيحَةٍ إلّا لَم يَجِد رائِحَةَ الجَنَّةِ».
ورَوى (م) عَن أبِي المَلِيحِ عَن مَعقِلٍ نَحوَه، وفِيهِ: «ما مِن أمِيرٍ يِلِي أمرَ المُسلِمينَ، ثُمَّ لا يَجهَدُ لَهُم ويَنصَحُ إلاَّ لَم يَدخُل مَعَهُم الجَنَّةَ».

باب: ما جاءَ فِـي تَحْرِيمِ الغُلُولِ وتَعْظِيمِ أمْرِهِ


١٧٨٧. (خ م) (١٨٣١) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قامَ فِينا رَسُولُ اللهِ ﷺ ذاتَ يَومٍ فَذَكَرَ الغُلُولَ، فَعَظَّمَهُ وعَظَّمَ أمرَهُ، ثُمَّ قالَ: «لا أُلفِيَنَّ أحَدَكُم يَجِيءُ يَومَ القِيامَةِ عَلى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغاءٌ، يَقُولُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ أغِثنِي. فَأَقُولُ: لا أملِكُ لَكَ شَيئًا، قَد أبلَغتُكَ، لا أُلفِيَنَّ أحَدَكُم يَجِيءُ يَومَ القِيامَةِ عَلى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمحَمَةٌ، فَيَقُولُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ أغِثنِي. فَأَقُولُ: لا أملِكُ لَكَ شَيئًا، قَد أبلَغتُكَ، لا أُلفِيَنَّ أحَدَكُم يَجِيءُ يَومَ القِيامَةِ عَلى رَقَبَتِهِ شاةٌ لَها ثُغاءٌ، يَقُولُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ أغِثنِي. فَأَقُولُ: لا أملِكُ لَكَ شَيئًا، قَد أبلَغتُكَ، (لا أُلفِيَنَّ أحَدَكُم يَجِيءُ يَومَ القِيامَةِ عَلى رَقَبَتِهِ نَفسٌ لَها صِياحٌ، فَيَقُولُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ أغِثنِي. فَأَقُولُ: لا أملِكُ لَكَ شَيئًا، قَد أبلَغتُكَ)، لا أُلفِيَنَّ أحَدَكُم يَجِيءُ يَومَ القِيامَةِ عَلى رَقَبَتِهِ رِقاعٌ تَخفِقُ، فَيَقُولُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ أغِثنِي. فَأَقُولُ: لا أملِكُ لَكَ شَيئًا، قَد أبلَغتُكَ، لا أُلفِيَنَّ أحَدَكُم يَجِيءُ يَومَ القِيامَةِ عَلى رَقَبَتِهِ صامِتٌ، فَيَقُولُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ أغِثنِي. فَأَقُولُ: لا أملِكُ لَكَ شَيئًا، قَد أبلَغتُكَ».
١٧٨٨. (م) (١٨٣٣) عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ الكِنْدِيِّ ﵁ قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنِ استَعمَلناهُ مِنكُم عَلى عَمَلٍ فَكَتَمَنا مِخيَطًا فَما فَوقَهُ كانَ غُلُولًا يَأتِي بِهِ يَومَ القِيامَةِ». قالَ: فَقامَ إلَيهِ رَجُلٌ أسوَدُ مِنَ الأَنصارِ كَأَنِّي أنظُرُ إلَيهِ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ اقبَل عَنِّي عَمَلَكَ. قالَ: «وما لَكَ؟» قالَ: سَمِعتُكَ تَقُولُ كَذا وكَذا. قالَ: «وأَنا أقُولُهُ الآنَ، مَنِ استَعمَلناهُ مِنكُم عَلى عَمَلٍ فَليَجِئ بِقَلِيلِهِ وكَثِيرِهِ، فَما أُوتِيَ مِنهُ أخَذَ، وما نُهِيَ عَنهُ انتَهى».

باب: تَحْرِيمُ التَّخَوُّضِ فِـي مالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ


١٧٨٩. (خ) (٣١١٨) عَنْ خَوْلَةَ الأَنْصارِيَّةِ ﵂ قالَت: سَمِعتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «إنَّ رِجالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مالِ اللهِ بِغَيرِ حَقٍّ فَلَهُم النّارُ يَومَ القِيامَةِ».

باب: فِـي هَدايا الأُمَراءِ والعُمّالِ


١٧٩٠. (خ م) (١٨٣٢) عَنْ أبِي حُمَيْدٍ السّاعِدِيِّ ﵁ قالَ: استَعمَل رَسُولُ اللهِ ﷺ رَجُلًا مِن الأَزدِ عَلى صَدَقاتِ بَنِي سُلَيمٍ، يُدعى ابنَ الأُتبِيَّةِ، فَلَمّا جاءَ حاسَبَهُ، قالَ: هَذا مالُكُم، وهَذا هَدِيَّةٌ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «فَهَلا جَلَستَ فِي بَيتِ أبِيكَ وأُمِّكَ حَتّى تَأتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إن كُنتَ صادِقًا». ثُمَّ خَطَبَنا، فَحَمِدَ اللهَ وأَثنى عَلَيهِ، ثُمَّ قالَ: «أمّا بَعدُ؛ فَإنِّي أستَعمِلُ الرَّجُلَ مِنكُم عَلى العَمَلِ مِمّا ولانِي اللهُ فَيَأتِي فَيَقُولُ: هَذا مالُكُم وهَذا هَدِيَّةٌ أُهدِيَت لِي. أفَلا جَلَسَ فِي بَيتِ أبِيهِ وأُمِّهِ حَتّى تَأتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إن كانَ صادِقًا، واللهِ لا يَأخُذُ أحَدٌ مِنكُم مِنها شَيئًا بِغَيرِ حَقِّهِ إلا لَقِيَ اللهَ تَعالى يَحمِلُهُ يَومَ القِيامَةِ، فَلأَعرِفَنَّ أحَدًا مِنكُم لَقِيَ اللهَ يَحمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغاءٌ، أو بَقَرَةً لَها خُوارٌ، أو شاةً تَيعَرُ». ثُمَّ رَفَعَ يَدَيهِ حَتّى رُئِيَ بَياضُ إبطَيهِ، ثُمَّ قالَ: «اللَّهُمَّ هَل بَلَّغتُ؟» بَصُرَ عَينِي، وسَمِعَ أُذُنِي.
وفي رواية: «(تَعلَمُنَّ واللهِ)، والَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لا يَأخُذُ أحَدُكُم مِنها شَيئًا ...».
وفي رواية: «إلا جاءَ بِهِ يَومَ القِيامَةِ يَحمِلُهُ عَلى عُنُقِهِ ...». وفي رواية (خ): «يَحمِلُهُ عَلى رَقَبتِهِ».
وفي رواية (خ): «لا يَغُلُّ أحَدُكُم مِنها شَيئًا .. إن كانَ بَعِيرًا جاءَ بِهِ لَهُ رُغاءٌ ...».

باب: الـمُبايَعَةُ عَلى الصَّبْرِ وتَرْكِ الفِرارِ


١٧٩١. (خ م) (١٨٥٦) عَنْ جابِرٍ ﵁ قالَ: كُنّا يَومَ الحُدَيبِيَةِ ألفًا وأَربَعَ مِائَةً، فَبايَعناهُ، (وعُمَرُ آخِذٌ بِيَدِهِ تَحتَ الشَّجَرَةِ، وهِيَ سَمُرَةٌ، وقالَ: بايَعناهُ عَلى أن لا نَفِرَّ، ولَم نُبايِعهُ عَلى المَوتِ). وفي رواية (م): فَبايَعناهُ غَيرَ جَدِّ بْنِ قَيسٍ الأَنْصارِي، اختَبَأَ تَحتَ بَطنِ بَعِيرِهِ.
ورَوى (م) عَن أبِي الزُّبَيرِ؛ أنَّهُ سَمِعَ جابِرًا يُسَألُ: هَل بايَعَ النَّبِيُّ ﷺ بِذِي الحُلَيفَةِ؟ فَقالَ: لا، ولَكِن صَلّى بِها، ولَم يُبايِع عِنْدَ شَجَرَةٍ إلا الشَّجَرَةَ الَّتِي بِالحُدَيبَيةِ. وعَن جابِرٍ يَقُولُ: دَعا النَّبِيُّ ﷺ عَلى بِئرِ الحُدَيبِيَةِ.
١٧٩٢. (م) (١٨٥٨) عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسارٍ ﵁ قالَ: لَقَد رَأَيتُنِي يَومَ الشَّجَرَةِ، والنَّبيُّ ﷺ يُبايِــعُ النّاسَ، وأَنا رافِعٌ غُصنًا مِن أغصانِها عَن رَأسِهِ، ونَحنُ أربَعَ عَشرَةَ مِائَةً، قالَ: لَم نُبايِعهُ عَلى المَوتِ، ولَكِن بايَعناهُ عَلى أن لا نَفِرَّ.
١٧٩٣. (خ) (٤١٨٧) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄؛ أنَّ النّاسَ كانُوا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ يَومَ الحُدَيبِيَةِ تَفَرَّقُوا فِي ظِلالِ الشَّجَرِ، فَإذا النّاسُ مُحدِقُونَ بِالنَّبِيِّ ﷺ، فَقالَ: يا عَبدَ اللهِ؛ انظُر ما شَأنُ النّاسِ قَد أحدَقُوا بِرَسُولِ اللهِ ﷺ؟ فَوَجَدَهُم يُبايِعُونَ فَبايَعَ، ثُمَّ رَجَعَ إلى عُمَرَ، فَخَرَجَ فَبايَعَ.
١٧٩٤. (خ) (٢٩٥٨) عَنْ نافِعٍ؛ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: رَجَعنا مِن العامِ المُقْبِلِ، فَما اجتَمَعَ مِنّا اثنانِ عَلى الشَّجَرَةِ الَّتِي بايَعنا تَحتَها، كانَت رَحمَةً مِن اللهِ. فَسَأَلتُ نافِعًا: عَلى أي شَيءٍ بايَعَهُم؟ عَلى المَوتِ؟ قالَ: لا، بَل بايَعَهُم عَلى الصَّبرِ.

١ ١) من هي التي قالت عند احتضاره ﷺ: (وا كرب أباه).

٥/٠