باب: الـمُبايَعَةُ عَلى الـمَوْتِ


١٧٩٥. (خ م) (١٨٦١) عَنْ عَبّادِ بْنِ تَمِيمٍ؛ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ ﵁ قالَ: أتاهُ آتٍ فَقالَ: ها ذاكَ ابنُ حَنظَلَةَ يُبايِعُ النّاسَ. فَقالَ: عَلى ماذا؟ قالَ: عَلى المَوتِ. قالَ: لا أُبايِعُ عَلى هَذا أحَدًا بَعدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ.
زادَ (خ): لَمّا كانَ زَمَنَ الحَرَّةِ أتاهُ آتٍ ...
١٧٩٦. (خ م) (١٨٦٠) عَنْ يَزِيدَ بْنِ أبِي عُبَيْدٍ مَوْلى سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قالَ: قُلتُ لِسَلَمَةَ ﵁: عَلى أيِّ شَيءٍ بايَعتُم رَسُولَ اللهِ ﷺ يَومَ الحُدَيبِيَةِ؟ قالَ: عَلى المَوتِ.
ورَوى (م) عَن سَلَمَةَ بْنِ الأَكوَعِ قالَ: قَدِمنا الحُدَيبَيَةَ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ ونَحنُ أربَعَ عَشرَةَ مِائَةً، وعَلَيها خَمسُونَ شاةً لا تُروِيها، قالَ: فَقَعَدَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلى جَبا الرَّكِيَّةِ، فَإمّا دَعا وإمّا بَصَقَ فِيها، قالَ: فَجاشَتْ، فَسَقَينا واسْتَقَينا، قالَ: ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ دَعانا لِلبَيعَةِ فِي أصلِ الشَّجَرَةِ، قالَ: فَبايَعتُهُ أوَّلَ النّاسِ، ثُمَّ بايَعَ وبايَعَ، حَتّى إذا كانَ فِي وسَطِ مِن النّاسِ قالَ: «بايِعْ يا سَلَمَةُ». قالَ: قُلتُ: قَد بايَعتُكَ يا رَسُولَ اللهِ فِي أوَّلِ النّاسِ، قالَ: «وأَيضًا». قالَ: ورَآنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ عَزِلًا - يَعنِي لَيسَ مَعَهُ سِلاحٌ - قالَ: فَأَعطانِي رَسُولُ اللهِ ﷺ حَجَفَةً أو دَرَقَةً، ثُمَّ بايَعَ، حَتّى إذا كانَ فِي آخِرِ النّاسِ قالَ: «ألا تُبايِعُني؟ يا سَلَمَةُ». قالَ: قُلتُ: قَد بايَعتُكَ يا رَسُولَ اللهِ فِي أوَّلِ النّاسِ، وفِي أوسَطِ النّاسِ، قالَ: «وأَيضًا». قالَ: فَبايَعتُهُ الثّالِثَةُ، ثُمَّ قالَ لِي: «يا سَلَمَةُ؛ أينَ حَجَفَتُكَ أو دَرَقَتُكَ الَّتِي أعطَيتُكَ؟» قالَ: قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ لَقِيَنِي عَمِّي عامِرٌ عَزِلًا فَأَعطَيتُهُ إيّاها، قالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وقالَ: «إنَّكَ كالَّذِي قالَ الأَوَّلُ: اللَّهُمَّ أبغِنِي حَبِيبًا هُو أحَبُّ إليَّ مِن نَفسِي». ثُمَّ إنَّ المُشرِكِينَ راسَلُونا الصُّلْحَ، حَتّى مَشى بَعضُنا فِي بَعضٍ واصطَلَحنا، قالَ: وكُنتُ تَبِيعًا لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ أسقِي فَرَسَهُ، وأَحُسُّهُ، وأَخدِمُهُ، وآكُلُ مِن طَعامِهِ، وتَرَكتُ أهلِي ومالِي مُهاجِرًا إلى اللهِ ورَسُولِهِ ﷺ، قالَ فَلَمّا اصطَلَحنا نَحنُ وأَهلُ مَكَّةَ واخْتَلَطَ بَعضُنا بِبَعضٍ أتَيتُ شَجَرَةً فَكَسَحْتُ شَوكَها فاضطَجعْتُ فِي أصلِها، قالَ: فَأَتانِي أربَعَةٌ مِن المُشرِكِينَ مِن أهلِ مَكَّةَ فَجَعَلُوا يَقَعُونَ فِي رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَأَبغَضتُهُم، فَتَحَوَّلتُ إلى شَجَرِةٍ أُخرى، وعَلَّقُوا سِلاحَهُم واضطَجَعُوا، فَبَينَما هُم كَذلِكَ إذ نادى مُنادٍ مِن أسفَلِ الوادِي: يا لِلْمُهاجِرِينَ؛ قُتِلَ ابنُ زُنَيْمٍ. قالَ: فاختَرَطتُ سَيفِي، ثُمَّ شَدَدْتُ عَلى أُولَئِكَ الأَربَعَةِ، وهُم رُقُودٌ، فَأَخذتُ سِلاحَهُم، فَجَعَلتُهُ ضِغْثًا فِي يَدِي، قالَ: ثُمَّ قُلتُ: والَّذِي كَرَّمَ وجهَ مُحمدٍ لا يَرفَعُ أحَدٌ مِنكُم رَأسَهُ إلا ضَرَبتُ الَّذِي فِيهِ عَيناهُ، قالَ: ثُمَّ جِئتُ بِهِم أسُوقُهُم إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، قالَ: وجاءَ عَمِّي عامِرٌ بِرَجُلٍ مِن العَبَلاتِ يُقالُ لَهُ: مِكْرَزٌ، يَقُودُهُ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ عَلى فَرَسٍ مُجَفَّفٍ، فِي سَبعِينَ مِن المُشرِكِينَ، فَنَظَرَ إلَيهِم رَسُولُ اللهِ ﷺ فَقالَ: «دَعُوهُم، يَكُنْ لَهُم بَدْءُ الفُجُورِ وثِناهُ». فَعَفا عَنهُم رَسُولُ اللهِ ﷺ، وأَنزَلَ اللهُ: ﴿وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم﴾ [الفتح: ٢٤] الآيةَ كُلَّها ...
رَوى (خ) هَذِهِ الرِوايةَ بِلَفظٍ مَختَصَرٍ جِدًا. ولَفظُهُ: قالَ: بايَعتُ النَّبِيَّ ﷺ، ثُمَّ عَدَلْتُ إلى ظِلِّ شَجَرَةٍ، فَلَمّا خَفَّ النّاسُ قالَ: «يا ابنَ الأَكوَعِ؛ ألا تُبايِعُ؟» ... [فَذَكَرَ الثّانِيَةَ فَقَط]
- وردت المبايعة فيه عدة روايات منها بايعنا على ألا نفر، ومنها: بايعنا على الموت، ولا تنافي بين قولهم: بايعوه على الموت، وبين قولهم: بايعوه على عدم الفرار، لأن معنى المبايعة على الموت المبايعة على أن لا يفروا ولو ماتوا، وليس المراد أن يقع الموت ولا بد...، وجمع الترمذي بين النصين باحتمال أن البعض بايع على الموت، والبعض بايع على أن لا يفر. (موسى شاهين).
- وفيه منقبة لسلمة في مبايعته ثلاث مرات.
- وفيه معجزة لرسول الله ﷺ في زيادة ماء البئر.
- وفيه تفقد القائد لأحوال جنده والعمل على مصالحهم ومساعدة المحتاج منهم للسلاح.
- وفيه إعطاء سلمة الحجفة لعمه فضيلة الإيثار.
- وفيه جواز إهداء هدية الغير.
- وفي قول النبي ﷺ: "أنت كالذي قال الأول ...إلخ" ضرب المثل لتقريب المعنى.
- وفيه ضحك الرسول ﷺ عند سماع ما سمع من سلمة، وأن ضحكه تبسم.
- وفيه جواز المصالحة مع العدو. (موسى شاهين).

باب: الـمُبايَعَةُ عَلى السَّمْعِ والطّاعَةِ


١٧٩٧. (خ م) (١٨٦٧) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ﵄ يَقُولُ: كُنّا نُبايِعُ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَلى السَّمعِ والطّاعَةِ، يَقُولُ لَنا: «فِيما استَطَعتَ».
ورَوى (خ) عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينارٍ قالَ: لَمّا بايَعَ النّاسُ عَبدَ الملكِ كَتَبَ إلَيهِ عَبدُ اللهِ بنُ عُمرَ: إلى عَبْدِ اللهِ عَبْدِ الملكِ أمِيرِ المُؤمِنِينَ؛ إنِّي أُقِرُّ بِالسَّمعِ والطّاعَةِ لِعَبدِ اللهِ عَبْدِ الملكِ أمِيرِ المُؤمِنِينَ، عَلى سُنَّةِ اللهِ وسُنَّةِ رَسُولِهِ، فِيما استَطَعتُ، وإنَّ بَنِيَّ قَد أقَرُّوا بِذَلكَ.
١٧٩٨. (خ م) (٥٦) عَنْ جَرِيرٍ ﵁ قالَ: بايَعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَلى إقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، والنُّصحِ لِكُلِّ مُسلِمٍ. وفي رواية: بايَعتُ النبيَّ ﷺ على السَّمعِ والطّاعَةِ، فلقَّنَنِي: «فِيما استَطَعتَ»، والنُّصحِ لِكُلِّ مُسلِمٍ. زادَ (خ) في رِوايةٍ: بايَعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَلى شَهادَةِ أن لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وإقامِ الصَّلاةِ ...
- قوله: (فِيمَا استَطَعتَ)؛ قال النووي: أي قل فيما استطعت.
- وهذا من كمال شفقته ﷺ ورأفته بأمته يلقنهم أن يقول أحدهم فيما استطعت؛ لئلا يدخل في عموم بيعة ما لا يطيقه.
- وتلقينه "فيما استطعت" من كمال شفقته ﷺ إذ قد يعجز في بعض الأحوال فلو لم يقيده بما استطاع لأخل بما التزم في بعض الأحوال والله أعلم. (النووي)
- قال النووي: ولم يذكر الصوم وغيره لدخولها في السمع والطاعة اهـ.
- مدى اهتمام الشارع بالنصح لكل مسلم: إذ جعله ﷺ قرينا للصلاة والزكاة. (موسى شاهين).
- وفي الحديث منقبة ومكرمة لجرير رضي الله عنه وأرضاه. (موسى شاهين).

١٧٩٩. (خ م) (١٧٠٩) عَنْ جُنادَةَ بْنِ أبِي أُمَيَّةَ قالَ: دَخَلنا عَلى عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ ﵁ وهُوَ مَرِيضٌ، فَقُلنا: حَدِّثنا أصلَحَكَ اللهُ بِحَدِيثٍ يَنفَعُ اللهُ بِهِ، سَمِعتَهُ مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقالَ: دَعانا رَسُولُ اللهِ ﷺ فَبايَعناهُ، فَكانَ فِيما أخَذَ عَلَينا؛ أن بايَعَنا عَلى السَّمعِ والطّاعَةِ فِي مَنشَطِنا ومَكرَهِنا، وعُسرِنا ويُسرِنا، وأَثَرَةٍ عَلَينا، وأَن لا نُنازِعَ الأمرَ أهلَهُ، قالَ: «إلا أن تَرَوا كُفرًا بَواحًا، عِندَكُم مِن اللهِ فِيهِ بُرهانٌ». وفي رواية زاد: وعَلى أن نقولَ بِالحَقِّ أينما كُنّا، لا نَخافُ فِي اللهِ لَومَةَ لائمٍ. لَفظُ (خ): وأَن نَقُومَ أو نَقُولَ بِالحَقِّ ...
- فيه أن عبادة بن الصامت كان مريضا وهو يحدث بهذا الحديث، والمريض لن يحدث إلا بما عَلِمَ علمَ اليقين بأن الرسول ﷺ قاله؛ لأن المريض لا شك أن الدنيا عنده رخيصة، وأن الآخرة عنده أغلى من الدنيا، فتجده لا يتكلم إلا بما يعلم أنه حق. (ابن عثيمين)
- قوله: (في منشطنا ومكرهنا)؛ على وجهيين:
الأول: بمعنى أننا نسمع ونطيع في أمر نتلقاه بنشاط، وفي أمر نتلقاه بكراهة.
الثاني: منشطنا أي منشط الجسم؛ لأن الإنسان إذا نفذ وهو نشيط الجسم سهل عليه، ومكرهنا مع مشقة في الجسم؛ لأن الإنسان إذا نفذ وهو حال التعب والمشقة صار عليه شيء من الكراهة. (ابن عثيمين).
- وعسرنا ويسرنا عسرنا أي قلة المال، يسرنا أي كثرته.. (ابن عثيمين)
-(وَأَثَرَةٍ) قال النووي: الاستئثار والاختصاص بأمور الدنيا عليكم، أي: اسمعوا وأطيعوا وإن اختص الأمراء بالدنيا ولم يوصلوكم حقكم مما عندهم.
- (وَأَن لَا نُنَازِعَ الأمرَ أَهلَهُ): أهله هم الذين استولوا على البلاد على أي حال كانوا، ومن أي نسب كانوا. (ابن عثيمين)
- (وعَلَى أن نقولَ بِالحَقِّ أينمَا كُنَّا) أي في أي مكان علينا أن نقول الحق؛ إن سئلنا عنه بيناه، وإن دعت الضرورة إلى بيانه بيناه؛ ولكن قد يكون من الخير أن يؤجل الإنسان بيان الحق كما فعل معاذ رضي الله عنه في حديث: (حق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا) ولكن أن يكتم ما عنده من الحق حتى يموت هذا لا يجوز.
- (لَا نَخَافُ فِي اللهِ لَومَةَ لائمٍ) يعني: حتى لو لامونا على الحق لا يهمنا، لكن لو عذب على الحق هل له أن يتأول ويكتم الحق على وجه صريح؟
هذا فيه تفصيل: الأول إذا كان كتمانه يؤدي إلى موت الحق؛ لأنه لا يقوم به أحد فهذا لا يجوز، بل يبين الحق، وإن كان إذا كتم الحق فقد وجد من يبينه فإذا أكره على كتم الحق فلا شيء عليه. (ابن عثيمين).
- قال الحافظ ابن حجر: والحكمة في الأمر بطاعتهم المحافظة على اتفاق الكلمة، لما في الافتراق من الفساد.

باب: مَن بايَعَ إمامًا فَلْيُطِعْهُ ما اسْتَطاعَ


١٨٠٠. (م) (١٨٤٤) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الكَعْبَةِ قالَ: دَخَلتُ المَسْجِدَ، فَإذا عَبدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بْنِ العاصِ جالِسٌ فِي ظِلِّ الكَعبَةِ والنّاسُ مُجتَمِعُونَ عَلَيهِ، فَأَتَيتُهُم فَجَلَستُ إلَيهِ، فَقالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي سَفَرٍ فَنَزَلنا مَنزِلًا فَمِنّا مَن يُصلِحُ خِباءَهُ، ومِنّا مَن يَنتَضِلُ، ومِنّا مَن هُوَ فِي جَشَرِهِ، إذ نادى مُنادِي رَسُولِ اللهِ ﷺ: الصَّلاةَ جامِعَةً. فاجتَمعنا إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقالَ: «إنَّهُ لَم يَكُن نَبِيٌّ قَبلِي إلا كانَ حَقًّا عَلَيهِ أن يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلى خَيرِ ما يَعلَمُهُ لَهُم، ويُنذِرَهُم شَرَّ ما يَعلَمُهُ لَهُم، وإنَّ أُمَّتَكُم هَذِهِ جُعِلَ عافِيَتُها فِي أوَّلِها، وسَيُصِيبُ آخِرَها بَلاءٌ وأُمُورٌ تُنكِرُونَها، وتَجِيءُ فِتنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعضُها بَعضًا، وتَجِيءُ الفِتنَةُ فَيَقُولُ المُؤمِنُ: هَذِهِ مُهلِكَتِي. ثُمَّ تَنكَشِفُ، وتَجِيءُ الفِتنَةُ فَيَقُولُ المُؤمِنُ: هَذِهِ هَذِهِ. فَمَن أحَبَّ أن يُزَحزَحَ عَنِ النّارِ ويُدخَلَ الجَنَّةَ فَلتَأتِهِ مَنِيَّتُهُ وهُوَ يُؤمِنُ بِاللهِ واليَومِ الآخِرِ، وليَأتِ إلى النّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أن يُؤتى إلَيهِ، ومَن بايَعَ إمامًا فَأَعطاهُ صَفقَةَ يَدِهِ وثَمَرَةَ قَلبِهِ فَليُطِعهُ إنِ استَطاعَ، فَإن جاءَ آخَرُ يُنازِعُهُ فاضرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ». فَدَنَوتُ مِنهُ فَقُلتُ لَهُ: أنشُدُكَ اللهَ؛ آنتَ سَمِعتَ هَذا مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ؟ فَأَهوى إلى أُذُنَيهِ وقَلبِهِ بِيَدَيهِ وقالَ: سَمِعَتهُ أُذُنايَ ووَعاهُ قَلبِي. فَقُلتُ لَهُ: هَذا ابنُ عَمِّكَ مُعاوِيَةُ؛ يَأمُرُنا أن نَأكُلَ أموالَنا بَينَنا بِالباطِلِ، ونَقتُلَ أنفُسَنا، واللهُ ﷿ يَقُولُ: ﴿ياأَيُّها الَّذِينَ آمَنُواْ لا تَأْكُلُواْ أمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالباطِلِ إلاَّ أن تَكُونَ تِجارَةً عَن تَراضٍ مِّنكُمْ ولا تَقْتُلُواْ أنفُسَكُمْ إنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: ٢٩]، قالَ: فَسَكَتَ ساعَةً، ثُمَّ قالَ: أطِعهُ فِي طاعَةِ اللهِ، واعصِهِ فِي مَعصِيَةِ اللهِ.
- أنه إذا حدث أمر مهم فإنه ينادى: الصلاة جامعة، وإن لم يكن صلاة.
- أن سلف هذه الأمة جعلت عافية فيها، يعني أنهم سلموا من الفتن والشرور، وحدثت الفتن والشرور بعد أول هذه الأمة.
- قوله: (وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاءٌ وَأُمُورٌ تُنكِرُونَهَا)؛ وصدق النبي ﷺ فإن الفتن منذ قتل عثمان رضي الله عنه بدأت تموج بالمسلمين كما يموج البحر الهائج.
- إن هذا من آيات الرسول ﷺ حيث أخبر بأمر وقع كما أخبر.
- قوله: (وَتَجِيءُ فِتنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعضُهَا بَعضًا، وَتَجِيءُ الفِتنَةُ)؛ الفتنة هنا الفتن المتعددة، فتجيء الفتنة ثم الأخرى ثم الثالثة، الثانية تجعل الأولى رقيقة هينة، لأنها أشد من الأولى، (فَيَقُولُ المُؤمِنُ: هَذِهِ مُهلِكَتِي) والمراد: فتنة الدين وهلاك الدين، سواء نسب الهلاك إلى نفسه أو إلى الأمة فيقول هذه مهلكة الأمة.
- قوله: (هَذِهِ هَذِهِ) من باب التعظيم؛ هذه هي الشديدة والقوية؛ لأنها أقوى من سابقتها، ثم أرشد النبي ﷺ إلى الخلاص من هذه الفتن.
- (فَلتَأتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ) أي ثابت على إيمانه ولم تزعزعه الفتن.
- ومنها أنه إذا عظمت الفتن فإن الإنسان يصلح نفسه.
- (إِلَى النَّاسِ) إلى عموم الناس، ويستثنى من بيننا وبينهم حروب، لأنهم حربيون وليس بيننا وبينهم عهد ولا ذمة.
- (صَفقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلبِهِ) المبايعة تكون باليد، وثمرة قلبه لأن القلب هو الذي يريد، وهو الذي تكون فيه العداوة والبغضاء والولاية والمحبة.
- (إِنِ استَطَاعَ) من باب الحث على طاعته.
- (أَطِعهُ فِي طَاعَةِ اللهِ) قال النووي: دليل لوجوب طاعة المتولين للإمامة بالقهر من غير إجماع ولا عهد. (ابن عثيمين)

باب: طاعَةُ الأَمِيرِ


١٨٠١. (خ م) (١٨٣٥) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «مَن أطاعَنِي فَقَد أطاعَ اللهَ، ومَن عَصانِي فَقَد عَصى اللهَ، ومَن أطاعَ أمِيرِي فَقَد أطاعَنِي، ومَن عَصى أمِيرِي فَقَد عَصانِي».
- قال القاضي عياض: ولا خلاف في وجوب طاعة الأمراء فيما لا يخالف أمر الله وما لم يأمر بمعصية.
- (وَمَن أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَد أَطَاعَنِي) قال النووي: وقال في المعصية مثله؛ لأن الله تعالى أمر بطاعة رسول الله ﷺ، وأمر هو ﷺ بطاعة الأمير، فتلازمت الطاعة.
- قال ابن عثيمين: أن الوكيل قائم مقام الموكل، فإنه معنى أن النبي ﷺ وكل وكلاء عنه في أمته، فإذا كانت معصيتهم معصية للرسول دل ذلك على أن الوكيل قائم مقام الموكل.

١٨٠٢. (م) (٦٤٨) عَنْ أبِي ذَرٍّ ﵁ قالَ: إنَّ خَلِيلِي أوصانِي؛ أن أسمَعَ وأُطِيعَ، وإن كانَ عَبدًا مُجَدَّعَ الأَطرافِ. رَوى (خ): عَن أنَسٍ ﵁ قالَ: قالَ النَّبِيُّ ﷺ لِأَبِي ذَرٍّ: «اسمَع وأَطِع، ولَو لِحَبَشِيٍّ كَأَنَّ رَأسَهُ زَبِيبَةٌ».
- قوله: (مُجَدَّعَ الأَطرَافِ) يعني مقطوعها والمراد: أخس العبيد، أي أسمع وأطيع للأمير وإن كان دنيء النسب حتى لو كان عبدا أسود مقطوع الأطراف فطاعته واجبة (النووي).
- قوله (كأَنَّ رَأسَهُ زَبِيبَةٌ): قال ابن حجر: إنما شبه رأس الحبشي بالزبيبة لتجمعها ولكون شعره أسود.

باب: الطّاعَةُ واجِبَةٌ فِـي اليُسْرِ والعُسْرِ


١٨٠٣. (م) (١٨٣٦) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «عَلَيكَ السَّمعُ والطّاعَةُ فِي عُسرِكَ ويُسرِكَ ومَنشَطِكَ ومَكرَهِكَ وأَثَرَةٍ عَلَيكَ».
١٨٠٤. (م) (١٨٤٦) عَن وائِلِ بْنِ حُجْرٍ ﵁ قالَ: سَأَلَ سَلَمَةُ بنُ يَزِيدَ الجُعفِيُّ ﵁ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقالَ: يا نبيَّ اللهِ؛ أرَأَيتَ إن قامَت عَلَينا أُمَراءُ يَسأَلُونا حَقَّهُم ويَمنَعُونا حَقَّنا؛ فَما تَأمُرُنا؟ فَأَعرَضَ عَنهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعرَضَ عَنهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فِي الثّانِيَةِ أو فِي الثّالِثَة، فَجَذَبَهُ الأَشعَثُ بنُ قَيسٍ، وقالَ: «اسمَعُوا وأَطِيعُوا، فَإنَّما عَلَيهِم ما حُمِّلُوا وعَلَيكُم ما حُمِّلتُم».
- قال النووي: وهذه الأحاديث في الحث على السمع والطاعة في جميع الأحوال وسببها اجتماع كلمة المسلمين فإن الخلاف سبب لفساد أحوالهم في دينهم ودنياهم.
- وفيه وجوب الصبر على ظلم الولاة، واستئثارهم بالدنيا. (موسى شاهين).

باب: عَزْمُ الإمامِ عَلى النّاسِ فِيما يُطِيقُونَ


١٨٠٥. (خ) (٢٩٦٤) عَنْ أبِي وائِلٍ قالَ: قالَ عَبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ ﵁: لَقَد أتانِي اليَومَ رَجُلٌ فَسَأَلَنِي عَن أمرٍ ما دَرَيتُ ما أرُدُّ عَلَيهِ، فَقالَ: أرَأَيتَ رَجُلًا مُؤْدِيًا نَشِيطًا يَخرُجُ مَعَ أُمَرائِنا فِي المَغازِي، فَيَعزِمُ عَلَينا فِي أشياءَ لا نُحصِيها. فَقلت لَهُ: واللهِ ما أدرِي ما أقُولُ لَكَ، إلا أنّا كُنّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَعَسى أن لا يَعزِمَ عَلَينا فِي أمرٍ إلا مَرَّةً حَتّى نَفعَلَهُ، وإنَّ أحَدَكُم لَن يَزالَ بِخَيرٍ ما اتَّقى اللهَ، وإذا شَكَّ فِي نَفسِهِ شَيءٌ سَأَلَ رَجُلًا فَشَفاهُ مِنهُ، وأَوشَكَ أن لا تَجِدُوهُ، والَّذِي لا إلَهَ إلا هُوَ ما أذكُرُ ما غَبَرَ مِن الدُّنيا إلا كالثَّغبِ شُرِبَ صَفوُهُ وبَقِيَ كَدَرُهُ.

باب: لا طاعَةَ فِـي مَعْصِيَةِ اللهِ إنَّما الطّاعَةُ فِـي المَعْرُوفِ


١٨٠٦. (خ م) (١٨٤٠) عَنْ عَلِيٍّ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ بَعَثَ جَيشًا، وأَمَّرَ عَلَيهِم رَجُلًا، فَأَوقَدَ نارًا وقالَ: ادخُلُوها. فَأَرادَ ناسٌ أن يَدخُلُوها، وقالَ الآخَرُونَ: إنّا قَد فَرَرنا مِنها. فَذُكِرَ ذَلكَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقالَ لِلَّذِينَ أرادُوا أن يَدخُلُوها: «لَو دَخَلتُمُوها لَم تَزالُوا فِيها إلى يَومِ القِيامَةِ». وقالَ لِلآخَرِينَ (قَولًا حَسَنًا)، وقالَ: «لا طاعَةَ فِي مَعصِيَةِ اللهِ، إنَّما الطّاعَةُ فِي المَعرُوفِ».
وفي رواية: وأَمَرَهُمْ أنْ يَسْمَعُوا لَهُ ويُطِيعُوا، فَأَغْضَبُوهُ فِي شَيْءٍ، فَقالَ: اجْمَعُوا لِي حَطَبًا ... وفيه: فَكانُوا كذلك، وسَكَنَ غَضَبُهُ، وطُفِئَتِ النارُ ... لَفظُ (خ): فَغَضِبَ ... وفِيهِ: فَهَمُّوا، وجَعَلَ بَعضُهُم يُمسِكُ بَعضًا.
-وله ﷺ: (لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة) هذا مما علمه ﷺ بالوحي، وهذا التقييد بيوم القيامة مبين للرواية المطلقة بأنهم لا يخرجون منها لو دخلوها. ( النووي)

١٨٠٧. (خ م) (١٨٣٩) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «عَلى المَرءِ المُسلِمِ السَّمعُ والطّاعَةُ فِيما أحَبَّ وكَرِهَ، إلا أن يُؤمَرَ بِمَعصِيَةٍ، فَإن أُمِرَ بِمَعصِيَةٍ فَلا سَمعَ ولا طاعَةَ».

باب: مُبايَعَةُ النِّساءِ


١٨٠٨. (خ م) (١٨٦٦) عَنْ عائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ قالَت: كانَت المُؤمِناتُ إذا هاجَرنَ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ يُمتَحَنَّ بِقَولِ اللهِ ﷿: ﴿ياأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبابعنك على أن لا يشركن با لله شيئًا ولا يسرقن ولا يزنين﴾ [الممتحنة: ١٢] إلى آخِرِ الآيَةِ، قالَت عائِشَةُ: فَمَن أقَرَّ بِهَذا مِن المُؤمِناتِ فَقَد أقَرَّ بِالمِحنَةِ، وكانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إذا أقرَرنَ بِذَلكَ مِن قَولِهِنَّ قالَ لَهُنَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «انطَلِقنَ فَقَد بايَعتُكُنَّ». ولا واللهِ ما مَسَّت يَدُ رَسُولِ اللهِ ﷺ يَدَ امرَأَةٍ قَطُّ، غَيرَ أنَّهُ يُبايِعُهُنَّ بِالكَلامِ، قالَت عائِشَةُ: واللهِ ما أخَذَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلى النِّساءِ قَطُّ إلا بِما أمَرَهُ اللهُ تَعالى، وما مَسَّت كَفُّ رَسُولِ اللهِ ﷺ كَفَّ امرَأَةٍ قَطُّ، وكانَ يَقُولُ لَهُنَّ إذا أخَذَ عَلَيهِنَّ: «قَد بايَعتُكُنَّ»، كَلامًا.
- فيه: أن بيعة النساء بالكلام من غير أخذ كف. ‏‏
- وفيه: أن بيعة الرجال بأخذ الكف مع الكلام. ‏
‏- وفيه: أن كلام الأجنبية يباح سماعه عند الحاجة، وأن صوتها ليس بعورة، وأنه لا يلمس بشرة الأجنبية من غير ضرورة كتطبب، وفصد، وحجامة، ونحوها مما لا توجد امرأة تفعله؛ جاز للرجل الأجنبي فعله للضرورة. ‏(النووي)
-الفتنة يختلف الناس فيها، فبعضهم يتكلم مع المرأة ويسترسل معها ولا يحدث له شيء، وبعضهم يفتن من أول مرة، فإذا شعرت أنك فتنت بكلام المرأة لرقته وحسن موضوعه فأمسك. (ابن عثيمين)

باب: فِـي صاحِبِ الشُّرَطِ واللِّواءِ


١٨٠٩. (خ) (٧١٥٥) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: إنَّ قَيسَ بنَ سَعدٍ ﵁ كانَ يَكُونُ بَينَ يَدَي النَّبِيِّ ﷺ بِمَنزِلَةِ صاحِبِ الشُّرَطِ مِن الأَمِيرِ.
١٨١٠. (خ) (٢٩٧٤) عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أبِي مالِكٍ القُرَظِيِّ؛ أنَّ قَيسَ بنَ سَعْدٍ الأَنْصارِيَّ ﵁ وكانَ صاحِبَ لِواءِ رَسُولِ اللهِ ﷺ أرادَ الحَجَّ فَرَجَّلَ.

باب: الأَمْرُ بِالصَّبْرِ عِنْدَ الأَثَرَةِ


١٨١١. (خ م) (١٨٤٥) عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ ﵁؛ أنَّ رَجُلًا مِن الأَنصارِ خَلا بِرَسُولِ اللهِ ﷺ فَقالَ: ألا تَستَعمِلُنِي كَما استَعمَلتَ فُلانًا؟ فَقالَ: «إنَّكُم سَتَلقَونَ بَعدِي أثَرَةً، فاصبِرُوا حَتّى تَلقَونِي عَلى الحَوضِ».
١٨١٢. (خ م) (١٨٤٣) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّها سَتَكُونُ بَعدِي أثَرَةٌ وأُمُورٌ تُنكِرُونَها». قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ؛ كَيفَ تَأمُرُ مَن أدرَكَ مِنّا ذَلكَ؟ قالَ: «تُؤَدُّونَ الحَقَّ الَّذِي عَلَيكُم، وتَسأَلُونَ اللهَ الَّذِي لَكُم». وفي رواية (خ): «أدُّوا إلَيهِم حَقَّهُم، وسَلُوا اللهَ حَقَّكُم».
-وفيه: الحث على السمع والطاعة، وإن كان المتولي ظالما عسوفا، فيعطى حقه من الطاعة، ولا يخرج عليه ولا يخلع؛ بل يتضرع إلى الله تعالى في كشف أذاه، ودفع شره وإصلاحه. (النووي)

باب: الأَمْرُ بِلُزُومِ الجَماعَةِ عِنْدَ ظُهُورِ الفِتَنِ


١٨١٣. (خ م) (١٨٤٧) عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمانِ ﵁ يَقُولُ: كانَ النّاسُ يَسأَلُونَ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَنِ الخَيرِ، وكُنتُ أسأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخافَةَ أن يُدرِكَنِي. فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ إنّا كُنّا فِي جاهِلِيَّةٍ وشَرٍّ، فَجاءَنا اللهُ بِهَذا الخَيرِ، فَهَل بَعدَ هَذا الخَيرِ شَرٌّ؟ قالَ: «نَعَم». فَقُلتُ: هَل بَعدَ ذَلكَ الشَّرِّ مِن خَيرٍ؟ قالَ: «نَعَم، وفِيهِ دَخَنٌ». قُلتُ: وما دَخَنُهُ؟ قالَ: «قَومٌ (يَستَنُّونَ بِغَيرِ سُنَّتِي)، ويَهدُونَ بِغَيرِ هَديِي، تَعرِفُ مِنهُم وتُنكِرُ». فَقُلتُ: هَل بَعدَ ذَلكَ الخَيرِ مِن شَرٍّ؟ قالَ: «نَعَم، دُعاةٌ عَلى أبوابِ جَهَنَّمَ، مَن أجابَهُم إلَيها قَذَفُوهُ فِيها». فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ صِفهُم لَنا. قالَ: «نَعَم، قَومٌ مِن جِلدَتِنا، ويَتَكَلَّمُونَ بِأَلسِنَتِنا». قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ فَما تَرى إن أدرَكَنِي ذَلكَ؟ قالَ: «تَلزَمُ جَماعَةَ المُسلِمِينَ وإمامَهُم». فَقُلتُ: فَإن لَم تَكُن لَهُم جَماعَة ولا إمامٌ؟ قالَ: «فاعتَزِل تِلكَ الفِرَقَ كُلَّها، ولَو أن تَعَضَّ عَلى أصلِ شَجَرَةٍ، حَتّى يُدرِكَكَ المَوتُ وأَنتَ عَلى ذَلكَ». ورَوى (م) عَن أبِي سَلاَّمٍ قالَ: قالَ حُذَيْفَةُ بنُ اليَمانِ .. نَحوَهُ، وفِيهِ: قُلتُ: فَهَل وراءَ ذَلكَ الخَيرِ شَرٌّ؟ قالَ: «نَعَم». قُلتُ: كَيفَ؟ قالَ: «يَكُونُ بَعدِي أئِمَةٌ لا يَهتَدُونَ بِهُداي، ولا يَستَنُّونَ بِسُنَّتِي، وسَيَقُومُ فِيهِم رِجالٌ قُلُوبُهُم قُلُوبُ الشَّياطِينَ فِي جُثمانِ إنسٍ». قالَ: قُلتُ: كَيفَ أصنَعُ يا رَسُولَ اللهِ؛ إن أدرَكتُ ذَلكَ؟ قالَ: «تَسمَعُ وتُطِيعُ لِلأَمِيرِ، وإن ضُرِبَ ظَهرُكَ، وأُخِذَ مالُكَ، فاسمَع وأَطِع».
-لزوم جماعة المسلمين وإمامهم، ووجوب طاعته، وإن فسق وعمل المعاصي من أخذ الأموال وغير ذلك، فتجب طاعته في غير معصية. ‏
‏- وفيه: معجزات لرسول الله ﷺ وهي هذه الأمور التي أخبر بها وقد وقعت كلها. (النووي)

باب: فِيمَن خَرَجَ مِنَ الطّاعَةِ وفارَقَ الجَماعَةَ


١٨١٤. (خ م) (١٨٤٩) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن رَأى مِن أمِيرِهِ شَيئًا يَكرَهُهُ فَليَصبِر، فَإنَّهُ مَن فارَقَ الجَماعَةَ شِبرًا فَماتَ فَمِيتَةٌ جاهِلِيَّةٌ».

باب: تَحْرِيمُ القِتالِ تَحْتَ رايَةٍ عُمِّيَّةٍ


١٨١٥. (م) (١٨٤٨) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «مَن خَرَجَ مِنَ الطّاعَةِ وفارَقَ الجَماعَةَ فَماتَ ماتَ مِيتَةً جاهِلِيَّةً، ومَن قاتَلَ تَحتَ رايَةٍ عُمِّيَّةٍ يَغضَبُ لِعَصَبَةٍ أو يَدعُو إلى عَصَبَةٍ أو يَنصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ فَقِتلَةٌ جاهِلِيَّةٌ، ومَن خَرَجَ عَلى أُمَّتِي يَضرِبُ بَرَّها وفاجِرَها ولا يَتَحاشَ مِن مُؤمِنِها ولا يَفِي لِذِي عَهدٍ عَهدَهُ فَلَيسَ مِنِّي ولَستُ مِنهُ».
ورَوى (م) عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن قُتِلَ تَحتَ رايَةٍ عُمِّيَّةٍ يَدَعو عَصَبِيَّةً أو يَنصُرُ عَصَبِيَّةً فَقِتلَةٌ جاهِلِيَّةٌ».

باب: تَحْرِيمُ الخُرُوجِ عَلى الطّاعَةِ


١٨١٦. (م) (١٨٥١) عَنْ نافِعٍ قالَ: جاءَ عَبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ إلى عَبْدِ اللهِ بْنِ مُطِيعٍ حِينَ كانَ مِن أمرِ الحَرَّةِ ما كانَ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعاوِيَةَ، فَقالَ: اطرَحُوا لأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وِسادَةً. فَقالَ: إنِّي لَم آتِكَ لأَجلِسَ، أتَيتُكَ لأُحَدِّثَكَ حَدِيثًا سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُهُ، سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يقول: «مَن خَلَعَ يَدًا مِن طاعَةٍ لَقِيَ اللهَ يَومَ القِيامَةِ لا حُجَّةَ لَهُ، ومَن ماتَ ولَيسَ فِي عُنُقِهِ بَيعَةٌ ماتَ مِيتَةً جاهِلِيَّةً».

باب: حُكْمُ مَن فَرَّقَ أمْرَ الـمُسْلِمِينَ وهُوَ مُجْتَمَعٌ


١٨١٧. (م) (١٨٥٢) عَنْ عَرْفَجَةَ بْنِ شُرَيْحٍ ﵁ قالَ سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إنَّهُ سَتَكُونُ هَناتٌ وهَناتٌ، فَمَن أرادَ أن يُفَرِّقَ أمرَ هَذِهِ الأُمَّةِ وهِيَ جَمِيعٌ فاضرِبُوهُ بِالسَّيفِ كائِنًا مَن كانَ». وفي رواية: «مَن أتاكُم وأَمرُكُم جَمِيعٌ عَلى رَجُلٍ واحِدٍ يُرِيدُ أن يَشُقَّ عَصاكُم أو يُفَرِّقَ جَماعَتَكُم فاقتُلُوهُ».
-فيه الأمر بقتال من خرج على الإمام، أو أراد تفريق كلمة المسلمين ونحو ذلك، وينهى عن ذلك، فإن لم ينته قوتل، وإن لم يندفع شره إلا بقتله فقتل كان هدرا، فقوله ﷺ: (فاضربوه بالسيف)، وفي الرواية الأخرى: (فاقتلوه) معناه: إذا لم يندفع إلا بذلك. (النووي )

١٨١٨. (م) (١٨٥٣) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إذا بُويِعَ لِخَلِيفَتَينِ فاقتُلُوا الآخَرَ مِنهُما».
-وفيه أنه لا يجوز عقدها لخليفتين. (النووي)

باب: مَن سَكَتَ عَنْ حَقِّهِ جَمْعًا لِلْكَلِمَةِ ودَرَءًا لِلْفِتْنَةِ


١٨١٩. (خ) (٤١٠٨) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قالَ: دَخَلتُ عَلى حَفصَةَ ونَسواتُها تَنطُفُ، قلت: قَد كانَ مِن أمرِ النّاسِ ما تَرَينَ، فَلَم يُجعَل لِي مِنَ الأَمرِ شَيءٌ، فَقالَت: إلحَق، فَإنَّهُم يَنتَظِرُونَكَ، وأَخشى أن يَكُونَ فِي احتِباسِكَ عَنهُم فُرقَةٌ. فَلَم تَدَعهُ حَتّى ذَهَبَ، فَلَمّا تَفَرَّقَ النّاسُ خَطَبَ مُعاوِيَةُ قالَ: مَن كانَ يُرِيدُ أن يَتَكَلَّمَ فِي هَذا الأَمرِ فَليُطلِع لَنا قَرنَهُ، فَلَنَحنُ أحَقُّ بِهِ مِنهُ ومِن أبِيهِ. قالَ حَبِيبُ بنُ مَسلَمَةَ: فَهَلاَّ أجَبتَهُ؟ قالَ عَبدُ اللهِ: فَحَلَلتُ حُبوَتِي، وهَمَمتُ أن أقُولَ: أحَقُّ بِهَذا الأَمرِ مِنكَ مَن قاتَلَكَ وأَباكَ عَلى الإسلام، فَخَشِيتُ أن أقُولَ كَلِمَةً تُفَرِّقُ بَينَ الجَمعِ وتَسفِكُ الدَّمَ، ويُحمَلُ عَنِّي غَيرُ ذَلكَ، فَذَكَرتُ ما أعَدَّ اللهُ فِي الجِنانِ. قالَ حَبِيبٌ: حُفِظتَ وعُصِمتَ.

باب: فِـي كَلامِ الأَمِيرِ بِالـمَعْرُوفِ


١٨٢٠. (خ م) (٢٩٨٩) عَنْ أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ ﵄ قالَ: قِيلَ لَهُ: ألا تَدخُلُ عَلى (عُثمانَ) فَتُكَلِّمَهُ. فَقالَ: أتَرَونَ أنِّي لا أُكَلِّمُهُ إلاَّ أُسمِعُكُم؟ واللهِ لَقَد كَلَّمتُهُ فِيما بَينِي وبَينَهُ، ما دُونَ أن أفتَتِحَ أمرًا لا أُحِبُّ أن أكُونَ أوَّلَ مَن فَتَحَهُ، ولا أقُولُ لأَحَدٍ يَكُونُ عَلَيَّ أمِيرًا إنَّهُ خَيرُ النّاسِ بَعدَ ما سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «يُؤتى بِالرَّجُلِ يَومَ القِيامَةِ فَيُلقى فِي النّارِ، فَتَندَلِقُ أقتابُ بَطنِهِ، فَيَدُورُ بِها كَما يَدُورُ الحِمارُ بِالرَّحى، فَيَجتَمِعُ إلَيهِ أهلُ النّارِ، فَيَقُولُونَ: يا فُلانُ؛ ما لَكَ؟ ألَم تَكُن تَأمُرُ بِالمَعرُوفِ وتَنهى عَنِ المُنكَر؟ِ فَيَقُولُ: بَلى؛ قَد كُنتُ آمُرُ بِالمَعرُوفِ ولا آتِيهِ، وأَنهى عَنِ المُنكَرِ وآتِيهِ».
-وفيه الأدب مع الأمراء واللطف بهم، ووعظهم سرا، وتبليغهم ما يقول الناس فيهم لينكفوا عنه، وهذا كله إذا أمكن ذلك، لئلا يضيع أصل الحق. (النووي)

١ ١: من الذي كتب لعبد الملك عند مبايعته: ( إلى عبدالله عبدالملك أمير المؤمنين، إني أقر بالسمع والطاعة ....)

٥/٠