باب: الـنَّهْيُ أنْ يُنْبَذَ التَّمْرُ والزَّبِيبُ جَمِيعًا


١٨٥٥. (خ م) (١٩٨٦) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄؛ عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ؛ أنَّهُ نَهى أن يُنبَذَ التَّمرُ والزَّبِيبُ جَمِيعًا، ونَهى أن يُنبَذَ الرُّطَبُ والبُسرُ جَمِيعًا.
١٨٥٦. (خ م) (١٩٨٨) عَنْ أبِي قَتادَةَ ﵁؛ أنَّ نَبِيَّ اللهِ ﷺ نَهى عَن (خَلِيطِ التَّمرِ والبُسرِ)، وعَن خَلِيطِ الزَّبِيبِ والتَّمرِ، وعَن خَلِيطِ الزَّهوِ (والرُّطَبِ)، وقالَ: انتَبِذُوا كُلَّ واحِدٍ عَلى حِدَتِهِ. لَفظُ (خ): أن يُجمَعَ بينَ التَّمرِ والزَّهوِ ...
ورَوى (م) عَن أبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «مَن شَرِبَ النَّبِيذَ مِنكُم، فَلْيَشرَبهُ زَبِيبًا فَرْدًا، أو تَمرًا فَرْدًا، أو بُسْرًا فَرْدًا».
-فيه النهي عن انتباذ الخليطين وشربهما معا.
-فيه أن سبب الكراهة فيه؛ أن الإسكار يسرع إليه بسبب الخلط قبل أن يتغير طعمه فيظن الشارب أنه ليس مسكرا ويكون مسكرا. (النووي)
-فيه أن العصير المشكَّل لا يدخل في هذا النهي؛ لأن العصير شيء يعصر ويشرب، وأما هذا فينتبذ ويخلط نوعان مع بعض.
-وفيه أنه إذا انتبذ كل واحد على حدة ثم خلطهما بعد الانتباذ فإن الاحتياط الابتعاد عن ذلك، لكنه إذا خلطهما معاً وشربهما في الحال فليسا خليطين من ناحية أنه يسرع إليهما الإسكار، وإنما إذا نبذا مع بعض أسرع اليهما الإسكار. (عبدالمحسن العباد).

باب: ما يُنْهى عَنِ الانْتِباذِ فِيهِ مِنَ الأَوْعِيَةِ ونَسْخِهِ


١٨٥٧. (خ م) (١٧) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: نَهى رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنِ الدُّبّاءِ، والحَنتَمِ، والمُزَفَّتِ، والنَّقِيرِ. ورَوى (م) عَن زاذانَ قالَ: قُلتُ لابنِ عُمرَ: حَدِّثَنِي بِما نَهى عَنهُ النَّبيُّ ﷺ مِن الأَشرِبةِ بِلُغَتِكَ، وفَسِّرهُ لِي بِلُغَتِنا، فَإنَّ لَكُم لُغَةً سِوى لُغَتِنا، فَقالَ: نَهى رَسُولَ اللهِ ﷺ عَنِ الحَنتَمِ، وهِيَ الجَرَّةُ، وعَن الدُّبّاءِ، وهِيَ القَرْعَةُ، وعَن المُزَفَّتِ، وهُو المُقَيَّرُ، وعَن النَّقِيرِ، وهِيَ النَّخلَةُ تُنسَحُ نَسحًا، وتُنقَرُ نَقرًا، وأَمَرَ أن يُنتَبَذ فِي الأَسقِيَةِ.
١٨٥٨. (خ م) (٢٠٠٠) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ﵄ قالَ: لَمّا نَهى رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنِ النَّبِيذِ فِي الأَوعِيَةِ قالُوا: لَيسَ كُلُّ النّاسِ يَجِدُ. فَأَرخَصَ لَهُم فِي الجَرِّ غَيرِ المُزَفَّتِ.
١٨٥٩. (م) (٩٧٧) عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ الحُصَيْبِ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «نَهَيتُكُم عَنِ الظُّرُوفِ، وإنَّ الظُّرُوفَ أو ظَرفًا لا يُحِلُّ شَيئًا ولا يُحَرِّمُهُ، وكُلُّ مُسكِرٍ حَرامٌ».
١٨٦٠. (خ) (٥٥٩٢) عَنْ جابِرٍ ﵄ قالَ: نَهى رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنِ الظُّرُوفِ، فَقالَت الأَنصارُ: إنَّهُ لا بُدَّ لَنا مِنها. قالَ: «فَلا إذًا».
-فيه حكمة الدين من وضعه للحدود الواضحة بين الحلال والحرام، والتي أوضح فيها صلى الله ليه وسلم أن سبب تحريمه لبعض الأشياء أنما قد يكون بسبب مآلات الأمور معها، لا لذات الشيء، وإن كان حلالا في بعض الحالات الأخرى.
-فيه نهي النبي ﷺ عن الحنتم؛ لأنها جرار كانت تعمل من طين وشعر ودم.
-وفيه نهيه ﷺ عن الدباء وهو القرع، والمراد اليابس منه، فإنه إذا يبس اُتُّخذ منه وعاء، وكانوا يحفرونه ويستخدمونه كسقاء، ويحتفظون فيه ببعض الأشربة. (النووي بتصرف)
-فيه نهي النبي ﷺ عن النقير، وهو أصل النخلة ينقر فيتخذ منه وعاء، فيخلط ويقطع فيه الرطب والبسر، ثم يترك حتى يهدر ثم يموت ويتحول إلى مسكر.
-وفيه نهيه ﷺ عن المزفت، والمقيّر، وهي الآنية التي تطلى بالقار أو الزفت من الداخل أو الخارج، وهي أوعية وأوان وظروف نهي عنها؛ لما فيها من خاصية الإسراع في تحويل الأشربة إلى خمر.
-فيه أن هذا النهي كان في صدر الإسلام ثم نسخ، لكن بقيت علته وهو الإسكار، فأي شراب اشتدّ وأسكر فهو حرام، دون النظر إلى الوعاء الذي اشتدّ وتخمرّ فيه.
-فيه أن الحيل وتغيير الأسماء لا تغيّر الحكم الشرعي من الحل إلى الحرمة ولا العكس.

باب: فِـي شُرْبِ النَّبِيذِ إذا لَمْ يَشْتَدَّ ولَمْ يُسْكِرْ


١٨٦١. (خ م) (٢٠٠٦) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ﵁ قالَ: دَعا أبُو أُسَيدٍ السّاعِدِيُّ رَسُولَ اللهِ ﷺ فِي عُرسِهِ، فَكانَت امرَأَتُهُ يَومَئِذٍ خادِمَهُم، وهِيَ العَرُوسُ، قالَ سَهلٌ: تَدرُونَ ما سَقَت رَسُولَ اللهِ ﷺ؟ أنقَعَت لَهُ تَمَراتٍ مِن اللَّيلِ فِي تَورٍ، فَلَمّا أكَلَ سَقَتهُ إيّاهُ. وفي رواية: في تَورٍ مِن حِجارَةٍ، فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِن الطَّعامِ أماثَتهُ فَسَقَتهُ، تخُصُّهُ بِذَلكَ. لَفظُ (خ): تُتحِفُهُ بِذَلكَ.
١٨٦٢. (م) (٢٠٠٤) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُنتَبَذُ لَهُ أوَّلَ اللَّيلِ، فَيَشرَبُهُ إذا أصبَحَ يَومَهُ ذَلكَ، واللَّيلَةَ الَّتِي تَجِيءُ، والغَدَ، واللَّيلَةَ الأُخرى، والغَدَ إلى العَصرِ، فَإن بَقِيَ شَيءٌ سَقاهُ الخادِمَ أو أمَرَ بِهِ فَصُبَّ.
وفي رواية له: عَن يَحيى أبِي عُمَرَ النَّخَعِيِّ قالَ: سَأَلَ قَومٌ ابنَ عَبّاسٍ ﵄ عَن بَيعِ الخَمرِ وشِرائِها والتِّجارَةِ فِيها؟ فَقالَ: أمُسلِمُونَ أنتُم؟ قالُوا: نَعَم. قالَ: فَإنَّهُ لا يَصلُحُ بَيعُها ولا شِراؤُها ولا التِّجارَةُ فِيها. قالَ: فَسَأَلُوهُ عَنِ النَّبِيذِ؟ فَقالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي سَفَرٍ، ثُمَّ رَجَعَ وقَد نَبَذَ ناسٌ مِن أصحابِهِ فِي حَناتِمَ ونَقِيرٍ ودُبّاءٍ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُهرِيقَ، ثُمَّ أمَرَ بِسِقاءٍ فَجُعِلَ فِيهِ زَبِيبٌ وماءٌ، فَجُعِلَ مِنَ اللَّيلِ فَأَصبَحَ فَشَرِبَ مِنهُ يَومَهُ ذَلِكَ ولَيلَتَهُ المُستَقبِلَةَ، ومِنَ الغَدِ حَتّى أمسى، فَشَرِبَ وسَقى، فَلَمّا أصبَحَ أمَرَ بِما بَقِيَ مِنهُ فَأُهرِيقَ.
١٨٦٣. (م) (٢٠٠٨) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: لَقَد سَقَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ بِقَدَحِي هَذا الشَّرابَ كُلَّهُ العَسَلَ والنَّبِيذَ والماءَ واللَّبَنَ.
-فيه جواز تخصيص صاحب الطعام بعض الحاضرين بفاخر من الطعام والشراب إذا لم يتأذَّ الباقون لإيثارهم المخصص؛ لعلمه أو صلاحه أو شرفه أو غير ذلك. (النووي).
-فيه إيثار أصحاب رسول الله النبي ﷺ وسروروهم بإكرامه وفرحهم بضيافته. (النووي بتصرف).
- فيه أن النبي ﷺ شربه لعلتين، إحداهما: إكرام صاحب الشراب وإجابته التي لا مفسدة فيها وفي تركها كسر قلبه، والثانية: بيان الجواز. (النووي)
-فيه حرص النبي ﷺ على إجابة الدعوة.
-فيه جواز خصوص بعض أهل الوليمة والحاضرين بنوع من اللبن والطعام دون الآخرين، لأن هذا موكول إلى صاحب الدعوة، لكن مكارم الأخلاق وحسن المروءة توجب اجتناب هذا لئلا يخدش الصدور. (القاضي عياض).
-فيه أن الإنقاع حلال إذا لم يلبث حتى يخشى شدته، والشدة مكروهة للجهل بموقعها من السكر أو غيره، والأشياء المشكوك فيها والمشتبهات قد نص الشارع على تركها. (ابن الملقن).
فيه جواز شرب النبيذ والعسل وغيره إذا كان حلواً، ولا خلاف في هذا. (القاضي عياض).

باب: تَحْرِيمُ تَخْلِيلِ الخَمْرِ والتَّداوِي بِها


١٨٦٤. (م) (١٩٨٣) عَنْ أنَسٍ ﵁؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ عَنِ الخَمرِ تُتَّخَذُ خَلًا، فَقالَ: «لا».
١٨٦٥. (م) (١٩٨٤) عَنْ وائِلِ بْنِ حُجْرٍ ﵁؛ أنَّ طارِقَ بنَ سُوَيدٍ الجُعفِيَّ سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ عَنِ الخَمرِ، فَنَهاهُ أو كَرِهَ أن يَصنَعَها، فَقالَ: إنَّما أصنَعُها لِلدَّواءِ، فَقالَ: «إنَّهُ لَيسَ بِدَواءٍ، ولَكِنَّهُ داءٌ».
-فيه منع الإسلام كل شيء يتخذ من الخمر، كالخل وغيره، وهذا من باب سدّ الذرائع.
-فيه النهي عن تحويل الخمر خلاًّ.

باب: فِـي تَخْمِيرِ الإناءِ


١٨٦٦. (خ م) (٢٠١١) عَنْ جابِرٍ ﵁ قالَ: جاءَ رَجُلٌ يُقالُ لَهُ: أبُو حُمَيدٍ بِقَدَحٍ مِن لَبَنٍ مِن النَّقِيعِ، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ألا خَمَّرتَهُ، ولَو تَعرُضُ عَلَيهِ عُودًا».
١٨٦٧. (خ م) (٢٠١٢) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ يَقُولُ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إذا كانَ جُنحُ اللَّيلِ أو أمسَيتُم فَكُفُّوا صِبيانَكُم، فَإنَّ الشَّيطانَ يَنتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإذا ذَهَبَ ساعَةٌ مِن اللَّيلِ فَخَلُّوهُم، وأَغلِقُوا الأَبوابَ واذكُرُوا اسمَ اللهِ، فَإنَّ الشَّيطانَ لا يَفتَحُ بابًا مُغلَقًا، وأَوكُوا قِرَبَكُم واذكُرُوا اسمَ اللهِ، وخَمِّرُوا آنِيَتَكُم واذكُرُوا اسمَ اللهِ، ولَو أن تَعرُضُوا عَلَيها شَيئًا، وأَطفِئُوا مَصابِيحَكُم». وفي رواية (م): «فَإنَّ الشَّيطانَ لا يَحُلُّ سِقاءً ... ولا يَكشِفُ إناءً ...». وفِيها: «فَإنَّ الفُوَيسِقَةَ تُضْرِمُ عَلى أهلِ البَيتِ بَيتَهُم». وفي رواية: «ثِيابَهُم».
وفي رواية (م): «فَإنَّ فِي السَّنَةٍ لَيلَةً يَنزِلُ فِيها وباءٌ، لا يَمُرُّ بإناءٍ لَيسَ عَلَيهِ غِطاءٌ أو سِقاءٌ لَيسَ عَلَيهِ وِكاءٌ إلاَّ نَزَلَ فِيهِ مِن ذَلكَ الوَباءِ». قالَ اللَّيثُ: فالأَعاجِمُ عِندَنا يَتَّقُونَ ذَلِكَ فِي كانُونِ الأَوَّلِ. وفي رواية (م): «لا تُرسِلُوا فَواشِيَكُم إذا غابَت الشَّمسُ حَتّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ العِشاءِ ..». وفي رواية (خ): «واكْفِتُوا صِبيانَكُم عِنْدَ العِشاءِ، فَإنَّ لِلجنِّ انتِشارًا وخَطْفَةً، واطفِئُوا المَصابِيحَ عِنْدَ الرُّقادِ، فَإنَّ الفُويسِقةَ رُبَّما اجْتَرَّتِ الفَتِيلَةَ فَأَحَرَقَت أهلَ البَيتِ».
- فيه حرص النبي ﷺ على تغطية الإناء، فإن لم يجد، فيمدّ عودا عليه عرضا، وهذا الفعل يعتبر سنة من السنن النبوية.
- فيه بيان فائدة تغطية الإناء وهي: صيانته من الشيطان فإن الشيطان لا يكشف غطاء ولا يحل سقاء، وصيانته من الوباء الذي ينزل في ليلة من السنة، صيانته من النجاسة والمقذرات، وصيانته من الحشرات والهوام فربما وقع شيء منها فيه فشربه وهو غافل أو في الليل فيتضرر به. (النووي).
- فيه الإنابة عن أن من الحق على من أراد المبيت في بيت ليس فيه غيره، وفيه نار أو مصباح ألا يبيت حتى يطفئه أو يحرزه بما يأمن به احراقه وضره. (الطبري).
- فيه أنه إنما سمي الفأرة فويسقة؛ لأذاها وفسادها كما يفسد الفاسق. (ابن بطال).
- فيه أن أمره عليه السلام بإغلاق الأبواب بالليل؛ خشية انتشار الشياطين، وتسليطهم على ترويع المؤمنين وأذاهم. (ابن بطال).
- حرصه ﷺ بأبي هو وأمي على تعليم أمته كل ما فيه المصلحة لهم في نومهم ويقظتهم.
- فيه أن الأمر والنهي في هذا الحديث، للإرشاد وقد يكون للندب. (القرطبي).
- في الحديث حفظ النفس المحرم قتلها والمال المحرم تبذيره.
- فيه أن الاستعاذة من الشيطان تذهب الغضب، وذلك أنه المزين له الغضب، وكل ما لا تحمد عاقبته فهي من أقوى السلاح على دفع كيده. (ابن الملقن).
- فيه أن الأمر بإطفاء السراج، عام يدخل فيه السراج وغيره، وأما القناديل المعلقة فإن خيف بسببها حريق دخلت في ذلك، وإن حصل الأمن منها كما هو الغالب فلا بأس بها لانتفاء العلة. (النووي).

باب: الشُّرْبُ فِـي القَدَحِ


١٨٦٨. (خ م) (٢٠٠٧) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ﵁ قالَ: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ امرَأَةٌ مِن العَرَبِ، فَأَمَرَ أبا أُسَيدٍ أن يُرسِلَ إلَيها، فَأَرسَلَ إلَيها فَقَدِمَت، فَنَزَلَت فِي أُجُمِ بَنِي ساعِدَةَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حَتّى جاءَها، فَدَخَلَ عَلَيها، فَإذا امرَأَةٌ مُنَكِّسَةٌ رَأسَها، فَلَمّا كَلَّمَها رَسُولُ اللهِ ﷺ قالَت: أعُوذُ باللهِ مِنكَ. قالَ: «قَد أعَذتُكِ مِنِّي». فَقالُوا لَها: أتَدرِينَ مَن هَذا؟ فَقالَت: لا. فَقالُوا: هَذا رَسُولُ اللهِ ﷺ جاءَكِ لِيَخطُبَكِ. قالَت: أنا كُنتُ أشقى مِن ذَلكَ. قالَ سَهلٌ: فَأَقبَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَومَئِذٍ حَتّى جَلَسَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي ساعِدَةَ هُوَ وأَصحابُهُ، ثُمَّ قالَ: «اسقِنا»، لِسَهلٍ، قالَ: فَأَخرَجتُ لَهُم هَذا القَدَحَ، فَأَسقَيتُهُم فِيهِ. قالَ أبُو حازِمٍ: فَأَخرَجَ لَنا سَهلٌ ذَلكَ القَدَحَ، فَشَرِبنا فِيهِ، قالَ: ثُمَّ استَوهَبَهُ بَعدَ ذَلكَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ، فَوَهَبَهُ لَهُ.
وفي رواية (خ): فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ اجلِسُوا ها هُنا ودَخَلَ وقَد أُتِيَ بِالجَونِيَّةِ فَأُنزِلَت فِي بَيْتٍ فِي نَخْلٍ فِي بَيْتٍ: أُمَيْمَةُ بِنْتُ النُّعْمانِ بْنِ شَراحِيلَ ومَعَها دايَتُها حاضِنَةٌ لَها فَلَمّا دَخَلَ عَلَيها النَّبِيُّ ﷺ قالَ «هَبِي نَفسَكِ لِي» قالَت: وهَل تَهَبُ المَلِكَةُ نَفسَها لِلسُّوقَةِ؟ قالَ: فَأَهوى بِيَدِهِ يَضَعُ يَدَهُ عَلَيها لِتَسكُنَ. فَقالَت: أعُوذُ بِاللَّهِ مِنكَ. فَقالَ «قَد عُذتِ بِمَعاذٍ». ثُمَّ خَرَجَ عَلَينا فَقالَ «يا أبا أُسَيدٍ؛ اكسُها رازِقِيَّتَينِ وأَلحِقها بِأَهلِها».
١٨٦٩. (خ) (٥٦١٣) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ عَلى رَجُلٍ مِن الأَنصارِ ومَعَهُ صاحِبٌ لَهُ، فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «إن كانَ عِندَكَ ماءٌ باتَ هَذِهِ اللَّيلَةَ فِي شَنَّةٍ وإلا كَرَعنا». قالَ: والرَّجُل يُحَوِّلُ الماءَ فِي حائِطِهِ، قالَ: فَقالَ الرَّجُلُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ عِندِي ماءٌ بائِتٌ، فانطَلِق إلى العَرِيشِ، قالَ: فانطَلَقَ بِهِما، فَسَكَبَ فِي قَدَحٍ، ثُمَّ حَلَبَ عَلَيهِ مِن داجِنٍ لَهُ، قالَ: فَشَرِبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، ثُمَّ شَرِبَ الرَّجُلُ الَّذِي جاءَ مَعَهُ.
١٨٧٠. (خ) (٥٦٣٨) عَنْ عاصِمٍ الأَحْوَلِ قالَ: رَأَيتُ قَدَحَ النَّبِيِّ ﷺ عِنْدَ أنَسِ بْنِ مالِكٍ، وكانَ قَد انصَدَعَ، فَسَلسَلَه بِفِضَّةٍ، قالَ: وهُوَ قَدَحٌ جَيِّدٌ عَرِيضٌ مِن نُضارٍ، قالَ: قالَ أنَسٌ: لَقَد سَقَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ فِي هَذا القَدَحِ أكثَرَ مِن كَذا وكَذا. قالَ: وقالَ ابنُ سِيرِينَ: إنَّهُ كانَ فِيهِ حَلقَةٌ مِن حَدِيدٍ، فَأَرادَ أنَسٌ أن يَجعَلَ مَكانَها حَلقَةً مِن ذَهَبٍ أو فِضَّةٍ، فَقالَ لَهُ أبُو طَلْحَةَ: لا تُغَيِّرَنَّ شَيئًا صَنَعَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَتَرَكَهُ. وفي رواية: عَن ابْنِ سِيرِينَ؛ عَن أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁؛ أنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ ﷺ انكَسَرَ فاتَّخَذَ مَكانَ الشَّعبِ سِلسِلَةً مِن فِضَّةٍ.
-في قولها (أعذتك منّي): يحتمل أنه كافأها فيها بذلك لسوء ما بدا له من قلة حرصها وزينتها، ويحتمل أنه فعل ذلك كراهة لها لما تخيل فيها من التكبر والزهو؛ إذا ذكر أنه دخل عليها وهي منكسة رأسها ثم استعاذتها منه، أو أنها لم تعجبه، مع أن الحديث يدل أنها لم تعرف أنه النبي عليه السلام ولا لما دعيت له، فهي أعذر في قولها. (القاضي عياض).
-حسن تعامل النبي ﷺ مع صحابته، ها هو يقول لسهل: اسقِنا يا سهلُ، فأراد أن يبسطه ويستدعي ما عنده من شراب وطعام، وهذا لا خلاف في استحبابه إذا كان الصديق طيّب النفس سهلا.
-حرص عمر بن عبد العزيز على استخدام قدح النبي ﷺ وحقّ له ذلك.
-فيه أن هذا الفعل (وهو الكرع) كان لضرورة شرب الماء الذي ليس ببارد، فيشرب بالكرع لضرورة العطش؛ لئلا تكرهه نفسه إذا تكرر الجرع.
فيه تنبيه السنة على حفظ النفس وإعطائها حقها مما يصلحها؛ فإن الماء الحارّ يوهن الأمعاء، ويفسد الهضم، والماء البارد يقوي ويشدّ المعدة.

باب: الـنَّهْيُ عَنِ الشُّرْبِ فِـي آنِيَةِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ


١٨٧١. (خ م) (٢٠٦٧) عَن (عَبدِ اللهِ بْنِ عُكَيْمٍ) قالَ: كُنّا مَعَ حُذَيْفَةَ ﵁ بِالمَدائِنِ، فاستَسقى حُذَيْفَةُ، فَجاءَهُ دِهقانٌ بِشَراب فِي إناءٍ مِن فِضَّةٍ، فَرَماهُ بِهِ، وقالَ: إنِّي أُخبِرُكُم؛ أنِّي قَد أمَرتُهُ أن لا يَسقِيَنِي فِيهِ، فَإنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «لا تَشرَبُوا فِي إناءِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، ولا تَلبَسُوا الدِّيباجَ والحَرِيرَ، فَإنَّهُ لَهُم فِي الدُّنيا، وهُوَ لَكُم فِي الآخِرَةِ يَومَ القِيامَةِ». وفي رواية: فسقاه مَجُوسِيٌّ ... وفيها زاد: «ولا تأكلوا في صِحافِها».
١٨٧٢. (خ م) (٢٠٦٥) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «الَّذِي يَشرَبُ فِي آنِيَةِ الفِضَّةِ إنَّما يُجَرجِرُ فِي بَطنِهِ نارَ جَهَنَّمَ».
وفي رواية (م): «أنَّ الَّذِي يَأكُلُ أو يَشرَبُ فِي آنِيَةِ الفِضَّةِ والذَّهَبِ ...».
-فيه أن الدهقنة هي لين الطعام، والدهاقين؛ لأنهم يلينون طعامهم وعيشهم لسعة مالهم، أو يكون دهقنة الطعام ولينه مستفاد من اسمهم إذ هي عادتهم، وقيل معناه: الحذق والدهاء. (ابن دقيق العيد).
-فيه أن وجه النهي عنهما إن لم يكن حريراً حماية للذريعة أو يتشبه لراميها أنها حرير، وفى النهي عنهما النهي عن افتراش الحرير. (القاضي عياض).
-فيه أن سبب رميه للإناء؛ لأنه كان قد نهاه أن يسقيه به، ولذلك عاقبه إذ غاظه ذلك من فعله بعد نهيه عنه. (القاضي عياض).
-(فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) أن العلة التي من أجلها حرم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة موجودة في الاتخاذ والاستعمال.
-في قوله (هن لهم في الدنيا) إباحة استعمالهم إياه، وإنما المعنى بقوله لهم أي هم يستعملونه مخالفة لزي المسلمين وكذا قوله:(ولكم في الآخرة) أي تستعملونه مكافأة لكم على تركه في الدنيا. (العيني).
-في نهيه ﷺ عن اتخاذ الذهب والفضة؛ لأنه في استعمالها كسرا لقلوب الفقراء.

باب: إذا شَرِبَ فالأَيْمَنُ أحَقُّ


١٨٧٣. (خ م) (٢٠٢٩) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: أتانا رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي دارِنا فاستَسقى، فَحَلَبنا لَهُ شاةً، ثُمَّ شُبتُهُ مِن ماءِ بِئرِي هَذِهِ، قالَ: فَأَعطَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَشَرِبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، وأَبُو بَكرٍ عَن يَسارِهِ، وعُمَرُ وِجاهَهُ، وأَعرابِيٌّ عَن يَمِينِهِ، فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِن شُربِهِ قالَ عُمَرُ: هَذا أبُو بَكرٍ يا رَسُولَ اللهِ. يُرِيهِ إيّاهُ، فَأَعطى رَسُولُ اللهِ ﷺ الأَعرابِيَّ، وتَرَكَ أبا بَكرٍ وعُمَرَ، وقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الأَيمَنُونَ، الأَيمَنُونَ، (الأَيمَنُونَ)». قالَ أنَسٌ: فَهِيَ سُنَّةٌ، فَهِيَ سُنَّةٌ، فَهِيَ سُنَّةٌ. لَفظُ (خ): «الأَيمَنُونَ، الأَيمَنُونَ، ألا فَيَمِّنُوا». وفي رواية: «الأَيمَنُ فالأَيمَنُ». وفِي أوَّلِها: عَن أنَسٍ قالَ: قَدِم النَّبِيُّ ﷺ المَدِينَةَ وأَنا ابنُ عَشرٍ، وماتَ وأَنا ابنُ عِشرِينَ، وكُنَّ أُمَّهاتِي يَحثُثْنَنِي عَلى خِدمَتِهِ، فَدَخَلَ عَلَينا دارَنا ...
لَفظُ (خ) فِي هَذِهِ الرِّوايةِ نَحوَهُ [فِي سِياقِ نُزُولِ الِحجابِ]، وفِيهِ: فَكانَ أُمَّهاتِي يُواظِبنني عَلى خِدمَةِ النَّبِيِّ ﷺ ... وفِيهِ: فَكُنتُ أعلَمَ النّاسِ بِشَأنِ الِحجابِ حِينَ أُنْزِلَ ...
١٨٧٤. (خ م) (٢٠٣٠) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السّاعِدِيِّ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ أُتِيَ بِشَرابٍ، فَشَرِبَ مِنهُ، وعَن يَمِينِهِ غُلامٌ، وعَن يَسارِهِ أشياخٌ، فَقالَ لِلغُلامِ: «أتَأذَنُ لِي أن أُعطِيَ هَؤُلاءِ؟» فَقالَ الغُلامُ: لا، واللهِ لا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنكَ أحَدًا. قالَ: فَتَلَّهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي يَدِهِ. وفي رواية (خ): غُلامٌ أصغَرُ القَومِ ...
-فيه أنه لا بأس بطلب ما يتعارف الناس بطلب مثله من شرب الماء واللبن، وما تطيب به النفس، ولا يتشاح فيه، ولاسيما أن زمن النبي ﷺ زمن مكارمة ومشاركة. (ابن بطال).
-فيه أنه إنما أعطى الأعرابي ولم يستأذنه كما استأذن الغلام؛ ليتألفه بذلك لقرب عهده بالإسلام. (ابن بطال)
- وفيه أن السنة لمن استسقى أن يسقي من على يمينه، وإن كان من على يساره أفضل ممن جلس على يمينه، ألا ترى قول أنس: فهي سنة ثلاث مرات، وذلك يدل على تأكيدها. (ابن بطال)
-فيه أن النبي ﷺ مدرسة في فهم نفسيات صحابته فاستئذانه الغلام وهو ابن عباس رضي الله عنه؛ إنما هو ثقة منه بطيب نفسه باستئذانه بدفعه للأشياخ والكبراء من آله وقومه.
-فيه أنه إنما يراعى الترجيح بالفضائل والمزايا مع استواء الأقدام في ذلك الحق، وترك السبق إليه، كالبداية بالشرب، وغسل اليد، وبالشهادة، والتقديم للصلاة. (القاضي عياض).
-فيه جواز المسألة بالمعروف على وجه الفقر. (ابن الملقن)
-وفيه شرب اللبن إذا خلطه بالماء. (ابن الملقن)
-وفيه جلوس القوم على قدر سبقهم. (ابن الملقن)
-فيه دليل على جواز رواية الصبي (ابن هبيرة)
وقوله: (يحثثنني على خدمته) فهذا إخبار عن دينهن، وأنهن كن من الذين بحيث تود كل واحدة منهن خدمة رسول الله ﷺ بنفسها لو أمكنها؛ فلما كن ممنوعات بالشرع حثثن الأبناء على خدمته. (ابن هبيرة)

باب: الـنَّهْيُ عَنِ اخْتِناثِ الأَسْقِيَةِ


١٨٧٥. (خ م) (٢٠٢٣) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ؛ أنَّهُ قالَ: نَهى رَسُولُ اللهِ ﷺ عَن اختِناثِ الأِسقِيَةِ؛ أن يُشرَبَ مِن أفواهِها. وفي رواية (م): واختناثُها؛ أن يُقْلَبَ رأسُها ثم يُشْرَبَ منه. وفي رواية (خ): يَعنِي أن تُكسَرَ أفواهُها فَيُشرَبَ مِنها.
-فيه نهيه ﷺ أن يشرب من أفواهها، لأنه إن شرب منه مباشرة قد يستقذره غيره، وقد يكون في السقاء ما يؤذيه فيدخل في جوفه ولا يدري.

باب: الـتَّنَفُّسُ فِـي الشَّرابِ


١٨٧٦. (٢٠٢٨) عَنْ أنَسٍ ﵁ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرابِ ثَلاثًا، (ويَقُولُ: «إنَّهُ أروى، وأَبرَأُ، وأَمرَأُ».) قالَ أنَسٌ: فَأَنا أتَنَفَّسُ فِي الشَّرابِ ثَلاثًا.
-فيه أن معنى أبرأ: أي أبرأ من ألم العطش، وقيل أبرأ أي أسلم من مرض أو أذى يحصل بسبب الشرب في نفس واحد (النووي)
-فيه أن الشرب ثلاثا أكثر ريّا؛ لأنه في شربه في مدة واحدة قد يقطع عليه تمام نفسه دره فلا يستوفيه. (القاضي عياض)
-فيه أن علة ذلك إما للتقزز أو التقذر، مما لعله يخرج عند التنفس والنفخ من أنفه أو فيه من ماء أو غيره، أو لما يكتسب الإناء من بخر ورائحة قبيحة بالنفس، أو لما لعله يكون متغير النكهة فيتعلق ذلك بالإناء وبفيه. (القاضي عياض)

باب: الزَّجْرُ عَنِ الشُّرْبِ قائِمًا


١٨٧٧. (م) (٢٠٢٤) عَنْ أنَسٍ ﵁؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ زَجَرَ عَنِ الشُّربِ قائِمًا. وفي رواية: قالَ قَتادَةُ: فَقُلنا: فالأَكلُ؟ فَقالَ: ذاكَ أشَرُّ أو أخبَثُ.
١٨٧٨. (م) (٢٠٢٦) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لا يَشرَبَنَّ أحَدٌ مِنكُم قائِمًا، فَمَن نَسِيَ فَليَستَقِيء».

باب: الرُّخْصَةُ فِـي الشُّرْبِ قائِمًا


١٨٧٩. (خ م) (٢٠٢٧) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: سَقَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ مِن زَمزَمَ، فَشَرِبَ قائِمًا، (واستَسقى وهُوَ عِنْدَ البَيتِ). وفي رواية (خ) زادَ: فَحَلَفَ عِكرِمَةُ ما كانَ يَومَئِذٍ إلاَّ عَلى بَعِيرٍ.
١٨٨٠. (خ) (٥٦١٦) عَنِ النَّزّالِ بْنِ سَبُرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عَلِيٍّ ﵁؛ أنَّهُ صَلّى الظُّهرَ، ثُمَّ قَعَدَ فِي حَوائِجِ النّاسِ فِي رَحَبَةِ الُكوفَةِ، حَتّى حَضَرَت صَلاةُ العَصرِ، ثُمَّ أُتِي بِماءٍ، فَشَرِبَ وغَسَلَ وجهَهُ ويَدَيهِ، وذَكَرَ رَأسَهُ ورِجلَيهِ، ثُمَّ قامَ فَشَرِبَ فَضلَهُ وهُوَ قائِمٌ، ثُمَّ قالَ: إنَّ ناسًا يَكرَهُونَ الشُّربَ قائِمًا، وإنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَنَع مِثلَ ما صَنَعتُ.
-فيه أن النهي للتنزيه فعله ﷺ؛ بيانا لجواز ذلك فهو واجب في حقه ﷺ لبيان التشريع وقد وقع منه ﷺ مثل هذا في صور كثيرة. (الصنعاني).
-فيه أن ظاهر حديث التقيؤ أنه يستحب مطلقا لعامد وناس. (الصنعاني)
-فيه أن الصواب فيها: أن النهي فيها محمول على الكراهة، وأما شربه ﷺ قائما فبيان للجواز فلا إشكال ولا تعارض. (النووي)

كِتابُ الأَطْعِمَةِ


باب: الأَكْلُ مِمّا يَلِي الآكِلَ


١٨٨١. (خ م) (٢٠٢٢) عَنْ عُمَرَ بْنِ أبِي سَلَمَةَ قالَ: كُنتُ فِي حَجرِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وكانَت يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحفَةِ، فَقالَ لِي: «يا غُلامُ؛ سَمِّ اللهَ، وكُل بِيَمِينِكَ، وكُل مِمّا يَلِيكَ». زادَ (خ): فَما زالَت تِلكَ طِعمَتِي بَعدُ.
- في قوله (وكل مما يليك) أي: لأن في أكله من غيره سوء عشرة وتقذر نفس وإظهاراً للحرص على كثرة الأكل. (ابن سندي)
- فيه بيان ثلاث سنن من سنن الأكل، وهي التسمية، والأكل باليمين، والأكل مما يليه؛ لأن أكله من موضع يد صاحبه سوء عشرة وترك مروءة فقد يتقذره صاحبه لاسيما في الأمراق وشبهها، فان كان تمرا أو أجناسا فقد نقلوا إباحة اختلاف الأيدي في الطبق ونحوه. (النووي)

باب: لَعْقُ اليَدِ بَعْدَ الأَكْلِ


١٨٨٢. (خ م) (٢٠٣١) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إذا أكَلَ أحَدُكُم طَعامًا فَلا يَمسَح يَدَهُ حَتّى يَلعَقَها أو يُلعِقَها».
ورَوى (م) عَن كَعبِ بْنِ مالِكٍ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَأكُلُ بِثَلاثِ أصابِعَ، ويَلعَقُ يَدَهُ قَبلَ أن يَمسَحها. ورَوى (م) عَن جابِرٍ؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ أمَرَ بِلَعقِ الأَصابِعِ والصَّحفَةِ، وقالَ: «إنَّكُم لا تَدرُونَ فِي أيِّهِ البَرَكَةُ».
-فيه أنه قد يعلل بأن مسحها قبل ذلك، فيه زيادة تلويث لما مسح به مع الاستغناء عنه بالريق ولكن إذا صح الحديث بالتعليل لم نعدل عنه. (ابن دقيق العيد)
-في هذه الأحاديث أنواع من سنن الأكل، منها: استحباب لعق اليد محافظة على بركة الطعام، وتنظيفا لها، واستحباب الأكل بثلاث أصابع، ولا يضم إليها الرابعة والخامسة إلا لعذر بأن يكون مرقا، وغيره مما لا يمكن بثلاث وغير ذلك من الأعذار، واستحباب لعق القصعة وغيرها، واستحباب أكل اللقمة الساقطة بعد مسح أذى يصيبها، هذا إذا لم تقع على موضع نجس، فإن وقعت على موضع نجس، تنجست ولابد من غسلها إن أمكن، فإن تعذر أطعمها حيوانا ولا يتركها للشيطان. (النووي)
جواز مسح اليد بالمنديل لكن السنة أن يكون بعد لعقها. (النووي)

باب: تَرْكُ عَيْبِ الطَّعامِ


١٨٨٣. (خ م) (٢٠٦٤) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: ما عابَ رَسُولُ اللهِ ﷺ طَعامًا قَطُّ، كانَ إذا اشتَهى شَيئًا أكَلَهُ، وإن كَرِهَهُ تَرَكَهُ. وفي رواية (م): وإن لَم يَشتَهِهِ سَكَتَ.
-فيه إخبار بعدم عيبه ﷺ للطعام وذمه له، فلا يقول هو مالح أو حامض أو نحو ذلك، وحاصله أنه دل على عدم عنايته ﷺ بالأكل بل ما اشتهاه أكله وما لم يشتهه تركه، وليس في تركه ذلك دليل على أنه يحرم عيب الطعام. (الصنعاني).
فيه أن هذا من آداب الطعام المتأكدة، وعيب الطعام كقوله: مالح قليل الملح حامض رقيق غليظ غير ناضج ونحو ذلك، وأما حديث ترك أكل الضب فليس هو من عيب الطعام إنما هو إخبار بأن هذا الطعام الخاص لا أشتهيه. (النووي).

باب: ذِكْرُ اسْمِ اللهِ عِنْدَ الطَّعامِ


١٨٨٤. (م) (٢٠١٧) عَنْ حُذَيْفَةَ ﵁ قالَ: كُنّا إذا حَضَرنا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ طَعامًا لَم نَضَع أيدِيَنا حَتّى يَبدَأَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَيَضَعَ يَدَهُ، وإنّا حَضَرنا مَعَهُ مَرَّةً طَعامًا فَجاءَت جارِيَةٌ كَأَنَّها تُدفَعُ، فَذَهَبَت لِتَضَعَ يَدَها فِي الطَّعامِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِيَدِها، ثُمَّ جاءَ أعرابِيٌّ كَأَنَّما يُدفَعُ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ الشَّيطانَ يَستَحِلُّ الطَّعامَ أن لا يُذكَرَ اسمُ اللهِ عَلَيهِ، وإنَّهُ جاءَ بِهَذِهِ الجارِيَةِ لِيَستَحِلَّ بِها فَأَخَذتُ بِيَدِها، فَجاءَ بِهَذا الأَعرابيِّ لِيَستَحِلَّ بِهِ فَأَخَذتُ بِيَدِهِ، والَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إنَّ يَدَهُ فِي يَدِي مَعَ يَدِها».
١٨٨٥. (م) (٢٠١٨) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄؛ أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «إذا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيتَهُ فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وعِندَ طَعامِهِ قالَ الشَّيطانُ: لا مَبِيتَ لَكُم ولا عَشاءَ. وإذا دَخَلَ فَلَم يَذكُرِ اللهِ عِنْدَ دُخُولِه قالَ الشَّيطانُ: أدرَكتُمُ المَبِيتَ. وإذا لَم يَذكُرِ اللهِ عِنْدَ طَعامِهِ قالَ: أدرَكتُمُ المَبِيتَ والعَشاءَ». وفي رواية: «وإن لَم يَذكُرِ اسمَ اللهِ عِنْدَ طَعامِهِ ...».
-فيه استحباب ذكر الله تعالى عند دخول البيت وعند الطعام (النووي).
-في قوله: (قال الشيطان لأصحابه لا مبيت لكم ولا عشاء) لأن هذا البيت وهذا العشاء حمى بذكر الله عز وجل حماه الله تعالى من الشياطين. (ابن عثيمين)
-وفيه حث على أن الإنسان ينبغي له إذا دخل بيته أن يذكر اسم الله، والذكر الوارد في ذلك:" بسم الله ولجنا وبسم الله خرجنا وعلى الله ربنا توكلنا اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج" ثم يستاك؛ لأن النبي ﷺ إذا دخل بيته فأول ما يبدأ به السواك. (ابن عثيمين).
-التسمية مشروعة عند ابتداء الطعام، كما شرع الحمد آخره، واستحب بعضهم ذلك في كل لقمة يأكلها. (القاضي عياض).
في قوله (إن الشيطان ليستحل الطعام) أي يتمكن من أكل ذلك الطعام، والمعنى أنه يتمكن من أكل الطعام إذا شرع فيه إنسان بغير ذكر الله تعالى، وأما إذا لم يشرع فيه أحد فلا يتمكن، وإن كان جماعة فذكر اسم الله بعضهم دون بعض لم يتمكن منه. (النووي)

باب: اسْتِحْبابُ حَمْدِ اللهِ تَعالى بَعْدَ الأَكْلِ والشُّرْبِ


١٨٨٦. (م) (٢٧٣٤) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ اللهَ لَيَرضى عَنِ العَبدِ أن يَأكُلَ الأَكلَةَ فَيَحمَدَهُ عَلَيها، أو يَشرَبَ الشَّربَةَ فَيَحمَدَهُ عَلَيها».
١٨٨٧. (خ) (٥٤٥٨) عَنْ أبِي أُمامَةَ ﵁؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ إذا رَفَعَ مائِدَتَهُ قالَ: «الحَمدُ للهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبارَكًا فِيهِ غَيرَ مَكفِيٍّ ولا مُوَدَّعٍ ولا مُستَغنًى عَنهُ رَبَّنا». وفي رواية: كانَ إذا فَرَغَ مِن طَعامِهِ، وقالَ مَرَّةً: إذا رَفَعَ مائِدَتَهُ قالَ: «الحَمدُ للهِ الَّذِي كَفانا وأَروانا غَيرَ مَكفِيٍّ ولا مَكفُورٍ».

باب: وُجُوبُ الأَكْلِ والشُّرْبِ بِاليَمِينِ


١٨٨٨. (م) (٢٠٢٠) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «إذا أكَلَ أحَدُكُم فَليَأكُل بِيَمِينِهِ، وإذا شَرِبَ فَليَشرَب بِيَمِينِهِ، فَإنَّ الشَّيطانَ يَأكُلُ بِشِمالِهِ ويَشرَبُ بِشِمالِهِ». وفي رواية: «لا يَأكُلَنَّ أحَدٌ مِنكُم بِشِمالِه ولا يَشرَبَنَّ بِها، فَإنَّ الشَّيطانَ يَأكُلُ بِشِمالِهِ ويَشرَبُ بِها». وكانَ نافِعٌ يَزِيدُ فِيها: «ولا يَأخُذُ بِها ولا يُعطِي بِها».
- المعنى أنه يحمل أولياءه من الإنس على ذلك الصنيع ليضاد به عباد الله الصالحين، ثم إن من حق نعمة الله والقيام بشكره أن تكرم ولا يستهان بها، ومن حق الكرامة أن تتناول باليمين ويميز بها بين ما كان من النعمة وبين ما كان من الأذى. فلا يأكل المسلم بشماله ولا يشربن بها؛ فإن الشيطان يحمل أولياءه من الإنس على ذلك. (الطيبي)
- وفيه أنه ينبغي اجتناب الأفعال التي تشبه أفعال الشياطين. (الطيبي)
- استحباب الأكل والشرب باليمين، وكراهة ذلك بالشمال، وكذلك كل أخذ وعطاء. (النووي)

١٨٨٩. (م) (٢٠٢١) عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ ﵁؛ أنَّ رَجُلًا أكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ بِشِمالِهِ، فَقالَ: «كُل بِيَمِينِكَ». قالَ: لا أستَطِيعُ. قالَ: «لا استَطَعتَ». ما مَنَعَهُ إلا الكِبرُ، قالَ: فَما رَفَعَها إلى فِيهِ.
- (ما منعه إلا الكبر) أي ما منعه من الأكل باليمين ابتداء إلا الكبر، ليس المانع عذراً شرعياً.

باب: إذا وقَعَتِ اللُّقْمَةُ فَلْيَأْخُذْها


١٨٩٠. (م) (٢٠٣٣) عَنْ جابِرٍ ﵄ قالَ: قالَ رسولُ ﷺ: «إذا وقَعَت لُقمَةُ أحَدِكُم فَليَأخُذها، فَليُمِط ما كانَ بِها مِن أذًى، وليَأكُلها، ولا يَدَعها لِلشَّيطانِ، ولا يَمسَح يَدَهُ بِالمِندِيلِ حَتّى يَلعَقَ أصابِعَهُ، فَإنَّهُ لا يَدرِي فِي أيِّ طَعامِهِ البَرَكَةُ». وفي رواية: «إنَّ الشَّيطانَ يَحضُرُ أحَدَكُم عِنْدَ كُلِّ شَيءٍ مِن شَأنِهِ حَتّى يَحضُرَهُ عِنْدَ طَعامِهِ، فَإذا سَقَطَت ...» الحديث نَحوُهُ.
- في هذه الأحاديث أنواع من سنن الأكل منها استحباب لعق اليد محافظة على بركة الطعام وتنظيفا لها (النووي)
- المراد بلعق الأصابع لحسها باللسان، ومصها بالشفتين، والمراد بمسحها بعد اللعق إمرارها على قطعة من القماش ونحوها كالمنديل، أو إمرار القماش عليها، لإزالة ما بقي عليها، وذلك حيث لم يكن ماء ولا صابون للغسل. (موسى لاشين)

باب: فِـي التَّواضُعِ عِنْدَ الأَكْلِ


١٨٩١. (م) (٢٠٤٤) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ مُقعِيًا يَأكُلُ تَمرًا. وفي رواية: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِتَمرٍ فَجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ يَقسِمُهُ وهُوَ مُحتَفِزٌ يَأكُلُ مِنهُ أكلًا ذَرِيعًا.
- قال النووي: وكان استعجاله لاستيفازه لأمر أهم من ذلك، فأسرع في الأكل ليقضي حاجته منه ويرد الجوعة، ثم يذهب في ذلك الشغل. (النووي)

١٨٩٢. (خ) (٥٣٩٩) عَنْ أبِي جُحَيْفَةَ ﵁ قالَ: كُنتُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، فَقالَ لِرَجُلٍ عِندَهُ: «لا آكُلُ وأَنا مُتَّكِئٌ».
- هو على الكراهة، وإنما فعل الرسول ﷺ ذلك تواضعًا لله وتذللًا له. ( ابن الملقن )
- وكره؛ لأنه فعل المكثرين. وقيل: لأنه فعل مُكثر أكله فنصب الموائد ويكثر الألوان، كأنه - عليه السلام - قال: أنا لا أفعل ذَلِكَ، لكني آكل العُلقة، وأجتزئ باليسير، فأقعد له مستوفرًا وأقوم عنه مستعجلًا. ( ابن التين )
- وقيل: وفسر الأكثرون الاتكاء بالميل على أحد الجانبين؛ لأنه يضر بالآكل، فإنه يمنع مجرى الطعام الطبيعي عن هيئته ويعوقه عن سرعة نفوذه إلى المعدة ويضغط المعدة فلا يستحكم فتحها للغذاء (الملا قاري)

باب: مَن دُعِيَ إلى طَعامٍ فَتَبِعَهُ غَيْرُهُ


20:17
١٨٩٣. (خ م) (٢٠٣٦) عَنْ أبِي مَسْعُودٍ الأَنْصارِيِّ ﵁ قالَ: كانَ رَجُلٌ مِن الأَنصارِ يُقالُ لَهُ: أبُو شُعَيبٍ، وكانَ لَهُ غُلامٌ لَحّامٌ، فَرَأى رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَعَرَفَ فِي وجهِهِ الجُوعَ، فَقالَ لِغُلامِهِ: ويحَكَ؛ اصنَع لَنا طَعامًا لِخَمسَةِ نَفَرٍ، فَإنِّي أُرِيدُ أن أدعُوَ النَّبِيَّ ﷺ خامِسَ خَمسَةٍ. قالَ: فَصَنَعَ، ثُمَّ أتى النَّبِيَّ ﷺ فَدَعاهُ خامِسَ خَمسَةٍ، واتَّبَعَهُم رَجُلٌ، فَلَمّا بَلَغَ البابٌ قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إنَّ هَذا اتَّبَعَنا، فَإن شِئتَ أن تَأذَنَ لَهُ، وإن شِئتَ رَجَعَ». قالَ: لا، بَل آذَنُ لَهُ يا رَسُولَ اللهِ.
- فيه من الأدب: أن لا يدخل المدعو مع نفسه غيره. (ابن الملقن)
- وفيه: أن الغير مدعو لا يأكل حتى يؤذن له؛ لأنه مقتحم غير مأذون له. وقيل: إنما استأذن له عليه السلام؛ لأنه لم يكن بينه وبين صاحب الدعوة من الوئام والمودة ما كان بينه وبين أبي طلحة، إذ قام هو وجميع من معه، وقد قال تعالى {أَو صدِيقِكم} [النور: 61]. (ابن الملقن)
- وفيه: الشفاعة حيث شفع للرجل عند صاحب الطعام بقوله: "إن شئت أن تأذن له".
- وفيه: الحكم بالدليل؛ لقوله: (فإني عرفت في وجهه الجوع). (ابن الملقن)
- وفيه: دلالة على ما كانوا عليه من شدة العيش ليوفى لهم الأجر، وهذا التابع كان ذا حاجة وفاقة وجوع. (ابن الملقن)
- استئذان صاحب الدعوة؛ بيان لحاله وتطييب لقلبه ولقلب المستأذن، ولو أمره بإدخاله معهم لكان له ذلك، ويستحب لصاحب الطعام أن يأذن له إن لم يترتب على حضوره مفسدة. (ابن الملقن)

باب: فِـي إيثارِ الضَّيْفِ وإكْرامِهِ


١٨٩٤. (خ م) (٢٠٥٤) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: جاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقالَ: إنِّي مَجهُودٌ. فَأَرسَلَ إلى بَعضِ نِسائِهِ، فَقالَت: والَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ ما عِندِي إلا ماءٌ. ثُمَّ أرسَلَ إلى أُخرى، فَقالَت مِثلَ ذَلكَ، حَتّى قُلنَ كُلُّهُنَّ مِثلَ ذَلكَ: لا، والَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ ما عِندِي إلا ماءٌ. فَقالَ: «مَن يُضِيفُ هَذا اللَّيلَةَ ﵀». فَقامَ رَجُلٌ مِن الأنصارِ فَقالَ: أنا يا رَسُولَ اللهِ. فانطَلَقَ بِهِ إلى رَحلِهِ، فَقالَ لامرَأَتِهِ: هَل عِندَكِ شَيءٌ؟ قالَت: لا، إلا قُوتُ صِبيانِي. قالَ: فَعَلِّلِيهِم بِشَيءٍ، فَإذا دَخَلَ ضَيفُنا فَأَطفِئ السِّراجَ، وأَرِيهِ أنّا نَأكُلُ، فَإذا أهوى لِيَأكُلَ فَقُومِي إلى السِّراجِ حَتّى تُطفِئِيهِ. قالَ: فَقَعَدُوا، وأَكَلَ الضَّيفُ، فَلَمّا أصبَحَ غَدا عَلى النَّبِيِّ ﷺ، فَقالَ: «قَد عَجِبَ اللهُ مِن صَنِيعِكُما بِضَيفِكُما اللَّيلَةَ». وفِي رِوايَةٍ زادَ: قالَ: فَنَزَلَت هَذِهِ الآيةُ: ﴿ويُؤْثِرُونَ عَلى أنفُسِهِمْ ولَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ﴾ [الحشر: ٩]. وفي رواية (خ): فَباتا طاوِيَينِ ... وفِيها: فَقالَ «ضَحِكَ اللهُ اللَّيلَةَ أو عَجِبَ مِن فِعالِكُما».
- فيه أن الرجل بلغ منه الجهد؛ وليس كل ضيف يكون مثل هذا.
- وفيه أيضًا من التوفيق أن هذا الرجل جمع بين توفير الزاد على الضيف مع التوصل في تطييب نفس الضيف؛ إذ أمر امرأته لعتم المكان إذ لو قد كان المصباح يقد حتى رأى امتناعهم من الطعام توفيرًا عليه سيتكدر قلبه، وتضيق نفسه؛ لما سبب لهم من حرج وضيق. (ابن هبيرة)
- وفيه أيضًا ما يدل على أن الله تعالى جعل أصحاب رسول الله - ﷺ - أصولًا في عمارة الطرق كلها، يقتدى بهم، فإن فعل هذا الأنصاري مما قل فيما سمع أن أحدًا سبقه إليه أو لحقه فيه، وهو في معنى قوله: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}. (ابن هبيرة)

١٨٩٥. (م) (٢٠٣٨) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ذاتَ يَومٍ أو لَيلَةٍ فَإذا هُوَ بِأبِي بَكرٍ وعُمَرَ، فَقالَ: «ما أخرَجَكُما مِن بُيُوتِكُما هَذِهِ السّاعَةَ؟» قالا: الجُوعُ يا رَسُولَ اللهِ. قالَ: «وأَنا والَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لأَخرَجَنِي الَّذِي أخرَجَكُما، قُومُوا». فَقامُوا مَعَهُ، فَأَتى رَجُلًا مِنَ الأَنصارِ فَإذا هُوَ لَيسَ فِي بَيتِهِ، فَلَمّا رَأَتهُ المَرأَةُ قالَت: مَرحَبًا وأَهلًا. فَقالَ لَها رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أينَ فُلانٌ؟» قالَت: ذَهَبَ يَستَعذِبُ لَنا مِنَ الماءِ. إذ جاءَ الأَنْصارِيُّ فَنَظَرَ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ وصاحِبَيهِ، ثُمَّ قالَ: الحَمدُ للهِ، ما أحَدٌ اليَومَ أكرَمَ أضيافًا مِنِّي. قالَ: فانطَلَقَ فَجاءَهُم بِعِذقٍ فِيهِ بُسرٌ وتَمرٌ ورُطَبٌ، فَقالَ: كُلُوا مِن هَذِهِ. وأَخَذَ المُديَةَ، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إيّاكَ والحَلُوبَ». فَذَبَحَ لَهُم فَأَكَلُوا مِنَ الشّاةِ ومِن ذَلكَ العِذقِ وشَرِبُوا، فَلَمّا أن شَبِعُوا ورَوُوا قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لأَبِي بَكرٍ وعُمَرَ: «والَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَتُسأَلُنَّ عَن هَذا النَّعِيمِ يَومَ القِيامَةِ، أخرَجَكم مِن بُيُوتِكُمُ الجُوعُ، ثُمَّ لَم تَرجِعُوا حَتّى أصابَكُم هَذا النَّعِيمُ».
١٨٩٦. (م) (٢٠٥٥) عَنِ المِقْدادِ بْنِ عَمْرٍو ﵁ قالَ: أقبَلتُ أنا وصاحِبانِ لِي وقَد ذَهَبَت أسماعُنا وأَبصارُنا مِنَ الجَهدِ، فَجَعَلنا نَعرِضُ أنفُسَنا عَلى أصحابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَلَيسَ أحَدٌ مِنهُم يَقبَلُنا، فَأَتَيْنا النَّبِيَّ ﷺ فانطَلَقَ بِنا إلى أهلِهِ، فَإذا ثَلاثَةُ أعنُزٍ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «احتَلِبُوا هَذا اللَّبَنَ بَينَنا». قالَ: فَكُنّا نَحتَلِبُ فَيَشرَبُ كُلُّ إنسانٍ مِنّا نَصِيبَهُ ونَرفَعُ لِلنَّبِيِّ ﷺ نَصِيبَهُ، قالَ: فَيَجِيءُ مِنَ اللَّيلِ فَيُسَلِّمُ تَسلِيمًا لا يُوقِظُ نائِمًا ويُسمِعُ اليَقظانَ، قالَ: ثُمَّ يَأتِي المَسْجِدَ فَيُصَلِّي، ثُمَّ يَأتِي شَرابَهُ فَيَشرَبُ، فَأَتاني الشَّيطانُ ذاتَ لَيلَةٍ وقَد شَرِبتُ نَصِيبِي فَقالَ: مُحَمَّدٌ يَأتِي الأَنصارَ فَيُتحِفُونَهُ ويُصِيبُ عِندَهُم، ما بِهِ حاجَةٌ إلى هَذِهِ الجُرعَةِ، فَأَتَيتُها فَشَرِبتُها، فَلَمّا أن وغَلَت فِي بَطنِي وعَلِمتُ أنَّهُ لَيسَ إلَيها سَبِيلٌ قالَ: نَدَّمَنِي الشَّيطانُ فَقالَ: ويحَكَ ما صَنَعتَ؟ أشَرِبتَ شَرابَ مُحَمَّدٍ؟ فَيَجِيءُ فَلا يَجِدُهُ فَيَدعُو عَلَيكَ فَتَهلِكُ، فَتَذهَبُ دُنياكَ وآخِرَتُكَ، وعَلَيَّ شَملَةٌ إذا وضَعتُها عَلى قَدَمَيَّ خَرَجَ رَأسِي، وإذا وضَعتُها عَلى رَأسِي خَرَجَ قَدَمايَ، وجَعَلَ لا يَجِيئُنِي النَّومُ، وأَمّا صاحِبايَ فَناما ولَم يَصنَعا ما صَنَعتُ، قالَ: فَجاءَ النَّبِيُّ ﷺ فَسَلَّمَ كَما كانَ يُسَلِّمُ، ثُمَّ أتى المَسْجِدَ فَصَلّى، ثُمَّ أتى شَرابَهُ فَكَشَفَ عَنهُ فَلَم يَجِد فِيهِ شَيئًا، فَرَفَعَ رَأسَهُ إلى السَّماءِ فَقُلتُ: الآنَ يَدعُو عَلَيَّ فَأَهلِكُ، فَقالَ: «اللَّهُمَّ أطعِم مَن أطعَمَنِي، وأَسقِ مَن أسقانِي». فَعَمَدتُ إلى الشَّملَةِ فَشَدَدتُها عَلَيَّ، وأَخَذتُ الشَّفرَةَ فانطَلَقتُ إلى الأَعنُزِ أيُّها أسمَنُ فَأَذبَحُها لِرَسُولِ اللهِ ﷺ، فَإذا هِيَ حافِلَةٌ وإذا هُنَّ حُفَّلٌ كُلُّهُنَّ، فَعَمَدتُ إلى إناءٍ لآلِ مُحَمَّدٍ ﷺ ما كانُوا يَطمَعُونَ أن يَحتَلِبُوا فِيهِ، قالَ: فَحَلَبتُ فِيهِ حَتّى عَلَتهُ رَغوَةٌ، فَجِئتُ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقالَ: «أشَرِبتُم شَرابَكُمُ اللَّيلَةَ؟» قالَ: قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ اشرَب، فَشَرِبَ ثُمَّ ناوَلَنِي، فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ اشرَب، فَشَرِبَ ثُمَّ ناوَلَنِي، فَلَمّا عَرَفتُ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَد رَوِيَ وأَصَبتُ دَعوَتَهُ ضَحِكتُ حَتّى أُلقِيتُ إلى الأَرضِ، قالَ: فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إحدى سَوآتِكَ يا مِقدادُ». فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ كانَ مِن أمرِي كَذا وكَذا، وفَعَلتُ كَذا، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «ما هَذِهِ إلا رَحمَةٌ مِنَ اللهِ، أفَلا كُنتَ آذَنتَنِي فَنُوقِظَ صاحِبَينا فَيُصِيبانِ مِنها». قالَ: فَقُلتُ: والَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ ما أُبالِي إذا أصَبتَها وأَصَبتُها مَعَكَ مَن أصابَها مِنَ النّاسِ.
- (فلما عرفت أن النبي ﷺ قد روى، وأصبت دعوته ضحكت، حتى ألقيت إلى الأرض) "روي" شرب حتى شبع، وهو ريان، وهي ريانة، والمراد من دعوته ﷺ هنا قوله: "اللهم أطعم من أطعمني، واسق من أسقاني" والمعنى أنه كان حزيناً حزناً شديداً بعد ما شرب جرعة اللبن، خوفاً من أن يدعو عليه ﷺ، فلما علم أن النبي ﷺ قد روي وأجيبت دعوته، وأدركها وحصل عليها المقداد، فرح وضحك حتى سقط على الأرض من كثرة ضحكه، لذهاب ما كان به من الحزن، وانقلابه سروراً، ولتعجبه من قبح فعله أولاً، وحسنه آخراً، ومعنى "حتى أُلقيت إلى الأرض" بضم الهمزة، مبني للمجهول، أي حتى ألقاني الضحك على الأرض.
- (ما هذه إلا رحمة من الله) الإشارة إلى إحداث اللبن في الأعنز في غير وقته، وعلى غير عادته، والمراد رحمة عظيمة ظاهرة، وإلا فجميع الأمور والنعم بفضل الله ورحمته. (موسى لاشين)

باب: اسْتِحْبابُ دُعاءِ الضَّيْفِ لِأَهْلِ الطَّعامِ


١٨٩٧. (م) (٢٠٤٢) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ ﵄ قالَ: نَزَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلى أبِي، قالَ: فَقَرَّبنا إلَيهِ طَعامًا ووَطبَةً فَأَكَلَ مِنها، ثُمَّ أُتِيَ بِتَمرٍ فَكانَ يَأكُلُهُ ويُلقِي النَّوى بَينَ إصبَعَيهِ، ويَجمَعُ السَّبّابَةَ والوُسطى، ثُمَّ أُتِيَ بِشَرابٍ فَشَرِبَهُ، ثُمَّ ناوَلَهُ الَّذِي عَن يَمِينِهِ، قالَ: فَقالَ أبِي وأَخَذَ بِلِجامِ دابَّتِهِ: ادعُ اللهَ لَنا. فَقالَ: «اللَّهُمَّ بارِك لَهُم فِي ما رَزَقتَهُم واغفِر لَهُم وارحَمهُم».

باب: طَعامُ الاثْنَيْنِ كافِـي الثَّلاثَةِ


١٨٩٨. (خ م) (٢٠٥٨) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «طَعامُ الاثنَينِ كافِي الثَّلاثَةِ، وطَعامُ الثَّلاثَةِ كافِي الأَربَعَةِ».
ورَوى (م) عَن جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «طَعامُ الواحِدِ يَكفِي الاثنَينِ، وطَعامُ الاثنَينِ يَكفِي الأَربَعَةَ، وطَعامُ الأَربَعَةِ يَكفِي الثَّمانِيَةَ».
-والمراد: أن ما يشبع منه اثنان يكفي ثلاثة، وما يشبع ثلاثة يكفي أربعة، وكذا في الاثنين مع الأربعة، والأربعة مع الثمانية. والكفاية ليست بالشبع والاستبطان، كما أنها ليست بالغنى والإكثار، قال أبو حازم: إذا كان ما يكفيك لا يغنيك فليس بشيء يغنيك.
-وقيل: إنما ذَلِكَ؛ لاجتماع الأيدي؛ وكثرة ما يسمى الله عليه، فتعظم بركته، وإنما هذا التقوت، قيل: معنى ذَلِكَ إذا كانت المواساة عظمت البركة.
-قال المهلب: والمراد بهذِه الأحاديث الحث على المكارمة في الأكل، والمواساة، والإيثار على النفس التي مدح الله تعالى به أصحاب نبيه بقوله: {وَيُؤْثِرُونَ على أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} ولا يراد بها التساوي في الأكل والتشاح؛ لأن قوله - عليه السلام -: "كافي الثلاثة". دليل على الأثرة التي كانوا يمتدحون بها والتقنع بالكفاية. وقد هم عمر - رضي الله عنه - في سنة مجاعة، وهي عام الرمادة أن يجعل مع أهل كل بيت مثلهم، وقال: لن يهلك أحد عن نصف قوته.
-قال ابن المنذر: والحديث يدل على أنه يستحب الاجتماع على الطعام، وألا يأكل المرء وحده، فإن البركة في ذَلِكَ.
وفيه أن الكفاية غير الشبع، لأن المقصود إنما هو طعام يشبع الواحد، فهو كاف للاثنين، وكذا ما بعده.

باب: الـمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِـي مِعىً واحِدٍ


١٨٩٩. (خ م) (٢٠٦٣) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ ضافَهُ ضَيفٌ وهُوَ كافِرٌ، فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِشاةٍ فَحُلِبَت، فَشَرِبَ حِلابَها، ثُمَّ أُخرى فَشَرِبَهُ، ثُمَّ أُخرى فَشَرِبَهُ، حَتّى شَرِبَ حِلابَ سَبعِ شِياهٍ، ثُمَّ إنَّهُ أصبَحَ فَأَسلَمَ، فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِشاةٍ، فَشَرِبَ حِلابَها، ثُمَّ أمَرَ بِأُخرى فَلَم يَستَتِمَّها، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «المُؤمِنُ (يَشرَبُ) فِي مِعىً واحِدٍ، والكافِرُ (يَشرَبُ) فِي سَبعَةِ أمعاءٍ». وفي رواية: «المُؤمِنُ يَأكُلُ ...». لفظ (خ) مُختصَرٌ: أنَّ رَجُلًا كانَ يَأْكُلُ أكْلًا كَثِيرًا فَأَسْلَمَ، فَكانَ يَأْكُلُ أكْلًا قَلِيلًا، فذُكِرَ ذلك لِلنَّبِيِّ ﷺ ... الحديث.
ولَهُما عَن نافِعٍ قالَ: رَأى ابنُ عُمرَ مِسكِينًا، فَجَعَلَ يَضَعُ بينَ يَدَيهِ، ويَضَعُ بَينَ يَديهِ، قالَ: فَجَعَلَ يَأكُلُ أكلًا كَثِيرًا، قالَ: فَقالَ: لا يُدخَلَنَّ هَذا عَلَيَّ، فَإنَّي سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ ... فَذَكَرَ نَحوَهُ. لفظ (خ): عَن نافِعٍ قالَ: كانَ ابنُ عُمَرَ لا يَأكُلُ حَتّى يُؤتى بِمِسكِينٍ يَأكُلُ مَعَهُ، فَأَدخَلتُ رَجُلًا يَأكُلُ مَعَهُ ... نَحوَهُ.
-على معنى أوقع الأكل فيها وجعلها أمكنة للمأكول؛ ليشعر بامتلائها كلها حيث لم يبق للنفس فيه مجال، كقوله تعالى: {إنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} أي ملء بطونهم. وتخصيص السبعة للمبالغة، والتكثير كما في قوله تعالى: {والْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ}، فالمراد: أن المؤمن يقل حرصه وشرهه على الطعام ويبارك له في مأكله ومشربه فيشبع من قليل، والكافر يكون كثير الحرص شديد الشره لا مطمح لبصره إلا إلى المطاعم والمشارب كالأنعام، فمثل ما بينهما من التفاوت في الشره بما بين ما يأكل في معي واحد ومن يأكل في سبعة أمعاء وهذا باعتبار الأعم والأغلب. (الطيبي)

باب: قَسْمُ التَّمْرِ والنَّهْيُ عَنِ الإقْرانِ فِيهِ


١٩٠٠. (خ م) (٢٠٤٥) عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ قالَ: كانَ ابنُ الزُّبَيرِ يَرزُقُنا التَّمرَ، قالَ: وقَد كانَ أصابَ النّاسَ يَومَئِذٍ جَهدٌ، وكُنّا نَأكُلُ، فَيَمُرُّ عَلَينا ابنُ عُمَرَ ونَحنُ نَأكُلُ فَيَقُولُ: لا تُقارِنُوا، فَإنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ نَهى عَنِ الإقرانِ، إلا أن يَستَأذِنَ الرَّجُلُ أخاهُ. قالَ شُعبَةُ: لا أُرى هَذِهِ الكَلِمَةَ إلا مِن كَلِمَةِ ابْنِ عُمَرَ، يَعنِي الاستِئذانَ. وفي رواية (خ): كُنّا بِالمَدِينَةِ فِي بَعضِ أهلِ العِراقِ، فَأَصابَنا سَنَةٌ ... وفي رواية لَهُ: نَهى عَنِ القِران ...
ولَهُما عَنِ الثَّورِي؛ عَن جَبَلَةَ؛ عَن ابْنِ عُمَرَ: نَهى رَسُولُ اللهِ ﷺ أن يَقْرِنَ الرَّجُلُ بَينَ التَمرَتَينِ حَتّى يَستَأذِنَ أصحابَهُ.
١٩٠١. (خ) (٥٤١١) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قَسَمَ النَّبِيُّ ﷺ يَومًا بَينَ أصحابِهِ تَمرًا، فَأَعطى كُلَّ إنسانٍ سَبعَ تَمَراتٍ، فَأَعطانِي سَبعَ تَمَراتٍ، إحداهُنَّ حَشَفَةٌ، فَلَم يَكُن فِيهِنَّ تَمرَةٌ أعجَبَ إلَيَّ مِنها، شَدَّت فِي مَضاغِي.
وفي رواية: عَن أبِي عُثمانَ قالَ: تَضَيَّفتُ أبا هُرَيْرَةَ سَبعًا، فَكانَ هُوَ وامرَأَتُهُ وخادِمُهُ يَعتَقِبُونَ اللَّيلَ أثلاثًا، يُصَلِّي هَذا ثُمَّ يُوقِظُ هَذا، وسَمِعتُهُ يَقُولُ: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بَينَ أصحابهِ تَمرًا ...

باب: ما يُحْمَدُ مِنَ الطَّعامِ


١٩٠٢. (خ م) (٢٠٤١) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ يَقُولُ: إنَّ خَيّاطًا دَعا رَسُولَ اللهِ ﷺ لِطَعامٍ صَنَعَهُ، قالَ أنَسُ بنُ مالِكٍ: فَذَهَبتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ إلى ذَلكَ الطَّعامِ، فَقَرَّبَ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ خُبزًا مِن شَعِيرٍ ومَرَقًا فِيهِ دُبّاءٌ وقَدِيدٌ، قالَ أنَسٌ: فَرَأَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَتَتَبَّعُ الدُّبّاءَ مِن حَوالَي الصَّحفَةِ، قالَ: فَلَم أزَل أُحِبُّ الدُّبّاءَ مُنذُ يَومَئِذٍ. وفي رواية: يَأكُلُ مِن ذَلكَ الدُّبّاءِ (ويُعجِبُهُ). قالَ: فَلَمّا رَأيتُ ذَلِكَ جَعَلتُ أُلقِيهِ إلَيهِ (ولا أطْعَمُهُ). وفي رواية (م): قالَ أنَسٌ: فَما صُنِعَ لِي طَعامٌ بَعدُ وأنا أقدِرُ عَلى أن يُصنَعَ فيِهِ إلا صُنِعَ.
- في هذا الحديث إجالة اليد في الصحفة، وهذا عند أهل العلم لا يحسن إلا بالرئيس ورب البيت، وأيضًا فالمرق والإدام وسائر الطعام إذا كان فيه نوعان أو أنواع فلا بأس أن تجول اليد فيه للتخيير مما وضع في المائدة من أصناف الطعام؛ لأنه قدم للأكل، وليأكل كل ما أراد، ولما كان في هذِه الصحفة أنواع اللحم والقديد والدباء والثريد أو المرق، حسن بالآكل أن تجول يده فيما اشتهى. (ابن عبد البر)
- فيه شدة حب أنس لمتابعته لكل ما يحبه الرسول ﷺ.
- وفيه الحرص على الشبه بالصالحين والاقتداء بأهل الخير في مطاعمهم واقتفاء آثارهم في جميع أحوالهم.

١٩٠٣. (م) (٢٠٤٦) عَنْ عائِشَةَ ﵂؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «لا يَجُوعُ أهلُ بَيتٍ عِندَهُمُ التَّمرُ». وفي رواية: قالَت: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يا عائشَةُ؛ بَيتٌ لا تَمرَ فِيهِ جِياعٌ أهلُهُ، يا عائشةُ؛ بَيتٌ لا تَمرَ فِيهِ جِياعٌ أهلُهُ، أو جاعَ أهلُهُ». قالَها مَرَّتَينِ أو ثَلاثًا.
١٩٠٤. (م) (٢٠٥١) عَنْ عائِشَةَ ﵂؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «نِعمَ الأُدُمُ أوِ الإدامُ الخَلُّ».
١٩٠٥. (م) (٢٠٥٢) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: أخَذَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِيَدِي ذاتَ يَومٍ إلى مَنزِلِهِ، فَأَخرَجَ إلَيهِ فِلَقًا مِن خُبزٍ، فَقالَ: «ما مِن أُدُمٍ؟» فَقالُوا: لا، إلا شَيءٌ مِن خَلٍّ. قالَ: «فَإنَّ الخَلَّ نِعمَ الأُدُمُ». قالَ جابِرٌ: فَما زِلتُ أُحِبُّ الخَلَّ مُنذُ سَمِعتُها مِن نَبِيِّ اللهِ ﷺ.
وفي رواية: قالَ: كُنتُ جالِسًا فِي دارِي، فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَأَشارَ إلَيَّ فَقُمتُ إلَيهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي فانطَلَقنا حَتّى أتى بَعضَ حُجَرِ نِسائِهِ، فَدَخَلَ ثُمَّ أذِنَ لِي فَدَخَلتُ الحِجابَ عَلَيها، فَقالَ: «هَل مِن غَداءٍ؟» فَقالُوا: نَعَم. فَأُتِيَ بِثَلاثَةِ أقرِصَةٍ فَوُضِعنَ عَلى بُنِّي، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ ﷺ قُرصًا فَوَضَعَهُ بَينَ يَدَيهِ، ثُمَّ أخَذَ قُرصًا آخَرَ فَوَضَعَهُ بَينَ يَدَيَّ، ثُمَّ أخَذَ الثّالِثَ فَكَسَرَهُ بِاثنَينِ، فَجَعَلَ نِصفَهُ بَينَ يَدَيهِ ونِصفَهُ بَينَ يَدَيَّ، ثُمَّ قالَ: «هَل مِن أُدُمٍ؟» قالُوا: لا، إلا شَيءٌ مِن خَلٍّ. قالَ: «هاتُوهُ، فَنِعمَ الأُدُمُ هُوَ». وفي نسخة: على بَتِّيٍّ.
١٩٠٦. (م) (٢٠٤٨) عَنْ عائِشَةَ ﵂؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «إنَّ فِي عَجوَةِ العالِيَةِ شِفاءً، أو إنَّها تِرياقٌ أوَّلَ البُكرَةِ».

باب: إباحَةُ أكْلِ الثُّومِ


١٩٠٧. (م) (٢٠٥٣) عَنْ أبِي أيُّوبَ الأَنْصارِيِّ ﵁ قالَ: أنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَزَلَ عَلَيهِ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ ﷺ فِي السُّفلِ وأَبُو أيُّوبَ فِي العُلوِ، قالَ: فانتَبَهَ أبُو أيُّوبَ لَيلَةً فَقالَ: نَمشِي فَوقَ رَأسِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَتَنَحَّوا فَباتُوا فِي جانِبٍ، ثُمَّ قالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «السُّفلُ أرفَقُ». فَقالَ: لا أعلُو سَقِيفَةً أنتَ تَحتَها، فَتَحَوَّلَ النَّبِيُّ ﷺ فِي العُلوِ وأَبُو أيُّوبَ فِي السُّفلِ، فَكانَ يَصنَعُ لِلنَّبِيِّ ﷺ طَعامًا، فَإذا جِيءَ بِهِ إلَيهِ سَأَلَ عَن مَوضِعِ أصابِعِهِ فَيَتَتَبَّعُ مَوضِعَ أصابِعِهِ، فَصَنَعَ لَهُ طَعامًا فِيهِ ثُومٌ، فَلَمّا رُدَّ إلَيهِ سَأَلَ عَن مَوضِعِ أصابِــع النَّبِيِّ ﷺ، فَقِيلَ لَهُ: لَم يَأكُل. فَفَزِعَ وصَعِدَ إلَيهِ، فَقالَ: أحَرامٌ هُوَ؟ فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لا، ولَكِنِّي أكرَهُهُ». قالَ: فَإنِّي أكرَهُ ما تَكرَهُ أو ما كَرِهتَ، قالَ: وكانَ النَّبِيُّ ﷺ يُؤتى.

باب: أكْلُ القِثّاءِ بِالرُّطَبِ


١٩٠٨. (خ م) (٢٠٤٣) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ ﵄ قالَ: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَأكُلُ القِثّاءَ بِالرُّطَبِ.

باب: فِـي الكَباثِ الأَسْوَدِ


١٩٠٩. (خ م) (٢٠٥٠) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: كُنّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ بِمَرِّ الظَّهرانِ، ونَحنُ نَجنِي الكَباثَ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «عَلَيكُم بِالأسوَدِ مِنهُ». قالَ: فَقُلنا: يا رَسُولَ اللهِ؛ كَأَنَّكَ رَعَيتَ الغَنَمَ. قالَ: «نَعَم، وهَل مِن نَبِيٍّ إلا وقَد رَعاها». (أو نَحوَ هَذا مِن القَولِ).
ورَوى (خ): عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «ما بَعَثَ اللهُ نبيًا إلاَّ رَعى الغَنَمَ». فقالَ أصحابُهُ: وأنتَ؟ فَقالَ: «نَعَم، كُنتُ أرعاها عَلى قَرارِيطَ لِأَهلِ مَكَّةَ».

باب: فِـي أكْلِ الأَرْنَبِ


١٩١٠. (خ م) (١٩٥٣) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: مَرَرنا فاستَنفجنا أرنَبًا بِمَرِّ الظَّهرانِ، فَسَعَوا عَلَيهِ فَلَغَبُوا، قالَ: فَسَعَيتُ حَتّى أدرَكتُها، فَأَتَيتُ بِها أبا طَلْحَةَ، فَذَبَحَها، فَبَعَثَ بِوَرِكِها وفَخِذَيها إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَأَتَيتُ بِها رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَبِلَهُ. زادَ (خ) فِي رِوايةٍ: وأَكَلَ مِنهُ.

باب: فِـي أكْلِ الضَّبِّ


١٩١١. (خ م) (١٩٤٣) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ يَقُولُ: سُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ عَنِ الضَّبِّ، فَقالَ: «لَستُ بِآكِلِهِ، ولا مُحَرِّمِهِ». وفي رواية: أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ مَعَهُ ناسٌ مِن أصحابِهِ فِيهِم سَعدٌ، وأُتُوا بِلَحمِ ضَبٍّ، فَنادَت امرَأَةٌ مِن نِساءِ النبيِّ ﷺ: إنَّهُ لَحمُ ضَبٍّ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «كُلُوا، فَإنَّهُ حَلالٌ، ولَكِنَّهُ لَيس مِن طَعامِي». لَفظُ (خ): «فَإنَّهُ حَلالٌ، أو قالَ: لا بَأسَ بِهِ -شَكَّ فِيهِ- ...».
١٩١٢. (خ م) (١٩٤٦) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ ﵄؛ أنَّ خالِدَ بنَ الوَلِيدِ ﵁ الَّذِي يُقالُ لَهُ: سَيفُ اللهِ أخبَرَهُ؛ أنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ عَلى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، وهِيَ خالَتُهُ وخالَةُ ابْنِ عَبّاسٍ، فَوَجَدَ عِندَها ضَبًّا مَحنُوذًا، قَدِمَت بِهِ أُختُها حُفَيدَةُ بِنتُ الحارِثِ مِن نَجدٍ، فَقَدَّمَت الضَّبَّ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ، وكانَ قَلَّما يُقَدَّمُ إلَيهِ طَعامٌ حَتّى يُحَدَّثَ بِهِ ويُسَمّى لَهُ، فَأَهوى رَسُولُ اللهِ ﷺ يَدَهُ إلى الضَّبِّ، فَقالَت امرَأَةٌ مِن النِّسوَةِ الحُضُورِ: أخبِرنَ رَسُولَ اللهِ ﷺ بِما قَدَّمتُنَّ لَهُ. قُلنَ: هُوَ الضَّبُّ يا رَسُولَ اللهِ. فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَدَهُ، فَقالَ خالِدُ بنُ الوَلِيدِ: أحَرامٌ الضَّبُّ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: «لا، ولَكِنَّهُ لَم يَكُن بِأَرضِ قَومِي، فَأَجِدُنِي أعافُهُ». قالَ خالِدٌ: فاجتَرَرتُهُ فَأَكَلتُهُ، ورَسُولُ اللهِ يَنظُرُ فَلَم يَنهَنِي.
وفي رواية: قالَ: أهدَت خالَتِي أمُّ حُفَيدٍ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ سَمنًا وأَقِطًا وأَضُبًّا، فَأَكَلَ مِن السَّمْنِ والأَقِطِ، وتَرَكَ الضَّبَّ تَقَذُّرًا، وأُكِلَ عَلى مائِدَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، ولَو كانَ حَرامًا ما أُكِلَ عَلى مائدَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ. وفي رواية (خ) زادَ: ولا أمَرَ بِأَكلِهِنَّ. وفي رواية (م): وكانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لا يَأكُلُ شَيئًا حَتّى يَعلَمَ ما هُوَ.
١٩١٣. (م) (١٩٤٩) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِضَبٍّ فَأَبى أن يَأكُلَ مِنهُ، وقالَ: «لا أدرِي لَعَلَّهُ مِنَ القُرُونِ الَّتِي مُسِخَت».
١٩١٤. (م) (١٩٥١) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁ قالَ: قالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللهِ؛ إنّا بِأَرضٍ مَضَبَّةٍ فَما تَأمُرُنا أو فَما تُفتِينا؟ قالَ: «ذُكِرَ لِي أنَّ أُمَّةً مِن بَنِي إسرائِيلَ مُسِخَت». فَلَم يَأمُر ولَم يَنهَ. قالَ أبُو سَعِيدٍ: فَلَمّا كانَ بَعدَ ذَلكَ قالَ عُمَرُ: إنَّ اللهَ لَيَنفَعُ بِهِ غَيرَ واحِدٍ، وإنَّهُ لَطَعامُ عامَّةِ هَذِهِ الرِّعاءِ، ولَو كانَ عِندِي لَطَعِمتُهُ، إنَّما عافَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ.
وفي رواية (م): أنَّ أعرابِيًّا أتى رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقالَ: إنِّي فِي غائِطٍ مَضَبَّةٍ، وإنَّهُ عامَّةُ طَعامِ أهلِي. قالَ: فَلَم يُجِبهُ، فَقُلنا: عاوِدهُ، فَعاوَدَهُ، فَلَم يُجِبهُ ثَلاثًا، ثُمَّ ناداهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي الثّالِثَةِ فَقالَ: «يا أعرابِيُّ؛ إنَّ اللهَ لَعَنَ أو غَضِبَ عَلى سِبطٍ مِن بَنِي إسرائِيلَ فَمَسَخَهُم دَوابَّ يَدِبُّونَ فِي الأَرضِ، فَلا أدرِي لَعَلَّ هَذا مِنها، فَلَستُ آكُلُها، ولا أنهى عَنها».

باب: فِـي جَوازِ أكْلِ الجَرادِ


١٩١٥. (خ م) (١٩٥٢) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبِي أوْفى ﵄ قالَ: غَزَونا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ سَبعَ غَزَواتٍ نَأكُلُ الجَرادَ. لفظ (خ): كُنّا نَأكُلُ مَعَهُ الجَراد.

باب: فِـي جَوازِ أكْلِ لُحُومِ الخَيْلِ


١٩١٦. (خ م) (١٩٤١) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ نَهى يَومَ خَيبَرَ عَن لُحُومِ الحُمُرِ الأَهلِيَّة، وأَذِنَ فِي لُحُومِ الخَيلِ. لَفظُ (خ): ورَخَّصَ..
١٩١٧. (خ م) (١٩٤٢) عَنْ أسْماءَ ﵂ قالَت: نَحَرنا فَرَسًا عَلى عَهدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَأَكَلناهُ.

باب: الـنَّهْيُ عَنْ أكْلِ لُحُومِ الحُمُرِ الإنْسِيَّةِ وعِلَّةُ ذَلِكَ


١٩١٨. (خ م) (١٩٤٠) عَنْ أنَسٍ ﵁ قالَ: لَمّا فَتَحَ رَسُولُ اللهِ ﷺ خَيبَرَ أصَبنا حُمُرًا (خارِجًا مِن القَريَةِ)، فَطَبَخنا مِنها، فَنادى مُنادِي رَسُولِ اللهِ ﷺ: «ألا إنَّ اللهَ ورَسُولَهُ يَنهَيانِكُم عَنها، فَإنَّها رِجسٌ (مِن عَمَلِ الشَّيطانِ)». فَأُكفِئَت القُدُورُ بِما فِيها، وإنَّها لَتَفُورُ بِما فِيها.
١٩١٩. (خ م) (١٩٣٩) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: لا أدرِي؛ إنَّما نَهى عَنهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِن أجلِ أنَّهُ كانَ حَمُولَةَ النّاسِ، فَكَرِهَ أن تَذهَبَ حَمُولَتُهُم، أو حَرَّمَهُ فِي يَومِ خَيبَرَ، لُحُومَ الحُمُرِ الأَهلِيَّةِ؟
ولَهما عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ أبِي أوفى نَحوَ حَدِيثِ أنَسٍ. وفي رواية: قالَ: أصابتنا مَجاعةٌ لَيالِي خيَبرَ، ونَحنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ ... وفِيها: فَقالَ ناسٌ: إنَّما نَهى عَنها رَسُولُ اللهِ ﷺ لِأنّها لَم تُخَمَّس. وقالَ آخَرُونَ: نَهى عَنها ألبَتَّةَ. زادَ (خ) في رِوايةٍ: لِأَنَّها كانَت تَأكُلُ العَذِرَةَ.

باب: الـنَّهْيُ عَنْ أكْلِ كُلِّ ذِي نابٍ مِنَ السِّباعِ وذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ


١٩٢٠. (خ م) (١٩٣٢) عَنْ أبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ ﵁ قالَ: نَهى رَسُولُ اللهِ ﷺ عَن أكلِ كُلِّ ذِي نابٍ مِن السِّباعِ.
ورَوى (م) عَن ابْنِ عَبّاسٍ مِثلَهُ، وزادَ: وعَن كُلِّ ذِي مِخلَبٍ مِنَ الطَّيرِ.

١ س١: ما اسم الرجل الذي جاء إلى النبي ﷺ بقدحٍ من لبنٍ من النقيع؟

٥/٠