باب: فِـي الاحْتِباءِ وفِـي وضْعِ إحْدى الرِّجْلَينِ عَلى الأُخْرى


١٩٦٧. (خ م) (٢١٠٠) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ ﵁؛ أنَّهُ رَأى رَسُولَ اللهِ ﷺ مُستَلقِيًا فِي المَسْجِدِ، واضِعًا إحدى رِجلَيهِ عَلى الأخرى.
-فيه أن النهي الوارد عن ذلك منسوخ، أو يحمل النهي حيث يخشى أن تبدو العورة، والجواز حيث يؤمن ذلك. (الخطابي)
-فيه جواز الاتكاء في المسجد والاضطجاع وأنواع الاستراحة، غير الانبطاح، وهو الوقوع على الوجه، فإن النبي ﷺ قد نهى عنه وقال: إنها ضجعة يبغضها الله تعالى. (العيني)
-فيه أن الأجر الوارد للابث في المسجد لا يختص بالجالس بل يحصل للمستلقي أيضا. (الداودي)

١٩٦٨. (م) عَن جابِرٍ ﵁؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «لا تَمشِ فِي نَعلٍ واحِدٍ، ولا تَحتَبِ فِي إزارٍ واحِدٍ، ولا تَأكُل بِشِمالِك، ولا تَشتَمِل الصَّمّاءَ، ولا تَضَع إحدى رِجلَيكَ عَلى الأُخرى، إذا استَلقَيتَ».
-فيه كراهية المشي بنعل واحدة فمن عرض له عارض كانقطاع نعله أو غير ذلك فليقف حتى يصلحه أو يخلع الأخرى ويكمل سيره، لئلا يخالف الهدي النبوي، وليلزم الاقتداء بالنبي ﷺ.
-يكره المشي في نعل واحدة أو خف واحدة أو مداس واحد لا لعذر، ودليله هذه الأحاديث. قال العلماء: وسببه أن ذلك تشويه ومثله، ومخالف للوقار، ولأن المنتعلة تصير أرفع من الأخرى فيعسر مشيه، وربما كان سببا للعثار، وإذا انقطع شسعه ونحوه، فليخلعهما، ولا يمشي في الأخرى وحدها حتى يصلحها وينعلها كما هو نص في الحديث. (لا يمشي أحدكم في نعل واحدة، ليحفهما، أو لينعلهما جميعا) (النووي)
-قد يدخل في هذا كل لباس شفع كالخفين وإخراج اليد الواحدة من الكم دون الأخرى، والتردي على أحد المنكبين دون الآخر. (الخطابي)
-فيه الأمر بالعدل بين الجوارح وترك الشهرة، وكذا وضع طرف الرداء على أحد المنكبين، والله أعلم. (ابن حجر)
-بيان النهي عن الأكل بالشمال، وهو للتحريم.
-(ولا تضع إحدى رجليك على الأخرى، إذا استلقيت) النهي مقيد بما إذا كان فيه انكشاف للعورة، أو ما يقارب انكشافها.

١٩٦٩. (خ) (٦٢٧٢) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قالَ: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ بِفِناءِ الكَعبَةِ مُحتَبِيًا بِيَدِهِ هَكَذا.
فيه جواز الاستلقاء في المسجد على هذه الهيئة إذا أمن انكشاف العورة وكان محتاجًا لذلك لتعب ونحوه، ويحتمل أن النبي ﷺ فعله لبيان الجواز، أو لحاجة، وإلا فقد عُلم من جلوسه ﷺ في المجامع خلاف هذا، وكان أكثر جلوسه متربعًا أو محتبيًا وشبههما من جلسات الوقار والتواضع.

باب: فِـي تَغْيِيرِ الشَّيْبِ


١٩٧٠. (م) (٢١٠٢) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: أُتِيَ بِأبِي قُحافَةَ يَومَ فَتحِ مَكَّةَ ورَأسُهُ ولِحيَتُهُ كالثَّغامَةِ بَياضًا، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «غَيِّرُوا هَذا بِشَيءٍ واجتَنِبُوا السَّوادَ».
-أبي قحافة: هو والد أبي بكر الصديق، واسمه: عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن تيم، أسلم يوم فتح مكة، وله صحبة. (القرطبي)
-فيه استحباب خضاب الشيب للرجل والمرأة بصفرة أو حمرة. (النووي)
(واجتنبوا السواد) لعل المراد الخالص، والخضاب بالسواد للعلماء فيه اختلاف. (السيوطي)

باب: الـنَّهْيُ عَنِ القَزَعِ


١٩٧١. (خ م) (٢١٢٠) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ نَهى عَنِ القَزَعِ. (قالَ: قُلتُ لِنافِعٍ: وما القَزَعُ؟ قالَ: يُحلَقُ بَعضُ رَأسِ الصَّبِيِّ ويُترَكُ بَعضٌ). لَفظُ (خ): قالَ عُبَيدُ اللهِ [ابنُ حَفصٍ، الرّاوِي عَن عُمرَ بْنِ نافِعٍ عَن نافِعٍ]: قُلتُ: وما القَزَعُ؟ فَأَشارَ لَنا عُبيدُ اللهِ قالَ: إذا حَلَقَ الصَّبيَّ، وتَرَكَ هاهُنا شَعرَةً وها هُنا وها هُنا، فَأَشارَ لَنا عُبَيدُ اللهِ إلى ناصِيَتِهِ وجانِبَي رَأسِهِ.
-ذكر ابن القيم -رحمه الله- أربعة أنواع للقزع:
الأول: أن يحلق من رأسه مواضع من ههنا وههنا.
والثاني: أن يحلق وسطه ويترك جوانبه كما يفعله شماسه النصارى.
والثالث: أن يحلق جوانبه ويترك وسطه، كما يفعله كثير من الأوباش والسفل.
والرابع: أن يحلق مقدَّمه ويترك مؤخَّره.
-وقد ظهرت في أوساط الشباب حلاقة الرأس على هذه الهيئة التي نهت عنها الشريعة تقليدًا لبعض الفسقة، وهذا يتعدى من الكراهة إلى التحريم؛ لأن التشبه بالفساق والكفار لا يجوز.

باب: الـنَّهْيُ عَنْ وصْلِ الشَّعْرِ لِلْمَرْأةِ


١٩٧٢. (خ م) (٢١٢٢) عَنْ أسْماءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ ﵄ قالَت: جاءَت امرَأَةٌ إلى النَّبِيِّ ﷺ، فَقالَت: يا رَسُولَ اللهِ؛ إنَّ لِي ابنَةً عُرَيِّسًا، أصابَتها حَصبَةٌ فَتَمَرَّقَ شَعرُها؛ أفَأَصِلُهُ؟ فَقالَ: «لَعَنَ اللهُ الواصِلَةَ والمُستَوصِلَةَ». وفي رواية زادَ: وزَوجُها يَستَحِثُّنِيها.
ورَوى (م) عَن جابِرٍ قالَ: زَجَرَ النَّبِيُّ ﷺ أن تَصِلَ المَرأَةُ بِرَأسِها شَيئًا.
١٩٧٣. (خ م) (٢١٢٤) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَعَنَ الواصِلَةَ والمُستَوصِلَةَ، والواشِمَةَ والمُستَوشمَةَ.
١٩٧٤. (خ م) (٢١٢٧) عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ؛ أنَّهُ سَمِعَ مُعاوِيَةَ بنَ أبِي سُفيانَ ﵄ عامَ حَجَّ وهُوَ عَلى المِنبَر، وتَناوَلَ قُصَّةً مِن شَعَرٍ كانَت فِي يَدِ حَرَسِيٍّ يَقُولُ: يا أهلَ المَدِينَةِ؛ أينَ عُلَماؤُكُم؟ سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَنهى عَن مِثلِ هَذِهِ، ويَقُولُ: «إنَّما هَلَكَت بَنُو إسرائِيلَ حِينَ اتَّخَذَ هَذِهِ نِساؤُهُم».
ولَهُما عَن سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ قالَ: قَدِمَ مُعاوِيَةُ المَدِينَةَ فَخَطَبنا، وأَخرَجَ كُبَّةً مِن شَعَرٍ، فَقالَ: ما كُنتُ أُرى أنَّ أحَدًا يَفعَلُهُ إلا اليَهُودَ، إنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ بَلَغَهُ فَسَمّاهُ الزُّورَ. زادَ (خ): يَعنِي الوِصالَ فِي الشَّعَرِ.
-فيه تحريم الوصل في جميع الأحوال، سواء كان لمعذورة أو لعروس أو غيرهما، وسواء علم الزوج أم لم يعلم، ويحرم الوصل سواء كان بزيادة شعر آدمي أو شعر غيره، أو بلبس باروكة أو بوضع حشوات من صوف أو خيوط ونحوهما داخل الشعر، وغير ذلك مما يوهم زيادة الشعر مما استُحدث.
-فيه أن وصل الشعر من المعاصي الكبائر للعن فاعله، وفيه أن المعين على الحرام يشارك فاعله في الإثم، كما أن المعاون في الطاعة يشارك في ثوابها. (النووي)
-فيه تحريم الوشم، وأنه من كبائر الذنوب، سواءً كان بالطريقة القديمة أو بما استحدث من مواد كيماوية أو أعشاب أو غيرها.
-وهذا الموضع الذي وشم يصير نجسا، فإن أمكن إزالته بالعلاج وجبت إزالته، وإن لم يمكن إلا بالجرح، فإن خاف منه التلف أو فوات عضو أو منفعة عضو أو شيئا فاحشًا في عضو ظاهر لم تجب إزالته، فإذا بان لم يبق عليه إثم، وإن لم يخف شيئا من ذلك ونحوه لزمه إزالته، ويعصي بتأخيره. وسواء في هذا كله الرجل والمرأة. (النووي)
-(يا أهل المدينة أين علماؤكم؟) هذا السؤال للإنكار عليهم بإهمالهم إنكار هذا المنكر، وغفلتهم عن تغييره.
-(إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها نساؤهم) يحتمل أنه كان محرما عليهم فعوقبوا باستعماله، أو كان الهلاك به وبغيره مما ارتكبوه من المعاصي، فعند ظهور ذلك فيهم هلكوا.
-ولا يدخل في هذا النهي ما ربط من الشعر بخيوط الحرير الملوَّنة، وما لا يشبه الشعر، ولا يكثره، وإنَّما يفعل ذلك للتجمل والزينة. (القرطبي)

باب: فِـي لَعْنِ الواشِماتِ والنّامِصاتِ والمُتَفَلِّجاتِ


١٩٧٥. (خ م) (٢١٢٥) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قالَ: لَعَنَ اللهُ الواشِماتِ والمُستَوشِماتِ، والنّامِصاتِ والمُتَنَمِّصاتِ، والمُتَفَلِّجاتِ لِلحُسنِ، المُغَيِّراتِ خَلقَ اللهِ. قالَ: فَبَلَغَ ذَلكَ امرَأَةً مِن بَنِي أسَدٍ يُقالُ لَها: أُمُّ يَعقُوبَ، (وكانَت تَقرَأُ القُرآنَ)، فَأَتَتهُ فَقالَت: ما حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنكَ؛ أنَّكَ لَعَنتَ الواشِماتِ والمُستَوشِماتِ، والمُتَنَمِّصاتِ، والمُتَفَلِّجات لِلحُسنِ، المُغَيِّراتِ خَلقَ اللهِ؟ فَقالَ عَبدُ اللهِ: وما لِي لا ألعَنُ مَن لَعَنَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، وهُوَ فِي كِتابِ اللهِ. فَقالَت المَرأَةُ: لَقَد قَرَأتُ ما بَينَ لَوحَي المُصحَفِ فَما وجَدتُهُ. فَقالَ: لَئِن كُنتِ قَرَأتِيهِ لَقَد وجَدتِيهِ. قالَ اللهُ ﷿: ﴿وما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكُمْ عَنْهُ فانتَهُوا﴾ [الحشر: ٧]، فَقالَت المَرأَةُ: فَإنِّي أرى شَيئًا مِن هَذا عَلى امرَأَتِكَ الآنَ. قالَ: اذهَبِي فانظُرِي. قالَ: فَدَخَلَت عَلى امرَأَةِ عَبْدِ اللهِ فَلَم تَرَ شَيئًا، فَجاءَت إلَيهِ فَقالَت: ما رَأَيتُ شَيئًا. فَقالَ: أما لَو كانَ ذَلكَ لَم نُجامِعها.
-(النامصة) هي التي تزيل الشعر من الوجه، والمتنمصة التي تطلب فعل ذلك بها، وهذا الفعل حرام إلا إذا نبتت للمرأة لحية أو شوارب، فلا تحرم إزالتها، بل يستحب، وأن النهي إنما هو في الحواجب وما في أطراف الوجه. (النووي)
-(المتفلجات) المراد مفلجات الأسنان بأن تبرد ما بين أسنانها الثنايا والرباعيات، وهي فرجة بين الثنايا والرباعيات، وتفعل ذلك العجوز ومن قاربتها في السن إظهارا للصغر وحسن الأسنان، لأن هذه الفرجة اللطيفة بين الأسنان تكون للبنات الصغار، فإذا عجزت المرأة كبرت سنها وتوحشت فتبردها بالمبرد لتصير لطيفة حسنة المنظر، وتوهم كونها صغيرة، ويقال له أيضا الوشر، ومنه لعن الواشرة والمستوشرة، وهذا الفعل حرام على الفاعلة والمفعول بها لهذه الأحاديث، ولأنه تغيير لخلق الله تعالى، ولأنه تزوير وتدليس. (النووي)
-(المتفلجات للحسن) فمعناه يفعلن ذلك طلبا للحسن، وفيه إشارة إلى أن الحرام هو المفعول لطلب الحسن، أما لو احتاجت إليه لعلاج أو عيب في السن ونحوه فلا بأس. (النووي)
- (لو كان ذلك لم نجامعها) أي لم نصاحبها، ولم نجتمع نحن وهي، بل كنا نطلقها ونفارقها. (النووي)
-(ما بين لوحي المصحف) أي ما بين دفتيه، والمراد أول القرآن وآخره على وجه الاستيعاب بذكر الطرفين، وكأنها أرادت باللوحين جلدي أول المصحف وآخره أي قرأت جميع القرآن (فما وجدته) أي صريحا. (العظيم آبادي)
(لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه) قال القسطلاني: أي لو قرأتيه بالتدبر والتأمل لعرفت ذلك (ثم قرأ) أي ابن مسعود ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ والمقصود أنه إذا كان العباد مأمورين بانتهاء ما نهاهم الرسول وقد نهاهم عن الأشياء المذكورة في هذا الحديث وغيره، فكان جميع منهياته ﷺ منهيا مذكورا في القرآن. (العظيم آبادي)

باب: فِـي الـمُتَشَبِّعِ بِما لَمْ يُعْطَ


١٩٧٦. (خ م) (٢١٣٠) عَنْ أسْماءَ ﵂؛ جاءَت امرَأَةٌ إلى النَّبِيِّ ﷺ فَقالَت: إنَّ لِي ضَرَّةً؛ فَهَل عَلَيَّ جُناحٌ أن أتَشَبَّعَ مِن مالِ زَوجِي بِما لَم يُعطِنِي؟ فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «المُتَشَبِّعُ بِما لَم يُعطَ كَلابِسِ ثَوبَي زُورٍ».
-(المُتَشَبِّعُ بِمَا لَم يُعطَ كَلابِسِ ثَوبَي زُورٍ) أي المتكثر بما ليس عنده، بأن يُظهر أن عنده ما ليس عنده، يتكثر بذلك عند الناس ويتزين بالباطل، فهو مذموم كما يُذم لبس ثوبي زور. (النووي)
-(الْمُتَشَبِّعُ) أي المتزين بما ليس عنده يتكثر بذلك ويتزين بالباطل؛ كالمرأة تكون عند الرجل ولها ضرة فتدعي من الحظوة عند زوجها أكثر مما عنده تريد بذلك غيظ ضرتها، وكذلك هذا في الرجال.
-(كلابس ثوبي زور) فإنه الرجل يلبس الثياب المشبهة لثياب الزهاد يوهم أنه منهم، ويظهر من التخشع والتقشف أكثر مما في قلبه منه، وأن شاهد الزور قد يستعير ثوبين يتجمل بهما ليوهم أنه مقبول الشهادة. (ابن حجر)
-فيه تنفير المرأة عما ذكرت خوفًا من الفساد بين زوجها وضرتها مما يورث بينهما البغضاء. (ابن حجر)

باب: فِـي ذَمِّ النِّساءِ الكاسِياتِ العارِياتِ


١٩٧٧. (م) (٢١٢٨) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «صِنفانِ مِن أهلِ النّارِ لَم أرَهُما: قَومٌ مَعَهُم سِياطٌ كَأَذنابِ البَقَرِ يَضرِبُونَ بِها النّاسَ، ونِساءٌ كاسِياتٌ عارِياتٌ، مُمِيلاتٌ مائِلاتٌ، رُؤوسُهُنَّ كَأَسنِمَةِ البُختِ المائِلَةِ، لا يَدخُلنَ الجَنَّةَ ولا يَجِدنَ رِيحَها، وإنَّ رِيحَها لَيُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ كَذا وكَذا».
-(صنفان من أهل النار لم أرهما) أي: لم يوجد في عصره منهما أحدٌ؛ لطهارة أهل ذلك العصر الكريم. ويتضمن ذلك: أن ذينك الصنفين سيوجدان. (القرطبي)
-وفيه ذم هذين الصنفين، وأنهما من أصحاب الكبائر، لتوعدهما بعدم دخول الجنة. (النووي)
-هذا الحديث من معجزات النبوة، فقد وقع هذان الصنفان، وهما موجودان. (النووي)

باب: قَطْعُ القَلائِدِ مِن أعْناقِ الدَّوابِّ


١٩٧٨. (خ م) (٢١١٥) عَنْ أبِي بَشِيرٍ الأَنْصارِيِّ ﵁؛ أنَّهُ كانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي بَعضِ أسفارِهِ، قالَ: فَأَرسَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ رَسُولًا قالَ عَبدُ اللهِ بنُ أبِي بَكرٍ: حَسِبتُ أنَّهُ قالَ: والنّاسُ فِي مَبِيتِهِم: «لا يَبقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلادَةٌ مِن وتَرٍ أو قِلادَةٌ إلا قُطِعَت». (قالَ مالِكٌ: أُرى ذَلكَ مِن العَينِ).
-(لا يَبقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ) وقيّده بالإبل لورود الخبر فيها بخصوصها أو للغالب. (العيني)
- (قَالَ مَالِكٌ: أُرَى ذَلكَ مِن العَينِ) أي أظن أن النهي مختص بمن فعل ذلك بسبب رفع ضرر العين، وأما من فعله لغير ذلك من زينة أو غيرها فلا بأس. (النووي)
ويؤيده حديث عقبة بن عامر عند الإمام أحمد مرفوعًا: (من علق تميمة فلا أتم الله له)، والتميمة ما عُلّق من القلائد خشية العين ونحو ذلك، فأمرهم النبي ﷺ بإزالتها إعلامًا لهم بأن الأوتار لا ترد شيئًا.
-وقيل نهى عنه لئلا تختنق الدابة بها عند شدة الركض، أو عند الرعي فربما تعلقت بشجرة فاختنقت أو تعوقت عن السير، وقيل: لأنهم كانوا يعلقون فيها الأجراس، وقد روى مسلم من حديث أبي هريرة رفعه: (الجرس مزمار الشيطان). (العيني)
-الجمهور على النهي كراهة تنزيه، وقيل: كراهة تحريم، وقيل: يمنع منه قبل الحاجة ويجوز إذا وقعت الحاجة. (النووي)

باب: كَراهَةُ الجَرَسِ


١٩٧٩. (م) (٢١١٣) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «لا تَصحَبُ المَلائِكَةُ رُفقَةً فِيها كَلبٌ ولا جَرَسٌ».
١٩٨٠. (م) (٢١١٤) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «الجَرَسُ مَزامِيرُ الشَّيطانِ».
-فيه كراهة استصحاب الكلب والجرس في الأسفار، وأن الملائكة لا تصحب رفقة فيها أحدهما، والمراد بالملائكة ملائكة الرحمة والاستغفار، لا الحفظة. (النووي)
-أما الجرس فقيل: سبب منافرة الملائكة له أنه شبيه بالنواقيس، أو لأنه من المعاليق المنهي عنها، وقيل: سببه كراهة صوتها، وتؤيده رواية (مزامير الشيطان)، ومن العلماء من قال مكروه مطلقا، ومنهم من قال مكروه كراهة تنزيه، وقال بعضهم: يكره الجرس الكبير دون الصغير. (النووي)
-المراد بالكلب هنا غير المأذون في اتخاذه؛ لأن المسافر قد يحتاج إلى حفظ ماشية دوابه، وإبله، وغير ذلك، فيضطر إلى اتخاذها كما يضطر إليها في الحصر لزرعة وضرعه.
- فيه ما يدل على كراهة اتخاذ الأجراس في الحضر وفي السفر.

باب: الـنَّهْيُ عَنِ الضَّرْبِ والوَسْمِ فِـي الوَجْهِ


١٩٨١. (م) (٢١١٦) عَنْ جابِرِ بْنِ عبدِ اللهِ ﵄ قالَ: نَهى رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنِ الضَّربِ فِي الوَجهِ، وعَن الوَسمِ فِي الوَجهِ. رَوى (خ) مَعناهُ عَن سالمٍ؛ عَن ابْنِ عُمرَ؛ أنَّهُ كَرِهَ أن تُعلَمَ الصُّورَةُ، وقالَ ابنُ عُمرَ: نَهى النَّبِيُّ ﷺ أن تُضرَبَ الصُّورَةُ.
١٩٨٢. (خ م) (٢٦١٢) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إذا قاتَلَ أحَدُكُم (أخاهُ) فَليَجتَنِب الوَجهَ، (فَإنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ عَلى صُورَتِهِ)». رَوى (خ) آخِرَهُ فِي حديثٍ آخَرٍ. وفي رواية (م): «فَلا يَلْطِمَنَّ الوَجْهَ». وفِي أُخرى: «فَليتَّقِ الوَجهَ».

باب: جَوازُ وسْمِ غَيْرِ الآدَمِيِّ فِـي غَيْرِ الوَجْهِ


١٩٨٣. (خ م) (٢١١٩) عَنْ أنَسٍ ﵁ قالَ: دَخَلنا عَلى رَسُولِ اللهِ ﷺ مِربَدًا، وهُوَ يَسِمُ غَنَمًا قالَ: أحسِبُهُ قالَ: فِي آذانِها.
١٩٨٤. (خ م) (٢١١٩) عَنْ أنَسٍ ﵁ قالَ: لَمّا ولَدَت أُمُّ سُلَيمٍ قالَت لِي: يا أنَسُ؛ انظُر هَذا الغُلامَ، فَلا يُصِيبَنَّ شَيئًا حَتّى تَغدُوَ بِهِ إلى النَّبِيِّ ﷺ يُحَنِّكُهُ. قالَ: فَغَدَوت، فَإذا هُوَ فِي الحائِطِ، وعَلَيهِ خَمِيصَةٌ حُوَيتِيَّةٌ، وهُوَ يَسِمُ الظَّهرَ الَّذِي قَدِمَ عَلَيهِ فِي الفَتحِ.
١٩٨٥. (م) (٢١١٧) عَنْ جابِرٍ؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَرَّ عليه حِمارٌ قَد وُسِمَ في وجهِهِ، فقالَ: «لَعَنَ اللهُ الَّذِي وسَمَهُ».
-استحباب تحنيك المولود.
-فيه اعتناء الإمام بأموال الصدقة، وتوليها بنفسه، ويلتحق به جميع أمور المسلمين.
-فيه جواز إيلام الحيوان للحاجة.
-فيه أن فيه مباشرة أعمال المهنة، وترك الاستنابة فيها، للرغبة في زيادة الأجر، ونفي الكبر.
-فيه جواز الوسم في غير الآدمي واستحبابه في نعم الزكاة والجزية، وأنه ليس في فعله دناءة ولا ترك مروءة، فقد فعله النبي ﷺ. (النووي)

كِتابُ الأَدَبِ


باب: قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: «تَسَمَّوْا بِاسْمِي ولا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي»


١٩٨٦. (خ م) (٢١٣١) عَنْ أنَسٍ ﵁ قالَ: نادى رَجُلٌ رَجُلًا بِالبَقِيعِ: يا أبا القاسِمِ. فالتَفَتَ إلَيهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ إنِّي لَم أعنِكَ، إنَّما دَعَوتُ فُلانًا. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «تَسَمَّوا بِاسمِي، ولا تَكَنَّوا بِكُنيَتِي».
-فيه كنية النبي ﷺ وكان يُكنى أبا القاسم، وكان أكبر أولاده، واختلف هل مات قبل البعثة أو بعدها، وقد وُلِد له إبراهيم في المدينة من مارية.
-فيه بيان العلة التي من أجلها نهى النبي ﷺ عن التكني بكنيته، وفيه دلالة على أن النهي خاص بحياة النبي ﷺ، لئلا يحدث اللبس، أما بعد موته ﷺ فيجوز، وهذا هو مذهب الجمهور.

باب: ما يُسْتَحَبُّ مِنَ الأَسْماءِ


١٩٨٧. (م) (٢١٣٢) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ أحَبَّ أسمائِكُم إلى اللهِ عَبدُ اللهِ وعَبدُ الرَّحْمَنِ».
-فيه التسمية بهذين الاسمين وتفضيلهما على سائر ما يسمى به. (النووي)
-(أحب أسمائكم إلى الله: عبد الله، وعبد الرحمن) إنما كانت هذه الأسماء أحبُّ إلى الله تعالى؛ لأنها تضمَّنت ما هو وصف واجب للحق تعالى، وهو: الإلهية، والرحمانية، وما هو وصف الإنسان وواجب له، وهو: العبودية والافتقار، ثمَّ قد أضيف العبد الفقير للإله الغني إضافة حقيقيَّة. فصدقت أفراد هذه الأسماء الأصلية، وشرفت بهذه الإضافة التركيبي، فحصلت لهما هذه الأفضلية الأحبيَّة. ويلحق بهذين الاسمين كل ما كان مثلهما، مثل: عبد الملك، وعبد الصمد، وعبد الغني. (القرطبي)
-وقيل: الحكمة في الاقتصار على الاسمين أنه لم يقع في القرآن إضافة عبد إلى اسم من أسماء الله تعالى غيرهما، قال الله تَعَالَى: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ﴾ وقال في آية أخرى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ﴾ ويؤيده قوله تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ﴾. (المباركفوري)

١٩٨٨. (م) (٢١٣٥) عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ﵁ قالَ: لَمّا قَدِمتُ نَجرانَ سَأَلُونِي فَقالُوا: إنَّكُم تَقرَأَونَ: ﴿ياأُخْتَ هارُونَ﴾ [مريم: ٢٨]، ومُوسى قَبلَ عِيسى بِكَذا وكَذا؟ فَلَمّا قَدِمتُ عَلى رسولِ اللهِ ﷺ سَأَلتُهُ عَن ذَلكَ، فَقالَ: «إنَّهُم كانُوا يُسَمُّونَ بِأَنبِيائِهِم والصّالِحِينَ قَبلَهُم».
-استدل به جماعة على جواز التسمية بأسماء الأنبياء عليهم السلام، وأجمع عليه العلماء، وقد سمى النبي ﷺ ابنه إبراهيم، وكان في أصحابه خلائق مسمون بأسماء الأنبياء. (النووي)
-يدل على أن مريم صلوات الله عليها؛ إنما سُميت أخت هارون، بأخ لها كان اسمه ذلك، ويبطل قول من قال من المفسرين: إنها إنما قيل لها ذلك لأنها شُبِّهت بهارون أخي موسى في عبادته ونسكه. (القرطبي)

باب: فِـي تَسْمِيَةِ الـمَوْلُودِ بِمُحَمَّدٍ وعَبْدِ الرَّحْمَنِ وعَبْدِ اللهِ وإبْراهِيمَ والـمُنْذِرِ


١٩٨٩. (خ م) (٢١٣٣) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنّا غُلامٌ، فَسَمّاهُ مُحَمَّدًا، (فَقالَ لَهُ قَومُهُ: لا نَدَعُكَ تُسَمِّي بِاسمِ رَسُولِ اللهِ ﷺ). فانطَلَقَ بابنِهِ حامِلَهُ عَلى ظَهرِهِ، فَأَتى بِهِ النَّبِيَّ ﷺ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ وُلِدَ لِي غُلامٌ، فَسَمَّيتُهُ مُحَمَّدًا، فَقالَ لِي قَومِي: لا نَدَعُكَ تُسَمِّي بِاسمِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «تَسَمَّوا بِاسمِي، ولا تَكتَنُوا بِكُنيَتِي، فَإنَّما أنا قاسِمٌ أقسِمُ بَينَكُم». وفي رواية: فَقالَ: «أحسَنَتِ الأنصارُ، سَمُّوا بِاسمِي ...» الحديث.
١٩٩٠. (خ م) (٢١٣٣) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنّا غُلامٌ فَسَمّاهُ القاسِمَ، فَقُلنا: لا نَكنِيكَ أبا القاسِمِ، ولا نُنعِمُكَ عَينًا. فَأَتى النَّبِيَّ ﷺ فَذَكَرَ ذَلكَ لَهُ، فَقالَ: «أسمِ ابنَكَ عَبدَ الرَّحْمَنِ». وفي رواية (خ): فَقُلنا: لا نَكْنِيكَ أبا القاسِمِ ولا كَرامَةً.
-(أنا قاسم) إشارة إلى أن هذه الكنية تصدق على النبي ﷺ؛ لأنه يقسم مال الله بين المسلمين، وغيره ليس بهذه المرتبة. (العيني)
-هذا يشعر بأن الكنية إنما تكون بسبب وصف صحيح في المكنى، أو لسبب اسم ابنه. (القاضي عياض)
-معناه أني لم أستأثر من مال الله تعالى شيئا دونكم، وقاله تطييبًا لقلوبهم حين فاضل في العطاء فقال: الله هو الذي يعطيكم لا أنا، وإنما أنا قاسم، فمن قسمت له شيئا، فذلك نصيبه قليلا كان أو كثيرا. (ابن بطال)
-وأما غير أبي القاسم من الكنى فأجمع المسلمون على جوازه سواء كان له ابن أو بنت فكني به أو بها، أو لم يكن له ولد، أو كان صغيرا، أو كني بغير ولده، ويجوز أن يكنى الرجل أبا فلان وأبا فلانة، وأن تكنى المرأة أم فلانة، وصح أن النبي ﷺ كان يقول للصغير أخي أنس: يا أبا عمير ما فعل النغير. (النووي)
-وقد كره بعض أهل العلم أن يجمع الرجل بين اسم النبي ﷺ وكنيته واستدلوا بحديث أبي هريرة وحديث جابر. (المباركفوري)
- قال الطحاوي: كان في زمن أصحاب رسول الله ـﷺ جماعة قد كانوا متسمين بمحمد مكتنين بأبي القاسم، منهم محمد بن طلحة، ومحمد بن الأشعث، ومحمد بن أبي حذيفة. قال العيني: ومن جملة من تسمى بمحمد وتكنى بأبي القاسم من أبناء وجوه الصحابة محمد بن جعفر بن أبي طالب، ومحمد بن سعد بن أبي وقاص، ومحمد بن حاطب، ومحمد بن المنتشر، ذكرهم البيهقي في سننه في باب من رخص الجمع بين التسمي بمحمد، والتكني بأبي القاسم. (المباركفوري)
-في الحديث أنه بين الاسم والمسمى مناسبة، لكن لا يلزم اطراد ذلك.

١٩٩١. (خ م) (٢١٤٦) عَنْ أسْماءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ ﵄؛ أنَّها حَمَلَت بِعَبدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيرِ بِمَكَّةَ، قالَت: فَخَرَجتُ وأَنا مُتِمٌّ، فَأَتَيتُ المَدِينَةَ، فَنَزَلتُ بِقُباءٍ، فَوَلَدتُهُ بِقُباءٍ، ثُمَّ أتَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَوَضَعَهُ فِي حَجرِهِ، ثُمَّ دَعا بِتَمرَةٍ فَمَضَغَها، ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ، فَكانَ أوَّلَ شَيءٍ دَخَلَ جَوفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللهِ ﷺ، ثُمَّ حَنَّكَهُ بِالتَّمرَةِ، ثُمَّ دَعا لَهُ وفيها: قالَتْ أسماءُ: ثُمَّ مَسَحَهُ، وصلّى عَلَيهِ، وسَمّاهُ عَبدَ اللهِ، ثُمَّ جاءَ وهو ابنُ سَبع سِنِينَ أو ثَمانٍ ليُبايعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ، وأَمَرَهُ بِذَلِكَ الزُّبَيرُ، فتبسَّمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حِينَ رَآه مُقبِلًا إليهِ، ثُمَّ بايَعَهُ وبَرَّكَ عَلَيهِ، وكانَ أوَّلَ مَولُودٍ وُلِدَ فِي الإسلامِ. زادَ (خ): فَفَرِحُوا بِهِ فَرَحًا شَدِيدًا، لِأَنَّهُم قِيلَ لَهُم: إنَّ اليَهُودَ قَد سَحَرَتكُم، فَلا يُولَدُ لَكُم.
ورَوى (م) عَن عُروَةَ بْنِ الزُّبَيرِ وفاطِمَةَ بِنتِ المُنذِرِ بْنِ الزُّبَيرِ قالا: خَرَجَت أسماءُ ... وفِيها: ثُمَّ دَعا بِتَمرَةٍ، قالَت عائِشَةُ: فَمَكثنا ساعَةً نَلتَمِسُها قَبلَ أن نَجِدَها ...
-فيه مناقب عبد الله بن الزبير ﵁: أن النبي ﷺ مسح عليه وبارك عليه ودعا له، وأن أول شيء دخل جوفه ريقه ﷺ، وأنه أول من ولد في الإسلام في المدينة.
-في الحديث أن مولد عبد الله بن الزبير كان في السنة الأولى وهو المعتمد. (ابن حجر)
-(ثم جاء وهو ابن سبع سنين أو ثمان ليبايع رسول الله ﷺ، وأمره بذلك الزبير، فتبسم رسول الله ﷺ حين رآه مقبلا إليه، ثم بايعه وبرك عليه) هذه بيعة تبريك وتشريف، لا بيعة تكليف. (النووي)
-فيه جواز مبايعة من يعقل من الصِّغار، وتمرينهم على ما يخاطب به الكبار. (القرطبي)

١٩٩٢. (خ م) (٢١٤٤) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: كانَ ابنٌ لأَبِي طَلْحَةَ يَشتَكِي، فَخَرَجَ أبُو طَلْحَةَ، فَقُبِضَ الصَّبِيُّ، فَلَمّا رَجَعَ أبُو طَلْحَةَ قالَ: ما فَعَلَ ابنِي؟ قالَت أُمُّ سُلَيمٍ: هُوَ أسكَنُ مِمّا كانَ. فَقَرَّبَت إلَيهِ العَشاءَ فَتَعَشّى، ثُمَّ أصابَ مِنها، فَلَمّا فَرَغَ قالَت: وارُوا الصَّبِيَّ. فَلَمّا أصبَحَ أبُو طَلْحَةَ أتى رَسُولَ اللهِ ﷺ فَأَخبَرَهُ، فَقالَ: «أعرَستُم اللَّيلَةَ؟» قالَ: نَعَم. قالَ: «اللَّهُمَّ بارِك لَهُما». فَوَلَدَت غُلامًا، فَقالَ لِي أبُو طَلْحَةَ: احمِلهُ حَتّى تَأتِيَ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ. فَأَتى بِهِ النَّبِيَّ ﷺ وبَعَثَت مَعَهُ بِتَمَراتٍ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ ﷺ فَقالَ: «أمَعَهُ شَيءٌ؟» قالُوا: نَعَم، تَمَراتٌ. فَأَخَذَها النَّبِيُّ ﷺ فَمَضَغَها، ثُمَّ أخَذَها مِن فِيهِ فَجَعَلَها فِي فِيِّ الصَّبِيِّ، ثُمَّ حَنَّكَهُ، وسَمّاهُ عَبدَ اللهِ. وفي رواية (م): ذَهَبتُ بِعَبدِ اللهِ بْنِ أبِي طَلْحَةَ الأَنْصارِيِّ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ حِينَ وُلِدَ، ورَسُولُ اللهِ ﷺ فِي عَباءةٍ يَهْنَأُ بَعِيرًا لَهُ.
وفي رواية (خ): فَقالَ: «لَعَلَّ اللهَ أن يُبارِكَ لَكُما فِي لَيلَتِكُما». قالَ سُفيانُ: فَقالَ رَجُلٌ مِن الأَنصارِ: فَرَأَيتُ لَهُما تِسعَةَ أولادٍ، كُلُّهُم قَد قَرَأَ القُرآنَ.
ورَوى (م) عَن أنَسٍ قالَ: ماتَ ابنٌ لِأَبي طَلْحَةَ مِن أُمِّ سُلَيمٍ، فَقالَت لِأَهلِها: لا تُحَدِّثُوا أبا طَلْحَةَ بِابنِهِ حَتّى أكُونَ أنا أُحَدِّثُهُ. قالَ: فَجاءَ فَقَرَّبَتْ إلَيهِ عَشاءً فَأَكَلَ وشَرِبَ، فَقالَ: ثُمَّ تَصَنَّعَتْ لَهُ أحْسَنَ ما كانَت تَصَنَّعُ قَبلَ ذَلكَ، فَوَقَعَ بِها، فَلَمّا رَأَت أنَّهُ قَد شَبِعَ وأَصابَ مِنها قالَت: يا أبا طَلْحَةَ؛ أرَأَيتَ لَو أنَّ قَومًا أعارُوا عارِيَتَهُم أهلَ بَيتٍ فَطَلَبُوا عارِيَتَهُم؛ ألَهُم أن يَمنَعُوهُم؟ قالَ: لا. قالَت: فاحْتَسِبِ ابنَكَ. قالَ: فَغَضِبَ وقالَ: تَرَكَتِنِي حَتّى تَلَطَّخْتُ ثُمَّ أخَبَرتنِي بِابنِي. فانطَلَقَ حَتّى أتى رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَأَخبَرَهُ بِما كانَ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «بارَكَ اللهُ لَكُما فِي غابِرِ لَيلَتِكُما». قالَ: فَحَمَلَتْ، قالَ: فَكانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي سَفَرٍ وهِيَ مَعَهُ، وكانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إذا أتى المَدِينَةَ مِن سَفَرٍ لا يَطرُقُها طُرُوقًا، فَدَنَوا مِن المَدِينَةِ فَضَرَبَها المَخاضُ، فاحتُبِسَ عَلَيها أبُو طَلْحَةَ، وانطَلَقَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، قالَ: يَقُولُ أبُو طَلْحَةَ: إنَّكَ لَتَعلَمُ يا رَبِّ؛ إنَّهُ يُعجِبُنِي أن أخرُجَ مَعَ رَسُولِكَ إذا خَرَجَ، وأَدخَلَ مَعَهُ إذا دَخَلَ، وقَد احتَبَسْتُ بِما تَرى. قالَ: تَقُولُ أُمُّ سُلَيمٍ: يا أبا طَلْحَةَ؛ ما أجِدُ الَّذِي كُنتُ أجِدُ، انطَلِقْ. فانطَلَقنا، قالَ: وضَرَبَها المَخاضُ حِينَ قَدِما، فَوَلَدَت غُلامًا، فَقالَت لِي أُمِّي: يا أنَسُ؛ لا يُرْضِعُهُ أحَدٌ حَتّى تَغدُو بِهِ عَلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَلَمّا أصبَحَ احتَمَلْتُهُ، فانطَلَقتُ بِهِ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، قالَ: فَصادَفتُهُ ومَعَهُ مِيسَمٌ، فَلَمّا رَآنِي قالَ: «لَعَلَّ أُمَّ سُلَيمٍ ولَدَت؟» قُلتُ: نَعَم، فَوَضَعَ المِيسَمَ، قالَ: وجِئتُ بِهِ، فَوَضَعتُهُ فِي حَجْرِهِ، ودَعا رَسُولُ اللهِ ﷺ بِعَجْوَةٍ مِن عَجْوَةِ المَدِينَةِ، فَلاكَها فِي فِيهِ حَتّى ذابتْ، ثُمَّ قَذَفَها فِي فِيّ الصَّبيِّ، فَجَعَلَ الصَّبيُّ يَتَلَمَّظُها، قالَ: فَقالَ: رَسُولُ اللهِ ﷺ: «انظُرُوا إلى حُبِّ الأَنصارِ التَّمْرَ». قالَ: فَمَسَحَ وجْهَهُ، وسَمّاهُ عَبدَ اللهِ.
-(أرأيت لو أن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم) ضربها لمثل العارية دليل لكمال علمها وفضلها وعظم إيمانها وطمأنينتها. (النووي)
-الابن المذكور هو أبو عمير الذي كان النبي ﷺ يمازحه ويقول له: يا أبا عمير، ما فعل النغير (ابن حجر)
-فيه استجابة دعاء النبي ﷺ، فحملت بعبد الله بن أبي طلحة في تلك الليلة، وجاء من ولده عشرة رجال علماء أخيار، كلهم قد قرأ القرآن. (النووي)
-فيه كرامة ظاهرة لأبي طلحة، وفضائل لأم سليم. (النووي)
-فيه تحنيك المولود، وأنه يحمل إلى صالح ليحنكه، ومنها كون التحنيك بتمر، وهو مستحب، ولو حنّك بغيره حصل التحنيك، ولكن التمر أفضل. (النووي)
- فيه أنه يجوز تسميته في يوم ولادته، واستحباب التسمية بعبد الله، وإبراهيم وسائر أسماء الأنبياء عليهم السلام. (النووي)
-فيه استحباب تفويض تسميته إلى صالح فيختار له اسما يرتضيه. (النووي)
- فيه كراهة الطروق للقادم من سفر إذا لم يعلم أهله بقدومه قبل ذلك. (النووي)
-فيه جواز وسم الحيوان ليتميز، وليعرف، فيردها من وجدها. (النووي)
-فيه تواضع النبي ﷺ، ووسمه بيده، وتعاطي الكبير أشغاله، وأنه لا ينقص ذلك مروءته. (النووي)
-فيه جواز لبس العباءة. (النووي)
-بوب البخاري على هذا الحديث: (باب من لم يُظهِر حزنه عند المصيبة)
-فيه جواز الأخذ بالشدة، وترك الرخصة مع القدرة عليها، والتسلية عن المصائب. (ابن حجر)
-فيه تزين المرأة لزوجها، وتعرضها لطلب الجماع منه، واجتهادها في عمل مصالحه. (ابن حجر)
-فيه مشروعية المعاريض الموهمة إذا دعت الضرورة إليها، وشرط جوازها أن لا تبطل حقا لمسلم. وكان الحامل لأم سليم على ذلك المبالغة في الصبر والتسليم لأمر الله تعالى، ورجاء إخلافه عليها ما فات منها، إذ لو أعلمت أبا طلحة بالأمر في أول الحال تنكد عليه وقته، ولم تبلغ الغرض الذي أرادته، فلما علم الله صدق نيتها بلغها مناها، وأصلح لها ذريتها. (ابن حجر)
-فيه إجابة دعوة النبي ﷺ، وأن من ترك شيئا عوضه الله خيرا منه. (ابن حجر)
-فيه بيان حال أم سليم من التجلد وجودة الرأي وقوة العزم. (ابن حجر)

١٩٩٣. (خ م) (٢١٤٥) عَنْ أبِي مُوسى ﵁ قالَ: وُلِدَ لِي غُلامٌ، فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ، فَسَمّاهُ إبراهِيمَ، وحَنَّكَهُ بِتَمرَةٍ. زادَ (خ): ودَعا لَهُ بِالبَرَكَةِ، ودَفَعَهُ إليَّ. وكانَ أكبَرَ ولَدِ أبِي مُوسى.
-فيه إشعار بأنه أسرع بإحضاره إلى النبي ﷺ، وأن تحنيكه كان بعد تسميته. (ابن حجر)
-فيه تعجيل تسميه المولود ولا ينتظر إلى السابع، وأن التسمية لا تختص بالسابع، قال البيهقي: أحاديث تسمية المولود حين يولد أصح من الأحاديث في تسميته يوم السابع. (ابن حجر)
-(وَكَانَ أَكبَرَ وَلَدِ أَبِي مُوسَى) فيه أن أبا موسى رضي الله عنه كُني قبل أن يولد له، وفيه جواز تكنية الرجل بغير ولده.

١٩٩٤. (خ م) (٢١٤٩) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ﵁ قالَ: أُتِيَ بِالمُنذِرِ بْنِ أبِي أُسَيدٍ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ حِينَ وُلِدَ، فَوَضَعَهُ النَّبِيُّ ﷺ عَلى فَخِذِهِ، وأَبُو أُسَيدٍ جالِسٌ، فَلَهِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِشَيءٍ بَينَ يَدَيهِ، فَأَمَرَ أبُو أُسَيدٍ بابِنِهِ فاحتُمِلَ مِن عَلى فَخِذِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَأَقلَبُوهُ، فاستَفاقَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَقالَ: «أينَ الصَّبِيُّ؟» فَقالَ أبُو أُسَيدٍ: أقلَبناهُ يا رَسُولَ اللهِ. فَقالَ: «ما اسمُهُ؟» قالَ: فُلانٌ يا رَسُولَ اللهِ. قالَ: «لا، ولَكِن اسمُهُ المُنذِرُ». فَسَمّاهُ يَومَئِذٍ المُنذِرَ.
-(فاستفاق النبي ﷺ) أي انقضى ما كان مشتغلا به، فأفاق من ذلك فلم يرَ الصبي فسأل عنه. (ابن حجر)
-(فسماه يومئذ المنذر) قيل: سماه المنذر تفاؤلا أن يكون له علمٌ ينذر به، وقيل: لأن ابن عم أبيه المنذر بن عمرو وكان قد استُشهد ببئر معونة، وكان أميرهم، فتفاءل بكونه خلفًا منه. (النووي)

باب: التَّسْمِيَةُ بِيَسارٍ ورَباحٍ ونَجِيحٍ وأَفلَحَ ونافِعٍ ويَعْلى


١٩٩٥. (م) (٢١٣٧) عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أحَبُّ الكَلامِ إلى اللهِ أربَعٌ: سُبحانَ اللهِ، والحَمدُ للهِ، ولا إلَهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبَرُ، لا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأتَ، ولا تُسَمِّيَنَّ غُلامَكَ يَسارًا، ولا رَباحًا، ولا نَجِيحًا، ولا أفلَحَ، فَإنَّكَ تَقُولُ: أثَمَّ هُوَ؟ فَلا يَكُونُ، فَيَقُولُ: لا». إنَّما هُنَّ أربَعٌ فلا تَزِيدُنَّ عَلَيَّ.
١٩٩٦. (م) (٢١٣٨) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: أرادَ النَّبِيُّ ﷺ أن يَنهى عَن أن يُسَمّى بِـ: يَعلى، وبِبَرَكَةَ، وبِأَفلَحَ، وبِيَسارٍ، وبِنافِعٍ، وبِنَحوِ ذَلكَ، ثُمَّ رَأَيتُهُ سَكَتَ بَعدُ عَنها فَلَم يَقُل شَيئًا، ثُمَّ قُبِضَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ولَم يَنهَ عَن ذَلكَ، ثُمَّ أرادَ عُمَرُ أن يَنهى عَن ذَلكَ، ثُمَّ تَرَكَهُ.
-(أحبُّ الكلام إلى الله أربع) أي: أحقه قبولًا، وأكثره ثوابًا، ويعني بالكلام: المتضمن للأذكار، والدعاء، والقرب من الكلام، وإنَّما كانت هذه الكلمات كذلك؛ لأنَّها تضمَّنت تنزيهه عن كل ما يستحيل عليه، ووصفه بكل ما يجب له من أوصاف كماله، وانفراده بوحدانيته، واختصاصه بعظمته وقدمه المفهومين من أكبريته. ولتفصيل هذه الجمل علمٌ آخر. (القرطبي)
-(لا يضرُّك بأيهنَّ بدأت) يعني: أن تقديم بعض هذه الكلمات على بعض لا ينقص ثوابها، ولا يوقف قبولها؛ لأنَّها كلَّها كلمات جامعات طيِّبات مباركات. (القرطبي)
-(أَثَمَّ) أي أهناك (هو) أي المسمى بأحد هذه الأسماء المذكورة (فيقال: لا) أي ليس هناك رباح أو أفلح أو يسار أو نجيح؛ فلا يحسن مثل هذا في التفاؤل، أو فيكره لشناعة الجواب، في شرح السنة: معنى هذا أن الناس يقصدون بهذه الأسماء التفاؤل بحسن ألفاظها أو معانيها، وربما ينقلب عليهم ما قصدوه إلى الضد، إذا سألوا فقالوا: أثم يسار أو نجيح، فقيل: لا، فتطيروا بنفيه واضمروا اليأس من اليسر وغيره، فنهاهم عن السبب الذي يجلب سوء الظن والإياس من الخير. (المباركفوري)
-يكره التسمية بهذه الأسماء المذكورة في الحديث وما في معناها، ولا تختص الكراهة بها وحدها، ولهذا أشار جابر في حديثه بقوله (وبنحو ذلك)، وهي كراهة تنزيه لا تحريم. (النووي)

باب: فِـي تَغْيِيرِ الاسْمِ


١٩٩٧. (خ م) (٢١٤١) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ زَينَبَ كانَ اسمُها بَرَّةَ، فَقِيلَ: تُزَكِّي نَفسَها، فَسَمّاها رَسُولُ اللهِ ﷺ زَينَبَ.
-(زينب) هي زينب بنت جحش زوج النبي ﷺ، أو بنت أبي سلمة ربيبة النبي ﷺ، كل منهما كان اسمها برّة فغيَّره النبي ﷺ إلى زينب.
(تزكي نفسها) وفي رواية لمسلم (لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم) لأن لفظة (برَّة) مشتقة من البر، وفيه بيان العلة من تغيير الاسم وهي التزكية.

١٩٩٨. (م) (٢١٣٩) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄؛ أنَّ ابنَةً لِعُمَرَ كانَت يُقالُ لَها: عاصِيَةُ، فَسَمّاها رَسُولُ اللهِ ﷺ جَمِيلَةَ.
-قوله (جميلة) قيل: لعله لم يسمها مطيعة مع أنها ضد العاصية كراهة التنزيه. (السندي)

١٩٩٩. (م) (٢١٤٠) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: كانَت جُوَيرِيَةُ اسمُها: بَرَّةُ، فَحَوَّلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ اسمَها جُوَيرِيةَ، وكانَ يَكرَهُ أن يُقالُ: خَرَجَ مِن عِندِ بَرَّةَ.
٢٠٠٠. (خ) (٦١٩٣) عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ؛ أنَّ جَدَّهُ حَزْنًا قَدِمَ عَلى النَّبِيِّ ﷺ، فَقالَ: «ما اسمُكَ؟» قالَ: اسمِي حَزْنٌ، قالَ: «بَل أنتَ سَهْلٌ». قالَ: ما أنا بِمُغَيِّرٍ اسمًا سَمّانِيهِ أبِي. قالَ ابنُ المُسَيَّبِ: فَما زالَت فِينا الحُزُونَةُ بَعدُ.
-معنى هذه الأحاديث تغيير الاسم القبيح أو المكروه إلى حسن، وقد ثبت أحاديث بتغييره ﷺ أسماء جماعة كثيرين من الصحابة، وقد بين ﷺ العلة في النوعين، وما في معناهما، وهي التزكية، أو خوف التطير. (النووي)

باب: فِـي تَسْمِيَةِ العِنَبِ الكَرْمَ


٢٠٠١. (خ م) (٢٢٤٧) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «لا تَقُولُوا كَرمٌ، فَإنَّ الكَرمَ قَلبُ المُؤمِنِ». وفي رواية (م): «فَإنَّ الكَرمَ الرَّجُلُ المُسلِمُ».
ورَوى (م) عَن وائِلِ بْنِ حُجرٍ؛ أنَّ النَّبيَّ ﷺ قالَ: «لا تَقُولُوا: الكَرمُ، ولَكِن قُولُوا: العِنَبُ والحَبلَةُ».
-قال النووي: النهي في هذا الحديث عن تسمية العنب كرمًا وعن تسمية شجرها أيضا للكراهية.
-سبب كراهة ذلك: أن لفظ الكرم كانت العرب تطلقها على شجرة العنب، وعلى العنب، وعلى الخمر المتخذة منه؛ لأنهم كانوا يتوهمون أن الخمر تحمل علة الكرم والسخاء! فكره الشرع إطلاق هذه اللفظة على العنب وشجره؛ لأن في تبقية هذا الاسم تقريرًا لما كانوا يتوهمونه من تكرُّم شاربها، ولأنهم إذا سمعوا اللفظة ربما تذكروا بها الخمر، وهيّجت نفوسهم إليها، فوقعوا فيها أو قاربوا ذلك. (ابن حجر)
(لا تسموا العنب الكرم) لأنه يستحق هذا الاسم الرجل المسلم أو قلب المؤمن، لقوله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فسُمي قلب المؤمن كرمًا لما فيه من الإيمان والهدى والنور والتقوى والصفات المستحقة لهذا الاسم، وكذلك الرجل المسلم.

باب: تَسْمِيَةُ العَبْدِ والأَمَةِ والـمَوْلى والسَّيِّدِ


٢٠٠٢. (خ م) (٢٢٤٩) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لا يَقُل أحَدُكُم: اسقِ رَبَّكَ، أطعِم رَبَّكَ، وضِّئ رَبَّكَ، (ولا يَقُل أحَدُكُم: رَبِّي)، وليَقُل: سَيِّدِي، مَولايَ، ولا يَقُل أحَدُكُم: عَبدِي، أمَتِي، وليَقُل: فَتايَ، فَتاتِي، غُلامِي». وفي رواية (م): «كُلُّكُم عَبِيدُ اللهِ، وكُلُّ نِسائِكُم إماءُ اللهِ، ولَكِن لِيَقُل: غُلامِي وجارِيَتِي ...». وفي رواية (م): «ولا يَقُل العَبدُ لِسَيِّدِهِ: مَولاي، فَإنَّ مَوْلاكُم اللهُ ﷿».
-(لا يقل أحدكم: أطعم ربك..) لأن الربوبية إنما حقيقتها لله تعالى؛ لأن الرب هو المالك أو القائم بالشيء، ولا يوجد حقيقة هذا إلا في الله عز وجل، ولا يتعارض ذلك مع قوله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام (اذكرني عند ربك) لأنه ورد لبيان الجواز. (ابن حجر)
- فيه أن النهي للتنزيه، أو المراد النهي عن الإكثار من ذلك واتخاذ استعمال هذه اللفظة عادة، أو المراد بالنهي من استعمله على جهة التعاظم لا من أراد التعريف. (النووي)
(ولا يقل أحدكم عبدي أمتي) (كلكم عبيد الله..) فأرشد ﷺ إلى العلة في ذلك، لأن حقيقة العبودية إنما يستحقها الله تعالى، ولأن فيها تعظيمًا لا يليق بالمخلوق استعماله لنفسه، والمعنى في ذلك كله راجع إلى البراءة من الكبر، والتزام الذل والخضوع لله تعالى، وهو يليق بالمربوب.

باب: تَكْنِيَةُ الصَّغِيرِ


٢٠٠٣. (خ م) (٢١٥٠) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أحسَنَ النّاسِ خُلُقًا، وكانَ لِي أخٌ يُقالُ لَهُ: أبُو عُمَيرٍ قالَ: أحسِبُهُ قالَ: كانَ فَطِيمًا، قالَ: فَكانَ إذا جاءَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَرَآهُ قالَ: «أبا عُمَيرٍ؛ ما فَعَلَ النُّغَيرُ؟» قالَ: فَكانَ يَلعَبُ بِهِ. وفي رواية (خ): إن كانَ النَّبِيُّ ﷺ لِيُخالِطُنا حَتّى يَقُولَ لِأَخٍ لِي صَغِيرٍ ...
-كانوا يُكنون الصبي تفاؤلا بأنه سيعيش حتى يولد له، وللأمن من التلقيب.
-(إِن كَانَ النَّبِيُّ ﷺ لِيُخَالِطُنَا) فيه استحباب زيارة الإخوان، وتخصيص الإمام بعض الرعية بالزيارة، ومخالطة بعض الرعية دون بعض، وأن كثرة الزيارة لا تنقص المودة، إلا إذا خشي الضرر أو الفتنة.
-فيه جواز تكنية من لم يولد له، وتكنية الطفل، وأنه ليس كذبا. (النووي)
-فيه جواز ممازحة الصبي الذي لم يميز.
-فيه جواز تصغير بعض المسميات، ولو كان حيوان. (النووي)
-فيه جواز لعب الصبي بالعصفور، وتمكين الولي إياه من ذلك. (النووي)
-فيه جواز إمساك الطير في القفص ونحوه.
-وفيه جواز لعب الصبي بالطير الصغير، لكن الذي أجاز العلماء من ذلك: أن يمسك له، وأن يلهو بحسنه. وأما تعذيبه، والعبث به: فلا يجوز؛ لأن النبي ﷺ نهى عن تعذيب الحيوان إلا لمأكلة. (القرطبي)
-وفيه جواز إدخال الصيد من الحل إلى الحرم وإمساكه بعد إدخاله.
-فيه جواز السجع بالكلام الحسن بلا كلفة. (النووي)
-فيه ملاطفة الصبيان وتأنيسهم. (النووي)
-بيان ما كان النبي ﷺ عليه من حسن الخلق وكرم الشمائل والتواضع. (النووي)
-فيه زيارة الأهل، لأن أم سليم والدة أبي عمير هي من محارمه ﷺ. (النووي)

باب: جَوازُ قَوْلِهِ لِغَيْرِ ابْنِهِ: يا بُنَيَّ


٢٠٠٤. (م) (٢١٥١) عَنْ أنَسٍ ﵁ قالَ: قالَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يا بُنَيَّ».
-فيه جواز قول الإنسان لغير ابنه ممن هو أصغر سنا منه يا ابني، ويا بني مصغرا، ويا ولدي، ومعناه تلطف، وإنك عندي بمنزلة ولدي في الشفقة، وكذا يقال له ولمن هو في مثل سن المتكلم: يا أخي للمعنى الذي ذكرناه، وإذا قصد التلطف كان مستحبا كما فعله النبي ﷺ. (النووي)

باب: أخْنَعُ اسْمٍ عِنْدَ اللهِ مَن تَسَمّى بِمَلِكِ الأَمْلاكِ


٢٠٠٥. (خ م) (٢١٤٣) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «إنَّ أخنَعَ اسمٍ عِندَ اللهِ رَجُلٌ تَسَمّى مَلِكَ الأَملاكِ». قالَ سُفيانُ: مِثلُ شاهان شاه. (وقالَ أحمَدُ بنُ حَنبَلٍ: سَأَلتُ أبا عَمرٍو عَن أخنَعَ، فَقالَ: أوضَعَ). وفي رواية (م) زادَ: «لا مالِكَ إلّا اللهُ». وفي رواية (م): «أغيَظُ رَجُلٍ عَلى اللهِ يَومَ القِيامَةِ، وأَخبَثُهُ وأَغيظُهُ عَلَيهِ رَجُلٌ كانَ يُسمّى مَلِكُ الأَملاكِ، لا مَلِكَ إلا اللهُ».
-فيه دليل على تحريم التسمي بملك الأملاك، لورود الوعيد الشديد، ويلتحق به ما في معناه مثل: خالق الخلق، وأحكم الحاكمين، وسلطان السلاطين، وأمير الأمراء، وقيل: يلتحق به أيضًا من تسمى بشيء من أسماء الله الخاصة به كالرحمن والقدوس والجبار.
-فيه الوعيد بالذل والهلكة لكل من سمى نفسه أو سُمي بشيء من ذلك فرضي به واستمر عليه؛ لما فيه من الجرأة وسوء الأدب مع الرَّب تبارك وتعالى.
-(شاهان شاه) سبب تفسير سفيان بن عيينة اللفظة العربية (ملك الأملاك) بلفظة أعجمية (شاهان شاه) أن هذا اللفظ كان قد كثر التسمية به في ذلك العصر، فنبّه سفيان على أن الاسم الذي ورد الخبر بذمّه لا ينحصر في ملك الأملاك، بل كل ما أدى معناه بأي لسان كان فهو مراد بالذم.

باب: حَقُّ الـمُسْلِمِ عَلى الـمُسْلِمِ


٢٠٠٦. (خ م) (٢١٦٢) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «خَمسٌ (تَجِبُ) لِلمُسلِمِ عَلى أخِيهِ؛ رَدُّ السَّلامِ، وتَشمِيتُ العاطِسِ، وإجابَةُ الدَّعوَةِ، وعِيادَةُ المَرِيض، واتِّباعُ الجَنائِزِ». وفي رواية: «حقُّ المُسلِمِ على المسلم خَمْسٌ». وفي رواية (م): «حَقُّ المُسلِمِ عَلى المُسلِمِ سِتٌّ». قِيلَ: ما هُنَّ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: «إذا لَقِيتَهُ فَسَلِّم عَلَيهِ ...»، وزادَ: «وإذا استَنصَحَكَ فانصَح لَهُ».
-لا ينافي ما في رواية بعده أنه ست إما لأن العدد لا مفهوم له، وإما لأن محل العمل بمفهومه ما لم يعلم خلافه فإن الحقوق المتأكدة كثيرة، وقد يكون الاقتصار على ما ذكر؛ لأنها الأنسب بحال السامعين بتساهلهم فيها أو شدة احتياجهم إليها.

باب: فِـي فَضْلِ عِيادَةِ الـمَرِيضِ


٢٠٠٧. (م) (٢٥٦٨) عَنْ ثَوْبانَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «عائِدُ المَرِيضِ فِي مَخرَفَةِ الجَنَّةِ حَتّى يَرجِعَ». وفي رواية: قِيلَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ وما خُرفَةُ الجَنَّةِ؟ قالَ: «جَناها».
-قال أبو بكر بن الأنباري: شبّه رسول الله ﷺ ما يحرزه عائد المريض من الثواب بما يحرز المخترف من الثمر، وحكى الهروي عن بعضهم أن المراد بذلك الطريق، فيكون معناه أنه طريق يؤديه إلى الجنة.
-فيه أن عيادة المريض من أعمال الطاعات الكثيرة الثواب، العظيمة الأجر، كما دلت عليه هذه الأحاديث وغيرها. (القرطبي)
-العيادة من فروض الكفايات، إذا منع المرض من التصرف، لأنَّ المريض لو لم يَعُد جملة لضاع وهلك، ولا سيما إن كان غريبا أو ضعيفا. وأما من كان له أهل فيجب تمريضه على من تجب عليه نفقته، فأمَّا من لا يجب ذلك عليه؛ فمن قام به منهم سقط عن الباقين. (القرطبي)
-العيادة: مصدر عاد يعود عودا، وعيادة، وعيادا، غير أنه قد خصت العيادة بالرجوع إلى المرضى والتكرار إليهم. (القرطبي)

٢٠٠٨. (م) (٢٥٦٩) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ اللهَ ﷿ يَقُولُ يَومَ القِيامَةِ: يا ابنَ آدَمَ؛ مَرِضتُ فَلَم تَعُدنِي. قالَ: يا رَبِّ؛ كَيفَ أعُودُكَ وأَنتَ رَبُّ العالَمِينَ؟! قالَ: أما عَلِمتَ أنَّ عَبدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَم تَعُدهُ، أما عَلِمتَ أنَّكَ لَو عُدتَهُ لَوَجَدتَنِي عِندَهُ، يا ابنَ آدَمَ؛ استَطعَمتُكَ فَلَم تُطعِمنِي. قالَ: يا رَبِّ؛ وكَيفَ أُطعِمُكَ وأَنتَ رَبُّ العالَمِينَ؟! قالَ: أما عَلِمتَ أنَّهُ استَطعَمَكَ عَبدِي فُلانٌ فَلَم تُطعِمهُ، أما عَلِمتَ أنَّكَ لَو أطعَمتَهُ لَوَجَدتَ ذَلكَ عِندِي، يا ابنَ آدَمَ؛ استَسقَيتُكَ فَلَم تَسقِنِي. قالَ: يا رَبِّ؛ كَيفَ أسقِيكَ وأَنتَ رَبُّ العالَمِينَ؟! قالَ: استَسقاكَ عَبدِي فُلانٌ فَلَم تَسقِهِ، أما إنَّكَ لَو سَقَيتَهُ وجَدتَ ذَلكَ عِندِي».
- (يا ابن آدم؛ مرضت فلم تعدني) قال العلماء: إنما أضاف المرض والطعام السقاية إليه سبحانه وتعالى، والمراد تشريفا للعبد وتقريبا له، وتنبيها إلى عظيم ثواب هذه الأعمال الفاضلة

٢٠٠٩. (خ) (١٣٥٦) عَنْ أنَسٍ ﵁ قالَ: كانَ غُلامٌ يَهُودِيٌّ يَخدُمُ النَّبِيَّ ﷺ، فَمَرِضَ، فَأَتاهُ النَّبِيُّ ﷺ يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأسِهِ، فَقالَ لَهُ: «أسلِم». فَنَظَرَ إلى أبِيهِ وهُوَ عِندَهُ؛ فَقالَ لَهُ: أطِع أبا القاسِمِ. فَأَسلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ وهُوَ يَقُولُ: «الحَمدُ للهِ الَّذِي أنقَذَهُ مِن النّارِ».
-فيه جواز استخدام المشرك، وعيادته إذا مرض. (ابن حجر)
-فيه حسن العهد. (ابن حجر)
-فيه استخدام الصغير، وعرض الإسلام على الصبي، ولولا صحته منه ما عرضه عليه.
-(الحمد لله الذي أنقذه من النار) دلالة على أنه صح إسلامه، وعلى أن الصبي إذا عقل الكفر ومات عليه أنه يعذب. (ابن حجر)
-فيه جواز عيادة أهل الذمة ولا سيما إذا كان الذمي جارا له؛ لأن فيه إظهار محاسن الإسلام وزيادة التآلف بهم ليرغبوا في الإسلام. (العيني)

٢٠١٠. (خ) (٥٦٥٦) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ عَلى أعرابِيٍّ يَعُودُهُ، قالَ: وكانَ النَّبِيُّ ﷺ إذا دَخَلَ عَلى مَرِيضٍ يَعُودُهُ فقالَ لَهُ: «لا بَأسَ، طَهُورٌ إن شاءَ اللهُ». قالَ: قُلتَ طَهُورٌ؟ كَلا، بَل هِيَ حُمّى تَفُورُ أو تَثُورُ، عَلى شَيخٍ كَبِيرٍ، تُزِيرُهُ القُبُورَ. فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «فَنَعَم إذًا».
-قال ابن التين: يحتمل أن يكون ذلك دعاء عليه ويحتمل أن يكون خبرا عما يؤول إليه أمره، وقال غيره: يحتمل أن يكون النبي ﷺ علم أنه سيموت من ذلك المرض فدعا له بأن تكون الحمى له طهرة لذنوبه، ويحتمل أن يكون أعلم بذلك لما أجابه الأعرابي بما أجابه. (ابن حجر)
-قال المهلب: فائدة هذا الحديث أنه لا نقص على الإمام في عيادة مريض من رعيته ولو كان أعرابيًا جافيًا، ولا على العالم في عيادة الجاهل ليعلّمه ويذكّره بما ينفعه، ويأمره بالصبر لئلا يتسخط قدر الله فيسخط عليه، ويسليه عن ألمه بل يغبطه بسقمه، إلى غير ذلك من جبر خاطره وخاطر أهله.
-فيه أنه ينبغي للمريض أن يتلقّى الموعظة بالقبول، ويحسن جواب من يذكره بذلك. (ابن حجر)

باب: فِـي العُطاسِ والتَثاؤُبِ


٢٠١١. (خ م) (٢٩٩٤) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «التَّثاؤُبُ مِنَ الشَّيطانِ، فَإذا تَثاءَبَ أحَدُكُم فَليَكظِم ما استَطاعَ». وفي رواية (خ): «إنَّ اللهَ يُحِبُّ العُطاسَ، ويَكرَهُ التَّثاؤُبَ، فَإذا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَحَقٌّ عَلى كُلِّ مُسلِمٍ سَمِعَهُ أن يُشَمِّتَهُ، وأَمّا التَّثاؤُبُ فَإنَّما هُوَ مِن الشَّيطانِ، فَليَرُدَّهُ ما استَطاعَ، فَإذا قالَ: ها. ضَحِكَ مِنهُ الشَّيطانُ».
- (التثاؤب من الشيطان) أي من كسله وتسببه، وقيل: أضيف إليه لأنه يرضيه.
-يعني الذي لا ينشأ عن زكام، لأنه المأمور فيه بالتحميد والتشميت، ويحتمل التعميم في نوعي العطاس والتفصيل في التشميت خاصة. (ابن حجر)
-(إن الله يحب العطاس) قالوا: لأن العطاس يدل على النشاط وخفة البدن، والتثاؤب بخلافه لأنه يكون غالبا مع ثقل البدن وامتلائه، واسترخائه وميله إلى الكسل. وإضافته إلى الشيطان لأنه الذي يدعو إلى الشهوات. والمراد التحذير من السبب الذي يتولد منه ذلك، وهو التوسع في المأكل وإكثار الأكل. (النووي)
-قال العلماء: أمر بكظم التثاؤب ورده ووضع اليد على الفم لئلا يبلغ الشيطان مراده من تشويه صورته، ودخوله فمه، وضحكه منه. (النووي)
-(فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته) استدل به على استحباب مبادرة العاطس بالتحميد، (ابن حجر)
-(فليكظم...) هذا خطاب لمن غلبه ذلك، فإنَّه يكسره بسد فاه ما أمكن، أو بوضع يده على فمه. (القرطبي)

ورَوى (م) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ؛ عَنِ النَّبيِّ ﷺ قالَ: «إذا تَثاوَبَ أحَدُكُم فَليُمسِك بِيَدِهِ عَلى فِيهِ، فَإنَّ الشَّيطانَ يَدخُلُ». وفي رواية (م) زادَ: «فِي الصَّلاةِ فَليَكظِم ...».

باب: تَشْمِيتُ العاطِسِ


٢٠١٢. (خ م) (٢٩٩١) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: عَطَسَ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ رَجُلانِ فَشَمَّتَ أحَدَهُما ولَم يُشَمِّتِ الآخَرَ، فَقالَ الَّذِي لَم يُشَمِّتهُ: عَطَسَ فُلانٌ فَشَمَّتَّهُ، وعَطَستُ أنا فَلَم تُشَمِّتنِي. قالَ: «إنَّ هَذا حَمِدَ اللهَ، وإنَّكَ لَم تَحمَدِ اللهَ».
٢٠١٣. (م) (٢٩٩٣) عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ ﵁؛ أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ وعَطَسَ رَجُلٌ عِندَهُ فَقالَ لَهُ: «يَرحَمُكَ اللهُ». ثُمَّ عَطَسَ أُخرى فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الرَّجُلُ مَزكُومٌ».
٢٠١٤. (خ) (٦٢٢٤) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «إذا عَطَسَ أحَدُكُم فَليَقُل: الحَمدُ للهِ. وليَقُل لَهُ أخُوهُ أو صاحِبُهُ: يَرحَمُكَ اللهُ. فَإذا قالَ لَهُ يَرحَمُكَ اللهُ فَليَقُل: يَهدِيكُمُ اللهُ ويُصلِحُ بالَكُم».
-استدل به على أنه يشرع التشميت لمن حمد إذا عرف السامع أنه حمد الله وإن لم يسمعه، كما لو سمع العطسة ولم يسمع الحمد بل سمع من شمت ذلك العاطس فإنه يشرع له التشميت لعموم الأمر به لمن عطس فحمد. (ابن حجر)
-ويستحب لمن حضر من عطس فلم يحمد أن يذكره بالحمد ليحمد فيشمته، وقد ثبت ذلك عن إبراهيم النخعي، وهو من باب النصيحة والأمر بالمعروف. (النووي)
-وحكى ابن بطال عن بعض أهل العلم - وحكى غيره أنه الأوزاعي - أن رجلا عطس عنده فلم يحمد، فقال له: كيف يقول من عطس؟ قال: الحمد لله، قال: يرحمك الله. (ابن حجر)
-قال بعض شيوخنا: وإنما أمر العاطس بالحمد لما حصل له من المنفعة بخروج ما اختنق في دماغه من الأبخرة. (النووي)

باب: إعْطاءُ الطَّرِيقِ حَقَّهُ


٢٠١٥. (خ م) (٢١٢١) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «إيّاكُم والجُلُوسَ فِي الطُّرُقاتِ». قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ؛ ما لَنا بُدٌّ مِن مَجالِسِنا نَتَحَدَّثُ فِيها. قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «فَإذا أبَيتُم إلا المَجلِسَ فَأَعطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ». قالُوا: وما حَقُّهُ؟ قالَ: «غَضُّ البَصَرِ، وكَفُّ الأَذى، ورَدُّ السَّلامِ، والأَمرُ بِالمَعرُوفِ، والنَّهْيُ عَنِ المُنكَرِ».
ورَوى (م) عَن أبِي طَلحةَ قالَ: كُنّا قُعُودًا بِالأَفنِيَةِ نَتَحَدَّثُ ... نَحوَهُ، وفِيها: «اجتَنِبُوا مَجالِسَ الصُّعُداتِ»، وفِيها: «وحُسنُ الكَلامِ».
-فيه النهي عن الجلوس في الطرقات، والنهي فيه للكراهة.
-هذا الحديث كثير الفوائد، وهو من الأحاديث الجامعة، وأحكامه ظاهرة، وينبغي أن يجتنب الجلوس في الطرقات لهذا الحديث. (النووي)
-فيه آداب الجلوس في الطرقات إن كان لا بد منه، وهي:
-غض البصر؛ لما فيه من السلامة من التعرض للفتنة بمن يمر من النساء وغيرهن.
-ورد السلام، وفيه إشارة إلى إكرام المار، وحسن معاملته وتلقيه بجميل الكلام، والإحسان إليه بما يحتاج من دلالة الطريق ونحوه.
-والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيه إشارة إلى استعمال كل ما يُشرع وترك ما لا يُشرع.
-وكف الأذى ويدخل فيه: اجتناب الغيبة، وظن السوء، واحتقار بعض المارين، وأن يضيّق الطريق على المارين، أو يمتنع النساء ونحوهن من الخروج في أشغالهن بسبب قعود القاعدين في الطريق، أو يجلس بقرب باب دار إنسان يتأذى بذلك، أو حيث يكشف من أحوال الناسِ الناسُ شيئا يكرهونه. (النووي)
-فيه دليل للقاعدة (دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة) لندبه أولا إلى ترك الجلوس مع ما فيه من الأجر لمن عمل بحق الطريق، وذلك الاحتياط لطلب السلامة آكد من الطمع في الزيادة.
-فيه حجة لمن يقول: بأن سدَّ الذرائع بطريق الأولى لا على الحتْم.

باب: فِـي تَسْلِيمِ الرّاكِبِ عَلى الـماشِي والقَلِيلِ عَلى الكَثِيرِ


٢٠١٦. (خ م) (٢١٦٠) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يُسَلِّمُ الرّاكِبُ عَلى الماشِي، والماشِي عَلى القاعِدِ، والقَلِيلُ عَلى الكَثِيرِ». وفي رواية (خ): «يُسلِّم الصَّغِيرُ عَلى الكَبِيرِ، والمارُّ عَلى القاعِدِ، ...».
-فيه أدب من آداب الإسلام، وبيان من يبدأ بالسلام، وقد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على ان ابتداء السلام سنة وأن رده واجب.
-ما جاء في الحديث من تسليم الراكب على الماشي، والقائم على القاعد، والقليل على الكثير، والصغير على الكبير، كله للاستحباب، فلو وقع عكسه جاز لكنه خلاف الأفضل.
-الحكمة فيمن شرع لهم الابتداء: تسليم الصغير لأجل حق الكبير؛ لأنه أُمر بتوقيره والتواضع له، وتسليم القليل لحق الكثير لأن حقهم أعظم، وتسليم المار لشبهه بالداخل على أهل المنزل، وتسليم الراكب لئلا يتكبر بركوبه، فيرجع إلى التواضع.
-ومعنى السلام فقيل: هو اسم الله تعالى، فقوله: السلام عليك أي اسم السلام عليك، ومعناه اسم الله عليك أي أنت في حفظه كما يقال: الله معك، والله يصحبك. وقيل: السلام بمعنى السلامة، أي السلامة ملازمة لك. (النووي)

باب: الاسْتِئْذانُ والسَّلامُ


٢٠١٧. (خ م) (٢١٥٣) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁ قالَ: كُنتُ جالِسًا بِالمَدِينَةِ فِي مَجلِسِ الأنصارِ، فَأَتانا أبُو مُوسى فَزِعًا أو مَذعُورًا، قُلنا: ما شَأنُكَ؟ قالَ: إنَّ عُمَرَ أرسَلَ إلَيَّ أن آتِيَهُ، فَأَتَيتُ بابَهُ، فَسَلَّمتُ ثَلاثًا، فَلَم يَرُدَّ عَلَيَّ فَرَجَعتُ، فَقالَ: ما مَنَعَكَ أن تَأتِيَنا؟ فَقُلتُ: إنِّي أتَيتُكَ فَسَلَّمتُ عَلى بابِكَ ثَلاثًا، فَلَم يَرُدُّوا عَلَيَّ فَرَجَعتُ، وقَد قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إذا استَأذَنَ أحَدُكُم ثَلاثًا فَلَم يُؤذَن لَهُ فَليَرجِع». فَقالَ عُمَرُ: أقِم عَلَيهِ البَيِّنَةَ (وإلا أوجَعتُكَ). فَقالَ أُبَيُّ بنُ كَعبٍ: لا يَقُومُ مَعَهُ إلا أصغَرُ القَومِ. قالَ أبُو سَعِيدٍ: قُلتُ: أنا أصغَرُ القَومِ، قالَ: فاذهَب بِهِ. وفي رواية: قالَ عُمرُ: إن وجَدَ بيِّنَةً تجِدُوهُ عِنْدَ المِنبرِ عَشِيَّةً، وإن لم يجِد بيِّنَةً فلَم تَجِدُوهُ. فَلَمّا أن جاءَ بِالعَشِيِّ وجَدُوهُ، قالَ: يا أبا مُوسى؛ ما تَقُولُ؟ أقَد وجَدتَ؟ قالَ: نَعَم، أُبيَّ بنَ كَعبٍ. قالَ: عَدلٌ. قالَ: يا أبا الطُّفَيلِ؛ ما يَقُولُ هَذا؟ قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ ذَلكَ، يا ابنَ الخَطّابِ؛ فَلا تَكُونَنَّ عَذابًا عَلى أصحابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ. قالَ: سُبحانَ اللهِ؛ إنَّما سَمِعتُ شَيئًا فَأَحبَبتُ أن أتَثَبَّتَ.
-فيه استحباب السلام والاستئذان ثلاثا، فيجمع بين السلام والاستئذان، وتقديم السلام هو الثابت عن رسول الله ﷺ
-فيه دليل لمن قال أنه لا تجوز الزيادة في الاستئذان على الثلاث.
-ذهب أكثر أهل العلم إلى ذلك، وقال بعضهم: إذا لم يُسمَع فلا بأس أن يزيد، وقيل: تجوز الزيادة مطلقًا بناء على أن الأمر بالرجوع بعد الثلاث للإباحة والتخفيف عن المستأذن، فمن استأذن أكثر فلا حرج عليه. (ابن عبدالبر)
-اختلف في حكمة الثلاث فروى ابن أبي شيبة من قول علي بن أبي طالب: الأولى إعلام، والثانية مؤامرة والثالثة عزمة، إما أن يؤذن له وإما أن يرد. (ابن حجر)
-(مَا مَنَعَكَ أَن تَأتِيَنَا؟ فَقُلتُ: إِنِّي أَتَيتُكَ...) وعند البخاري في الأدب المفرد: (فقال: يا عبدالله، اشتد عليك أن تحتبس على بابي، اعلم أن الناس كذلك يشتد عليهم أن يحتبسوا على بابك)، وفي هذه الزيادة دلالة على أن عمر أراد تأديبه لما بلغه أنه قد يحتبس على الناس في حال إمرته، كان عمر استخلفه على الكوفة، مع ما كان عمر فيه من الشغل.
-فيؤخذ منه التثبت في خبر الواحد لما يجوز عليه من السهو وغيره، وقد قبل عمر خبر العدل الواحد بمفرده في توريث المرأة من دية زوجها، وأخذ الجزية من المجوس إلى غير ذلك، لكنه كان يستثبت إذا وقع له ما يقتضي ذلك. (ابن بطال)
-فيه أن العالم المتبحر قد يخفى عليه من العلم ما يعلمه من هو دونه ولا يقدح ذلك في وصفه بالعلم والتبحر فيه، قال ابن بطال: وإذا جاز ذلك على عمر فما ظنك بمن هو دونه. (ابن حجر)
-فيه أن لمن تحقق براءة الشخص مما يخشى منه وأنه لا يناله بسبب ذلك مكروه، أن يمازحه ولو كان قبل إعلامه بما يطمئن به خاطره مما هو فيه، لكن بشرط أن لا يطول الفصل؛ لئلا يكون سببا في إدامة تأذي المسلمين بالهم الذي وقع له. (ابن حجر)
-فيه حرص عمر على العناية بحديث رسول الله ﷺ وسدّ ذريعة الكذب عليه.

باب: فِـي الـمُصافَحَةِ


٢٠١٨. (خ) (٦٢٦٣) عَنْ قَتادَةَ قالَ: قلت لأَنَسٍ: أكانَت المُصافَحَةُ فِي أصحابِ النَّبِيِّ ﷺ؟ قالَ: نَعَمْ.
-فيه مشروعية المصافحة. قال ابن بطال: المصافحة حسنة عند عامة العلماء وقد استحبها مالك بعد كراهته. وقال النووي: المصافحة سنة مجمع عليها عند التلاقي. قال الحافظ ابن حجر: ويستثنى من عموم الأمر بالمصافحة المرأة الأجنبية. انتهى. (المباركفوري)
-وقد أخرج أحمد، وأبو داود، والترمذي، عن البراء رفعه: (ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا). (المباركفوري)

باب: جَوازُ جَعْلِ الإذْنِ رَفْعَ حِجابٍ أوْ نَحْوِهِ


٢٠١٩. (م) (٢١٦٩) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قالَ: قالَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إذنُكَ عَلَيَّ أن يُرفَعَ الحِجابُ، وأَن تَستَمِعَ سِوادِي حَتّى أنهاكَ».
-(إذنك علي أن يرفع الحجاب وأن تسمع سوادي) سببه: أن النبي ﷺ جعل لعبد الله إذنًا خاصًّا به، وهو أنه إذا جاء بيت النبي ﷺ فوجد الستر قد رفع دخل من غير إذن بالقول، ولم يجعل ذلك لغيره إلا بالقول. كما قال تعالى: ﴿لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ وبقوله تعالى: ﴿لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ ولذلك كانت الصحابة - رضي الله عنهم - تذكر ذلك في فضائل ابن مسعود، فتقول: كان ابن مسعود يُؤذن له إذا حجبنا، وكأن ابن مسعود كان له من التبسُّط في بيت النبي ﷺ والانبساط ما لم يكن لغيره: لما علمه النبي ﷺ من حاله، ومن خلقه، ومن إلفه لبيته. (القرطبي)
-(وأن تسمع سوادي) كأنه جوز له في الدخول عليه حيث يسمع كلام الله ويعلم مع وجوده إلا أن ينهاه ولعل ذلك إذا لم يكن في الدار حرمة، وذلك لأنه كان يخدمه ﷺ في الحالات كلها؛ فيهيئ طهوره ويحمل معه المطهرة إذا قام إلى الوضوء ويأخذ نعله ويضعها إذا جلس وحين ينهض؛ فيحتاج إلى كثرة الدخول عليه. (النووي)
-فيه دليل لجواز اعتماده العلامة في الإذن في الدخول. فإذا جعل الأمير والقاضي ونحوهما وغيرهما رفع الستر الذي على بابه علامة في الإذن في الدخول عليه للناس عامة، أو لطائفة خاصة، أو لشخص، أو جعل علامة غير ذلك، جاز اعتمادها والدخول إذا وجدت بغير استئذان.
وكذا إذا جعل الرجل ذلك علامة بينه وبين خدمه، ومماليكه، وكبار أولاده، وأهله، فمتى أرخى حجابه فلا دخول عليه إلا باستئذان، فإذا رفعه جاز بلا استئذان. (النووي)

باب: كَراهَةُ أنْ يَقُولَ: أنا، عِنْدَ الاسْتِئْذانِ


٢٠٢٠. (خ م) (٢١٥٥) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: أتَيتُ النَّبِيَّ ﷺ فَدَعَوتُ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَن هَذا؟» قُلتُ: أنا، قالَ: فَخَرَجَ وهُوَ يَقُولُ: «أنا، أنا». وفي رواية زادَ: كَأنّهُ كَرِه ذَلكَ.
-فيه أنه إذا استأذن فقيل له من أنت؟ أو من هذا؟ كره أن يقول: أنا، لأنه لم يحصل بقوله (أنا) فائدة ولا زيادة، بل الإبهام باقٍ، بل ينبغي أن يقول: فلان، باسمه، أو كنيته، أو بما يتم التعريف به.
-قال العلماء: إذا استأذن أحد فقيل له من أنت أو من هذا كره أن يقول أنا لهذا الحديث. (النووي)
-في حديث جابر مشروعية دق الباب، ولم يقع في الحديث بيان هل كان بآلة أو بغير آلة. (ابن العربي)

باب: إنَّما جُعِلَ الإذْنُ مِن أجْلِ البَصَرِ


٢٠٢١. (خ م) (٢١٥٦) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السّاعِدِيِّ ﵁؛ أنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ فِي جُحرٍ فِي بابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، ومَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ مِدرىً يَحُكُّ بِهِ رَأسَهُ، فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ قالَ: «لَو أعلَمُ أنَّكَ تَنتَظِرنِي لَطَعَنتُ بِهِ فِي عَينِكَ». وقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّما جُعِلَ الإذنُ مِن أجلِ البَصَرِ».
٢٠٢٢. (٢١٥٨) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «لَو أنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ عَلَيكَ بِغَيرِ إذنٍ فَخَذَفتَهُ بِحَصاةٍ فَفَقَأتَ عَينَهُ ما كانَ عَلَيكَ مِن جُناحٍ».
-قال النووي: معناه أن الاستئذان مشروع ومأمور به، وإنما جعل لئلا يقع البصر على الحرم، فلا يحل لأحد أن ينظر في جحر باب ولا حفيرة مما هو متعرض فيه لوقوع بصره على امرأة أجنبية.
-ويستفاد أنه لا فرق بين أن يفقأ عينه بحصاة يحذفها، أو بمدرى أو بعصا مثلا يضرب بها عينه أو بأي شيء، وأنه لا فرق بين أن يطلّع من الباب أو أن يطلع من فوق الجدار؛ لعموم قوله (لَو أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ عَلَيكَ). (ابن عثيمين)
-ويؤخذ منه أنه يشرع الاستئذان على كل أحد حتى المحارم لئلا تكون منكشفة العورة. (ابن حجر)
-قال بعض العلماء: من الأدب أنك إذا وقفت عند الباب أن تجعل الباب على يمينك أو يسارك، حتى إذا جاء من يريد أن يفتح الباب لم تكن تنظر إلى البيت إلا بعد الفتح. (ابن عثيمين)
-وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد عن نافع: كان ابن عمر إذا بلغ بعض ولده الحلم لم يدخل عليه إلا بإذن.
ومن طريق موسى بن طلحة دخلت مع أبي على أمي فدخل واتبعته، فدفع في صدري، وقال: تدخل بغير إذن؟ (المباركفوري)

باب: مَن أتى مَجْلِسًا فَوَجَدَ فُرْجَةً فَلَهُ أنْ يَجْلِسَ فِيها


٢٠٢٣. (خ م) (٢١٧٦) عَنْ أبِي واقِدٍ اللَّيْثِيِّ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ بَينَما هُوَ جالِسٌ فِي المَسْجِدِ والنّاسُ مَعَهُ، إذ أقبَلَ نَفَرٌ ثَلاثَةٌ، فَأَقبَلَ اثنانِ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ وذَهَبَ واحِدٌ، قالَ: فَوَقَفا عَلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَأَمّا أحَدُهُما فَرَأى فُرجَةً فِي الحَلقَةِ فَجَلَسَ فِيها، وأَمّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلفَهُم، وأَمّا الثّالِثُ فَأَدبَرَ ذاهِبًا، فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ ﷺ قالَ: «ألا أُخبِرُكُم عَنِ النَّفَرِ الثَّلاثَةِ؟ أمّا أحَدُهُم فَأَوى إلى اللهِ فَآواهُ اللهُ، وأَمّا الآخَرُ فاستَحيا فاستَحيا اللهُ مِنهُ، وأَمّا الآخَرُ فَأَعرَضَ فَأَعرَضَ اللهُ عَنهُ».
-(فأوى إلى الله) لجأ إلى الله بدخوله مجلس ذكر الله أو دخل مكان رسوله ﷺ ومجمع أوليائه.
-(وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه) أي ترك المزاحمة والتخطي كما فعل رفيقه حياء من النبي ﷺ وممن حضر، أو استحيا من النبي ﷺ أن يعرض ويذهب كما فعل الآخر. 
(ابن حجر)
-(فأعرض) محمول على من ذهب معرضا لا لعذر
-" فأواه الله ": لأنه كان صادق النية في الجلوس مع النبي ﷺ فيسر الله له (ابن عثيمين)
- (فأواه الله، فاستحيا الله منه، فأعرض الله عنه): القول في الاستحياء والإعراض كالقول في سائر ما أثبته الله عز وجل لنفسه وأثبته له رسوله ﷺ من الصفات، والواجب في جميع ذلك هو الإثبات مع نفي مماثلة المخلوقات، وقد ورد في الحديث: "إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا" [أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه]. وفي ذكر الاستحياء والإعراض في هذا الحديث دليل على أن الجزاء من جنس العمل، وشواهده كثيرة. (البراك)
-فيه استحباب جلوس العالم لأصحابه وغيرهم في موضع ظاهر للناس، والمسجد أفضل، فيذاكرهم العلم والخير.
-فيه استحباب الأدب في مجالس العلم وفضل سد خلل الحلقة، كما ورد الترغيب في سد خلل الصفوف في الصلاة، وجواز التخطي لسد الخلل ما لم يؤذ، فإن خشي استحب الجلوس حيث ينتهي كما فعل الثاني. (ابن حجر)
-فيه الثناء على من زاحم في طلب الخير. (ابن حجر)
-فيه الثناء على المستحيي. (ابن حجر)
-أن ذكر الاستحياء والإعراض في هذا الحديث دليل على أن الجزاء من جنس العمل.
-فيه جواز الإخبار عن أهل المعاصي وأحوالهم للزجر عنها، وأن ذلك لا يعد من الغيبة. (ابن حجر)
-فيه استحباب التحليق في مجالس الذكر والعلم، وفضل ملازمة حلق العلم والذكر وجلوس العالم والمذكر في المسجد. (ابن حجر)
-فيه أن من سبق إلى موضع منها كان أحق به. (العيني)
-فيه أن من جلس إلى حلقة علم أنه في كنف الله تعالى وفي إيوائه، وهو ممن تضع له الملائكة أجنحتها. وقال ابن بطال: وكذلك يجب على العالم أن يُؤوي المتعلم؛ لقوله (فآواه الله). (العيني)
-فيه أن من أعرض عن مجالسة العالم فإن الله يعرض عنه، ومن أعرض الله عنه فقد تعرض لسخطه. (العيني)
-فيه استحباب القرب من الكبير في الحلقة ليسمع كلامه. (العيني)
-فيه استحباب الثناء على من فعل جميلا. (العيني)
-فيه أن الإنسان إذا فعل قبيحا أو مذموما وباح به جاز أن ينسب إليه. (العيني)
-فيه ابتداء العالم جلساءه بالعلم قبل أن يسأل عنه. (العيني)
-فيه إثبات صفة الحياء لله عزو جل كما يليق بجلال وجه، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل.

باب: الـنَّهْيُ أنْ يُقامَ الرَّجُلُ مِن مَجْلِسِهِ ويُجْلَسَ فِيهِ غَيْره


٢٠٢٤. (خ م) (٢١٧٧) عَنْ نافِعٍ؛ عَن ابْنِ عُمَرَ ﵄؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «لا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِن مَقعَدِهِ ثُمَّ يَجلِسُ فِيهِ، ولَكِن تَفَسَّحُوا وتَوَسَّعُوا». وفي رواية (م) زادَ: وكانَ ابنُ عُمَرَ إذا قامَ لَهُ رَجُلٌ عَن مَجلِسِهِ لَم يَجلِسْ فِيهِ.
ورَوى (م) عَن جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «لا يُقِيمَنَّ أحَدُكُم أخاهُ يَومَ الجُمُعَةِ ...» نَحوَ حَدِيثِ البابِ.
٢٠٢٥. (م) (٢١٧٩) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «مَن قامَ مِن مَجلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيهِ فَهُوَ أحَقُّ بِهِ».
- (لا يقيم الرجل الرجل من مقعده ثم يجلس فيه) هذا النهي للتحريم فمن سبق إلى موضع مباح في المسجد وغيره يوم الجمعة أو غيره لصلاة أو غيرها فهو أحق به، ويحرم على غيره إقامته لهذا الحديث، إلا أن أصحابنا استثنوا منه ما إذا ألف من المسجد موضعا يفتي فيه، أو يقرأ قرآنا أو غيره من العلوم الشرعية، فهو أحق به، وإذا حضر لم يكن لغيره أن يقعد فيه. وفي معناه من سبق إلى موضع من الشوارع ومقاعد الأسواق لمعاملة. (النووي)
-(وكان ابن عمر إذا قام له رجل عن مجلسه لم يجلس فيه) فهذا ورع منه، وليس قعوده فيه حراما إذا قام برضاه، لكنه تورع عنه لوجهين: أحدهما أنه ربما استحى منه إنسان فقام له من مجلسه من غير طيب قلبه، فسد ابن عمر الباب ليسلم من هذا.
والثاني: أن الإيثار بالقرب مكروه أو خلاف الأولى، فكان ابن عمر يمتنع من ذلك لئلا يرتكب أحد بسببه مكروها، أو خلاف الأولى بأن يتأخر عن موضعه من الصف الأول ويؤثره به وشبه ذلك.
-قال أصحابنا: وإنما يحمد الإيثار بحظوظ النفوس وأمور الدنيا دون القرب. (النووي)

باب: الـنَّهْيُ عَنْ مُناجاةِ الاثْنَينِ دُونَ الثّالِثِ


٢٠٢٦. (خ م) (٢١٨٤) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إذا كُنتُم ثَلاثَةً فَلا يَتَناجى اثنانِ دُونَ الآخَرِ حَتّى تَختَلِطُوا بِالنّاسِ، مِن أجلِ أن يُحزِنَهُ».
-النهي عن تناجي اثنين بحضرة الثالث، وكذا ثلاثة وأكثر بحضرة واحد، وهو نهي تحريم، فيحرم على الجماعة المناجاة دون واحد منهم إلا يأذن، ومذهب الجمهور على أن النهي عام في كل الأزمان وفي الحضر والسفر.
-(أجل أن يحزنه) لأنه قد يتوهم أن نجواهما إنما هي لسوء رأيهما فيه، أو لدسيسة غائلة له، وأرشد هذا التعليل إلى أن المُناجي إذا كان مما خصَّ أحدًا بمناجاته أحزن الباقين امتنع ذلك، إلا أن يكون في أمر مهم لا يقدح في الدين. (ابن حجر)
-وكلما كثر الجماعة مع الذي لا يناجى كان أبعد لحصول الحزن ووجود التهمة فيكون أولى. (ابن بطال)

باب: السَّلامُ عَلى الغِلْمانِ


٢٠٢٧. (خ م) (٢١٦٨) عَنْ سَيّارٍ قالَ: (كُنتُ أمشِي مَعَ ثابِتٍ البُنانِيِّ، فَمَرَّ بِصِبيانٍ فَسَلَّمَ عَلَيهِم)، وحَدَّثَ ثابِتٌ: أنَّهُ كانَ يَمشِي مَعَ أنَسٍ، فَمَرَّ بِصِبيانٍ فَسَلَّمَ عَلَيهِم، وحَدَّثَ أنَسٌ: أنَّهُ كانَ يَمشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَمَرَّ بِصِبيان فَسَلَّمَ عَلَيهِم.
-فيه استحباب السلام على الصبيان المميزين، والندب إلى التواضع، وبذل السلام للناس كلهم. (النووي)
- فيه بيان تواضعه ﷺ، وكمال شفقته على العالمين. (النووي)
-في السلام على الصبيان تدريبهم على آداب الشريعة. وفيه طرح الأكابر رداء الكبر وسلوك التواضع ولين الجانب. (ابن بطال)

باب: الرَّدُ عَلى أهْلِ الكِتابِ


٢٠٢٨. (خ م) (٢١٦٣) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «إذا سَلَّمَ عَلَيكُم أهلُ الكِتابِ فَقُولُوا: وعَلَيكُم».
٢٠٢٩. (خ م) (٢١٦٥) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: استَأذَنَ رَهطٌ مِن اليَهُودِ عَلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقالُوا: السّامُ عَلَيكُم. فَقالَت عائِشَةُ: بَل عَلَيكُم السّامُ واللَّعنَةُ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يا عائِشَةُ؛ إنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفقَ فِي الأَمرِ كُلِّهِ». قالَت: ألَم تَسمَع ما قالُوا؟ قالَ: «قَد قُلتُ: وعَلَيكُم». وفي رواية (م): «مَه يِا عائِشَةُ؛ فَإنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الفُحشَ والتَّفَحُّشَ». فَأَنزَلَ اللهُ ﷿: ﴿وإذا جاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ﴾ [المجادلة: ٨] إلى آخِرِ الآيَةِ.
ورَوى (م) عَن جابِرٍ، وفِيهِ: «بَلى، قَد سَمِعتُ، فَرَدَدتُ عَلَيهِم، وإنّا نُجابُ عَلَيهِم، ولا يُجابُونَ عَلَينا». رَوى (خ) مَعناهُ عَن عائِشَةَ ﵁، وفيه: قالَ: «مَهلًا يا عائِشَةُ؛ عَلَيكِ بِالرِّفقِ، وإيّاكِ والعُنفَ والفُحشَ».
ورَوى (خ): مَرَّ يَهُودِيٌّ بِرَسُولِ اللهِ ﷺ فَقالَ: السّامُ عَلَيكَ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «وعَلَيكَ» ... وفِيها: قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ؛ ألا نَقتُلُهُ؟ قالَ: «لا، إذا سَلَّمَ ...» مِثلَهُ.
٢٠٣٠. (م) (٢١٦٧) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «لا تَبدَأوا اليَهُودَ ولا النَّصارى بِالسَّلامِ، فَإذا لَقِيتُم أحَدَهُم فِي طَرِيقٍ فاضطَرُّوهُ إلى أضيَقِهِ».
-(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفقَ فِي الأَمرِ كُلِّهِ) الرفق هو لين الجانب بالقول والفعل، والأخذ بالسهل، والذي يظهر أن النبي ﷺ أراد أن لا يتعود لسانها بالفحش، أو أنكر عليها الإفراط في السبّ، وهذا من عظيم خلقه ﷺ وكمال حلمه.
-فيه الحث على الرفق والصبر والحلم وملاطفة الناس ما لم تدعُ حاجة إلى المخاشنة. (النووي)
-فيه استحباب تغافل أهل الفضل عن سَفَهِ المبطلين إذا لم تترتب عليه مفسدة، قال الشافعي رحمه الله: (الكيّس العاقل هو الفطن المتغافل).
-(وَإِنَّا نُجَابُ عَلَيهِم، وَلَا يُجَابُونَ عَلَينا) فيه أن الداعي إذا دعا بشيء ظلمًا فإن الله عزوجل لا يستجيب له، ولا يجد دعاؤه مَحلًّا في المدعو عليه، ويؤيده قوله تعالى: (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال).
-فيه مشروعية الدعاء على المشركين ولو خشي الداعي أنهم يدعون عليه. (ابن حجر)
-فيه حسن خلق النبي ﷺ وحلمه وحكمته ورحمته بالناس كافة.
-اتفق العلماء على الرد على أهل الكتاب إذا سلموا، لكن لا يقال لهم: وعليكم السلام، بل يقال: وعليكم، ويكون تقديره: وعليكم أيضًا، أي: نحن وأنتم فيه سواء، وكلنا نموت. (المباركفوري)
-(لا تَبدَأوا اليَهُودَ وَلا النَّصَارَى بِالسَّلامِ) استُدل به على أنه لا يُشرع للمسلم ابتداء الكافر بالسلام؛ لأنه بيَّن حكم الرد ولم يذكر حكم الابتداء.
-(وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه) لا يترك للذمي صدر الطريق، بل يضطر إلى أضيقه إذا كان المسلمون يطرقون، فإن خلت الطريق عن الزحمة فلا حرج، وليكن التضييق بحيث لا يقع في وهدة (حفرة)، ولا يصدمه جدار ونحوه. (النووي)

باب: فِـي البَدْءِ بِالأَكْبَرِ


٢٠٣١. (خ م) (٢٢٧١) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ﵄؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «أرانِي فِي المَنامِ أتَسَوَّكُ بِسِواك فَجَذَبَنِى رَجُلانِ أحَدُهُما أكبَرُ مِنَ الآخَرِ فَناوَلتُ السِّواك الأَصغَرَ مِنهُما فَقِيلَ لِي كَبِّر. فَدَفَعتُهُ إلى الأَكبَرِ».
-(فقيل لي) قائل ذلك له جبريل عليه السلام.
-فيه تقديم حق الأكابر من جماعة الحضور، وتبديته على من هو أصغر منه، وهو السنة أيضا في السلام، والتحية، والشراب، والطيب، ونحو ذلك من الأمور، وفي هذا المعنى تقديم ذي السن بالركوب وشبهه من الإرفاق. (القرطبي)
- فيه أن استعمال سواك الغير غير مكروه، إلا أن السنة فيه أن يغسله ثم يستعمله، وفيه ما يدل على فضيلة السواك. (القرطبي)
-قال المهلب: تقديم ذي السن أولى في كل شيء ما لم يترتب القوم في الجلوس، فإذا ترتبوا فالسنة تقديم ذي الأيمن فالأيمن.

باب: الإذْنُ لِلنِّساءِ فِـي الخُرُوجِ لِحاجَتِهِنَّ بِالحِجابِ


٢٠٣٢. (خ م) (٢١٧٠) عَنْ عائِشَةَ ﵂؛ أنَّ أزواجَ رَسُولِ اللهِ ﷺ كُنَّ يَخرُجنَ بِاللَّيلِ إذا تَبَرَّزنَ إلى المَناصِعِ، وهُوَ صَعِيدٌ أفيَحُ، وكانَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ يَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ: احجُب نِساءَكَ. فَلَم يَكُن رَسُولُ اللهِ ﷺ يَفعَلُ، فَخَرَجَت سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ ﷺ لَيلَةً مِن اللَّيالِي عِشاءً، وكانَت امرَأَةً طَوِيلَةً، فَناداها عُمَرُ: ألا قَد عَرَفناكِ يا سَودَةُ. حِرصًا عَلى أن يُنزَلَ الحِجابُ، قالَت عائِشَةُ: فَأَنزَلَ اللهُ ﷿ الحِجابَ. وفي رواية: فَدَخَلَت فَقالَت: يا رَسُولَ اللهِ؛ إنِّي خَرَجتُ فَقالَ لِي عُمَرُ كَذا وكَذا. قالَت: فَأُوحِيَ إلَيهِ، ثُمَّ رُفِعَ عَنهُ، وإنَّ العَرقَ فِي يَدِهِ ما وضَعَهُ، فَقالَ: «إنَّهُ قَد أُذِنَ لَكُنَّ أن تَخرُجنَ لِحاجَتِكُنَّ».
-(احجُب نِسَاءَكَ) أي امنعهن من الخروج من بيوتهن، ويحتمل أن يكون أراد أولا الأمر بستر وجوههن، فلما وقع الأمر بوفق ما أراد أحب أيضًا أن يحجب أشخاصهن مبالغة في الستر فلم يُجَب لأجل الضرورة. (ابن حجر)
-فيه تنبيه أهل الفضل والكبار على مصالحهم ونصيحتهم، وتكرار ذلك عليهم. (النووي)
-فيه جواز خروج المرأة من بيت زوجها لقضاء حاجة الإنسان إلى الموضع المعتاد لذلك بغير استئذان الزوج؛ لأنه مما أذن فيه الشرع. (النووي)
-(فَأَنزَلَ اللهُ عز وجل الحِجَابَ) ورد أن سبب نزولها قصة زينب بنت جحش رضي الله عنها كما في الصحيحين من حديث أنس ، ويجمع بينه وبين هذا الحديث أن عمر حرص على ذلك حتى قال لسودة ما قال، فاتفقت القصة للذين قعدوا في البيت في زواج زينب رضي الله عنها فنزلت الآية، فكان كلٌّ من الأمرين سببًا لنزولها، وهذا من موافقات عمر رضي .
-(إِنِّي خَرَجتُ فَقَالَ لِي عُمَرُ كَذَا وَكَذَا) وذلك بعد نزول آية الحجاب وقد كان في قلب عمر نفرة من اطلاع الأجانب على نساء النبي ﷺ فأراد ألا يبدين أشخاصهن أصلا ولو كن مستترات، فبالغ في ذلك، فمُنع منه، وأُذن لهن في الخروج لحاجتهن دفعًا للمشقة ورفعًا للحرج.
-فيه جواز كلام الرجال مع النساء في الطرق للضرورة. (ابن حجر)
-جواز الإغلاظ في القول لمن يقصد الخير. (ابن حجر)
-(إِنَّهُ قَد أُذِنَ لَكُنَّ أَن تَخرُجنَ لِحَاجَتِكُنَّ) فيه أن النبي ﷺ كان ينتظر الوحي في الأمور الشرعية، لأنه لم يأمرهن بالحجاب مع وضوح الحاجة إليه حتى نزلت الآية وكذا في إذنه لهن بالخروج. (ابن حجر)

٢٠٣٣. (خ م) (٢١٨٢) عَنْ أسْماءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ ﵄ قالَت: تَزَوَّجَنِي الزُّبَيرُ وما لَهُ فِي الأَرضِ مِن مالٍ ولا مَملُوكٍ ولا شَيءٍ غَيرَ فَرَسِهِ، قالَت: فَكُنتُ أعلِفُ فَرَسَهُ، وأَكفِيهِ مَؤُونَتَهُ وأَسُوسُهُ، وأَدُقُّ النَّوى لِناضِحِهِ وأَعلِفُهُ، وأَستَقي الماءَ، وأَخرُزُ غَربَهُ، وأَعجِنُ، ولَم أكُن أُحسِنُ أخبِزُ، وكانَ يَخبِزُ لِي جاراتٌ مِن الأَنصارِ، وكُنَّ نِسوَةَ صِدقٍ، قالَت: وكُنتُ أنقُلُ النَّوى مِن أرضِ الزُّبَيرِ الَّتِي أقطَعَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلى رَأسِي، وهِيَ عَلى ثُلُثَي فَرسَخٍ، قالَت: فَجِئتُ يَومًا والنَّوى عَلى رَأسِي، فَلَقِيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ ومَعَهُ نَفَرٌ مِن أصحابِهِ، فَدَعانِي ثُمَّ قالَ: «إخ، إخ»، لِيَحمِلَنِي خَلفَهُ، قالَت: فاستَحيَيتُ، وعَرَفتُ غَيرَتَكَ، فَقالَ: واللهِ؛ لَحَملُكِ النَّوى عَلى رَأسِكِ أشَدُّ مِن رُكُوبِكِ مَعَهُ. قالَت: حَتّى أرسَلَ إلَيَّ أبُو بَكرٍ بَعدَ ذَلكَ بِخادِمٍ فَكَفَتنِي سِياسَةَ الفَرَسِ، فَكَأَنَّما (أعتَقَتنِي). لَفظُ (خ): أعتَقَنِي. زادَ (خ): غَيرَ ناضِحٍ وغَيرَ فَرَسِهِ ... وفِيها: فاسْتَحْييتُ أن أسِيرَ مَعَ الرِّجالِ، وذَكَرتُ الزُّبيرَ وغَيْرَتَهُ، وكانَ أغْيَرَ النّاسِ، فَعَرَف رَسُولُ اللهِ ﷺ أني قَد استَحيَيتُ فَمَضى، فَجِئتُ الزُّبَيرَ فَقُلتُ ...
وفي رواية (م) عَنها؛ قالَت: كُنتُ أخْدُمُ الزُّبَيرَ خِدمَةَ البَيتِ ... نَحوَهُ، وفِيها: فَجاءَنِي رَجُلٌ فَقالَ: يا أُمَّ عَبدِ اللهِ؛ إني رَجُلٌ فَقِيرٌ، أرَدتُ أن أبِيعَ فِي ظِلِّ دارِكِ. قالَت: إنِّي إن رخَّصْتُ لَكَ أبى ذاكَ الزُّبيرُ، فَتَعالَ فاطلُب إليَّ والزُّبيرُ شاهِدٌ، فَجاءَ فَقالَ: يا أُمَّ عَبدِ اللهِ؛ إني رَجُلٌ فَقِيرٌ، أرَدْتُ أن أبِيعَ فِي ظِلِّ دارِكِ. فَقالَت: مالَكَ بِالمَدِينَةِ إلا دارِي؟ فَقالَ لَها الزُّبيرُ: مالَكَ أن تَمنَعِي رَجُلًا فَقِيرًا يَبِيعُ؟ فَكانَ يَبيعُ إلى أن كَسَبَ، فَبِعتُهُ الجارِيَةَ، فَدَخَلَ عَلَيَّ الزُّبيرُ وثَمنُها فِي حَجْرِي، فَقالَ: هَبِيها لِي. قالَت: إنِّي قَد تَصَدَّقتُ بِها.
ورَوى (خ) -مُعَلَّقًا- عَن عُروَةَ؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ أقْطَعَ الزُّبيرَ أرضًا مِن أموالِ بَنِي النَّضِيرِ.
-(وَكُنتُ أَنقُلُ النَّوَى مِن أَرضِ الزُّبَيرِ...) وكان الحامل على الصبر على ذلك شغل زوجها وأبيها بالجهاد وغيره مما يأمرهم به النبي ﷺ ويقيمهم فيه، وكانوا لا يتفرغون للقيام بأمور البيت بأنفسهم، ولضيق ما بأيديهم على استخدام من يقوم بذلك عنهم، فانحصر الأمر في نسائهم، فكن يكفيهم مؤونة المنزل ومن فيه، ليتفرغوا هم لنصرة الإسلام.
-(وَكُنتُ أَنقُلُ النَّوَى مِن أَرضِ الزُّبَيرِ...) أشار القاضي إلى أن معناه أنها تلتقطه من النوى الساقط فيها مما أكله الناس وألقوه، قال: ففيه جواز التقاط المطروحات رغبة عنها كالنوى، والسنابل، وخرق المزابل، وسقاطتها، وما يطرحه الناس من رديء المتاع، ورديء الخضر، وغيرها مما يعرف أنهم تركوه رغبة عنه، فكل هذا يحل التقاطه، ويملكه الملتقط، وقد لقطه الصالحون وأهل الورع، ورأوه من الحلال المحض، وارتضوه لأكلهم ولباسهم. (النووي)
-فيه ما كان عليه النبي ﷺ من الشفقة على المؤمنين والمؤمنات ورحمتهم ومواساتهم فيما أمكنه. (النووي)
-فيه فضيلة أسماء رضي الله عنها وحيائها، ومراعاتها لزوجها واجتنابها ما يكره حتى في غيبته.
-(لَحَملُكِ النَّوَى عَلَى رَأسِكِ أَشَدُّ مِن رُكُوبِكِ مَعَهُ) فيه شفقة الزبير على زوجته، لأنه فضّل ركوبها على حملها النوى، على الرغم من شدة غيرته.
-(أَرسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكرٍ بَعدَ ذَلكَ بِخَادِمٍ فَكَفَتنِي سِيَاسَةَ الفَرَسِ) أي: جارية تخدمني، يُقال للذكر والأنثى: خادم. (النووي)
-(يَا أُمَّ عَبدِ اللهِ؛ إِني رَجُلٌ فَقِيرٌ، أَرَدتُ أَن أَبِيْعَ فِي ظِلِّ دَارِكِ...) فيه حسن الملاطفة في تحصيل المصالح ومداراة أخلاق الناس في تتميم ذلك. (النووي)
-فيه دليل لجواز إقطاع الإمام. (النووي)
-فيه أن على المرأة القيام بخدمة ما يحتاج إليه زوجها ويؤيده قصة فاطمة وشكواها ما تلقى من الرحى والجمهور على أنها متطوعة بذلك أو يختلف باختلاف عوائد البلاد. (القسطلاني)
-فيه ما كان عليه الصحابة من ضيق العيش وقلة ذات اليد. (موسى شاهين)
-ومن بيعها الجارية بدون علمه دليل على أن للزوجة أن تتصرف في مالها وأملاكها، دون علم زوجها، وقد يقال: إنها كانت مأذوناً لها إذناً عاماً. (موسى شاهين)

٢٠٣٤. (خ م) (٢١٧٥) عَن صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ قالَت: كانَ النَّبِيُّ ﷺ مُعتَكِفًا، فَأَتَيتُهُ أزُورُهُ لَيلًا، فَحَدَّثتُهُ، ثُمَّ قُمتُ لأَنقَلِبَ فَقامَ مَعِيَ لِيَقلِبَنِي، وكانَ مَسكَنُها فِي دارِ أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَمَرَّ رَجُلانِ مِن الأَنصارِ، فَلَمّا رَأَيا النَّبِيَّ ﷺ أسرَعا، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «عَلى رِسلِكُما؛ إنَّها صَفِيَّةُ بِنتُ حُيَيٍّ». فَقالا: سُبحانَ اللهِ يا رَسُولَ اللهِ. قالَ: «إنَّ الشَّيطانَ يَجرِي مِن الإنسانِ مَجرى الدَّمِ، وإنِّي خَشِيتُ أن يَقذِفَ فِي قُلُوبِكُما (شَرًّا»، أو قالَ: شَيئًا). لَفظُ (خ): «سُوءًا». وفي رواية: فِي العَشرِ الأَواخِرِ مِن رَمضانَ، فَتَحَدَّثَتْ عِندَهُ ساعَةً ... وفِيها: «... يَبلُغُ مِن الإنسانِ مَبْلَغَ الدَّمِ».
وفي رواية (خ): كانَ النَّبِيُّ ﷺ فِي المَسْجِدِ وعِندَهُ أزواجُهُ، فَرُحْنَ، فَقالَ لِصَفِيَّةَ بِنتِ حُيَيٍّ: «لا تَعْجَلَي حَتّى أنصَرِفَ مَعَكَ».
-في رواية وكان بيتها في دار أسامة بن زيد أي الدار التي صارت بعد ذلك لأسامة بن زيد، لأن أسامة إذ ذاك لم يكن له دار مستقلة، بحيث تسكن فيها صفية.
-(على رسلكما إنها صفية) فيه كمال شفقة النبي ﷺ على أمته ومراعاته لمصالحهم وصيانة قلوبهم وجوارحهم (وكان بالمؤمنين رحيما) فخاف أن يلقي الشيطان في قلوبهما فيهلكا، فإن ظنّ السوء بالأنبياء كفر بالإجماع. (النووي)
-فيه استحباب التحرز من التعرض لسوء ظن الناس في الإنسان وطلب السلامة، والاعتذار بالأعذار الصحيحة. (النووي)
-فيه دليل على خطأ من يتظاهر بمظاهر السوء، ويعتذر بأن إسقاط جاهه عند الناس فيه تفويت حظوظ النفس، وسلامتها من الرياء والعجب، وغير ذلك من التُرَّهات.
-(إِنَّ الشَّيطَانَ يَجرِي مِن الإِنسَانِ مَجرَى الدَّمِ) يُحمل على ظاهره بأن الله تعالى جعل له قوة وقدرة على الجري قي باطن الإنسان ومجاري دمه. (النووي)
-فيه الاستعداد للتحفظ من مكايد الشيطان، فإنه يجري من الإنسان مجرى الدم ولا يفارقه، فيتأهب الإنسان للاحتراز من وساوسه وشرّه. (النووي)
-(لا تَعْجَلَي حَتَّى أَنصَرِفَ مَعَكَ) الذي يظهر أن اختصاص صفية بذلك لكون مجيئها تأخر عن رفقتها فأمرها بتأخير التوجه ليحصل لها التساوي في مدة جلوسهن عنده، أو أن بيوت رفقتها كانت أقرب من منزلها فخشي النبي ﷺ عليها، أو كان مشغولا فأمرها بالتأخر ليفرغ من شغله ويَشيعها، وروى عبد الرزاق: (فذهب معها حتى أدخلها بيتها). (ابن حجر)
-فيه زيارة المرأة زوجها المعتكف في ليل أو نهار بلا كراهة إلا إذا خشي الوقوع فيما يفسد اعتكافه، فيُمنع سدًا للذريعة.
-فيه جواز اشتغال المعتكف بالأمور المباحة من الحديث مع زائر والقيام معه. (العيني)
-فيه إضافة بيوت أزواج النبي ﷺ إليهن. (ابن حجر)
-فيه أدب القوم مع الكبير، ونفي الشبهة عنه، والاعتذار إليه بالأعذار الصحيحة، وقول: سبحان الله عند التعجب. (موسى شاهين)

باب: نَهْيُ الرَّجُلِ عَنِ الدُّخُولِ عَلى امْرَأَةٍ غَيْرِ ذاتِ مَحْرَمٍ


٢٠٣٥. (خ م) (٢١٧٢) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «إيّاكُم والدُّخُولَ عَلى النِّساءِ». فَقالَ رَجُلٌ مِن الأَنصارِ: يا رَسُولَ اللهِ؛ أفَرَأَيتَ الحَموَ؟ قالَ: «الحَموُ المَوتُ». وفي رواية (م): عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ يَقُولُ: الحَموُ أخُ الزَّوجِ وما أشبَهَهُ مِن أقارِبِ الزَّوجِ؛ ابنُ العَمِّ ونَحوُهُ.
٢٠٣٦. (م) (٢١٧١) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ألا لا يَبِيتَنَّ رَجُلٌ عِنْدَ امرَأَةٍ ثَيِّبٍ إلا أن يَكُونَ ناكِحًا أو ذا مَحرَمٍ».
٢٠٣٧. (م) (٢١٧٣) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ﵄؛ أنَّ نَفَرًا مِن بَنِي هاشِمٍ دَخَلُوا عَلى أسماءَ بِنتِ عُمَيسٍ، فَدَخَلَ أبُو بَكرٍ الصِّدِّيقُ وهِيَ تَحتَهُ يَومَئِذٍ، فَرَآهُم فَكَرِهَ ذَلكَ، فَذَكَرَ ذَلكَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ وقالَ: لَم أرَ إلا خَيرًا. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ اللهَ قَد بَرَّأَها مِن ذَلكَ». ثُمَّ قامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلى المِنبَرِ فَقالَ: «لا يَدخُلَنَّ رَجُلٌ بَعدَ يَومِي هَذا عَلى مُغِيبَةٍ إلا ومَعَهُ رَجُلٌ أوِ اثنانِ».
-(الحمو الموت) أي: الخوف منه أكثر من غيره، والشر يتوقع منه، والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه، بخلاف الأجنبي، ولأن عادة الناس جرت بالتساهل فيه، وهو أولى بالمنع من الأجنبي. (النووي)
-(عند امرأة ثيّب) قال العلماء: إنما خص الثيب لكونها التي يدخل إليها غالبا، وأما البكر فمصونة متصونة في العادة مجانبة للرجال أشد مجانبة، فلم يحتج إلى ذكرها، ولأنه من باب التنبيه؛ لأنه إذا نهي عن الثيب التي يتساهل الناس في الدخول عليها في العادة، فالبكر أولى.
-فيه تحريم الخلوة بالأجنبية، وإباحة الخلوة بمحارمها، وهذان الأمران مجمع عليهما. (النووي)
-(إِلا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوِ اثنَانِ) إنَّما اقتصر على ذكر الرَّجل والرَّجلين لصلاحية أولئك القوم؛ لأنَّ التهمة كانت ترتفع بذلك القدر، فأما اليوم: فلا يكتفى بذلك القدر، بل بالجماعة الكثيرة لعموم المفاسد. (القرطبي)

باب: إذا لَمْ تَسْتَحِ فاصْنَعْ ما شِئْتَ


٢٠٣٨. (خ) (٦١٢٠) عَنْ أبِي مَسْعُودٍ ﵁ قالَ: قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إنَّ مِمّا أدرَكَ النّاسُ مِن كَلامِ النُّبُوَّةِ الأُولى: إذا لَم تَستَحِ فاصنَع ما شِئتَ».
-(إن مما أدرك الناس من كلام النبوة) أي: مما بلغ الناس، مما اتفق عليه الأنبياء. (ابن حجر)
-معناه أن الحياء لم يزل أمره ثابتا واستعماله واجبا منذ زمان النبوة الأولى فإنه ما من نبي إلا وقد ندب إلى الحياء وبعث عليه، وإنه لم ينسخ فيما نسخ من شرائعهم، وذلك أنه أمر قد علم صوابه وبان فضله، واتفقت العقول على حسنه، وما كانت هذه صفته لم يجر عليه النسخ والتبديل. (الخطابي)
-(فاصنع ما شئت) فيه أقاويل:
أحدها: أن معناه الخبر، وإن كان لفظه لفظ الأمر، كأنه يقول: إذا لم يمنعك الحياء فعلت ما شئت، مما تدعوك إليه نفسك من القبيح.
وثانيها: أن معناه الوعيد، كقوله تعالى: {اعملوا ما شئتم} أي: اصنع ما شئت فإن الله يجازيك.
-وثالثها: معناه ينبغي أن تنظر إلى ما تريد أن تفعله، فإن كان ذلك مما لا يستحيى منه فافعله، وإن كان مما يستحيى منه فدعه. (العظيم آبادي)

باب: الزَّجْرُ عَنْ دُخُولِ الـمُخَنَّثِينَ عَلى النِّساءِ


٢٠٣٩. (خ م) (٢١٨٠) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ﵂؛ أنَّ مُخَنَّثًا كانَ عِندَها، ورَسُولُ اللهِ ﷺ فِي البَيتِ، فَقالَ لأَخِي أُمِّ سَلَمَةَ: يا عَبدَ اللهِ بنَ أبِي أُمَيَّةَ؛ إن فَتَحَ اللهُ عَلَيكُم الطّائِفَ غَدًا فَإنِّي أدُلُّكَ عَلى بِنتِ غَيلانَ، فَإنَّها تُقبِلُ بِأَربَعٍ وتُدبِرُ بِثَمانٍ. قالَ: فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَقالَ: «لا يَدخُل هَؤُلاءِ عَلَيكُم».
-(أَنَّ مُخَنَّثًا كَانَ عِندَهَا، وَرَسُولُ اللهِ ﷺ فِي البَيتِ) ولمسلم من حديث عائشة رضي الله عنها وفيه: (كانوا يعدونه من غير أولي الإربة) وفيه بيان سبب دخوله عليهن وهو اعتقادهن أنه ممن لا حاجة له في النساء ولا ينتبه لمحاسنهن، وأنه مباح دخوله عليهن.
-(تُقبل بأربع وتدبر بثمان) معناه أن أعكانها – جمع عكْنَة: وهي الطيُّ في البطن من السّمن- ينعطف بعضها على بعض، وهي في بطنها أربع طرائق، وتبلغ أطرافها إلى خاصرتها في كل جانب أربع، وحاصله أنه وصفها بأنها مملوءة البدن، وقد جرت عادة الرجال غالبًا في الرغبة فيمن تكون بتلك الصفة.
-(لا يدخل هؤلاء عليكم) إشارة إلى جميع المخنثين لما رأى من وصفهم للنساء، ومعرفتهم ما يعرفه الرجال منهن. (النووي)
-(لا يدخل هؤلاء عليكن) وزاد أبو داود من حديث عائشة: (وأخرجه، فكان بالبيداء يدخل كل يوم جمعة يستطعم) وفيه تعزير من يتشبه بالنساء بالإخراج من البيوت والنفي إذا تعيَّن ذلك طريقًا لردعه، وظاهر الأمر وجوب ذلك، وتشبه النساء بالرجال والرجال بالنساء من قاصدٍ مختار حرام اتفاقًا، وقد ورد اللعن في من فعل ذلك.
-فيه مشروعية إخراج كل من يحصل به التأذي للناس عن مكانه إلى أن يرجع عن ذلك أو يتوب.
-قال النووي: قال العلماء: المخنث ضربان:
أحدهما: من خلق كذلك، ولم يتكلف التخلق بأخلاق النساء، وزيهن، وكلامهن، وحركاتهن، بل هو خلقة خلقه الله عليها، فهذا لا ذم عليه، ولا عتب، ولا إثم ولا عقوبة؛ لأنه معذور لا صنع له في ذلك، ولهذا لم ينكر النبي ﷺ أولا دخوله على النساء، ولا خلقه الذي هو عليه حين كان من أصل خلقته، وإنما أنكر عليه بعد ذلك معرفته لأوصاف النساء، ولم ينكر صفته وكونه مخنثا.
-الضرب الثاني: من المخنث هو من لم يكن له ذلك خلقة، بل يتكلف أخلاق النساء وحركاتهن وهيئاتهن وكلامهن، ويتزيا بزيهن، فهذا هو المذموم الذي جاء في الأحاديث الصحيحة لعنه، وهو بمعنى الحديث الآخر (لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين بالنساء من الرجال) وأما الضرب الأول فليس بملعون، ولو كان ملعونا لما أقره أولا. والله أعلم.

باب: إطْفاءُ النّارِ عِنْدَ النَّوْمِ


٢٠٤٠. (خ م) (٢٠١٦) عَنْ أبِي مُوسى ﵁ قالَ: احتَرَقَ بَيتٌ عَلى أهلِهِ بِالمَدِينَةِ مِن اللَّيلِ، فَلَمّا حُدِّثَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِشَأنِهِم قالَ: «إنَّ هَذِهِ النّارَ إنَّما هِيَ عَدُوٌّ لَكُم، فَإذا نِمتُم فَأَطفِئُوها عَنكُم».
-فيه أن الواحد إذا بات ببيت ليس فيه غيره وفيه نار فعليه أن يطفئها قبل نومه أو يفعل بها ما يؤمن معه الاحتراق، وكذا إن كان في البيت جماعة فإنه يتعين على بعضهم وأحقهم بذلك آخرهم نوما فمن فرط في ذلك كان للسنة مخالفا ولأدائها تاركا. (القرطبي)
-(إِنَّ هَذِهِ النَّارَ إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُم) هكذا أورده بصيغة الحصر مبالغة في تأكيد ذلك، قال ابن العربي: ومعنى العداوة فيها أنها تنافي أبداننا وأموالنا منافاة العدو، وإن كان لنا بها منفعة، لكن لا تحصل لنا منها إلا بواسطة، فأطلق أنها عدو لنا؛ لوجود معنى العداوة فيها.
-قال العيني: أي إذا ظفرت بنا في أي وقت كانت وأي مكان، كانت تحرقنا ولا تطلقنا.
-(فَإِذَا نِمتُم فَأَطفِئُوهَا عَنكُم) وهذا عام تدخل فيه تدخل فيه نار السراج وغيرها، وأما القناديل المعلقة في المساجد ونحوها، فالظاهر لا بأس بها لانتفاء العلة، وهي خشية الإحراق، فإذا انتفت العلة زال المانع.

باب: كَراهَةُ أنْ يَسِيرَ بِلَيْلٍ وحْدَهُ


٢٠٤١. (خ) (٢٩٩٨) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «لَو يَعلَمُ النّاسُ ما فِي الوَحدَةِ ما أعلَمُ ما سارَ راكِبٌ بِلَيلٍ وحدَهُ».
- (ما أعلم) أي: الذي أعلمه من الآفات التي تحصل من ذلك. (ابن حجر)
- وكان من حق الظاهر أن يقال: ما سار أحد وحده، فقيّده بالراكب والليل؛ لأن الخطر بالليل أكثر، فإن انبعاث الشر فيه أكثر والتحرز منه أصعب، ومنه قولهم: الليل أخفى للويل، وقولهم: أعذر الليل لأنه إذا أظلم كثر فيه العذر لا سيما إذا كان راكبا فإن له خوف ووجل المركوب من النفور من أدنى شيء والتهوي في الوحدة بخلاف الراجل. (الطيبي)
- التقييد بالراكب ليفيد أن الراجل ممنوع بطريق الأولى، ولئلا يتوهم أن الوحدة لا تطلق على الراكب كما لا يخفى. (الملا علي قاري)
- السير لمصلحة الحرب أخص من السفر، والخبر ورد في السفر، فيؤخذ من حديث جابر جواز السفر منفردًا للضرورة والمصلحة التي لا تنتظم إلا بالانفراد، كإرسال الجاسوس والطليعة والكراهة لما عدا ذلك، ويحتمل أن تكون حالة الجواز مقيدة بالحاجة عند الأمن، وحالة المنع مقيدة بالخوف حيث لا ضرورة. (ابن المنير)

١ س١) ما حكم وصل الشعر والوشم؟

٥/٠