كِتابُ الرُّقى


باب: سِحْرُ اليَهُودِ النَّبِيَّ ﷺ


٢٠٤٢. (خ م) (٢١٨٩) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: سَحَرَ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَهُودِيٌّ مِن يَهُودِ بَنِي زُرَيقٍ، يُقالُ لَهُ: لَبِيدُ بنُ الأَعصَمِ، قالَت: حَتّى كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُخَيَّلُ إلَيهِ أنَّهُ يَفعَلُ الشَّيءَ وما يَفعَلُهُ، حَتّى إذا كانَ ذاتَ يَومٍ أو ذاتَ لَيلَةٍ دَعا رَسُولُ اللهِ ﷺ، ثُمَّ دَعا، ثُمَّ دَعا، ثُمَّ قالَ: «يا عائِشَةُ؛ أشَعَرتِ أنَّ اللهَ أفتانِي فِيما استَفتَيتُهُ فِيهِ، جاءَنِي رَجُلانِ، فَقَعَدَ أحَدُهُما عِنْدَ رَأسِي، والآخَرُ عِنْدَ رِجلَيَّ، فَقالَ الَّذِي عِنْدَ رَأسِي لِلَّذِي عِنْدَ رِجلَيَّ أو الَّذِي عِنْدَ رِجلَيَّ لِلَّذِي عِنْدَ رَأسِي: ما وجَعُ الرَّجُلِ؟ قالَ: مَطبُوبٌ. قالَ: مَن طَبَّهُ؟ قالَ: لَبِيدُ بنُ الأَعصَمِ. قالَ: فِي أيِّ شَيءٍ؟ قالَ: فِي مُشطٍ ومُشاطَةٍ، قالَ: وجُفِّ طَلعَةِ ذَكَرٍ. قالَ: فَأَينَ هُوَ؟ قالَ: فِي بِئرِ ذِي أروانَ». قالَت: فَأَتاها رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي أُناسٍ مِن أصحابِهِ، ثُمَّ قالَ: «يا عائِشَةُ؛ واللهِ لَكَأَنَّ ماءَها نُقاعَةُ الحِنّاءِ، ولَكَأَنَّ نَخلَها رُؤُوسُ الشَّياطِينِ». قالَت: فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ (أفَلا أحرَقتَهُ؟) قالَ: «لا، أمّا أنا فَقَد عافانِي اللهُ، وكَرِهتُ أن أُثِيرَ عَلى النّاسِ شَرًّا، فَأَمَرتُ بِها فَدُفِنَت». لَفظُ (خ): أفَلا استَخرَجتَهُ.
وفي رواية (خ): قالَت: مَكَثَ النَّبِيُّ ﷺ كَذا وكَذا يُخَيَّلُ إلَيهِ أنَّهُ يَأتِي أهلَهُ ولا يَأتِي ... وفِيها: قالَت عائِشَةُ: فَقُلتُ يا رَسُولَ اللَّهِ؛ فَهَلّا -تَعنِي تَنَشَّرتَ-؟ فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أمّا اللَّهُ فَقَد شَفانِي ...». وفي رواية (خ): ... ولا يَأتِيهِنَّ، قالَ سُفيانُ: وهَذا أشَدُّ ما يَكُونُ مِن السِّحرِ، إذا كانَ كَذا ... وفِيها: قالَ: ومَن طَبَّهُ؟ قالَ: لَبِيدُ بْنُ أعْصَمَ -رَجُلٌ مِن بَنِي زُرَيقٍ، حَلِيفٌ لِيَهُودَ كانَ مُنافِقًا- ... وفي رواية (خ): اليَهُودِي. وفي رواية (خ): وذَرْوانُ بِئرٌ فِي بَنِي زُرَيقٍ.
-وفيه: أن آثار الفعل الحرام يجب إزالتها. (العيني)
-إنما قيل للسحر طب؛ لأن أصل الطب الحذف بالشيء والتفطن له فلما كان كلٌّ من علاج المرض والسحر إنما يتأتى عن فطنة وحذق أطلق على كلٍّ منهما هذا الاسم. (القرطبي)
-بنى النبي -ﷺ- الأمر أولاً على أنه مرض وأنه عن مادة سالت إلى الدماغ وغلبت على البطن المقدم منه فغيرت مزاجه فرأى الحجامة لذلك مناسبة، فلما أوحي إليه أنه سحر عدل إلى العلاج المناسب له وهو استخراجه، قال: ويحتمل أن مادة السحر انتهت إلى إحدى قوى الرأس حتى صار يخيل إليه ما ذكر، فإن السحر قد يكون من تأثير الأرواح الخبيثة، وقد يكون من انفعال الطبيعة وهو أشد السحر، واستعمال الحجم لهذا الثاني نافع لأنه إذا هيج الأخلاط وظهر أثره في عضو كان استفراغ المادة الخبيثة نافعًا في ذلك. (ابن القيم)
- سلك النبي -ﷺ- في هذه القصة مسلكي التوكل، وتعاطي الأسباب ففي أول الأمر فوّض وأسلم لأمر ربه، واحتسب الأجر في صبره على بلائه، ثم لما تمادى ذلك وخشي من تماديه أن يضعفه عن فنون عبادته جنح إلى التداوي، ثم إلى الدعاء، وكلٌّ من المقامين غاية في الكمال. (ابن حجر)

باب: رُقْيَةُ جِبْرِيلَ النَّبيَّ ﷺ


(م) (٢١٨٥) عَنْ عائِشَةَ ﵂ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ قالَت: كانَ إذا اشتَكى رَسُولُ اللهِ ﷺ رَقاهُ جِبرِيلُ، قالَ: «بِاسمِ اللهِ يُبرِيكَ، ومِن كُلِّ داءٍ يَشفِيكَ، ومِن شَرِّ حاسِدٍ إذا حَسَدَ وشَرِّ كُلِّ ذِي عَينٍ».
-قوله: (إن جبريل رقى النبي ﷺ) ذكر الأحاديث بعده في الرقى، وفي الحديث الآخر في الذين يدخلون الجنة بغير حساب: "لا يرقون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون"، فقد يظن مخالفا لهذه الأحاديث، ولا مخالفة، بل المدح في ترك الرقى المراد بها الرقى التي هي من كلام الكفار، والرقى المجهولة، والتي بغير العربية، وما لا يعرف معناها، فهذه مذمومة لاحتمال أن معناها كفر، أو قريب منه، أو مكروه. (النووي)
-أما الرقى بآيات القرآن، وبالأذكار المعروفة، فلا نهي فيه، بل هو سنة. (النووي)
-مشروعية قبول الرقية ممن عرضها، فقد قبل النبي ﷺ الرقية من جبريل عليه السلام؛ لأن الأمر والفضل لكلام الله وذكره جل وعلاه.
-استحباب ذكر الله عز وجل على كل ما تعجب به النفس والدعاء بالبركة، سواء كان ذلك في الإنسان نفسه، أو أهله، أو من حوله، وهذا من التواصي على الخير.

٢٠٤٣. (م) (٢١٨٦) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁؛ أنَّ جِبرِيلَ أتى النَّبِيَّ ﷺ فَقالَ: يا مُحَمَّدُ؛ اشتَكَيتَ؟ فَقالَ: «نَعَم». فَقالَ: «بِاسمِ اللهِ أرقِيكَ مِن كُلِّ شَيءٍ يُؤذِيكَ، مِن شَرِّ كُلِّ نَفسٍ أو عَينِ حاسِدٍ، اللهُ يَشفِيكَ، بِاسمِ اللهِ أرقِيكَ».
- ذكر بسم الله أرقيك في الأول وتكرارها في الآخر، يعرف في البديع بالاحتباك، وهو عود العجز على الصدر، وجملة يؤذيك صفة الشيء، والجار والمجرور من كل شيء من شر نفس يصح أن يتعلق بيشفيك، أو بأرقيك. (موسى لاشين)
- وتكرير بسم الله أرقيك توكيد الرقية وتكريرها، وتكرير الدعاء. (موسى لاشين)

باب: «لا بَأْسَ بِالرُّقى ما لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ»


٢٠٤٤. (م) (٢١٩٩) عَنْ جابِرٍ ﵁ قالَ: أرخَصَ النَّبِيُّ ﷺ فِي رُقيَةِ الحَيَّةِ لِبَنِي عَمْرٍو، وقالَ: لَدَغَت رَجُلًا مِنّا عَقرَبٌ ونَحنُ جُلُوسٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللهِ؛ أرقِي؟ قالَ: «مَنِ استَطاعَ مِنكُم أن يَنفَعَ أخاهُ فَليَفعَل».
وفي رواية: عنه قالَ: كانَ لِي خالٌ يَرقِي مِنَ العَقرَبِ، فَنَهى رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنِ الرُّقى، قال: فَأَتاهُ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ إنَّكَ نَهَيتَ عَنِ الرُّقى وأَنا أرقِي مِنَ العَقرَبِ؟ فَقالَ: «مَنِ استَطاعَ مِنكُم أن يَنفَعَ أخاهُ فَليَفعَل».
وفي رواية: فَجاءَ آلُ عَمرِو بْنِ حَزمٍ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقالُوا: يا رَسُولَ اللهِ؛ إنَّهُ كانَت عِندَنا رُقيَةٌ نَرقِي بِها مِنَ العَقرَبِ، وإنَّكَ نَهَيتَ عَنِ الرُّقى. قالَ: فَعَرَضُوها عَلَيهِ، فَقالَ: «ما أرى بَأسًا، مَنِ استَطاعَ ...».
٢٠٤٥. (م) (٢٢٠٠) عَنْ عَوْفِ بْنِ مالِكٍ الأَشْجَعِيِّ ﵁ قالَ: كُنّا نَرقِي فِي الجاهِلِيَّةِ، فَقُلنا: يا رَسُولَ اللهِ؛ كَيفَ تَرى في ذَلكَ؟ فَقالَ: «اعرِضُوا عَلَيَّ رُقاكُم، لا بَأسَ بِالرُّقى ما لَم يَكُن فِيهِ شِركٌ».
- وفيه إشارة إلى أنه كان منهيا عنه، ثم رخص بعده، وقد جاء مصرحا في حديث جابر - رضي الله عنه. (محمد الإتيوبي)
- استحباب نفع الاخ لأخيه ما استطاع لذلك بأي نفع مشروع، في الحديث الصحيح: "من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه".
- مشروعية الرقية وأنها من الأمر المشروع في الإسلام التي لا تتضمن شركيات.
- خير الرقى ما كان بكتاب الله مما ورد في الأحاديث الصحيحة.

باب: القِراءَةُ عَلى الـمَرِيضِ بِالـمُعَوِّذاتِ


٢٠٤٦. (خ م) (٢١٩٢) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ (إذا مَرِضَ أحَدٌ مِن أهلِهِ) نَفَثَ عَلَيهِ بِالمُعَوذاتِ، فَلَمّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي ماتَ فِيهِ جَعَلتُ أنفُثُ عَلَيهِ، وأَمسَحُهُ بِيَدِ نَفسِهِ، لأَنَّها كانَت أعظَمَ بَرَكَةً مِن يَدِي. وفي رواية (م) هِيَ لَفظُ (خ): كانَ إذا اشتَكى نَفَثَ عَلى نَفسِهِ بِالمُعَوِّذاتِ، ومَسَحَ عَنهُ بِيَدِهِ. وفي رواية: كانَ إذا اشْتَكى يَقْرَأُ عَلى نَفْسِهِ بِالمُعَوِّذاتِ ويَنْفُثُ، فَلَمّا اشتَدَّ وجَعُهُ كُنتُ أقرَأُ عَلَيهِ، وأَمسَحُ عَنْهُ بِيَدِهِ رَجاءَ بَرَكَتِها.
وفي رواية (خ) عَن مَعمَرٍ؛ فَسَأَلتُ الزُّهرِيَّ: كَيفَ يَنْفُثُ؟ قالَ: كانَ يَنْفُثُ عَلى يَدَيهِ، ثُمَّ يَمسَحُ بِهِما وجْهَهُ.
-وفي هذا الحديث استحباب الرقية بالقرآن وبالأذكار، وإنما رقى بالمعوذات لأنهن جامعات للاستعاذة من كل المكروهات جملة وتفصيلا، ففيها الاستعاذة من شر ما خلق، فيدخل فيه كل شيء، ومن شر النفاثات في العقد، ومن شر السواحر، ومن شر الحاسدين، ومن شر الوسواس الخناس. (النووي)
-فيه استحباب النفث في الرقية، وقد أجمعوا على جوازه، واستحبه الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. (النووي)

باب: الرُّقْيَةُ بِأُمِّ القُرْآنِ


٢٠٤٧. (خ م) (٢٢٠١) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁؛ أنَّ ناسًا مِن أصحابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ كانُوا فِي سَفَرٍ، فَمَرُّوا بِحَيٍّ مِن أحياءِ العَرَبِ، فاستَضافُوهُم فَلَم يُضِيفُوهُم، فَقالُوا لَهُم: هَل فِيكُم راقٍ؟ فَإنَّ سَيِّدَ الحَيِّ لَدِيغٌ أو مُصابٌ. فَقالَ رَجُلٌ مِنهُم: نَعَم. فَأَتاهُ فَرَقاهُ بِفاتِحَةِ الكِتابِ، فَبَرَأَ الرَّجُلُ، فَأُعطِيَ قَطِيعًا مِن غَنَمٍ، فَأَبى أن يَقبَلَها، وقالَ: حَتّى أذكُرَ ذَلكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ. فَأَتى النَّبِيَّ ﷺ فَذَكَرَ ذَلكَ لَهُ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ واللهِ ما رَقَيتُ إلا بِفاتِحَةِ الكِتابِ. فَتَبَسَّمَ وقالَ: «وما أدراكَ أنَّها رُقيَةٌ؟»، ثُمَّ قالَ: «خُذُوا مِنهُم، واضرِبُوا لِي بِسَهمٍ مَعَكُم». وفي رواية (خ): فَسَعَوا لَهُ بِكُلِّ شَيءٍ، لا يَنفَعُهُ شَيءٌ ... وفِيها: فَما أنا بِراقٍ لَكُم حَتى تَجعَلُوا لَنا جُعلًا، فَصالَحُوهُم عَلى قَطِيعٍ مِن الغَنَمِ، فانطَلَقَ يَتفِلُ عَلَيهِ، ويَقرَأُ: ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢]، فَكَأَنَّما نُشِطَ مِن عِقالٍ، فانطَلَقَ يَمشِي وما بِهِ قَلَبَةٌ ...
ورَوى (خ) عَن ابْنِ عبّاسٍ نَحوَهُ، وفِيها: فَقالُوا: يا رَسُولَ اللهِ؛ أخَذَ عَلى كِتابِ اللهِ أجرًا؟ فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ أحَقَّ ما أخَذتُم عَلَيهِ أجرًا كِتابُ اللهِ».
-عظم أهمية سورة الفاتحة التي لم تزل في القرآن ولاغيره من الكتب مثلها؛ لتضنمها جميع معاني الكتاب وأصوله.
-عظمة القران في صدور الصحابة خصوصا الفاتحة.
-في الحديث أن الرزق المقسوم لا يستطيع من هو في يده منعه ممن قسم له؛ لأن أولئك منعوا الضيافة وكان الله قسم للصحابة في مالهم نصيبا فمنعوهم فسبب لهم لدغ العقرب حتى سيق لهم ما قسم لهم. (ابن حجر)
-قوله" فاستضافوهم، فأبوا أن يضيفوهم فلدغ سيد الحي"؛ فيه الحكمة البالغة حيث اختص بالعقاب من كان رأسا في المنع، لأن من عادة الناس الائتمار بأمر كبيرهم، فلما كان رأسهم في المنع اختص بالعقوبة دونهم جزاء وفاقا. (ابن حجر)
-قوله: "خذوا منهم واضربوا لي بسهم معكم": هذا تصريح بجواز أخذ الأجرة على الرقية بالفاتحة والذكر، وأنها حلال لا كراهة فيها، وكذا الأجرة على تعليم القران. (النووي)
-قوله: "واضربوا لي بسهم معكم"، فهذه القسمة من باب المروءات، والتبرعات ومواساة الأصحاب والرفاق، وإلا فجميع الشياه ملك للراقي مختصة به، لا حق للباقين فيها عند التنازع، فقاسمهم تبرعا وجودا ومروءة. (النووي)
-قوله: "واضربوا لي بسهم": فإنما تطيبا لقلوبهم، ومبالغة في تعرفيهم أنه حلال لا شبهة فيه، وقد فعل ﷺ في حديث العنبر، وفي حديث أبي قتادة في حمار الوحش مثله. (النووي)

باب: الرُّقْيَةُ مِن كُلِّ ذِي حُمَةٍ


٢٠٤٨. (خ م) (٢١٩٣) عَنِ الأَسْوَدِ قالَ: سَأَلتُ عائِشَةَ ﵂ عَنِ الرُّقيَةِ، فَقالَت: رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ ﷺ (لأَهلِ بَيتٍ مِن الأَنصارِ) فِي الرُّقيَةِ مِن كُلِّ ذِي حُمَةٍ.
ورَوى (م) عَن أنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي الرُّقيَةِ مِن العَينِ والحُمَةِ والنَّملَةِ.
-قوله: (رخص في الرقية من العين والحمة والنملة) ليس معناه تخصيص جوازها بهذه الثلاثة، وإنما معناه سئل عن هذه الثلاثة فأذن فيها، ولو سئل عن غيرها لأذن فيه، وقد أذن لغير هؤلاء، وقد رقى هو ﷺ في غير هذه الثلاثة. (النووي)
-من ذوات السموم: الحية والعقرب، وقد مر علينا حديث أبي سعيد أنهم رقوا اللديغ من الحية ومع ذلك شفاءه الله عز وجل. (ابن عثيمين)

باب: فِـي الرُّقْيَةِ مِنَ العَيْنِ


٢٠٤٩. (خ م) (٢١٨٧) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ قالَ: «العَينُ حَقٌّ».
ورَوى (م) عَن ابْنِ عَبّاسٍ؛ عَنِ النَّبيِّ ﷺ قالَ: «العَينُ حَقٌّ، ولَو كانَ شَيءٌ سابَقَ القَدَرَ سَبقَتهُ العَينُ، وإذا استُغسِلتُم فاغسِلُوا».
- "لو كان شيء سابق القدر سبيقته العين": هذا تأكيد وتنبيه على سرعة نفوذها وتأثيره في الشيء.
- " وإذا استُغسلتم فاغسلوا": بضم التاء، أي إذا طلب من العائن أن يغتسل، ليصيب المعيون من ماء غسله، رجاء الشفاء، فلا يمتنع.
- فيه إثبات القدر، وهو حق، بالنصوص وإجماع أهل السنة.

٢٠٥٠. (خ م) (٢١٩٥) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَأمُرُنِي أن أستَرقِيَ مِن العَينِ.
- إن هذا الحديث يقيد الحديث في السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب فقال: "هم الذين لا يسترقون" فيكون المراد بذلك الحديث لا يسترقون رقى لا تفيد ولا تنفع، أما إذا كانت تفيد وتنفع فإن الرسول ﷺ لا يأمر بأمر يحرم به صاحبه من دخول الجنة بلا حساب، فإذا علمنا أن هذه الرقية نافعة وأن نفعها مطرد فإن الاسترقاء بهذه الرقية لا ينقل الإنسان من الوصف الذي يستحق به أن يدخل الجنة بلا حساب ولا عذاب. (ابن عثيمين)

٢٠٥١. (م) (٢١٩٨) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: رَخَّصَ النَّبِيُّ ﷺ لآلِ حَزمٍ فِي رُقيَةِ الحَيَّةِ، وقالَ لأَسماءَ بِنتِ عُمَيسٍ: «ما لِي أرى أجسامَ بَنِي أخِي ضارِعَةً تُصِيبُهُمُ الحاجَةُ؟» قالَت: لا، ولَكِنِ العَينُ تُسرِعُ إلَيهِم. قالَ: «ارقِيهِم». قالَ: فَعَرَضتُ عَلَيهِ، فَقالَ: «ارقِيهِم».
-وفي هذا الحديث مشروعية الرقية لمن أصابه العين. (ابن حجر)
-والعين معروفة ومشهورة؛ وهي عبارة هن قوة خفية تخرج من قلب حاسد والعياذ بالله لا يريد الخير لغيره، فيخرج منه هذا الشيء الخبيث ويصيب المصاب، وأدلة الشرع جاءت بإثبات وجودها. (ابن عثيمين)

باب: فِـي الرُّقْيَةِ مِنَ النَّظْرَةِ


٢٠٥٢. (خ م) (٢١٩٧) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ لِجارِيَةٍ فِي بَيتِ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، رَأى بِوَجهِها سَفعَةً، فَقالَ: «بِها نَظرَةٌ، فاستَرقُوا لَها». (يَعنِي بِوَجهِها صُفرَةً).
-واختلف في المراد بالنظرة فقيل عين من نظر الجن، وقيل من الإنس، وبه جزم أبو عبيد الهروي، والأولى أنه أعم من ذلك، وأنها أصيبت بالعين فلذلك أذن ﷺ في الاسترقاء لها وهو دال على مشروعية الرقية من العين. (ابن حجر)

باب: الرُّقْيَةُ بِتُرْبَةِ الأَرْضِ


٢٠٥٣. (خ م) (٢١٩٤) عَنْ عائِشَةَ ﵂؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كانَ (إذا اشتَكى الإنسانُ الشَّيءَ مِنهُ، أو كانَت بِهِ قَرحَةٌ أو جَرحٌ قالَ النَّبِيُّ ﷺ بِإصبَعِهِ هَكَذا ووَضَعَ سُفيانُ سَبّابَتَهُ بِالأَرضِ ثُمَّ رَفَعَها): «بِاسمِ اللهِ، تُربَةُ أرضِنا، بِرِيقَةِ بَعضِنا، يُشفى سَقِيمُنا بِإذنِ رَبِّنا». لَفْظُ (خ): كانَ يَقُولُ لِلْمَرِيضِ .. وفِي رِوايَةِ (خ): يَقُولُ فِي الرُّقْيَةِ.
-فيه دلالة على جواز الرقى من كل الالآم، وأن ذلك كان أمرا فاشيا معلوما بينهم. (القرطبي)
-ووضع النبي سبابته بالأرض ووضعها عليه يدل على استحباب ذلك عند الرقية. (القرطبي)
-قوله: "بريقة بعضنا" يدل على أنه كان يتفل عند الرقية، قال النووي: معنى الحديث أنه أخذ من ريق نفسه على إصبعه السبابة، ثم وضعها على التراب فعلق به شيء منه، ثم مسح به الموضع العليل، أو الجريح قائلا الكلام المذكور في حالة المسح. (ابن عثيمين)

باب: إذا اشْتَكى وضَعَ يَدَهُ عَلى ما يَأْلَمُ مِن جَسَدِهِ


٢٠٥٤. (م) (٢٢٠٢) عَنْ عُثْمانَ بْنِ أبِي العاصِ الثَّقَفِيِّ ﵁؛ أنَّهُ شَكا إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ وجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ مُنذُ أسلَمَ، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ضَع يَدَكَ عَلى الَّذِي تَأَلَّمَ مِن جَسَدِكَ وقُل: بِاسمِ اللهِ، ثَلاثًا، وقُل سَبعَ مَرّاتٍ: أعُوذُ بِاللهِ وقُدرَتِهِ مِن شَرِّ ما أجِدُ وأُحاذِرُ».
-يتعوذ من وجع، ومكروه هو فيه، أو مما يتوقع حصوله في المستقبل، من الحزن، والخوف، فإن الحذر الاحتراز عن المخوف. (الطيبي)
-وفي قوله: "سبع مرات": في تكرارها سبعاً خاصية، وقد خص - ﷺ - السبع في غير ما موضع، بشرط قوة اليقين، وصدق النية، قال بعضهم: ويظهر أنه إذا كان المريض نحو طفل أن يقول من يعوذه: من شر ما يجد، ويحاذر. (محمد الإتيوبي)
-بيان استحباب وضع اليد على الجسد المتألم حال الرقية بالذكر المذكور. (محمد الإتيوبي)
-استحباب تكرار التسمية ثلاث مرات، وتكرار التعويذ سبع مرات. (محمد الإتيوبي)
-ما قال القرطبي رحمه الله قوله: "ضع يدك على الذي يألم من جسدك" هذا الأمر على جهة التعليم، والإرشاد إلى ما ينفع من وضع يد الراقي على المريض، ومسحه به، وأن ذلك لم يكن مخصوصا بالنبي - ﷺ -، بل ينبغي أن يفعل ذلك كل راق، وقد تأكد أمر ذلك بفعل النبي - ﷺ -، وأصحابه - رضي الله عنهم - ذلك بأنفسهم، وبغيرهم، كما قد ذكر في الأحاديث المتقدمة، فلا ينبغي للراقي أن يعدل عنه للمسح بحديد، ولا بغيره، فإن ذلك لم يفعله أحد ممن سبق ذكره، ففعله تمويه، لا أصل له. (محمد الإتيوبي)

باب: رُقْيَةُ الرَّجُلِ أهْلَهُ إذا اشْتَكَوْا


٢٠٥٥. (خ م) (٢١٩١) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إذا اشتَكى مِنّا إنسانٌ مَسَحَهُ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ قالَ: «أذهِب الباسَ رَبَّ النّاسِ، واشفِ أنتَ الشّافِي، لا شِفاءَ إلا شِفاؤُكَ، شِفاءً لا يُغادِرُ سَقَمًا». فَلَمّا مَرِضَ رَسُولُ اللهِ ﷺ (وثَقُلَ أخَذتُ بِيَدِهِ لأَصنَعَ بِهِ نَحوَ ما كانَ يَصنَعُ، فانتَزَعَ يَدَهُ مِن يَدِي، ثُمَّ قالَ: «اللَّهُمّ اغفِر لِي)، واجعَلنِي مَعَ الرَّفِيقِ الأَعلى». (قالَت: فَذَهَبتُ أنظُرُ، فَإذا هُوَ قَد قَضى). وفي رواية (خ): يُعَوِّذُ بَعضَ أهلِهِ ... وفِيها: «اللَّهُمَّ رَبَّ النّاسِ، أذْهِبِ الباسَ، واشفِهِ وأَنتَ الشّافِي ...».
وفي رواية (خ): وكانَت إحدانا تُعوِّذُهُ بِدُعاءٍ إذا مَرِضَ، فَذَهَبتُ أُعَوِّذُهُ، فَرَفَعَ رَأسَهُ إلى السَّماءِ وقالَ: «فِي الرَّفِيقِ الأَعلى، فِي الرَّفِيقِ الأَعلى».
ولَهُما عَنها؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كانَ يَرقِي بِهَذِهِ الرُّقيَةِ: «أذهِبِ البَأسَ، رَبَّ النّاسِ، بِيَدِكَ الشِّفاءُ، لا كاشِفَ لَهُ إلا أنتَ».
لَفظُ (خ): «امسَح الباسَ ...».
ورَوى (خ) عَن ثابِتٍ قالَ: يا أبا حَمْزَةَ؛ اشتَكَيتُ. فَقالَ أنَسٌ: ألا أرقِيكَ بِرُقْيَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ؟ قالَ: بَلى. قالَ: «اللَّهُمَّ رَبَّ النّاسِ، مُذهِبَ الباس ...».
- فى هذه الآثار من الفقه أن الرغبة إلى الله فى عافية فى الجسم أفضل للعبد وأصلح له من الرغبة إليه فى البلاء، وذلك أنه عليه السلام كان يدعو للمرضى بالشفاء من عللهم. (الطبري)
-قوله: "لا يغادر"؛ أنه قد يحصل الشفاء من ذلك المرض فيخلفه مرض آخر يتولد منه مثلاً، فكان عليه الصلاة والسلام يدعو للمريض بالشفاء المطلق. (القسطلاني)
-وقوله: "أذهب الباس رب الناس"؛ فيه إشارة إلى الرقى والدواء، لا ينتسب إليهما من إذهاب الداء شيء، إنما يذهبه الله. (ابن الملقن)
-وفيه: جواز السجع في الدعاء والرقى إذا لم يكن مقصودا ولا متكلفا. (ابن الملقن)

كِتابُ الـمَرَضِ والطِّبِّ


باب: ما مِن مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أذًىً مِن مَرَضٍ فَما سِواهُ إلّا حَطَّ اللهُ بِهِ سَيِّئاتِهِ


٢٠٥٦. (خ م) (٢٥٧١) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قالَ: دَخَلتُ عَلى رَسُولِ اللهِ ﷺ وهُوَ يُوعَكُ، فَمَسِستُهُ بِيَدِي فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ إنَّكَ لَتُوعَكُ وعكًا شَدِيدًا، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أجَل؛ إنِّي أُوعَكُ كَما يُوعَكُ رَجُلانِ مِنكُم». قالَ: فَقُلتُ: ذَلكَ أنَّ لَكَ أجرَينِ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أجَل»، ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ما مِن مُسلِمٍ يُصِيبُهُ أذىً مِن مَرَضٍ فَما سِواهُ إلا حَطَّ اللهُ بِهِ سَيِّئاتِهِ كَما تَحُطُّ الشَّجَرَةُ ورَقَها». وفي رواية (خ): «... يُصِيبُهُ أذىً شَوكَةٌ فَما فَوقَها إلا كَفَّرَ اللهُ بِها سَيِّئاتِهِ كَما تَحُطُّ الشَّجَرَةُ ورَقَها».
ولَهُما عَن عائِشَةَ ﵂ قالَت: ما رَأَيتُ رَجُلًا أشَدَّ عَلَيهِ الوَجَعُ مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ.
-خص الله أنبياءه الأوجاع والأصواب لما خصهم به من قوة اليقين وشدة الصبر والاحتساب ليكمل لهم الثواب ويتم لهم الأجر. (ابن بطال)
-في الحديث دلالة على أن القوي يحمل ما حمل والضعيف يرفق به، إلا أنه كلما قويت المعرفة بالمبتلى هان عليه البلاء، ومنهم من ينظر إلى أجر البلاء فيهون عليه البلاء، وأعلى من ذلك درجة من يرى أن هذا تصرف المالك في ملكه فيسلم ولا يعترض. (ابن الجوزي)
-وحاصل المعنى: أن المرض إذا اشتد ضاعف الأجر، ثم زاد عليه بعد ذلك أن المضاعفة تنتهي إلى أن تحط السيئات كلها. (العيني)
-بيان فضل المصيبة للمسلم حيث إنها تكفر بها خطاياه، وترفع بها درجاته. (محمد الإتيوبي)

باب: لا يَقُلْ: خَبُثَتْ نَفْسِي


٢٠٥٧. (خ م) (٢٢٥٠) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لا يَقُولَنَّ أحَدُكُم: خَبُثَت نَفسِي، ولَكِن لِيَقُل: لَقِسَت نَفسِي».
-ويؤخذ من الحديث استحباب مجانبة الألفاظ القبيحة والأسماء، والعدول إلى ما لا قبح فيه، والخبث واللقس وإن كان المعنى المراد يتأدى بكل منهما؛ لكن لفظ الخبث قبيح ويجمع أمورا زائدة على المراد بخلاف اللقس فإنه يختص بامتلاء المعدة. (ابن حجر)
- وفيه أن المرء يطلب الخير حتى بالفأل الحسن، ويضيف الخير إلى نفسه ولو بنسبة ما ويدفع الشر عن نفسه مهما أمكن، ويقطع الوصلة بينه وبين أهل الشر حتى في الألفاظ المشتركة. (ابن حجر)
-هذا باب في بيان أن الأدب أن لا يقول أحد: خبثت نفسي، لأجل كراهة لفظ الخبث، قال الراغب: الخبيث يطلق على الباطل في الاعتقاد والكذب في المقالة، والقبح في الفعال، وقال ابن بطال: ليس النهي على سبيل الإيجاب، وإنما هو من باب الأدب، وقد قال ﷺ في الذي يعقد الشيطان على رأسه ثلاث عقد: أصبح خبيث النفس كسلان. (العيني)

باب: لِكُلِّ داءٍ دَواءٌ


٢٠٥٨. (م) (٢٢٠٤) عَنْ جابِرٍ ﵁، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ أنَّهُ قالَ: «لِكُلِّ داءٍ دَواءٌ، (فَإذا أُصِيبَ دَواءُ الدّاءِ بَرَأَ بِإذنِ اللهِ)». رَوى (خ) مَعناهُ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «ما أنزَلَ اللهُ داءً إلّا أنزَلَ لَهُ شِفاءً».
-وفى هذا الحديث إشارة إلى استحباب الدواء. (النووي)
-قال القاضي: في هذه الأحاديث جمل من علوم الدين والدنيا، وجواز التطيب في الجملة، واستحبابه بالأمور المذكورة في هذه الأحاديث، وفيها رد على من أنكر التداوي من غلاة الصوفية، وقال كل شيء بقضاء وقدر فلا حاجة إلى التداوي، وحجة العلماء هذه الأحاديث بالإيمان بأن الله تعالى هو المسبب، وأن التداوي هو أيضا من قدر الله، وهذا كالأمر بالدعاء وكالأمر بقتال الكفار، وبالتحصن ومجانبة الإلقاء باليد إلى التهلكة. (النووي)
-(لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله) فهذا فيه بيان واضح لأنه قد علم أن الأطباء يقولون المرض هو خروج الجسم عن المجرى الطبيعي، والمداواة رده إليه وحفظ الصحة بقاؤه عليه، فحفظها يكون بإصلاح الأغذية وغيرها، ورده يكون بالموافق من الأدوية المضادة للمرض، وبقراط يقول: الأشياء تداوى بأضدادها. (النووي)
- وطلب التداوي كالتسبب لطلب الرزق الذي قد فرغ منه. (محمد الإتيوبي)

باب: الحُمّى مِن فَيْحِ جَهَنَّمَ فابْرُدُوها بِالماءِ


٢٠٥٩. (خ م) (٢٢٠٩) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «الحُمّى مِن فَيحِ جَهَنَّمَ، فابرُدُوها بِالماءِ».
ولَهُما عَن رافِعِ بْنِ خَدِيجٍ؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «الحُمّى مِن فَوْرِ جَهنَّمَ، فابرُدُوها عَنكُم بِالماءِ». وفي رواية (خ): «مِن فَوْحِ جَهَنَّمَ».
ولَهُما عَن أسماءَ؛ أنَّها كانَت تُؤتى بِالمَرأَةِ المَوعُوكَةِ، فَتَدعُو بِالماءِ فَتَصُبُّهُ فِي جَيبِها، وتَقُولُ: إنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «ابرُدُوها بِالماءِ». (وقالَ: «إنَّها مِن فَيحِ جَهَنَّمَ»). وفي رواية (م) هِيَ لَفظُ (خ): صَبَّت الماءَ بَينَها وبَينَ جَيبِها. ولَفظُ (خ): إذا أُتِيَت بِالمَرأَةِ قَد حُمَّت تَدْعُو لها ...
ورَوى (خ) عَنْ أبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ قالَ: كُنتُ أُجالِسُ ابنَ عَبّاسٍ بِمَكَّةَ، فَأَخَذَتنِي الحُمّى، فَقالَ: ابرُدها عَنكَ بِماءِ زَمزَمَ، فَإنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «الحُمّى مِن فَيحِ جَهَنَّمَ، فابرُدُوها بِالماءِ، أو قالَ: بِماءِ زَمزَمَ». شَكَّ هَمّامٌ.
-والحمى أنواع، واختلف في نسبتها إلى جهنم فقيل حقيقة، واللهب الحاصل في جسم المحموم قطعة من جهنم، وقدر الله ظهورها بأسباب تقتضيها؛ ليعتبر العباد بذلك كما أن أنواع الفرح واللذة من نعيم الجنة أظهرها في هذه الدار عبرة ودلالة. (ابن حجر)
-أن من الطب النبوي الذي لا يشك في حصول الشفاء به، والكلام الذي يخالف ما عليه السنة لغو، فلا يلتفت إليه. (العيني)
-أن فيه تفسيرا لقوله -ﷺ-: "إن الحمى من فيح جهنم، فأبردوها بالماء"؛ لأن أسماء -رضي الله عنها- حكت في فعلها ذلك ما يدل على أن التبريد بالماء -والله أعلم- هو الصب بين المحموم وبين جيبه، وذلك أن يصب الماء بين طوقه وعنقه حتى يصل إلى جسده، فمن فعل كذلك، وكان معه يقين صحيح رجونا له الشفاء من الحمى -إن شاء الله. (ابن عبد البر)

باب: فِـي الصَّرَعِ وثَوابِهِ


٢٠٦٠. (خ م) (٢٥٧٦) عَنْ عَطاءِ بْنِ أبِي رَباحٍ قالَ: قالَ لِي ابنُ عَبّاسٍ ﵁: ألا أُرِيكَ امرَأَةً مِن أهلِ الجَنَّةِ؟ قُلتُ: بَلى، قالَ: هَذِهِ المَرأَةُ السَّوداءُ، أتَت النَّبِيَّ ﷺ قالَت: إنِّي أُصرَعُ، وإنِّي أتَكَشَّفُ، فادعُ اللهَ لِي. قالَ: «إن شِئتِ صَبَرتِ ولَكِ الجَنَّةُ، وإن شِئتِ دَعَوتُ اللهَ أن يُعافِيَكِ». قالَت: أصبِرُ. قالَت: فَإنِّي أتَكَشَّفُ، فادعُ اللهَ أن لا أتَكَشَّفَ، فَدَعا لَها. زاد (خ): عن عطاء؛ أنه رأى أُمَّ زُفَرَ تلك؛ امرأةً طويلةً سوداءَ على سِتْرِ الكعبة.

باب: الـتَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤادِ الـمَرِيضِ


٢٠٦١. (خ م) (٢٢١٦) عَنْ عائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ؛ أنَّها كانَت إذا ماتَ المَيِّتُ مِن أهلِها، فاجتَمَعَ لِذَلكَ النِّساءُ ثُمَّ تَفَرَّقنَ إلاَّ أهلَها وخاصَّتَها أمَرَت بِبُرمَةٍ مِن تَلبِينَةٍ فَطُبِخَت، ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَّت التَّلبِينَةُ عَلَيها، ثُمَّ قالَت: كُلنَ مِنها، فَإنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «التَّلبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤادِ المَرِيضِ، تُذهِبُ بَعضَ الحُزنِ». وفي رواية (خ) وتَقُولُ: هُوَ البَغِيضُ النّافِعُ.
-قال الهروي: سميت تلبينة تشبيها باللبن لبياضها ورقتها. وفيه استحباب التلبينة للمحزون، وأنها تذهب ببعض الحزن بخاصية فيها، من جنس خواص الأغذية المفرحة. (ابن القيم).

باب: الـتَّداوِي بِسَقْيِ العَسَلِ


٢٠٦٢. (خ م) (٢٢١٧) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁ قالَ: جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ ﷺ فَقالَ: إنَّ أخِي استَطلَقَ بَطنُهُ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اسقِهِ عَسَلًا». فَسَقاهُ، ثُمَّ جاءَهُ فَقالَ: إنِّي سَقَيتُهُ عَسَلًا فَلَم يَزِدهُ إلا استِطلاقًا. فَقالَ لَهُ ثَلاثَ مَرّاتٍ، ثُمَّ جاءَ الرّابِعَةَ فَقالَ: «اسقِهِ عَسَلًا». فَقالَ: لَقَد سَقَيتُهُ فَلَم يَزِدهُ إلا استِطلاقًا. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «صَدَقَ اللهُ، وكَذَبَ بَطنُ أخِيكَ». فَسَقاهُ فَبَرَأَ.
-في تكرار سقيه العسل معنى طبي بديع، وهو أن الدواء يجب أن يكون له مقدار، وكمية بحسب حال الداء، إن قصر عنه لم يزله بالكلية، وإن جاوزه أوهى القوى، فأحدث ضررا آخر، فكرر النبي ﷺ الشربات حتى وصل به للكمية المطلوبة. (ابن القيم).
في هذا دليل على أن ما ثبت بالوحي يجب أن يكذب به ما قيل بغير الوحي مما يعارضه، ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "صدق الله وكذب بطن أخيك". فأي نظرية أو قول مخالف لما علم بالشرع فإنه يجب علينا أن نكذبه، ولهذا وجب علينا أن نكذب خبر العراف والكاهن؛ لأنه يخالف ما جاء في القرآن: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله). ( ابن عثيمين)

باب: الـتَّداوِي بِالحَبَّةِ السَّوْداءِ


٢٠٦٣. (خ م) (٢٢١٥) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إنَّ فِي الحَبَّةِ السَّوداءِ شِفاءً مِن كُلِّ داءٍ إلا السّامَ». والسّامُ المَوتُ، والحَبَّةُ السَّوداءُ الشُّونِيزُ. وفي رواية (م): «ما مِن داءٍ إلا فِي الحَبَّةِ السَّوداءِ مِنهُ شِفاءٌ إلا السّامُ». ورَوى (خ): فَقالَ [ابْنُ أبِي عَتِيقٍ] لَنا: عَلَيكُم بِهَذِهِ الحُبَيْبَةِ السَّوداءَ، فَخُذُوا مِنها خَمسًا أو سَبعًا، فاسحَقُوها، ثُمَّ اقطُرُوها فِي أنفِهِ بِقَطَراتِ زَيتٍ، فِي هَذا الجانِبِ، وفِي هَذا الجانِبِ، فَإنَّ عائِشَةَ حَدَّثَتنِي ... مِثلَ حَدِيثِ البابِ.

باب: مَن تَصَبَّحَ بِتَمْرِ عَجْوَةٍ


٢٠٦٤. (خ م) (٢٠٤٧) عَنْ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ ﵁ قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «مَن تَصَبَّحَ بِسَبعِ تَمَراتٍ عَجوَةً لَم يَضُرَّهُ ذَلكَ اليَومَ سُمٌّ ولا سِحرٌ». وفي رواية (خ): «مَن اصطَبَحَ كُلَّ يَومٍ ...»، وزادَ: «ذَلكَ اليَومَ إلى اللَّيلِ».
وفي رواية (م): «مَن أكَلَ سَبعَ تَمَراتٍ مِمّا بَينَ لابَتَيْها ...»، وفِيها: «حَتّى يُمسِي».
ورَوى (م) عَن عائِشَةَ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «إنَّ فِي عَجْوَةِ العالِيةِ شِفاءً، أو إنَّها تِرياقٌ أوَّلَ البُكْرَةِ».

باب: الكَمَأَةُ مِنَ الـمَنِّ وماؤُها شِفاءٌ لِلْعَيْنِ


٢٠٦٥. (خ م) (٢٠٤٩) عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «الكَمأَةُ مِن المَنِّ (الَّذِي أنزَلَ اللهُ عَلى مُوسى)، وماؤُها شِفاءٌ لِلعَينِ».

باب: الـتَّداوِي بِالعُودِ الهِنْدِيِّ وهُوَ الكُسْتُ


٢٠٦٦. (خ م) (٢٢١٤) عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ؛ أنَّ أُمَّ قَيْسٍ بِنْتَ مِحصَنٍ ﵂، وكانَت مِن المُهاجِراتِ الأَوَلِ اللاتِي بايَعنَ رَسُولَ اللهِ ﷺ، وهِيَ أُختُ عُكّاشَةَ بْنِ مِحصَنٍ أحَدِ بَنِي أسَدِ بْنِ خُزَيمَةَ، قالَ: أخبَرَتنِي أنَّها أتَت رَسُولَ اللهِ ﷺ بابنٍ لَها لَم يَبلُغ أن يَأكُلَ الطَّعامَ، وقَد أعلَقَت عَلَيهِ مِن العُذرَةِ (قالَ يُونُسُ: أعلَقَت غَمَزَت، فَهِيَ تَخافُ أن يَكُونَ بِهِ عُذرَةٌ)، قالَت: فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «عَلامَه تَدغَرنَ أولادَكُنَّ بِهَذا الإعلاقِ؟ عَلَيكُم بِهَذا العُودِ الهِندِيِّ يَعنِي بِهِ الكُستَ فَإنَّ فِيهِ سَبعَةَ أشفِيَةٍ، مِنها ذاتُ الجَنبِ». وفي رواية: «بِهَذا العِلاقِ؟ ...»، وفِيها: «مِنها: ذاتُ الجَنْب، يُسْعَطُ مِن العُذْرَةِ، ويُلَدُّ مِن ذاتِ الجَنْبِ».
وفي رواية (خ) زادَ: «اتَّقُوا اللهَ، عَلى ما تَدْغَرُون ...». وفِيها: يُريدُ الكُسْتَ، يَعنِي القُسْطَ، قالَ: وهِيَ لُغَةٌ.
-فيه أنه لا ينبغي أن يداوى المريض بالأدوية الشاقة استعمالها مع وجود الأدوية السهلة الاستعمال.(النووي).

باب: الـتَّداوِي بِاللُّدُودِ


٢٠٦٧. (خ م) (٢٢١٣) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: لَدَدنا رَسُولَ اللهِ ﷺ فِي مَرَضِهِ، فَأَشارَ أن لا تَلُدُّونِي، فَقُلنا: كَراهِيَةَ المَرِيضِ لِلدَّواءِ، فَلَمّا أفاقَ قالَ: «لا يَبقى أحَدٌ مِنكُم إلا لُدَّ غَيرُ العَبّاسِ، فَإنَّهُ لَم يَشْهَدْكُم».
-(فَقُلنَا: كَرَاهِيَةَ المَرِيضِ لِلدَّوَاءِ) أي أن هذا الامتناع منه كَرَاهِيَةَ المَرِيضِ لِلدَّوَاءِ، وقوله: (لا يَبقَى أَحَدٌ مِنكُم إِلا لُدَّ) كان ذلك منه تأديبا لا قصاصا ولا انتقاماً، وإنما أدبهم بذلك لأنهم تركوا الامتثال.
-فيه دليل على أن المريض إذا كان يكره أن يداوى أو يذهب به إلى المستشفى أو ما أشبه ذلك فإن لا يجوز أن يفعل به هذا إذا أغمي عليه كما يفعله بعض الناس الآن يكون المريض قد نهاهم أن يذهبوا به إلى المستشفى فإذا أنهكه المرض وأغمي عليه ذهبوا به وهذا لا يجوز، لأنه تصرف في الإنسان بغير رضاه. (ابن عثيمين)
وفيه: أن من طبيعة المريض أن يكره الدواء، وإن كان فيه مصلحة له، ولكنه إذا كرهه فلا يجبر عليه. (ابن عثيمين)

باب: الـتَّداوِي بِالحِجامَةِ والسُّعُوطِ والكَيِّ


٢٠٦٨. (خ م) (١٢٠٢) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ احتَجَمَ وأَعطى الحَجّامَ أجرَهُ، واستَعَطَ.
-الغالب أن الذي حجمه ﷺ هو أبو طيبة واسمه نافع، وأعطى أجره صاعا من تمر. (الإتيوبي)

٢٠٦٩. (خ م) (٢٢٠٥) عَنْ عاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتادَةَ قالَ: جاءَنا جابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ (فِي أهلِنا، ورَجُلٌ يَشتَكِي خُراجًا بِهِ أو جِراحًا، فَقالَ: ما تَشتَكِي؟ قالَ: خُراجٌ بِي قَد شَقَّ عَلَيَّ. فَقالَ: يا غُلامُ؛ ائتِنِي بِحَجّامٍ. فَقالَ لَهُ: ما تَصنَعُ بِالحَجّامِ يا أبا عَبدِ اللهِ؟ قالَ: أُرِيدُ أن أُعَلِّقَ فِيهِ مِحجَمًا. قالَ: واللهِ إنَّ الذُّبابَ لَيُصِيبُنِي أو يُصِيبُنِي الثَّوبُ فَيُؤذِينِي ويَشُقُّ عَلَيَّ، فَلَمّا رَأى تَبَرُّمَهُ مِن ذَلكَ) قالَ: إنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إن كانَ فِي شَيءٍ مِن أدوِيَتِكُم خَيرٌ فَفِي شَرطَةِ مِحجَمٍ، أو شَربَةٍ مِن عَسَلٍ، أو لَذعَةٍ بِنارٍ»، قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «وما أُحِبُّ أن أكتَوِيَ». (قالَ: فَجاءَ بِحَجّامٍ فَشَرَطَهُ، فَذَهَبَ عَنهُ ما يَجِدُ).
ورَوى (خ) عَن ابنِ عَبّاسٍ عَنِ النَّبيِّ ﷺ قالَ: «الشِّفاءُ فِي ثَلاثَةٍ ...» فَذَكَرَها، وزادَ (خ): «وأَنهى أُمَّتي عَنِ الكَيِّ». وفي رواية لَهُ: «أوْ لَذعَةٍ بِنارٍ تُوافِقُ الدّاءَ، وما أُحِبُّ أن أكتَوِيَ».
-قوله: (إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم أو شربة من عسل أو لذعة بنار). هذا من بديع الطب عند أهله، لأن الأمراض الامتلائية دموية، أو صفراوية، أو سوداوية، أو بلغمية، فإن كانت دموية فشفاؤها إخراج الدم، وإن كانت من الثلاثة الباقية فشفاؤها بالإسهال بالمسهل اللائق لكل خلط منها، فكأنه نبه ﷺ بالعسل على المسهلات، وبالحجامة على إخراج الدم بها، وبالفصد، ووضع العلق، وغيرها مما في معناها، وذكر الكي لأنه يستعمل عند عدم نفع الأدوية المشروبة ونحوها، فآخر الطب الكي. (النووي)
-قوله: (ما أحب أن أكتوي) إشارة إلى تأخير العلاج بالكي حتى يضطر إليه؛ لما فيه من استعمال الألم الشديد في دفع ألم قد يكون أضعف من ألم الكي. (النووي)

٢٠٧٠. (م) (٢٢٠٦) عَنْ أبِي الزُّبَيْرِ؛ عَن جابِرٍ ﵁؛ أنَّ أُمَّ سَلَمةَ ﵂ استَأذَنَت رَسُولَ اللهِ ﷺ فِي الحِجامَةِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ أبا طَيبَةَ أن يَحجُمَها، قالَ: حَسِبتُ أنَّهُ قالَ: كانَ أخاها مِنَ الرَّضاعَةِ أو غُلامًا لَم يَحتَلِم.
استئذان أم سلمة رضي الله عنها النبي ﷺ في الحجامة دليل على أن المرأة لا ينبغي لها أن تفعل في نفسها شيئاً من التداوي أو ما يشبهه إلا بإذن زوجها؛ لإمكان أن يكون ذلك الشيء مانعا له من حقه، أو منقصا لغرضه منها، إلا إذا دعت لذلك ضرورة من خوف موت أو مرض شديد، فهذا لا تحتاج فيه إلى إذن، والحجامة تحتاج فيها إلى الغير، فلا بد من استئذان الزوج لنظره فيمن يَصلح، وفيما يحل من ذلك، ألا ترى أن النبي ﷺ أمر أبا طيبة أن يحجمها؛ لما علم أن بينهما قرابة. (الإتيوبي).

٢٠٧١. (م) (٢٢٠٧) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إلى أُبَيِّ بْنِ كَعبٍ طَبِيبًا، فَقَطَعَ مِنهُ عِرقًا ثُمَّ كَواهُ عَلَيهِ. وفي رواية: قالَ: رُمِيَ أُبَيٌّ يَومَ الأَحزابِ عَلى أكحَلِهِ، فَكَواهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ.
-كونه ﷺ بعث إلى أبي طبيبا فكواه، دليل على أن الواجب في عمل العلاج ألا يباشره إلا من كان معروفاً به، خبيرا بمباشرته. (القرطبي).

٢٠٧٢. (م) (٢٢٠٨) عَنْ جابِرٍ ﵁ قالَ: رُمِيَ سَعدُ بنُ مُعاذٍ فِي أكحَلِهِ، قالَ: فَحَسَمَهُ النَّبِيُّ ﷺ بِيَدِهِ بِمِشقَصٍ، ثُمَّ ورِمَت فَحَسَمَهُ الثّانِيَةَ.
كي النبي ﷺ لأبيّ، وسعد دليل على جواز الكي، والعمل به، إذا ظن الإنسان منفعته، ودعت الحاجة إليه، فيُحْمَل نهيه عن الكي عن ما إذا أمكن أن يستغنى عنه بغيره من الأدوية، فمن فعله في محله، وعلى شرطه لم يكن ذلك مكروها في حقه، ولا منقصا له من فضله، ويجوز أن يكون من السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب، كيف لا؟
وقد كوى النبي ﷺ سعد بن معاذ الذي اهتز لموته عرش الرحمن، وأبيّ بن كعب أقرأ الأمة للقرآن. (القرطبي).

٢٠٧٣. (خ) (٥٧١٩) عَنْ أنَسٍ ﵁؛ أنَّ أبا طَلْحَةَ وأَنَسَ بنَ النَّضرِ ﵄ كَوَياهُ، وكَواهُ أبُو طَلْحَةَ بِيَدِهِ.

باب: إذا وقَعَ الذُّبابُ فِـي الإناءِ فَلْيَغْمِسْهُ


٢٠٧٤. (خ) (٥٧٨٢) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «إذا وقَعَ الذُّبابُ فِي إناءِ أحَدِكُم فَليَغمِسهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَطرَحهُ، فَإنَّ فِي أحَدِ جَناحَيهِ شِفاءً وفِي الآخَرِ داءً».

باب: الـطَّـاعُـونُ رِجْـزٌ


٢٠٧٥. (خ م) (٢٢١٨) عَنْ أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ ﵄، عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ أنَّهُ قالَ: «إنَّ هَذا الوَجَعَ أو السَّقَمَ رِجزٌ عُذِّبَ بِهِ بَعضُ الأُمَمِ قَبلَكُم، ثُمَّ بَقِيَ بَعدُ بِالأَرضِ، فَيَذهَبُ المَرَّةَ ويَأتِي الأُخرى، فَمَن سَمِعَ بِهِ بِأَرضٍ فَلا يَقدَمَنَّ عَلَيهِ، ومَن وقَعَ بِأَرضٍ وهُوَ بِها فَلا يُخرِجَنَّهُ الفِرارُ مِنهُ». وفي رواية: «الطّاعُونُ رِجزٌ أو عَذابٌ أُرسِلَ عَلى بَنِي إسرائِيلَ، أو عَلى مَن كانَ قَبلَكُم ...». وفي رواية (م): «سُلِّطَ عَلى مَن كانَ قَبلَكُم أو ...».
ورَوى (خ) عَن عائِشَةَ ﵂؛ أنَّها سَأَلَت رَسُولَ اللهِ ﷺ عَنِ الطّاعُونِ، فَأَخبَرَها: «أنَّهُ كانَ عَذابًا يَبعَثُهُ اللهُ عَلى مَن يَشاءُ، فَجَعَلَهُ اللهُ رَحمَةً لِلمُؤمِنِينَ، فَلَيسَ مِن عَبدٍ يَقَعُ الطّاعُونُ فَيَمكُثُ فِي بَلَدِهِ صابِرًا، يَعلَمُ أنَّهُ لَن يُصِيبَهُ إلّا ما كَتَبَ اللهُ لَهُ، إلّا كانَ لَه مِثلُ أجرِ الشَّهِيدِ».
-نهيه ﷺ من لم يكن في أرض الوباء عن دخولها إذا وقع فيها، هو من باب الحذر الذي أُذن فيه، وفي الحديث دلالة أن على المرء توقي المكاره قبل نزولها، وتجنب الموجعات قبل هجومها، واتقاء غوائل الأمور وعدم الدخول فيها؛ وهذا المعنى نظير قوله ﷺ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَاسْأَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا". متفق عليه
-وفيه جواز رجوع من أراد دخول بلدة فعلم أن بها وباء، وأن ذلك ليس من الطيرة، وإنما هي من منع الإلقاء بالنفس إلى التهلكة، فعلى الإنسان اتخاذ الأسباب، وطلب طريق السلامة، قال الله عز وجل: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]
-وفيه أن على الإمام أو الوالي أن يحمل رعيته على ما تقتضيه الصحة والسلامة من تدابير وقائية؛ للمحافظة على الصحة العامة، وعلى الرعية الامتثال بأمره وطاعته.
-ونهيه ﷺ من هو فيها عن الخروج منها بعد وقوعه فيها فرارا منه:
لأن المرض إذا نَزل بأرض لم يقصد به ترابها ولا شجرها إنما قُدّر على بعض الناس فيها، فالإنسان أينما توجه سيدركه القدر فأرشده الشارع إلى عدم النصب، قال ابن حجر: " قد يكون داخلاً في التوغل في الأسباب بصورة من يحاول النجاة بما قُدّر عليه". فعلى المسلم التسليم لأمر الله بأن يعلم أن الأمور كلها بقدر الله فلا ينجي الفار من المرض فراره من القدر، وفيه إشارة إلى الوقوف مع المقدور والرضا به، فلا يظن الخارج أنه يسلم بخروجه وينسى القدر، فيساكن ذلك فيهلك، فإنه من سبق الكتاب أنه يموت في الوباء لم يمت إلا فيه، ومن سبق له أن لا يموت في الوباء لم يمت فيه.
-وفي النهي عن الفرار من الأرض الموبوءة أنَّ الكائن بالموضع الذي فيه الوباء لعلَّه أخذ بحظ منه؛ لاشتراك أهل ذلك الموضع في سبب ذلك المرض العام، فلا فائدة لفراره، بل يضيف إلى ما أصابه من مبادي الوباء مشقات السفر فيتفاقم المرض ويتضاعف الألم، فيهلك من باب أراد النجاة، ولذلك قيل: "قلَّما فرَّ أحد من الوباء وسلِم". ويكفي من ذلك موعظة قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ} [البقرة:243] قال الحسن البصري: "خرجوا حذرًا من الطاعون فأماتهم الله تعالى في ساعة واحدة، وهم أربعون ألفًا". وقيل غير هذا.
-أنه لو رخص للأصحاء في الخروج لبقي المرضى لا يجدون من يتعاهدهم، ولا يُمرّضهم، ولا من يواري ميتًا إن مات منهم، فتضيع مصالح العباد، وتُكسر قلوب المرضى، ويضعف صبر ذويهم، وهذا مخالفاً لما جاءت به مقاصد الإسلام من حفظ النفس، وتعزيز المسؤولية الجماعية للفرد المسلم، بأن يكون عوناً لمجتمعه في المضائق، قال تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [الحجرات: 10]، وأن تبذل الوسع والطاقة في معالجتهم والتخفيف عنهم، قال الله عز وجل: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]
وفيه أن تطويق المرض وتضييق مساحته وحصره في نطاق محدود أكثر إمكانية في السيطرة عليه ومكافحة انتشاره، ومنع استفحال العديد من الكوارث الصحية، والاقتصادية، والاجتماعية التي قد تنتج عنه.

٢٠٧٦. (خ م) (٢٢١٩) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ ﵄؛ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ ﵁ خَرَجَ إلى الشّامِ، حَتّى إذا كانَ بِسَرغَ لَقِيَهُ أهلُ الأَجنادِ أبُو عُبَيدَةَ بنُ الجَرّاحِ وأَصحابُهُ، فَأَخبَرُوهُ أنَّ الوَباءَ قَد وقَعَ بِالشّامِ، قالَ ابنُ عَبّاسٍ: فَقالَ عُمَرُ: ادعُ لِي المُهاجِرِينَ الأَوَّلِينَ. فَدَعَوتُهُم، فاستَشارَهُم، وأَخبَرَهُم أنَّ الوَباءَ قَد وقَعَ بِالشّامِ، فاختَلَفُوا؛ فَقالَ بَعضُهُم: قَد خَرَجتَ لأَمرٍ، ولا نَرى أن تَرجِعَ عَنهُ. وقالَ بَعضُهُم: مَعَكَ بَقِيَّةُ النّاسِ وأَصحابُ رَسُولِ اللهِ ﷺ، ولا نَرى أن تُقدِمَهُم عَلى هَذا الوَباءِ. فَقالَ: ارتَفِعُوا عَنِّي. ثُمَّ قالَ: ادعُ لِي الأَنصارَ. فَدَعَوتُهُم لَهُ، فاستَشارَهُم، فَسَلَكُوا سَبِيلَ المُهاجِرِينَ، واختَلَفُوا كاختِلافِهِم، فَقالَ: ارتَفِعُوا عَنِّي. ثُمَّ قالَ: ادعُ لِي مَن كانَ هاهُنا مِن مَشيَخَةِ قُرَيشٍ مِن مُهاجِرَةِ الفَتحِ. فَدَعَوتُهُم، فَلَم يَختَلِف عَلَيهِ رَجُلانِ، فَقالُوا: نَرى أن تَرجِعَ بِالنّاسِ ولا تُقدِمَهُم عَلى هَذا الوَباءِ. فَنادى عُمَرُ فِي النّاسِ: إنِّي مُصبِحٌ عَلى ظَهرٍ فَأَصبِحُوا عَلَيهِ. فَقالَ أبُو عُبَيدَةَ بنُ الجَرّاحِ: أفِرارًا مِن قَدَرِ اللهِ؟ فَقالَ عُمَرُ: لَو غَيرُكَ قالَها يا أبا عُبَيدَةَ (-وكانَ عُمَرُ يَكرَهُ خِلافَهُ-)، نَعَم، نَفِرُّ مِن قَدَرِ اللهِ إلى قَدَرِ اللهِ، أرَأَيتَ لَو كانَت لَكَ إبِلٌ فَهَبَطَت وادِيًا لَهُ عُدوَتانِ، إحداهُما خَصبَةٌ والأُخرى جَدبَةٌ؛ ألَيسَ إن رَعَيتَ الخَصبَةَ رَعَيتَها بِقَدَرِ اللهِ، وإن رَعَيتَ الجَدبَةَ رَعَيتَها بِقَدَرِ اللهِ. قالَ: فَجاءَ عَبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوفٍ، وكانَ مُتَغَيِّبا فِي بَعضِ حاجَتِهِ، فَقالَ: إنَّ عِندِي مِن هَذا عِلمًا، سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إذا سَمِعتُم بِهِ بِأَرضٍ فَلا تَقدَمُوا عَلَيهِ، وإذا وقَعَ بِأَرضٍ وأَنتُم بِها فَلا تَخرُجُوا فِرارًا مِنهُ». قالَ: فَحَمِدَ اللهَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ، ثُمَّ انصَرَفَ.
-أن الأمور التي يتوقع منها الضرر على الإنسان شرعت الشريعة الإسلامية الحذر منها وتجنبها، واتخاذ سبل الوقاية منها كمخالطة الصحيح للمريض مرضاً معديا، ولو جاء ذلك على سبيل الاحتياط سداً لذريعة المرض وحسماً لمادة الضرر، فالأولى بالعاقل أن يُباعد عن نفسه أسباب الآلام، وأن لا يتعرض إلى ما يفضي به إلى مجاهدة المهالك، والوقوع في المكاره.
-أن سلوك سبل الوقاية من العدوى يتأكد وجوباً إذا تعينت فيه مصلحة المسلمين، كعند تفشي الأوبئة، واستفحال الأمراض المعدية؛ حفظاً للأنفس، وسلامة المجتمعات، وأمن الأوطان التي هي من أعظم مقاصد الشريعة الإسلامية، وأن هذا من الجريان مع القدر باتخاذ أسباب النجاة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(2/ 458): " المسلم مأمور أن يفعل ما أمر الله به ويدفع ما نهى الله عنه وإن كانت أسبابه قد قُدّرت، فيدفع قدر الله بقدر الله ". كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " نَعَمْ، نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ إِلَى قَدَرِ اللهِ ". فهذا نوع من الفرار إلى قدر الله، فليس للإنسان أن يدع السعي فيما ينفعه الله به متكلاً على القدر، بل يفعل ما أمر الله ورسوله، كما قال ﷺ: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ ".
أن هذا لا يتعارض مع قوله ﷺ: "لاَ عَدْوَى" فهذا نفي منه ﷺ من اعتقاد أن للعدوى تأثيراً لها بذاتها؛ إذ أن تأثيرها ليس أمرًا حتميًا بحيث تكون علة فاعلة، لكنها سبباً ينفذ الله عز وجل به قدره على من قُدّر عليه، فالأسباب كلها لا تأثير لها إلا بمقتضى إرادة الله تعالى وتقديره، كما قال سبحانه:{وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ} [البقرة:102]، وكما نبه ﷺ الأعرابي أن العدوى تنتقل من المريض إلى الصحيح لكن انتقالها ليس ذاتياً بل هو خاضع لمشيئة الله تعالى، بقوله "فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ"، فحاصل جوابه: من أين جاء المرض لأول من أصيب به؛ فكل ذلك بتقدير الله تعالى.

١ س١) الذي سحر النبي ﷺ هو:

٥/٠