باب: فِـي صِفاتِ النَّبِيِّ ﷺ فِـي جَسَدِهِ


٢١٥٠. (خ م) (٢٣٤٧) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لَيسَ بِالطَّوِيلِ البائِنِ، ولا بِالقَصِيرِ، ولَيسَ بِالأَبيَضِ الأَمهَقِ، ولا بِالآدَمِ، ولا بِالجَعدِ القَطَطِ، ولا بِالسَّبِطِ، بَعَثَهُ اللهُ عَلى رَأسِ أربَعِينَ سَنَةً، فَأَقامَ بِمَكَّةَ عَشرَ سِنِينَ، وبِالمَدِينَةِ عَشرَ سِنِينَ، وتَوَفّاهُ اللهُ عَلى رَأسِ سِتِّينَ سَنَةً، ولَيسَ فِي رَأسِهِ ولِحيَتِهِ عِشرُونَ شَعرَةً بَيضاءَ.
- فيه أن النبي ﷺ كان طوله معتدلا، مربوع القامة، ذو بشرة مشربة بحمرة، وشعر مسترسل فيه بعض التكسر.
- قال العلماء المراد بالجعد هنا جعودة الجسم وهو اجتماعه واكتنازه وليس المراد جعودة الشعر (النووي).
- فيه أن النبي ﷺ مكث في مكة ثلاثة عشر عاما من أول ما جاءه الملك بالنبوة، وبالمدينة عشر سنين، وقبض وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء.

٢١٥١. (خ م) (٢٣٣٧) عَنِ البَراءِ ﵁؛ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ رَجُلًا مَربُوعًا، بَعِيدَ ما بَينَ المَنكِبَينِ، عَظِيمَ الجُمَّةِ إلى شَحمَةِ أُذُنَيهِ، عَلَيهِ حُلَّةٌ حَمراءُ، ما رَأَيتُ شَيئًا قَطُّ أحسَنَ مِنهُ ﷺ.
-فيه أن الجمع بين هذه الروايات أن ما يلي الأذن هو الذي يبلغ شحمة أذنيه وهو الذي بين أذنيه وعاتقه وما خلفه هو الذي يضرب منكبيه، قال: وقيل بل ذلك لاختلاف الأوقات فإذا غفل عن تقصيرها بلغت المنكب، وإذا قصرها كانت إلى أنصاف الأذنين فكان يقصر ويطول بحسب ذلك. (القاضي عياض).
-فيه حكاية الصحابي الجليل البراء رضي الله عنه لبعض من صفات النبي ﷺ، وكان قد رآه في حلة، لم ير أحسن منها قط لشدة جمالها على جسد الحبيب ﷺ.
- فيه حسن خَلقه ﷺ.

٢١٥٢. (خ م) (٢٣٣٧) عَنِ البَراءِ ﵁؛ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أحسَنَ النّاسِ وجهًا، وأَحسَنَهُ خَلقًا، لَيسَ بِالطَّوِيلِ الذّاهِبِ، ولا بِالقَصِيرِ. ورَوى (خ) عَنْ أبِي إسْحاقَ قالَ: سُئِلَ البَراءُ: أكانَ وجهُ النَّبِيِّ ﷺ مِثلَ السَّيفِ. قالَ: لا، بَل مِثلَ القَمَرِ.
-قوله (مثل السيف) يحتمل أنه أراد مثل السيف في الطول قال البراء لا بل مثل القمر في التدوير ويحتمل أنه أراد مثل السيف في اللمعان والصقال فقال البراء لا بل مثل القمر الذي فوق السيف في ذلك؛ لأن القمر يشمل التدوير واللمعان بل التشبيه به أبلغ لأن التشبيه بالقمر لوجه الممدوح شائع ذائع. (العيني)

٢١٥٣. (م) (٢٣٣٩) عَنْ سِماكِ بْنِ حَرْبٍ؛ عَن جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ﵁ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ضَلِيعَ الفَمِ، أشكَلَ العَينِ، مَنهُوسَ العَقِبَينِ. قالَ [شُعبَةُ]: قُلتُ لِسِماكٍ: ما ضَلِيعُ الفَمِ؟ قالَ: عَظِيمُ الفَمِ. قالَ: قُلتُ: ما أشكَلُ العَينِ؟ قالَ: طَوِيلُ شَقِّ العَينِ. قالَ: قُلتُ: ما مَنهُوسُ العَقِبِ؟ قالَ: قَلِيلُ لَحمِ العَقِبِ.
-فيه أن النبي ﷺ قد أوتي من جمال البشر ما يليق بمثله.
-في قوله: ضَلِيْعَ الفم: كناية عن الفصاحة، وقيل: عظيمه، وقيل: واسعه، والعرب تمدح عِظَمَ الفم، وتذمُّ صغره.

٢١٥٤. (م) (٢٣٤٠) عَنْ سَعِيدِ بْنِ إياسٍ الجُرَيْرِيِّ؛ عَن أبِي الطُّفَيلِ ﵁ قالَ: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ وما عَلى وجهِ الأَرضِ رَجُلٌ رَآهُ غَيرِي. قالَ: فَقُلتُ لَهُ: فَكَيفَ رَأَيتَهُ؟ قالَ: كانَ أبيَضَ مَلِيحًا مُقَصَّدًا. وفي رواية: مَلِيحَ الوَجهِ. قالَ مُسلِمُ بنُ الحَجّاجِ: ماتَ أبُو الطُّفَيلِ سَنَةَ مِائَةٍ، وكانَ آخِرَ مَن ماتَ مِن أصحابِ النَّبِيِّ ﷺ.
-فيه بيان بعضا من صفاته ﷺ وشمائله، وأنه كان من أجمل الخلق، ووسطا في صفاته.

٢١٥٥. (م) (٢٣٤٤) عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ﵁ يَقُولُ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ قَد شَمِطَ مُقَدَّمُ رَأسِهِ ولِحيَتِهِ، وكانَ إذا ادَّهَنَ لَم يَتَبَيَّن، وإذا شَعِثَ رَأسُهُ تَبَيَّنَ، وكانَ كَثِيرَ شَعرِ اللِّحيَةِ. فَقالَ رَجُلٌ: وجهُهُ مِثلُ السَّيفِ. قالَ: لا بَل كانَ مِثلَ الشَّمسِ والقَمَرِ، وكانَ مُستَدِيرًا، ورَأَيتُ الخاتَمَ عِنْدَ كَتِفِهِ مِثلَ بَيضَةِ الحَمامَةِ يُشبِهُ جَسَدَهُ.
-فيه أن المعنى هو: أنه إذا دهن رأسه لم ير منه شيء، وإذا لم يدهن رئي منه، يعني دهنه بالطيب. فكأن ظهور الشيب قائما على استعمال الدهن، فإذا استعمله لم يتبين شيبه، وإذا شعث وتفرق شعر رأسه تبين وظهر بعض الشيب.

٢١٥٦. (خ) (٥٩٠٧) عَنْ أنَسٍ ﵁ قالَ: كانَ النَّبِيُّ ﷺ ضَخمَ اليَدَينِ والقَدَمَينِ، حَسَنَ الوَجهِ، لَم أرَ بَعدَهُ ولا قَبلَهُ مِثلَهُ، وكانَ بَسِطَ الكَفَّينِ.

باب: فِـي خاتَمِ النُّبُوَّةِ


٢١٥٧. (خ م) (٢٣٤٥) عَنِ السّائِبِ بْنِ يَزِيدَ ﵁ قالَ: ذَهَبَت بِي خالَتِي إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقالَت: يا رَسُولَ اللهِ؛ إنَّ ابنَ أُختِي وجِعٌ. فَمَسَحَ رَأسِي، ودَعا لِي بِالبَرَكَةِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، فَشَرِبتُ مِن وضُوئِهِ، ثُمَّ قُمتُ خَلفَ ظَهرِهِ، فَنَظَرت إلى خاتَمِهِ بَينَ كَتِفَيهِ مِثلَ زِرِّ الحَجَلَةِ.
٢١٥٨. (م) (٢٣٤٦) عَنْ عاصِمٍ الأَحْوَلِ؛ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرجِسَ ﵁ قالَ: رَأَيتُ النَّبِيَّ ﷺ، وأَكَلتُ مَعَهُ خُبزًا ولَحمًا أو قالَ ثَرِيدًا. قالَ: فَقُلتُ لَهُ: أستَغفَرَ لَكَ النَّبِيُّ ﷺ؟ قالَ: نَعَم، ولَكَ، ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: ﴿واسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ولِلْمُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ﴾ [محمد: ١٩]، قالَ: ثُمَّ دُرتُ خَلفَهُ، فَنَظَرتُ إلى خاتَمِ النُّبُوَّةِ بَينَ كَتِفَيهِ عِنْدَ ناغِضِ كَتِفِهِ اليُسرى جُمعًا عَلَيهِ خِيلانٌ كَأَمثالِ الثَّآلِيلِ.
-فيه بركة النبي ﷺ، وبركة ماء وضوئه، وفضل دعائه.
-فيه حسن رعايته ﷺ لأصحابه، ودعاؤه للصبيان بالبركة ومسحه رؤوسهم.
-فيه فضيلة السائب بن يزيد رضي الله عنه.
الخاتم على وجه الاعتبار أن قلبه عليه الصلاة والسلام لما مليء حكمة وإيمانا كما في الصحيح ختم عليه كما يختم على الوعاء المملوء مسكا أو درا فلم يجد عدوه سبيلا إليه من أجل ذلك الختم ؛ لأن الشيء المختوم محروس, وكذا تدبير الله عز وجل في هذه الدنيا إذا وجد الشيء بختمه زال الشك وانقطع الخصام فيما بين الآدميين, فلذلك ختم رب العالمين في قلبه ختما تطامن له القلب, وبقي النور فيه, ونفذت قوة القلب إلى الصلب فظهرت بين الكتفين كالبيضة, ومن أجل ذلك برز بالصدق على أهل الموقف, فصارت له الشفاعة من بين الرسل بالمقام المحمود ؛ لأن ثناء الصدق هو الذي خصه ربه بما لم يخص به أحدا غيره من الأنبياء وغيرهم، يحققه قول الله العظيم : {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ }[يونس:2] (العيني)

باب: فِـي شَيْبِ النَّبِيِّ ﷺ


٢١٥٩. (خ م) (٢٣٤١) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁؛ سُئِلَ عَن خِضابِ النَّبِيِّ ﷺ، فَقالَ: لَو شِئتُ أن أعُدَّ شَمَطاتٍ كُنَّ فِي (رَأسِهِ) فَعَلتُ، وقالَ: لَم يَختَضِب، وقَد اختَضَبَ أبُو بَكرٍ بِالحِنّاءِ والكَتَمِ، (واختَضَبَ عُمَرُ بِالحِنّاءِ بَحتًا). وفي رواية: فِي لِحيَتِهِ.
ورَوى (م) عَن أنَسٍ قالَ: يُكرَهُ أن يَنتِفَ الرَّجُلُ الشَّعرَةَ البَيضاءَ مِن رَأسِهِ ولِحيتِهِ. قالَ: ولَم يَختضِب رَسُولُ اللهِ ﷺ، إنَّما كانَ البَياضُ فِي عَنفَقَتِهِ، وفِي الصُّدغَينِ وفِي الرَّأسِ نَبذٌ.
-مسألة هل خضب النبي ﷺ أم لا؟
فمنعه الأكثر لحديث أنس، وهو قول مالك. وذهب بعض أصحاب الحديث أنه خضب، واحتجوا بحديث أم سلمة هذا، وبقول ابن عمر: أنه رأى النبي ﷺ يصبغ بالصفرة. وقد تقدم اختلاف التأويل في هذا، لكن الطبري رواه: " يصفر لحيته ".
وجمع بعضهم بين هذا بما أشار إليه أنس من قوله في حديث أم سلمة: " ما أدري ما هذا الذي يحدثون إلا أن يكون ذلك من الطيب الذي يطيب به شعره " وذلك أنه كان عليه السلام كثيرًا ما يستعمل الطيب, وهو يغير لون الشعر ويزيل سواده، ويعجل فيه الشيب لمن أدامه، لا سيما بعض أنواعه مثل الكافور. فأشار أنس أن تغيير ذلك ليس بصبغ، وإنما هو ضعف لون سواد شعره من أجل الطيب.
وقيل: قد يكون خضابه ليس لأجل الشيب لكن لتليين الشعر وتحسينه لا لتغيير الشيب فيه. فمن نفى الخضاب أراد الذي هو الصبغ للشيب، ومن أثبته فمعناه ما ذكرناه.

٢١٦٠. (خ م) (٢٣٤٣) عَنْ أبِي جُحَيْفَةَ ﵁؛ قالَ: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ أبيَضَ (قَد شابَ)، كانَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ يُشبِهُهُ. لَفظُ (خ): قد شَمِطَ، وزاد: وأَمَرَ لنا النَّبِيُّ ﷺ بثلاثَ عشْرةَ قَلُوصًا، قال: فَقُبِضَ النَّبِيُّ ﷺ قبل أن نقبِضَها. ورَوى (خ) عَن عُقبَةَ بْنِ الحارِثِ قالَ: صَلّى أبُو بَكرٍ ﵁ العَصرَ، ثُمَّ خَرَجَ يَمشِي، فَرَأى الحَسَنَ يَلعَبُ مَعَ الصِّبيانِ، فَحَمَلَه عَلى عاتِقِهِ، وقالَ: بِأَبِي شَبِيهٌ بِالنَّبيِّ لا شَبِيهٌ بِعَليٍّ. وعَليٌّ يَضحَكُ.
-فيه أن المشبَّهون برسول الله ﷺ عددهم خمسة، وهم: جَعفرُ بنُ أبي طالبٍ، والحَسنُ بنُ عليٍّ، وقَثْمُ بنُ العبَّاسِ، وأبو سُفيان بنُ الحارثِ، والسَّائبُ بنُ عُبَيْدٍ رضي اللهُ تعالى عنهم.
-فيه ما كان عليه الصحابة رضِي الله عنهم من الحب والألفة بينهم، ومعرفة بعضهم فضل بعض.
فيه ترك الصبي المميز يلعب؛ لأن الحسن إذ ذاك كان ابن سبع سنين وقد سمع من النبي صلى الله عليه و سلم وحفظ عنه، ولعبه محمول على ما يليق بمثله في ذلك الزمان من الأشياء المباحة بل على ما فيه تمرين وتنشيط ونحو ذلك. (ابن حجر)

باب: صِفَةُ شَعَرِ النَّبِيِّ ﷺ


٢١٦١. (خ م) (٢٣٣٨) عَنْ أنَسٍ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كانَ يَضرِبُ شَعَرُهُ مَنكِبَيهِ. وفي رواية: كان شَعَرًا رَجِلًا، ليس بالجَعدِ ولا السَّبطِ، بين أُذُنَيهِ وعاتِقِهِ.
٢١٦٢. (خ م) (٢٣٣٦) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: كانَ أهلُ الكِتاب يَسدِلُونَ أشعارَهُم، وكانَ المُشرِكُونَ يَفرُقُونَ رُؤوسَهُم، وكانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُحِبُّ مُوافَقَةَ أهلِ الكِتابِ فِيما لَم يُؤمَر بِهِ، فَسَدَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ناصِيَتَهُ، ثُمَّ فَرَقَ بَعدُ.
-فيه أنه كان ﷺ يترك شعره على جبينه؛ لأن المشركين كانوا يفرقون رؤوسهم، وأهل الكتاب يسدلون، فوافق النبي ﷺ أهل الكتاب وخالف عبدة الأوثان؛ لأن أهل الكتاب أقرب إلى الحق من المشركين.
فيه أنه كان ﷺ يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يرد فيه وحي. وموافقته ﷺ لهم؛ لأنه كان لا بد من موافقة أحد الفريقين، فاختار موافقة أهل الكتاب لأنهم على بقية من دين الرسل فيما تبين أنهم لم يحرفوه ولا بدلوه، ثم بعد ذلك لما لم يتبق سوى أهل الكتاب ودخل العرب في دين الله ففرق شعره؛ مخالفة لأهل الكتاب، وأمر بمخالفة اليهود والنصارى. (النووي)

باب: طِيبُ رائِحَةِ النَّبِيِّ ﷺ ولِينُ مَسِّهِ


٢١٦٣. (خ م) (٢٣٣٠) عَنْ أنَسٍ ﵁ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أزهَرَ اللَّونِ، (كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤلُؤُ، إذا مَشى تَكَفَّأَ)، ولا مَسِستُ دِيباجَةً ولا حَرِيرَةً أليَنَ مِن كَفِّ رَسُولِ اللهِ ﷺ، ولا شَمِمتُ مِسكَةً (ولا عَنبَرَةً) أطيَبَ مِن رائِحَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ. لَفظُ (خ): ولا عَبِيرَةً.
٢١٦٤. (م) (٢٣٢٩) عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ﵁ قالَ: صَلَّيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ صَلاةَ الأُولى، ثُمَّ خَرَجَ إلى أهلِهِ وخَرَجتُ مَعَهُ، فاستَقبَلَهُ وِلدانٌ فَجَعَلَ يَمسَحُ خَدَّي أحَدِهِم واحِدًا واحِدًا، قالَ: وأَمّا أنا فَمَسَحَ خَدِّي، قالَ: فَوَجَدتُ لِيَدِهِ بَردًا أو رِيحًا، كَأَنَّما أخرَجَها مِن جُؤنَةِ عَطّارٍ.
-فيه جمال طيبه ﷺ ورائحته، فقد كان على أكمل الصفات خَلْقًا وخُلقًا.
فيه أن النبي ﷺ جمع بين صفتي الليونة والغلظة في يده، والجمع بينهما: المراد اللين في الجلد والغلظ في العظام فيجتمع له نعومة البدن وقوته، أو حيث وصف باللين واللطافة حيث لا يعمل بهما شيئا كان بالنسبة إلى أصل الخلقة، وحيث وصف بالغلظ والخشونة فهو بالنسبة إلى امتهانهما بالعمل، فإنه يتعاطى كثيرا من أموره بنفسه صلى الله عليه و سلم. (ابن حجر).

باب: حالُهُ ﷺ حِينَ يَأْتِيهِ الوَحْيُ


٢١٦٥. (خ م) (٢٣٣٣) عَنْ عائِشَةَ ﵂؛ أنَّ الحارِثَ بنَ هِشامٍ سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ: كَيفَ يَأتِيكَ الوَحيُ؟ فَقالَ: «أحيانًا يَأتِينِي فِي مِثلِ صَلصَلَةِ الجَرَسِ، وهُوَ أشَدُّهُ عَلَيَّ، ثُمَّ يَفصِمُ عَنِّي وقَد وعَيتُهُ، وأَحيانًا مَلَكٌ فِي مِثلِ صُورَةِ الرَّجُلِ، فَأَعِي ما يَقُولُ». لفظ (خ): «وأحيانًا يتمثَّلُ لي الملكُ رَجُلًا، فيكلِّمُنِي ...».
٢١٦٦. (خ م) (٢٣٣٣) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: إن كانَ لَيُنزَلُ عَلى رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي الغَداةِ البارِدَةِ، ثُمَّ تَفِيضُ جَبهَتُهُ عَرَقًا. لَفظُ (خ): فِي اليَومِ الشَّدِيدِ البَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنهُ..
٢١٦٧. (م) (٢٣٣٤) عَنْ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ ﵁ قالَ: كانَ نَبِيُّ اللهِ ﷺ إذا أُنزِلَ عَلَيهِ الوَحِي كُرِبَ لِذَلكَ وتَرَبَّدَ وجهُهُ. ورَوى (م) عَنهُ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إذا أُنزِلَ عَلَيهِ الوَحيُ نَكَسَ رَأسَهُ، ونَكَسَ أصحابُهُ رُؤُوسَهُم، فَلَمّا أُتلِيَ عَنهُ رَفَعَ رَأسَهُ.
-فيه أن الحكمة من أن يتفرغ سمعه ﷺ ولا يبقى فيه ولا في قلبه مكان لغير صوت الملك. (النووي)
-أن الملك يفارق على أن يعود ولا يفارقه مفارقة قاطع لا يعود (النووي).
-مقصود السائل بيان ما يختص به النبي صلي الله عليه وسلم (النووي)
فيه أنه كان سؤالهم عن إتيانهم في اليقظة، وأما الرؤيا فمشتركة في كيفيتها غيره وقد عرفوها، فلم يشكل عليهم ولا سألوه عنها. (القاضي عياض).

باب: طِيبُ عَرَقِ النَّبِيِّ ﷺ وشَعْرِهِ وجَوازُ التَّبَرُّكِ بِهِ


٢١٦٨. (خ م) (٢٣٣٢) عَنْ أنَسٍ ﵁، عَن أُمِّ سُلَيمٍ؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ يَأتِيها، فَيَقِيلُ عِندَها، فَتَبسُطُ لَهُ نِطعًا فَيَقِيلُ عَلَيهِ، (وكانَ كَثِيرَ العَرَقِ)، فَكانَت تَجمَعُ عَرَقَهُ فَتَجعَلُهُ فِي الطِّيبِ والقَوارِيرِ، (فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «يا أُمَّ سُلَيمٍ؛ ما هَذا؟» قالَت: عَرَقُكَ، أدُوفُ بِهِ طِيبِي). وفي رواية (خ): فَإذا نامَ النَّبِيُّ ﷺ أخَذَت مِن عَرَقِهِ وشَعَرِهِ فَجَمَعَتهُ فِي قارُورَةٍ، ثُمَّ جَمَعَتهُ فِي سُكٍّ، قالَ: فَلَمّا حَضَرَ أنَسَ بنَ مالِكٍ الوَفاةُ أوصى إلَيَّ أن يُجعَلَ فِي حَنُوطِهِ مِن ذَلِكَ السُّكِّ، قالَ: فَجُعِلَ فِي حَنُوطِهِ.
وفي رواية (م): عَنهُ قالَ: كانَ النَّبِيُّ ﷺ يَدخُلَ بَيتَ أمِّ سُلَيمٍ فَيَنامُ عَلى فِراشِها، وليسَت فِيهِ، قال: فَجاءَ ذاتَ يومٍ فَنامَ عَلى فِراشِها، فأُتِيَت فَقِيلَ لها: هذا النبيُّ ﷺ نامَ في بيتِكِ، على فِراشِكِ. قالَ: فَجاءت وقَد عَرِقَ، واستَنقَعَ عَرَقُهُ على قطعَةِ أدِيمٍ على الفِراشِ، فَفَتَحَت عَتِيدَتَها، فَجَعَلت تُنَشِّفُ ذلكَ العَرَقَ فتعصِرُه في قوارِيرِها، فَفَزِعَ النبيُّ ﷺ فَقالَ: «ما تَصنَعِينَ يا أمَّ سُلَيمٍ؟» فقالت: يا رسولَ اللهِ؛ نَرجُو بَرَكَتَهُ لِصبيانِنا. قال: «أصَبتِ».
٢١٦٩. (خ) (١٧٠) عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قالَ: قُلتُ لِعَبِيدَةَ: عِندَنا مِن شَعَرِ النَّبِي ﷺ أصَبناهُ مِن قِبَلِ أنَسٍ أو مِن قِبَلِ أهلِ أنَسٍ، فَقالَ: لأن تَكُونَ عِندِي شَعَرَةٌ مِنهُ أحَبُّ إلَيَّ مِن الدُّنيا وما فِيها.
٢١٧٠. (خ) (٥٨٩٦) عَنْ عُثْمانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ قالَ: أرسَلَنِي أهلِي إلى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ بِقَدَحٍ مِن ماءٍ -وقَبَضَ إسرائِيلُ ثَلاثَ أصابِــعَ- مِن فِضَّةٍ فِيهِ شَعَرٌ مِن شَعَرِ النَّبِيِّ ﷺ، وكانَ إذا أصابَ الإنسانَ عَينٌ أو شَيءٌ بَعَثَ إلَيها مِخضَبَهُ، فاطَّلَعتُ فِي الجُلجُلِ، فَرَأَيتُ شَعَراتٍ حُمرًا. وفي نُسخَةٍ: مِن قُصَّةٍ.
-فيه أن أم سليم أخذت العرق وقت قيلولته وأضافته إلى الشعر الذي عندها، لا أنها أخذت من شعره لما نام. (ابن حجر)
-فيه اطلاع النبي ﷺ على فعل أم سليم وتصويبه, ولا معارضة بين قولها أنها كانت تجمعه لأجل طيبه وبين قولها للبركة بل يحمل على أنها كانت تفعل ذلك للأمرين معا (ابن حجر)
-في هذا الحديث مشروعية القائلة للكبير في بيوت معارفه لما في ذلك من ثبوت المودة وتأكد المحبة ( المهلب )
-كانت أم سليم, وأم حرام, وأخوهما حرام أخوال النبي - ﷺ - من الرضاعة. ( الداودي )
-فيه أن أكثر العلماء أنه عليه السلام لم يخضب (ابن بطال)
-فيه أن ما قامت به أم سليم من خضخضة الشعر في الإناء؛ لتبقى بركته في ذلك الماء فيشربه المعين أو الوصب، فيدفع الله عنه ببركة ذلك الشعر ما به من شكوى. (ابن بطال)
-فيه أن الناس كانوا عند مرضهم يتبركون بهذه الشعرات التي عند أم سليم رضي الله عنها، ويستشفون من بركتها، فتارة يجعلونها في قدح من الماء فيشربون ماءه، وتارة في إجانة مليئة من الماء يجلسون في الماء الذي فيه تلك الجلجلة التي فيها الشعر.

باب: حَياؤُهُ ﷺ


٢١٧١. (خ م) (٢٣٢٠) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أشَدَّ حَياءً مِن العَذراءِ فِي خِدرِها، وكانَ إذا كَرِهَ شَيئًا عَرَفناهُ فِي وجهِهِ.
-فيه بيان أن الصحابة يعرفون كل ما يظهر في وجه رسول الله ﷺ.
-في قوله (إذا كره شيئا عرفناه في وجهه) فيه شدة حيائه ﷺ حتى لا يكاد يتكلم.
-فيه فضيلة الحياء وأنها من شعب الإيمان وهذا خير كله فالحياء لا يأتي إلا بخير.

باب: رَحْمَةُ النَّبِيِّ ﷺ بِالنّاسِ والصِّبْيانِ


٢١٧٢. (خ م) (٢٣١٧) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: قَدِمَ ناسٌ مِن الأعرابِ عَلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقالُوا: أتُقَبِّلُونَ صِبيانَكُم؟ فَقالُوا: نَعَم. فَقالُوا: لَكِنّا واللهِ ما نُقَبِّلُ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «وأَملِكُ إن كانَ اللهُ نَزَعَ مِنكُم الرَّحمَةَ».
٢١٧٣. (خ م) (٢٣١٨) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ الأَقرَعَ بنَ حابِسٍ أبصَرَ النَّبِيَّ ﷺ يُقَبِّلُ الحَسَنَ، فَقالَ: إنَّ لِي عَشرَةً مِن الوَلَدِ ما قَبَّلتُ واحِدًا مِنهُم. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّهُ مَن لا يَرحَم لا يُرحَم».
ولَهُما عَن جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن لا يَرْحَم النّاسَ لا يرحمه الله».
-فيه أن تقبيل الصغار وحملهم والاحتفاء بهم مما يستحق به رحمة الله تعالى.
-في قوله ﷺ (وأملك إن كان نزع ....) فيه بيان أن هذا سببه قلة ما في قلوبكم من الرحمة، وكثرة القسوة.
-قوله " من لا يرحم لا يُرحَمْ" : فيه أنه لا يستحق أن يرحمه الله، والظاهر أنه إخبار بأنه لا يرحمه الله، ويحتمل أن يكون دعاء منه ﷺ.
-فيه أن كمال الرحمة هو أن تتعامل مع الخلق بما يمليه عليك دينك.
-فيه أن كاشف وجود الرحمة في القلب هو إرادة الخير للخلق.
فيه أنه من الرحمة واجبة؛ وهي كف الأذى عن المسلمين، وإغاثة الملهوف، وفك العاني، وإحياء المضطر، واستنقاذ الغريق، والواقع في هلكته وتسميته، ومن ذلك: سد خلة الضعفاء والفقراء من الواجبات، فهذا كله ممن يستجلب به رحمة الله (القاضي عياض)

٢١٧٤. (خ م) (٢٣١٥) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: (قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «وُلِدَ لِي اللَّيلَةَ غُلامٌ فَسَمَّيتُهُ بِاسمِ أبِي إبراهِيمَ»). ثُمَّ دَفَعَهُ إلى أُمِّ سَيفٍ؛ امرَأَةِ قَينٍ يُقالُ لَهُ: أبُو سَيفٍ، فانطَلَقَ يَأتِيهِ، واتَّبَعتُهُ، فانتَهَينا إلى أبِي سَيفٍ (وهُوَ يَنفُخُ بِكِيرِهِ، قَد امتَلأَ البَيتُ دُخانًا، فَأَسرَعتُ المَشيَ بَينَ يَدَي رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقُلتُ: يا أبا سَيفٍ؛ أمسِك)، جاءَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَأَمسَكَ، فَدَعا النَّبِيُّ ﷺ بِالصَّبِيِّ، (فَضَمَّهُ إلَيهِ، وقالَ ما شاءَ اللهُ أن يَقُولَ)، فَقالَ أنَسٌ: لَقَد رَأَيتُه وهُوَ يَكِيدُ بِنَفسِهِ بَينَ يَدَي رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَدَمَعَت عَينا رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقالَ: «تَدمَعُ العَينُ، ويَحزَنُ القَلبُ، ولا نَقُولُ إلا ما يَرضى رَبُّنا، واللهِ يا إبراهِيمُ إنّا بِكَ لَمَحزُونُونَ». لَفظُ (خ): فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إبراهِيمَ فَقَبَّلَهُ وشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلنا عَلَيهِ بَعدَ ذَلكَ وإبراهِيمُ يَجُودُ بِنَفسِهِ، فَجَعَلَت عَينا رَسُولِ اللهِ ﷺ تَذرِفانِ، فَقالَ لَهُ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ: وأَنتَ يا رَسُولَ اللهِ؟ فَقالَ: «يا ابنَ عَوفٍ؛ إنَّها رَحمَةٌ». ثمَّ أتبَعَها بِأُخرى.
٢١٧٥. (م) (٢٣١٦) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: ما رَأَيتُ أحَدًا كانَ أرحَمَ بِالعِيالِ مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ، قالَ: كانَ إبراهِيمُ مُستَرضِعًا لَهُ فِي عَوالِي المَدِينَةِ، فَكانَ يَنطَلِقُ ونَحنُ مَعَهُ، فَيَدخُلُ البَيتَ وإنَّهُ لَيُدَّخَن، وكانَ ظِئرُهُ قَينًا، فَيَأخُذُهُ فَيُقَبِّلُهُ، ثُمَّ يَرجِعُ، فَلَمّا تُوُفِّيَ إبراهِيمُ قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ إبراهِيمَ ابنِي، وإنَّهُ ماتَ فِي الثَّديِ، وإنَّ لَهُ لَظِئرَينِ تُكَمِّلانِ رَضاعَهُ فِي الجَنَّةِ». رَواه (خ) مُختَصَرًا؛ عَنِ البَراءِ بْنِ عازِب ﵄ قالَ: لمّا تُوُفِّيَ إبراهِيمُ قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ لَهُ مُرضِعًا فِي الجَنَّةِ».
٢١٧٦. (خ) (٦١٩٤) عَنْ إسْماعِيلَ قالَ: قلت لابنِ أبِي أوفى: رَأَيتَ إبراهِيمَ ابنَ النَّبِيِّ ﷺ؟ قالَ: ماتَ صَغِيرًا، ولَو قُضِيَ أن يَكُونَ بَعدَ مُحَمَّدٍ ﷺ نَبِيٌّ عاشَ ابنُهُ، ولَكِن لا نَبِيَّ بَعدَهُ.
-فيه أن البكاء على المصيبة غريزة إنسانية لا يأثم عليها المرء طالما لم يتخلله سخط, أو نوح, أو عدم رضا بقضاء الله.
-فيه تقبيل الولد وشمه جائز.
-فيه جواز أن يسمى المولود ليلة ولادته لقوله: "ولد لي غلام فسميته باسم أبي إبراهيم". (ابن هبيرة)
-فيه أنه يستحب للرجل أن يسمى ولده باسم أبيه إذا كان قد مات أبوه. (ابن هبيرة)
-فيه أن هذا الحديث يفسر البكاء المباح, والحزن الجائز وهو ما كان بدمع العين, ورقة القلب من غير سخط لأمر الله، وهو أبين شيء وقع في هذا المعنى. (ابن حجر)
- وفيه مشروعية تقبيل الولد وشمه, ومشروعية الرضاع, وعيادة الصغير, والحضور عند المحتضر, ورحمة العيال, وجواز الإخبار عن الحزن. (ابن حجر).
-فيه أن ما لا يملك الإنسان من دمع العين وحزن القلب غير مؤاخذ به عند المصائب (القاضي عياض).

باب: رَحْمَةُ النَّبِيِّ ﷺ بِالنِّساءِ


٢١٧٧. (خ م) (٢٣٢٣) عَنْ أنَسٍ ﵁ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي بَعضِ أسفارِهِ، وغُلامٌ أسوَدُ يُقالُ لَهُ أنجَشَةُ يَحدُو، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يا أنجَشَةُ؛ رُوَيدَكَ سَوقًا بِالقَوارِيرِ». وفي رواية: «رُوَيدًا يا أنجَشَةُ؛ لا تَكسِرِ القَوارِيرَ»؛ يَعنِي: ضَعَفَةَ النِّساءِ. وفي رواية: قالَ أبُو قِلابةَ: تَكَلَّمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بكلمةٍ لو تكلَّمَ بها بعضُكُم لعِبتُمُوها عَليهِ.
-فيه أن الحداء والترنم بالأرجاز في مواضعها، من سوق الإبل، وقطع الأسفار، وإنشاد الرقيق من الشعر بالأصوات الحسنة.
-فيه رحمة النبي ﷺ بالنساء وحسن لطفه بهن.
-فيه أن المراد به الرفق في السير، وترك حث الإبل؛ لئلا يسقط النساء عند قوة حركة السير بالحداء؛ لقلة ثباتهن في الركوب، بخلاف الرجال، فيسقطن فينكسرن كالقوارير. (القاضي عياض).

باب: فِـي شَجاعةِ النَّبِيِّ ﷺ


٢١٧٨. (خ م) (٢٣٠٧) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أحسَنَ النّاسِ، وكانَ أجوَدَ النّاسِ، وكانَ أشجَعَ النّاسِ، ولَقَد فَزِعَ أهلُ المَدِينَةِ ذاتَ لَيلَةٍ، فانطَلَقَ ناسٌ قِبَلَ الصَّوتِ، فَتَلَقّاهُم رَسُولُ اللهِ ﷺ راجِعًا، وقَد سَبَقَهُم إلى الصَّوتِ، وهُوَ عَلى فَرَسٍ لأَبِي طَلْحَةَ عُريٍ، فِي عُنُقِهِ السَّيفُ، وهُوَ يَقُولُ: «لَم تُراعُوا، لَم تُراعُوا، قالَ: وجَدناهُ بَحرًا، أو إنَّهُ لَبَحرٌ». قالَ: وكانَ فَرَسًا يُبَطَّأُ. وفي رواية (خ): فَكانَ بَعدَ ذَلِكَ لا يُجارى.
-فيه شجاعته ﷺ فمن شدة عجلته في الخروج إلى العدو قبل الناس كلهم بحيث كشف الحال, ورجع قبل وصول الناس. (النووي)
- وفيه بيان عظيم بركته ومعجزته في انقلاب الفرس سريعا بعد أن كان يبطأ وهو معنى قوله ﷺ " وجدناه بحرا أي واسع الجري". (النووي).
- وفيه جواز سبق الإنسان وحده في كشف أخبار العدو مالم يتحقق الهلاك. (النووي)
- وفيه جواز العارية, وجواز الغزو على الفرس المستعار لذلك. (النووي).
-وفيه استحباب تقلد السيف في العنق واستحباب تبشير الناس بعدم الخوف. (النووي).

باب: كانَ النَّبِيُّ ﷺ أحْسَنَ النّاسِ خُلُقًا


٢١٧٩. (خ م) (٢٣٠٩) عَنْ أنَسٍ ﵁ قالَ: لَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ المَدِينَةَ أخَذَ أبُو طَلْحَةَ بِيَدِي، فانطَلَقَ بِي إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ إنَّ أنَسًا غُلامٌ كَيِّسٌ، فَليَخدُمكَ. قالَ: فَخَدَمتُهُ فِي السَّفَرِ والحَضَرِ، واللهِ ما قالَ لِي لِشَيءٍ صَنَعتُهُ: لِمَ صَنَعتَ هَذا هَكَذا، ولا لِشَيءٍ لَم أصنَعهُ: لِمَ لَم تَصنَع هَذا هَكَذا. وفي رواية: خَدَمتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَشرَ سِنِينَ، واللهِ ما قالَ لِي: أُفًّا قَطُّ، ولا قالَ لِي لِشَيءٍ: لِمَ فَعَلتَ كَذا، وهَلاَّ فَعَلتَ كَذا. وفي رواية (م): لِشَيءٍ مِمّا يَصنَعُهُ الخادِمُ. وفي رواية (م): ولا عابَ عَلَيَّ شَيئًا قَطُّ.
وفي رواية (خ): قَدِمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ المَدِينَةَ لَيسَ لَهُ خادِمٌ ...
٢١٨٠. (خ م) (٢٣١٠) عَنْ أنَسِ بن مالكٍ ﵁ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أحسَنَ النّاسِ خُلُقًا. زادَ (م) فِي رِوايَةٍ: فَأَرسَلَنِي يَومًا لِحاجَةٍ، فَقُلتُ: واللهِ لا أذهَبُ، وفِي نَفسِي أن أذهَبَ لِما أمَرَنِي بِهِ نَبيُّ اللهِ ﷺ، فَخَرَجتُ حَتّى أمُرَّ عَلى صِبيانٍ وهُم يَلعَبُونَ فِي السُّوقِ، فَإذا رَسُولُ اللهِ ﷺ قَد قَبَضَ بِقَفاي مِن ورائِي، قالَ: فَنَظَرتُ إلَيهِ وهُو يَضحَكُ، فَقالَ: «يا أُنيسُ؛ أذَهَبتَ حَيثُ أمَرتُكَ؟» قالَ: قُلتُ: نَعَم، أنا أذهَبُ يا رَسُولَ اللهِ ...
٢١٨١. (خ م) (٢٣٢١) عَنْ مَسْرُوقٍ قالَ: دَخَلنا عَلى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو حِينَ قَدِمَ مُعاوِيَةُ إلى الكُوفَةِ، فَذَكَرَ رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَقالَ: لَم يَكُن فاحِشًا، ولا مُتَفَحِّشًا، وقالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ مِن خِيارِكُم أحاسِنَكُم أخلاقًا». وفي رواية (خ): وقالَ: «إنَّ مِن أحَبِّكُم إلَيَّ أحسَنُكُم أخلاقًا».
٢١٨٢. (خ) (٦٠٤٦) عَنْ أنَسٍ ﵁ قالَ: لَم يَكُن رَسُولُ اللهِ ﷺ فاحِشًا، ولا لَعّانًا، ولا سَبّابًا، كانَ يَقُولُ عِنْدَ المَعتَبَةِ: «ما لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ؟»
-فيه من الفقه: جواز استخدام اليتيم الحر الصغير الذي لا يحوز أمره. (المهلب)
- وفيه: أن خدمة العالم والإمام واجبة على المسلمين وأن ذلك شرف لمن خدمهم لما يرجى من بركة ذلك. (المهلب)
-فيه كرم خلقه ﷺ وصبره، وحسن عشيرته. (القاضي عياض).
-وفيه: السفر باليتيم إذا كان ذَلِكَ من الصلاح. (ابن الملقن)
-وفيه: الثناء على المرء بحضرته إذا أمن عليه الفتنة. (ابن الملقن)
-" ترب جبيينه " : هذه كلمة تقولها العرب جرت على ألسنتهم، وهي من التراب، أي: سقط جبينه للأرض، وربما قالوا: رغم أنفه.
-فيه أن مخالقة الناس باليمن, والبشر والتودد لهم, والإشفاق عليهم, واحتمالهم, والحلم عنهم, والصبر عليهم في المكاره, وترك الكبر والاستطالة عليهم, ومجانبة الغلظة والغضب, و عدم المؤاخذة من شيم الأخلاق وأفضلها (القاضي عياض).

باب: صِفَةُ حَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ


٢١٨٣. (خ م) (٢٤٩٣) عَنْ عُرْوَةَ قالَ: كانَ (أبُو هُرَيْرَةَ ﵁ يُحَدِّثُ ويَقُولُ: اسمَعِي يا رَبَّةَ الحُجرَةِ، اسمَعِي يا رَبَّةَ الحُجرَةِ، وعائِشَةُ تُصَلِّي، فَلَمّا قَضَت صَلاتَها قالَت لِعُروَةَ: ألا تَسمَعُ إلى هَذا ومَقالَتِهِ آنِفًا؟) إنَّما كانَ النَّبِيُّ ﷺ يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَو عَدَّهُ العادُّ لأَحصاهُ. لَفظُ (خ) عَن عائِشَةَ ﵂.
وفي رواية (م): إنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَم يَكُن يَسرُدُ الحَدِيثَ كَسَردِكُم. رَواها (خ) مُعَلَّقَةً.
٢١٨٤. (خ) (٩٥) عَنْ أنَسٍ ﵁؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ كانَ إذا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أعادَها ثَلاثًا حَتّى تُفهَمَ عَنهُ، وإذا أتى عَلى قَومٍ فَسَلَّمَ عَلَيهِم سَلَّمَ عَلَيهِم ثَلاثًا.
-كان من هديه ﷺ أن يأتي بكلامه متأنياً وليس مسروداً.
-يبدو أن المراد أن أبا هريرة رضي الله عنه جاء لحاجة، وليس المقصود أنه جاء ليحدث عند حجرة عائشة رضي الله عنها, ولكن يمكن أنه جاء لحاجة وجعل ينتظرها وهي تصلي، ثم لعله كان يأتي إليه ناس ويحدثهم عند حجرتها فكان يسرد الحديث فأنكرت هذا عليه. وليس في الحديث ذم من عائشة لأبي هريرة رضي الله عنهما، وإنما فيه بيان أن فعله خلاف الأولى. (عبد المحسن العباد)
-فيه أنه يحسن الإبانة للحديث, والفصاحة والأناة في التحدث, ويتعين ذلك على مدرسي العلوم الشرعية ونحوها.

باب: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَتَخَوَّلُنا بِالـمَوْعِظَةِ


٢١٨٥. (خ م) (٢٨٢١) عَن شَقِيقٍ أبِي وائِلٍ قالَ: كانَ عَبدُ اللهِ ﵁ يُذَكِّرُنا كُلَّ يَومِ خَمِيسٍ، فَقالَ لَهُ رَجُلٌ: يا أبا عَبدِ الرَّحْمَنِ؛ إنّا نُحِبُّ حَدِيثَكَ ونَشتَهِيهِ، ولَوَدِدنا أنَّكَ حَدَّثتَنا كُلَّ يَومٍ. فَقالَ: ما يَمنَعُنِي أن أُحَدِّثَكُم إلا كَراهِيَةُ أن أُمِلَّكُم، إنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كانَ يَتَخَوَّلُنا بِالمَوعِظَةِ فِي الأَيّامِ كَراهِيَةَ السَّآمَةِ عَلَينا.
-فيه أنه ﷺ يطلب حالاتهم وأوقات نشاطهم.(النووي)
- فيه الاقتصاد في الموعظة؛ لئلا تملها القلوب فيفوت مقصودها. (النووي).
-جمال خلق النبي ﷺ وحسن رفقه وشفقته بأمته.

باب: كانَ النَّبِيُّ ﷺ أجْوَدَ النّاسِ بِالخَيْرِ


٢١٨٦. (خ م) (٢٣٠٨) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أجوَدَ النّاسِ بِالخَيرِ، وكانَ أجوَدَ ما يَكُونُ فِي شَهرِ رَمَضانَ، إنَّ جِبرِيلَ ﵇ كانَ يَلقاهُ فِي (كُلِّ سَنَةٍ) فِي رَمَضانَ حَتّى يَنسَلِخَ، فَيَعرِضُ عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ القُرآنَ، فَإذا لَقِيَهُ جِبرِيلُ كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أجوَدَ بِالخَيرِ مِن الرِّيحِ المُرسَلَةِ. لَفظُ (خ): فِي كُلِّ لَيلَةٍ.
-فيه ندب العتق في رمضان والتوسعة على الفقراء.
-فيه أن صفة الريح المرسلة التي أمرها الله وأرسلها عاصفة سريعة، ومع ذلك فالرسول عليه الصلاة والسلام أسرع بالخير في رمضان من هذه الريح المرسلة، فينبغي لنا أن نكثر من الصدقة, والإحسان, وخصوصا في رمضان فنكثر من الصدقات والزكوات, وبذل المعروف, وإغاثة الملهوف, وغير ذلك من أنواع البر والصلة. (ابن عثيمين).
-وفيه بركة مجالسة الصالحين، وأن فيها تذكار لفعل الخير، وتنبيها على الازدياد من العمل الصالح، ولذلك أمر عليه السلام بمجالسة العلماء، ولزوم حلق الذكر. (المهلب)
-فيه أن نزول جبريل في رمضان للتلاوة دليل عظيم لفضل تلاوة القرآن. (ابن بطال)
-وفيه أن المؤمن كلما ازداد عملاً صالحًا وفتح له باب من الخير فإنه ينبغي له أن يطلب بابا آخر، وتكون عينه ممتدة في الخير إلى فوق عمله، ويكون خائفا وجلاً، غير معجب بعمله، طالبًا للارتقاء في درجات الزيادة. (ابن بطال).

باب: كَثْرَةُ عَطائِهِ ومُواساتِهِ لِلنّاسِ


٢١٨٧. (خ م) (٢٣١١) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: ما سُئِلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ شَيئًا قَطُّ فَقالَ: لا.
ورَوى (م) عَن أنَسٍ قالَ: ما سُئل رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلى الإسْلامِ شَيئًا إلّا أعطاهُ، قالَ: فَجاءَهُ رَجُلٌ، فَأَعطاهُ غَنَمًا بَينَ جَبَلَينِ، فَرَجَعَ إلى قَومِهِ، فَقالَ: يا قَومُ؛ أسلِمُوا، فَإنَّ مُحمَّدًا يُعطِي عَطاءً لا يَخشى الفاقَةَ. وفي رواية (م): ما يَخافُ الفَقرَ. فَقالَ أنسٌ: إن كانَ الرَّجُلُ لَيُسلِمُ ما يُريدُ إلّا الدُّنيا، فَما يُسلِمُ حَتّى يَكُونَ الإسْلامُ أحَبَّ إلَيهِ مِن الدُّنيا وما عَلَيها.
٢١٨٨. (م) (٢٣١٣) عَنِ ابْنِ شِهابٍ قالَ: غَزا رَسُولُ اللهِ ﷺ غَزوَةَ الفَتحِ فَتحِ مَكَّةَ، ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِمَن مَعَهُ مِنَ المسلمينَ فاقتَتَلُوا بِحُنَينٍ، فَنَصَرَ اللهُ دِينَهُ والمسلمينَ، وأَعطى رَسُولُ اللهِ ﷺ يَومَئِذ صَفوانَ بنَ أُمَيَّةَ مِائَةً مِنَ النَّعَمِ، ثُمَّ مِائَةً، ثُمَّ مِائَةً، قالَ ابنُ شِهابٍ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ، أنَّ صَفوانَ قالَ: واللهِ لَقَد أعطانِي رَسُولُ اللهِ ﷺ ما أعطانِي، وإنَّهُ لأَبغَضُ النّاسِ إلَيَّ، فَما بَرِحَ يُعطِينِي حَتّى إنَّهُ لأَحَبُّ النّاسِ إلَيَّ.
٢١٨٩. (م) (٢٣٢٤) عَنْ أنَسٍ ﵁ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إذا صَلّى الغَداةَ جاءَ خَدَمُ المَدِينَةِ بِآنِيَتِهِم فِيها الماءُ، فَما يُؤتى بِإناءٍ إلا غَمَسَ يَدَهُ فِيها، فَرُبَّما جاؤوه فِي الغَداةِ البارِدَةِ فَيَغمِسُ يَدَهُ فِيها.
٢١٩٠. (م) (٢٣٢٦) عَنْ أنَسٍ ﵁؛ أنَّ امرَأَةً كانَ فِي عَقلِها شَيءٌ، فَقالَت: يا رَسُولَ اللهِ؛ إنَّ لِي إلَيكَ حاجَةً، فَقالَ: «يا أُمَّ فُلانٍ؛ انظُرِي أيَّ السِّكَكِ شِئتِ حَتّى أقضِيَ لَكِ حاجَتَكِ». فَخَلا مَعَها فِي بَعضِ الطُّرُقِ حَتّى فَرَغَت مِن حاجَتِها.
٢١٩١. (خ) (٥٨١٠) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ﵁ قالَ: جاءَت امرَأَةٌ بِبُردَةٍ، قالَ سَهلٌ: هَل تَدرِي ما البُردَةُ؟ قالَ: نَعَم، هِيَ الشَّملَةُ مَنسُوجٌ فِي حاشِيَتِها، قالَت: يا رَسُولَ اللهِ؛ إنِّي نَسَجتُ هَذِهِ بِيَدِي أكسُوكَها. فَأَخَذَها رَسُولُ اللهِ ﷺ مُحتاجًا إلَيها، فَخَرَجَ إلَينا وإنَّها لإزارُهُ، فَجَسَّها رَجُلٌ مِن القَومِ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ اكسُنِيها. قالَ: «نَعَم». فَجَلَسَ ما شاءَ اللهُ فِي المَجلِسِ، ثُمَّ رَجَعَ فَطَواها، ثُمَّ أرسَلَ بِها إلَيهِ. فَقالَ لَهُ القَومُ: ما أحسَنتَ، سَأَلتَها إيّاهُ وقَد عَرَفتَ أنَّهُ لا يَرُدُّ سائِلًا. فَقالَ الرَّجُلُ: واللهِ ما سَأَلتُها إلا لِتَكُونَ كَفَنِي يَومَ أمُوتُ. قالَ سَهلٌ: فَكانَت كَفَنَهُ.
-فيه التأليف على الدين وعلى الخير، والأخذ بالتي هي أحسن. (القاضي عياض).
-فيه ما يلزم الأئمة من قضاء ديون من قبلهم، وتنفيذ أوامرهم إذا كانوا على الحق، وفي سبيل الخير والنظر للمسلمين. (القاضي عياض).
-في قوله : "فَمَا يُسْلِمُ حَتَّى يَكُونَ الإِسْلَامُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا" أي: ما يتم إسلامه ويداخل قلبه حتى يستبصر.
-فيه بيان بروزه ﷺ للناس وقربه منهم؛ ليصل أهل الحقوق إلى حقوقهم, ويرشد مسترشدهم؛ ليشاهدوا أفعاله وحركاته فيقتدي بها. (النووي).
-وفيها صبره ﷺ على المشقة في نفسه لمصلحة المسلمين, وإجابته من سأله حاجة, أو تبريكا بمس يده وإدخالها في الماء كما ذكروا. (النووي).
-فيه دليل على حسن خلقه وكرم سجيته في موافقتهم, وحمل ما يكره من برودة الماء ليبلغوا مرادهم. (ابن هبيرة)
- بيان ما كانت الصحابة عليه من التبرك بآثاره ﷺ, وتبركهم بإدخال يده الكريمة في الآنية, وتبركهم بشعره الكريم وإكرامهم إياه. (النووي)
-فيه بيان تواضعه بوقوفه مع المرأة الضعيفة. (النووي).
-في قوله(خَلا معها في بعضِ الطرق) أي وَقَفَ مَعَها في طريق مسلوك؛ ليقضي حاجتها ويفتيها في الخلوة، ولم يكن ذلك من الخلوة بالأجنبية فإنَّ هذا كان في ممر الناس ومشاهدتهم إياه وإياها، لكن لا يسمعون كلامها لأنَّ مسألتها مما لا يظهره، والله أعلم. (النووي).
-فيه قبول الهدية من الضعيف. (ابن بطال)
- وفيه الهبة لما يسأله الإنسان من ثوب أو غيره. (ابن بطال)
-وفيه الأثرة على نفسه وإن كانت به حاجة إلى ذلك الشيء. (ابن بطال).

باب: فِـي عِداتِهِ ﷺ


٢١٩٢. (خ م) (٢٣١٤) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَو قَد جاءَنا مالُ البَحرَينِ لَقَد أعطَيتُكَ هَكَذا وهَكَذا وهَكَذا»، وقالَ بِيَدَيهِ جَمِيعًا. فَقُبِضَ النَّبِيُّ ﷺ قَبلَ أن يَجِيءَ مالُ البَحرَينِ، فَقَدِمَ عَلى أبِي بَكرٍ بَعدَهُ، فَأَمَرَ مُنادِيًا فَنادى: مَن كانَت لَهُ عَلى النَّبِيِّ ﷺ عِدَةٌ أو دَينٌ فَليَأتِ. فَقُمتُ فَقُلتُ: إنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «لَو قَد جاءَنا مالُ البَحرَينِ أعطَيتُكَ هَكَذا وهَكَذا وهَكَذا»، فَحَثى أبُو بَكرٍ مَرَّةً، ثُمَّ قالَ لِي: عُدَّها. فَعَدَدتُها فَإذا هِيَ خَمسُ مِائَةٍ، فَقالَ: خُذ مِثلَيها. وفي رواية (خ): قالَ جابِرٌ: فَلَقِيت أبا بَكرٍ بَعدَ ذَلِكَ، فَسَأَلتُهُ، فَلَم يُعطِنِي، ثُمَّ أتَيتُهُ فَلَم يُعطِنِي، ثُمَّ أتَيتُهُ الثّالِثَةَ فَلَم يُعطِنِي، فَقُلتُ لَهُ: قَد أتَيتُكَ فَلَم تُعطِنِي، ثُمَّ أتَيتُكَ فَلَم تُعطِنِي، ثُمَّ أتَيتُكَ فَلَم تُعطِنِي، فَإمّا أن تُعطِيَنِي وإمّا أن تَبخَلَ عَنِّي. فَقالَ: أقُلتَ: تَبخَلُ عَنِّي؟ وأَيُّ داءٍ أدوَأُ مِن البُخلِ -قالَها ثَلاثًا- ما مَنَعتُكَ مِن مَرَّةٍ إلّا وأَنا أُرِيدُ أن أُعطِيَكَ.
-فيه حسن خلافة أبي بكر لرسول الله ﷺ، وإقامته لسنته، وإنفاذه لوعوده.

باب: فِـي أسْماءِ النَّبِيِّ ﷺ


٢١٩٣. (خ م) (٢٣٥٤) عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «إنَّ لِي أسماءً؛ أنا مُحَمَّدٌ، وأَنا أحمَدُ، وأَنا الماحِي الَّذِي يَمحُو اللهُ بِيَ الكُفرَ، وأَنا الحاشِر الَّذِي يُحشَرُ النّاسُ عَلى قَدَمَيَّ، وأَنا العاقِبُ (الَّذِي لَيسَ بَعدَهُ أحَدٌ». وقَد سَمّاهُ اللهُ رَؤُوفًا رَحِيمًا). وفي رواية (خ): قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لِي خَمسَةُ أسماءٍ ...».
٢١٩٤. (م) (٢٣٥٥) عَنْ أبِي مُوسى ﵁ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُسَمِّي لَنا نَفسَهُ أسماءً، فَقالَ: «أنا مُحمَّدٌ، وأَحمَدُ، والمُقَفِّي، والحاشِرُ، ونَبِيُّ التَّوبةِ، ونَبِيُّ الرَّحمَةِ».
-سمي نبينا ﷺ محمدا وأحمد, أي : ألهم الله تعالى أهله أن سموه به لما علم من جميل صفاته. (النووي).
-فيه أن معنى الماحي هو: محو الكفر من مكة والمدينة وسائر بلاد العرب، وما زوى له ﷺ من الأرض, ووعد أن يبلغه ملك أمته، قالوا: ويحتمل أن المراد المحو العام بمعنى الظهور بالحجة والغلبة. (النووي).
-في قوله: وأنا الحاشر، أي الذي يحشر الناس على عقبه، أي على أثره وبعده. (النووي).
-في قوله: العاقب: بأنه ليس بعده نبي، فهو خاتمهم (النووي).

باب: كَمْ أقامَ النَّبِيُّ ﷺ بِمَكَّةَ والـمَدِينَةِ


٢١٩٥. (خ م) (٢٣٥١) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: أقامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِمَكَّةَ ثَلاثَ عَشرَةَ سَنَةً يُوحى إلَيهِ، وبِالمَدِينَةِ عَشرًا، وماتَ وهُوَ ابنُ ثَلاثٍ وسِتِّينَ سَنَةً. زادَ (خ): بُعِثَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِأَربَعِينَ سَنَةً ... وفِيها: ثُمَّ أُمِرَ بِالهِجرَةِ، فَهاجَرَ عَشرَ سِنِينَ.
وفي رواية (م): قالَ: أمسِك؛ أرَبَعِينَ بُعِثَ لها، خَمسَ عَشرَةَ بمكةَ يَأمَنُ ويَخافُ، وعَشرًا من مُهاجَرِهِ إلى المدينة. وفي رواية (م): أقامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِمَكَّةَ خَمسَ عَشرَة سَنَةً يَسمَعُ الصَّوتَ، ويَرى الضَّوءَ؛ سَبــعَ سِنِينَ ولا يَرى شَيئًا، وثَمانَ سِنِينَ يُوحى إلَيهِ، وأَقامَ بِالمَدِينَةِ عَشرًا. وفي رواية (م): أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ تُوُفِّيَ وهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وسِتِّين.
٢١٩٦. (م) (٢٣٥٢) عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: قُبِضَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وهُو ابنُ ثَلاثٍ وسِتِّينَ، وماتَ أبُو بَكرٍ وهُو ابنُ ثَلاثٍ وسِتِّينَ، وقُتِلَ عُمَرُ وهُو ابنُ ثَلاثٍ وسِتِّينَ.
ورَوى (م) عَنْ أنَسٍ نَحْوه، وعَنْ مُعاوِيَة نَحْوه، وزادَ: وأَنا ابْن ثَلاث وسِتِّين.
-فيه أنه ﷺ يسمع صوت الهاتف به من الملائكة ونور الملائكة، ونور آيات الله تعالى حتى رأى الملك بعينه وشافهه بوحي الله تعالى (النووي).
-في هذا كله صحة أمر الرؤيا وتعظيم شأنها وعلمها، وأنها جزءٌ من النبوة، وخاصية من خصائصها، وكانت حقيقة من أجزاء النبوة ؛ لما فيها من الإعلام الذي هو معنى النبوة على أحد الوجهين. (القاضي عياض).

باب: فِـي التَّسْلِيمِ لِحُكْمِهِ ﷺ


٢١٩٧. (خ م) (٢٣٥٧) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ﵄؛ أنَّ رَجُلًا مِن الأَنصارِ خاصَمَ الزُّبَيرَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي شِراجِ الحَرَّةِ الَّتِي يَسقُونَ بِها النَّخلَ، فَقالَ الأَنْصارِيُّ: سَرِّح الماءَ يَمُرُّ. فَأَبى عَلَيهِم، فاختَصَمُوا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِلزُّبَيرِ: «اسقِ يا زُبَيرُ، ثُمَّ أرسِل الماءَ إلى جارِكَ». فَغَضِبَ الأَنْصارِيُّ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ أن كانَ ابنَ عَمَّتِكَ. فَتَلَوَّنَ وجهُ نَبِيِّ اللهِ ﷺ، ثُمَّ قالَ: «يا زُبَيرُ؛ اسقِ، ثُمَّ احبِس الماءَ حَتّى يَرجِعَ إلى الجَدرِ». فَقالَ الزُّبَيرُ: واللهِ إنِّي لأَحسِبُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَت فِي ذَلكَ: ﴿فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُواْ فِي أنفُسِهِمْ حَرَجًا﴾ [النساء: ٦٥]. وفي رواية (خ) زادَ: فاستَوعى رَسُولُ اللهِ ﷺ حِينَئِذٍ حَقَّهُ لِلزُّبَيرِ، وكانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ قَبلَ ذَلكَ أشارَ عَلى الزُّبَيرِ بِرأيٍ سَعَةٍ لَه ولِلأَنصارِيِّ، فَلَمّا أحفَظَ الأَنْصارِيُّ رَسُولَ اللهِ ﷺ استَوعى لِلزُّبَيرِ حَقَّهُ فِي صَرِيحِ الحُكمِ.
وفي رواية (خ): فَقالَ لِي ابنُ شِهابٍ: فَقَدَّرَت الأَنصارُ والنّاسُ قَوْلَ النَّبيِّ ﷺ: «اسْقِ ..». وكانَ ذَلكَ إلى الكَعبَينِ. قالَ (خ): الجَدْرُ هُو الأَصلُ.
-فيه حكم الإمام على الخصم بما ظهر له من الحق البين، بعد إشارته بالصلح وامتناع الخصم من الصلح.
-وفيه الاقتداء بخلق النبي ﷺ في غضبه ورضاه وجميع أحواله، وأن يكظم غيظه، ويملك نفسه عند الغضب، ولا يحمله الغضب على التعدّي والجور، بل يعفو ويصفح.

باب: فِـي تَوْقِيرِهِ ﷺ


٢١٩٨. (خ م) (٢٣٥٩) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁ قالَ: (بَلَغَ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَن أصحابِهِ شَيءٌ)، فَخَطَبَ فَقالَ: «عُرِضَت عَلَيَّ الجَنَّةُ والنّارُ، فَلَم أرَ كاليَومِ فِي الخَيرِ والشَّرِّ، ولَو تَعلَمُونَ ما أعلَمُ لَضَحِكتُم قَلِيلًا، ولَبَكَيتُم كَثِيرًا». قالَ: فَما أتى عَلى أصحابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ يَومٌ أشَدُّ مِنهُ، قالَ: غَطَّوا رُؤُوسَهُم ولَهُم خَنِينٌ، قالَ: فَقامَ عُمَرُ فَقالَ: رَضِينا باللهِ رَبًّا، وبِالإسلامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا. قالَ: فَقامَ ذاكَ الرَّجُلُ فَقالَ: مَن أبِي؟ قالَ: «أبُوكَ فُلانٌ». فَنَزَلَت: ﴿ياأَيُّها الَّذِينَ آمَنُواْ لا تَسْأَلُواْ عَنْ أشْياءَ إن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠١]. وفي رواية: أنَّ النّاسَ سَألُوا نَبِيَّ اللهِ ﷺ حَتّى أحفَوهُ بِالمَسَألةِ، فَخَرَجَ ذاتَ يَومٍ فَصعِدَ المنبَرَ، فقالَ: «سَلُونِي، لا تَسأَلُونِي عَن شَيءٍ إلا بيَّنتُهُ لَكُم». فَلَمّا سَمِعَ ذَلكَ القَومُ أرَمُّوا، ورَهِبُوا أن يَكُونَ بَينَ يَدَي أمرٍ قَد حَضَرَ، قالَ أنَسٌ: فَجَعَلتُ ألتَفِتُ يَمِينًا وشِمالًا، فَإذا كُلُّ رَجُلٍ لافٌّ رَأسَهُ فِي ثَوبِهِ يَبكِي، فَأنشَأَ رَجُلٌ مِن المَسْجِدِ، كانَ يُلاحى فَيُدعى لِغَيرِ أبِيهِ، فَقالَ: يا نَبيَّ اللهِ؛ مَن أبِي؟ قالَ: «أبُوكَ حُذافةُ». ثُمَّ أنشَأَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ فَقالَ: رَضِينا بِاللهِ رَبًّا، وبِالإسْلامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، عائِذًا بِاللهِ مِن سُوءِ الفِتَنِ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَم أرَ كاليَومِ قَطُّ فِي الخَيرِ والشَرِّ، إنِّي صُوِّرَت لِي الجَنَّةُ والنّارُ، فَرَأيتُهُما دُونَ هَذا الحائِطِ».
وفِي رِوايَةِ (م) زادَ: قالَ ابْنُ شِهابٍ: أخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ قالَ: قالَتْ أُمُّ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذافَةَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ حُذافَةَ: ما سَمِعْتُ بِابْنٍ قَطُّ أعَقُّ مِنكَ؟ أأَمِنتَ أنْ تَكُونَ أُمُّكَ قَدْ قارَفَتْ ما تُقارِفُ نِساءُ أهْلِ الجاهِلِيَّةِ فَتَفْضَحَها عَلى أعْيُنِ النّاسِ؟ قالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ حُذافَةَ: واللهِ لَوْ ألْحَقَنِي بِعَبْدٍ أسْوَدَ لَلَحِقْتُهُ.
٢١٩٩. (خ م) (٢٣٥٨) عَنْ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ أعظَمَ المُسلِمِينَ (فِي المُسلِمِينَ) جُرمًا مَن سَأَلَ عَن شَيءٍ لَم يُحَرَّم عَلى المُسلِمِينَ، فَحُرِّمَ عَلَيهِم مِن أجلِ مَسأَلَتِهِ».
٢٢٠٠. (خ) (٤٦٢٢) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: كانَ قَومٌ يَسأَلُونَ رَسُولَ اللهِ ﷺ استِهزاءً، فَيَقُولُ الرَّجُلُ: مَن أبِي؟ ويَقُول الرَّجُلُ تَضِلُّ ناقتُهُ: أينَ ناقَتِي؟ فَأَنزَلَ اللهُ فِيهِم هَذِهِ الآيَةَ: ﴿ياأَيُّها الَّذِينَ آمَنُواْ لا تَسْأَلُواْ عَنْ أشْياءَ إن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ حَتّى فَرَغَ مِنَ الآيَةِ كُلِّها.
-خرج هذا الحديث في مقام ترجيح الخوف على الرجاء. (ابن علان)
-في قوله (فغطى أصحاب رسول الله ﷺ وجوههم): فيه تغطية الوجه عند البكاء، وقد ورد الأمر به حال العطاس, وكأنه ستر لما يعرض حينئذٍ في بشرة الوجه. (ابن علان)
-قال العلماء: هذا القول منه صلى الله عليه و سلم محمول على أنه أوحي إليه وإلا فلا يعلم كل ما سئل عنه من المغيبات إلا بإعلام الله تعالى. (النووي).
-فيه فائدة لو تعلمون من عظم انتقام الله تعالى من أهل الجرائم وشدة عقابه, وأهوال القيامة وما بعدها كما علمت, وترون النار كما رأيت في مقامي هذا, وفي غيره, لبكيتم كثيرا ويقل ضحككم ؛ لفكركم فيما علمتموه. (النووي).
-فيه فضل الصحابة وبكاؤُهم عند موعظة النبي ﷺ لهم.
وفيه النهي عن كثرة السؤال وتكلف مالا يعني.

باب: ما ظَنَّهُ النَّبِيُّ ﷺ نافِعا مِن أمْرِ الدُّنْيا


٢٢٠١. (م) (٢٣٦١) عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ ﵁ قالَ: مَرَرتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ بِقَومٍ عَلى رُؤُوسِ النَّخلِ، فَقالَ: «ما يَصنَعُ هَؤُلاءِ؟» فَقالُوا: يُلَقِّحُونَهُ، يَجعَلُونَ الذَّكَرَ فِي الأُنثى فَتَلقَحُ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ما أظُنُّ يُغنِي ذَلكَ شَيئًا». قالَ: فَأُخبِرُوا بِذَلكَ فَتَرَكُوهُ، فَأُخبِرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِذَلكَ فَقالَ: «إن كانَ يَنفَعُهُم ذَلكَ فَليَصنَعُوهُ، فَإنِّي إنَّما ظَنَنتُ ظَنًّا فَلا تُؤاخِذُونِي بِالظَّنِّ، ولَكِن إذا حَدَّثتُكُم عَن اللهِ شيئًا فَخُذُوا بِهِ، فَإنِّي لَن أكذِبَ عَلى الله»
ورَوى عَن رافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ﵄ نَحوَهُ وفِيهِ: فَقالَ: «إنَّما أنا بَشَرٌ، إذا أمَرتُكُم بِشَيءٍ مِن دِينِكُم فَخُذُوا بِهِ، وإذا أمَرتُكُم بِشَيءٍ مِن رَأيٍ فَإنَّما أنا بَشَرٌ».
ورَوى عَن أنَسٍ وعائِشَةَ ﵄ نَحوَهُ وفِيهِ: فَقالَ: «لَو لَم تَفعَلُوا لَصَلُحَ». قالَ: فَخَرَجَ شِيصًا، وفِيهِ: قالَ: «أنتُم أعلَمُ بِأَمرِ دُنياكُم».
-فيه أن قول النبي هاهنا للأنصار في النخل ليس على وجه الخبر الذي يدخله الصدق والكذب فينزه النبي عن الحلف فيه، وإنما كان على طريق الرأي منه؛ ولذلك قال لهم:" إنما ظننت ظنًا، وأنتم أعلم بأمر دنياكم". (القاضي عياض).
-فيه أن الأنبياء والرسل إنما بعثوا لإنقاذ الخلائق من الشقاوة الأخروية، والفوز بالسعادة الأبدية.
-في الحديث بيان الفرق بين ما قاله النبي ﷺ من معايش الدنيا على سبيل الرأي، وبين ما قاله شرعا وحدّث به عن ربه.

باب: تَمَنِّي رُؤْيَةِ النَّبِيِّ ﷺ


٢٢٠٢. (خ م) (٢٣٦٤) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ قالَ: «(والَّذِي نَفسُ مُحَمَّدٍ فِي يَدِهِ) لَيَأتِيَنَّ عَلى أحَدِكُم يَومٌ (ولا يَرانِي، ثُمَّ) لأَن يَرانِي أحَبُّ إلَيهِ مَن أهلِهِ ومالِهِ (مَعَهُم». قالَ أبُو إسحَقَ: المَعنى فِيهِ عِندِي: لأن يَرانِي مَعَهُم أحَبُّ إلَيهِ مِن أهلِهِ ومالِهِ). لَفظُ (خ): «ولَيَأتِيَنَّ عَلى أحَدِكُم زَمانٌ لَأَن يَرانِي أحَبُّ إلَيهِ مِن أن يَكُونَ لَهُ مِثلُ أهلِهِ ومالِهِ».
ورَوى (م) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «مِن أشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا ناسٌ يَكُونُونَ بَعدِي؛ يَوَدُّ أحَدُهُم لَو رَآنِي بِأَهلِهِ ومالِهِ».
-في هذا الحديث من الفقه: أن المؤمنين من أمته إذا ذكر لهم عنه ﷺ ما كان من مقاماته ومواطن الحروب التي اشتدت، وضيق العيش الذي أصابه ﷺ، وغير ذلك، مما يود كل مؤمن أنه لو كان قد رآه ففاز بالنصر له في الحرب، والمواساة في الشدة، أو السؤال له عما يختلج في صدره من المسائل، أو التعلم منه، أو التبرك برؤيته، إلى غير ذلك، مما فاز به أصحابه دون غيرهم؛ فكل واحد من المؤمنين يود لو رآه، فلا يبقى له أهل ولا مال، فيؤثر رؤيته على ذلك لقوة إيمانه. (ابن هبيرة).
-فيه الدلالة على قُوَّةِ الإيمانِ بالنَّبيِّ ﷺ في قُلوبِهم، فهم أناسٌ يَكونون بَعده، أي: بَعدَ وَفاته، يَوَدُّ أحدُهم لو رَآه، بأَهْلِه ومالِه، أي: أَحَبَّ أنْ يَرى النَّبيَّ ﷺ ويَنالَ شَرَفَ رُؤيتِه، وَلو كان ذلك في مُقابلَةِ أنْ يَفْقِدَ أَهْلَه ومالَه؛ فيودُّ لو رآه فلا يَبقَى له أهلٌ ولا مالٌ؛ فيُؤثِرُ رُؤيتَه على ذلِك لقوَّة إيمانِه.

١ س١) كان عمر النبي -ﷺ- وقت بعثته:

٥/٠