كِتابُ فَضائِلِ أصْحابِ النَّبِيِّ ﷺ


باب: فَضائِلُ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ﵁


٢٢٢٣. (خ م) (٢٣٨١) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁؛ أنَّ أبا بَكرٍ الصِّدِّيقَ حَدَّثَهُ قالَ: نَظَرتُ إلى أقدامِ المُشرِكِينَ عَلى رُؤوسِنا ونَحنُ فِي الغارِ، فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ لَو أنَّ أحَدَهُم نَظَرَ إلى قَدَمَيهِ أبصَرَنا تَحتَ قَدَمَيهِ، فَقالَ: «يا أبا بَكرٍ؛ ما ظَنُّكَ بِاثنَينِ، اللهُ ثالِثُهُما».
-بيان عظيم توكل النبي ﷺ حتى في هذا المقام . (النووي)
-فيه فضيلة لأبي بكر رضي الله عنه ، وهي من أجل مناقبه ، والفضيلة من أوجه : منها قوله ﷺ (ما ظنك باثنين الله ثالثهما)، ومنها بذله نفسه ، ومفارقته أهله وماله ورياسته في طاعة الله تعالى ورسوله ، وملازمة النبي ﷺ ، ومعاداة الناس فيه . ومنها جعله نفسه وقاية عنه وغير ذلك. (النووي)

٢٢٢٤. (خ م) (٢٣٨٢) عَنْ أبِي سَعِيدٍ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ جَلَسَ عَلى المِنبَرِ فَقالَ: «عَبدٌ خَيَّرَهُ اللهُ بَينَ أن يُؤتِيَهُ زَهرَةَ الدُّنيا وبَينَ ما عِندَهُ، فاختارَ ما عِندَهُ». فَبَكى أبُو بَكرٍ، وبَكى، فَقالَ: فَدَيناكَ بِآبائِنا وأُمَّهاتِنا. قالَ: فَكانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ هُوَ المُخَيَّرُ، وكانَ أبُو بَكرٍ أعلَمَنا بِهِ، وقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ أمَنَّ النّاسِ عَلَيَّ فِي مالِهِ وصُحبَتِهِ أبُو بَكرٍ، ولَو كُنتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لاتَّخَذتُ أبا بَكرٍ خَلِيلًا، ولَكِن أُخُوَّةُ الإسلامِ، لا تُبقَيَنَّ فِي المَسْجِدِ خَوخَةٌ إلا خَوخَةَ أبِي بَكرٍ». وفي رواية (خ) زادَ: فَعَجِبنا لَهُ، وقالَ النّاسُ: انظُرُوا إلى هَذا الشَّيخِ. وفي رواية (خ): «ولَو كُنتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيرَ رَبِّي لاتَّخَذتُ أبا بَكرٍ ولَكِن أُخُوَّةُ الإسْلامِ ومَوَدَّتُهُ». ورَوى (خ) عَن ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي مَرَضِهِ الَّذِي ماتَ فِيهِ عاصِبٌ رَأسَهُ بِخِرقَةٍ فَقَعَدَ عَلى المِنبَرِ ... نحو حديث أبي سعيد.
٢٢٢٥. (م) (٢٣٨٣) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁؛ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «لَو كُنتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لاتَّخَذتُ أبابَكرٍ خَلِيلًا، ولَكِنَّهُ أخِي وصاحِبِي، وقَد اتَّخَذَ اللهُ ﷿ صاحِبَكُم خَلِيلًا». ورَوى (م) عَن جُندَبٍ ﵁ قالَ: سَمِعتُ النَّبِيَّ ﷺ قَبلَ أن يَمُوتَ بِخَمسٍ، وهُوَ يَقُولُ: «إنِّي أبرَأُ إلى اللهِ أن يَكُونَ لِي مِنكُم خَلِيلٌ، فِإنَّ اللهَ تَعالى قَد اتَّخَذَنِي خَلِيلًا، كَما اتَّخَذَ إبراهِيمَ خَلِيلًا».
٢٢٢٦. (خ) (٣٦٥٨) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبِي مُلَيْكَةَ قالَ: كَتَبَ أهلُ الكُوفَةِ إلى ابْنِ الزُّبَيرِ فِي الجَدِّ، فَقالَ: أمّا الَّذِي قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَو كُنتُ مُتَّخِذًا مِن هَذِهِ الأُمة خَلِيلًا لاتَّخَذتُهُ»، أنزَلَهُ أبًا. يَعنِي أبا بَكرٍ.
-(فديناك) دليل لجواز التفدية، وكان أبو بكر علم أن النبي ﷺ هو العبد المخير فبكى حزنا على فراقه وانقطاع الوحي وغيره من الخير دائما، وإنما قال ﷺ (أن عبدا) وأبهمه؛ لينظر فهم أهل المعرفة ونباهة أصحاب الحذق، فكان أبو بكر أعلمهم به، وأفهمهم لإشارته ﷺ.
-(إن أمن الناس علي في ماله وصحبته أبو بكر) أي: أكثرهم جودا وسماحة لنا بنفسه وماله، وليس هو المن الذي هو الاعتداد بالصنيعة؛ لأنه أذى مبطل للثواب؛ ولأن المنة لله ولرسوله ﷺ في قبول ذلك وفي غيره. (النووي)
-هو من الامتنان، والمراد أن أبا بكر له من الحقوق ما لو كان لغيره نظيرها لامتن بها. ( القرطبي )
-فيه إشعار بأن الخلة أرفع رتبة من المودة والمحبة، وأنه ﷺ لم يكن له خليل من بني آدم، وقد ثبتت محبته لجماعة من أصحابه كأبي بكر, وفاطمة ابنته, وزوجه عائشة, والحسين ابن ابنته وغيرهم رضي الله عنهم.
-(لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر) فيه فضيلة وخصيصة ظاهرة لأبي بكر رضي الله عنه ، وفيه أن المساجد تصان عن التطرق إليها في خوخات ونحوها إلا من أبوابها إلا لحاجة مهمة . (المباركفوري)
-أحاديث الباب فيها إشارة إلى فضل أبي بكر ومنزلته العالية، وإلى أحقية خلافته بعد رسول الله ﷺ.
-فيه إثبات الخلة لنبينا ، وفي ذلك دليل على كمال رتبته ﷺ وعلو مقامه في عبادة الله تعالى حتى بلغ خلة الرحمن، وهذه درجة علية لا يبلغها أحد غير الخليلين إبراهيم ونبينا محمد ﷺ.
-فيها رد على المتصوفة وغيرهم الذين يزعمون أن محمدا حبيب الله وأن إبراهيم خليل الله وان المحبة أعلى من الخلة، والصواب أن الخلة ثابتة لنبينا محمد ﷺ .
-فيه دليل على أن أبا بكر أعلم الصحابة . (العيني)
-فيه الحض على اختيار ما عند الله والزهد في الدنيا، والإعلام بمن اختار ذلك من الصالحين. (العيني)
-فيه التعريض بالعلم للناس وإن قل فهماؤهم خشية أن يدخل عليهم مساءة أو خزي . ( ابن بطال )
-فيه ائتلاف النفوس بقوله " ولكن أخوة الإسلام أفضل " . (العيني)

٢٢٢٧. (خ) (٣٦٦٠) عَنْ عَمّارٍ ﵁ قالَ: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ وما مَعَهُ إلا خَمسَةُ أعبُدٍ، وامرَأَتانِ، وأَبُو بَكرٍ.
-أما الأعبد فهم : بلال وزيد بن حارثة وعامر بن فهيرة وأبو فكيهة مولى صفوان بن أمية بن خلف وعبيد بن زيد الحبشي، وذكر بعضهم عمار بن ياسر بدل أبي فكيهة، (وامرأتان) خديجة أم المؤمنين وأم أيمن أو سمية. (القسطلاني)
-وأبو بكر الصديق وكان أول من أسلم من الأحرار البالغين -رضي الله عنه-. (القسطلاني)
-قال ابن حجر: ولكن مراد عمار بذلك ممن أظهر إسلامه، وإلا فقد كان حينئذ جماعة ممن أسلم لكنهم كانوا يخفونه من أقاربهم.

٢٢٢٨. (خ) (٣٦٩٨) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قالَ: كُنّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺ لا نَعدِلُ بِأبِي بَكرٍ أحَدًا، ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ عُثْمانَ، ثُمَّ نَترُكُ أصحابَ النَّبِيِّ ﷺ لا نُفاضِلُ بَينَهُم.
٢٢٢٩. (خ) (٣٦٧١) عَنْ مُحَمَّدٍ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ قالَ: قُلتُ لِأَبي [هُوَ عَلِي ﵁]: أيُّ النّاسِ خَيرٌ بَعدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ؟ قالَ: أبُو بَكرٍ. قُلتُ: ثُمَّ مَن؟ قالَ: ثُمَّ عُمرُ. وخَشِيتُ أن يَقُولَ عُثمانُ قُلتُ: ثُمَّ أنتَ؟ قالَ: ما أنا إلّا رَجُلٌ مِنَ المُسلِمِينَ.
- (وخشيت) قيل: لم خشي من الحق؟ وأجيب بأنه لعل عنده بناء على ظنه أن عليا خير منه، وخاف أن عليا يقول: عثمان خير مني. (العيني)
-(ما أنا إلا رجل من المسلمين) وهذا القول منه على سبيل الهضم والتواضع. (العيني)

٢٢٣٠. (خ) (٣٦٦١) عَنْ أبِي الدَّرْداءِ ﵁ قالَ: كُنتُ جالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ إذ أقبَلَ أبُو بَكرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوبِهِ حَتّى أبدى عَن رُكبَتِهِ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أمّا صاحِبُكُم فَقَد غامَرَ». فَسَلَّمَ وقالَ: إنِّي كانَ بَينِي وبَينَ ابْنِ الخَطّابِ شَيءٌ، فَأَسرَعتُ إلَيهِ ثُمَّ نَدِمتُ، فَسَأَلتُهُ أن يَغفِرَ لِي فَأَبى عَلَيَّ، فَأَقبَلتُ إلَيكَ. فَقالَ: «يَغفِرُ اللهُ لَكَ يا أبا بَكرٍ»، ثَلاثًا، ثُمَّ إنَّ عُمَرَ نَدِمَ فَأَتى مَنزِلَ أبِي بَكرٍ فَسَأَلَ: أثَمَّ أبُو بَكرٍ؟ فَقالُوا: لا. فَأَتى إلى النَّبِيِّ ﷺ فَسَلَّمَ، فَجَعَلَ وجهُ النَّبِيِّ ﷺ يَتَمَعَّرُ حَتّى أشفَقَ أبُو بَكرٍ، فَجَثا عَلى رُكبَتَيهِ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ واللهِ أنا كُنتُ أظلَمَ. مَرَّتَينِ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إنَّ اللهَ بَعَثَنِي إلَيكُم، فَقلتم: كَذَبتَ. وقالَ أبُو بَكرٍ: صَدَقَ. وواسانِي بِنَفسِهِ ومالِهِ، فَهَل أنتُم تارِكُوا لِي صاحِبِي؟» مَرَّتَينِ. فَما أُوذِيَ بَعدَها.
-فضل أبي بكر على جميع الصحابة، وأن الفاضل لا ينبغي له أن يغاضب من هو أفضل منه. (ابن حجر)
-فيه جواز مدح المرء في وجهه، ومحله إذا أمن عليه الافتتان والاغترار . (ابن حجر)
-فيه ما طبع عليه الإنسان من البشرية حتى يحمله الغضب على ارتكاب خلاف الأولى، لكن الفاضل في الدين يسرع الرجوع إلى الأولى كقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا } . (ابن حجر)
-فيه أن غير النبي ﷺ ولو بلغ من الفضل الغاية ليس بمعصوم . (ابن حجر)
-فيه استحباب سؤال الاستغفار والتحلل من المظلوم . (ابن حجر)
فيه أن من غضب على صاحبه نسبه إلى أبيه أو جده ولم يسمه باسمه . (ابن حجر)

٢٢٣١. (خ) (٣٦٦٧) عَنْ عائِشَةَ ﵂ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ ماتَ وأَبُو بَكرٍ بِالسُّنحِ -قالَ إسماعِيلُ: يَعنِي بِالعالِيَةِ- فَقامَ عُمَرُ يَقُولُ: واللهِ ما ماتَ رَسُولُ اللهِ ﷺ. قالَت: وقالَ عُمَرُ: واللهِ ما كانَ يَقَعُ فِي نَفسِي إلا ذاكَ، ولَيَبعَثَنَّهُ اللهُ، فَلَيَقطَعَنّ أيدِيَ رِجالٍ وأَرجُلَهُم. فَجاءَ أبُو بَكرٍ فَكَشَفَ عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَبَّلَهُ، قالَ: بِأبِي أنتَ وأُمِّي، طِبتَ حَيًّا ومَيِّتًا، والَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لا يُذِيقُكَ اللهُ المَوتَتَينِ أبَدًا. ثُمَّ خَرَجَ فَقالَ: أيُّها الحالِفُ؛ عَلى رِسلِكَ. فَلَمّا تَكَلَّمَ أبُو بَكرٍ جَلَسَ عُمَرُ، فَحَمِدَ اللهَ أبُو بَكرٍ وأَثنى عَلَيهِ، وقالَ: ألا مَن كانَ يَعبُدُ مُحَمَّدًا ﷺ فَإنَّ مُحَمَّدًا قَد ماتَ، ومَن كانَ يَعبُدُ اللهَ فَإنَّ اللهَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، وقالَ: ﴿إنَّكَ مَيِّتٌ وإنَّهُم مَّيِّتُونَ﴾ [الزمر: ٣٠]، وقالَ: ﴿وما مُحَمَّدٌ إلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أفَإن مّاتَ أوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلى أعْقابِكُمْ ومَن يَنقَلِبْ عَلىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وسَيَجْزِي اللَّهُ الشّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٤]. قالَ: فَنَشَجَ النّاسُ يَبكُونَ، قالَ: واجتَمَعَت الأنصارُ إلى سَعدِ بْنِ عُبادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي ساعِدَةَ، فَقالُوا: مِنّا أمِيرٌ ومِنكُم أمِيرٌ. فَذَهَبَ إلَيهِم أبُو بَكرٍ وعُمَرُ بنُ الخَطّابِ وأَبُو عُبَيدَةَ بنُ الجَرّاحِ، فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فَأَسكَتَهُ أبُو بَكرٍ، وكانَ عُمَرُ يَقُولُ: واللهِ ما أرَدتُ بِذَلكَ إلا أنِّي قَد هَيَّأتُ كَلامًا قَد أعجَبَنِي، خَشِيتُ أن لا يَبلُغَهُ أبُو بَكرٍ. ثُمَّ تَكَلَّمَ أبُو بَكرٍ، فَتَكَلَّمَ أبلَغَ النّاسِ، فَقالَ فِي كَلامِهِ: نَحنُ الأُمَراءُ وأَنتُم الوُزَراءُ. فَقالَ حُبابُ بنُ المُنذِرِ: لا واللهِ لا نَفعَلُ، مِنّا أمِيرٌ ومِنكُم أمِيرٌ. فَقالَ أبُو بَكرٍ: لا، ولَكِنّا الأُمَراءُ وأَنتُم الوُزَراءُ، هُم أوسَطُ العَرَبِ دارًا، وأَعرَبُهُم أحسابًا. فَبايِعُوا عُمَرَ أو أبا عُبَيدَةَ فَقالَ عُمَرُ: بَل نُبايِعُكَ أنتَ، فَأَنتَ سَيِّدُنا وخَيرُنا، وأَحَبُّنا إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ. فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبايَعَهُ، وبايَعَهُ النّاسُ، فَقالَ قائِلٌ: قَتَلتُم سَعدَ بنَ عُبادَةَ، فَقالَ عُمَرُ: قَتَلَهُ اللهُ.
ورَوى (خ) عَن ابْنِ عَبّاسٍ ﵁؛ وفِيهِ: فَقالَ أبُو بَكرٍ: أما بَعْدُ، فَمَن كانَ مِنكُم ... نَحوَهُ، وقالَ: واللهِ لَكَأَنَّ النّاسَ لَم يَعلَمُوا أنَّ اللهَ أنزَلَ هَذِهِ الآيَةَ حَتّى تَلاها أبُو بَكرٍ، فَتَلقّاها مِنهُ النّاسُ كُلُّهُم. ورَوى (خ) عَنِ الزُّهرِيِّ عَن سَعِيدِ بْنِ المُسيِّبِ أنَّ عُمَرَ قالَ: واللهِ ما هُوَ إلا أن سَمِعتُ أبا بَكرٍ تَلاها فَعَقِرتُ حَتّى ما تُقِلُّنِي رِجلاي وحَتّى أهَويتُ إلى الأَرضِ ...
-(ما كان يقع في نفسي إلا ذاك) يعني عدم موته ﷺ حينئذ. (ابن حجر)
- (نحن الأمراء وأنتم الوزراء) كأنه أراد بهذا أن الإمارة، أي الخلافة لا تكون إلا في المهاجرين، وأراد بقوله: ( أنتم الوزراء) أنتم المستشارون في الأمور تابعون للمهاجرين، لأن مقام الوزارة الإعانة والمشورة. (العيني)
-(هم أوسط العرب دارا) أي: قريش أوسط العرب دارا، أي: من جهة الدار، وأراد بها مكة. (العيني)
- أراد بالدار أهل الدار، وأراد بالأوسط الأخير والأشرف، ومنه يقال: فلان من أوسط الناس، أي: من أشرفهم وأحسبهم، ويقال: هو من أوسط قومه، أي: خيارهم. ( الخطابي )
-( قتلتم سعدا) يعني سعد بن عبادة، قال الكرماني: هو كناية عن الإعراض والخذلان لا حقيقة القتل.

باب: أحَبُّ النّاسِ إلى النَّبِيِّ ﷺ أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ﵁


٢٢٣٢. (خ م) (٢٣٨٤) عَنْ عَمْرِو بْنِ العاصِ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ بَعَثَهُ عَلى جَيشِ ذاتِ السَّلاسِلِ، فَأَتَيتُهُ فَقُلتُ: أيُّ النّاسِ أحَبُّ إلَيكَ؟ قالَ: «عائِشَةُ». قُلتُ: مِن الرِّجالِ؟ قالَ: «أبُوها». قُلتُ: ثُمَّ مَن؟ قالَ: «عُمَرُ». فَعَدَّ رِجالًا. وفي رواية (خ): فَسَكَت مخافَةَ أن يجعَلَنِي في آخرِهِم.
-(ذات السلاسل) هو موضع بأطراف الشام، كانت به غزوة عمرو بن العاص ، وسميت بذلك؛ لأن المشركين ارتبط بعضهم إلى بعض مخافة أن يفروا، أو لأن بها ماء يقال له: السَّلسل، وقيل غير ذلك.
-فيه مزية أبي بكر على الرجال، وابنته عائشة على النساء، وفضيلة عمر , وفيه دليل لأهل السنة في تفضيل أبي بكر ثم عمر على جميع الصحابة رضي الله عنهم.
-فيه منقبة لعمرو بن العاص لتأميره على جيش فيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنها، وإن كان ذلك لا يقتضي أفضليته عليهم، لكن يقتضي أن له فضلا في الجملة، وفيه جواز تأمير المفضول على الفاضل إذا امتاز المفضول بصفة تتعلق بتلك الولاية.

باب: فِـي إيمانِ أبِي بَكْرٍ وعُمَرَ ﵄


٢٢٣٣. (خ م) (٢٣٨٨) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «بَينَما رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً لَهُ قَد حَمَلَ عَلَيها التَفَتَت إلَيهِ البَقَرَةُ فَقالَت: إنِّي لَم أُخلَق لِهَذا، ولَكِنِّي إنَّما خُلِقتُ لِلحَرثِ». فَقالَ النّاسُ: سُبحانَ اللهِ، تَعَجُّبًا وفَزَعًا؛ أبَقَرَةٌ تَكَلَّمُ؟ فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «فَإنِّي أُومِنُ بِهِ، وأَبُو بَكرٍ، وعُمَرُ». قالَ أبُو هُرَيْرَةَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «بَينا راعٍ فِي غَنَمِهِ، عَدا عَلَيهِ الذِّئبُ فَأَخَذَ مِنها شاةً، فَطَلَبَهُ الرّاعِي حَتّى استَنقَذَها مِنهُ، فالتَفَتَ إلَيهِ الذِّئبُ فَقالَ لَهُ: مَن لَها يَومَ السَّبُعِ، يَومَ لَيسَ لَها راعٍ غَيرِي؟» فَقالَ النّاسُ: سُبحانَ اللهِ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «فَإنِّي أُومِنُ بِذَلكَ أنا، وأَبُو بَكرٍ، وعُمَرُ». وفي رواية (خ): قالَ: صَلّى رَسُولُ اللهِ ﷺ صَلاةَ الصُّبحِ ثُمَّ أقبَلَ عَلى النّاسِ فَقالَ: «بَينا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إذ رَكِبَها فَضَرَبَها ..».
-فيه علم من أعلام النبوة . (العيني)
وفيه : فضل الشيخين رضي الله تعالى عنهما ؛ لأنه نزلهما بمنزلة نفسه ، وهي من أعظم الخصائص. (العيني)
استدل به على أن الدواب لا تستعمل إلا فيما جرت العادة باستعمالها فيه ، ويحتمل أن يكون قولها (إنما خلقنا للحرث) للإشارة إلى معظم ما خلقت له ولم ترد الحصر في ذلك لأنه غير مراد اتفاقا؛ لأن من أجل ما خلقت له أنها تذبح وتؤكل بالاتفاق. (ابن حجر)

باب: مُرافَقَةُ الصِّدِّيقِ والفارُوقِ النَّبِيَّ ﷺ


٢٢٣٤. (خ م) (٢٣٨٩) عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﵄ قالَ: وُضِعَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ ﵁ عَلى سَرِيرِهِ، فَتَكَنَّفَهُ النّاسُ، يَدعُونَ ويُثنُونَ ويُصَلُّونَ عَلَيهِ قَبلَ أن يُرفَعَ، وأَنا فِيهِم، قالَ: فَلَم يَرُعنِي إلا بِرَجُلٍ قَد أخَذَ بِمَنكِبِي مِن ورائِي، فالتَفَتُّ إلَيهِ فَإذا هُوَ عَلِيٌّ، فَتَرَحَّمَ عَلى عُمَرَ، وقالَ: ما خَلَّفتَ أحَدًا أحَبَّ إلَيَّ أن ألقى اللهَ بِمِثلِ عَمَلِهِ مِنكَ، وايمُ اللهِ إن كُنتُ لأَظُنُّ أن يَجعَلَكَ اللهُ مَعَ صاحِبَيكَ، وذاكَ أنِّي كُنتُ أُكَثِّرُ أسمَعُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «جِئتُ أنا وأَبُو بَكرٍ وعُمَرُ، ودَخَلتُ أنا وأَبُو بَكرٍ وعُمَرُ، وخَرَجتُ أنا وأَبُو بَكرٍ وعُمَرُ». فَإن كُنتُ لأَرجُو أو لأَظُنُّ أن يَجعَلَكَ اللهُ مَعَهُما.
-وفي هذا الكلام أن عليا كان لا يعتقد أن لأحد عملا في ذلك الوقت أفضل من عمل عمر. (ابن حجر)
-فيه فضيلة أبي بكر وعمر، وشهادة علي لهما ، وحسن ثنائه عليهما ، وصدق ما كان يظنه بعمر قبل وفاته رضي الله عنهم أجمعين . (النووي)
-وهذا الحديث ردٌّ من عليّ ـ رضي الله عنه ـ على ما يتقوَّلونه عليه من بُغضه للشيخين، ونسبته إياهما إلى الجور في الإمامة، وأنهما غصباه. وهذا كله كذب وافتراء، وعليٌّ ـ رضي الله عنه ـ منه براء. بل المعلوم من حاله معهما تعظيمه ومحبَّته لهما، واعترافه بالفضل لهما عليه وعلى غيره. وحديثه هذا ينصُّ على هذا المعنى، وقد تقدَّم ثناء عليٍّ على أبي بكر رضي الله عنهما، واعتذاره عن تخلفه عن بيعته، وصحَّة مبايعته له، وانقياده له مختارًا طائعًا سرًّا وجهرًا، وكذلك فعل مع عمر ـ رضي الله عنهم أجمعين - ، وكل ذلك يُكذِّب من افترى شيئا عن علي رضي الله عنه في دعواهم، لكن الأهواء والتعصب أعماهم . (القرطبي)

باب: اسْتِخْلافُ الصِّدِّيقِ ﵁


٢٢٣٥. (خ م) (٢٣٨٦) عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ﵁؛ أنَّ امرَأَةً سَأَلَت رَسُولَ اللهِ ﷺ شَيئًا، فَأَمَرَها أن تَرجِعَ إلَيهِ، فَقالَت: يا رَسُولَ اللهِ؛ أرَأَيتَ إن جِئتُ فَلَم أجِدكَ؟ قالَ: كَأَنَّها تَعنِي المَوتَ، قالَ: «فَإن لَم تَجِدِينِي فَأتِي أبا بَكرٍ».
-فيه إشارة إلى فضل أبو بكر رضي الله عنه ، وفيه إشارة أيضا إلى أنه هو الخليفة من بعده، وهو من الغيب الذي أعلمه الله تعالى به. (المباركفوري)
-فيه دليل لأهل السنة في تقديم أبي بكر للخلافة وأن ذلك من النبي بالإشارة لا التصريح، وانه لم يُنصَّ صراحة على خلافة أبي بكر, ولو كان هناك نصٌّ ما نازع الأنصار ولا غيرهم في أول الأمر، وإنما كان إجماع الصحابة رضي الله عنهم على أبي بكر بعد ذلك لفضيلته.

٢٢٣٦. (خ م) (٢٣٨٧) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: قالَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي مَرَضِهِ: «ادعِي لِي أبا بَكرٍ أباكِ، وأَخاكِ، حَتّى أكتُبَ كِتابًا، فَإنِّي أخافُ أن يَتَمَنّى مُتَمَنٍّ ويَقُولُ قائِلٌ: أنا أولى. ويَأبى اللهُ والمُؤمِنُونَ إلا أبا بَكرٍ». لَفظُ (خ) عَنها قالَت: وا رَأساهُ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ذاكَ لَو كانَ وأَنا حَيٌّ، فَأَستَغفِرَ لَكِ، وأَدعُو لَكِ». فَقالَت عائِشَةُ: واثُكلِياه، واللهِ إنِّي لَأظُنُّكَ تُحِبُّ مَوتِي، ولَو كانَ ذاكَ لَظَلِلتَ آخِرَ يومِك مُعَرِّسًا بِبَعضِ أزواجِكَ. فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «بَل أنا وا رَأساهُ، لَقَد هَمَمتُ أو أرَدتُ أن أُرسِلَ إلى أبِي بَكرٍ وابنِهِ وأَعهَدَ، أن يَقُولَ القائِلُونَ، أو يَتَمَنّى المُتَمَنُّونَ، ثُمَّ قُلتُ: يَأبى اللهُ ويَدفَعُ المُؤمِنُونَ، أو يَدفعُ اللهُ ويَأبى المُؤمِنُونَ».
-فيه ما طبعت عليه المرأة من الغيرة، وفيه مداعبة الرجل أهله والإفضاء إليهم بما يستره عن غيرهم. (ابن حجر)
-فيه أن ذكر الوجع ليس بشكاية، فكم من ساكت وهو ساخط، وكم من شاك وهو راض، فالمعول في ذلك على عمل القلب لا على نطق اللسان، والله أعلم (ابن حجر)

٢٢٣٧. (م) (٢٣٨٥) عَنِ ابْنِ أبِي مُلَيْكَةَ قالَ: سَمِعتُ عائشةَ ﵂ وسُئِلَت؛ مَن كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مُستَخلِفًا لَوِ استَخلَفَهُ؟ قالَت: أبُو بَكرٍ. فَقِيلَ لَها: ثُمَّ مَن بَعدَ أبِي بَكرٍ؟ قالَت: عُمَرُ. ثُمَّ قِيلَ لَها: مَن بَعدَ عُمَرَ؟ قالَت: أبُو عُبَيدَةَ بنُ الجَرّاحِ. ثُمَّ انتَهَت إلى هَذا.
-هذا دليل لأهل السنة في تقديم أبي بكر ثم عمر للخلافة مع إجماع الصحابة .
-وفيه دلالة لأهل السنة أن خلافة أبي بكر ليست بنص من النبي ﷺ على خلافته صريحا، بل أجمعت الصحابة على عقد الخلافة له، وتقديمه لفضيلته، ولو كان هناك نص عليه أو على غيره لم تقع المنازعة من الأنصار وغيرهم أولا، ولذكر حافظ النص ما معه، ولرجعوا إليه، لكن تنازعوا أولا، ولم يكن هناك نص، ثم اتفقوا على أبي بكر، واستقر الأمر. 
وأما من يدعي أن النص على علي ، والوصية إليه ، فباطل لا أصل له باتفاق المسلمين، والاتفاق على بطلان دعواهم من زمن علي، وأول من كذبهم علي رضي الله عنه بقوله: ما عندنا إلا ما في هذه الصحيفة . . . الحديث، ولو كان عنده نص لذكره، ولم ينقل أنه ذكره في يوم من الأيام، ولا أن أحدا ذكره له. (النووي)

٢٢٣٨. (خ) (٧٢١٩) عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ﵁؛ أنَّهُ سَمِعَ خُطبَةَ عُمَرَ الآخِرَةَ حِينَ جَلَسَ عَلى المِنبَرِ، وذَلكَ الغَدَ مِن يَومٍ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ ﷺ، فَتَشَهَّدَ وأَبُو بَكرٍ صامِتٌ لا يَتَكَلَّمُ، قالَ: كُنتُ أرجُو أن يَعِيشَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حَتّى يَدبُرَنا -يُرِيدُ بِذَلكَ أن يَكُونَ آخِرَهُم- فَإن يَكُ مُحَمَّدٌ ﷺ قَد ماتَ فَإنَّ اللهَ تَعالى قَد جَعَلَ بَينَ أظهُرِكُم نُورًا تَهتَدُونَ بِهِ بِما هَدى اللهُ مُحَمَّدًا ﷺ، وإنَّ أبا بَكرٍ صاحِبُ رَسُولِ اللهِ ﷺ، ثانِيَ اثنَينِ، فَإنَّهُ أولى المُسلِمِينَ بِأُمُورِكُم، فَقُومُوا فَبايِعُوهُ. وكانَت طائِفَةٌ مِنهُم قَد بايَعُوهُ قَبلَ ذَلكَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي ساعِدَةَ، وكانَت بَيعَةُ العامَّةِ عَلى المِنبَرِ. قالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ: سَمِعتُ عُمَرَ يَقُولُ لأَبِي بَكرٍ يَومَئِذٍ: اصعَد المِنبَرَ. فَلَم يَزَل بِهِ حَتّى صَعِدَ المِنبَرَ، فَبايَعَهُ النّاسُ عامَّةً. وفي رواية: أنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ الغَدَ حِينَ بايَعَ المُسلِمُونَ أبا بَكرٍ، واستَوى عَلى مِنبَرِ رَسُولِ اللهِ ﷺ تَشَهَّدَ قَبلَ أبِي بَكرٍ فَقال: أمّا بَعدُ؛ فاختارَ اللهُ لِرَسُولِهِ ﷺ الَّذِي عِندَهُ عَلى الَّذِي عِندَكُم، وهَذا الكِتابُ الَّذِي هَدى اللهُ بِهِ رَسُولَكُم، فَخُذُوا بِهِ تَهتَدُوا، وإنَّما هَدى اللهُ بِهِ رَسُولَهُ.
-(وَإِنَّ أَبَا بَكرٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ ﷺ، ثَانِيَ اثنَينِ...) قدَّم الصحبة لشرفها ولما شاركه فيها غيره عطف عليها ما انفرد به، وهو كونه { ثاني اثنين إذ هما في الغار} [التوبة: 40] وهي أعظم فضيلة استحق بها الخلافة كما قاله السفاقسي (القسطلاني)
-فيه إشارة إلى أن الجلوس في الأمكنة العامة جائز، وأن اتخاذ صاحب الدار ساباطًا أو مستظلا جائز إذا لم يضر المارة . (ابن حجر)

باب: فَضائِلُ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ ﵁


٢٢٣٩. (خ م) (٢٣٩٠) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «بَينا أنا نائِمٌ رَأَيتُ النّاسَ يُعرَضُونَ وعَلَيهِم قُمُصٌ، مِنها ما يَبلُغُ الثُّدِيَّ، ومِنها ما يَبلُغُ دُونَ ذَلكَ، ومَرَّ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ وعَلَيهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ». قالُوا: ماذا أوَّلتَ ذَلكَ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: «الدِّينَ».
-فيه التشبيه البليغ وهو تشبيه الدين بالقميص لأنه يستر عورة الإنسان، وكذلك الدين يستره من النار. وفيه الدلالة على التفاضل في الإيمان كما هو مفهوم تأويل القميص، وبالدين مع ما ذكره من أن اللابسين يتفاضلون في لبسه (القسطلاني).
-فيه مشروعية تعبير الرؤيا, وسؤال العالم بها عن تعبيرها ولو كان هو الرائي, وفيه الثناء على الفاضل بما فيه لإظهار منزلته عند السامعين, ولا يخفى أن محل ذلك إذا أمن عليه من الفتنة بالمدح كالإعجاب (ابن حجر).
-فيه فضيلة لعمر رضي الله عنه ( ابن حجر).

٢٢٤٠. (خ م) (٢٣٩١) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ ﵄، عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ قالَ: «بَينا أنا نائِمٌ إذ رَأَيتُ قَدَحًا أُتِيتُ بِهِ فِيهِ لَبَنٌ، فَشَرِبتُ مِنهُ، حَتّى إنِّي لأَرى الرِّيَّ يَجرِي فِي أظفارِي، ثُمَّ أعطَيتُ فَضلِي عُمَرَ بنَ الخَطّابِ». قالُوا: فَما أوَّلتَ ذَلكَ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: «العِلمُ».
-قال المهلب: رؤية اللبن فى النوم تدل على السنة والفطرة والعلم والقرآن؛ لأنه أول شيء ناله المولود من طعام الدنيا، وهو الذى يتفق معناه، وبه تقوم حياته كما تقوم بالعلم حياة القلوب، فهو يشاكل العلم من هذه الناحية. وقد يدل على الحياة؛ لأنها كانت به في الصغر، وقد يدل على الثواب؛ لأنه من نعيم الجنة إذا رأى نهر من لبن، وقد يدل على المال الحلال، وإنما أوله عليه السلام في عمر بالعلم والله أعلم؛ لعلمه بصحة فطرته ودينه، والعلم زيادة في الفطرة على أصل معلوم (ابن بطال).
-فيه فضل العلم وشرفه وأهميته بالنسبة للإنسان، لأنه أفضل غذاء لروحه، كما أن اللبن أفضل غذاء لبدنه, ولأنه ميراث النبي - ﷺ - الذي تبقى لنا من بعده (حمزة القاسم).

٢٢٤١. (خ م) (٢٣٩٢) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «بَينا أنا نائِمٌ رَأَيتُنِي عَلى قَلِيبٍ عَلَيها دَلوٌ، فَنَزَعتُ مِنها ما شاءَ اللهُ، ثُمَّ أخَذَها ابنُ أبِي قُحافَةَ، فَنَزَعَ بِها ذَنُوبًا أو ذَنُوبَينِ، وفِي نَزعِهِ واللهُ يَغفِرُ لَهُ ضَعفٌ، ثُمَّ استَحالَت غَربًا، فَأَخَذَها ابنُ الخَطّابِ، فَلَم أرَ عَبقَرِيًّا مِن النّاسِ يَنزِعُ نَزعَ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ، حَتّى ضَرَبَ النّاسُ بِعَطَنٍ». وفي رواية: «حَتّى تَولّى النّاسُ والحَوضُ مَلآنُ يَتَفَجَّرُ».
-ذنوبًا أو ذنوبين: الدلو الممتلئ. ( القسطلاني).
-ثم استحالت غربا: أي تحولت الدلو وغربًا: دلوا عظيمة (القسطلاني).
- فلم أر عبقريًا: أي سيدًا عظيمًا قويًا (القسطلاني).
-حتى ضرب الناس بعطن: العطن ما حول الحوض والبئر من مبارك الإبل للشرب, ومعنى ضربت بعطن بركت، وقال ابن الأعرابي: أصل العطن الموضع الذي تبرك فيه الإبل قرب الماء إذا شربت لتعاد إليه إن أرادت ذلك. وفيه إشارة إلى طول مدة خلافة عمر وكثرة انتفاع الناس بها. (القسطلاني).
-قوله (وفي نزعه ضعف والله يغفر له ضعفه) وليس فيه حط من مرتبة ابي بكر رضي الله عنه، وإنما هو إخبار عن حاله في قصر مدة خلافته, والاضطراب الذي وجد في زمانه من أهل الردة فزارة, وغطفان, وبني سلمة, وبني يربوع, وبعض بني تميم, وكندة, وبكر بن وائل, وأتباع مسيلمة الكذاب وإنكار بعض الزكاة فدعا له عليه الصلاة والسلام بالمغفرة ليتحقق السامعون أن الضعف الذي وجد في نزعه من مقتض تغيير الزمان وقلة الأعوان لا أن ذلك منه -رضي الله عنه- لكن نسبه إليه إطلاقًا لاسم المحل على الحال وهو مجاز شائع في كلام العرب (القسطلاني).
-فيه أنهم قالوا هذا المنام مثال لما جرى للخليفتين من ظهور آثارهما الصالحة وانتفاع الناس بهما, وكل ذلك مأخوذ من النبي -ﷺ- لأنه صاحب الأمر فقام به أكمل القيام, وقرر قواعد الدين, ثم خلفه أبو بكر فقاتل أهل الردة وقطع دابرهم، ثم خلفه عمر فطالت مدة خلافته عشر سنين, واتسع الإسلام في زمنه, فشبه أمر المسلمين بقليب فيه الماء الذي فيه حياتهم وصلاحهم وأميرهم بالمستقي لهم منها, وسعته هي قيامه بمصالحهم فكان عبقريًّا لم ير سيد يعمل عمله، وفيه أن من رأى أنه يستخرج ماء من بئر فإنه يلي ولاية جليلة, وتكون مدة ولايته بقدر ما استقى (النووي).
فيه إشارة إلى أن الدنيا للصالحين دار نصب وتعب, وإن في الموت لأهل الصلاح والدين راحة منها, وشبه أمر المسلمين بالبئر لما فيها من الماء الذي به حياة العباد وصلاح البلاد, وشبه الوالي عليهم والقائم بأمورهم بالنازع الذي يستقي, وأوّل بعضهم الحوض بأنه معدن العلم وهو القرآن الذي يغترف الناس منه حتى يرووا دون أن ينتقص. (القسطلاني).

٢٢٤٢. (خ م) (٢٣٩٥) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ قالَ: «بَينا أنا نائِمٌ إذ رَأَيتُنِي فِي الجَنَّةِ، فَإذا امرَأَةٌ تَوَضَّأُ إلى جانِبِ قَصرٍ، فَقُلتُ: لِمَن هَذا؟ فَقالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الخَطّابِ. فَذَكَرتُ غَيرَةَ عُمَرَ فَوَلَّيتُ مُدبِرًا». قالَ أبُو هُرَيْرَةَ: فَبَكى عُمَرُ، ونَحنُ جَمِيعًا فِي ذَلكَ المَجلِسِ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، ثُمَّ قالَ عُمَرُ: بِأبِي أنتَ يا رَسُولَ اللهِ؛ أعَلَيكَ أغارُ؟
ولَهُما عَن جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ نَحوُهُ، وفي رواية (خ): «فَإذا أنا بِقَصرٍ مِن ذَهَبٍ».
-فيه الحكم لكل رجل بما يعلم من خلقه ( ابن بطال)
-فيه فضيلة الغيرة وإنها من خلق الفضلاء المحمودة (الهرري).
-فيه بكاء عمر ويحتمل أن يكون سرورا, ويحتمل أن يكون تشوقا أو خشوعا (ابن حجر).

٢٢٤٣. (خ م) (٢٣٩٦) عَنْ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ ﵁ قالَ: استَأذَنَ عُمَرُ عَلى رَسُولِ اللهِ ﷺ وعِندَهُ نِساءٌ مِن قُرَيشٍ يُكَلِّمنَهُ ويَستَكثِرنَهُ، عالِيَةً أصواتُهُنَّ، فَلَمّا استَأذَنَ عُمَرُ قُمنَ يَبتَدِرنَ الحِجابَ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ، ورسُولُ اللهِ ﷺ يَضحَكُ، فَقالَ عُمَرُ: أضحَكَ اللهُ سِنَّكَ يا رَسُولَ اللهِ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «عَجِبتُ مِن هَؤُلاءِ اللاتِي كُنَّ عِندِي، فَلَمّا سَمِعنَ صَوتَكَ ابتَدَرنَ الحِجابَ». قالَ عُمَرُ: فَأَنتَ يا رَسُولَ اللهِ أحَقُّ أن يَهَبنَ. ثُمَّ قالَ عُمَرُ: أي عَدُوّاتِ أنفُسِهِنَّ؛ أتَهَبنَنِي ولا تَهَبنَ رَسُولَ اللهِ ﷺ؟ قُلنَ: نَعَم، أنتَ أغلَظُ وأَفَظُّ مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ. قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «والَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ ما لَقِيَكَ الشَّيطان قَطُّ سالِكًا فَجًّا إلا سَلَكَ فَجًّا غَيرَ فَجِّكَ».
-وهذا الحديث محمول على ظاهره, وأن الشيطان متى رأى عمر سالكا فجا هرب هيبة من عمر وفارق ذلك الفج وذهب في فج آخر لشدة خوفه من بأس عمر أن يفعل فيه شيئا (النووي).
-قال الحافظ في الفتح : إن ذلك لا يقتضي وجود العصمة لعمر، إذ ليس فيه إلا فرار الشيطان منه أن يشاركه في طريق يسلكها, ولا يمنع ذلك من وسوسته له بحسب ما تصل إليه قدرته، فيمكن أن يكون حفظ من الشيطان، ولا يلزم من ذلك ثبوت العصمة له, وقال القاضي عياض: ويحتمل أنه ضرب مثلًا لبعد الشيطان وإغوائه منه، وإن عمر في جميع أموره سالك طريق السداد خلاف ما يأمر به الشيطان، وحاصله أن الشيطان لا يتمكن من إغوائه ولا إغواء غيره بمحضر من عمر رضي الله عنه، وهذا التفسير هو الذي يظهر أنه الأولى بهذا المقام والله أعلم (الهرري).

٢٢٤٤. (م) (٢٣٩٨) عَنْ عائِشَةَ ﵂، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «قَد كانَ يَكُونُ فِي الأُمَمِ قَبلَكُم مُحَدَّثُونَ، فَإن يَكُن فِي أُمَّتِي مِنهُم أحَدٌ فَإنَّ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ مِنهُم». (قالَ ابنُ وهبٍ: تَفسِيرُ «مُحَدَّثُونَ»: مُلهَمُونَ). رَواهُ (خ) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ﵁.
-فيه انه كان الظاهر أن يقول: إن عمر منهم، بدون شك أو ترديد أو تعليق، لأن أمته ﷺ أفضل الأمم، وإذا ثبت أن ذلك وجد في غيرهم، فإمكان وجوده فيهم أولى، وإنما أورده بهذا المورد للتأكيد، كما يقول الرجل: إن يكن لي صديق فإنه فلان يريد اختصاصه بكمال الصداقة لا نفي الأصدقاء (موسى شاهين).
-فيه أن السبب في تخصيص عمر بذلك كثرة ما وقع له زمن النبي ﷺ من الموافقات التي نزل القرآن مطابقا لها، ووقع له بعد النبي ﷺ عدة إصابات.

٢٢٤٥. (م) (٢٣٩٩) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قالَ: قالَ عُمَرُ: وافَقتُ رَبِّي فِي ثَلاثٍ: فِي مَقامِ إبراهِيمَ، وفِي الحِجابِ، (وفِي أُسارى بَدرٍ).
رَواهُ (خ): عَن أنَسٍ قالَ: قالَ عُمَرُ: وافَقتُ رَبِّي فِي ثَلاثٍ: فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ لَو اتَّخَذَنا مِن مِقامِ إبراهِيمَ مُصَلّى، فَنَزَلَت: ﴿واتَّخِذُواْ مِن مَّقامِ إبْراهِيمَ مُصَلًّى﴾ [البقرة: ١٢٥]، وآيَةُ الحِجابِ، قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ لَو أمَرتَ نِساءَكَ أن يَحتَجِبنَ، فَإنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ البَرُّ والفاجِرُ، فَنَزَلَت آيَةُ الحِجابِ، واجتَمَعَ نِساءُ النَّبِيِّ ﷺ فِي الغَيرَةِ عَلَيهِ، فَقُلتُ لَهُنَّ: ﴿عَسى رَبُّهُ إن طَلَّقَكُنَّ أن يُبْدِلَهُ أزْواجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ﴾ [التحريم: ٥]، فَنَزَلَت هَذِهِ الآيَةُ.
وفي رواية (خ): أو وافَقَنِي رَبِّي فِي ثَلاثٍ ... وفِيها: قالَ: وبَلَغَنِي مُعاتَبَةُ النَّبِيِّ ﷺ بَعضَ نِسائِهِ، فَدَخَلتُ عَلَيهِنَّ، قُلتُ: إن انتَهَيتُنَّ أو لَيُبَدِّلَنَّ اللهُ رَسُولَه ﷺ خَيرًا مِنكُنَّ، حَتّى أتَيتُ إحدى نِسائهِ، قالَت: يا عُمَرُ؛ أما فِي رَسُولِ اللهِ ﷺ ما يَعِظُ نِساءَهُ، حَتّى تَعِظَهُنَّ أنتَ؟! فَأَنَزَلَ ... الآية.
-وافقت ربي في ثلاث: وقائع، قال الحافظ ابن حجر: والمعنى: وافقني ربي، فأنزل القرآن على وفق ما رأيت، لكن لرعاية الأدب أسند الموافقة إلى نفسه، أو أشار بذلك إلى حدوث رأيه وقدم الحُكم، قال: وليس في تخصيصه العدد بالثلاث ما ينفي الزيادة عليها، لأنه حصلت له الموافقة في أشياء غير هذه، من مشهورها قصة أسارى بدر، وقصة الصلاة على المنافقين، قال: وأكثر ما وقفنا عليه منها بالتعيين خمس عشرة. اهـ (موسى شاهين).
-من موافقات عمر رضي الله عنه في مقام إبراهيم: أي في طلب الصلاة في مقام إبراهيم، ومقام إبراهيم معروف الآن في المسجد الحرام، مواجه لباب الكعبة قيل: وكان المقام في زمن النبي ﷺ ملتصقا بالكعبة، ثم أخره عمر إلى مكانه الآن، لما رأى أن بقاءه يضيق على الطائفين، أو على المصلى، فوضعه في مكان يرتفع به الحرج، وموافقة عمر رضي الله عنه في مقام إبراهيم أخرج صورتها أبو نعيم من حديث ابن عمر "أن النبي ﷺ أخذ بيد عمر، فقال: يا عمر، هذا مقام إبراهيم، فقال عمر: أفلا تتخذه مصلى؟ فقال: لم أومر بذلك، فلم تغب الشمس حتى نزلت هذه الآية {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} والأمر فيها للاستحباب، وقيل: الأمر بصلاة ركعتي الطواف عنده.
, وفي الحجاب: أي حجاب أمهات المؤمنين, وفي أسارى بدر: أسر المسلمون من كفار قريش يوم بدر سبعين رجلا، وأخرج مسلم هذه القصة مطولة من حديث عمر، ذكر فيها أنه ﷺ قال: ما ترون في هؤلاء الأسرى؟ فقال أبو بكر: أرى أن تأخذ منهم فدية تكون قوة لنا، وعسى الله أن يهديهم، فقال عمر: أرى أن تمكنا منهم، فنضرب أعناقهم، فإن هؤلاء أئمة الكفر، فهوى رسول الله ﷺ ما قال أبو بكر" فنزل قوله تعالى {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم* لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم} [الأنفال: 67 - 68] فنزل القرآن برأي عمر (موسى شاهين).
-ومن موافقات عمر رضي الله عنه أنه دخل على أمهات المؤمنين، حين تحزبن على رسول الله ﷺ فحذرهن العواقب، وقال لهن: {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن} فنزلت الآية على وفق ما قال. ومن موافقاته أيضا تحريم الخمر (موسى شاهين).

٢٢٤٦. (خ م) (٢٤٠٠) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قالَ: لَمّا تُوُفِّيَ عَبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ ابنُ سَلُولَ جاءَ ابنُهُ عَبدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَسَأَلَهُ أن يُعطِيَهُ قَمِيصَهُ أن يُكَفِّنَ فِيهِ أباهُ، فَأَعطاهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ أن يُصَلِّيَ عَلَيهِ، فَقامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِيُصَلِّيَ عَلَيهِ، فَقامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوبِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ أتُصَلِّي عَلَيهِ وقَد نَهاكَ اللهُ أن تُصَلِّيَ عَلَيهِ؟ فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّما خَيَّرَنِي اللهُ فَقالَ: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً﴾، وسَأَزِيدُ عَلى سَبعِينَ». قالَ: إنَّهُ مُنافِقٌ. فَصَلّى عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ، وأَنزَلَ اللهُ ﷿: ﴿ولا تُصَلِّ عَلى أحَدٍ مِّنْهُم مّاتَ أبَدًا ولا تَقُمْ عَلىَ قَبْرِهِ﴾ [التوبة: ٨٤]. وفي رواية: فَتَرَكَ الصَّلاةَ عَلَيهِم.
ولَهُما عَن جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: أتى النَّبِيُّ ﷺ قَبرَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَأَخرَجَهُ مِن قَبرِهِ، فَوَضَعَهُ عَلى رُكبَتَيهِ، ونَفَثَ عَلَيهِ مِن رِيقِهِ، وأَلبَسَهُ قَمِيصَهُ، فاللهُ أعلَمُ. ورَوى (خ) عَن جابرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قالَ: لَمّا كانَ يَومَ بَدرٍ أُتَي بِأُسارى، وأُتي بِالعَبّاسِ، ولَم يَكُن عَلَيهِ ثَوبٌ فنَظَرَ النَّبِيُّ ﷺ لَه قَمِيصًا، فَوَجَدُوا قَمِيصَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبيٍّ يَقدُرُ عَلَيهِ، فَكَساهُ النَّبِيُّ ﷺ إيّاهُ، فَلِذَلكَ نَزَعَ النَّبِيُّ ﷺ قَمِيصَهُ الَّذِي ألبَسَهُ. قالَ ابنُ عُيَينَة: كانَت لَه عِنْدَ النَّبيِّ ﷺ يَدٌ، فَأَحَبَّ أن يُكافِئهُ.
- فيه تطييب قلب المسلم، فقد فعل ﷺ ما فعل مع ابن أبي تطييبا لخاطر ابنه عبد الله، فإنه كان صحابيا جليلا، وقد سأل ذلك، فأجابه إليه، وقيل: مكافأة لعبد الله المنافق الميت، لأنه كان ألبس العباس حين أسر يوم بدر قميصا, قال سفيان : وقال هارون : وَكَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَمِيصَانِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبْدِاللَّهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلْبِسْ أَبِي قَمِيصَكَ الَّذِي يَلِي جِلْدَكَ، قال سفيان : فَيُرَوْنَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَلْبَسَ عَبْدَاللَّهِ قَمِيصَهُ مُكَافَأَةً لِمَا صَنَعَ. وقال القاضي عياض : إنما أعطاه ذلك عِوَضًا عن القميص الذى كسا العباس.
- وفيه عظيم مكارم أخلاق النبي ﷺ فقد علم ما كان من هذا المنافق من الإيذاء، وقابله بالحسنى. فألبسه قميصه كفنا وصلى عليه، واستغفر له. قال تعالى {وإنك لعلى خلق عظيم} [القلم: 5] (موسى شاهين).
-وفيه تحريم الصلاة على المنافقين والدعاء لهم بالمغفرة، والقيام على قبرهم بالدعاء (موسى شاهين).
-استدل بعضهم بالحديث على التأليف بالوسائل الممكنة؛ فالنبي ﷺ تألفه كرامة لابنه وقومه, فقد أخرج الطبري "وما يغني عنه قميص عن الله؟ وإني لأرجو أن يسلم بذلك ألف من قومه" (موسى شاهين).
- وفيه جواز الشهادة على المرء بما كان عليه حيا وميتا، لقوله عمر: إن عبد الله منافق، ولم ينكر النبي ﷺ قوله (موسى شاهين).
-فيه أن المنهي عنه من سب الأموات ما قصد به الشتم، لا التعريف (موسى شاهين).
- فيه أن المنافق تجري عليه أحكام الإسلام الظاهرة (موسى شاهين).
- فيه أن الإعلام بوفاة الميت مجردا لا يدخل في النعي المنهي عنه (موسى شاهين).
-فيه رعاية الحي المطيع بالإحسان إلى الميت العاصي (موسى شاهين).
-فيه التكفين بالمخيط (موسى شاهين).
-فيه جواز تأخير البيان عن وقت النزول، إلى وقت الحاجة (موسى شاهين).
-فيه العمل بالظاهر إذا كان النص محتملا (موسى شاهين).
-فيه جواز تنبيه المفضول للفاضل على ما يظن أنه سها عنه (موسى شاهين).
-فيه تنبيه الفاضل المفضول على ما يشكل عليه (موسى شاهين).

٢٢٤٧. (خ) (٣٦٨٤) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قالَ: ما زِلنا أعِزَّةً مُنذُ أسلَمَ عُمَرُ.
٢٢٤٨. (خ) (٣٦٨٧) عَنْ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ؛ عَن أبِيهِ قالَ: سَأَلَنِي ابنُ عُمَرَ ﵄ عَن بَعضِ شَأنِهِ يَعنِي عُمَرَ فَأَخبَرتُهُ، فَقالَ: ما رَأَيتُ أحَدًا قَطُّ بَعدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ مِن حِينَ قُبِضَ كانَ أجَدَّ وأَجوَدَ حَتّى انتَهى، مِن عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ.
٢٢٤٩. (خ) (٣٦٩٢) عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ ﵁ قالَ: لَمّا طُعِنَ عُمَرُ جَعَلَ يَألَمُ، فَقالَ لَهُ ابنُ عَبّاسٍ وكَأَنَّهُ يُجَزِّعُهُ: يا أمِيرَ المُؤمِنِينَ؛ ولَئِن كانَ ذاكَ، لَقَد صَحِبتَ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَأَحسَنتَ صُحبَتَهُ، ثُمَّ فارَقتَهُ وهُوَ عَنكَ راضٍ، ثُمَّ صَحِبتَ أبا بَكرٍ فَأَحسَنتَ صُحبَتَهُ، ثُمَّ فارَقتَهُ وهُوَ عَنكَ راضٍ، ثُمَّ صَحِبتَ صَحَبَتَهُم فَأَحسَنتَ صُحبَتَهُم، ولَئِن فارَقتَهُم لَتُفارِقَنَّهُم وهُم عَنكَ راضُونَ. قالَ: أمّا ما ذَكَرتَ مِن صُحبَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ ورِضاهُ فَإنَّما ذاكَ مَنٌّ مِن اللهِ تَعالى مَنَّ بِهِ عَلَيَّ، وأَمّا ما ذَكَرتَ مِن صُحبَةِ أبِي بَكرٍ ورِضاهُ فَإنَّما ذاكَ مَنٌّ مِن اللهِ جَلَّ ذِكرُهُ مَنَّ بِهِ عَلَيَّ، وأَمّا ما تَرى مِن جَزَعِي فَهُوَ مِن أجلِكَ وأَجلِ أصحابِكَ، واللهِ لَو أنَّ لِي طِلاعَ الأرضِ ذَهَبًا لافتَدَيتُ بِهِ مِن عَذابِ اللهِ ﷿ قَبلَ أن أراهُ.
-وكأنه يجزعه: أي: وكأن ابن عباس يجزعه أي: ينسبه إلى الجزع ويلومه، وقيل: معناه يزيل عنه الجزع (العيني).
-فهو من أجلك: أي: جزعي من أجلك وأجل أصحابك، قال ذلك لما شعر من فتن تقع بعده (العيني).
-قبل أن أراه: أي: العذاب، إنما قال ذلك لغلبة الخوف الذي وقع له في ذلك الوقت من خشية التقصير فيما يجب عليه من حقوق الرعية (العيني).

٢٢٥٠. (خ) (٣٩١٥) عَنْ أبِي بُرْدَةَ بْنِ أبِي مُوسى الأَشْعَرِيِّ قالَ: قالَ لِي عَبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ: هَل تَدرِي ما قالَ أبِي لأبِيكَ؟ قالَ: قلت: لا، قالَ: فَإنَّ أبِي قالَ لأبِيكَ: يا أبا مُوسى؛ هَل يَسُرُّكَ إسلامُنا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ وهِجرَتُنا مَعَهُ وجِهادنا مَعَهُ وعَمَلُنا كُلُّهُ مَعَهُ بَرَدَ لَنا، وأَنَّ كُلَّ عَمَلٍ عَمِلناهُ بَعدَهُ نَجَونا مِنهُ كَفافًا رَأسًا بِرَأسٍ؟ فَقالَ أبِي: لا واللهِ؛ قَد جاهَدنا بَعدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وصَلَّينا وصُمنا، وعَمِلنا خَيرًا كَثِيرًا، وأَسلَمَ عَلى أيدِينا بَشَرٌ كَثِيرٌ، وإنّا لَنَرجُو ذَلكَ. فَقالَ أبِي: لَكِنِّي أنا والَّذِي نَفسُ عُمَرَ بِيَدِهِ؛ لَوَدِدتُ أنَّ ذَلكَ بَرَدَ لَنا، وأَنَّ كُلَّ شَيءٍ عَمِلناهُ بَعدُ نَجَونا مِنهُ كَفافًا رَأسًا بِرَأسٍ. فَقلت: إنَّ أباكَ واللهِ خَيرٌ مِن أبِي.
-نجونا منه كفافًا رأسًا برأس: قاله عمر -رضي الله عنه- هضمًا لنفسه أو لما رأى أن الإنسان لا يخلو عن تقصير في كل خير يعمله (القسطلاني).
-إن أباك: أي: عمر والله خير من أبي أي: أبي موسى لأن مقام الخوف أفضل من مقام الرجاء (القسطلاني).

باب: فَضائِلُ عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ ﵁


٢٢٥١. (خ م) (٢٤٠٣) عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، أخبَرَنِي أبُو مُوسى الأشعَرِيُّ؛ أنَّهُ تَوَضَّأَ فِي بَيتِهِ، ثُمَّ خَرَجَ فَقالَ: لأَلزَمَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، ولأَكُونَنَّ مَعَهُ يَومِي هَذا، قالَ: فَجاءَ المَسْجِدَ، فَسَأَلَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، فَقالُوا: خَرَجَ، وجَّهَ هاهُنا. قالَ: فَخَرَجتُ عَلى أثَرِهِ أسأَلُ عَنهُ، حَتّى دَخَلَ بِئرَ أرِيسٍ، قالَ: فَجَلَستُ عِنْدَ البابِ، وبابُها مِن جَرِيدٍ، حَتّى قَضى رَسُولُ اللهِ ﷺ حاجَتَهُ وتَوَضَّأَ، فَقُمتُ إلَيهِ، فَإذا هُوَ قَد جَلَسَ عَلى بِئرِ أرِيسٍ، وتَوَسَّطَ قُفَّها، وكَشَفَ عَن ساقَيهِ، ودَلاهُما فِي البِئرِ، قالَ: فَسَلَّمتُ عَلَيهِ، ثُمَّ انصَرَفتُ فَجَلَستُ عِنْدَ البابِ، فَقُلتُ: لأَكُونَنَّ بَوّابَ رَسُولِ اللهِ ﷺ اليَومَ، فَجاءَ أبُو بَكرٍ فَدَفَعَ البابَ، فَقُلتُ: مَن هَذا؟ فَقالَ: أبُو بَكرٍ. فَقُلتُ: عَلى رِسلِكَ، قالَ: ثُمَّ ذَهَبتُ، فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ هَذا أبُو بَكرٍ يَستَأذِنُ، فَقالَ: «ائذَن لَهُ وبَشِّرهُ بِالجَنَّةِ». قالَ: فَأَقبَلتُ حَتّى قُلتُ لأَبِي بَكرٍ: ادخُل، ورَسُولُ اللهِ ﷺ يُبَشِّرُكَ بِالجَنَّةِ، قالَ: فَدَخَلَ أبُو بَكرٍ، فَجَلَسَ عَن يَمِينِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، مَعَهُ فِي القُفِّ، ودَلّى رِجلَيهِ فِي البِئرِ كَما صَنَعَ النَّبِيُّ ﷺ، وكَشَفَ عَن ساقَيهِ، ثُمَّ رَجَعتُ فَجَلَستُ، وقَد تَرَكتُ أخِي يَتَوَضَّأُ ويَلحَقُنِي، فَقُلتُ: إن يُرِد اللهُ بِفُلانٍ يُرِيدُ أخاهُ خَيرًا يَأتِ بِهِ، فَإذا إنسانٌ يُحَرِّكُ البابَ، فَقُلتُ: مَن هَذا؟ فَقالَ: عُمَرُ بنُ الخَطّابِ. فَقُلتُ: عَلى رِسلِكَ، ثُمَّ جِئتُ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَسَلَّمتُ عَلَيهِ، وقُلتُ: هَذا عُمَرُ يَستَأذِنُ، فَقالَ: «ائذَن لَهُ، وبَشِّرهُ بِالجَنَّةِ». فَجِئتُ عُمَرَ فَقُلتُ: أذِنَ، ويُبَشِّرُكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِالجَنَّةِ. قالَ: فَدَخَلَ، فَجَلَسَ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي القُفِّ عَن يَسارِهِ، ودَلّى رِجلَيهِ فِي البِئرِ، ثُمَّ رَجَعتُ فَجَلَستُ، فَقُلتُ: إن يُرِد اللهُ بِفُلانٍ خَيرًا يَعنِي أخاهُ يَأتِ بِهِ، فَجاءَ إنسانٌ فَحَرَّكَ البابَ، فَقُلتُ: مَن هَذا؟ فَقالَ: عُثْمانُ بنُ عَفّانَ. فَقُلتُ: عَلى رِسلِكَ، قالَ: وجِئتُ النَّبِيَّ ﷺ فَأَخبَرتُهُ، فَقالَ: «ائذَن لَهُ، وبَشِّرهُ بِالجَنَّة، مَعَ بَلوى تُصِيبُهُ». قالَ: فَجِئتُ، فَقُلتُ: ادخُل، ويُبَشِّرُكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِالجَنَّةِ، مَعَ بَلوى تُصِيبُكَ. قالَ: فَدَخَلَ، فَوَجَدَ القُفَّ قَد مُلِئَ، فَجَلَسَ وِجاهَهُم مِن الشِّقِّ الآخَرِ، قالَ شَرِيكٌ: فَقالَ سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ: فَأَوَّلتُها قُبُورَهُم. وفي رواية (خ): أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ قاعِدًا فِي مَكانٍ فِيهِ ماءٌ قَد انكَشَفَ عَن رُكبَتَيهِ أو رُكبَتِهِ، فَلَمّا دَخَلَ عُثْمانُ غَطّاها. وفي رواية (م): فَقالَ [عُثْمانُ]: اللَّهُمَّ صَبرًا، أو اللهُ المُستَعانُ.
وفي رواية (خ): فَكَشَفَ عَن ساقَيهِ فَدَلاَّهُما فِي البِئرِ. [عُمَرُ وعُثمانُ].
-يدل استمرار كشف النبي ﷺ ساقه مع حضور أبي بكر وعمر جواز تدلل العالم والفاضل بحضرة من يدل عليه من فضلاء أصحابه, واستحباب ترك ذلك إذا حضر غريب أو صاحب يستحى منه (موسى شاهين).
-فيه تبشيرهم بالجنة وفضيلة هؤلاء الثلاثة وأنهم من أهل الجنة. (موسى شاهين).
-وفيه فضيلة لأبي موسى رضي الله عنه (موسى شاهين).
- فيه جواز الثناء على الإنسان في وجهه إذا أمنت عليه فتنة الإعجاب (موسى شاهين).
- وفيه معجزة ظاهرة للنبي ﷺ لإخباره بقصة عثمان والبلوى, وأن الثلاثة يستمرون على الإيمان والهدى (موسى شاهين).
-ومن قوله عند توقع البلاء "والله المستعان" استحباب قول ذلك عند مثل تلك الحال (موسى شاهين).
-ومن قول سعيد بن المسيب "فأولتها قبورهم" وقوع التأويل في اليقظة أي تأويل الإشارات إلى أحداث, وهو الذي يسمى الفراسة وقد أخذ سعيد بن المسيب من اجتماع الصاحبين مع النبي ﷺ على قف البئر وانفراد عثمان تجاههم اجتماعهم في الدفن وانفراد عثمان عنهم في البقيع, وفي رواية "وقال سعيد: فأولت ذلك انتباذ قبره من قبورهم" وفي رواية زيادة "اجتمعوا هنا وانفرد عثمان", والظاهر أن هذا التأويل إنما وقع في نفس سعيد بعد دفنهم جميعا، فهو ربط بين أخبار ماضية وأحداث حدثت تصدقها (موسى شاهين).
- وفي وقوف أبي موسى على باب البئر أن النبي ﷺ لم يكن له بواب، وليس معنى ذلك أنه لم يكن له بواب لحظة من حياته، بل المعنى أنه لم يكن له بواب مرتب خاص بذلك على الدوام (موسى شاهين).
-ومن تدلية الصاحبين لساقيهما في البئر مدى حرص أبي بكر وعمر على موافقة رسول الله ﷺ في حركاته وسكناته, وفي هذا الفعل أيضا الحرص على راحة الرسول ﷺ، إذ ربما لو لم يفعلا ذلك استحيا منهما فرفع ساقيه (موسى شاهين).
-فيه التصريح بفضيلة هؤلاء الثلاثة: أبو بكر وعمر وعثمان، وأن أبا بكر أفضلهم لسبقه بالبشارة بالجنة، ولجلوسه على يمين النبي ﷺ (العيني).

٢٢٥٢. (م) (٢٤٠١) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مُضطَجِعًا فِي بَيتِي كاشِفًا عَن فَخِذَيهِ أو ساقَيهِ، فاستَأذَنَ أبُو بَكرٍ فَأَذِنَ لَهُ وهُوَ عَلى تِلكَ الحالِ فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ استَأذَنَ عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُ وهُوَ كَذَلكَ فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ استَأذَنَ عُثْمانُ فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وسَوّى ثِيابَهُ قالَ مُحَمَّدٌ: ولا أقُولُ ذَلكَ فِي يَومٍ واحِدٍ، فَدَخَلَ فَتَحَدَّثَ، فَلَمّا خَرَجَ قالَت عائشةُ ﵂: دَخَلَ أبُو بَكرٍ فَلَم تَهتَشَّ لَهُ ولَم تُبالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَلَم تَهتَشَّ لَهُ ولَم تُبالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمانُ فَجَلَستَ وسَوَّيتَ ثِيابَكَ! فَقالَ: «ألا أستَحِي مِن رَجُلٍ تَستَحِي مِنهُ المَلائِكَةُ؟»
٢٢٥٣. (م) (٢٤٠٢) عَنْ سَعِيدِ بْنِ العاصِي؛ أنَّ عائشةَ ﵂ زَوجَ النَّبِي ﷺ وعُثمانَ ﵁ حَدَّثاهُ؛ أنَّ أبا بَكرٍ استَأذَنَ عَلى رَسُولِ اللهِ ﷺ وهُوَ مُضطَجِعٌ عَلى فِراشِهِ لابِسٌ مِرطَ عائشةَ، فَأَذِنَ لأَبِي بَكرٍ وهُوَ كَذَلكَ، فَقَضى إلَيهِ حاجَتَهُ ثُمَّ انصَرَفَ، ثُمَّ استَأذَنَ عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُ وهُوَ عَلى تِلكَ الحالِ، فَقَضى إلَيهِ حاجَتَهُ ثُمَّ انصَرَفَ، قالَ عُثْمانُ: ثُمَّ استَأذَنتُ عَلَيهِ فَجَلَسَ، وقالَ لِعائشةَ: «اجمَعِي عَلَيكِ ثِيابَكِ». فَقَضَيتُ إلَيهِ حاجَتِي ثُمَّ انصَرَفتُ، فَقالَت عائشةُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ مالِي لَم أرَكَ فَزِعتَ لأَبِي بَكرٍ وعُمَرَ كَما فَزِعتَ لِعُثمانَ؟ قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ عُثْمانَ رَجُلٌ حَيِيٌّ، وإنِّي خَشِيتُ إن أذِنتُ لَهُ عَلى تِلكَ الحالِ أن لا يَبلُغَ إلَيَّ فِي حاجَتِهِ».
-فيه فضيلة عثمان رضي الله عنه وجلالته عند الملائكة (موسى شاهين).
- فضيلة الحياء وأنه صفة جميلة وهي أيضا من صفات الملائكة. (موسى شاهين).
-فيه دليل على جواز معاشرة كل واحد من الأصحاب بحسب حاله ألا ترى انبساطه واسترساله على الحالة التي كان عليها مع أهله لم يغير منها شيئًا ثم إنه لما دخل عثمان غير تلك الحال التي كان عليها أولًا فغطى فخذيه وتهيأ له، ثم لما سئل عن ذلك قال: إن عثمان رجل حيي, وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إلى حاجته (الهرري).
-قوله: (ألا أستحي ممن تستحي منه ملائكة السماء؟) وإنما كان النبي ﷺ يصف كل وحد من الصحابة بما هو الغالب عليه من أخلاقه، وهو مشهور فيه، فلما كان الحياء الغالب على عثمان استحى منه، وذكر أن الملك يستحي منه فكانت المجازاة له من جنس فعله ( العيني).

٢٢٥٤. (خ) (٢٧٧٨) عَنْ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أنَّ عُثْمانَ ﵁ حَيثُ حُوصِرَ أشرَفَ عَلَيهِم وقالَ: أنشُدُكُمُ اللهَ؛ ولا أنشُدُ إلا أصحابَ النَّبِيِّ ﷺ؛ ألَستُم تَعلَمُونَ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «مَن حَفَرَ رُومَةَ فَلَهُ الجَنَّةُ». فَحَفَرتُها؟ ألَستُم تَعلَمُونَ أنَّهُ قالَ: «مَن جَهَّزَ جَيشَ العُسرَةِ فَلَهُ الجَنَّةُ». فَجَهَّزتُهُ؟ قالَ: فَصَدَّقُوهُ بِما قالَ.
-قوله (من حفر رومة فله الجنة فحفرتها) المشهور أن اشتراها لا أنه حفرها فيحتمل أن يكون عثمان حفر فيها بئرًا, أو كانت العين تجري إلى بئر فوسعها عثمان أو طواها فنسب حفرها إليه (القسطلاني).
-فيه جواز ذكر الإنسان نفسه بالفضيلة والعلم ونحوه للحاجة ، وأما النهي عن تزكية النفس فإنما هو لمن زكاها ومدحها لغير حاجة ، بل للفخر والإعجاب ، وقد كثرت تزكية النفس من الأماثل عند الحاجة كدفع شر عنه بذلك ، أو تحصيل مصلحة للناس ، أو ترغيب في أخذ العلم عنه ، أو نحو ذلك . فمن المصلحة قول يوسف ﷺ : {اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم }, ومن دفع الشر قول عثمان رضي الله عنه في وقت حصاره أنه جهز جيش العسرة ، وحفر بئر رومة . ومن الترغيب قول ابن مسعود هذا ، وقول سهل بن سعد : ما بقي أحد أعلم بذلك مني ، وقول غيره : على الخبير سقطت ، وأشباهه (النووي).

٢٢٥٥. (خ) (٣٦٩٦) عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الخِيارِ؛ أنَّ المِسوَرَ بنَ مَخرَمَةَ وعَبدَ الرَّحْمَنِ بنَ الأسوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ قالا: ما يَمنَعُكَ أن تُكَلِّمَ عُثْمانَ لأخِيهِ الوَلِيدِ، فَقَد أكثَرَ النّاسُ فِيهِ؟ فَقَصَدتُ لِعُثمانَ حَتّى خَرَجَ إلى الصَّلاةِ، قلت: إنَّ لِي إلَيكَ حاجَةً، وهِيَ نَصِيحَةٌ لَكَ، قالَ: يا أيُّها المَرءُ قالَ مَعمَرٌ: أُراهُ قالَ: أعُوذُ بِالله مِنكَ. فانصَرَفتُ فَرَجَعتُ إلَيهِم، إذ جاءَ رَسُولُ عُثمانَ فَأَتَيتُهُ، فَقالَ: ما نَصِيحَتُكَ؟ فَقلت: إنَّ اللهَ سُبحانَهُ بَعَثَ مُحَمَّدًا ﷺ بِالحَقِّ وأَنزَلَ عَلَيهِ الكِتابَ، وكُنتَ مِمَّن استَجابَ للهِ ولِرَسُولِهِ ﷺ، فَهاجَرتَ الهِجرَتَينِ، وصَحِبتَ رَسُولَ اللهِ ﷺ ورَأَيتَ هَديَهُ، وقَد أكثَرَ النّاسُ فِي شَأنِ الوَلِيدِ، قالَ: أدرَكتَ رَسُولَ اللهِ ﷺ؟ قلت: لا، ولَكِن خَلَصَ إلَيَّ مِن عِلمِهِ ما يَخلُصُ إلى العَذراءِ فِي سِترِها، قالَ: أمّا بَعدُ؛ فَإنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا ﷺ بِالحَقِّ فَكُنتُ مِمَّن استَجابَ للهِ ولِرَسُولِهِ، وآمَنتُ بِما بُعِثَ بِهِ، وهاجَرتُ الهِجرَتَينِ كَما قلت، وصَحِبتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ وبايَعتُهُ، فَواللهِ ما عَصَيتُهُ ولا غَشَشتُهُ حَتّى تَوَفّاهُ اللهُ ﷿، ثُمَّ أبُو بَكرٍ مِثلُهُ، ثُمَّ عُمَرُ مِثلُهُ، ثُمَّ استُخلِفتُ، أفَلَيسَ لِي مِن الحَقِّ مِثلُ الَّذِي لَهُم؟ قلتُ: بَلى، قالَ: فَما هَذِهِ الأَحادِيثُ الَّتِي تَبلُغُني عَنكُم؟ أمّا ما ذَكَرتَ مِن شَأنِ الوَلِيدِ فَسَنَأخُذُ فِيهِ بِالحَقِّ إن شاءَ اللهُ، ثُمَّ دَعا عَلِيًّا فَأَمَرَهُ أن يَجلِدَهُ، فَجَلَدَهُ ثَمانِينَ.
-تؤخذ من قوله: (ثم دعا عليا رضي الله تعالى عنه) إلى آخره، من حيث إنه أقام الحد على أخيه، فهذا فيه: دلالة على مراعاة الحق. وفيه: منقبة من مناقب عثمان رضي الله عنه. (العيني).
- فيه ان عثمان إنما أخّر إقامة الحد عليه ليكشف عن حال من شهد عليه بذلك، فلما وضح له ذلك الأمر عزله وأمر عليًّا بإقامة الحد عليه (القسطلاني).

٢٢٥٦. (خ) (٣٦٩٨) عَنْ عُثْمانَ بْنِ مَوْهَبٍ قالَ: جاءَ رَجُلٌ مِن أهلِ مِصرَ حَجَّ البَيتَ، فَرَأى قَومًا جُلُوسًا فَقالَ: مَن هَؤُلاءِ القَومُ؟ قالُوا: هَؤُلاءِ قُرَيشٌ. قالَ: فَمَن الشَّيخُ فِيهِم؟ قالُوا: عَبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ. قالَ: يا ابنَ عُمَرَ؛ إنِّي سائِلُكَ عَن شَيءٍ فَحَدِّثنِي؛ هَل تَعلَمُ أنَّ عُثْمانَ فَرَّ يَومَ أُحُدٍ؟ قالَ: نَعَم. قالَ: تَعلَمُ أنَّهُ تَغَيَّبَ عَن بَدرٍ ولَم يَشهَد؟ قالَ: نَعَم. فقالَ: تَعلَمُ أنَّهُ تَغَيَّبَ عَن بَيعَةِ الرِّضوانِ فَلَم يَشهَدها؟ قالَ: نَعَم. قالَ: اللهُ أكبَرُ. قالَ ابنُ عُمَرَ: تَعالَ أُبَيِّن لَكَ؛ أمّا فِرارُهُ يَومَ أُحُدٍ؛ فَأَشهَدُ أنَّ اللهَ عَفا عَنهُ وغَفَرَ لَهُ، وأَمّا تَغَيُّبُهُ عَن بَدرٍ، فَإنَّهُ كانَت تَحتَهُ بِنتُ رَسُولِ اللهِ ﷺ وكانَت مَرِيضَةً، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ لَكَ أجرَ رَجُلٍ مِمَّن شَهِدَ بَدرًا وسَهمَهُ». وأَمّا تَغَيُّبُهُ عَن بَيعَةِ الرِّضوانِ، فَلَو كانَ أحَدٌ أعَزَّ بِبَطنِ مَكَّةَ مِن عُثْمانَ لَبَعَثَهُ مَكانَهُ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عُثْمانَ، وكانَت بَيعَةُ الرِّضوانِ بَعدَ ما ذَهَبَ عُثْمانُ إلى مَكَّةَ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِيَدِهِ اليُمنى: «هَذِهِ يَدُ عُثْمانَ»، فَضَرَبَ بِها عَلى يَدِهِ فَقالَ: «هَذِهِ لِعُثمانَ». فَقالَ لَهُ ابنُ عُمَرَ: اذهَب بِها الآنَ مَعَكَ.
-اذهب بها الآن معك: أي: إقرن هذا العذر بالجواب حتى لا يبقى لك فيما أجبتك به حجة على ما كنت تعتقده من غيبة عثمان، رضي الله تعالى عنه. وقال الطيبي: قاله ابن عمر تهكما به، أي: توجه بما تمسكت به، فإنه لا ينفعك بعد ما بينت لك (العيني).
-الذي يظهر – من السائل- أنه كان متعصبا على عثمان، رضي الله تعالى عنه، فلذلك قال: الله أكبر، مستحسنا ولكن أراد أن يبين معتقده فيه لما أجاب عبد الله بن عمر عن كل واحدة منها بجواب حسن مطابق لما كان في نفس الأمر (العيني).

١ س١) الذي خيّره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عنده. هو:

٥/٠