باب: البَيْعَةُ والاتِّفاقُ عَلى عُثْمانَ ﵁


٢٢٥٧. (خ) (٣٧٠٠) عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قالَ: رَأَيتُ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ ﵁ قَبلَ أن يُصابَ بِأَيّامٍ بِالمَدِينَةِ، وقَفَ عَلى حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمانِ وعُثمانَ بْنِ حُنَيفٍ قالَ: كَيفَ فَعَلتُما؟ أتَخافانِ أن تَكُونا قَد حَمَّلتُما الأرضَ ما لا تُطِيقُ؟ قالا: حَمَّلناها أمرًا هِيَ لَهُ مُطِيقَةٌ، ما فِيها كَبِيرُ فَضلٍ. قالَ: انظُرا أن تَكُونا حَمَّلتُما الأرضَ ما لا تُطِيقُ. قالَ: قالا: لا. فَقالَ عُمَرُ: لَئِن سَلَّمَنِي اللهُ لأدَعَنَّ أرامِلَ أهلِ العِراق لا يَحتَجنَ إلى رَجُلٍ بَعدِي أبَدًا. قالَ: فَما أتَت عَلَيهِ إلا رابِعَةٌ حَتّى أُصِيبَ، قالَ: إنِّي لَقائِمٌ ما بَينِي وبَينَهُ إلا عَبدُ اللهِ بنُ عَبّاسٍ غَداةَ أُصِيبَ، وكانَ إذا مَرَّ بَينَ الصَّفَّينِ قالَ: استَوُوا. حَتّى إذا لَم يَرَ فِيهِنَّ خَلَلًا تَقَدَّمَ فَكَبَّرَ، ورُبَّما قَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ أو النَّحلَ أو نَحوَ ذَلكَ فِي الرَّكعَةِ الأُولى حَتّى يَجتَمِعَ النّاسُ، فَما هُوَ إلا أن كَبَّرَ فَسَمِعتُهُ يَقُولُ: قَتَلَنِي أو أكَلَنِي الكَلبُ. حِينَ طَعَنَهُ، فَطارَ العِلجُ بِسِكِّينٍ ذاتِ طَرَفَينِ، لا يَمُرُّ عَلى أحَدٍ يَمِينًا ولا شِمالًا إلا طَعَنَهُ، حَتّى طَعَنَ ثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، ماتَ مِنهُم سَبعَةٌ، فَلَمّا رَأى ذَلكَ رَجُلٌ مِن المُسلِمِينَ طَرَحَ عَلَيهِ بُرنُسًا، فَلَمّا ظَنَّ العِلجُ أنَّهُ مَأخُوذٌ نَحَرَ نَفسَهُ، وتَناوَلَ عُمَرُ يَدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوفٍ فَقَدَّمَهُ، فَمَن يَلِي عُمَرَ فَقَد رَأى الَّذِي أرى، وأَمّا نَواحِي المَسْجِدِ فَإنَّهُم لا يَدرُونَ، غَيرَ أنَّهُم قَد فَقَدُوا صَوتَ عُمَرَ، وهُم يَقُولُونَ: سُبحانَ اللهِ، سُبحانَ اللهِ. فَصَلّى بِهِم عَبدُ الرَّحْمَنِ صَلاةً خَفِيفَةً، فَلَمّا انصَرَفُوا قالَ: يا ابنَ عَبّاسٍ؛ انظُر مَن قَتَلَنِي؟ فَجالَ ساعَةً ثُمَّ جاءَ فَقالَ: غُلامُ المُغِيرَةِ. قالَ: الصَّنَعُ؟ قالَ: نَعَم. قالَ: قاتَلَهُ اللهُ، لَقَد أمَرتُ بِهِ مَعرُوفًا، الحَمدُ للهِ الَّذِي لَم يَجعَل مِيتَتِي بِيَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي الإسلامَ، قَد كُنتَ أنتَ وأَبُوكَ تُحِبّانِ أن تَكثُرَ العُلُوجُ بِالمَدِينَةِ. وكانَ العَبّاسُ أكثَرَهُم رَقِيقًا، فَقالَ: إن شِئتَ فَعَلتُ. أي إن شِئتَ قَتَلنا، قالَ: كَذَبتَ، بَعدَ ما تَكَلَّمُوا بِلِسانِكُم، وصَلَّوا قِبلَتَكُم، وحَجُّوا حَجَّكُم. فاحتُمِلَ إلى بَيتِهِ، فانطَلَقنا مَعَهُ، وكَأَنَّ النّاسَ لَم تُصِبهُم مُصِيبَةٌ قَبلَ يَومَئِذٍ، فَقائِلٌ يَقُولُ: لا بَأسَ، وقائِلٌ يَقُولُ: أخافُ عَلَيهِ، فَأُتِيَ بِنَبِيذٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِن جَوفِهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِلَبَنٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِن جُرحِهِ، فَعَلِمُوا أنَّهُ مَيِّتٌ، فَدَخَلنا عَلَيهِ، وجاءَ النّاسُ يُثنُونَ عَلَيهِ، وجاءَ رَجُلٌ شابٌّ فَقالَ: أبشِر يا أمِيرَ المُؤمِنينَ بِبُشرى اللهِ لَكَ؛ مِن صُحبَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وقَدَمٍ فِي الإسلامِ ما قَد عَلِمتَ، ثُمَّ ولِيتَ فَعَدَلتَ، ثُمَّ شَهادَةٌ. قالَ: ودِدتُ أنَّ ذَلكَ كَفافٌ لا عَلَيَّ ولا لِي. فَلَمّا أدبَرَ إذا إزارُهُ يَمَسُّ الأرضَ قالَ: رُدُّوا عَلَيَّ الغُلامَ، قالَ: ابنَ أخِي؛ ارفَع ثَوبَكَ، فَإنَّهُ أبقى لِثَوبِكَ، وأَتقى لِرَبِّكَ، يا عَبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ؛ انظُر ما عَلَيَّ مِن الدَّينِ. فَحَسَبُوهُ فَوَجَدُوهُ سِتَّةً وثَمانِينَ ألفًا أو نَحوَهُ، قالَ: إن وفى لَهُ مالُ آلِ عُمَرَ فَأَدِّهِ مِن أموالِهِم، وإلا فَسَل فِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعبٍ، فَإن لَم تَفِ أموالُهُم فَسَل فِي قُرَيشٍ، ولا تَعدُهُم إلى غَيرِهِم، فَأَدِّ عَنِّي هَذا المالَ، انطَلِق إلى عائِشَةَ أُمِّ المُؤمِنِينَ فَقُل: يَقرَأُ عَلَيكِ عُمَرُ السَّلامَ، ولا تَقُل أمِيرُ المُؤمِنِينَ فَإنِّي لَستُ اليَومَ لِلمُؤمِنِينَ أمِيرًا، وقُل: يَستَأذِنُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ أن يُدفَنَ مَعَ صاحِبَيهِ. فَسَلَّمَ واستَأذَنَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيها فَوَجَدَها قاعِدَةً تَبكِي، فَقالَ: يَقرَأُ عَلَيكِ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ السَّلامَ، ويَستَأذِنُ أن يُدفَنَ مَعَ صاحِبَيهِ، فَقالَت: كُنتُ أُرِيدُهُ لِنَفسِي، ولأوثِرَنَّ بِهِ اليَومَ عَلى نَفسِي. فَلَمّا أقبَلَ قِيلَ: هَذا عَبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ قَد جاءَ. قالَ: ارفَعُونِي. فَأَسنَدَهُ رَجُلٌ إلَيهِ، فَقالَ: ما لَدَيكَ؟ قالَ: الَّذِي تُحِبُّ يا أمِيرَ المُؤمِنِينَ، أذِنَت. قالَ: الحَمدُ للهِ، ما كانَ مِن شَيءٍ أهَمُّ إلَيَّ مِن ذَلكَ، فَإذا أنا قَضَيتُ فاحمِلُونِي، ثُمَّ سَلِّم فَقُل: يَستَأذِنُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ، فَإن أذِنَت لِي فَأَدخِلُونِي، وإن رَدَّتنِي رُدُّونِي إلى مَقابِرِ المُسلِمِينَ. وجاءَت أُمُّ المُؤمِنِينَ حَفصَةُ والنِّساء تَسِيرُ مَعَها، فَلَمّا رَأَيناها قُمنا، فَوَلَجَت عَلَيهِ فَبَكَت عِندَهُ ساعَةً، واستَأذَنَ الرِّجالُ فَوَلَجَت داخِلًا لَهُم، فَسَمِعنا بُكاءَها مِن الدّاخِلِ، فَقالُوا: أوصِ يا أمِيرَ المُؤمِنِينَ، استَخلِف. قالَ: ما أجِدُ أحَدًا أحَقَّ بِهَذا الأمرِ مِن هَؤُلاءِ النَّفَرِ أو الرَّهطِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وهُوَ عَنهُم راضٍ. فَسَمّى عَلِيًّا وعُثمانَ والزُّبَيرَ وطَلْحَةَ وسَعدًا وعَبدَ الرَّحْمَنِ، وقالَ: يَشهَدُكُم عَبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، ولَيسَ لَهُ مِن الأَمرِ شَيءٌ كَهَيئَةِ التَّعزِيَةِ لَهُ فَإن أصابَت الإمرَةُ سَعدًا فَهُوَ ذاكَ، وإلا فَليَستَعِن بِهِ أيُّكُم ما أُمِّرَ، فَإنِّي لَم أعزِلهُ عَن عَجزٍ ولا خِيانَةٍ، وقالَ: أُوصِي الخَلِيفَةَ مِن بَعدِي بِالمُهاجِرِينَ الأوَّلِينَ، أن يَعرِفَ لَهُم حَقَّهُم ويَحفَظَ لَهُم حُرمَتَهُم، وأُوصِيهِ بِالأنصارِ خَيرًا الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدّارَ والإيمانَ مِن قَبلِهِم، أن يُقبَلَ مِن مُحسِنِهِم، وأَن يُعفى عَن مُسِيئِهِم، وأُوصِيهِ بِأَهلِ الأمصارِ خَيرًا، فَإنَّهُم رِدءُ الإسلامِ وجُباةُ المالِ وغَيظُ العَدُوِّ، وأَن لا يُؤخَذَ مِنهُم إلا فَضلُهُم عَن رِضاهُم، وأُوصِيهِ بِالأَعرابِ خَيرًا، فَإنَّهُم أصلُ العَرَبِ ومادَّةُ الإسلامِ، أن يُؤخَذَ مِن حَواشِي أموالِهِم ويُرَدَّ عَلى فُقَرائِهِم، وأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللهِ وذِمَّةِ رَسُولِهِ ﷺ أن يُوفى لَهُم بِعَهدِهِم، وأَن يُقاتَلَ مِن ورائِهِم، ولا يُكَلَّفُوا إلا طاقَتَهُم. فَلَمّا قُبِضَ خَرَجنا بِهِ فانطَلَقنا نَمشِي، فَسَلَّمَ عَبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ قالَ: يَستَأذِنُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ. قالَت: أدخِلُوهُ. فَأُدخِلَ فَوُضِعَ هُنالِكَ مَعَ صاحِبَيهِ، فَلَمّا فُرِغَ مِن دَفنِهِ اجتَمَعَ هَؤُلاءِ الرَّهطُ، فَقالَ عَبدُ الرَّحْمَنِ: اجعَلُوا أمرَكُم إلى ثَلاثَةٍ مِنكُم، فَقالَ الزُّبَيرُ: قَد جَعَلتُ أمرِي إلى عَلِيٍّ. فَقالَ طَلحَةُ: قَد جَعَلتُ أمرِي إلى عُثْمانَ. وقالَ سَعدٌ: قَد جَعَلتُ أمرِي إلى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوفٍ. فَقالَ عَبدُ الرَّحْمَنِ: أيُّكُما تَبَرَّأَ مِن هَذا الأَمرِ فَنَجعَلُهُ إلَيهِ، واللهُ عَلَيهِ والإسلامُ لَيَنظُرَنَّ أفضَلَهُم فِي نَفسِهِ. فَأُسكِتَ الشَّيخانِ، فَقالَ عَبدُ الرَّحْمَنِ: أفَتَجعَلُونَه إلَيَّ؟ واللهُ عَلَيَّ أن لا آلُ عَن أفضَلِكُم، قالا: نَعَم. فَأَخَذَ بِيَدِ أحَدِهِما فَقالَ: لَكَ قَرابَةٌ مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ والقَدَمُ فِي الإسلامِ ما قَد عَلِمتَ، فاللهُ عَلَيكَ لَئِن أمَّرتُكَ لَتَعدِلَنَّ، ولَئِن أمَّرتُ عُثْمانَ لَتَسمَعَنَّ ولَتُطِيعَنّ. ثُمَّ خَلا بِالآخَرِ فَقالَ لَهُ مِثلَ ذَلكَ، فَلَمّا أخَذَ المِيثاقَ قالَ: ارفَع يَدَكَ يا عُثمانُ، فَبايَعَهُ، فَبايَعَ لَهُ عَلِيٌّ، ووَلَجَ أهلُ الدّارِ فَبايَعُوهُ.
- فيه دليل على جواز تولية المفضول على الأفضل منه؛ لأن ذلك لو لم يجز لم يجعل الأمر شورى إلى ستة أنفس مع علمه أن بعضهم أفضل من بعض. (ابن بطال)
- استشكل جعل عمر الخلافة في ستة ووكل ذلك إلى اجتهادهم ولم يصنع ماصنع أبو بكر في اجتهاده فيه؛ لأنه إن كان لا يرى جواز ولاية المفضول على الفاضل فصنيعه يدل على أن من عدا الستة كان عنده مفضولا بالنسبة إليهم، وإذا عرف ذلك فلم يخف عليه أفضلية بعض الستة على بعض، وإن كان يرى جواز ولاية المفضول على الفاضل فمن ولاه منهم أو من غيرهم كان ممكنا. (ابن بطال)
-وفي هذا الحديث فوائد فيه: شفقة عمر، رضي الله تعالى عنه، على المسلمين وعلى أهل الذمة أيضا. (العيني)
-وفيه: اهتمامه بأمور الدين بأكثر من اهتمامه بأمر نفسه. (العيني)
-وفيه: الوصية بأداء الدين. (العيني)
-وفيه: الاعتناء بالدفن عند أهل الخير. (العيني)
-وفيه: المشورة في نصب الإمام، وأن الإمامة تنعقد بالبيعة. (العيني)
-وفيه: جواز تولية المفضول مع وجود الأفضل منه؛ لأنه لو لم يجز لهم لم يجعل عمر، رضي الله تعالى عنه، الأمر شورى بين ستة أنفس، مع علمه بأن بعضهم أفضل من بعض. (العيني)
-وفيه: الملازمة بالأمر بالمعروف على كل حال. (العيني)
-وفيه: إقامة السنة في تسوية الصفوف. (العيني)
-وفيه: الاحتراز من تثقيل الخراج والجزية وترك ما لا يطاق. (العيني)

٢٢٥٨. (خ) (٧٢٠٧) عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ ﵁؛ أنَّ الرَّهطَ الَّذِينَ ولاَّهُم عُمَرُ اجتَمَعُوا فَتَشاوَرُوا، فَقالَ لَهُم عَبدُ الرَّحْمَنِ: لَستُ بِالَّذِي أُنافِسُكُم عَلى هَذا الأَمرِ، ولَكِنَّكُم إن شِئتُم اختَرتُ لَكُم مِنكُم. فَجَعَلُوا ذَلكَ إلى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَلَمّا ولَّوا عَبدَ الرَّحْمَنِ أمرَهُم فَمالَ النّاسُ عَلى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَتّى ما أرى أحَدًا مِن النّاسِ يَتبَعُ أُولَئِكَ الرَّهطَ ولا يَطَأُ عَقِبَهُ، ومالَ النّاسُ عَلى عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُشاوِرُونَهُ تِلكَ اللَّيالِي، حَتّى إذا كانَت اللَّيلَةُ الَّتِي أصبَحنا مِنها فَبايَعنا عُثْمانَ قالَ المِسوَرُ: طَرَقَنِي عَبدُ الرَّحْمَنِ بَعدَ هَجعٍ مِن اللَّيلِ، فَضَرَبَ البابَ حَتّى استَيقَظتُ، فَقالَ: أراكَ نائِمًا، فَوَ اللهِ ما اكتَحَلتُ هَذِهِ اللَّيلَةَ بِكَبِيرِ نَومٍ، انطَلِق فادعُ الزُّبَيرَ وسَعدًا. فَدَعَوتُهُما لَهُ، فَشاوَرَهُما، ثُمَّ دَعانِي فَقالَ: ادعُ لِي عَلِيًّا. فَدَعَوتُهُ فَناجاهُ حَتّى ابهارَّ اللَّيلُ، ثُمَّ قامَ عَلِيٌّ مِن عِندِهِ وهُوَ عَلى طَمَعٍ، وقَد كانَ عَبدُ الرَّحْمَنِ يَخشى مِن عَلِيٍّ شَيئًا، ثُمَّ قالَ: ادعُ لِي عُثْمانَ. فَدَعَوتُهُ فَناجاهُ، حَتّى فَرَّقَ بَينَهُما المُؤَذِّنُ بِالصُّبحِ، فَلَمّا صَلّى لِلنّاسِ الصُّبحَ، واجتَمَعَ أُولَئِكَ الرَّهطُ عِنْدَ المِنبَرِ، فَأَرسَلَ إلى مَن كانَ حاضِرًا مِن المُهاجِرِينَ والأَنصارِ، وأَرسَلَ إلى أُمَراءِ الأَجنادِ، وكانُوا وافَوا تِلكَ الحَجَّةَ مَعَ عُمَرَ، فَلَمّا اجتَمَعُوا تَشَهَّدَ عَبدُ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ قالَ: أمّا بَعدُ، يا عَلِيُّ؛ إنِّي قَد نَظَرتُ فِي أمرِ النّاسِ فَلَم أرَهُم يَعدِلُونَ بِعُثمانَ، فَلا تَجعَلَنَّ عَلى نَفسِكَ سَبِيلًا. فَقالَ: أُبايِعُكَ عَلى سُنَّةِ اللهِ ورَسُولِهِ والخَلِيفَتَينِ مِن بَعدِهِ. فَبايَعَهُ عَبدُ الرَّحْمَنِ، وبايَعَهُ النّاسُ المُهاجِرُون والأَنصارُ وأُمَراءُ الأَجنادِ والمُسلِمُونَ.
-في الحديث إن الجماعة الموثوق بديانتهم إذا عقدوا عقد الخلافة لشخص بعد المشاورة والاجتهاد لم يكن لغيرهم أن يحل ذلك العقد إذ لو كان العقد لا يصح إلا باجتماع الجميع لكان لا معنى لتخصيص هؤلاء الستة، فلما لم يعترض منهم معترض بل رضوا دل ذلك على صحته. (القسطلاني)
-وفيه: فائدة جليلة ذكرها ابن المنير، وهي أن الوكيل المفوض له أن يوكل وإن لم ينص له على ذلك، لأن الخمسة أسندوا الأمر لعبدالرحمن وأفردوه به فاستقل، مع أن عمر، رضي الله تعالى عنه، لم ينص لهم على الانفراد. (العيني)
-وفيه أن الشركاء في الشيء إذا وقع بينهم التنازع في أمر من الأمور يسندون أمرهم إلى واحد ليختار لهم بعد أن يخرج نفسه من ذلك الأمر. (ابن حجر)
-وفيه أن من أسند إليه ذلك يبذل وسعه في الاختيار ويهجر أهله وليله اهتماما بما هو فيه حتى يكمله. (ابن حجر)

باب: فِـي فَضائِلِ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ ﵁


٢٢٥٩. (خ م) (٢٤٠٤) عَنْ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ ﵁ قالَ: خَلَّفَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلِيَّ بنَ أبِي طالِبٍ فِي غَزوَةِ تَبُوكَ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ تُخَلِّفُنِي فِي النِّساءِ والصِّبيان؟ فَقالَ: «أما تَرضى أن تَكُونَ مِنِّي بِمَنزِلَةِ هارُونَ مِن مُوسى، غَيرَ أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدِي».
ورَوى (م) عَنهُ قالَ: أمَرَ مُعاويةُ بنُ أبِي سُفيانَ سَعدًا فَقالَ: ما مَنَعَكَ أن تَسُبَّ أبا التُّراب؟ فَقالَ: أمّا ما ذَكَرتُ ثَلاثًا قالَهنَّ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَلَن أسُبَّهُ، لأَن تَكُونَ لِي واحِدَةٌ مِنهنَّ أحَبُّ إليَّ مِن حُمرِ النَّعَمِ، سَمِعتُ رَسُولَ الله ﷺ يَقُولُ لَهُ، خَلَّفَه فِي بَعضِ مَغازِيهِ ... نحو حديث الباب، وسَمِعتُهُ يَقُولُ يَومَ خَيبَرَ: «لَأُعطِيَنَّ الرّايَةَ ...» نَحوَ حَدِيثِ سَهلٍ الآتِي، ولَمّا نَزَلَت هَذِهِ الآيَةُ: ﴿فَقُلْ تَعالَوْاْ نَدْعُ أبْناءَنا وأَبْناءَكُمْ﴾ [آل عمران: ٦١]، دَعا رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلِيًا وفاطِمَةَ وحَسَنًا وحُسَينًا، فَقالَ: «اللَّهُمَّ هَؤُلاءِ أهلِي».
- كثرة مناقب علي بن أبي طالب ﵁.
- شدة محبة النبي ﷺ لعلي ﵁ حيث زوجه ابنته.
- ومن قوله "يحبه الله ورسوله" فضيلة لعلي ﵁
- من تطاول الصحابة للراية، وقول عمر ما أحببت الإمارة إلا يومئذ فضيلة أخرى لعلي، وإنما كانت محبته لها لما دلت عليه الإمارة من محبته لله ورسوله ﷺ ومحبتهما له، والفتح على يديه. (موسى لاشين)
- وهذا الحديث لا حجة فيه بكون علي أفضل من أبي بكر وعمر وعثمان، بل فيه إثبات فضيلة لعلي، ولا تعرض فيه لكونه أفضل من غيره أو مثله، وليس فيه دلالة لاستخلافه بعده، لأنه كان خاصا بغزوة تبوك. (موسى لاشين)

٢٢٦٠. (خ م) (٢٤٠٦) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ يَومَ خَيبَرَ: «لأُعطِيَنَّ هَذِهِ الرّايَةَ رَجُلًا يَفتَحُ اللهُ عَلى يَدَيهِ، يُحِبُّ اللهَ ورَسُولَهُ، ويُحِبُّهُ اللهُ ورَسُولُهُ». قالَ: فَباتَ النّاسُ يَدُوكُونَ لَيلَتَهُم؛ أيُّهُم يُعطاها؟ قالَ: فَلَمّا أصبَحَ النّاسُ غَدَوا عَلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، كُلُّهُم يَرجُونَ أن يُعطاها، فَقالَ: «أينَ عَلِيُّ بنُ أبِي طالِبٍ؟» فَقالُوا: هُوَ يا رَسُولَ اللهِ يَشتَكِي عَينَيهِ. قالَ: «فَأَرسِلُوا إلَيهِ». فَأُتِيَ بِهِ، فَبَصَقَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي عَينَيهِ، ودَعا لَهُ فَبَرَأَ، حَتّى كَأَن لَم يَكُن بِهِ وجَعٌ، فَأَعطاهُ الرّايَةَ، فَقالَ عَلِيٌّ: يا رَسُولَ اللهِ؛ أُقاتِلُهُم حَتّى يَكُونُوا مِثلَنا؟ فَقالَ: «انفُذ عَلى رِسلِكَ حَتّى تَنزِلَ بِساحَتِهِم، ثُمَّ ادعُهُم إلى الإسلامِ، وأَخبِرهم بِما يَجِبُ عَلَيهِم مِن حَقِّ اللهِ فِيهِ، فَواللهِ لأَن يَهدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا واحِدًا خَيرٌ لَكَ مِن أن يَكُونَ لَكَ حُمرُ النَّعَمِ».
ولَهُما عَن سَلَمَةَ بْنِ الأَكوَعِ قالَ: كانَ عَلِيٌّ قَد تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي خَيبَرَ، وكانَ رَمِدًا، فَقالَ: أنا أتَخَلَّفُ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ. فَخَرَجَ عَلِيٌّ فَلَحِقَ بِالنبيِّ ﷺ، فَلَمّا كانَ مَساءُ اللَّيلَةِ الَّتِي فَتَحَها اللهُ فِي صَباحِها قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ... نَحوَهُ، وفِيها: فَإذا نَحنُ بِعَلِيٍّ وما نَرجُوهُ، فَقالُوا: هَذا عَلِيٌّ. فَأَعطاهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ الرّايَةَ فَفَتَحَ اللهُ عَلَيهِ.
وفي رواية (م) -ِفي سِياقٍ طَوِيلٍ عَن سَلَمَةَ- قالَ: ثُمَّ أرسَلَنِي إلى عَلِيٍّ وهُو أرْمَدُ فَقالَ: «لَأُعطِيَنَّ الرّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ ورَسُولَهُ أو يُحِبُّهُ اللهُ ورَسُولُهُ». قالَ: فَأَتَيتُ عَلِيًا، فَجِئتُ بِهِ أقُودُهُ وهُو أرْمَدُ حَتّى أتَيتُ بِهِ رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَبَسَقَ فِي عَينَيهِ فَبَرَأَ، وأَعطاهُ الرّايَةَ، وخَرَجَ مَرحَبُ .... الحَدِيثَ [سَبَقَ فِي المَغازِي].
ورَوى (م) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ نَحوَ حَدِيثِ البابِ، وفِيها: قالَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ: ما أحبَبتُ الإمارَةَ إلا يَومَئِذٍ، قالَ: فَتَساوَرْتُ لَها رَجاءَ أن أُدْعى لَها ... وفِيها: وقالَ: «امْشِ ولا تَلتَفِتْ حَتّى يَفتَحَ اللهُ عَلَيكَ» ... وفِيها: «قاتِلْهُمْ حَتّى يَشهَدُوا أن لا إلَهَ إلا اللهُ وأَنَّ مُحمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَإذا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَد مَنَعُوا مِنكَ دِماءَهُم وأَموالَهُم إلا بِحَقِّها وحِسابُهُم عَلى اللهِ».
- ومن فتح الله خيبر على يد علي رضي الله عنه معجزة لرسول الله ﷺ، لإخباره بما سيقع. (موسى لاشين)
- وفي بصق الرسول ﷺ في عيني علي رضي الله عنه، وشفائهما معجزة أخرى. (موسى لاشين)
- وفي الحديث الدعاء إلى الإسلام قبل القتال، قال النووي: وقد قال بإيجابه على الإطلاق طائفة، ومذهبنا ومذهب آخرين أنهم إن كانوا ممن لم تبلغهم دعوة الإسلام وجب إنذارهم قبل القتال، وإلا فلا يجب، لكن يستحب. (موسى لاشين)
- وفيه قبول الإسلام ممن نصبوا القتال، سواء كان في حال القتال أم في غيره، وحسابهم على الله، أي نكف عنهم في الظاهر، وأما ما بينهم وبين الله تعالى فإن كان صادقا مؤمنا بقلبه نفعه ذلك في الآخرة، ونجا من النار، كما نفعه في الدنيا، وإلا فلا ينفعه، بل يكون منافقا من أهل النار. (موسى لاشين)
- وفيه أنه يشترط في صحة الإسلام النطق بالشهادتين فإن كان أخرس، أو في معناه كفته الإشارة إليهما. (موسى لاشين)
- وفيه بيان فضيلة العلم، لقوله لأن يهدي الله بك رجلا... إلخ. (موسى لاشين)

٢٢٦١. (خ م) (٢٤٠٩) عَنْ أبِي حازِمٍ، عَن سَهْلِ بْنِ سَعدٍ ﵁ قالَ: (استُعمِلَ عَلى المَدِينَةِ رَجُلٌ مِن آلِ مَروانَ، قالَ: فَدَعا سَهلَ بنَ سَعدٍ، فَأَمَرَهُ أن يَشتِمَ عَلِيًّا، قالَ: فَأَبى سَهلٌ، فَقالَ لَهُ: أمّا إذ أبَيتَ فَقُل: لَعَنَ اللهُ أبا التُّرابِ). فَقالَ سَهلٌ: ما كانَ لِعَلِيٍّ اسمٌ أحَبَّ إلَيهِ مِن أبِي التُّرابِ، وإن كانَ لَيَفرَحُ إذا دُعِيَ بِها، فَقالَ لَهُ: أخبِرنا عَن قِصَّتِهِ؛ لِمَ سُمِّيَ أبا تُرابٍ؟ قالَ: جاءَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بَيتَ فاطِمَةَ، فَلَم يَجِد عَلِيًّا فِي البَيتِ، فَقالَ: «أينَ ابنُ عَمِّكِ؟» فَقالَت: كانَ بَينِي وبَينَهُ شَيءٌ، فَغاضَبَنِي، فَخَرَجَ فَلَم يَقِل عِندِي. فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لإنسانٍ: «انظُر؛ أينَ هُوَ؟» فَجاءَ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ هُوَ فِي المَسْجِدِ راقِدٌ. فَجاءَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ وهُوَ مُضطَجِعٌ، قَد سَقَطَ رِداؤُهُ عَن شِقِّهِ، فَأَصابَهُ تُرابٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَمسَحُهُ عَنهُ، ويَقُولُ: «قُم أبا التُّرابِ، قُم أبا التُّرابِ».
وفي رواية (خ): عَن أبِي حازِمٍ؛ أنَّ رَجُلًا جاءَ إلى سَهْلِ بْنِ سَعدٍ، فَقالَ: هَذا فُلانٌ -لِأَمِيرِ المَدِينَةِ- يَدعُو عَلِيًا عِنْدَ المِنبَرِ. قالَ: فَيَقُولُ ماذا؟ قالَ: يَقُولُ لَهُ: أبُو تُرابٍ. فَضَحِكَ، قالَ: واللهِ ما سَمّاهُ إلا النَّبِيُّ ﷺ ... وفِيها: فَوَجَدَ رِداءَهُ قَد سَقَطَ عَن ظَهرِهِ، وخَلَصَ التُّرابُ إلى ظَهرِهِ ... يَقُولُ: «اجلِس يا أبا تُرابٍ»، مَرَّتَينِ.
- جواز القائلة في المسجد. (موسى لاشين)
- وإطلاق ابن العم على أقارب الأب، لأنه ابن عم أبيها، وقال عنه ابن عمك؟. (موسى لاشين)
- وفيه إرشادها إلى أن تخاطبه بذلك، لما فيه من الاستعطاف بذكر القرابة. (موسى لاشين)
- وفيه ممازحة المغضب بما لا يغضب منه وبما يحصل به تأنيسه. (موسى لاشين)
- وفيه التكنية بغير الولد. (موسى لاشين)
- وتكنية من له كنية. (موسى لاشين)
- والتلقيب بالكنية لمن لا يغضب. (موسى لاشين)
- ومداراة الصهر، وتسكين غضبه. (موسى لاشين)
- ودخول الوالد بيت ابنته، بغير إذن زوجها، حيث يعلم رضاه. (موسى لاشين)

٢٢٦٢. (خ) (٣٧٠٧) عَنْ عَبِيدَةَ؛ عَن عَلِيٍّ ﵁ قالَ: اقضُوا كَما كُنتُم تَقضُونَ، فَإنِّي أكرَهُ الاختِلافَ حَتّى يَكُونَ لِلنّاسِ جَماعَةٌ، أو أمُوتَ كَما ماتَ أصحابِي. فَكانَ ابنُ سِيرِينَ يَرى أنَّ عامَّةَ ما يُروى عَن عَلِيٍّ الكَذِبُ.
-قوله: (قال: اقضوا كما كنتم تقضون)، أي: قال علي لأهل العراق: إقضوا اليوم كما كنتم تقضون قبل هذا. وسبب ذلك أن عليا لما قدم إلى العراق قال: كنت رأيت مع عمر أن تعتق أمهات الأولاد، وقد رأيت الآن أن يسترققن، فقال عبيدة: رأيك يومئذ في الجماعة أحب إلي من رأيك اليوم في الفرقة، فقال: اقضوا كما كنتم تقضون، وخشي ما وقع فيه من تأويل أهل العراق. (العيني)
-قوله: (فإني أكره الاختلاف) يعني: أن يخالف أبا بكر وعمر، رضي الله تعالى عنهما، وقال الكرماني: اختلاف الأمة رحمة، فلم كرهه؟ قلت: المكروه الاختلاف الذي يؤدي إلى النزاع والفتنة. (العيني)

باب: فَضْلُ أهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللهِ ﷺ


٢٢٦٣. (م) (٢٤٠٨) عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَيّانَ قالَ: انطَلَقتُ أنا وحُصَينُ بنُ سَبرَةَ وعُمَرُ بنُ مسلمٍ إلى زَيْدِ بْنِ أرقَمَ ﵁، فَلَمّا جَلَسنا إلَيهِ قالَ لَهُ حُصَينٌ: لَقَد لَقِيتَ يا زَيدُ خَيرًا كَثِيرًا، رَأَيتَ رَسُولَ اللهِ ﷺ وسَمِعتَ حَدِيثَهُ، وغَزَوتَ مَعَهُ وصَلَّيتَ خَلفَهُ، لَقَد لَقِيتَ يا زَيدُ خَيرًا كَثِيرًا، حَدِّثنا يا زَيدُ ما سَمِعتَ مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ. قالَ: يا ابنَ أخِي؛ واللهِ لَقَد كَبِرَت سِنِّي وقَدُمَ عَهدِي، ونَسِيتُ بَعضَ الَّذِي كُنتُ أعِي مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَما حَدَّثتُكُم فاقبَلُوا وما لا فَلا تُكَلِّفُونِيهِ، ثُمَّ قالَ: قامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَومًا فِينا خَطِيبًا بِماءٍ يُدعى خُمًّا بَينَ مَكَّةَ والمَدِينَةِ، فَحَمِدَ اللهَ وأَثنى عَلَيهِ ووَعَظَ وذَكَّرَ، ثُمَّ قالَ: «أمّا بَعدُ؛ ألا أيُّها النّاسُ؛ فَإنَّما أنا بَشَرٌ يُوشِكُ أن يَأتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وأَنا تارِكٌ فِيكُم ثَقَلَينِ أوَّلُهُما كِتابُ اللهِ فِيهِ الهُدى والنُّورُ، فَخُذُوا بِكِتابِ اللهِ واستَمسِكُوا بِهِ». فَحَثَّ عَلى كِتابِ اللهِ ورَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قالَ: «وأَهلُ بَيتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أهلِ بَيتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أهلِ بَيتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أهلِ بَيتِي». فَقالَ لَهُ حُصَينٌ: ومَن أهلُ بَيتِهِ يا زَيدُ؟ ألَيسَ نِساؤُهُ مِن أهلِ بَيتِهِ؟ قالَ: نِساؤُهُ مِن أهلِ بَيتِهِ، ولَكِن أهلُ بَيتِهِ مَن حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعدَهُ. قالَ: ومَن هُم؟ قالَ: هُم آلُ عَلِيٍّ، وآلُ عَقِيلٍ، وآلُ جَعفَرٍ، وآلُ عَبّاسٍ. قالَ: كُلُّ هَؤُلاءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ؟ قالَ: نَعَم.
وفي رواية: «أحَدُهُما كِتابُ اللهِ، هُوَ حَبلُ اللهِ، مَنِ اتَّبَعَهُ كانَ عَلى الهُدى، ومَن تَرَكَهُ كانَ عَلى ضَلالَةٍ». وفِيها: فَقُلنا: مَن أهلُ بَيتِهِ؟ نِساؤُهُ؟ قالَ: لا، وايمُ اللهِ إنَّ المَرأَةَ تَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ العَصرَ مِنَ الدَّهرِ، ثُمَّ يُطَلِّقُها فَتَرجِعُ إلى أبِيها وقَومِها، أهلُ بَيتِهِ أصلُهُ وعَصَبَتُهُ الَّذِينَ حُرِمُوا الصَّدَقَةَ بَعدَهُ.
٢٢٦٤. (خ) (٣٧١٣) عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄؛ عَن أبِي بَكرٍ ﵁ قالَ: ارقُبُوا مُحَمَّدًا ﷺ فِي أهلِ بَيتِهِ.
-في الحديث: الحث على التمسك بالقران، والتحريض على العمل به، والاعتصام به.
-وفيه: تأكيد الوصاية بأهل البيت، والعناية بشأنهم، وإكرامهم.
-وفيه: أن الكبر مظنة النسيان وضعف القوة الحافظة.

باب: فِـي فَضائِلِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ ﵁


٢٢٦٥. (خ) (٣٨٦٧) عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ ﵁ يَقُولُ لِلقَومِ: لَو رَأَيتُنِي مُوثِقِي عُمَرُ عَلى الإسلامِ أنا وأُختُهُ، وما أسلَمَ، ولَو أنَّ أُحُدًا انقَضَّ لِما صَنَعتُم بِعُثمانَ لَكانَ مَحقُوقًا أن يَنقَضَّ.
- (قوله وأخته) بالنصب أي أخت عمر، وهي فاطمة بنت الخطاب زوجة سعيد بن زيد، وكانا أسلما قبل عمر - رضي الله عنه -. (العيني)
-وقال ابن عبد البر: فاطمة هذه أسلمت قديما: قبل زوجها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وقيل مع زوجها. (العيني)

باب: فِـي فَضائِلِ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوّامِ ﵁


٢٢٦٦. (خ م) (٢٤١٥) عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قالَ: نَدَبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ النّاسَ يَومَ الخَندَقِ، فانتَدَبَ الزُّبَيرُ، ثُمَّ نَدَبَهُم فانتَدَبَ الزُّبَيرُ، ثُمَّ نَدَبَهُم فانتَدَبَ الزُّبَيرُ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوارِيٌّ، وحَوارِيَّ الزُّبَيرُ».
وفي رواية (خ): قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَومَ الأَحزابِ: «مَن يَأتِينا بِخَبَرِ القَومِ؟» فَقالَ الزُّبَيرُ: أنا ... [ثَلاثًا]. قالَ سُفيانُ: الحَوارِيُّ: الناصِرُ.
- قوله (ندب رسول الله ﷺ الناس فانتدب الزبير ) أي دعاهم للجهاد، وحرضهم عليه، فأجابه الزبير. (النووي)
- ومعنى: (انتدب): أجاب، ففيه الأدب من الإمام في الندب إلى القتال والمخاوف؛ لأنه كان له أن يقول لرجل بعينه: قم فأتني بخبر القوم. فيلزم الرجل ذَلِكَ لقوله تعالى: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} الآية [الأنفال: 24].
- فضيلة الزبير لدوره في غزوة الخندق.
- فيه فضيلة من احتسب نفسه، وسخى بها في نفع المسلمين وحماية الدين، ولا يقتصر ذلك على الأمور الحربية، بل يشمل كل ما ينفع الإسلام، ويعلي راية المسلمين في جميع المجالات العلمية، والاقتصادية، والاجتماعية.
- قوله ﷺ: (لكل نبي حواري، وحواري الزبير) والحواري الناصر، وقيل: الخاصة. (النووي)

٢٢٦٧. (خ م) (٢٤١٦) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قالَ: كُنتُ أنا وعُمَرُ بنُ أبِي سَلَمَةَ يَومَ الخَندَقِ مَعَ النِّسوَةِ (فِي أُطُمِ حَسّانَ، فَكانَ يُطَأطِئُ لِي مَرَّةً فَأَنظُرُ، وأُطَأطِئُ لَهُ مَرَّةً فَيَنظُرُ)، فَكُنتُ أعرِفُ أبِي إذا مَرَّ عَلى فَرَسِهِ فِي السِّلاحِ إلى بَنِي قُرَيظَةَ. قالَ: فَذَكَرتُ ذَلكَ لأَبِي، فَقالَ: ورَأَيتَنِي يا بُنَيَّ؟ قُلتُ: نَعَم. قالَ: أما واللهِ لَقَد جَمَعَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ يَومَئِذٍ أبَوَيهِ، فَقالَ: «فَداكَ أبِي وأُمِّي». وفي رواية (خ): قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ قالَ: مَن يَأتِ بَنِي قُرَيظَةَ فَيَأتِينِي بِخَبَرِهِم؟ فانطَلَقتُ فَلَمّا رَجَعتُ جَمَعَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ أبَوَيهِ فَقالَ: «فِداكَ أبِي وأُمِّي».
-وفي هذا الحديث دليل لحصول ضبط الصبي وتمييزه وهو ابن أربع سنين، فإن ابن الزبير ولد عام الهجرة في المدينة، وكان الخندق سنة أربع من الهجرة على الصحيح، فيكون له في وقت ضبطه لهذه القضية دون أربع سنين، وفي هذا رد على ما قاله جمهور المحدثين أنه لا يصح سماع الصبي حتى يبلغ خمس سنين، والصواب صحته متى حصل التمييز، وإن كان ابن أربع أو دونها. (النووي)
-وفيه منقبة لابن الزبير لجودة ضبطه لهذه القضية مفصلة في هذا السن. (النووي)
-قال الداودي: ولا أعلم رجلاً جمع له النبي ﷺ أبويه إلا الزبير، وسعد بن أبي وقاص كان يقول له: "ارم فداك أبي وأمي"، وإنما كان يقول لغيرهما: "ارم فداك أبي" أو "فدتك أمي"، وهي كلمة تقال للتبجيل ليس على الدعاء ولا على الخبر. (ابن الملقن)

٢٢٦٨. (خ م) (٢٤١٨) عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قالَ: قالَت لِي عائِشَةُ ﵂: أبَواكَ واللهِ مِنَ الَّذِينَ استَجابُوا للهِ والرَّسُولِ مِن بَعدِ ما أصابَهُم القَرحُ. وفِي رِوايَةٍ زادَ: تَعنِي أبا بَكرٍ والزُّبَيرَ. وزادَ (خ) عَنها: لَمّا أصابَ رَسُولَ اللهِ ﷺ ما أصابَ يَومَ أُحُدٍ، وانصَرَفَ عَنهُ المُشرِكُونَ، خافَ أن يَرجِعُوا، قالَ: «مَن يَذهَبُ فِي إثرِهِم؟» فانتَدَبَ مِنهُم سَبعُونَ رَجُلًا قالَ كانَ فِيهِم أبُو بَكرٍ والزُّبَيرُ.
قولها: (أبواك) تريد الزبير بن العوام وأبا بكر الصديق، فأما الزبير فكان أبوه المباشر، وأما أبو بكر فكان جده من جهة أمه، وإطلاق الأب على الأجداد معروف.
-قوله: «مَن يَذهَبُ فِي إِثرِهِم؟» فَانتَدَبَ مِنهُم سَبعُونَ رَجُلًا قَالَ كَانَ فِيهِم أَبُو بَكرٍ وَالزُّبَيرُ. فكأن هؤلاء كانوا طليعة، فهم أول من تصدق عليهم الآية. (المباركفوري)

٢٢٦٩. (خ) (٣٧١٧) عَنْ مَرْوانَ بْنِ الحَكَمِ قالَ: أصابَ عُثْمانَ بنَ عَفّانَ ﵁ رُعافٌ شَدِيدٌ سَنَةَ الرُّعافِ حَتّى حَبَسَهُ عَنِ الحَجِّ، وأَوصى، فَدَخَلَ عَلَيهِ رَجُلٌ مِن قُرَيشٍ قالَ: استَخلِف. قالَ: وقالَوهُ؟ قالَ: نَعَم. قالَ: ومَن؟ فَسَكَتَ، فَدَخَلَ عَلَيهِ رَجُلٌ آخَرُ أحسِبُهُ الحارِثَ، فَقالَ: استَخلِف. فَقالَ عُثْمانُ: وقالُوا؟ فَقالَ: نَعَم. قالَ: ومَن هُوَ؟ فَسَكَتَ، قالَ: فَلَعَلَّهُم قالُوا: الزُّبَيرَ؟ قالَ: نَعَم. قالَ: أما والَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إنَّهُ لَخَيرُهُم ما عَلِمتُ، وإن كانَ لأَحَبَّهُم إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ.

باب: فِـي فَضائِلِ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ وطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ ﵄


٢٢٧٠. (خ م) (٢٤١٠) عَنْ عائِشَةَ ﵂ قالَت: سَهِرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مَقدَمَهُ المَدِينَةَ لَيلَةً، فَقالَ: «لَيتَ رَجُلًا صالِحًا مِن أصحابِي يَحرُسُنِي اللَّيلَةَ». قالَت: فَبَينا نَحنُ كَذَلكَ سَمِعنا خَشخَشَةَ سِلاحٍ، فَقالَ: «مَن هَذا؟» قالَ: سَعدُ بنُ أبِي وقّاصٍ، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ما جاءَ بِكَ؟» قالَ: (وقَعَ فِي نَفسِي خَوفٌ عَلى رَسُولِ اللهِ ﷺ) فَجِئتُ أحرُسُهُ. (فَدَعا لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ)، ثُمَّ نامَ.
٢٢٧١. (خ م) (٢٤١٢) عَنْ عامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَن أبِيهِ؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ جَمَعَ لَهُ أبَوَيهِ يَومَ أُحُدٍ، (قالَ: كانَ رَجُلٌ مِن المُشرِكِينَ قَد أحرَقَ المُسلِمِينَ)، فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «ارمِ؛ فَـِداكَ أبِي وأُمِّي». (قالَ: فَنَزَعتُ لَهُ بِسَهمٍ لَيسَ فِيهِ نَصلٌ فَأَصَبتُ جَنبَهُ، فَسَقَطَ، فانكَشَفَت عَورَتُهُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حَتّى نَظَرتُ إلى نَواجِذِهِ). وفي رواية (خ): يَقُولُ: نَثَلَ لِي النَّبِيُّ ﷺ كِنانَتَهُ يَومَ أُحُدٍ، فَقالَ: «ارْمِ ...».
ولَهُما عَن عَلِيٍّ ﵁ قالَ: ما جَمَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أبَوَيهِ لِأحَدٍ غَيرَ سَعدِ بْنِ مالِكٍ، فَإنَّهُ جَعَلَ يَقولُ لَهُ ... نَحوَهُ.
٢٢٧٢. (خ م) (٢٤١٤) عَنْ أبِي عُثْمانَ قالَ: لَم يَبقَ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي بَعضِ تِلكَ الأَيّامِ الَّتِي قاتَلَ فِيهِنَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ غَيرُ طَلْحَةَ وسَعدٍ، عَن حَدِيثِهِما.
٢٢٧٣. (م) (٢٤١٧) عن أبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كانَ عَلى جَبَلِ (حِراءٍ)، فَتَحَرَّكَ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اسكُن (حِراءُ)، فَما عَلَيكَ إلا نَبِيٌّ أو صِدِّيقٌ أو شَهِيدٌ». وعَلَيهِ النَّبِيُّ ﷺ وأَبُو بَكرٍ وعُمَرُ وعُثمانُ (وعَلِيٌّ وطَلحَةُ والزُّبَيرُ وسَعدُ بنُ أبِي وقّاصٍ) ﵃.
وفي رواية (م): فَتَحَرَّكَت الصَّخرَةُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اهْدَأْ فَما عَلَيْكَ ...» مِثْلُهُ.
لَفظُ (خ): عَن أنَسٍ؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَعِدَ أُحُدًا وأَبُو بَكرٍ وعُمَرُ وعُثمانُ، فَرَجَفَ بِهِم فَقالَ: «اثبُتْ أُحُدُ، فَإنَّما عَلَيكَ نَبِيُّ وصِدِّيقٌ وشَهِيدانِ».
وفي رواية لَهُ: فَرَجَفَ بِهِم فَضَرَبَهُ بِرِجلِهِ، وفِيها: «فَما عَلَيكَ إلا نَبيٌّ أو صِدِّيقٌ أو شَهِيدٌ».
٢٢٧٤. (م) (١٧٤٨) عَنْ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ ﵁؛ أنَّهُ نَزَلَت فِيهِ آياتٌ مِنَ القُرآنِ، قالَ: حَلَفَت أُمُّ سَعدٍ أن لا تُكَلِّمَهُ أبَدًا حَتّى يَكفُرَ بِدِينِهِ، ولا تَأكُلَ ولا تَشرَبَ، قالَت: زَعَمتَ أنَّ اللهَ وصّاكَ بِوالِدَيكَ؛ وأَنا أُمُّكَ وأَنا آمُرُكَ بِهَذا. قالَ: مَكَثَت ثَلاثًا حَتّى غُشِيَ عَلَيها مِنَ الجَهدِ، فَقامَ ابنٌ لَها يُقالُ لَهُ عُمارَةُ فَسَقاها، فَجَعَلَت تَدعُو عَلى سَعدٍ، فَأَنزَلَ اللهُ ﷿ فِي القُرآنِ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿ووَصَّيْنا الإنسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْنًا﴾ [العَنكبوت: ٨]، ﴿وإن جاهَداكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي﴾ وفِيها: ﴿وصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: ١٥].
قالَ: وأَصابَ رَسُولُ اللهِ ﷺ غَنِيمَةً عَظِيمَةً فَإذا فِيها سَيفٌ، فَأَخَذتُهُ فَأَتَيتُ بِهِ الرَّسُولَ ﷺ فَقُلتُ: نَفِّلنِي هَذا السَّيفَ، فَأَنا مَن قَد عَلِمتَ حالَهُ، فَقالَ: «رُدُّهُ مِن حَيثُ أخَذتَهُ». فانطَلَقتُ حَتّى إذا أرَدتُ أن أُلقِيَهُ فِي القَبَضِ لامَتنِي نَفسِي، فَرَجَعتُ إلَيهِ فَقُلتُ: أعطِنِيهِ، قالَ: فَشَدَّ لِي صَوتَهُ: «رُدُّهُ مِن حَيثُ أخَذتَهُ». فَأَنزَلَ اللهُ ﷿: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفالِ﴾ [الأنفال: ١].
قالَ: ومَرِضتُ فَأَرسَلتُ إلى النَّبِيِّ ﷺ فَأَتانِي، فَقُلتُ: دَعنِي أقسِم مالِي حَيثُ شِئتُ، قالَ: فَأَبى، قُلتُ: فالنِّصفَ؟ قالَ: فَأَبى، قُلتُ: فالثُّلُثَ؟ قالَ: فَسَكَتَ، فَكانَ بَعدُ الثُّلُثُ جائِزًا. قالَ: وأَتَيتُ عَلى نَفَرٍ مِنَ الأَنصارِ والمُهاجِرِينَ فَقالُوا: تَعالَ نُطعِمكَ ونَسقِيكَ خَمرًا. وذَلكَ قَبلَ أن تُحَرَّمَ الخَمرُ، قالَ: فَأَتَيتُهُم فِي حَشٍّ والحَشُّ البُستانُ فَإذا رَأسُ جَزُورٍ مَشوِيٌّ عِندَهُم، وزِقٌّ مِن خَمرٍ، قالَ: فَأَكَلتُ وشَرِبتُ مَعَهُم، قالَ: فَذُكِرت الأَنصارُ والمُهاجِرُونَ عِندَهُم، فَقُلتُ: المُهاجِرُونَ خَيرٌ مِنَ الأَنصارِ، قالَ: فَأَخَذَ رَجُلٌ أحَدَ لَحيَيِ الرَّأسِ فَضَرَبَنِي بِهِ فَجَرَحَ بِأَنفِي، فَأَتَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَأَخبَرتُهُ، فَأَنزَلَ اللهُ ﷿ فِيَّ يَعنِي نَفسَهُ شَأنَ الخَمرِ: ﴿إنَّما الخَمْرُ والمَيْسِرُ والأَنصابُ والأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ﴾ [المائدة: ٩٠].
٢٢٧٥. (م) (٢٤١٣) عَنْ سَعْدٍ ﵁؛ فِيَّ نَزَلَت: ﴿ولا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ والعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ﴾ [الأنعام: ٥٢]، قالَ: نَزَلَت فِي سِتَّةٍ، أنا وابنُ مَسْعُودٍ مِنهُم، وكانَ المُشرِكُونَ قالُوا لَهُ: تُدنِي هَؤُلاءِ؟ وفِي رِوايَةٍ: كُنّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ سِتَّةَ نَفَرٍ، فَقالَ المُشرِكُونَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: اطرُد هَؤُلاءِ لا يَجتَرِئُونَ عَلَينا.
كثرة مناقب سعد بن أبي وقاص.
-لا يجوز أخذ شيء من الغنيمة حتى يقسمها الإمام.
-استحباب الوصية بما دون الثلث.
-في الحديث: سبب نزول آية تحريم الخمر في سورة المائدة.
-وفيه: سبب نزول آية الوصية بالوالدين وعدم طاعتهما في معصية، في سورة لقمان.
-قال النووي: فيه جواز الاحتراس من العدو، والأخذ بالحزم، وترك الإهمال في موضع الحاجة إلى الاحتياط.
-قال النووي: قال العلماء: وكان هذا الحديث قبل نزول قوله تعالى: {والله يعصمك من الناس} لأنه ﷺ ترك الاحتراس حين نزلت هذه الآية، وأمر أصحابه بالانصراف عن حراسته، وقد صرح في الرواية الثانية بأن هذا الحديث الأول كان في أول قدومه المدينة، ومعلوم أن الآية نزلت بعد ذلك بأزمان.
-قال النووي: في الحديث فضيلة الرمي والحث عليه، والدعاء لمن فعل خيرا.
-فيه: جواز التفدية بالأبوين. (ابن عثيمين)
-قوله: (فضحك) قال النووي: أي فرحا بقتله عدوه، لا لانكشافه.

٢٢٧٦. (خ) (٣٧٢٤) عَنْ قَيْسِ بْنِ أبِي حازِمٍ قالَ: رَأَيتُ يَدَ طَلْحَةَ ﵁ الَّتِي وقى بِها النَّبِيَّ ﷺ قَد شَلَّت.

باب: فِـي فَضائِلِ أبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الجَرّاحِ ﵁


٢٢٧٧. (خ م) (٢٤١٩) عَنْ أنَسِ بْنِ مالكٍ ﵁، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أمِينًا، وإنَّ أمِينَنا أيَّتُها الأُمَّةُ أبُو عُبَيدَةَ بنُ الجَرّاحِ».
٢٢٧٨. (خ م) (٢٤٢٠) عَنْ حُذَيْفَةَ ﵁ قالَ: جاءَ أهلُ نَجرانَ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقالُوا: يا رَسُولَ اللهِ؛ ابعَث إلَينا رَجُلًا أمِينًا. فَقالَ: «لأَبعَثَنَّ إلَيكُم رَجُلًا أمِينًا حَقَّ أمِينٍ، حَقَّ أمِينٍ». قالَ: فاستَشرَفَ لَها النّاسُ، قالَ: فَبَعَثَ أبا عُبَيدَةَ بنَ الجَرّاحِ.
وفي رواية (خ): قالَ: جاءَ العاقِبُ والسَّيِّدُ صاحِبا نَجرانَ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ يُرِيدانِ أن يُلاعِناهُ، قالَ: فَقالَ أحَدُهُما لِصاحِبِهِ: لا تَفعَل، فَوَ اللهِ لَئِن كانَ نَبِيًا فَلاعَنّا لا نُفلِحُ نَحنُ ولا عَقِبُنا مِن بَعدِنا، قالا: إنّا نُعطِيكَ ما سَأَلتَنا، وابعَث مَعَنا رَجُلًا أمِينًا ... وفِيها: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «هَذا أمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ». ورَوى (م) عَن أنَسٍ؛ أنّ أهلَ اليَمَنِ قَدِمُوا عَلى رَسُولِ اللهِ ﷺ فقالوا: ابعَث مَعَنا رَجُلًا يُعلِّمُنا السُنَّةَ والإسَلامَ. قال: فأَخَذَ بِيَدِ أبي عُبَيدَةَ فقالَ: «هَذا ...».
-وأما الأمين فهو الثقة المرضي. قال العلماء: والأمانة مشتركة بينه وبين غيره من الصحابة، لكن النبي ﷺ خص بعضهم بصفات غلبت عليهم، وكانوا بها أخص. (النووي)
-قوله: (فاستشرف لها الناس) قال النووي: أي تطلعوا إلى الولاية، ورغبوا فيها حرصا على أن يكون هو الأمين الموعود في الحديث، لا حرصا على الولاية من حيث هي.

١ س١) الذي قال له النبي ﷺ: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي"، هو:

٥/٠